موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

وثماني دور لبني مخزوم منهم الأرقم بن أبي الأرقم ، وخالد بن الوليد (بعد الفتح) ودارا لعمار بن ياسر حليفهم بناها له عمر عند رجوعه من الشام ، وهبتها له أم سلمة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فبعضها اليوم بأيدي بعض ولده ، وبعضها باعوها فصارت الى الفضل بن يحيى البرمكي. وكانت لعمار قبلها دار اخرى ادخلت في المسجد في الضلع الغربي اليماني منه.

وذكر دارا لحليفهم الآخر : خراش بن أميّة الكعبي ، وقال : انها كانت بين زقاق الصفّارين وبابها شارع في سوق الخبّازين ، وأوقفها على ولده (١).

وفي دور بني زهرة ذكر خمس دور لعبد الرحمن بن عوف الزهري : «دار مليكة» و «دار القضاء» و «الدار الذميمة» و «دار الضيفان الكبرى» ودارا باعها ابنه سهيل لعبد الله بن جعفر فباعها لمعاوية فصارت لمنيرة ثم صارت ليحيى البرمكي ثم صودرت. وذكر أن ثلاثا منها كانت تدعى «القرائن» و «الجنابذ» أي القباب ، ادخلت في المسجد.

واتخذ أخوه عبد الله بن عوف دارا فهي صدقة في ولده. وذكر أن سعد بن أبي وقّاص الزهري اتخذ دارا بالمصلّى عند زقاق الحمارين.

وكانت له داران بالبقّال ، وكانت لأبي رافع القبطي دار قريبة فساومه عليها سعد فكان أبو رافع يريدها بخمسمائة دينار ، وسعد يقول : لا والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجّمة (أي مقسّطة) فناقله أبو رافع على ذلك. ثم أوقفهما سعد على ذريته.

واتخذ سعد دارا أخرى بالبلاط قبال دار ابراهيم بن هشام المخزومي. فلما قدم سعد من العراق وقاسم أمواله عمر على مقاسمته لأموال عماله قاسمه داره

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ٢٤٣ ـ ٢٤٦.

٤١

هذه ، بالنصف ، فوهب نصفها لامرأة تدعى «جبّى» كانت قد أرضعت عمرا ، فكانت بيدها حتى سمعت نقيضا في سقف البيت ، فقالت : والله لا سكنت هذا البيت ، فخرجت منه ثم باعت الدار لبعض ولد عمر بن الخطاب فهي بأيديهم الى اليوم. وباع سعد النصف الباقي له لعثمان بن عفان باثني عشر الف درهم ، ثم صارت لعمرو بن عثمان. واتخذ اخواه عامر بن أبي وقاص داره ، وعتبة بن أبي وقاص داره بالبلاط ، وكانت بايدي ولديهما حتى ابتاعه الربيع حاجب المنصور من ولد عتبة بدارهم.

وذكر لهم دارين آخرين لعبد الرحمن بن ازهر ومخرمة بن نوفل ، وهي في زاوية المسجد عند المنارة الشرقية اليمانية ، فاشترى المهدي بعضها فأدخله في رحبة المسجد ، وصارت بقيتها لآل برمك ثم صودرت اليوم.

وذكر أن المقداد بن عمرو البهرائي (ابن الاسود الكندي) حليف بني مخزوم اتخذ دارين صارتا الى ولد ابنته من وهب بن عبد الله الأسدي ، باعوا احداهما ليزيد بن عبد الملك والاخرى بأيديهم في بني جديلة يقال لها : دار المقداد (١).

قال ابن اسحاق : فأقام رسول الله في بيت أبي أيوب حتى بني له مسجده ومساكنه ، ثم انتقل من بيت أبي أيوب الى مساكنه (٢) ولم يعين مدة ذلك.

وقد مرّ عن ابن شهرآشوب في «المناقب» قال : كان مدة مقامه عنده من شهر ربيع الأول الى صفر من السنة القابلة (٣) وقيل سبعة أشهر ، وقيل شهرا واحدا (٤).

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ٢٢٢ ـ ٢٤١.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ١٤٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٨٦.

(٤) وفاء الوفاء ١ : ٢٦٥ والسيرة الحلبية ٢ : ٦٤.

٤٢

وفي «وفاء الوفاء» للسمهودي قال : استظهر الشمس الذهبي : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بنى أولا بيت سودة ، ثم لما احتاج الى منزل عائشة بناه ، وهكذا سائر بيوته بناها في أوقات مختلفة (١).

وسيأتي أن دخوله بعائشة كان في شهر شوال الثامن من هجرته ، وكان قد تزوّج بها وبسودة ودخل بها بمكة قبل الهجرة.

وقد خرجت عائشة من مكة الى المدينة مع أخيها عبد الله وامها أم رومان ومعهم طلحة بن عبيد الله التيمي بعد أن رجع إليهم من المدينة عبد الله بن اريقط فأخبرهم بمكان أبيهم بالسنح من المدينة (٢).

