موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

ما رجعنا من بني قينقاع وذبحنا في بني سلمة ، فعددت سبع عشرة اضحية (١).

وقال اليعقوبي : وضحى رسول الله بالمدينة ، وخرج بالناس الى المصلى ..

وكانت العنزة بين يديه ، وذبح بالمصلى شاة أو شاتين بيده ، ومضى من طريق ورجع من اخرى (٢).

وفاة عثمان بن مظعون :

قال الطبري : وفي ذي الحجة من هذه السنة مات عثمان بن مظعون ، فدفنه رسول الله بالبقيع وجعل عند رأسه حجرا علامة لقبره (٣).

روى ابن عبد البر في «الاستيعاب» عن عائشة قالت : إن النبيّ قبّل عثمان ابن مظعون وهو ميت وهو يبكي وعيناه تهراقان (٤).

وروى ابن شبّة النميري في «تاريخ المدينة» بسنده عن عمر المخزومي قال : كان عثمان بن مظعون من أول من مات من المهاجرين. فقالوا : يا رسول الله أين ندفنه؟ قال : بالبقيع. ولحد له رسول الله ، وفضل حجر من حجارة لحده فحمله رسول الله فوضعه عند رجليه (٥).

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ١٣٧ ، ١٣٨ ونقله الطبري ٢ : ٤٨١ عن الواقدي : وليس في المغازي فلعله في سيرته.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٦ ومثله الطبري ٢ : ٤٨١ والمسعودي في التنبيه والاشراف : ٢٠٧ وعن الطبري الجزري في الكامل ٢ : ٩٨ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ٨.

(٣) الطبري ٢ : ٤٨٥ وعنه في الكامل ٢ : ٩٨ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ٨.

(٤) الاستيعاب ٣ : ٨٥.

(٥) تاريخ المدينة ١ : ١٠١ ، ١٠٢ وتمامه : فلما ولي مروان بن الحكم المدينة مرّ على ذلك الحجر

٢٢١

وروى بسنده عن المطلّب بن عبد الله عن رجل من الصحابة قال : لما دفن النبيّ عثمان بن مظعون قال لرجل : هلّم تلك الصخرة أضعها على قبر أخي أتعلّمه بها ، أدفن إليه من دفنت من أهلي. فقام الرجل إليها فلم يقدر عليها. فكأني أنظر الى بياض ساعدي رسول الله احتملها حتى وضعها عند قبره (١).

وروى الكليني في «فروع الكافي» بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : لما مات عثمان بن مظعون سمع النبيّ امرأته تقول : يا أبا السائب هنيئا لك الجنة. فقال النبي : وما علمك؟ حسبك أن تقولي : كان يحبّ الله ورسوله (٢).

وروى النميري البصري عن قدامة بن موسى قال : كان في البقيع (شجر) غرقد ، فلما مات عثمان ودفن بالبقيع قال رسول الله للموضع الذي دفن فيه : هذه الرّوحاء وأشار الى جهة الطريق من دار محمد بن زيد الى زاوية عقيل بن أبي طالب. ثم أشار الى ناحية اخرى وقال : وهذه من الرّوحاء ، وأشار الى جهة الطريق من دار محمد بن زيد الى أقصى البقيع يومئذ (٣).

__________________

ـ فأمر به أن يرمى وقال : والله لا يكون على قبر عثمان بن مظعون حجر يعرف به. فقالوا : عدت الى حجر وضعه النبيّ فرميت به؟! بئس ما عملت ، فأمر به فليرد. فقال : أم والله إذ رميت به فلا يرد! ولعله لأنه قتل رجلا وأسر آخر في بدر!.

(١) تاريخ المدينة ١ : ١٠٢.

(٢) فروع الكافي ١ : ٧٢. والغريب أن الحميري في قرب الاسناد : ٧ بسنده عن الباقر عليه‌السلام والصدوق في الخصال ٢ : ٣٧ بسنده عن الصادق عليه‌السلام رويا : أن عثمان تزوج أمّ كلثوم فماتت ولم يدخل بها ، فلما ساروا الى بدر زوّجه رسول الله رقية .. وهذا يخالف مسلّمات التاريخ والسيرة ، وفي طريق الأول هارون وفي الثاني علي بن أبي حمزة البطائني فلعلّ الخلل منهما. وسيأتي وفاة أمّ كلثوم أيضا فيما بعد هذا.

(٣) تاريخ المدينة ١ : ١٠٠.

٢٢٢

وفاة رقيّة بنت الرسول :

روى ابن اسحاق مرسلا عن اسامة بن زيد قال : إن رسول الله بعث أبي زيد بن حارثة من بدر الى أهل السافلة (من المدينة) بشيرا بما فتح الله عليه .. وكان رسول الله قد خلّفني مع عثمان بن عفان على رقيّة ابنته التي كانت عند عثمان ، فأتاه الخبر حين سوّينا التراب عليها (١).

