موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

غزوة بحران من الفرع :

روى الواقدي عن الزهري قال : بلغ رسول الله أن جمعا كثيرا (قد اجتمع عليه) من بني سليم في بحران. فتهيّأ رسول الله لذلك ، ولم يبد وجها خاصا ، واستخلف على المدينة ابن أمّ مكتوم.

ثم خرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه ، فأسرعوا السير حتى اذا كانوا دون بحران بليلة لقوا رجلا من بني سليم فاستخبروه عن اجتماع القوم فأخبرهم : أنهم قد افترقوا ورجعوا إلى مائهم.

فسار النبيّ حتى ورد بحران فاذا ليس به أحد ، فأقام أياما ولم يلق كيدا فرجع. وكانت غيبته عشر ليال.

قال الواقدي : كانت الغزوة لليال خلون من جمادى الاولى (١).

__________________

ـ يامين كيف ترى كان قتل ابن الأشرف؟ قال ابن يامين : كان غدرا! فلم ينكر عليه مروان! فقال محمد بن مسلمة : يا مروان! أيغدر رسول الله عندك؟ والله ما قتلناه الا بأمر رسول الله ، والله لا يؤويني واياك سقف بيت الا المسجد. ثم التفت الى ابن يامين وقال له : وأما أنت يا ابن يامين فلله عليّ إن أفلتّ وقدرت عليك وفي يدي السيف الا ضربت به رأسك!

وفي يوم من الأيام كان محمد بن مسلمة في تشييع جنازة بالبقيع ، وبالبقيع ابن يامين أيضا ورآه محمد بن مسلمة فقام الى نعش عليه جرائد رطبة فحلّه وقام الى ابن يامين فلم يزل يضربه بها وكلما تنكسر جريدة يضربه بجريدة أخرى حتى كسّر تلك الجرائد على رأسه ووجهه ثم قال : والله لو قدرت على السيف لضربتك به ، ثم أرسله ولا قدرة به!

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٩٦ ، ١٩٧ وفي نسخة اخرى : جمادى الآخرة ، ويرجح الاولى ما ـ

٢٤١

سرية القردة (١) :

قال الواقدي : خرج فيها زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله أميرا ، لهلال جمادى الآخرة. ثم حدّث بحديثها عن محمد بن الحسن بن اسامة بن زيد عن أبيه عن جده قال :

قدم من مكة الى المدينة نعيم بن مسعود الأشجعي وهو على دين قومه ، فنزل على كنانة بن أبي الحقيق من بني النضير .. وكان سليط بن النعمان بن أسلم يذهب إليه ، فشربوا عنده ـ ويومئذ لم تحرّم الخمر ـ فذكر نعيم خروج صفوان بن أميّة الجمحي بعير قريش وما معه من الأموال : ثلاثمائة مثقال ذهب وقطع مذابة من الفضة وآنية فضة بوزن ثلاثين الف درهم وبضائع اخرى ، في رجال من قريش منهم حويطب بن عبد العزّى وعبد الله بن أبي ربيعة ، وأنهم خرجوا على ذات عرق (٢).

فخرج سليط بن النعمان بن أسلم من ساعته الى النبيّ فأخبره خبره.

فأرسل رسول الله زيد بن حارثة في مائة راكب ، فاعترضوا لها ، فاصابوا العير وأفلت أعيان القوم وأسروا رجلا هو فرات بن حيّان العجلي ،

__________________

في ابن هشام ٣ : ٥٠ وأن الواقدي بعد بحران يذكر سرّية القردة في أول هلال جمادى الآخرة ، وعنهما في الكامل ٢ : ٩٩ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ٩.

(١) القردة : طريق نجد الى العراق الى ناحية ذات عرق بعد الربذة وقبل الغمرة كما في الطبقات ٢ : ٢٤.

(٢) ذات عرق : من منازل الطريق الى العراق وهو الحدّ بين نجد وتهامة كما في معجم البلدان ٦ : ١٥٤.

٢٤٢

وكان من حديثه :

أن صفوان بن أميّة قال يوما لأصحابه : نحن في دارنا هذه ان أقمنا ناكل من رءوس أموالنا فما لنا بها من نفقات ، وانما نزلناها على التجارة في الصيف الى الشام وفي الشتاء الى أرض الحبشة ، وإن محمدا وأصحابه قد عوّروا علينا طريق تجارتنا على الساحل الى الشام لا يبرحونه وقد وادعوا أهله ودخل عامتهم معهم ، فما ندري أين نسلك؟

فقال له الأسود بن المطّلب : فنكّب عن الساحل وخذ طريق العراق.