أما علي عليه‌السلام فانما حمل معه أمه فاطمة بنت أسد ومعها من بنات الرسول فاطمة وأما سائر بناته : فزينب مع زوجها أبي العاص بن الربيع ، ورقية مع زوجها عثمان في هجرة الحبشة ، وأما أمّ كلثوم فقد مرّ أن عكرمة كان قد طلّقها ولم يذكر أنها هاجرت الى الحبشة ، ولم يذكر أن عليا عليه‌السلام حملها مع اختها فاطمة الى المدينة. ولكن قالوا : إن رسول الله بعث أبا رافع القبطي وزيد بن حارثة الكلبي من المدينة الى مكة فحملا إليه زوجته سودة بنت زمعة وسائر بناته (٣) بل هي أم كلثوم فقط. ويبدو أنّ ذلك كان قبل دخوله بعائشة لما مرّ أنّ أوّل بيت بناه كان لسودة ثم لعائشة فيبدو أن ذلك كان في الشهر السابع رمضان قبل دخوله بعائشة في الشهر الثامن شوال ، وعليه فمدة اقامته بدار أبي أيوب سبعة أشهر وفيها بنى مسجده وبيته.

__________________

(١) وفاء الوفاء ٢ : ٤٦٢.

(٢) الطبري ٢ : ٤٠٠ وعنه الكازروني في المنتقى وعنه في بحار الأنوار ١٩ : ١٢٩.

(٣) الطبري ٢ : ٤٠٠ وعنه الكازروني في المنتقى وعنه في بحار الأنوار ١٩ : ١٢٩.

٤٣

تشريع أذان الإعلام :

قالوا : وفي السنة الاولى من الهجرة شرّع الأذان (١). وروى محمد ابن اسحاق عن محمد بن ابراهيم ، عن محمد بن عبد الله ، عن أبيه عبد الله بن زيد أنه قال : كان رسول الله حين قدم المدينة يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة ، وكان لليهود بوق يدعون به لصلاتهم ، فهمّ رسول الله أن يجعل لذلك بوقا كبوق اليهود. ثم كرهه. وأمر أن ينحت ناقوس ليضرب به للصلاة.

فبينما هم على ذلك إذ طاف بي طائف : مرّ بي رجل عليه ثوبان اخضران يحمل ناقوسا في يده ، فقلت له : يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس؟ قال : وما تصنع به؟ قال : قلت : ندعو به إلى الصلاة ، قال : أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قال : قلت : وما هو؟ فعلّمه فصول الأذان بلا اقامة ، وليس فيها «حيّ على خير العمل».

فأتى رسول الله فقال له ذلك. فلما أخبر بها رسول الله قال : إنها لرؤيا حق ان شاء الله ، فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذّن بها فانه أندى صوتا منك (٢).

«وهناك من أحاديثهم ما هو صريح بأن تلك الرؤيا كانت من أربعة عشر رجلا من الصحابة ، كما في «شرح التنبيه» للجبيلي ، ورووا أن الرائين تلك الليلة كانوا سبعة عشر رجلا من الأنصار وعمر وحده من المهاجرين ، ورووا أن بلالا ممن رأى الأذان أيضا. وثمة متناقضات في هذا الموضوع أورد الحلبي منها ما يوجب العجب العجاب ، وحاول الجمع بينها فحبط عمله.

__________________

(١) بحار الأنوار ١٩ : ١٣١ عن المنتقى للكازروني.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ١٥٤ ، ١٥٥.

٤٤

والشيخان البخاري ومسلم قد أهملا هذه الرؤيا بالمرة ، فلم يخرجاها في صحيحيهما أصلا لا عن ابن زيد ، ولا عن ابن الخطّاب ، ولا عن غيرهما ، وما ذاك الّا لعدم ثبوتها عندهما.

نعم أخرجا في باب بدء الأذان من صحيحيهما عن ابن عمر قال : كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيّنون الصلاة ، وليس ينادي بها أحد. فتكلّموا يوما في ذلك فقال بعضهم : اتّخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى ، وقال بعضهم : بل بوقا مثل بوق اليهود. فقال عمر : الا تبعثون رجلا ينادي للصلاة؟ فقال رسول الله : يا بلال قم فناد بالصلاة. فنادى بالصلاة» (١).

هذا ، وقد روى المتّقي الهندي في «كنز العمال» أنهم تذاكروا الأذان عند الحسن عليه‌السلام وذكروا رؤيا ابن زيد ، فقال : إنّ شأن الأذان أعظم من ذلك ، أذّن جبرئيل في السماء مثنى مثنى وعلّمه رسول الله (٢).

وروى القاضي النعمان المصري عن الصادق عليه‌السلام قال : سئل الحسين بن علي عليه‌السلام عن قول الناس في الأذان : أن السبب فيه كان رؤيا رآها عبد الله بن زيد فأخبر بها النبيّ فأمر بالأذان ، فغضب عليه‌السلام وقال : الأذان وجه دينكم ، والوحي ينزل على نبيّكم وتزعمون أنه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد؟! بل سمعت أبي علي بن أبي طالب يقول : أهبط الله عزوجل ملكا حين عرج برسول الله ـ وساق حديث المعراج بطوله الى أن قال ـ فبعث الله ملكا لم ير في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده ، فأذّن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى. ثم قال جبرئيل للنبيّ : يا محمد هكذا أذّن للصلاة (٣).