بينما روى الواقدي : أن رسول الله عرض عسكره في بيوت السقيا حين خرج الى بدر فردّا اسامة بن زيد فيمن ردّه لصغره ، ولم يرو أنه خلّفه على ابنته رقية مع عثمان بن عفان (٢) بل روى ردّه في احد أيضا (٣) وتوفي رسول الله واسامة ابن تسع عشرة سنة (٤) بل كان أول ما قدم المدينة غلاما يسيل مخاطه على فيه فتتقذّر منه عائشة حتى غسل وجهه رسول الله (٥) هذا وغزوة بدر في منتصف الثانية من الهجرة فكيف يكون قد خلّفه النبيّ مع عثمان على أمر رقيّة؟! وانما راوي الخبر الزهري عن عروة عن اسامة بن زيد (٦) أو النميري البصري بسنده عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن جده (٧) ولم يذكروا متى خلّفه رسول الله على ابنته رقية ، ولم يذكروا عثمان فيمن ردّه الرسول من الطريق ، اللهم الا ما رواه النميري البصري في «تاريخ المدينة» مرسلا : أن عبد الرحمن بن عوف عتب على

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٩٦.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٢١.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ٢١٦.

(٤ و ٥) مغازي الواقدي ٣ : ١١٢٥.

(٤ و ٥) مغازي الواقدي ٣ : ١١٢٥.

(٦) وفاء الوفاء ٢ : ٨٦.

(٧) تاريخ المدينة ١ : ١٠٣.

٢٢٣

عثمان فذكر أنه شهد بدرا ولم يشهدها عثمان. فأرسل إليه عثمان : اني قد خرجت للذي خرجت له فردّني رسول الله من الطريق الى بنته التي كانت تحتي! لما بها من المرض ، فوليت من بنت رسول الله الذي يحق عليّ حتى دفنتها ، ثم لقيت رسول الله منصرفه من بدر فبشرني بأجري وأعطاني سهما (١).

وقبله نقله الواقدي مرسلا أيضا فقال : ويقال : كان بين عثمان وعبد الرحمن كلام فأرسل عبد الرحمن الى الوليد بن عقبة فدعاه وقال له : اذهب الى أخيك (من الرضاعة) فبلّغه عني ما أقول لك ، فاني لا أعلم أحدا يبلّغه غيرك! قل له : يقول لك عبد الرحمن : شهدت بدرا ولم تشهد ... فجاءه فأخبره فقال عثمان : صدق أخي! تخلّفت عن بدر على ابنة رسول الله وهي مريضة ، فضرب رسول الله بسهمي وأجري (٢).

وليس فيه أن رسول الله ردّه من الطريق ، ولا أنه دفنها يومئذ ، وكذلك فيما رواه ابن حنبل عن عبد الله بن عمر في «المسند» (٣) بل والبخاري في «الجامع الصحيح» (٤) واذ كان ابن عوف حاضرا في بدر وعند ضرب سهامها وتقسيمها فكيف لم يعرف ذلك لعثمان؟!

وثمة رواية اخرى تقول : انه تخلف عن بدر لانه كان مريضا بالجدري (٥).

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ١٠٤.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٢٧٨.

(٣) مسند أحمد ١ : ٦٨ و ٢ : ١٠١.

(٤) صحيح البخاري ٦ : ١٢٢.

(٥) السيرة الحلبية ٢ : ١٤١ و ١٨٥. وروى الواقدي ١ : ١٣١ : عن ابن جريج في قوله سبحانه : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ.

٢٢٤

وقد روى ابن سعد في «الطبقات» بسنده عن ابن عباس ـ وأهل البيت أدرى بالبيت ـ قال : لما ماتت رقية بنت رسول الله ، قال رسول الله الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون.

وبكى النساء ، فجعل عمر يضربهن بسوطه! فأخذ النبيّ بيده وقال : دعهنّ يا عمر! ثم قال للنساء : اياكنّ ونعيق الشيطان ، فانه مهما يكن من العين والقلب فمن الله ومن الرحمة ، ومهما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان.

