موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

بيان : (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ) الذين كانوا طافوا بالنبي من المشركين رجاء أن يصيبوا من المسلمين غرة فأسرهم أصحاب رسول الله أسرا ، كما نقل الواقدي عن الزهري عن سعيد بن المسيب (١) وعاد فقال ـ تعالى ـ بعد اربع آيات : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ...)(٢). وفي معناه نقل الطوسي عن ابن عباس قال : كان المشركون بعثوا أربعين رجلا من المسلمين ، فأتوا بهم الى رسول الله فخلّى سبيلهم (٣) فكفّ الله ايدي المسلمين عن قتلهم (٤) بأن حجز بين الفريقين فلم يقتتلا حتى اتفق بينهم الصلح ، فكان اعظم من الفتح (٥).

وردّ الله على ترديد بعض المسلمين في صدق رؤيا النبي في دخول المسجد الحرام مقصّرين ومحلّقين الرءوس فقال : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ ...) ثم اوعز الى تأخيره والعلة في ذلك فقال : (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) أنتم من المصلحة في المقاضاة (المصالحة) واجابتهم الى ذلك (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٢١.

(٢) الفتح : ٢٤.

(٣) التبيان ٩ : ٣٣١ ومجمع البيان ٩ : ١٨٦ وعن انس أنهم كانوا ثمانين رجلا.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٦٢٢ عن الزهري عن سعيد بن المسيب.

(٥) مجمع البيان ٩ : ١٨٧ ونصّ البيان : نزلت في أهل الحديبية وأهل مكة لا في أهل خيبر. ولكنه في معنى : (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) قال : يعني أسدا وغطفان حيث كانوا مع يهود خيبر فصالحهم النبي فكفوا عنه. وقيل : يعني اليهود بالمدينة قبل الحديبية ٩ : ٣٢٩ ـ وقريب منه في مجمع البيان ٩ : ١٧٧ ـ وهذا غريب بعيد.

٦٤١

قَرِيباً) هو فتح الحديبية ، كما عن الزهري (١) وعليه فالفتح القريب في سورة الفتح

__________________

(١) التبيان ٩ : ٣٣٥ و ٣٣٦ وانظر مجمع البيان ٩ : ١٩١ وابن هشام ٣ : ٣٣٦ ومغازي الواقدي ٢ : ٦٢٣ عن الزهري أيضا.

قال الطباطبائي في الميزان ١٨ : ٢٩١ في تفسير الآية : سياق الآية يعطي أنّ المراد بها ازالة الريب عن بعض من كان مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : المؤمنون كانوا يزعمون من رؤيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انهم سيدخلون المسجد الحرام آمنين في عامهم هذا ، فلما خرجوا الى مكة معتمرين واعترضهم المشركون فصدوهم في الحديبية عن المسجد الحرام ، ارتاب بعضهم في صدق رؤيا النبي ، فأزال الله ريبهم بما في الآية.

ومحصل الآية : أن الرؤيا صادقة وأنكم ستدخلون المسجد الحرام آمنين لا تخافون ، ولكنه أخّره الله وقدم قبله هذا الصلح الذي هو فتح لكم ليتيسر لكم دخول مكة ، وذلك لعلمه بأنه لا يمكن لكم دخوله آمنين لا تخافون الا من هذا الطريق.

قال : ومن هنا يظهر أنّ المراد بالفتح القريب في هذه الآية هو فتح الحديبية فهو الذي سوّى للمؤمنين الطريق لدخول المسجد الحرام آمنين ويسّر لهم ذلك ، ولو لا ذلك لم يمكن لهم الدخول فيه إلّا بالقتال وسفك الدماء ولا عمرة مع ذلك ، لكن صلح الحديبية وما اشترط من شرط أمكنهم من دخول المسجد الحرام معتمرين في العام القابل.

ومن هنا نعرف بأنّ قول بعضهم بأنّ المراد بالفتح القريب في الآية هو فتح خيبر ، بعيد عن السياق ، وأمّا القول بأنه فتح مكة فهو أبعد من ذلك. انتهى.

وفي الفتح القريب في الآية السابقة ١٨ قال : «قيل : المراد بالفتح القريب فتح مكة ، والسياق لا يساعد عليه» ولكنه قال : «المراد بالفتح القريب فتح خيبر على ما يفيده السياق» الميزان ١٨ : ٢٨٥. بينما السياق واحد ، والبعد فيهما واحد.

وبشكل عام لا نرى في كل آي سورة الفتح ما يفيد أن يكون بعض الفتوح فيها لسوى فتح الحديبية ممهّدة لفتح مكة ، ونرى أن سبب هذا الخلط والاشتباه هو قرب فتح خيبر من

٦٤٢

في الموضعين هو نفس الفتح المبين في مفتتح السورة في صلح الحديبية فحسب ، لا فتح خيبر ، ولا فتح مكة.

وأين أبو سفيان وعمرو بن العاص؟

ولا نجد في أخبار الحديبية أثرا أو ذكرا لعمرو بن العاص السهمي ؛ ذلك لما رواه الواقدي بسنده عنه قال : حضرت بدرا مع المشركين فنجوت ، ثمّ حضرت احدا فنجوت ، ثمّ حضرت الخندق (فنجوت) (١).

__________________

ـ الصلح ، ووضوح الفتح فيه وغموضه في الصلح. وسبب الاشتباه بفتح مكة شدة ما بينهما من الارتباط واشتهار اطلاق الفتح عليه ، والا فلا داعي لهذا الخلط والالتباس.

