موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

يقدر رسول الله ولا أحد من المسلمين أن يزولوا من مواضعهم ... وجعل أصحابه يقولون : يا رسول الله ، ما صلّينا! فيقول : وأنا والله ما صلّيت!.

ثمّ رجعوا متفرّقين : فرجعت قريش إلى منزلها ، ورجعت غطفان إلى منزلها وانصرف المسلمون إلى قبّة رسول الله.

وأقام اسيد بن حضير في مائتين من المسلمين على شفير الخندق ، إذ كرّت عليهم خيل من المشركين عليهم خالد بن الوليد وفيهم وحشيّ قاتل حمزة ، يطلبون غرة من المسلمين ، فناوشوهم ساعة ، وزرق وحشيّ بمزرقته الطفيل بن النعمان الأنصاري فقتله.

ولمّا صار رسول الله إلى موضع قبّته أمر بلالا فأذّن وأقام صلاة الظهر ، فصلّاها كأحسن ما كان يصلّيها في وقتها ، ثمّ أقام صلاة العصر فصلّاها كأحسن ما كان يصلّيها في وقتها ، ثمّ أقام المغرب فصلّاها كأحسن ما كان يصلّيها في وقتها ، ثمّ أقام العشاء فصلّاها كأحسن ما كان يصلّيها في وقتها (١).

وأرسلت بنو مخزوم إلى النبيّ ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ بدية رجل يشترون بها جثّة نوفل بن عبد الله المخزومي (الذي وقع في الخندق فقتل بالحجارة).

فقال رسول الله : إنّما هي جيفة حمار! وكره ثمنه (٢).

إصابة سعد بن معاذ :

وكان من أثر الرمي بينهم أن رمى ابن العرقة سعد بن معاذ بسهم فأصاب

__________________

(١) وفي اليعقوبي ١ : ٥٠ : كان ذلك في اليوم الثالث.

(٢) الواقدي ٢ : ٤٧٢ ـ ٤٧٤. وفي مناقب آل أبي طالب ١ : ١٩٨ : فبعث المشركون بعشرة آلاف إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يشترون جيفة عمرو ، فقال النبيّ : هو لكم ، لا نأكل ثمن الموتى.

٥٠١

العرق الأكحل الغليظ من يده وقال حين رماه : خذها وأنا ابن العرقة. فأجابه ابن معاذ : عرّق الله وجهك في النار!

ثمّ دعا فقال : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لحربهم ، فإنّه لا قوم أحبّ إليّ أن اقاتلهم من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه من حرمك ، اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ، ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة!

وحملوه إلى رسول الله فبات عنده على الأرض (١).

وقال الواقدي : كواه رسول الله بالنار فانتفخت يده فتركه فسال الدم (٢).

وقال ابن إسحاق : وكانت امرأة من أسلم يقال لها : رفيدة ، تحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين ، فكانت تداوي الجرحى في مسجده ... فحين أصاب السهم سعدا قال رسول الله لقومه : اجعلوه في خيمة رفيدة (في المسجد) حتى أعوده من قريب (٣).

وقال الواقدي : كان لكعيبة بنت سعد بن عتبة الأسلميّة خيمة في المسجد (٤) تداوي فيها الجرحى وتلمّ الشعث وتقوم على الضائع الذي لا أحد له ... فكان سعد في المسجد في خيمتها (٥).

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٨٨ وإعلام الورى ١ : ١٩٣. وفي السيرة ٣ : ٢٣٨.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٤٦٩.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ : ٢٥٠ ، وفي تفسير القميّ ٢ : ١٨٨ : وضرب رسول الله لسعد في المسجد خيمة ، وكان يتعاهده بنفسه.

(٤) ولم يقل (في مسجده) ولعلّه مسجد قبيلتها بني أسلم قريبا من الخندق.

(٥) الواقدي ٢ : ٥١٠.

٥٠٢

أخبار نعيم بن مسعود في تحريش قريش على اليهود :

قال القمي في تفسيره : فلمّا كان في جوف الليل جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله ـ وكان قد أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام ـ فقال له :

يا رسول الله ، قد آمنت بالله وصدّقتك ، وكتمت إيماني عن الكفرة ، فإن أمرتني أن آتيك وأنصرك بنفسي ، فعلت ، وإن أمرت أن اخذّل بين اليهود وبين قريش فعلت ، حتى لا يخرجوا من حصنهم؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : خذّل بين اليهود وقريش فإنّه أوقع عندي.

قال : فتأذن لي أن أقول فيك ما اريد؟ قال : قل ما بدا لك.

فجاء إلى أبي سفيان فقال له :

تعرف مودّتي لكم ونصحي ، ومحبّتي أن ينصركم الله على عدوّكم ، وقد بلغني أنّ محمّدا قد وافق اليهود أن يدخلوا عسكرهم ويميلوا عليكم ، ووعدهم إذا فعلوا ذلك أن يردّ عليهم جناحهم الذي قطعه لبني النضير وقينقاع. فلا أرى أن تدعوهم أن يدخلوا في عسكركم حتّى تأخذوا منهم رهنا تبعثوا بهم إلى مكّة ، فتأمنوا مكرهم وغدرهم!.