فجلست فاطمة على شفير القبر وبكت ، وجعل النبيّ يمسح دموعها بثوبه (١)

ومن قبله نقله شيخه الواقدي ولكنه علق عليه بقوله : هذا وهم .. لأن الثبت أن رقية ماتت ببدر. ولعلها غيرها من بناته ، أو يحمل على أنه أتى قبرها بعد بدر (٢) وفات الواقدي أن نصّ الخبر لا يحتمل هذا التأويل : لما ماتت رقية بنت رسول الله قال .. وقد روى الخبر الكليني في «فروع الكافي» بسنده عن أحدهما عليهما‌السلام قال : لما ماتت رقية ابنة رسول الله قال رسول الله : الحقي بسلفنا

__________________

ـ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) قال : كره خروج رسول الله الى بدر أقوام من أصحابه قالوا : نحن قليل ، وما الخروج برأي. وقال قبل ذلك ١ : ٢١ : وكان من تخلّف لم يلم لأنهم ما خرجوا على قتال وانما خرجوا للعير! وتخلف قوم من أهل البصائر والنيّات لو ظنوا أنه يكون قتال ما تخلفوا. هذه وجوه ثلاثة : الجدري ، وظن الغنيمة ، وكراهية القتال ، ولعل تخلّف عثمان من أحدها.

(١) الطبقات ٨ : ٢٤ ، ٢٥.

(٢) الاصابة ٤ : ٢٩٧ وبه قال السمهودي في وفاء الوفاء ورواه النميري البصري في تأريخ المدينة ١ : ١٠٢ عن غير ابن سعد والواقدي.

٢٢٥

الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه. وكانت فاطمة على شفير القبر تنحدر دموعها ، ورسول الله قائم يتلقاها بثوبه ويدعو لرقية ثم قال : سألت الله عزوجل أن يجيرها من ضمّة القبر (١).

وفيه بسنده عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام : أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال : نعوذ بالله منها ، ما أقل من يفلت من ضغطة القبر ، إن رقية لما قتلها (٢) عثمان وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على قبرها فرفع رأسه الى السماء ودمعت عيناه وقال : اللهم هب لي رقية من ضمّة القبر. فوهبها الله له فقال للناس : إني ذكرت هذه وما لقيت ، فرققت لها واستوهبتها من ضمة القبر (٣).

أما تاريخ وفاتها : فقد تبيّن ممّا مرّ أنها توفيت بعد عثمان بن مظعون ، وحيث نصّوا على وفاته في ذي الحجة فهي كذلك بعده ، كما نصّ عليه النووي (٤) الّا أن ابن قتيبة دقّق فقال : توفيت لسنة وعشرة أشهر وعشرين يوما من مقدمه المدينة (٥) أي في العشرين من شهر محرم الحرام أواخر السنة الثانية للهجرة أو أول الثالثة. وعن سبب وفاتها روى النميري البصري عن الزهري قال : أصابتها الحصبة (٦).

__________________

(١) فروع الكافي ١ : ٦٦.

(٢) وروى النميري البصري عن الزهري قال : أصابتها الحصبة ١ : ١٠٤.

(٣) فروع الكافي ١ : ٦٤ ويروي خبرا آخر عنه عليه‌السلام في منع عثمان عن الدخول في قبرها ، وانما فيها : بنت رسول الله وليس فيها اسم رقية ولا أمّ كلثوم ولكنها تشتمل على حوادث ما بعد خيبر ولذلك فهي واخرى عن خرائج الراوندي في أمّ كلثوم وليس رقية ، وسيأتي فيما بعد وفاة أمّ كلثوم.

(٤) تاريخ الخميس ١ : ٤٠٦.

(٥) ذخائر العقبى : ١٦٣.

(٦) تاريخ المدينة ١ : ١٠٤.

٢٢٦

أهم حوادث

السنة الثالثة للهجرة

٢٢٧
٢٢٨

وقعة ذي قار :

قال اليعقوبي : وكان يوم ذي قار بعد وقعة بدر بأشهر أربعة أو خمسة ، اذ حاربت ربيعة كسرى وقالوا : عليكم بشعار التّهامي ، فنادوا : يا محمد يا محمد ، فقتلوا من جيوش كسرى حتى هزموهم ، فلما بلغ ذلك رسول الله قال : اليوم أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم ، وبي نصروا (١).

وقال المسعودي : كان الوقعة بذي قار بين بكر بن وائل (من ربيعة) وعليهم حنظلة بن سيار .. وبين الجيش الذي أرسله إليهم الملك خسرو پرويز عليهم الهامرز.

وذلك لمّا امتنع هانئ بن قبيصة الشيباني من تسليم ما كان النعمان بن المنذر اللخمي ملك الحيرة أودعه إيّاه من أهله وماله وسلاحه قبل قتل كسرى إيّاه. فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمت الفرس ومن كان معها من العرب من تغلب

__________________

(١) اليعقوبي ٢ : ٤٦.