__________________

(١) النص والاجتهاد : ٢٣٠ ، ٢٣١ عن صحيح مسلم ٢ كتاب الصلاة باب بدء الأذان.

(٢) عن كنز العمال ٦ : ٢٧٧.

(٣) دعائم الاسلام ١ : ١٤٢ وعنه في مستدرك الوسائل ٤ : ١٧ ط آل البيت. ومثله عن الجعفريات : ٤٢.

٤٥

وروى الحلبي في سيرته عن أبي العلاء قال : قلت لمحمد بن الحنفية : إنّا لنتحدّث : أن بدء هذا الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه ، قال : ففزع لذلك محمد بن الحنفية فزعا شديدا وقال : عمدتم الى ما هو الأصل في شرائع الاسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنه من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه ، تحتمل الصدق والكذب اذ تكون أضغاث أحلام!! فقلت : هذا حديث قد استفاض في الناس! قال : هذا والله هو الباطل ، وانما أخبرني أبي : أنّ جبرئيل عليه‌السلام أذّن في بيت المقدس ليلة الاسراء وأقام ، ثم أعاد جبرئيل الأذان لما عرج بالنبيّ الى السماء (١).

وروى العيّاشي في تفسيره عن عبد الصمد بن بشير قال : ذكر عند أبي عبد الله عليه‌السلام بدء الأذان فقيل : إن رجلا من الأنصار رأى في منامه الأذان فقصّه على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمره رسول الله أن يعلّمه بلالا. فقال ابو عبد الله : كذبوا ، ان رسول الله كان نائما في ظل الكعبة فأتاه جبرئيل ومعه طاس فيه ماء من الجنة فأيقظه وأمره أن يغتسل به ، ثم وضعه في محل له ألف ألف لون من نور ، ثم صعد به حتى انتهى الى أبواب السماء ... فأمر الله جبرئيل فقال : الله اكبر ، الله اكبر ... فأتمّ الأذان وأقام الصلاة ، وتقدم رسول الله فصلّى بهم .. فهذا كان بدء الأذان (٢).

ولكن هذا لا يعني أن تشريع أذان الاعلام كان من حين رجوعه صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك المعراج في مكة ، بل لعله كان كما روى الكليني بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : هبط جبرئيل بالأذان على رسول الله وكان رأسه في حجر علي عليه‌السلام فأذّن جبرئيل وأقام. فلما انتبه رسول الله قال : يا علي سمعت؟ قال : نعم يا رسول الله ،

__________________

(١) السيرة الحلبية ٢ : ٩٦.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٥٧.

٤٦

قال : حفظت؟ قال : نعم. قال : ادع بلالا فعلّمه. فدعا علي عليه‌السلام بلالا فعلّمه (١).

وروى بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : قال (رسول الله) لبلال : اذا دخل الوقت يا بلال اعل فوق الجدار ـ وكان طول حائط مسجد رسول الله قامة ـ وارفع صوتك بالأذان (٢).

وهذا يقتضي أن الأذان كان بعد بناء المسجد ، وقد مرّ ترجيح أنه كان بعد سبعة أشهر من الهجرة ، أي في شهر رمضان المبارك من السنة الاولى للهجرة.

وروى ابن اسحاق عن عروة بن الزبير بخصوص أذان الفجر ، عن امرأة من بني النجار قالت : كان بيتي أطول بيت حول المسجد ، فكان بلال يأتي بيتي فيصعد ويجلس عليه في السحر ينتظر الفجر من كل غداة ، فاذا رآه أذّن للفجر (٣).

وقال اليعقوبي : وكان بلال يؤذن ، ثم أذّن معه ابن أمّ كلثوم ، أيهما سبق أذّن ، فاذا كانت الصلاة أقام واحد.

ثم نقل عن الواقدي قال : إن بلالا كان إذا أذّن وقف على باب رسول الله فقال : الصلاة يا رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح (٤).

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار :

روى الطوسي في أماليه بسنده عن سعد عن أبيه حذيفة بن اليمان قال :

آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الأنصار والمهاجرين اخوّة الدين ، فكان يؤاخي بين الرجل ونظيره. ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : هذا أخي.

__________________

(١) فروع الكافي : ٨٣ ومن لا يحضره الفقيه ١ : ٥٧ والتهذيب ١ : ٢١٥.

(٢) فروع الكافي ١ : ٨٤ والتهذيب ١ : ١٥٠.

(٣) سيرة ابن هشام ٢ : ١٥٦ بتصرف.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٢.

٤٧

قال حذيفة : فرسول الله سيد المرسلين وامام المتقين ورسول ربّ العالمين الذي ليس له في الأنام شبه ولا نظير ، وعلي بن أبي طالب إخوة (١).