فقال أبو سفيان : وفّقك الله وأحسن جزاك ، مثلك أهدى النصائح.

ولم يعلم أبو سفيان بإسلام نعيم ، ولا أحد من اليهود.

ثمّ جاء من فوره إلى [كعب في] بني قريظة فقال له :

يا كعب ، تعلم مودّتي لكم ، وقد بلغني أنّ أبا سفيان قال : يخرج هؤلاء اليهود فنضعهم في نحر محمّد ، فإن ظفروا كان الذكر لنا دونهم ، وإن كانت علينا كانوا هؤلاء مقاديم الحرب! فلا أرى لكم أن تدعوهم أن يدخلوا عسكركم حتّى تأخذوا منهم عشرة من أشرافهم يكونون في حصنكم ، إنّهم إن يظفروا بمحمّد لم

٥٠٣

يبرحوا حتّى يردوا عليكم عهدكم وعقدكم بين محمّد وبينكم ، لأنّه إن ولّت قريش ولم يظفروا بمحمّد غزاكم محمّد فيقتلكم!

فقالوا : أحسنت وأبلغت في النصيحة ، لا نخرج من حصننا حتّى نأخذ منهم رهنا يكونون في حصننا (١).

وقال القاضي النعمان : كان نعيم بن مسعود رجلا من غطفان مع المشركين ، وكان نديما لبني قريظة ، فأتاهم كالزائر لهم ، فرحّبوا به ووقّروه ، فلمّا خلا بهم قال :

قد عرفتم مودّتي لكم ، وقد جئت إليكم ناصحا إن قبلتم منّي.

قالوا : جزاك الله خيرا ، ما نتّهمك ، بل نحن ممّن نثق بمودّتك ونقبل نصيحتك ، فقل ما أردت.

فقال لهم : إنّكم قد فعلتم فعلا لم تحسنوا النظر فيه لأنفسكم : نقضتم حلف محمّد وصرتم مع قريش وغطفان ، ولستم كمثلهم ؛ إنّ قريشا وغطفان إنّما جاءوا لحرب محمّد وأصحابه على ظهور دوابهم ، فإن أصابوا منه ما أرادوا ، وإلّا انصرفوا عنه وتركوكم معه! وأنتم تعلمون أنّه لا طاقة لكم به وبأصحابه إن خلا بكم. وقد تداخل أصحابنا الفشل والاختلاف ، وطال مقامهم ، وخفّت أزوادهم. وكان من أمر ابن عبد ودّ وأصحابه ما قد عرفتم وإنّما كان المعتمد عليهم والنظر إلى ما يكون منهم عند اقتحامهم الخندق ، فإذا قد كان من ذلك ما كان فقد تداخل

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٨١ و ١٨٢. هذا هو الموجود في تفسير القمي من خبر نعيم بن مسعود الأشجعي ، وقد نصّ على إسلامه قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام ، ثمّ ظاهره عرضه أمره على النبيّ بعد نقض بني قريظة من دون فصل طويل ، ويبدو أنّ نقضهم كان في أوائل قدوم قريش ، ولذلك ذكره القمي قبل مقتل عمرو بن عبد ودّ.

٥٠٤

اليأس إلى قلوب الناس ، وأكثر ما يقيمون أيّاما قليلة ، فإن رأوا فرصة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وتركوكم!

قالوا : لقد صدقت ونصحت فيما قلت ، فجزاك الله خيرا ، فما الحيلة بعد هذا؟!

قال : الحيلة : أن لا تقاتلوا مع القوم حتّى تأخذوا منهم رهائن من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم أن لا ينصرفوا عنكم ويدعوكم!

قالوا : لقد أشرت بالرأي ، فأحسن الله عنّا جزاك.

ثمّ أتى عيينة بن حصن ، وأبا سفيان ، فقال :

إن بني قريظة بيني وبينهم ما قد علمتم ، وقد بتّ عندهم فاطّلعت منهم على سرّ خشيت منه علينا!

قالوا : وما هو؟!

قال : إنّ القوم ندموا على ما نقضوا من حلف محمّد لمّا رأوا مقامنا ولم نصنع شيئا ونظروا إلى ما كان من أمر عمرو بن عبد ودّ وأصحابه ، وخافوا أن ننصرف عنهم فيطأهم محمّد ، فأرسلوا إليه يرغبون في سلمه ، ويذكرون ندامتهم على ما كان منهم وقالوا له : نحن نرضيك بأن نأخذ من القبيلتين رجالا من أشرافهم فنسلّمهم إليك فتضرب أعناقهم أو تفعل فيهم ما رأيت ، ثمّ نكون معك على من بقي منهم.