قال صفوان : لست عارفا بها.

قال الأسود : فأنا أدلك على أخبر دليل بها يسلكها وهو مغمض العين! وهو فرات بن حيّان العجلي. فرضي به صفوان ، فأرسل إليه فجاءه.

فقال له صفوان : اني اريد الشام ، وطريق عيرنا على محمد وقد عوّره علينا محمد ، فاردت طريق العراق؟

قال فرات : فأنا أسلك بك في طريق العراق ، وليس يطأها أحد من أصحاب محمد. فتجهّزوا وخرجوا.

فلما أصابوهم ، وقدموا بالعير على النبيّ خمّسها فكان خمسها قيمة عشرين الف درهم ، وقسم ما بقي على أهل السرية.

وقيل لفرات بن حيان : إن تسلم نتركك من القتل ، فأسلم ، فتركوه (١).

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٩٧ : ١٩٨ واختصر الخبر ابن اسحاق وقال : كان فيها ابو سفيان ابن حرب ٣ : ٥٣ ونقل الطبري مختصر خبر الواقدي عنه وذكر فيه صفوان وأبا سفيان كليهما ٢ : ٤٩٢ ، ٤٩٣ ويبدو أنه نقله عن سيرة الواقدي لا المغازي. واختصر خبرهما الطبرسي في اعلام الورى ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥.

٢٤٣

زفاف أمّ كلثوم إلى عثمان :

وفي حوادث هذه السنة الثالثة في شهر جمادى الثانية نقل الطبري عن الواقدي قال : إن أمّ كلثوم بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زفّت الى عثمان بن عفان ، وكان قد تزوّجها بعد وفاة اختها رقية بثلاثة أشهر في ربيع الأول من هذه السنة (١).

أمّ شريك تهب نفسها للنبي :

وفي شهر رجب الحرام لم يذكر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر من قتال وغيره. وفي أزواج رسول الله بعد خديجة ثم سودة ثم عائشة عدّ اليعقوبيّ :

أمّ شريك غزيّة بنت دودان العامرية ، وقال : وهبت نفسها للنبيّ. ثم عدّ حفصة بنت عمر (٢).

وقال الطوسي في «التبيان» : روي عن علي بن الحسين : أن المرأة التي وهبت نفسها للنبيّ هي امرأة من بني أسد يقال لها أمّ شريك (٣).

ونقله في «مجمع البيان» بزيادة قال : عن علي بن الحسين عليه‌السلام والضحاك وقتادة قالوا : هي امرأة من بني أسد يقال لها أمّ شريك بنت جابر. وقيل : انها لما وهبت نفسها للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قالت عائشة : ما بال النساء يبذلن أنفسهنّ بلا مهر؟!

__________________

(١) الطبري ٢ : ٤٩١ عن الواقدي وليس في مغازي الواقدي فلعله عن السيرة. وعن الطبري في الكامل ٢ : ١٠٠ والمنتقى ١١٦ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ١٢.

(٢) اليعقوبي ٢ : ٨٤.

(٣) التبيان ٨ : ٣٥٢.

٢٤٤

فنزلت الآية : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(١).

فقالت عائشة : ما أرى الله الا يسارع في هواك؟!

فقال رسول الله : وإنك إن أطعت الله سارع في هواك (٢).

ولكن في رواية «الكافي» ما يدل على أن ذلك كان بعد زواجه بحفصة وأن ذلك القول كان من حفصة ، فقد روى بسنده عن الباقر عليه‌السلام قال : جاءت امرأة من الأنصار الى رسول الله فقالت : يا رسول الله ، إن المرأة لا تخطب الزوج ، وأنا امرأة أيّم لا زوج لي منذ دهر ولا ولد ، فهل لك من حاجة؟ فان تك فقد وهبت نفسي لك إن قبلتني. فقال لها رسول الله : يا اخت الأنصار ، جزاكم الله عن رسول الله خيرا ، فقد نصرني رجالكم ورغبت فيّ نساؤكم!

فقالت لها حفصة : ما أقل حياءك وأجرأك وأنهمك للرجال!

فقال رسول الله : كفّي عنها يا حفصة فانها خير منك ، رغبت في رسول الله ولمتها وعبتها.