٢٢٩

وعليها بشر بن سوادة التغلبي ، وطئ وعليها إياس بن قبيصة الطائي ، وضبّة وتميم وعليهما عطارد بن حاجب ، والنمر وعليها أوس بن الخزرج النمري ، وبهراء وتنوخ وغيرهم من العرب ...

فلمّا بلغه ظهورهم على العجم قال : هذا أوّل يوم انتصفت فيه العرب من العجم ، وبي نصروا (١) وكأنّ المسعودي يرى أنّ تمجيد الرسول لهم لوفائهم وحفظهم لوديعتهم وأمانتهم ، لأنّهم عرّضوا أموالهم للزوال ، وأنفسهم للقتل وحرمهم للسبي دون أن يضيعوا وديعتهم وأمانتهم (٢).

وذكر الوقعة في «مروج الذهب» مرّة في أيام خسرو پرويز من ملوك الساسانيين ، وفيها قال : وفي رواية أنّها كانت بعد وقعة بدر بأشهر ـ أو بأربعة أشهر ـ ورسول الله بالمدينة ، وهو اليوم الذي قال فيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هذا أوّل يوم انتصفت فيه العرب من العجم ، ونصرت عليهم بي» وكانت بين بكر بن وائل والهرمزان صاحب كسرى پرويز. ثمّ قال : وقد أتينا على هذه الأخبار بالشرح والإيضاح في «الكتاب الأوسط» (٣).

ومرّة أخرى في ملوك الحيرة بشأن النعمان بن المنذر اللّخمي قال : حين أراد المضيّ إلى كسرى مرّ على بني شيبان فأودعهم سلاحه وعياله عند هانئ بن مسعود الشيباني ، فلمّا قضى كسرى على النعمان بعث إلى هانئ بن مسعود وطالبه بتركته ، فامتنع وأبى أن يخفر الذمّة ، فكان ذلك السبب الذي أهاج حرب ذي قار. وقد أتينا على ذلك في «الكتاب الأوسط» (٤).

__________________

(١) التنبيه والإشراف : ٢٠٧ ، ٢٠٨.

(٢) التنبيه والإشراف : ٢٠٨.

(٣) مروج الذهب ١ : ٣٠٦ ، ٣٠٧.

(٤) مروج الذهب ٢ : ٧٨.

٢٣٠

وقد مرّ عن «التنبيه والإشراف» أن هانئا هو ابن قبيصة الشيباني ، وقد روى الطبري عن معمر بن المثنى عن فراس بن خندق أنه : هانئ بن مسعود ، ثم قال ابو عبيدة المثنّى : قال بعضهم : إن هانئ بن مسعود لم يدرك هذا الأمر ، وانما هو هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود ، ثم قال : وهو الثبت عندي (١) والمسعودي في «التنبيه والإشراف» أشرف به على سائر كتبه السابقة ونبّه به عليها ، فلعل هذا أيضا من موارد التنبيه (٢).

غزوة قرقرة الكدر (٣) :

مرّ أن ابن اسحاق ذكرها بعد رجوع الرسول من بدر باسبوع ، والطبري نقل تحديد الخروج إليها في غرة شوال بعد الزوال ، ولكن الواقدي قال : للنصف من المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهرا ، وغاب فيها خمس عشرة ليلة.

ثم روى عن يعقوب بن عتبة قال : بلغ رسول الله أن بقرارة الكدر جمعا من بني سليم وغطفان (على العدوان) فاستخلف على المدينة عبد الله بن أمّ مكتوم يصلي بهم ، ثم سار إليهم بمائتي رجل حتى أخذ عليهم الطريق ، فرأى آثار النعم ومواردها ولم يجد في المجال أحدا ، فأرسل نفرا من أصحابه الى أعلى الوادي ... فوجدوا ـ كما عن أبي أروى الدّوسي ـ خمسمائة بعير يرعاها غلام يسمّى يسار ،

__________________

(١) الطبري ٢ : ٢٠٦.

(٢) وننبّه هنا الى أننا قد أوردنا خبر ذي قار في أوائل الكتاب ، ولكني رجّحت ذكره هنا لما ترجّح عندي من العلاقة بين قولهم : نادوا بشعار التهامي فنادوا : يا محمد يا محمد ، وبين قوله : وبي نصروا ، وهذا أنسب أن يكون بعد بدر لا قبله.

(٣) قرقرة الكدر : بناحية معدن بني سليم قريب من الأخضية وراء سدّ معونة ثمانية برد عن المدينة ١٧٦ كيلومترا.

٢٣١

فساقوها في بطن الوادي ، واستقبلهم رسول الله في بطن الوادي فسألهم عن الناس فقال يسار : انما أنا في النعم والناس قد ذهبوا الى المياه ولا علم لي بهم.

