موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

وقال ابن إسحاق : لمّا انقضى شأن الخندق وأمر بني قريظة ، كان سلّام بن أبي الحقيق ممّن حزّب الأحزاب على رسول الله.

فروى عن ابن شهاب الزهري ، عن عبد الله بن كعب ، عن أبيه كعب بن مالك الأنصاري قال : كان ممّا صنع الله لرسوله أن هذين الحيّين من الأنصار الأوس والخزرج كانا يتسابقان في نصرة رسول الله ، لا تصنع الأوس شيئا لا تنتهي الخزرج حتى تفعل مثله ، وتفعل الخزرج شيئا فتفعل الأوس مثله.

وكانت الأوس ـ بعد بدر وقبل احد ـ قتلت كعب بن الأشرف لتحريضه على رسول الله ... فاستأذنته الخزرج بعد الخندق في قتل ابن أبي الحقيق ، وكان في العداوة لرسول الله كابن الأشرف ، فأذن لهم في ذلك.

فانتدب لذلك منهم أربعة هم : الحارث بن ربعي ، وعبد الله بن أنيس ، وعبد الله بن عتيك ، ومسعود بن سنان ، وخامسهم الخزاعي بن الأسود الأسلمي حليفهم. وأمّر عليهم رسول الله منهم عبد الله بن عتيك. ونهاهم عن أن يقتلوا امرأة أو وليدا (١).

وروى الواقدي بسنده عن عطية بن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه ، قال : وقد كانت أمّ عبد الله بن عتيك بالرضاعة يهوديّة في خيبر (٢). فكان عبد الله يرطن باليهوديّة ، فقدّمناه لذلك (٣) وخرجنا من المدينة (في السحر ليلة الإثنين لأربع خلون من ذي الحجّة) حتّى انتهينا إلى خيبر ، فبعث عبد الله إلى امّه

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ : ٢٨٦ ، ٢٨٧.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٣٩١.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ٣٩٢.

٥٤١

اليهوديّة بخيبر فأعلمها بمكانه خارج خيبر. فخرجت إلينا بجراب مملوء خبزا وتمرا كبيسا ، فأكلنا منه.

ثمّ قال لها عبد الله : يا امّاه ، إنّا قد أمسينا (١) فأدخلينا خيبر وبيّتينا عندك!

فقالت له : ومن تريد فيها؟ قال : أبا رافع. قالت : فادخلوا في غمار الناس فادخلوا عليّ ليلا ، فإذا هدأت الرجل فاكمنوا له. ففعلوا ودخلوا عليها ليلا ، فلمّا هدأت الرجل قالت لهم : انطلقوا (٢).

وروى ابن إسحاق عن الزهري ، عن عبد الله بن كعب ، عن كعب بن مالك الأنصاري قال : فخرجوا حتّى أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا ، فلم يدعوا بيتا في الدار إلّا أغلقوه على أهله ، وكان هو في قصر عال يصعد إليه بعجلة (٣).

وفي رواية الواقدي قال عبد الله بن أنيس : فقدّمنا عبد الله بن عتيك وصعدنا واستفتحنا عليه ، فجاءت امرأته فقالت : ما شأنك؟ فرطن ابن عتيك باليهوديّة وقال : جئت أبا رافع بهديّة ، ففتحت له ، فازدحمنا على الباب أيّنا يبادر إليه ، فلمّا رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشرت إليها بالسيف ، فسكتت ، فقلت لها : أين أبو رافع؟ وإلّا ضربتك بالسيف! فقالت : هو ذاك في البيت.

فدخلنا عليه ، فما عرفناه إلّا ببياضه كأنّه قبطيّة (٤) ملقاة ، فعلوناه بأسيافنا ، فصاحت امرأته ، فهمّ بعضنا أن يخرج إليها ثمّ ذكرنا أنّ رسول الله نهانا عن قتل

__________________

(١) من هنا يعلم أنّ المسير من المدينة إلى خيبر استغرق بياض النهار.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٣٩١ و ٣٩٢.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ : ٢٨٧. والعجلة : جذع النخلة يصعد عليها إلى الغرف العالية في الدار ـ لسان العرب ١٣ : ٤٥٦ ـ.