ويبدو لي أن هذه الرواية من سعد بن حذيفة هي التي أشار إليها ابن اسحاق اذ قال : «بلغنا أن رسول الله قال ـ ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل ـ : تآخوا في الله أخوين أخوين. ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : هذا أخي.

فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المرسلين وامام المتقين ورسول ربّ العالمين الذي ليس له خطير (أي شبه) ولا نظير .. وعليّ بن أبي طالب أخوين.

وأضاف : وكان حمزة بن عبد المطلّب أسد الله وأسد رسوله وعم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وزيد بن حارثة مولى رسول الله أخوين ، وإليه أوصى حمزة يوم احد حين حضره القتال ان حدث به حادث الموت. وجعفر بن أبي طالب (٢) ذو الجناحين الطيّار في الجنة ومعاذ بن جبل أخو بني سلمة أخوين. وكان أبو بكر الصدّيق ابن أبي قحافة وخارجة بن زهير الخزرجي أخوين. وعمر بن الخطاب وعبان بن مالك الخزرجي أخوين وعثمان بن عفان وأوس بن ثابت بن المنذر الخزرجي أخوين ... والزبير بن العوّام وسلمة بن سلامة أخوين .. وطلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك أخوين .. وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع الخزرجي أخوين .. وابو عبيدة بن الجرّاح وسعد بن معاذ أخوين .. ومصعب بن عمير بن هاشم وأبو أيوب (الأنصاري الخزرجي) أخوين .. وعمار بن ياسر

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٥٨٧ ح ١٢١٥ وعنه في بحار الأنوار ٣٨ : ٣٣٣ ورواه ابن طاوس في الطرائف : ٢٨ عن مناقب ابن المغازلي : ٤٢ كما في بحار الأنوار ٣٨ : ٣٤٦.

(٢) کذا ، ولكن هذا يقتضي ظاهراً أن يكون عقد الاخوة بعد فتح خيبر في السنة السابعة بعد عودة جعفر من هجرة الحبشة! فهذا يتنافى مع ذكر حمزة الشهيد في اُحد في السنة الثالثة للهجرة!

٤٨

وحذيفة بن اليمان حليف الخزرج أخوين .. وأبو ذر الغفاري والمنذر بن عمرو الخزرجي أخوين .. وسلمان الفارسي (١) وأبو الدّرداء عويمر أخوين. وبلال مؤذّن رسول الله وأبو رويحة الخثعمي أخوين .. فهؤلاء ممن سمّي لنا ممن كان رسول الله آخى بينهم من أصحابه (٢).

ونقل المقريزي في «امتاع الأسماع» عن عبد الرحمن بن الجوزي قال : أحصيت جملة من آخى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهم فكانوا مائة وستة وثمانين رجلا. ويقال : كانوا تسعين رجلا : خمسة وأربعين رجلا من المهاجرين وخمسة وأربعين رجلا من الأنصار. ويقال : خمسين من هؤلاء وخمسين من هؤلاء. ويقال : انه لم يبق من المهاجرين أحد الا آخى بينه وبين أنصاري.

وكانت المؤاخاة بعد مقدمه بخمسة أشهر. وقيل : بثمانية أشهر ، ثم نسخ التوارث بالمؤاخاة بعد بدر (٣).

ونقل ابن شهرآشوب عن تاريخ النسوي أنها كانت بعد ثمانية أشهر (٤).

أمّا ابن اسحاق فانّما سمى ثمانية وثلاثين رجلا : واحد وعشرون رجلا من المهاجرين وسبعة عشر رجلا من الأنصار (لمؤاخاة النبيّ والوصي ، وحمزة وزيد ابن حارثة) ثم قال : «فهؤلاء ممن سمي لنا ممن كان رسول الله آخى بينهم من أصحابه» ولعله سمي له غيرهم ولم يذكرهم.

__________________

(١) وهذا يقتضي أن يكون عقد الاخوة بعد الخندق في الخامسة!

(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ١٥١ ـ ١٥٣.

(٣) إمتاع الأسماع للمقزيزي : ٣٤٠ وروى الحديث عن ابن عباس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : أنت أخي وصاحبي. كما رواه أحمد في مسنده ١ : ٢٣٠ وابن عبد البر في الاستيعاب ٢ : ٤٦٠ والمتقي الهندي في كنز العمال ٦ : ٣٩١. كما في الغدير ٣ : ١١٦.

(٤) المناقب ١ : ١٥١.

٤٩

وأمّا ابن حبيب في «المحبر» فقد زاد على من ذكرهم ابن اسحاق ستة وثمانين رجلا ، فالمجموع أربعة وعشرون رجلا من المهاجرين والأنصار ، منهم : الحصين بن الحارث بن المطّلب مع رافع بن عنجدة. والطفيل بن الحارث بن المطّلب مع المنذر بن محمد بن عقبة. وعبيدة بن الحارث بن المطّلب مع عمير بن الحمام السّلمي. وعبيدة هو الشهيد ببدر ، ولذلك قالوا : كانت المؤاخاة قبل بدر ولم يكن بعد بدر مؤاخاة ، كما في «المحبر» (١).