فاغتنم النعم النبيّ ، واسترقّ العبد وانحدر الى المدينة ، فلما صلّى الصبح رأى العبد يصلي ، فتقبّله عن سهمه في الغنيمة واعتقه. ولما انصرفوا الى صرار ـ على ثلاثة أميال ٥ كيلومترات من المدينة ـ خمّس النعم فأخرج خمسها مائة بعير ، ثم قسّم أربعة أخماسها على المسلمين فأصاب كل رجل منهم بعيران بعيران (١).

بينما قال ابن اسحاق : لما رجع رسول الله من غزوة السّويق أقام بالمدينة بقية ذي الحجة ثم غزا نجدا يريد غطفان .. فأقام بها صفرا كله ولم يلق كيدا ، ثم رجع الى المدينة. وقال : وهي غزوة ذي أمرّ (٢) بينما قال الواقدي :

غزوة ذي أمرّ :

على رأس خمسة وعشرين شهرا خرج رسول الله يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع ، فغاب أحد عشر يوما (٣).

والواقدي أتم واكمل من ابن اسحاق في تاريخ الحوادث بصورة عامة ، ولكن هذا التاريخ من التواريخ التي علينا أن نتأمّل فيها ، فانه سيقول في تاريخ إرسال الرسول السرية لقتل كعب بن الاشرف : إنه مشى معهم حتى أتى البقيع ثم وجّههم في ليلة أربع عشرة من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا (٤) بينما

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٨٢ ، ١٨٤.

(٢) ابن هشام ٣ : ٤٩. وذو أمرّ : واد قرب قرية النخيل على ثلاث مراحل برد ٦٧ كيلو مترا من المدينة الى طريق فيد ، كما في وفاء الوفاء ٢ : ٢٤٩.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ١٩٣.

(٤) مغازي الواقدي ١ : ١٨٩.

٢٣٢

لا يمكن أن يرافق النبيّ محمد بن مسلمة في الطريق بعد خروجه (لذي أمرّ) بيومين (١).

ونجده في تاريخه لغزوة بني سليم ببحران بناحية الفرع يقول : لليال خلون من جمادى الاولى ... ثم يروي عن الزهري أن غيبته فيها كانت عشر ليال (٢) وهذا يقرب من نص ابن اسحاق إذ قال : فأقام بها (من) شهر ربيع الآخر وجمادى الاولى ثم رجع الى المدينة (٣).

فلو كان خروجه لغزوة ذي أمرّ ـ كما قال الواقدي ـ في الثاني عشر من ربيع الأول تنافي ذلك مع مشايعته لسريّة قتل ابن الأشرف في الرابع عشر منه ، مع وجود التسالم على تاريخ مقتله ذلك ، وعليه فلو اثبتنا تاريخ مقتل ابن الأشرف واحتملنا في تاريخ الواقدي لغزوة ذي أمرّ أن «ربيع» في نصّه هو «ربيع الآخر» لا الأول ، وكانت غيبته فيها أحد عشر يوما بعد الثاني عشر منه تقارب بل تقارن رجوعه منها مع خروجه لغزوة بحران بناحية الفرع ، مما يبعد أيضا.

فيغلب في الظنّ أن نرجّح هنا رواية ابن اسحاق : بأن غزوة ذي أمرّ كانت في شهر صفر ، سيما مع خلوّه من ذكر غزوة غيرها فيه أو سرية سواها ، ولا سيما مع سلامة روايته من المعارض. الا أننا نأخذ تفصيل الرواية من الواقدي ، إذ تخلو رواية ابن اسحاق عن ذلك.

روى الواقدي عن جمع قالوا : بلغ رسول الله أنّ رجلا من بني محارب يدعى دعثور بن الحارث جمع جمعا منهم ومن ثعلبة بذي أمرّ يريدون أن يصيبوا

__________________

(١) مقدمة المحقق : ٣٢.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ١٩٧.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ : ٥٠.

٢٣٣

من أطراف رسول الله. فندب رسول الله المسلمين فخرج في أربعمائة وخمسين رجلا ، فأخذ على المنقى ثم مضيق الخبيت (على بريد ٢٢ كيلومترا من المدينة) ثم خرج الى ذي القصّة (الى جهة نجد) فأصابوا بها رجلا من بني ثعلبة يدعى جبّارا فأدخلوه على رسول الله فدعاه الى الاسلام فأسلم ، فقالوا له : هل بلغك لقومك خبر؟ قال : لا ، الّا أنه بلغني أنّ دعثور بن الحارث قد اعتزل في اناس من قومه وإنهم إن سمعوا بمسيرك هربوا في رءوس الجبال ولن يلاقوك ، وأنا سائر معك ودالّك على ثغراتهم.