(٤) القبطية ـ بالكسر والضمّ ـ : ثياب بيضاء مصريّة منسوبة إلى أقباطها.

٥٤٢

النساء. وكان سقف البيت منخفضا فكانت سيوفنا ترتدّ إلينا ، فاتّكأت بسيفي على بطنه حتّى سمعت صوت نفوذه في الفراش ، فعرفت أنّه قتل ، وأصابه من معي أيضا ، ولمّا تصايحت امرأته تصايح أهل الدار ولكنّهم لم يفتحوا أبوابهم طويلا حتّى نزلنا واختبأنا في منهر خيبر (١) ثمّ خرجت اليهود ومعهم كبيرهم الحارث أبو زينب في أيديهم النيران في شعل السعف يطلبوننا ، ونحن في بطن المنهر وهم على ظهره فلا يروننا. ولمّا أوعبوا في الطلب فلم يروا شيئا رجعوا إلى امرأته.

وقال قومنا فيما بينهم : لو أنّ بعضنا أتاهم فنظر هل مات الرجل أم لا؟ وكان أبو قتادة الأسود بن خزاعي (٢) قد نسي قوسه وذكرها بعد ما نزلنا ... فخرج الأسود وتشبّه بهم فجعل في يده شعلة كشعلهم حتّى دخل مع القوم ... وكرّ القوم ثانية إلى القصر فكرّ معهم فوجد الدار قد امتلأت ، وأقبلوا ينظرون إلى أبي رافع ، وأقبلت امرأته ومعها شعلة من نار وأحنت عليه تنظر أحيّ هو أم ميّت؟ فقالت : لقد فاضت نفسه وإله موسى! وإذا الرجل لا يتحرّك منه عرق. وأخذوا في جهازه يدفنونه.

قال الأسود : فخرجت معهم فانحدرت على أصحابي في المنهر فأخبرتهم.

ومكثنا في مكاننا يومين حتّى سكن عنّا الطلب ، ثمّ خرجنا مقبلين إلى المدينة.

فقدمنا على النبيّ ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ وهو على المنبر ، فلمّا رآنا قال : أفلحت الوجوه!

__________________

(١) المنهر النافذ من خارج الحصن إلى داخله يجري منه الماء في وقته ـ لسان العرب ٧ : ٩٥ ـ.

(٢) كذا في الواقدي ، وقد مرّ عن ابن إسحاق : خزاعي بن الأسود الأسلمي.

٥٤٣

فقلنا : أفلح وجهك يا رسول الله! قال : أقتلتموه؟ قلنا : نعم ، وكلّنا يدّعي قتله!

فقال : عليّ بأسيافكم ، فأتيناه بأسيافنا ، فقال ـ مشيرا إلى سيف بن أنيس ـ : هذا قتله ، هذا أثر الطعام في السيف (١).

سريّة أبي عبيدة :

قال المسعودي في «التنبيه والإشراف» : ثمّ كانت سريّة أبي عبيدة بن الجرّاح الفهري القرشي ، إلى سيف البحر ، في ذي الحجّة (٢) للسنة الخامسة.

وقال الكازروني في «المنتقى» : في ذي الحجّة من هذه السنة (الخامسة) ركب رسول الله فرسا إلى الغابة (قرب المدينة) فسقط عنه فجرح فخذه الأيمن ، فأقام في البيت خمسة أيّام يصلّي فيها قاعدا.

وقال : وفي هذه السنة نزلت فريضة الحجّ ، وأخّره رسول الله (٣).

زواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بزينب بنت جحش :

قال المسعودي : وفي هذه السنة (الخامسة للهجرة) تزوّج رسول الله

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ٣٩١ ـ ٣٩٤. وفيه بسنده عن ابن عباس انه لما قتل أبو رافع أمرت اليهود اسير بن رزام وكان رجلا شجاعا فأرسل إليه رسول الله سرية اخرى فقتلوه في شوّال سنة ست ، كما سيأتي فأمّروا بعده كنانة بن ابي الحقيق أخا سلام المقتول هذا ، فكانت معه غزوة خيبر. (٢ : ٥٦٦)

(٢) التنبيه والإشراف : ٢١٧.

(٣) عنه في بحار الأنوار ٢٠ : ٢٩٨.

٥٤٤

بزينب بنت جحش ابنة عمّته اميمة بنت عبد المطّلب (١).

وفي رواية أبي الجارود في تفسير القمي عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال :

إنّ رسول الله خطب ابنة عمّته زينب بنت جحش لزيد بن حارثة (٢)

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ٢٨٩ ، والتنبيه والإشراف : ٢١٧ وقال الكازروني في المنتقى : تزوّجها رسول الله لهلال ذي القعدة سنة خمس ، وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة ـ بحار الأنوار ٢٠ : ٢٩٧.

(٢) فقالت : يا رسول الله حتّى اؤامر نفسي فانظر! فأنزل الله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الاحزاب : ٣٦) فقالت : يا رسول الله ، أمري بيدك ... «تفسير القمي ٢ : ١٩٤ ونقل الطوسي في التبيان ٨ : ٣٤٣ مثله عن قتادة ومجاهد عن ابن عبّاس. وعنه الطبرسي في مجمع البيان ٨ : ٥٦٣».

هذا وقد ذكر في التبيان ٨ : ٣٣٤ وعنه في مجمع البيان ٨ : ٥٥٤ و ٥٥٥ في تفسير الآية ٢٨ من سورة الاحزاب : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ...) : أنّهنّ كنّ يومئذ تسعا. وعدّا منهنّ زينب بنت جحش. ومقتضى هذا أن تكون هذه الآية متأخّرة عن الآية ٣٦ ولا أقلّ من عام.

والآية التالية لها : ٣٧ في طلاق زيد لزينب وزواج الرسول بها ، ولا بدّ من فصل معتدّ به بين خطبتها لزيد وطلاقها وزواج الرسول بها ، فكيف اقترنت الآيتان؟!

وقد قال القمي في تفسيره ٢ : ١٩٢ : أنّ نزول الآية ٢٨ كان بعد رجوع النبيّ من غزاة خيبر.

وتستمرّ الآيات في سياق واحد فتحتوي في الآية ٣٣ على قوله سبحانه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) في علي والزهراء والحسنين عليهم‌السلام ، ويظهر من أخبار نزول الآية ما يؤيّد نزولها بعد خيبر ، ولذلك فنحن نؤجّل ذكر ذلك إلى حوادث ما بعد خيبر.

٥٤٥

(الكلبي) (١) فزوّجها إيّاه. فمكثت عند زيد ما شاء الله.

ثمّ إنّهما تشاجرا في شيء إلى رسول الله ... فقال زيد :

يا رسول الله ، تأذن لي في طلاقها ، فإنّ فيها كبرا وإنّها لتؤذيني بلسانها!

فقال رسول الله : اتّق الله وأمسك عليك زوجك ، وأحسن إليها.

ثمّ إنّ زيدا طلّقها ، وانقضت عدّتها ... فأنزل الله نكاحها على رسول الله قال :

(... فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً* ما كانَ عَلَى

__________________

(١) روى القمي في تفسيره أيضا ٢ : ١٧٢ عن الصادق عليه‌السلام قال :

إنّ رسول الله لمّا تزوّج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها ، ورأى زيدا يباع ، ورآه غلاما كيّسا حصيفا (عاقلا حكيما) فاشتراه (لها).

فلمّا نبّئ رسول الله دعاه إلى الإسلام ، فأسلم.