وقد آخى رسول الله بين أصحابه مرّتين : اولاهما في مكة ، آخى بين جماعة منهم قبل الهجرة. وعن هذه المؤاخاة الاولى ذكر ابن حبيب في «المحبر» أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخى بين نفسه وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وآخى بين حمزة بن عبد المطلب وبين زيد بن حارثة مولى رسول الله ، وبين أبي بكر وعمر ، وبين عثمان بن عفّان وعبد الرحمن بن عوف ، وبين الزبير بن العوّام وعبد الله بن مسعود ، وبين عبيدة ابن الحارث بن المطّلب وبلال مولى أبي بكر ، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص ، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ، وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله (٢).

ومن ذكره لمصعب بن عمير يعلم أن ذلك كان قبل ارسال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله له الى المدينة ، أي قبل الهجرة بسنة تقريبا.

وصرّح ابن سيد الناس بأن هذه المؤاخاة كانت قبل الهجرة (٣) كما جاء في

__________________

(١) المحبّر : ٧٠ ـ ٧١.

(٢) المحبّر : ٧٠ ـ ٧١.

(٣) السيرة لابن سيد الناس ١ : ٢٠٠ ـ ٢٠٣ كما في الغدير ٣ : ١١٤ وقد ذكر الأميني في الغدير عددا من مصادر أخبار المؤاخاة بين النبيّ والوصي ٣ : ١١١ ـ ١٢٥ من العامة.

٥٠

«السيرة الحلبية» أيضا (١) وهو الظاهر من رواية الحاكم الحسكاني النيشابوري في «المستدرك على الصحيحين» (٢).

وقال ابن سعد في «الطبقات» (٣) والسهيلي في «الروض الانف» والكازروني في «المنتقى» ما معناه : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قدم المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار على الحق والمواساة يتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام ، فلمّا كانت وقعة بدر أنزل الله تعالى في سورة الأنفال : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٤) نسخت هذه الآية ما كان قبلها ، ورجع كل إنسان إلى نسبه وورثه ذو رحمه.

وقال السهيلي : فلما عزّ الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أنزل الله سبحانه : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) أي في الميراث. ثم جعل المؤمنين كلهم اخوة فقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (٥) يعني في التودّد وشمول الدعوة.

وهذا يعني أنّ عقد المؤاخاة كان قبل نزول هذه الآية ، وهذه الآية عمّمت الأخوّة.

__________________

ـ والمجلسي في بحار الأنوار ٣٨ : ٣٣٠ ـ ٣٤٧ عن العامة والخاصة. وذكر ابن عساكر عشرين خبرا بأسنادها في ذلك من الخبر ١٤١ إلى ١٦١ وأضاف المحقّق المحمودي مصادر اخرى للأخبار من صفحة ١١٧ إلى ١٣٢ من القسم الأوّل من ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تأريخ دمشق لابن عساكر.

(١) السيرة الحلبية ٢ : ٢٣ و ١٠٢.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ٤.

(٣) الطبقات ١ : ٢٤٢.

(٤) الانفال : ٧٥.

(٥) الحجرات : ١٠.

٥١

أول سريّة بالمدينة :

روى الواقدي : أن عير قريش جاءت من الشام تريد مكة في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيها أبو جهل (بن هشام) في ثلاثمائة راكب من أهل مكة. فعقد رسول الله لواء (أبيض) لحمزة بن عبد المطّلب ، وكان أول لواء عقده بعد أن قدم المدينة (وكان يحمله ابو مرثد الغنوي) (١) ، بعثه في ثلاثين راكبا خمسة عشر من المهاجرين وخمسة عشر من الأنصار ، يعترضون لعير قريش.

فبلغوا سيف البحر والتقوا هناك واصطفّوا للقتال. وكان مجديّ بن عمرو حليفا (؟) للفريقين فلم يزل يمشي الى هؤلاء وإلى هؤلاء حتى انصرف القوم وانصرف حمزة راجعا الى المدينة في أصحابه.

ثم روى الواقدي : أن رسول الله لم يبعث أحدا من الأنصار حتى كانت بدر. ثم قال : وهو المثبت (٢).

وقال ابن اسحاق : بعثه الى سيف البحر من ناحية العيص ، في ثلاثين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد. فلقي أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلاثمائة راكب من أهل مكة ، وكان مجديّ بن عمرو الجهنيّ موادعا للفريقين فحجز بينهم (٣) ولم يقل أنه كان محالفا ، ولعلّه هو الصحيح ، إذ لم نعهد لهم حلفا. وكذلك في رواية الطبري عن الواقدي ليس فيها انه كان حليفا لهم.

__________________

(١) الطبري ٢ : ٤٠٢ عن الواقدي ، وليس في المغازي. وقال عنه اليعقوبي : كان حليفه ٢ : ٧٠.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٩ ، ١٠.

(٣) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٤٥ واليعقوبي ٢ : ٦٩ وأشار إليه في ٢ : ٤٤. والتنبيه والاشراف : ٢٠٠ والطبرسي في إعلام الورى بلا اسناد ١ : ١٦٢.