بقى أن نقول : إنّ سورة الفتح ـ كما قالوا وحسب سياقها ـ نزلت بعد صلح الحديبية ، أي بعد مضي ست سنين من الهجرة وقبل وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأربع سنين ، تلك السنين العشر التي نزل فيها ثمان وعشرون سورة من السادسة أو السابعة والثمانين حتى الرابعة عشرة بعد المائة وسورة الفتح حسب الخبر المعتبر والمعتمد هي الثانية عشرة بعد المائة ، أي : هي الثالثة قبل نهاية القائمة ، وانما بعدها البراءة والمائدة أو العكس. وقبل الفتح بأكثر من عشر سور سورة الحشر النازلة في بني النضير ، وبعدها النصر المشتهر نزولها في فتح مكة (؟) وبعدها النور النازلة في قصة الإفك ، والتي قالوا : إنّها كانت بعد غزوة بني المصطلق في المريسيع في الخامسة أو السادسة للهجرة ، وضحيتها عائشة ، بينما سنبحث أن بطلها عائشة ولكن ضحيّتها ضرّتها أمّ ابراهيم مارية القبطية المهداة من المقوقس عظيم أقباط مصر في جواب كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه لدعوته الى الاسلام بعد صلح الحديبية ، وعليه فنزول الآيات بشأنها في سورة النور بعد ذلك ونزول سورة الفتح قبلها ، اي : في حدود المائة لا بعد المائة والعشرة وحينئذ يكون المقطع الزمني لها مناسبا ، والفاصل الزمني بينها وبين نهاية السور ـ أيضا ـ كذلك.

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٧٤١.

٦٤٣

ورواه قبله ابن اسحاق بسنده عنه ـ أيضا ـ قال : لما انصرفنا عن الخندق مع الاحزاب (١) قلت في نفسي : والله ليظهرنّ محمد على قريش! فخلّفت مالي بالرهط وأفلت ، أو قال : فلحقت بمالي بالرهط وأقللت من الناس ، فلم احضر الحديبية وصلحها ، وانصرف رسول الله بالصلح ورجعت قريش الى مكة (٢).

هذا عن عمرو بن العاص ، وأما عن أبي سفيان فقد مرّ الخبر عن «روضة الكافي» عن الصادق عليه‌السلام : أن قريشا لما ارسلوا الرسل الى رسول الله يستفسرونه عن قصده ، وفيهم الحليس سيد الأحابيش ، ورجع الحليس يقول لابي سفيان : أما والله لتخلينّ عن محمد وما أراد ، أو لانفردنّ بالأحابيش! فقال ابو سفيان : اسكت حتى نأخذ من محمد ولثا (٣).

وعليه فإنّ أبا سفيان كان يريد أن يعاهد محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله لمصلحته في «رحلة الشتاء والصيف» فلم يكن يريد النفير ، لرعاية العير ، وقد وصل بعهد الصلح الى ما كان يؤمل ، وكأنه من ابي سفيان خطوة نحو الائتلاف فما ذا عن ردّ النبيّ على ذلك؟

كأن الرد كان بزواجه صلى‌الله‌عليه‌وآله بابنته رملة الشهيرة بام حبيبة ، التي كانت قد اسلمت مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي القرشي حليف بني أميّة ، وامّه اميمة بنت عبد المطلب ، فهو من اقرباء النبيّ ، أسلم وأسلمت معه زوجه بنت ابي سفيان ، وهاجر وهاجرت معه الى الحبشة النصرانية فتأثر بها وتنصّر حتى مات عليها (٤) ، وبقيت زوجه رملة أرملة مسلمة ، فأرسل الرسول عمرو بن أميّة الضمري القرشي لخطبتها ، وتقدم الرسول بذلك الى النجاشي أصحمة. والظاهر أن ذلك كان مع

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٢٨٩.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٧٤٢.

(٣) روضة الكافي : ٢٦٧ والولث : العهد من غير قصد أو غير مؤكد ـ مجمع البحرين.

(٤) ابن اسحاق في السيرة ١ : ١٣٧ ، ١٣٨ و ٤ : ٦.

٦٤٤

كتابه صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه بدعوته إيّاه الى الاسلام ، بعد الحديبية.

قصّة أبي بصير الثقفي :

كان من المسلمين المستضعفين المحبوسين في مكة رجل من ثقيف يدعى أبو بصير بن اسيد.

قال الطبرسي : لما رجع رسول الله الى المدينة (وقبل غزوة خيبر) انفلت ابو بصير بن اسيد الثقفي ، من يد المشركين ، ومعه خمسة آخرون مسلمين مهاجرين الى المدينة.

وبعث الأخنس بن شريق الثقفي في أثره رجلين يردّانه ، فقتل أحدهما وانفلت الآخر. وأقدم على رسول الله وحكى له قصّته ، فقال فيه رسول الله : مسعر حرب لو كان معه أحد ؛ ثمّ قال له : شانك بسلب صاحبك ، واذهب حيث شئت!

فخرج ابو بصير ومعه أصحابه الخمسة الى طريق عيرات قريش مما يلي سيف البحر في أرض جهينة بين العيص وذي المروة.

وانفلت بعده ابو جندل بن سهيل بن عمرو ومعه سبعون رجلا من مكة قد أسلموا ، فلحقوا بأبي بصير.