وكان أبوه حارثة بن شراحيل الكلبي رجلا جليلا ، فلمّا بلغه خبر ولده قدم مكّة فأتى أبا طالب فقال :

يا أبا طالب ، إنّ ابني وقع عليه السبي ، وبلغني أنّه صار إلى ابن أخيك ، فسله إمّا أن يبيعه وإمّا أن يفاديه ، وإمّا أن يعتقه.

فكلّم أبو طالب رسول الله ، فقال رسول الله : هو حرّ فليذهب كيف يشاء!

فقام حارثة فأخذ بيد زيد وقال له : يا بنيّ ، الحق بشرفك وحسبك!

فقال زيد : لست افارق رسول الله ما دمت حيّا!

فغضب أبوه فقال : يا معشر قريش ، اشهدوا أنّي قد برئت منه وليس هو ابني!

فقال رسول الله : اشهدوا أنّ زيدا ابني أرثه ويرثني! فكان يدعى : زيد بن محمّد.

٥٤٦

النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً* الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً* ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(١).

وقال الطوسي في «التبيان» : إنّ زيدا جاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مخاصما زوجته زينب بنت جحش على أن يطلّقها ، فقال له : أمسكها ولا تطلّقها ووعظه ... وكان الله قد أمره أن يتزوّجها إذا طلّقها زيد ، وخشي هو من إظهار هذا للناس وأخفاه في نفسه ، فقال الله له : إن تركت إظهار هذا خشية الناس فترك إضماره من خشية الله أحقّ وأولى.

فلمّا طلّق زيد امرأته زينب أذن الله لنبيّه أن يتزوّجها ، وأراد بذلك نسخ ما كان عليه أهل الجاهليّة من تحريم زوجة الدّعي (٢).

وروى الطبرسي في «مجمع البيان» عن زين العابدين عليه‌السلام قال :

إنّ الذي أخفاه في نفسه هو : أنّ الله سبحانه كان قد أعلمه أنّ زيدا سيطلّقها وأنّها ستكون من أزواجه. فلمّا جاء زيد وقال له : اريد أن اطلّق زينب وقال له : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) قال الله له : لم قلت : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) وقد أعلمتك أنّها ستكون من أزواجك؟! (٣).

وروى الصدوق في «عيون أخبار الرضا» عنه عليه‌السلام قال : جاء زيد بن حارثة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال له : يا رسول الله ، إنّ امرأتي في خلقها سوء فأريد طلاقها!

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٩٤ والآية من سورة الأحزاب : ٣٧ ـ ٤٠.

(٢) التبيان ٨ : ٣٤٤ و ٣٤٥.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٥٦٤.

٥٤٧

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ).

وقد كان الله ـ عزوجل ـ عرّفه عدد أزواجه وأنّ تلك المرأة منهنّ ، فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد ، وخشي أن يقول الناس : إنّ محمّدا يقول لمولاه : إنّ امرأتك ستكون زوجة لي ، يعيّبونه بذلك. فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ) ثمّ إنّ زيد بن حارثة طلّقها واعتدت منه ، فزوّجها الله ـ عزوجل ـ من نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنزل بذلك قرآنا فقال ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً)(١).

كان هذا في جواب المأمون الخليفة العبّاسي ، وكذلك علي بن الجهم في مجلسه :

روى الصدوق فيه عنه أيضا قال : وأمّا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقول الله ـ عزوجل ـ : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ). فإنّ الله ـ عزوجل ـ عرّف نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أسماء أزواجه في دار الدنيا وأسماء أزواجه في دار الآخرة ، وممّن سمى له زينب بنت جحش ، وهي يومئذ زوجة زيد بن حارثة. فأخفى اسمها في نفسه ولم يبده ، لكي لا يقول أحد من المنافقين : أنّه قال في امرأة في بيت رجل أنّها إحدى أزواجه من امّهات المؤمنين ، وخشي قول المنافقين فقال الله ـ عزوجل ـ : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ)(٢).

والآيات التالية : (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ ، سُنَّةَ اللهِ

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ١ : ٢٠٣.