٥٢

سريّة عبيدة بن الحارث :

روى الواقدي قال : ثمّ عقد لواء لعبيدة بن الحارث ، في شوّال على رأس ثمانية أشهر ، إلى رابغ ـ ورابغ على عشرة أميال من الجحفة إلى قديد ـ فخرج عبيدة في ستّين راكبا كلّهم من قريش (من المهاجرين ليس فيهم أنصاري) فلقي أبا سفيان بن حرب على ماء يقال له أحياء من بطن رابغ ، وأبو سفيان يومئذ في مائتين .. لم يسلّوا السيوف ولم يصطفّوا للقتال .. وتقدم سعد بن أبي وقّاص أمام أصحابه ونثر كنانته (ليرميهم) وترّس أصحابه عنه ، فرمى بما في كنانته حتى أفناها ، وكان فيها عشرون سهما ، وليس منها سهم إلّا يقع فيجرح إنسانا أو دابّة (ومع ذلك فإنّهم) لم يسلّوا السيوف ولم يصطفّوا للقتال ، بل انصرفوا ... فقال سعد لعبيدة : لو اتبعناهم لأصبناهم فإنّهم قد ولّوا مرعوبين. فلم يتابعه عبيدة على ذلك ، بل انصرفوا إلى المدينة (١).

وقال ابن اسحاق : وبعث رسول الله عبيدة بن الحارث بن المطّلب بن عبد مناف في ستّين راكبا من المهاجرين .. حتّى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنيّة المرّة ... ورمى سعد بن أبي وقّاص بسهم ، وهو أوّل سهم رمي به في الإسلام ثم انصرف القوم عن القوم ولم يكن بينهم قتال (٢).

وكان المقداد بن عمرو حليف بني زهرة ، وعتبة بن غزوان المازني حليف بني نوفل مسلمين (بمكّة) فخرجا معهم ليتوصّلوا بهم إلى المسلمين ، ففرّوا منهم إليهم.

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٠ ، ١١ بتصرّف وكذلك في رواية الطبري عنه ٢ : ٤٠٢. والتنبيه والإشراف : ٢٠١.

(٢) ونقله الطبرسي في إعلام الورى ١ : ١٦٢ بلا إسناد.

٥٣

وبعض الناس يقول : كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله لأحد من المسلمين ، ولكنّ بعثه وبعث عبيدة كانا معا فشبّه ذلك على الناس (١).

بيت سودة ثم عائشة :

مرّ عن السمهودي عن الذهبي : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بنى بيت سودة أوّلا .. ثم لما احتاج الى منزل عائشة بناه ، وهكذا سائر بيوته بناها في أوقات مختلفة (٢).

والآن نذكر أن دخوله بعائشة كان في شهر شوال الثامن من هجرته ، وعليه فيبدو أنّ إرساله لأبي رافع القبطي وزيد بن حارثة الشيباني من المدينة الى مكة ليحملا إليه أهله سودة بنت زمعة بن قيس كان قبل دخوله بعائشة في المدينة.

ورجع عبد الله بن اريقط من المدينة الى مكة فأخبر عبد الله بن أبي بكر بمكان أبيه بالسنح من المدينة ، فخرج عبد الله بعيال أبيه إليه وفيهم عائشة ومعهم طلحة بن عبيد الله التيمي (٣).

قالت عائشة : وكان أبو بكر قد نزل في بني الحارث بن الخزرج بالسنح ، فقدمنا المدينة عليه.

وجاء رسول الله فدخل بيتنا فاجتمع إليه رجال ـ من الأنصار ـ ونساء. وكنت أنا في أرجوحة بين عذقين يرجّح بي ، فجاءتني أمّي فأنزلتني ، ومسحت وجهي بشيء من ماء ، ووفّت جمّتي (شعري).

وكان رسول الله جالسا على سرير في بيتنا ، فقادتني أمّي حتى وقفت بي عند باب البيت ، ثم أدخلتني فأجلستني ... وقالت له : هؤلاء أهلك ، فبارك الله لك

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٤١ ، ٢٤٢ بتصرف. واليعقوبي ٢ : ٦٩ نقل نص ابن اسحاق.

(٢) وفاء الوفاء ٢ : ٤٦٢.

(٣) الطبري ٢ : ٤٠٠ والمنتقى وعنه في بحار الأنوار ١٩ : ١٢٩.

٥٤

فيهن وبارك لهنّ فيك. ووثب القوم والنساء فخرجوا ، فبنى بي رسول الله في بيتي ، وأنا يومئذ ابنة تسع سنين! ولا نحرت لي جزور ولا ذبحت عليّ شاة ، حتى ارسل إلينا سعد بن عبادة بجفنة كان يرسل بها الى رسول الله (١).

ثم روى الطبري عن الكلبي : أن رسول الله تزوّج عائشة قبل الهجرة بثلاث سنين ، وهي ابنة سبع سنين ، وجمع إليها بعد أن هاجر الى المدينة وهي ابنة تسع سنين ، في شوال (٢).