واجتمع إليهم ناس من جهينة وغفار وأسلم حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون (؟) لا تمر عير لقريش الّا قاتلوا أصحابها وأخذوها!

ومنها العير التي كان فيها ابو العاص بن الربيع صهر رسول الله زوج زينب ابنة النبيّ ، وكان حينما خرج من مكة الى الشام قد أذن لها أن تهاجر الى أبيها في المدينة. فلمّا رجع مع أصحابه من قريش من الشام ، أسروهم وأخذوا أموالهم ولم يقتلوا منهم أحدا وخلّوا سبيل أبي العاص ، فقدم المدينة على زينب.

وأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب الى رسول الله يتضرّعون إليه أن يبعث

٦٤٥

الى أبي بصير وأبي جندل ومن معهم فيقدموا عليه في المدينة ، وكل من يخرج من مكة إليه فلا حرج عليه أن يمسكه ولا يردّه إليهم حسب الصلح (١).

وعلم الصحابة أنّ طاعة رسول الله كانت خيرا لهم فيما كرهوا من قرار الصلح.

نزول آيتين من الممتحنة :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ٢٠٦ وحكى القصة ابن اسحاق في السيرة واسمه عنده عتبة (وفي الاستيعاب عبيد) وقال : إنّ الرجلين بعثهما الأخنس بن شريق وأزهر بن عبد عوف الزهري بكتاب الى رسول الله ، وإنّ ابا بصير كان قد قدم المدينة فقال له رسول الله : يا أبا بصير ، إنّا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر ، وإنّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، فانطلق الى قومك! فقال : يا رسول الله ، أتردّني الى المشركين يفتنوني في ديني؟ قال : يا أبا بصير انطلق فإنّ الله تعالى سيجعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا. فانطلق معهما ، وفي ذي الحليفة (الميقات) قتل العامري أحدهما وفرّ الآخر ورجع هو الى النبيّ فقال : يا رسول الله ، وفت ذمتك وأدّى الله عنك ، أسلمتني بيد القوم وامتنعت أن افتن في ديني أو يبعث بي! فلم يقبله النبي وقال كلمته ، فخرج ابو بصير بأصحابه فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلا ، فكتبت قريش الى رسول الله يسألونه أن يؤويهم ، فقدموا عليه المدينة فآواهم ـ السيرة ٣ : ٣٣٧ ، ٣٣٨ وهذا أقرب أنهم بلغوا سبعين رجلا وليس ثلاثمائة.

وكذلك في مغازي الواقدي ٢ : ٦٢٦ ـ ٦٢٩ وقال : كتب إليه النبيّ أن يقدم المدينة فجاءه الكتاب وهو يموت ، فقرأه ومات فدفن هناك ، وبنوا على قبره مسجدا!

٦٤٦

يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ)(١).

واختصر خبرهما الشيخ الطوسي فذكر عن عروة بن الزبير في سبب نزول الآية : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد صالح قريشا يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير اذن وليّه ، فلما هاجرت إليه كلثم بنت ابي معيط (كذا) جاء أخواها فسألا رسول الله أن يردها عليهم ، فنزلت الآية فنهى الله أن تردّ الى المشركين (٢).

بينما نقل الطبرسي عن الجبائي : أنّ أمّ كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط (وهو الصحيح في الاسم) كانت مسلمة فهاجرت من مكة الى المدينة بعد الحديبية ، فجاء أخواها الى المدينة يسألان رسول الله أن يردّها عليهما. فلم يردها عليهما وقال : إن الشرط بيننا في الرجال لا في النساء.

وروى عن ابن عباس : أن سبيعة بنت الحرث الأسلمية كانت مسلمة وزوجها مسافر من بني مخزوم كافر ، فلحقت بالمسلمين وهم في الحديبية بعد الفراغ من الصلح ، فأقبل زوجها يقول : يا محمد ، اردد عليّ امرأتي ، فإنّك قد شرطت لنا أن ترد علينا منا ، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد ، فنزلت الآية.

فاحضرها رسول الله فحلّفها بالله الذي لا إله إلّا هو أنّها خرجت من بغض

__________________

(١) الممتحنة : ١٠ و ١١ وقبلها آيات بشأن حاطب بن أبي بلتعة وكتابه الى أهل مكة يخبرهم بارادة النبيّ لغزو مكة ، قبل فتح مكة. وبعدهما آية بشأن بيعة النساء بعد فتح مكة ، وفي آخر السورة آية تعود على ما قبلهما في ابن ابي بلتعة. وانظر التمهيد ١ : ٢١٤.

(٢) البيان ٩ : ٥٨٤ وانظر خبر عروة في سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٠ وخبر الزهري عنه في المغازي ٢ : ٦٣١ ـ ٦٣٣.

٦٤٧

زوج ولا رغبة عن ارض الى ارض ، ولا التماس دنيا ، إلّا حبا لله ولرسوله وإلّا رغبة في الاسلام. فحلفت. فلم يردها على زوجها وأعطاه مهرها وما انفق عليها.

واميمة بنت بشر كانت مسلمة وزوجها ثابت بن الدحداحة كافرا ، ففرت منه الى رسول الله ، فزوّجها رسول الله سهل بن حنيف (١).