فايّاكما أن تخدعكما اليهود أو أن يظفروا بأحد منكم!

فأرسل أبو سفيان وعيينة إليهم عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يستخبرونهم ذلك ويدعونهم إلى القتال معهم ويقولون : إنّا لسنا بدار مقام ، وقد هلك الخفّ والحافر ونفد الزاد ، وأبى محمّد وأصحابه إلّا لزوما

٥٠٥

لخندقهم ، وأنتم أعلم بعورة الموضع ، فاخرجوا إلينا بجماعتكم لنناجز محمدا وأصحابه ونقتحم عليهم الخندق بجماعتنا.

فلمّا جاء القوم بني قريظة بذلك ، قالوا : قد كنّا مع محمّد على حلف ، ولم نكن نرى منه إلّا خيرا ، ونقضنا ما كان بيننا وبينه ، ونحن نخشى ونخاف إن ضرستكم الحرب أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا به ، فلسنا بالذي نقاتل معكم حتّى تعطونا رهائن من وجوه رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتّى نناجز محمّدا.

فلمّا انصرف بذلك القوم إلى أبي سفيان وعيينة علما أن الأمر ما قاله نعيم ابن مسعود ، وأبوا أن يدفعوا إليهم أحدا.

وقالت بنو قريظة : هذا مصداق قول نعيم بن مسعود ، ولزموا معاقلهم ، واستوحش بعض القوم من بعض وتنافرت قلوبهم ، ولم يجد الأحزاب إلّا الرحيل إلى بلادهم (١).

وروى في «قرب الإسناد» بسنده عن الصادق عن علي عليهما‌السلام قال :

إنّ رسول الله بلغه أنّ بني قريظة بعثوا إلى أبي سفيان : أنّكم إذا التقيتم أنتم ومحمّد أمددناكم وأعنّاكم. فقام النبيّ فخطبنا فقال : إن بني قريظة بعثوا إلينا أنّا إذا التقينا نحن وأبو سفيان أمدّونا وأعانونا! فبلغ ذلك أبا سفيان فقال : غدرت اليهود! (٢)

__________________

(١) شرح الأخبار ١ : ٢٩٧ ـ ٢٩٩. وروى خبره ابن إسحاق في السيرة ٣ : ٢٤٠ ـ ٢٤٢ وعنه الطبرسي في مجمع البيان ٨ : ٥٣٩ و ٥٤٠. وروى الواقدي خبره بسنده عنه ٢ : ٢٨٠ ـ ٢٨٤ ثمّ أخبارا اخرى أربعة ٢٨٤ ـ ٢٨٧ ، ثمّ قال : والأثبت قول نعيم الأوّل.

(٢) قرب الإسناد : ٦٢ و ٦٣ ، كما في بحار الأنوار ٢٠ : ٢٤٦.

٥٠٦

وهزم الأحزاب وحده :

روى الكليني في «روضة الكافي» بسنده عن أبان بن عثمان الأحمر البجلي الكوفي عن الصادق عليه‌السلام قال :

في ليلة ظلماء قرّة (١) قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على التلّ الذي عليه «مسجد الفتح» في غزوة الأحزاب فقال : من يذهب فيأتينا بخبرهم وله الجنّة؟ فلم يقم أحد ، ثمّ أعادها فلم يقم أحد.

قال الصادق عليه‌السلام : وما أراد القوم؟ أرادوا أفضل من الجنّة؟! ثمّ قال :

ثمّ قال رسول الله : من هذا؟ فقال : حذيفة. فقال له : أما تسمع كلامي منذ الليلة ولا تكلّم؟! أقبرت؟! فقام حذيفة وهو يقول : القرّ والضّر ـ جعلني الله فداك ـ منعني أن اجيبك! فقال رسول الله : انطلق حتى تسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم ... يا حذيفة ، ولا تحدث شيئا حتى تأتيني.

فلمّا ذهب قال رسول الله : اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله حتّى تردّه.

فأخذ (حذيفة) سيفه وقوسه وجحفته (٢).

قال حذيفة : فخرجت وما بي من ضرّ ولا قرّ ، فمررت على باب الخندق ...

ولمّا توجّه حذيفة قام رسول الله (فصلّى ثمّ (٣)) نادى : يا صريخ المكروبين ، ويا مجيب المضطرّين ، اكشف همّي وغمّي وكربي ، فقد ترى

__________________

(١) قرّة : باردة ـ الصحاح.

(٢) الجحفة : الترس من الجلود بلا خشب ولا عقب ـ الصحاح.

(٣) كما في رواية الطبرسي في إعلام الورى ١ : ١٩٣ عن الأحمر البجلي الكوفي أيضا.

٥٠٧

حالي وحال أصحابي (١).

فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا رسول الله ، إنّ الله ـ عزّ ذكره ـ قد سمع مقالتك ودعاءك ، وقد أجابك وكفاك هول عدوّك!