(٢) عيون أخبار الرضا ١ : ١٩٥. والآية : ٣٧ من سورة الأحزاب.

٥٤٨

فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً* الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً)(١) وكأنّ الآية استدراك على قوله سبحانه (... وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ...) فتصفه مع (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) ثم ختمت الموضوع بالآية الاخيرة فيه : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(٢).

وفي الآية ٤ و ٥ من أوائل السورة بداية التمهيد لهذا الحكم ، قوله سبحانه : (... ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ* ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ ...).

ثم تنصرف الآيات التالية عن هذا الموضوع الى حرب الأحزاب ، ثم بني قريظة ، ثم أزواج النبي وتخييرهم بين الحياة الدنيا وزينتها أو الله ورسوله والدار الآخرة. وقد قال المفسّرون أنهنّ كنّ يومئذ تسعا : سودة بنت زمعة ، وعائشة ، وحفصة ، وأمّ سلمة بنت ابي أميّة ، وزينب بنت جحش الاسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، وصفية بنت حييّ بن أخطب الخيبرية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية (٣) وقد تزوّج جويرية في السادسة ، وصفية وميمونة في أوّل وآخر السابعة ، وهذا يقتضي نزول السورة أو هذه الآيات منها بعد ذلك! ولذلك فنحن نؤخّر خبره الى هنالك ، بما ضمنت الآية ٣٣ من قوله سبحانه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ

__________________

(١) الأحزاب : ٣٨ ـ ٣٩.

(٢) الأحزاب : ٤٠.

(٣) التبيان ٨ : ٣٣٤ ، ٣٣٥ ومجمع البيان ٩ : ٥٥٤ و ٥٧٣ و ٥٧٤.

٥٤٩

لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وبما بعدها من الآية ٣٥ : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ...) لما جاء في شأن نزولها من ذكر أسماء بنت عميس بعد رجوعها من الحبشة في السابعة.

ثم تعود الآيات فتستأنف قصة زينب بنت جحش وزوجها زيد من الآية ٣٦ : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ ...) وتنهي الموضوع بالآية ٤٠ عددا وتنصيصا : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ...).

ثمّ تتخلّل اثنتا عشرة آية منها ثلاث آيات تعود على أزواج النبيّ.

ثمّ تعود الآية ٥٣ الى ما يتعلق بوليمته صلى‌الله‌عليه‌وآله لزواجه بزينب وهو قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً).

ففي تفسير القمي : لمّا تزوّج رسول الله بزينب بنت جحش ... أولم ودعا أصحابه وكان أصحابه اذا اكلوا أحبوا أن يتحدثوا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو يحب أن يخلو مع زينب ، فأنزل الله الآية (١).

وروى الطبرسي عن أنس بن مالك قال : ان رسول الله ذبح شاة ، وأعدّ تمرا وسويقا ، وبعثت أمي أمّ سليم إليه بإناء من حجارة فيه حيس (وهو تمر يخرج نواه ويعجن في اقط وسمن) وأمرني رسول الله أن ادعو أصحابه الى الطعام.

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٩٥.

٥٥٠

فدعوتهم ، فجعل القوم يجيئون ويأكلون ويخرجون ، ثم يجيء القوم فيأكلون ويخرجون حتى ما وجدت أحدا ادعوه فقلت ذلك لرسول الله فقال : ارفعوا طعامكم ، فرفعوه وخرج القوم ، وبقي ثلاثة نفر يتحدثون في البيت فأطالوا المكث ، فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله فمشى حتى بلغ حجرة عائشة ، وظن أنهم قد خرجوا فرجع فاذا هم جلوس مكانهم! وكان رسول الله يريد ان يخلو له المنزل. فنزلت الآية (١) مما يقتضي نزولها في زواج النبي بزينب بعد الاحزاب في الخامسة.

وجوب الحجاب :

وفي الآية : (... وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ...) وفي الآية ٥٥ : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) وقبلها في الآية ٣٢ : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ...) وبعدها في الآية ٥٩ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).