فضمّه النبيّ الى بلال ، وخرج بهم فأخذ طريقا أهبطهم من كثب ، فلما رآه اولئك الأعراب هربوا منه فوق الجبال ، فلم يلاق النبيّ منهم أحدا ، الّا أنه يراهم ويرونه من فوق الجبال (١).

ونزل رسول الله وعسكر في معسكرهم ، ثم ذهب لحاجته فأصابه مطر فبلّ ثوبه فنزع ثيابه ونشرها على شجرة لتجفّ واضطجع تحتها ينتظر جفافها.

فقال الاعراب لسيدهم دعثور : ها قد انفرد محمد من أصحابه بحيث اذا استغاث بهم لا يغيثوه حتى تدركه فتقتله! فقد امكنك محمد!

فاختار من سيوفهم سيفا صارما واشتمل عليه وأقبل حتى قام على رأس النبيّ شاهرا سيفه وقال : يا محمد! من يمنعك مني اليوم؟! قال رسول الله : الله ، واندفع ووقع السيف من يده ، فأخذه رسول الله وقام به عليه وقال : وأنت من يمنعك مني؟ قال : لا أحد ، وأنا أشهد أن لا إله الّا الله وأنّ محمدا رسول الله ، والله لا اكثر عليك جمعا أبدا! فأعطاه رسول الله سيفه فأخذه وأدبر حتى أتى قومه ،

__________________

(١) ونقل قريبا منه ابن الأثير في الكامل ٢ : ٩٩ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ٩ وقال : وكان مقامه اثنتي عشرة ليلة.

٢٣٤

فقالوا : قد أمكنك والسيف في يدك فأين ما كنت تقول؟ قال : والله كان ذلك ، ولكنّي نظرت الى رجل أبيض طويل دفع في صدري فوقعت لظهري ، فعرفت أنه ملك ، وشهدت أن لا إله الّا الله وأن محمدا رسول الله ، والله لا أكثر عليه ، وجعل يدعو قومه الى الاسلام (١).

ومن الحوادث في هذا الشهر الربيع من هذه السنة الثالثة : أن عثمان خطب من عمر ابنته حفصة ـ بعد وفاة زوجها خنيس بن حذافة السهمي (٢) ـ فأبى عمر أن يزوّجه فبلغ ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فخطبها وتزوجها (٣) ، وعوّض عثمان عنها وعن ابنته رقية بابنته الاخرى أمّ كلثوم فزوجها اياه (٤) بعد أن كان عمر وأبو بكر قد خطباها فلم يزوّجهما (٥) ولعله لكبرهما ، ولعله زوّجها عثمان لتكون لابن اختها عبد الله بن عثمان من رقية كأمّه (٦).

سريّة قتل ابن الأشرف :

مرّ أن كعب بن الأشرف النّبهاني الطائي لما رأى سراة قريش ببدر أسرى بالمدينة لم يتحمّل ذلك دون أن خرج الى قريش بمكة ليبكي قتلاهم فيحثهم بذلك

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٩٣ ـ ١٩٦ ونقله الطبرسي في اعلام الورى ١ : ١٧٣ ، ١٧٤ بلفظ الواقدي بلا اسناد ، وصدره في مناقب آل أبي طالب ١ : ١٩٠.

(٢) هو اخو خارجة بن حذافة مدير شرطة عمرو بن العاص السهمي والذي قتل بدلا عنه بيد الخوارج المتأمرين على علي عليه‌السلام ومعاوية وعمرو.

(٣) وسيأتي التفصيل عن زواجه بها قبل شهر رمضان.

(٤) ذخائر العقبى : ١٦٥ والمواهب اللدنية ١ : ١٩٧ عن الخجندي.

(٥) مستدرك الحاكم ٤ : ٤٩.

(٦) تاريخ المدينة المنورة لابن شبّة ٣ : ٩٥٢.

٢٣٥

ليخرجوا للانتقام من المسلمين فيخرج معهم ، فخرج حتى قدم مكة على أبي وداعة بن ضبيرة السّهمي ، وزوجته عاتكة بنت اسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس ، فجعل ينشد الأشعار ويبكي للذين اصيبوا من قريش ببدر ويحرّض على رسول الله (١).

فدعا رسول الله حسّان بن ثابت (٢) فأخبره بنزول كعب على عاتكة بنت اسيد وأن يهجوها ، فقال حسّان :

ألا أبلغوا عني اسيدا رسالة

فخالك عبد بالسراب مجرّب

لعمرك ما أوفى اسيد بجاره

ولا خالد ، لا والمفاضة زينب (٣)

وعتّاب عبد غير موف بذمة

كذوب ، شئون الرأس ، قرد مدرّب!