فجثا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ركبتيه وبسط يديه وأرسل عينيه ثمّ قال :

شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي. ثمّ قال رسول الله :

قد بعث الله ـ عزوجل ـ عليهم ريحا من سماء الدنيا فيها حصى ، وريحا من السماء الرابعة فيها جندل (٢).

قال حذيفة : وأقبل جند الله الأوّل : ريح فيها حصى ، فما تركت لهم نارا إلّا أذرّتها (٣) ولا خباء إلّا طرحته ، ولا رمحا إلّا ألقته ، حتّى جعلوا يتترّسون من الحصى ، وجعلنا نسمع وقع الحصى في الأترسة.

وقام إبليس في صورة رجل مطاع من المشركين فقال : أيّها الناس ، إنّكم قد نزلتم بساحة هذا الساحر الكذّاب ، ألا وإنّه لن يفوتكم من أمره شيء فإنّه ليس سنة مقام ، قد هلك الخفّ والحافر ، فارجعوا ولينظر كلّ رجل منكم من جليسه!

قال حذيفة : فنظرت عن يميني فضربت بيدي فقلت : من أنت؟ قال : معاوية.

فقلت للذي عن يساري : من أنت؟ قال : سهيل بن عمرو.

قال حذيفة : وأقبل جند الله الأعظم فقام أبو سفيان إلى راحلته ، وصاح في

__________________

(١) ورواه في فروع الكافي ١ : ٣١٨ وكامل الزيارات : ٢٤ والقمي في التفسير ٢ : ١٨٦ والتهذيب ٢ : ٦ و ٦٠.

(٢) الجندل : الحجارة أكبر من الحصى.

(٣) اي : فرّقتها.

٥٠٨

قريش : النجاء النجاء!

وقال طلحة الأزدي : لقد زادكم محمّد بشر! ثمّ قام إلى راحلته ، وصاح في بني أشجع : النجاء النجاء!

وفعل عيينة بن حصن مثلها. ثمّ فعل الحارث بن عوف المزني مثلها. ثم فعل الأقرع بن حابس مثلها.

وذهب الأحزاب.

ورجع حذيفة إلى رسول الله فأخبره الخبر (١).

وروى ابن إسحاق الخبر عن محمّد بن كعب القرظي ، عن حذيفة بن اليمان قال :

فذهبت فدخلت في القوم والريح تفعل بهم ما تفعل ، لا تقرّ لهم قدرا ولا نارا ولا بناء. فقام أبو سفيان فقال : يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه؟

قال حذيفة : فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت : من أنت؟

قال : فلان بن فلان (٢).

ثمّ قال أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنّكم ـ والله ـ ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع (٣) والخفّ (٤) وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدّة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ، ولا يستمسك لنا بناء ، فارتحلوا فإنّي مرتحل. ثمّ قام إلى جمله ... وسمعت غطفان بما فعلت قريش

__________________

(١) روضة الكافي : ٢٣٢ ، ح : ٤٢٠ ، وقريب منه في تفسير القمي ٢ : ١٨٦ و ١٨٧.

(٢) كذا ذكر الخبر في سيرة ابن هشام ، بينما نقله في شرح المواهب فذكر اسم معاوية بن أبي سفيان ثمّ عمرو بن العاص! ونقله عنه محقّقو السيرة بهامشها ٣ : ٢٤٣.

(٣) الكراع : الخيل.

(٤) الخف : الابل.

٥٠٩

فانشمروا راجعين إلى بلادهم.

قال حذيفة : فرجعت إلى رسول الله وهو قائم يصلّي في كساء لبعض نسائه ، فلمّا رآني (وهو يصلّي) أدخلني إلى رجليه وطرح عليّ طرف الكساء ، ثمّ ركع وسجد. فلمّا سلّم أخبرته الخبر (١).

وروى الواقدي عن عبد الله بن عمر قال : صلّى رسول الله في موضع الخرق على الجبل إلى طرف بني النضير ، وهو اليوم موضع المسجد الذي بأسفل الجبل.

وروى عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قام رسول الله على الجبل الذي عليه المسجد ، فدعا في إزار ، ورفع يديه مدّا ، ثمّ جاءه مرّة اخرى فصلّى ودعا.

وفي خبر آخر عنه قال : دعا رسول الله في مسجد الأحزاب على الأحزاب يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ، فاستجيب له بين الظهر والعصر يوم الأربعاء حتى عرفنا السرور في وجهه.

وروى عن حذيفة بن اليمان قال : اجتمع علينا الجوع والخوف في ليلة شديدة البرد ... وقال رسول الله : من رجل ينظر لنا ما فعل القوم جعله الله رفيقي في الجنّة! ثمّ عاد يقول ذلك ثلاث مرّات وما قام رجل واحد ، من شدّة البرد والجوع والخوف! فلمّا رأى رسول الله أنّه لا يقوم أحد دعاني فقال : يا حذيفة! فلم أجد بدّا من القيام حين نوّه باسمي ، فجئته ولقلبي وجبان (٢) في صدري.