وفي الآية الأخيرة في تفسير القمي قال : كان سبب نزولها أن النساء كنّ يخرجن الى المسجد يصلين خلف رسول الله ، فاذا كان بالليل وخرجن الى صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة قعد الشبان لهنّ في طريقهنّ فيؤذونهنّ ويتعرضون لهنّ فانزل الله الآية (٢). وروى ابن سعد في «الطبقات» عن انس بن

__________________

(١) مجمع البيان ٩ : ٥٧٤.

(٢) تفسير القمي ٢ : ١٩٦ ونحوه في مجمع البيان ٩ : ٥٨٠.

٥٥١

مالك : أن وجوب الحجاب كان في سنة زواج النبي بزينب. وعن ابن سعد أيضا أنه كان في ذي القعدة (١).

امّهات المؤمنين :

وفي الآية السادسة : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ...) وجاء في ذيل الآية ٥٣ : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً).

وفي تفسير القمي : كان سبب نزولها : أنه لما أنزل الله (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ...) ... قال طلحة [بن عبيد الله التيمي ابن عم عائشة] : تزوّج محمد نساءنا ويحرّم علينا نساءه؟! لئن أمات الله محمدا لنفعلنّ كذا وكذا ... فأنزل الله الآية (٢).

ونقل الطوسي عن السديّ قال : لما نزلت آية الحجاب ، قال رجل من بني تيم (؟!) أنحجب عن بنات عمّنا [عائشة] ان مات عرّسنا بهنّ ، فنزل قوله : (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا ...).

وعن الشعبي عن عكرمة قال : لما نزلت آية الحجاب قال آباء النساء وأبناؤهن : ونحن أيضا مثل اولئك؟ فأنزل الله : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً)(٣).

__________________

(١) كما في الميزان ١٦ : ٣٤٣.

(٢) تفسير القمي ٢ : ١٩٥.

(٣) التبيان ٨ : ٣٥٨ ومجمع البيان ٩ : ٥٧٧. وفي الميزان ١٦ : ٣٤٣ خبر السدّي عن الدر

٥٥٢

وروى الطبرسي عن ابن عباس قال : قال رجل من الصحابة (؟!) : لئن قبض رسول الله لأنكحنّ عائشة بنت ابي بكر! وقال مقاتل : هو طلحة بن عبيد الله (١).

والآية ٥٠ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ ...) قال القمي يعني من الغنيمة (٢) والتي أفاءها الله عليه من غنيمة الحرب هي : أوّلا : جويرية بنت الحارث زعيم بني المصطلق ، وغزوهم كان في السادسة. وثانية : صفية بنت حييّ بن أخطب في حرب خيبر في أوائل السابعة. فهذا يقتضي نزولها لا أقل بعد حرب بني المصطلق بما في الآية من قوله سبحانه : (... وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ...) وشأن نزولها. فالى هنالك.

والآيتان : ٢٨ و ٢٩ وهما آيتا التخيير : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ...) قد قال القمي في سبب نزولهما : أنه لما رجع رسول الله من غزاة خيبر (٣) بل في «التبيان» و «مجمع البيان» ما يدل على نزولهما بعد زواجه بميمونة بنت الحارث الهلالية في آخر السابعة (٤) فالى هنالك.

__________________

ـ المنثور ومرّ الخبر عن الحميدي عن السدي نفسه نزول الآيات بعد زواجه بام سلمة وحفصة وقول عثمان وطلحة عن كشف الحقّ للعلّامة الحلي : ٢٤٧ ط. بغداد ، في الصفحة ٤٦٢ من هذا الكتاب ، فراجع.

(١) مجمع البيان ٩ : ٥٧٤.

(٢) تفسير القمي ٢ : ١٩٥.

(٣) تفسير القمي ٢ : ١٩٢.

(٤) التبيان ٨ : ٣٣٤ و ٣٣٥ ومجمع البيان ٩ : ٥٥٤ و ٥٧٣.