وقال القمي في الآية الثانية (١١ ـ الممتحنة) : كان سبب نزول ذلك : أن عمر ابن الخطاب كانت عنده فاطمة (٢) بنت ابي أميّة بن المغيرة المخزومي (اخت أمّ سلمة) وكانت كافرة فكرهت الهجرة معه وأقامت بمكة (حتى نزلت هذه الآية) فنكحها معاوية بن ابي سفيان ، فأمر الله رسوله أن يعطي عمر مثل صداقها (٣) من غنائم الحرب. وتزوج عمر بن الخطاب سبيعة الاسلمية.

ثم نقل الطبرسي عن الزهري قال : كان جميع من رجع من نساء المؤمنين المهاجرين ، كافرات الى المشركين (بحكم الآية) ست نسوة : فاطمة بنت ابي أميّة المخزومي اخت أمّ سلمة ، كانت لعمر بن الخطاب فأبت أن تهاجر معه. وكلثوم بنت جرول الخزاعية كانت لعمر أيضا. وهند بنت ابي جهل بن هشام المخزومي كانت لهشام بن العاص بن وائل السهمي اخي عمرو بن العاص. وأم الحكم بنت ابي سفيان كانت لعياض بن شداد الفهري. وعبدة بنت عبد العزى وزوجها عمرو بن عبد ود (كذا) وبرذع بنت عقبة كانت لشماس بن عثمان (٤).

__________________

(١) مجمع البيان ٩ : ٤١٠ ، ٤١١.

(٢) وفي مجمع البيان ٩ : ٤١٠ : قريبة ... وأمّ كلثوم بنت عمرو الخزاعية فتزوجها ابو جهم العدوي. وهي أم عبيد الله بن عمر.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٦٣.

(٤) مجمع البيان ٩ : ٤١٣ وانظر خبر الزهري في سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤١. ومغازي الواقدي ٢ : ٦٣١ ـ ٦٣٣.

٦٤٨

وقد حكى الواقدي في مغازيه قصة هجرة أمّ كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط المخزومي مع رجل من خزاعة ـ خلال ثمانية ايام ـ ودخولها على أمّ سلمة المخزومية ، وتتضمن ان ذلك كان بعد قصة ابي بصير وابي جندل ، وان النبيّ قال لها : إنّ الله قد نقض العهد في النساء فقد انزل فيهم «الممتحنة» وحكم في ذلك بحكم رضوه كلهم.

وقدم أخواها عمارة والوليد من الغد ، فقال لهما : قد نقض الله ذلك! فانصرفا.

وهذا يؤيد نزول الممتحنة قبل ذلك كما في خبر ابن عباس في سبيعة الأسلمية زوجة مسافر المخزومي ، كما مرّ.

ولكنه يروي بعده عن الزهري عن عروة قال : فرجعا الى مكة فأخبرا قريشا بذلك ، فرضوا بأن تحبس النساء ، فلم يبعثوا في ذلك احدا (١) فهذا بظاهره يدل على أنّ الأمر والخبر كان حادثا غير مسبوق.

رسل الرسول الى الملوك :

نقل ابن اسحاق عن كتاب وجده يزيد بن ابي حبيب المصري فيه : أن رسول الله [بعد الحديبية] خرج على اصحابه [يوما] فقال لهم :

إنّ الله بعثني رحمة ، وكافّة ، فأدوا عني يرحمكم الله ، ولا تختلفوا عليّ كما اختلف الحواريّون على عيسى بن مريم.

قالوا : يا رسول الله ، وكيف كان اختلافهم؟

قال : دعاهم لمثل ما دعوتكم له ، فأما من قرّب به فأحبّ ، وأما من بعّد به فكره وأبى ، فشكا ذلك عيسى منهم الى الله ، فأصبحوا وكل رجل منهم يتكلم

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٢٩ ـ ٦٣٢.

٦٤٩

بلغة القوم الذين وجّه إليهم (١).

أمّا ابن هشام فقد روى عن ابي بكر الهذلي : أنّ رسول الله خرج [يوما] بعد يوم الحديبية فقال :

أيها الناس ، إن الله بعثني رحمة وكافّة ، فلا تختلفوا عليّ كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم.

فقال أصحابه : وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله؟

قال : دعاهم الى الذي دعوتكم إليه ، وأمّا من بعثه مبعثا قريبا فرضى ، وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وجهه وتثاقل ، فشكا ذلك عيسى الى الله ، فأصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة الامة التي بعث إليها (٢).

قالوا : ولما أراد أن يكتب الكتب الى الملوك قيل له : يا رسول الله ، إنّهم لا يقرءون كتاب غير مختوم بخاتم.

فيومئذ اتخذ رسول الله خاتما ؛ روى الكليني في كتاب الزيّ والتجمّل من «فروع الكافي» بسنده عن الصادق عليه‌السلام : أن خاتم رسول الله كان من فضة ونقشه

__________________

(١) ثم قال ابن اسحاق عن رسل عيسى عليه‌السلام من الحواريين وغيرهم :

يعقوبس الى اورشالم وهي ايليا قرية ببيت المقدس.

ويوحنّس الى أفسوس قرية أصحاب الكهف [في الاردن].

وابن ثلما [أو ثلمالي] الى الأرض الأعرابية وهي الحجاز.

وتوماس الى أرض بابل من المشرق.

وفيليبس الى قرطاجنّة وهي افريقية.

وسيمون الى ارض البربر.

وبطرس ـ ومعه بولس ـ الى رومية ٣ : ٢٥٥.