فلما بلغها هجاؤه قالت لزوجها : ما لنا ولهذا اليهودي؟! ألا ترى ما يصنع بنا حسّان؟! ونبذت رحله! فتحوّل عنهم الى غيرهم ، وكلما كان يتحوّل الى قوم كان رسول الله يدعو حسّان فيخبره بنزول كعب على فلان ، فلا يزال حسّان يهجوهم حتى يخرجوه من عندهم ، وحتى لم يجد مأوى في مكة ، فرجع الى المدينة.

فلما بلغ النبيّ قدوم ابن الأشرف قال : اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشرّ وقوله الأشعار (٤).

__________________

(١) ابن هشام ٣ : ٥٥ ومغازي الواقدي ١ : ١٨٧.

(٢) وهذا أول مورد ورد فيه ذكر حسّان شاعرا للرسول بالمدينة.

(٣) اسيد أبو عاتكة ، وخالد لعله اسم أبي العيص ، وزينب أمه أو أم عاتكة ، والمفاضة : المرأة الضخمة البطن!

(٤) مغازي الواقدي ١ : ١٨٦ ، ١٨٧.

٢٣٦

ثم روى ابن اسحاق عن عبد الله بن المغيث بن أبي بردة الظفري (عن أبيه عن جده) قال : رجع ابن الأشرف الى المدينة فشبّب بنساء المسلمين حتى آذاهم.

فقال رسول الله لأصحابه : من لي بابن الأشرف؟

فقال محمد بن مسلمة (الأوسي) وكان أخا ابن الأشرف من الرضاعة : أنا لك به يا رسول الله ، أنا أقتله.

قال : فافعل ان قدرت على ذلك.

فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثة أيام لا ياكل ولا يشرب الّا ما يحفظ به نفسه ، فذكر ذلك لرسول الله ، فدعاه فقال له : لم تركت الطعام والشراب؟ فقال : يا رسول الله قلت قولا لا أدري هل أفينّ لك به أم لا؟ فقال : إنما عليك الجهد (١) ، وشاور سعد بن معاذ في أمره.

فاجتمع محمد بن مسلمة ونفر من الأوس منهم عبّاد بن بشر بن وقش وأخوه سلكان بن سلامة بن وقش ، وكان أخا ابن الأشرف من الرضاعة ، والحارث بن أوس ، وابو عبس بن جبر .. فقالوا : يا رسول الله ، نحن نقتله ، فأذن لنا فلنقل (٢) فانه لا بدّ لنا منه (٣) قال : قولوا ما بدا لكم فانتم في حلّ من ذلك (٤).

وقبل أن يذهبوا الى كعب قدّموا إليه أخاه من الرضاعة سلكان بن سلامة أبا نائلة وكان يقول الشعر ، فخرج إليه وهو في نادي قومه وجماعتهم ، وانما كان

__________________

(١) ابن هشام ٣ : ٥٨.

(٢) يعني القول الكذب والباطل حيلة.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ١٨٧.

(٤) ابن هشام ٣ : ٥٨.

٢٣٧

سلكان يريد أن يجعل كعبا لا ينكرهم اذا هم جاءوا بالسلاح ، فقال له : حدثت لنا حاجة إليك. فقال كعب : ادن منّي فخبّرني بحاجتك. فتحدثا ساعة وتناشدا الأشعار ، ثم قال كعب : لعلك تحب أن يقوم من عندنا؟ فلما سمع القوم ذلك قاموا.

فقال أبو نائلة : اني كرهت أن يسمع القوم بعض كلامنا فيظنّون بنا ، كان قدوم هذا الرجل من البلاء علينا ، عادتنا به العرب وحاربتنا ورمتنا عن قوس واحدة وتقطّعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس وضاع العيال!

فقال كعب : أنا ابن الأشرف! أما والله لقد كنت اخبرك ـ يا ابن سلامة ـ أن الأمر سيصير الى ما أقول.

فقال ابو نائلة : ومعي رجال من أصحابي على مثل رأيي ، وقد اردنا أن نأتيك فنبتاع منك طعاما او تمرا وتحسن في ذلك إلينا ، ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة.

قال كعب : أما والله ما كنت احب ـ يا أبا نائلة ـ أن أرى بك هذه الخصاصة (١) وأنت أخي ومن اكرم الناس علي ... فما ذا ترهنونني ، أبناءكم ونساءكم؟ (٢).

قال أبو نائلة : لقد أردت أن تفضحنا وتظهر أمرنا! ولكنّا نرهنك من الحلقة (٣) ما ترضى به. فقال كعب : وإنّ في الحلقة لوفاء. وعيّن الليلة الآتية ميعادا وخرج من عنده.