٥٥٣
٥٥٤

أهمّ حوادث

السنة السادسة للهجرة

٥٥٥
٥٥٦

غزوة القرطاء :

قال المسعودي في حوادث السنة السادسة من الهجرة : في المحرّم كانت سريّة محمّد بن مسلمة الأنصاري إلى قبيلة القرطاء من بني بكر بن كلاب ، بموضع يقال له : البكرات بناحية ضريّة (١).

وروى الواقدي بسنده عن محمّد بن مسلمة : أنّ رسول الله بعثه في ثلاثين رجلا إلى بني بكر بن كلاب ، وأمره أن يسير الليل ويكمن النهار وأن يشنّ الغارة عليهم.

قال محمّد بن مسلمة : فخرجت بأصحابي في عشر ليال خلون من المحرّم على رأس خمسة وخمسين شهرا من الهجرة ، وانطلق حتّى إذا كان بموضع يطلعه على بني بكر فبعث عبّاد بن بشر إليهم فأومى عليهم ، فلمّا روّحوا ماشيتهم وحلبوها وروّوا إبلهم وردّوها إلى مباركها جاء إلى محمّد بن مسلمة فأخبره ، فخرج محمّد بن مسلمة فشنّ عليهم الغارة فقتل منهم عشرة ، واستاقوا النعم والشياه وانحدروا إلى المدينة

__________________

(١) التنبيه والإشراف : ٢١٨.

٥٥٧

فأصبحوا في الضريّة (١).

قال : ثمّ خفنا الطلب فحدرنا النعم وطردنا الشياه أشدّ الطرد فكانت تجري معنا كأنّها الخيل ثمّ أبطأت علينا الشياة بالربذة فخلّفناها مع نفر من أصحابنا ، وطردنا النعم فقدمنا بها المدينة على النبيّ ، مائة وخمسين بعيرا وثلاثة آلاف شاة ، فخمّسها رسول الله وفضّ ما بقي منها على أصحابه ، وعدلوا كلّ جزور بعشر من الغنم فأصاب كلّ رجل منهم (٢).

غزوة بني لحيان :

روى الواقدي : أنّ رسول الله كان قد وجد على عاصم بن ثابت وأصحابه (الذين قتلوا يوم الرجيع في أوّل السنة الرابعة) فخرج في مائتي رجل فيهم عشرون فارسا (٣) لهلال ربيع الأوّل سنة ستّ (٤) ، فنزل بناحية الجرف ، فعسكر فيه أوّل النهار وهو يظهر أنّه يريد الشام (٥) ليصيبهم على غفلة. فسلك على جبل غراب بطريق الشام ثمّ على محيص ثمّ على البتراء ثمّ خرج على بين ثمّ على صخيرات اليمام ، ثمّ

__________________

(١) المغازي ٢ : ٥٣٤ وجاء في الخبر : بعد ضريّة مسيرة ليلة أو ليلتين. ثمّ يقول : وخرجت من ضريّة حتّى وردت بطن نخل. وهي على يومين من المدينة. وقبلها يقول : فأبطأت علينا الشياة بالربذة. وهي على ثلاثة أيّام من المدينة بل أربعة أيّام. وعليه فلا تصحّ مسافة ضريّة : ليلتين ، بل يقرب ما في الطبقات ٢ : ٥٦ : سبع ليال من المدينة. ولا يصحّ ما في التنبيه والإشراف : ٢١٨ : سبعة أميال ، ولعلّه تصحيف الليال.

(٢) المغازي ٢ : ٥٣٥.

(٣) المغازي ٢ : ٥٣٦. وروى العدد كذلك ابن إسحاق ٢ : ٢٩٢.

(٤) المغازي ٢ : ٥٣٥.

(٥) المغازي ٢ : ٥٣٦.