(٢) ابن هشام ٣ : ٢٥٤.

٦٥٠

محمد رسول الله. في سطرين من اسفل الى اعلى (١).

قال الطبرسي في «مكارم الاخلاق» أهداه له معاذ بن جبل (٢).

وفي «أمالي الطوسي» بسنده عن زيد بن علي عن ابيه : ان رسول الله أعطى خاتما لعلي عليه‌السلام وقال له : يا علي ، خذ هذا الخاتم وانقش عليه : محمد بن عبد الله.

فاعطاه علي عليه‌السلام للنقّاش لينقش عليه ذلك ، فأخطأ النقاش ونقش عليه : محمد رسول الله. فأخذه النبي وتختم به وقال أنا محمد بن عبد الله وأنا رسول الله (٣).

تأريخ الكتب :

أقدم ما بأيدينا ممّن عيّن تأريخ الكتب ما نقله الطبري عن الواقدي ـ عن غير مغازيه ـ أن رسول الله بعث في ذي الحجة سنة ست ثلاثة رسل مرة واحدة مصطحبين في خروجهم :

شجاع بن وهب الأسدي القرشي ممن شهد بدرا الى الحارث بن ابي شمر الغسّاني من غساسنة الشام عمّالا للروم.

ودحية بن خليفة الكلبي الأنصاري الى قيصر الروم (وكان في الشام).

وحاطب بن ابي بلتعة القرشي ـ أيضا ـ الى المقوقس في الاسكندرية عاملا للروم.

وبعث سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي في اليمامة.

وعمرو بن اميّة الضمري الى النجاشي في الحبشة عاملا للروم.

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٤٧٤ الحديث ٧.

(٢) مكارم الاخلاق : ٣٨.

(٣) أمالي الطوسي : ٨٠ كما في البحار ١٦ : ٩١ ، ٩٢.

٦٥١

وعبد الله بن حذافة السهمي الى كسرى.

ثم نقل عن ابن اسحاق ـ وليس في السيرة ـ أن رسول الله قد فرّق رجالا من أصحابه الى ملوك العرب والعجم دعاة الى الله ـ عزوجل ـ في ما بين الحديبية ووفاته (١).

بدأ ابن هشام في رسل الرسول بدحية بن خليفة الكلبي الى قيصر ملك الروم ، وعبد الله بن حذافة السهمي الى كسرى ملك فارس ، وعمرو بن أميّة الضمري الى النجاشي ملك الحبشة (٢).

وبدأ اليعقوبي بعبد الله بن حذافة السهمي الى كسرى ، ودحية بن خليفة الكلبي الى قيصر ، وعمرو بن أميّة الضّمري الى النجاشيّ (٣).

هذا وقد ذكر الواقدي سرية في جمادى الآخرة سنة ست روى فيها : أن دحية الكلبي أقبل من عند قيصر وقد أجازه بمال وكساه كسوة ، فلما كان في حسمى لقيه ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق وأصابوا كل شيء معه ... فلما وصل المدينة استخبره رسول الله عما كان من هرقل (٤) فالراجح أن ذلك كان سنة سبع لا ست.

ومن الرسل عمرو بن أميّة الضّمري الى النجاشي في الحبشة ، وأولى أن

__________________

(١) الطبري ٢ : ٦٤٤ ، ٦٤٥ وعنه الكازروني في المنتقى ، وعنه المجلسي في بحار الأنوار ٢٠ : ٣٨٢. وربطها السيوطي برواية عن أنس بنزول آية : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ...) بينما الآية هي ١٩ من سورة الأنعام وهي ٥٥ في النزول بمكة.

(٢) ابن هشام ٤ : ٢٥٤.

(٣) اليعقوبي ٢ : ٧٧ ، ٧٨.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٥٥٥ ، ٥٥٦.

٦٥٢

يكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بدأ به ، لسوابقه الحسنة ، ولخطبة ابنة أبي سفيان لما مرّ آنفا ، فنبدأ به :

الى النجاشي في الحبشة :

روى الطبري بسنده عن ابن اسحاق ـ وليس في السيرة ـ قال : بعث رسول الله عمرو بن أميّة الضمري الى النجاشي وكتب معه كتابا :

«بسم الله الرحمنِ الرحيم ، من محمد رسول الله ، الى النجاشي الأصحم ملك الحبشة ، سلم أنت ، فانّي أحمد إليك الله الملك القدوس السّلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ، ألقاها الى مريم البتول الطيّبة الحصينة فحملت بعيسى ، فخلقه الله من روحه ونفخه ، كما خلق آدم بيده ونفخه.

وإني أدعوك الى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته ، وأن تتّبعني و (توقن) بالذي جاءني ، فإنّي رسول الله ، وإنّي ادعوك وجنودك الى الله ، فقد بلّغت ونصحت ، فاقبلوا (نصيحتي) والسّلام على من اتّبع الهدى» (١).