__________________

(١) الجوع.

(٢) يعلم منه أنه كان أمرا معروفا لديهم غير منكر عندهم!

(٣) أصله في حلقات الدروع ثم كناية عن كل سلاح.

٢٣٨

ورجع سلكان الى أصحابه فأخبرهم خبره ، فأجمعوا أمرهم أن يذهبوا إليه على ميعاده. ثم أتوا النبيّ عشاء في ليلة أربع عشرة من ربيع الأول ، وبعد أن صلوا العشاء أخبروه فمشى معهم حتى البقيع ثم قال لهم : امضوا على بركة الله وعونه. ورجع رسول الله الى بيته (١).

وروى ابن اسحاق عن عكرمة عن ابن عباس عن محمد بن مسلمة قال : انهم اقبلوا حتى انتهوا الى حصن ابن الأشرف ، فهتف به ابو نائلة.

فنزل في ملحفته (٢) من الحصن ، فتحدث معهم وتحدثوا معه ، ثم قال له أبو نائلة : هل لك ـ يا ابن الأشرف ـ أن نتماشى الى شعب العجوز (٣) فنتحدث. فخرجوا يتماشون (٤).

وكان كعب حديث عهد بعرس ، وكان جميلا ويتطيّب بالمسك والعنبر ، وكان شعره جعدا (٥) فأدخل أبو نائلة يده في مقدم رأسه ثم شمّ يده وقال : ما رأيت طيبا أعطر قط! ثم مشوا ، ثم عاد لمثلها ، ثم مشوا ، ثم عاد لمثلها وأمسك به وقال : اضربوا عدوّ الله ، فضربوه فاختلفت أسيافهم عليه فلم تغن شيئا ، وأصاب بعض أسيافنا الحارث بن أوس فجرحه في رجله.

قال محمد : فحين رأيت أسيافنا لم تغن شيئا ذكرت مغولا (٦) في سيفي

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٨٩.

(٢) ما يلتحف به من شملة واسعة شاملة ، وكأنهم كانوا في غير صيف.

(٣) موضع بظهر المدينة.

(٤) ابن هشام ٣ : ٦٠.

(٥) مغازي الواقدي ١ : ١٨٩.

(٦) سكين صغير.

٢٣٩

فأخرجته ووضعته قرب سرّته ثم تحاملت عليه فوقع عدوّ الله.

فخرجنا على بني اميّة بن زيد ، ثم على بني قريظة ، ثم على بعاث ، فصعدنا في حرّة العريص (من وادي المدينة) فوقفنا لصاحبنا الحارث بن أوس فأتانا يتبع آثارنا ، فاحتملناه فجئنا به رسول الله آخر الليل ، فخرج إلينا وتفل على جرح صاحبنا (١) فلم يؤذه (٢) فأخبرناه بقتل عدوّ الله.

وأصبحنا وقد خافت اليهود لوقعتنا بعدوّ الله ، فلم يبق بها يهودي الّا خاف على نفسه (٣). ففزعت اليهود ومن معها من المشركين. فجاؤوا الى النبيّ حين أصبحوا فقالوا : قد طرق صاحبنا كعب بن الأشرف الليلة (البارحة) وهو سيد من ساداتنا ، قتل غيلة بلا جرم ولا حدث علمناه!

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انه لو قرّ ـ كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ـ ما اغتيل ، ولكنّه هجانا بالشعر ونال منا الأذى ، ولم يفعل هذا أحد منكم الّا كان له السيف.

ودعاهم رسول الله الى أن يكتب بينهم كتابا ينتهون الى ما فيه.

فكتبوا بينهم وبينه كتابا تحت العذق في دار ملة بنت الحارث.

فحذرت اليهود وخافت وذلّت من يوم قتل ابن الأشرف (٤) وكتابة الكتاب.

__________________

(١) ابن هشام ٣ : ٦٠.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ١٩٠.

(٣) ابن هشام ٣ : ٦٠ وعنه في الكامل ٢ : ١٠٠ والمنتقى : ١١٦ وعنهما في بحار الأنوار ٢٠ : ١٠ ـ ١٢.

(٤) مغازي الواقدي ١ : ١٩٢ ولم يذكر الكتاب ، وروى : أن يهوديا يدعى ابن يامين النضري (من بني النضير) كان يمرّ على مروان بن الحكم وهو والي المدينة من قبل يزيد أو معاوية ، فكان عنده يوما ومحمد بن مسلمة جالس وهو شيخ كبير ، إذ قال مروان لابن يامين : يا ابن

٢٤٠