٥٥٨

استقام على المحجّة من طريق مكّة فأسرع السير حتّى نزل منازل بني لحيان في غران واد بين أمج وعسفان إلى بلد يقال له ساية ، فوجدهم قد نذروا به فحذروا وتمنّعوا منه برءوس الجبال (١). فأقام يوما أو يومين وبعث السرايا في كلّ ناحية فلم يقدروا على أحد منهم (٢) فقال ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ : لو أنّا هبطنا عسفان لرأى أهل مكّة أنّا قد جئنا مكّة. فخرج في أصحابه حتّى نزل عسفان (٣). ثمّ بعث فارسين من أصحابه حتّى بلغا كراع الغميم (٤) ثمّ كرّا ، ورجع رسول الله إلى المدينة وهو يقول : آئبون تائبون ، لربّنا حامدون. أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والولد (٥).

وغاب رسول الله عن المدينة أربع عشرة ليلة (٦).

سريّة الغمر (٧) :

روى الواقدي بسنده قال : بعث رسول الله عكاشة بن محصن الاسدي في أربعين رجلا (إلى بني أسد في الغمر) واخبروا به فهربوا من مائهم ، فانتهى إليهم فلم

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ : ٢٩٢.

(٢) المغازي ٢ : ٥٣٦.

(٣) وفي المنتقى : في مرجعه من بني لحيان جاز على قبر امّه فزاره ـ البحار ٢٠ : ٢٩٨ في قرية الأبواء.

(٤) واد بعد عسفان إلى مكّة بثمانية أميال.

(٥) ابن هشام ٢ : ٢٩٣.

(٦) المغازي ٢ : ٥٣٧.

(٧) ماء لبني أسد على ليلتين من فيد. في طريق العراق ـ التنبيه والإشراف : ٢١٩. وأشار الحلبي إلى السريّة باسم الغمرة. المناقب ١ : ٢٠١.

٥٥٩

يجدهم ، فبعث الطلائع يطلبون خبرا أو أثرا ، فرجع أحدهم يقول : إنّه رأى لهم أثرا ، وكان القوم قد تركوا لهم ربيئة كان قد سهر ليلته يتسمّع الصوت فلمّا أصبح أخذه النوم ، فأصابه المسلمون فأخذوه وسألوه عن خبر الناس ... وضربه أحدهم بسوط ، فقال : تؤمّنني على دمي وأطلعك على نعم لبني عمّ لهم لم يعلموا بمسيركم؟ قالوا : نعم ، فانطلقوا معه فخرج حتّى أمعن ... ثمّ قال : تطلعون عليهم من هذا الدرب ، فأشرفوا فإذا بنعمهم ترتع ، فأغاروا عليهم فهربوا في كلّ وجه فأصابوا منهم مائتي بعير فاستاقوها إلى المدينة. وكان ذلك في شهر ربيع الأوّل سنة ست.

موادعة بني أشجع :

روى القمي في تفسيره خبرهم فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد هادن بني ضمرة ووادعهم قبل غزاة بدر الموعد (١) وكان على مقربة منهم بنو الأشجع بطن من كنانة في البيضاء والجبل والمستباح ، وكان بينهم وبين بني ضمرة حلف في المراعاة والأمان ، فأجدبت بلاد أشجع وأخصبت بلاد بني ضمرة فصارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة ، فقربوا من رسول الله ، فهابوا لقربهم من رسول الله أن يبعث إليهم من يغزوهم.

فلمّا بلغ رسول الله مسيرهم إلى بني ضمرة وكان رسول الله قد خافهم أن يصيبوا من أطرافه شيئا ، همّ بالمسير إليهم ، وتهيّأ للمصير إليهم ليعقروهم ، للموادعة التي كانت بينهم وبين بني ضمرة.

فبينما هو على ذلك إذ جاءت أشجع ورئيسها مسعود بن رخيلة ، وهم سبعمائة ، فنزلوا شعب سلع ـ وذلك في شهر ربيع الأوّل سنة ست ـ فدعا رسول الله

__________________

(١) حسب نسخة بحار الأنوار ٢٠ : ٣٠٥ وفي طبعة النجف : الحديبية ، تحريفا.

٥٦٠