فلما وصل الكتاب إليه أخذه ووضعه على عينيه ونزل عن سريره وجلس

__________________

(١) الطبري ٢ : ٦٥٢. والحلبي في سيرته ٣ : ٢٧٩ والمواهب اللدنيّة بشرح الزرقاني ٣ : ٣٩٣ وصبح الأعشى ٦ : ٣٧٩ لم يذكروا في الكتاب : «وقد بعثت إليكم ابن عمي جعفرا ومعه نفر من المسلمين ، فاذا جاءك فأقرهم ، ودع التحيّر» ولا توجد في نسخة الكتاب المكتشف كما في مجموعة الوثائق السياسية : ٤٣. والفقرة لا تناسب أول الهجرة الى الحبشة ولا بعد الحديبية ، ولذا رجحنا ما خلا منها ، ونقل الكتاب مع الفقرة البيهقي في دلائل النبوة عن ابن اسحاق وعنه الطبرسي في اعلام الورى ١ : ١١٨ ولعل عنه الراوندي في قصص الأنبياء : ٣٢٤ وعنهما المجلسي في البحار ١٨ : ٤١٨ ، ٤١٩.

٦٥٣

على الأرض إجلالا وإعظاما ، ودعا بحقّ من عاج (١) وجعل الكتاب فيه (٢).

وروي عن عمرو بن أميّة أن قال له : يا أصحمة ، إنّ عليّ القول وعليك الاستماع ، انك كأنّك في الرقة علينا منّا ، وكأنّا في الثقة بك منك ، لأنا لم نظنّ بك خيرا قطّ الا نلناه ، ولم نحفظك على شرّ قطّ الا أمناه. وقد اخذت الحجة عليك من قبل آدم ، والانجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاض لا يجوز ، وفي ذلك موقع الخير واصابة الفضل ، والا فأنت في هذا النبيّ الامّي كاليهود في عيسى بن مريم ، وقد فرّق رسله الى الناس (٣) فرجاك لما لم يرجهم له ، وأمنك على ما خافهم عليه ، لخير سالف ، وأجر ينتظر.

فقال النجاشي : أشهد بالله أنّه النبي الذي ينتظره أهل الكتاب ، وأن بشارة موسى براكب الحمار (٤) كبشارة عيسى براكب الجمل (٥) وانه ليس الخبر كالعيان.

ولكن أعواني من الحبشة قليل ، فأنظرني حتى اكثر الأعوان ، وألين القلوب. وفي رواية : لو كنت استطيع أن آتيه لآتيته.

ثم أحضر النجاشي جعفرا وأصحابه وأسلم على يدي جعفر لله ربّ العالمين.

وعن الواقدي قال : كتب رسول الله الى النجاشي كتابين : في أحدهما يدعوه الى الاسلام ... وفي الكتاب الآخر يأمره أن يزوّجه بام حبيبة بنت أبي سفيان (٦).

__________________

(١) العاج : أنياب الفيل.

(٢) وهذا ما يؤيد امكانية بقاء الكتاب المكتشف أخيرا حيث احتفظ به.

(٣) ويستفاد من هذا تأريخ الكتاب وأنه كان مع ارسال الرسل.

(٤) وهذا مما يؤيد أن الكتاب كان بعد حرب بني النضير حيث ركب النبي إليهم الحمار.

(٥) كناية عن عربيته ، إذ اشتهر العرب بركوب الجمال.

(٦) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٢٠ : ٣٩٣ عن المنتقى عن الواقدي.

٦٥٤

هي رملة ، وقد تزوّجها قبل الاسلام عبيد الله بن جحش الأسدي حليف بني أميّة ، وأمه اميمة بنت عبد المطّلب ، أدركته حنيفية جدّه لامّه عبد المطّلب ، فاجتمع في يوم اجتماع في عيد لهم عند صنم من اصنامهم مع ثلاثة آخرين هم : زيد بن عمرو بن نفيل العدوي ، وعثمان بن الحويرث ، وورقة بن نوفل ، ولعله هو الذي جمعهم ، فقال بعضهم لبعض : والله ما قومكم على شيء لقد أخطئوا دين أبيهم ابراهيم ، ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع؟! يا قوم التمسوا لانفسكم دينا ، فإنكم والله ما أنتم على شيء.

ثم تفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية ...

حتى أسلم عبيد الله بن جحش ، ثم هاجر مع المسلمين الى الحبشة وتبعته امرأته رملة بنت أبي سفيان وهاجرت معه ، فلما قدم الحبشة فارق الاسلام وتنصّر (١). فكان حين يمرّ بأصحاب رسول الله وهم بأرض الحبشة يقول لهم : فقّحنا وصأصأتم. أي : أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد (٢) حتى هلك نصرانيا (٣).

وروى ابن اسحاق في سيرته بسنده عن الامام الباقر عليه‌السلام قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم بعث الى النجاشي عمرو بن أميّة الضمري في [أم حبيبة] فخطبها له النجاشي (٤).

وروى الطبري عن الواقدي قال : فأرسل النجاشي الى أمّ حبيبة جارية يقال لها ابرهة (كذا) تخبرها بخطبة رسول الله اياها ، وأمرها أن توكل عنها من يزوّجها ،

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ١ : ٢٣٧ ، ٢٣٨.

(٢) ابن اسحاق في السيرة ١ : ٢٣٨ و ٤ : ٦.

(٣) ابن اسحاق في السيرة ١ : ٢٣٨.

(٤) ابن اسحاق في السيرة ١ : ٢٣٨.

٦٥٥

فسّرت رملة بذلك واعطت الجارية بعض حليّها من الفضة ، وأوكلت خالد بن سعيد ابن العاص أن يزوّجها.