ثم قال للمرأة : انصرفي رحمك الله ، فقد أوجب الله لك الجنة لرغبتك فيّ وتعرضك لمحبّتي وسروري ، وسيأتيك أمري إن شاء الله.

__________________

(١) الاحزاب : ٥٠. وسورة الاحزاب لم تكن قد نزلت في السنة الثالثة بل السادسة ، فالارجح ما يأتي في السادسة.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٥٨١. وفي الدر المنثور ١ : ٢٠٩ روى عن علي بن الحسين : أنها أمّ شريك الأزدية.

٢٤٥

فأنزل الله عزوجل : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) فأحل الله عزوجل هبة المرأة نفسها للنبيّ ولا يحلّ ذلك لغيره (١) ومفاد هذا الخبر هو أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان متزوجا بحفصة ثم وهبت المرأة نفسها له.

وجعل الطبرسي في «إعلام الورى» الرابعة من أزواجه : أمّ شريك غزيّة بنت دودان التي وهبت نفسها للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت قبله عند أبي العكر بن سميّ الازدي فولدت له شريكا. وهذا غريب وعليه فلا يصح الخبر السابق ، ولكنه لم يذكر سندا ولا مصدرا.

وجعل الخامسة : حفصة بنت عمر بن الخطاب. وقال : تزوّجها بعد ما مات زوجها خنيس بن حذافة السهمي (٢).

وابن شهرآشوب في «المناقب» ذكر أمّ شريك فيمن لم يدخل بهن وسماها : غزيّة بنت جابر من بني النجار ، وذكر حفصة فيمن تزوّجها بعد بدر في السنة الثانية (٣).

بينما قال الطبري : في هذه السنة (الثالثة) في شعبان تزوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حفصة بنت عمر ، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي (٤) وكان ممن شهد

__________________

(١) فروع الكافي ٥ : ٥٦٨ ، الحديث ٥٣.

(٢) إعلام الورى ١ : ٢٢٧ وقال : وكان رسول الله وجّهه الى كسرى فمات. ومفاد هذا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّجها بعد عام الحديبية في السنة السابعة ، وهذا غريب مردود. وخنيس بن حذافة هو اخو خارجة بن حذافة السهمي صاحب شرطة عمرو بن العاص السهمي على مصر ، وهو الذي قتل بدلا عنه كما مرّ.

(٣) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٦٠ ، ١٦١.

(٤) الطبري ٢ : ٤٤٩ وفي المنتقى ١١٧ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ١٢.

٢٤٦

بدرا مع رسول الله من بني سهم (١) وقالوا : نالته ثمة جراحة فمات منها بالمدينة (٢) وأصدقها رسول الله أربعمائة درهم (٣).

زواج النبيّ من بنت نفيل ثم من بنت خزيمة :

قال اليعقوبي : ثم بنت نفيل بن عبد العزّى العدوي.

ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث ، أم المساكين (٤).

وقال ابن اسحاق : كانت تسمى أم المساكين لرحمتها ورقتها عليهم ، زوّجه اياها قبيصة بن عمرو الهلالي (وهي هلالية) وأصدقها رسول الله أربعمائة درهم.

وكانت قبله عند عبيدة بن الحارث بن المطلب (٥) ولعبيدة بن الحارث (منها) بنات (٦).

وقال المسعودي : وفيه (النصف من شهر رمضان للسنة الثالثة) تزوج

__________________

(١) ابن هشام ٢ : ٣٤١ والمغازي ١ : ١٥٦ وأغرب الطبري فقال : كانت تحت خنيس بن حذافة في الجاهلية فتوفي عنها ٢ : ٤٩٩ وتبعه في المنتقى : ١١٧ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ١٢.

(٢) ابن هشام ٢ : ٦ في الهامش ، وعليه فهي أرملة شهيد اكرمها النبيّ لزوجها فتزوّجها.

(٣) ابن هشام ٤ : ٢٩٤.

(٤) اليعقوبي ٢ : ٨٤ ، هذا ، ولا يعرف نفيل بن عبد العزى العدوي الا أنه جدّ عمر بن الخطاب ، فهل تزوّج النبيّ جدّته؟! الا أن يكون في الأصل اكمالا لنسب حفصة ، المذكورة قبل ذلك ، ثم وقع الالتباس والغلط!