سريّة الخرّار :

قال الواقدي : في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر من مهاجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال رسول الله لسعد بن أبي وقاص : اخرج يا سعد حتى تبلغ الخرّار ، فان عيرا لقريش ستمرّ به. والخرّار من الجحفة قريب من خم (٣) وعقد له لواء أبيض كان يحمله المقداد بن عمرو (٤) وعهد إليه أن لا يجاوز الخرّار.

فخرج في أحد وعشرين رجلا (مهاجرا) على أقدامهم ، يكمنون النهار ويسيرون بالليل ، فبلغوا الخرّار صباح الليلة الخامسة ، فكان العير قد فاتهم فلم

__________________

(١) الطبري ٣ : ١٦٣.

(٢) الطبري ٣ : ١٦٤ و ٢ : ٤٠٠ بالرواية عن عائشة ، وقريبا منه في اعلام الورى ١ : ٢٧٦ والتنبيه والاشراف : ٢٠١ ومروج الذهب ٢ : ٢٨٨ ولكنه أضاف : «وكان وفاتها سنة ثمان وخمسين وقد قاربت السبعين» فيكون عمرها في زواجها اثنتي عشرة سنة لا تسعة. ومن الطبيعي أن تصغّر المرأة عمرها!.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ١١.

(٤) الطبري ٢ : ٤٠٣ عن الواقدي وليس في المغازي.

٥٥

يدركوه فرجعوا (١). وهذه هي السرية الثالثة والأخيرة في ثلاثة أشهر : رمضان وشوال وذي القعدة وقعدوا عن الخروج للحرب في الأشهر الحرم : ذي الحجة ومحرم ، ويعود الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الى القتال في شهر صفر من السنة الثانية.

ولكن رواية الواقدي هذه تقول : إن السرية هذه كانت في ذي القعدة الحرام ، والآية : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٢) وان كانت قد نزلت بعد هذا ، ولكن ليس لسانها لسان ابتداء التشريع والتحريم ، والواقدي نفسه يقول في الآية : فحدثهم الله أن القتال في الشهر الحرام كما كان ... وحرّم الشهر الحرام كما كان يحرّمه (٣).

وعليه فالأولى رواية ابن اسحاق اذ تجعل الخرّار في جمادى الاولى من السنة الثانية (٤).

موقف اليهود وأحبارهم :

قال ابن اسحاق : إن اليهود في المدينة لمّا رأوا أن الله اختار رسوله من العرب دونهم حسدوه فكذّبوه وجحدوه وعادوه.

وكان أحبارهم : من بني النضير : حييّ بن أخطب ، وأخواه : جدي ابن أخطب ، وابو ياسر بن أخطب. وسلام بن أبي الحقيق وأبنا أخيه الربيع بن أبي

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١١.

(٢) البقرة : ٢١٧.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ١٨.

(٤) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٥١.

٥٦

الحقيق : الربيع بن الربيع وكنانة بن الربيع. وكعب بن الأشرف الطائي النبهاني حليف بني النضير وأمه منهم ، وحليفاه : الحجّاج بن عمرو وكردم بن قيس. وسلام بن مشكم ، وعمرو بن جحّاش.

ومن بني قريظة : الزبير بن باطا بن وهب ، وعزّال بن شموئيل ، وكعب بن أسد ، وشموئيل بن زيد ، والنحّام بن زيد ، ووهب بن زيد وعديّ بن زيد ، وجبل ابن عمرو بن سكينة ، وقردم بن كعب وكردم بن زيد ، وأبو نافع ، ونافع بن أبي نافع ، والحارث بن عوف ، واسامة بن حبيب ، ورافع بن رميلة ، وجبل بن أبي قشير ، ووهب بن يهوذا.

ومن يهود بني قينقاع : زيد بن اللصيت ، وسعد بن حنيف ، ومحمود بن سيحان ، وعزيز بن أبي عزيز ، وعبد الله بن صيف ومالك وبني صيف ، وسويد بن الحارث ، ورفاعة بن قيس ، وفنحاص ، وأشيع ، ونعمان بني أضا ، وبحريّ بن عمرو ، وشأس بن عدي ، وشأس بن قيس ، وزيد بن الحارث ، ونعمان بن عمرو ، وسكين بن أبي سكين ، وعديّ بن زيد ، ونعمان بن أبي أوفى ، ومحمود بن دحية ، وكعب بن راشد ، وعازر ، ورافع بن أبي رافع ، وخالد ، وأزار بن أزار ، ورافع بن حارثة ، ورافع بن حريملة ، ورافع بن خارجة ، ومالك بن عوف ، ورفاعة بن زيد.

وكان حبرهم الأعلم الحصين بن سلام ، وهو الذي أسلم فسماه رسول الله : عبد الله (١).

اليهود من حلف الأوس والخزرج الى عهد المسلمين :

روى الطوسي في «التبيان» وعنه الطبرسي في «مجمع البيان» عن عكرمة

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢ : ١٦٠ ـ ١٦٢.