فخطب النجاشي لرسول الله ، وخطب خالد عن أمّ حبيبة ، ودعا النجاشي بأربعمائة دينار ودفعها الى خالد صداقا لها (١) ، وحملتها لها أبرهة ، فلما جاءتها بالدنانير أعطتها أم حبيبة خمسين مثقالا منها. فقالت لها أبرهة : قد أمرني الملك أن لا آخذ منك شيئا ، وأن أردّ إليك الذي أخذت منك. وأنا صاحبة دهن الملك وثيابه ... وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بما عندهن من عود. وقد صدّقت محمدا وآمنت به ، وحاجتي إليك أن تقرئيه مني السّلام.

قالت أم حبيبة : فخرجنا في سفينتين حتى قدمنا الجاز ، ثم ركبنا الظهر الى المدينة ، وكان رسول الله بخيبر ، فخرج إليه من خرج منا ، وأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله (٢).

__________________

(١) الطبري ٢ : ٦٥٣ ، ٦٥٤ وقال ابن اسحاق : حدثني محمد بن علي بن الحسين قال : ما نرى عبد الملك بن مروان وقف صداق النساء على أربعمائة دينار الا عن ذلك. وكان الذي املكها النبي خالد بن سعيد بن العاص بن أميّة ١ : ٢٣٨.

ورواه الكليني في فروع الكافي ٥ : ٣٨٢ عنه عليه‌السلام أيضا قال : أتدري من أين صار مهور النساء أربعة آلاف [درهما ٤٠٠ دينار]؟ قلت : لا ، فقال : إنّ أم حبيبة بنت ابي سفيان كانت بالحبشة فخطبها النبي وساق عنها النجاشي أربعة آلاف [درهما ٤٠٠ دينار] فمن ثم يأخذون به. فأمّا الاصل في المهر فاثنتا عشرة اوقية ونش (٤٥٠ درهما).

ورواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ، والقمي في تفسيره ١ : ١٧٩. وذكر المسعودي الزواج في حوادث السنة السادسة بعد الحديبية ـ مروج الذهب ٢ : ٢٨٩.

(٢) الطبري ٢ : ٦٥٣ ، ٦٥٤ وتمامه : ولما بلغ أبا سفيان تزوّج الرسول بام حبيبة قال : ذلك الفحل لا يقدع أنفه!

٦٥٦

وقال القمي في تفسيره : وجهّزها وبعثها الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ... وبعث إليه بثياب وطيب وفرس.

وبعث ثلاثين رجلا من القسّيسين وقال لهم : انظروا الى كلامه والى مقعده ومشربه ومصلّاه (١).

ابن العاص عند النجاشي :

روى ابن اسحاق بسنده عن عمرو بن العاص قال : لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق (٢) قلت في نفسي : والله ليظهرنّ محمد على قريش! فخلّفت مالي بالرهط وأفلت ، أو قال : فلحقت بمالي بالرهط وأقللت من الناس ، فلم احضر الحديبية وصلحها ، وانصرف رسول الله بالصلح ورجعت قريش الى مكة.

فقدمت مكة ، فجمعت رجالا من قومي يقدّمونني فيما نابهم ويسمعون منّي ويرون رأيي ... فقلت لهم : والله إنّي لأرى أمر محمد يعلو الامور علوا منكرا! وإني قد رأيت رأيا. فقالوا : وما هو؟ قلت : نلحق بالنجاشي فنكون عنده ، فان كان يظهر محمد كنا عند النجاشي فنكون تحت يد النجاشي أحب إلينا من أن نكون تحت يد محمد! وإن تظهر قريش فنحن من قد عرفوا. فقالوا هذا الرأي. فقلت لهم :

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ١٧٩ وإعلام الورى ١ : ١١٩ عن دلائل النبوة للبيهقي عن ابن اسحاق ، وعنه القطب الراوندي في قصص الأنبياء : ٣٣٤ وهؤلاء ذكروا مارية القبطية في هداياه ، وغيرهم على أنها من هدايا المقوقس ، وهو الصحيح. وعدّ الحلبي في المناقب ١ : ١٧١ من هداياه : خفّين اسودين ساذجين ، وفي ١ : ١٧٠ عنزة (عصا) كان يحملها بلال بين يديه في العيدين ، وفي اسفاره ، فيصلى إليها.

(٢) ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٢٨٩.

٦٥٧

فاجمعوا ما تهدونه له.

وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم (الجلود).

فجمعنا أدما كثيرا ، ثم خرجنا حتى قدمنا على النجاشي (الحبشة).

وكان رسول الله قد بعث عمرو بن أميّة الضّمري بكتاب الى النجاشي كتب فيه إليه أن يزوّجه أم حبيبة بنت ابي سفيان (١). فو الله إنّا لعند النجاشي إذ جاء عمرو الضّمري فدخل على النجاشي ثم خرج من عنده.

فدخلت على النجاشي ، فسجدت له ، كما كنت اصنع ، فقال : مرحبا بصديقي!

أهديت لي من بلادك شيئا؟ قلت : نعم أيها الملك ، أهديت لك أدما كثيرا. ثم قربته إليه فأعجبه ، وفرّق منه أشياء بين بطارقته ، ثم أمر بسائره فادخل في موضع ليحتفظ به وأمر أن يكتب.

فلما رأيت طيب نفسه قلت له : أيها الملك اني قد رأيت رجلا خرج من عندك ، وهو رسول رجل عدوّ لنا قد وترنا وقتل اشرافنا وخيارنا! فأعطينه فاقتله!