فقال : تسمع كلامي منذ الليلة ولا تقوم؟

فقلت : ما قدرت على ما بي من الجوع والبرد!

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ : ٢٤٢ ـ ٢٤٤.

(٢) اي : خفقان.

٥١٠

فقال : فاذهب فانظر ما فعل القوم؟ ...

فقلت : ولكنّي أخاف أن يمثّلوا بي!

فقال : ليس عليك بأس! ثمّ قال :

فاذهب فادخل في القوم فانظر ما ذا يقولون ...

فأقبلت فجلست على نار مع القوم. فقام أبو سفيان فقال : احذروا الجواسيس والعيون ، ولينظر كلّ رجل جليسه.

فالتفتّ فقلت : من أنت؟ لمن عن يميني. فقال : عمرو بن العاص. والتفتّ فقلت : من أنت؟ (لمن عن يساره) فقال : معاوية بن أبي سفيان. ثمّ قال أبو سفيان : إنّكم ـ والله ـ لستم بدار مقام ؛ لقد هلك الخفّ والكراع وأجدب الجناب ، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم ما نكره ، ولقد لقينا من الريح ما ترون! والله ما يثبت لنا بناء (١) ولا تطمئن لنا قدر ، فارتحلوا فإنّي مرتحل. وقام أبو سفيان وجلس على بعيره وهو معقول ، ثمّ ضربه فوثب على ثلاث قوائم ، فما اطلق عقاله إلّا بعد ما قام.

فناداه عكرمة بن أبي جهل : إنّك رأس القوم وقائدهم ، تقشع وتترك الناس؟!

فاستحيا أبو سفيان وأناخ جمله ونزل عنه وأخذ بزمامه وهو يقوده ويقول : ارحلوا.

فجعل الناس يرتحلون وهو قائم حتّى خفّ العسكر.

ثمّ قال لعمرو بن العاص : يا أبا عبد الله ، لا بدّ لي ولك أن نقيم في جريدة من خيل بإزاء محمّد وأصحابه ـ فإنّا لا نأمن أن نطلب ـ حتى ينفذ العسكر. فقال

__________________

(١) البناء : الخباء.

٥١١

عمرو : أنا اقيم.

وقال لخالد بن الوليد : وأنت ما ترى يا أبا سليمان؟ فقال : أنا ـ أيضا ـ اقيم (١).

فأقام عمرو وخالد في مائتي فارس ، وسار سائر العسكر.

وذهب حذيفة إلى غطفان فوجدهم يرتحلون ... ولمّا ارتحلوا وقف فرسان من بني سليم في أصحابهم ، والحارث بن عوف في خيل من أصحابه ، ومسعود ابن رخيلة في خيل من أصحابه.

وأقامت خيل قريش حتى كان السحر ثمّ مضوا فلحقوا بالعسكر في ملل عند ارتفاع النهار.

وارتحلت بقيّة خيل غطفان فالتحقوا بقومهم في المراض (٢) ثمّ تفرّقت قبائلهم إلى محالّهم ، ورجع حذيفة ـ في الليل ـ إلى الرسول فأخبره الخبر.

قال الواقدي : فلمّا أصبح رسول الله بالخندق أصبح وليس حوله أحد من عساكر المشركين. فأذن للمسلمين بالانصراف إلى منازلهم ، فخرجوا مبادرين مسرورين.

ثمّ روى عن ابن عمر قال : وكره رسول الله أن يكون لقريش عين فيرى سرعتهم في ذلك ، فبعث من ينادي في أثرهم بردّهم.

قال عبد الله بن عمر : فجعلت أصيح في أثرهم في كلّ ناحية : إنّ رسول الله أمركم أن ترجعوا. فما رجع منهم رجل واحد من الجوع والبرد.

وقال جابر بن عبد الله : أمرني رسول الله أن أردّهم ، فجعلت أصيح بهم ،

__________________

(١) وفي تفسير القمي ٢ : ١٨٧ : قال أبو سفيان لخالد بن الوليد : يا أبا سليمان لا بدّ من أن اقيم أنا وأنت على ضعفاء الناس.

(٢) المراض : على ستّة وثلاثين ميلا من المدينة ـ وفاء الوفاء : ٣٧٠ (٧٠ كم).

٥١٢

فما يرجع أحد من جهد الجوع والبرد. فرجعت إلى النبيّ فأخبرته فضحك صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

ثمّ روى عن أبي وجزة قال : لمّا ملّت قريش المقام ... كتب أبو سفيان كتابا إلى رسول الله فيه : باسمك اللهم ، فإنّي أحلف باللات والعزّى ، لقد سرت إليك في جمعنا وإنّا نريد أن لا نعود إليك أبدا حتى نستأصلك ، فرأيتك قد كرهت لقاءنا وجعلت مضائق وخنادق! فليت شعري من علّمك هذا؟! فإن نرجع عنكم فلكم منّا يوم كيوم احد تبقر فيه النساء!