٥٧

عن ابن عبّاس قال : إنّ اليهود كانوا فريقين : طائفة منهم بنو قينقاع ، وهم حلفاء الخزرج ، وطائفتا النضير وقريظة ، وهم حلفاء الأوس. فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج ، وخرجت بنو النضير وقريظة مع الأوس ، يظاهر كلّ فريق حلفاءه على إخوانه حتّى يتسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم (١).

هذا وقد استجاب جمهور الخزرج لدعوة الإسلام وتبعهم الأوس ، فلم يبق لحلفهم مع اليهود معنى ..

فلعلّ هذا هو الذي دفعهم إلى ما رواه الطبرسي في «إعلام الورى» عن علي بن إبراهيم القمّي قال :

وجاءه اليهود : قريظة والنضير وقينقاع فقالوا : يا محمّد إلام تدعو؟ قال : شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله الذي تجدونني مكتوبا في التوراة ، والذي أخبركم به علماؤكم : أنّ مخرجي بمكّة ومهاجري بهذه الحرّة (أي المدينة) وأخبركم عالم منكم جاءكم من الشام فقال : تركت الخمر والخمير وجئت إلى البؤس والتمور ، لنبيّ يبعث في هذه الحرّة (أي الحجارة) مخرجه بمكّة ومهاجره هاهنا ، وهو آخر الأنبياء وأفضلهم ، يركب الحمار ، ويلبس الشملة ، ويجتزئ بالكسرة (من الخبز زهدا) وفي عينيه حمرة ، وبين كتفيه خاتم النبوّة. يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى ، وهو الضحوك القتّال ، يبلغ سلطانه منقطع الخفّ والحافر.

__________________

(١) التبيان ١ : ٣٣٦ ومجمع البيان ١ : ٣٠٣ وإليه الإشارة في قوله سبحانه : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) البقرة : ٨٥.

٥٨

فقالوا له : قد سمعنا ما تقول ، وقد جئناكم لنطلب منكم الهدنة على أن : لا نكون لك ولا عليك ، ولا نعين عليك أحدا ، ولا تتعرّض لنا ولا لأحد من أصحابنا : حتى ننظر الى ما يصير أمرك وأمر قومك.

فأجابهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ذلك ، وكتب بينهم كتابا : أن لا يعينوا على رسول الله ولا على أحد من أصحابه بلسان ولا يد ولا بسلاح ولا بكراع ، في السرّ والعلانية ، لا بليل ولا بنهار ، والله بذلك عليهم شهيد. فان فعلوا فرسول الله في حلّ من سفك دمائهم وسبي ذراريهم ونسائهم وأخذ أموالهم.

وكتب لكل قبيلة منهم (قريظة والنضير والقينقاع) كتابا على حدة.

وكان الذي تولى أمر بني النضير حييّ بن أخطب ، فلما رجع الى منزله قال له إخوته ، جديّ بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب : ما عندك؟ قال : هو الذي نجده في التوراة ، والذي بشر به علماؤنا ، ولا أزال له عدوّا لأن النبوة خرجت من ولد اسحاق وصارت في ولد اسماعيل ، ولا نكون تبعا لولد اسماعيل أبدا! (١).

وكان الذي تولّى أمر قريظة كعب بن أسد.

والذي تولّى أمر بني قينقاع مخيريق ، وكان اكثرهم مالا وحدائق ، فقال لقومه : إن كنتم تعلمون أنه النبيّ المبعوث فهلمّوا نؤمن به ونكون قد ادركنا الكتابين! فلم تجبه قينقاع الى ذلك (٢).

ثم لم يرو الطبرسي ولا غيره من رواتنا نصّ المعاهدة ، نعم روى الكليني في

__________________

(١) مرّ مثله في أخبار أوائل الهجرة في قباء عن ابن اسحاق عن صفية بنت حييّ بن أخطب ، ولعله تكرّر منه ذلك ، وإلّا فمن المستعبد كتابة العهد في قباء.

(٢) إعلام الورى ١ : ١٥٧ ، ١٥٨ عن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي ، ولم نجده في تفسيره.

٥٩

«الكافي» والطوسي في «التهذيب» باسنادهما عن طلحة بن زيد عن الصادق عن أبيه الباقر عليهما‌السلام قال : قرأت في كتاب لعلي عليه‌السلام : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم منهم من أهل يثرب (١) ثم لم يزد على ثلاثة أسطر من العهد الّا قليلا. واكمل النص ابن اسحاق قال : كتب رسول الله كتابا بين المهاجرين والأنصار ، وادع فيه يهود وعاهدهم ، وأقرّهم على دينهم وأموالهم ، وشرط لهم واشترط عليهم :

بسم الله الرّحمن الرّحيم. هذا كتاب من محمد النبيّ بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم : أنهم امة واحدة من دون الناس : المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم (٢) بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ، كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ، وكل طائفة منهم تفدي

__________________

(١) اصول الكافي ٢ : ٦٦٦ وفروع الكافي ١ : ٣٣٦ والتهذيب ٢ : ٤٧.

(٢) العاني : الأسير.

٦٠