فرفع يده فضرب بها أنفي ضربة ظننت أنه كسره ، وابتدر منخري بالدم ، فجعلت أتلقى الدم بثيابي. فقلت له : أيها الملك لو ظننت أنك تكره ما فعلت ما سألتك. فقال : يا عمرو ، تسألني أن اعطيك رسول رسول الله الذي يأتيه الناموس الاكبر الذي كان يأتي موسى ، والذي كان يأتي عيسى بن مريم لتقتله؟!

فقلت له : أيها الملك أتشهد بهذا؟ قال : نعم ، أشهد به عند الله ، فأطعني واتّبعه ، والله إنّه لعلى الحقّ ، وليظهرن على من خالفه ، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده!

__________________

(١) وفي رواية ابن اسحاق : قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه ـ ٣ : ٢٨٩.

٦٥٨

فقلت له : أفتبايعني على الاسلام؟ قال : نعم. وبسط يده فبايعته على الاسلام وكانت ثيابي قد امتلأت من الدم فدعا لي بطست ، فألقيت ثيابي وغسلت عن نفسي الدم وكساني ثيابا ، فخرجت بها الى أصحابي (١).

قال ابن اسحاق : وكتب النجاشي الى رسول الله : بسم الله الرحمنِ الرحيم الى محمد رسول الله. من النجاشي الأصحم بن أبجر. سلام عليك يا نبيّ الله ورحمته وبركاته من الله الذي لا إله الا هو الذي هداني الى الاسلام.

أما بعد ، فقد بلغني كتابك ـ يا رسول الله ـ فيما ذكرت من امر عيسى. فو ربّ السماء والارض إنّ عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا (٢) إنّه كما قلت. وقد عرفت

__________________

(١) ثم فارقتهم فعمدت الى موضع السفن فوجدت سفينة قد شحنت وتدفع ، فركبت معهم ، ودفعوها ، حتى انتهوا الى الشعيبة ، وكانت معي نفقة فابتعت بها بعيرا ، وخرجت اريد المدينة ، قال راوي الخبر يزيد بن أبي حبيب : إنّ عمرا لم يوقت حتى قدم المدينة الا انه كان قبيل فتح مكة. وقال جعفر : قدم المدينة لهلال صفر سنة ثمان ـ مغازي الواقدي ٢ : ٧٤٢ ـ ٧٤٥ وروى بسنده عن خالد بن الوليد قال : كان قدومهم الى المدينة في صفر سنة ثمان ٢ : ٧٤٩.

وسبق ابن اسحاق الواقدي في رواية الخبر عن يزيد بن ابي حبيب ، ولكنه ضمن حوادث السنة الخامسة بعد حرب الأحزاب ، وذلك لقوله في اول الخبر : لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق وفي أواخر الخبر ، وذلك قبيل الفتح. يعني فتح مكة ، ولكن ابن اسحاق قال بعيد الخبر : وكان فتح بني قريظة في ذي القعدة وصدر ذي الحجة. يعني سنة الخندق. فكأنّ ابن اسحاق حمل الفتح على فتح بني قريظة دون فتح مكة.

وحيث إنّ لا خلاف في تأريخ رجوع جعفر الطيار من الحبشة في فتح خيبر في شهر صفر من السنة السابعة ، ويستبعد جدا أن تكون أم حبيبة قد تخلّف عنه عند النجاشي ، لهذا يظهر أن سفر عمرو الضمري الى النجاشي كان بعيد الحديبية وكذلك سفر عمرو بن العاص ، وأنه استبطأ في القدوم الى المدينة الى ما بعد عام تقريبا ، وليس بدارا.

(٢) الثفروق : قمع التمر.

٦٥٩

ما بعثت به إلينا ، وقد قرينا ابن عمك واصحابه ، فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدّقا ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك واسلمت على يده لله ربّ العالمين.

وقد بعثت إليك بابني أرها بن الأصحم بن ابجر ، فإني لا املك الا نفسي وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله ، فإني أشهد أن ما تقول حق. والسّلام عليك يا رسول الله (١).

وكان قد بعث ابنه أرها مع ستين من الحبشة في سفينة ، ولكنّهم غرقت بهم سفينتهم في وسط البحر (٢).

ونقل ابن عبد الباقي : أن النبي كان قد كتب الى النجاشي كتابا في تزويج أم حبيبة ، فكتب إليه النجاشي جوابا :

بسم الله الرحمنِ الرحيم ، الى محمد ، من النجاشي أصحمة ، سلام عليك يا رسول الله من الله ورحمة الله وبركاته.

أما بعد ، فاني قد زوجتك امرأة من قومك وعلى دينك ، وهي السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وأهديتك هدية جامعة : قميصا وسراويل ، وعطافا وخفين ساذجين. والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته.

ونقل ـ أيضا ـ أنّ النبي كان قد كتب الى النجاشي أن يجهز إليه المسلمين الى المدينة ، فكتب النجاشي إليه جوابا :

بسم الله الرحمنَ الرحيم ، الى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من النجاشي أصحمة ، سلام عليك يا رسول الله من الله ورحمة الله وبركاته. لا إله إلّا الذي هداني للاسلام.

__________________

(١) الطبري ٢ : ٦٥٢ ، ٦٥٣ واعلام الورى ١ : ١١٩ عن دلائل النبوة للبيهقي عن ابن اسحاق أيضا. وعنه القطب في قصص الأنبياء : ٣٢٤.

(٢) الطبري ٢ : ٦٥٣.

٦٦٠