وبعث بالكتاب مع أبي اسامة الجشمي.

فلمّا بلغه الكتاب دعا رسول الله ابيّ بن كعب فدخل معه قبّته فقرأ عليه كتاب أبي سفيان.

وكتب إليه رسول الله :

من محمّد رسول الله ، إلى أبي سفيان بن حرب. أمّا بعد ، فقديما غرّك بالله الغرور. أمّا ما ذكرت أنّك سرت إلينا في جمعكم ، وأنّك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا ، فذلك أمر يحول الله بينك وبينه ، ويجعل لنا العاقبة حتى لا تذكر اللات والعزّى. وأمّا قولك : من علّمك الذي صنعنا من الخندق؟ فإنّ الله ـ تعالى ـ ألهمني ذلك لما أراد من غيظك به وغيظ أصحابك (٢) ، وليأتينّ عليك يوم تدافعني فيه بالراح ، وليأتينّ عليك يوم أكسر فيه اللات والعزّى وإساف ونائلة وهبل ، حتّى اذكّرك ذلك (٣).

__________________

(١) وقال القمي ٢ : ١٨٧ : فلمّا أصبح رسول الله قال لأصحابه : لا تبرحوا. فلمّا طلعت الشمس دخلوا المدينة ، وبقي رسول الله في نفر يسير.

(٢) لا ينافي هذا أن يكون المعنى أنّ الله ألهم سلمان وألهم نبيّه العمل بمشورة سلمان.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٤٨٨ ـ ٤٩٣. وفي شرح المواهب : كان دخول الرسول إلى المدينة في

٥١٣

غزوة بني قريظة (١) :

روى الطبرسي في «إعلام الورى» عن أبان بن عثمان الأحمر البجلي الكوفي عن الصادق عليه‌السلام قال : وأصبح رسول الله بالمسلمين حتى دخل المدينة ، فضربت فاطمة ابنته غسولا ، فهي تغسل رأسه (٢).

إذ أتاه جبرئيل على بغلة معتجرا بعمامة بيضاء (٣) عليه قطيفة من استبرق معلّق عليها الدرّ والياقوت ، وعليه الغبار.

فقام رسول الله فمسح الغبار من وجهه.

فقال له جبرئيل : رحمك ربّك ، وضعت السلاح ولم يضعه أهل السماء ، ما زلت أتبعهم حتى بلغت الروحاء. انهض إلى إخوانهم من أهل الكتاب ، فو الله لأدقنّهم دقّ البيضة على الصخرة! (٤).

__________________

ـ منصرفه من الخندق يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة. بينما مرّ عن الواقدي عن جابر : أنّ دعاء الرسول استجيب عصر الأربعاء ، فيكون منصرفه صباح الخميس.

(١) قال اليعقوبي ١ : ٥٢ : وهم فخذ من جذام ، ونزلوا بجبل يقال له قريظة فنسبوا إليه ، وقيل بل هو نسبة إلى جدّهم قريظة. ولعلّ الجبل منسوب إليه.

(٢) وفي مناقب آل أبي طالب ١ : ١٩٩ عن الزهري عن عروة. وفي الواقدي ٢ : ٤٩٧ : ودخل بيت عائشة! ...

(٣) الاعتجار بالعمامة : شدّها بلا إسدال شيء منها تحت الحنك.

(٤) إعلام الورى ١ : ١٩٤ ، ١٩٥.

٥١٤

وحيث كان بنو قريظة مع الأحزاب خارج حصونهم ...

قال المفيد في «الإرشاد» : أنّ رسول الله أنفذ أمير المؤمنين عليه‌السلام إليهم في ثلاثين من الخزرج وقال له : انظر هل نزل بنو قريظة في حصونهم؟

فلمّا شارف سورهم سمع منهم الهجر (فعلم رجوعهم إلى حصونهم).

فرجع إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره ، فقال : دعهم فإنّ الله سيمكّن منهم ، إن الذي أمكنك من عمرو بن عبد ودّ لا يخذلك. فقف حتى يجتمع الناس إليك ، وأبشر بنصر من عند الله ، فإنّ الله تعالى قد نصرني بالرعب من بين يديّ مسيرة شهر.

قال علي عليه‌السلام : فاجتمع الناس إليّ ، فسرت ...

فقال لي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حين توجّهت إلى بني قريظة : سر على بركة الله تعالى ، فإنّ الله قد وعدكم أرضكم وديارهم!

فسرت متيقّنا لنصر الله ـ عزوجل ـ ، حتى ركزت الراية في اصل الحصن (١).

وفي خبر الطبرسي عن الأحمر البجلي الكوفي عن الصادق عليه‌السلام : أنّ رسول الله قال لعليّ عليه‌السلام : قدّم راية المهاجرين إلى بني قريظة ... ثمّ قال : عزمت عليكم أن لا تصلّوا العصر إلّا في بني قريظة (٢).

فقام علي عليه‌السلام ومعه المهاجرون وبنو عبد الأشهل وبنو النجّار لم يتخلّف منهم أحد ، وجعل النبيّ يسرّب إليه الرجال ، فما صلّى بعضهم العصر إلّا بعد العشاء (٣).

وقال القمي في تفسيره ـ وظاهرها الرواية ـ : أنّ جبرئيل ناداه : إنّ الله يأمرك أن لا تصلّي العصر إلّا ببني قريظة ...

__________________

(١) الإرشاد ١ : ١٠٩ و ١١٠.

(٢) وفي التبيان ٨ : ٣٣٢ : أنّ النبيّ أمر مناديه بأن ينادي : لا يصلينّ احد العصر الّا ببني قريظة.

(٣) إعلام الورى ١ : ١٩٥.

٥١٥

فخرج رسول الله (من داره) فاستقبله حارثة بن النعمان .. فقال له : ادعو لي عليّا. فجاء عليّ عليه‌السلام ، فقال له : ناد في الناس : لا يصلين أحد العصر إلّا في بني قريظة! فنادى أمير المؤمنين ، فخرج الناس فبادروا إلى بني قريظة. وخرج رسول الله وعلي بن ابي طالب بين يديه معه الراية العظمى (١).

وروى في «قرب الإسناد» بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ رسول الله بعث عليّا عليه‌السلام يوم بني قريظة بالراية ، وكانت سوداء تدعى العقاب ، وكان لواؤه أبيض (٢).

محاصرة بني قريظة :

روى المفيد في «الإرشاد» عن عليّ عليه‌السلام قال :

وسرت حتى دنوت من سورهم ، فأشرفوا عليّ ، فلمّا رأوني صاح صائح منهم : قد جاءكم قاتل عمرو! وقال آخر : أقبل إليكم قاتل عمرو ، وجعل بعضهم يصيح ببعض ويقولون ذلك ، وسمعت راجزا يرتجز :

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٨٩.

(٢) قرب الإسناد : ٦٢ كما في بحار الأنوار ٢٠ : ٢٤٦. وكذلك ذكر ابن إسحاق في السيرة ٣ : ٢٤٥ : أنّ الراية كانت مع علي عليه‌السلام. والراية للعسكر ، والألوية هي الأعلام وهي للأجنحة والأقسام ، فهي دون الراية ، كما في المصباح. وقد ذكر الواقدي في المغازي ٢ : ٤٩٧ : أنّ لواء الرسول في مرجعه من الخندق كان على حاله لم يحلّ بعد ، فدعا عليّا عليه‌السلام فدفع إليه لواء!

وذكر عروة بن الزبير : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث عليّا عليه‌السلام على المقدّم ، ودفع إليه اللواء. ونقله كذلك عنه الطبرسي في مجمع البيان ٨ : ٥٥٢.

وقال الواقدي : إنّ النبيّ سار إليهم يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة ـ مغازي الواقدي ٢ : ٤٩٦.

٥١٦

قتل علي عمرا

صاد علي صقرا

قصم علي ظهرا

أبرم علي أمرا

 هتك علي سترا

فقلت : الحمد الله الذي أظهر الإسلام وقمع الشرك ... وسرت متيقّنا بنصر الله ـ عزوجل ـ حتى ركزت الراية في أصل الحصن. فاستقبلوني في صياصيهم (حصونهم) يسبّون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فلمّا سمعت سبّهم له كرهت أن يسمع رسول الله ذلك ، فعملت على الرجوع إليه ، فإذا به قد طلع وسمع سبّهم له! فناداهم : يا إخوة القردة والخنازير ، إنّا إذا حللنا بساحة قوم (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ)! ...

فقالوا له : يا أبا القاسم ، ما كنت جهولا ولا سبّابا!

فاستحيى رسول الله ورجع القهقرى قليلا.

ثمّ أمر فضربت خيمته بإزاء حصونهم (١).

وروى الطبرسي في «إعلام الورى» عن أبان الأحمر البجلي الكوفي عن الصادق عليه‌السلام قال :

لمّا أقبل رسول الله والمسلمون حوله تلقّاه أمير المؤمنين وقال له :

لا تأتهم ـ يا رسول الله ـ جعلني الله فداك ، فإنّ الله سيجزيهم (وصفهم).

فعرف رسول الله أنّهم قد شتموه فقال : أما إنّهم لو رأوني ما قالوا شيئا ممّا سمعت! وأقبل ، ثمّ قال : يا إخوة القردة! إنّا إذا نزلنا بساحة قوم (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) يا عباد الطاغوت ، اخسئوا ، أخسأكم الله!

فصاحوا يمينا وشمالا : يا أبا القاسم ، ما كنت فحّاشا فما بدا لك؟

__________________

(١) الإرشاد ١ : ١٠٩ ، ١١٠.

٥١٧

فسقطت العنزة من يده ، وسقط رداؤه من خلفه ، وجعل يمشي إلى ورائه ، حياء ممّا قال لهم! (١).

وقال القمي في تفسيره : وجاء أمير المؤمنين عليه‌السلام وأحاط بحصنهم ، فأشرف عليهم كعب بن أسد من الحصن يشتمهم ويشتم رسول الله ، فأقبل رسول الله على حمار (٢) ، فاستقبله أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : بأبي أنت وامّي يا رسول الله لا تدن من الحصن! فقال رسول الله : يا علي ، لعلّهم شتموني؟! إنّهم لو قد رأوني لأذلّهم الله! ثمّ دنا من حصنهم فقال : يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت! أتشتموني! إنّا إذا نزلنا بساحة قوم ساء صباحهم!

فأشرف عليهم كعب بن أسد من الحصن فقال :

يا أبا القاسم : والله ما كنت جهولا!

فاستحيى رسول الله حتّى سقط الرداء من ظهره حياء ممّا قاله!

وأنزل رسول الله العسكر حول حصنهم فحاصرهم.

وبعد ثلاثة أيّام نزل إليه عزّال بن سموأل فقال :

يا محمّد! تعطينا ما أعطيت إخواننا من بني النضير : احقن دماءنا ونخلّي لك البلاد وما فيها ولا نكتمك شيئا؟

فقال : لا ، أو تنزلون على حكمي.

فرجع (٣) الرجل إلى حصنهم.

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ١٩٥ ، ١٩٦. وفي التنبيه والإشراف : ٢١٧ : أنّ ذلك كان لسبع بقين من ذي القعدة ، وكانوا على بعض يوم من المدينة.

(٢) وكذلك في اليعقوبي ١ : ٥٢.

(٣) تفسير القمي ٢ : ١٩.

٥١٨

وقال الواقدي : لبس رسول الله الدرع والبيضة والمغفر وأخذ قناة بيده وتقلّد ترسا وركب فرسه ، وتلبّس أصحابه السلاح وركبوا الخيل وحفّوا به وهم ستة وثلاثون فارسا (١) والخيل والرجالة حوله (٢) حتّى انتهى إلى بني قريظة فنزل على بئر لهم أسفل حرّتهم (٣).

ثمّ قدم الرماة من أصحابه (٤) وأمرهم برميهم بالنبال.

ثمّ روى عن سعد بن أبي وقّاص قال : قال لي رسول الله : تقدّم فارمهم.

وكان معي ما ينوف على الخمسين نبلا ، فتقدّمت حيث تبلغهم نبلي فرميناهم ساعة ...

وروى عن كعب بن عمرو المازني قال : رميت يومئذ بما في كنانتي حتى أمسكنا عنهم بعد أن ذهبت ساعة من الليل! ورسول الله واقف على فرسه وعليه السلاح وأصحاب الخيل حوله. ثمّ أمرنا رسول الله فانصرفنا إلى معسكرنا. وكان طعامنا أحمال تمر بعث بها سعد بن عبادة ، فبتنا نأكل منها ... ورسول الله يأكل منها ويقول : نعم الطعام التمر!

ثمّ كانت الغداة ، فقدم رسول الله الرماة ، وعبّأ أصحابه فأحاطوا بحصونهم من كلّ ناحية ، وجعل الرماة يرامونهم بالنبل والحجارة ، يعقب بعضهم بعضا.

وروى عن محمّد بن مسلمة قال : جعلنا ندنو من الحصن ونرميهم عن كثب ، ولزمنا حصونهم فلم نفارقها حتى أمسينا ...

وروى عن ابن عمر قال : كنّا نقوم حيث تبلغهم نبلنا ، وكانوا يراموننا من

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٤٩٧.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٤٩٨.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٤٩٩.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٥٠٠.

٥١٩

حصونهم بالنبل والحجارة أشدّ الرمي!

وقال ابن مسلمة : وما رجعنا إلى معسكرنا حتّى أمسكوا عن قتالنا وقالوا : نكلّمك.

فانزلوا نبّاش بن قيس ، فكلّم رسول الله فقال :

يا محمّد ، ننزل على ما نزلت عليه بنو النضير : لك الأموال والحلقة (١) وتحقن دماءنا ، ونخرج من بلادكم بالنساء والذراري ، ولنا ما حملت الإبل؟

فأبى رسول الله.

فقالوا : فتحقن دماءنا وتسلم لنا النساء والذريّة ، ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل؟

فقال رسول الله : لا ، إلّا أن تنزلوا على حكمي.

فرجع نبّاش إلى أصحابه بمقالة رسول الله (٢).

شورى بني قريظة :

ونقل الطبرسي في «مجمع البيان» عن عروة قال :

حاصرهم رسول الله خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب ... فلمّا أيقنوا أنّ رسول الله غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ، قال كعب بن أسد :

يا معشر يهود ، قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإنّي عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيّها شئتم.

__________________

(١) الحلقة : السلاح.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٥٠٠ و ٥٠١.

٥٢٠