(٥) ابن هشام ٤ : ٢٩٦ ، ٢٩٧. فهي أيضا زوج شهيد تزوّجها إكراما لزوجها الشهيد ابن عمه. فكان أبا الأرامل والأيتام.

(٦) ابن هشام ٣ : ٣٦٦.

٢٤٧

رسول الله زينب بنت خزيمة المعروفة بام المساكين (١) أي بعد شهادة زوجها بسنة ، واكراما له.

وعدّها الطبرسي التاسعة من أزواجه (٢) وهو غريب ، ولم يذكر مصدره.

وعدّها ابن شهرآشوب ممن لم يدخل بها (٣).

ميلاد الحسن عليه‌السلام :

نقل الدولابي في «الذرية الطاهرة» عن الليث بن سعد قال : ولدت فاطمة بنت رسول الله الحسن بن علي في شهر رمضان سنة ثلاث (٤).

قال الطبري : في سنة ثلاث من الهجرة في النصف من شهر رمضان ولد الحسن بن علي بن أبي طالب (٥) ومن قبل قال :

وقيل : إن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ولد في هذه السنة (الثانية) ثم نقل عن الواقدي بسنده عن الباقر عليه‌السلام : أن علي بن أبي طالب بنى بفاطمة في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا. ثم قال : فان كانت هذه الرواية صحيحة فالقول الأول (في السنة الثانية) باطل (٦) وقد مرّ تقرير ذلك وتثبيته ، فهو كما قال.

__________________

(١) التنبيه والاشراف : ٢١٠ والمنتقى : ١١٧ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ١٢ وقال : وتوفيت بعد ثمانية أشهر. وقال المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٢٨٨ : توفيت بعد شهرين.

(٢) إعلام الورى ١ : ٢٧٨.

(٣) المناقب ١ : ١٦٠.

(٤) الذرية الطاهرة : ١٠١ ، ٢٠٢ وعنه في كشف الغمة ١ : ٥١٤ وعنه في بحار الأنوار ٤٤ : ١٣٦. ونقل الدولابي قبله عن قتادة قال : ولدت حسنا بعد احد بسنتين. ولا يصح وفي المناقب ٤ : ٢٨.

(٥) الطبري ٢ : ٥٣٧.

(٦) الطبري ٢ : ٤٨٥ ، ٤٨٦.

٢٤٨

وقال المسعودي في السنة الثالثة : وللنصف من شهر رمضان كان مولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

وفي «مروج الذهب» والأصفهاني في «مقاتل الطالبيين» إنما ذكر السنة الثالثة (٢) وفي «الإرشاد» روى المفيد بسنده عن الصادق عليه‌السلام : أنه ولد ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة (٣).

تسمية الحسن وبعض السنن :

روى الطوسي في «الأمالي» بسنده عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه عن علي بن الحسين عليهم‌السلام عن أسماء (بنت عميس) (٤) قالت : إن فاطمة لما حملت بالحسن عليه‌السلام

__________________

(١) التنبيه والاشراف : ٢١٠ وعليه قال في عمره : توفي في سنة ٤٩ وله ٤٦ سنة : ٢٦٠ وكذلك نقل الاربلي في كشف الغمة ٢ : ١٤٠ عن ابن طلحة في مطالب السئول ، وعن الكنجي الشافعي في كفاية الطالب.

(٢) مروج الذهب ٢ : ٢٨٨ ومقاتل الطالبيين : ٣١ وقال : كانت وفاته سنة خمسين. ومع ذلك تردد في مبلغ سنّه وقت وفاته بين خبرين عن الصادق عليه‌السلام أحدهما : ٤٨ والآخر ٤٦ وهو المتعين. ولكنه في : ٥٢ قال : ان الحسن بن علي ولد سنة ثلاث من الهجرة وتوفي سنة احدى وخمسين ولا خلاف في ذلك ، وسنه على هذا ثمان واربعون سنة أو نحوها.

(٣) الارشاد ٢ : ٥ ويؤيده ما رواه الكليني في اصول الكافي ١ : ٤٦١ بسنده عنه عليه‌السلام قال : قبض الحسن وهو ابن سبع وأربعين سنة في عام خمسين. ومع ذلك سبق الخبر فقال : ولد الحسن في شهر رمضان في سنة بدر ، وروي في سنة ثلاث. وفي الارشاد ٢ : ١٥ قال : مضى لسبيله في شهر صفر سنة خمسين وله ٤٨ سنة. وفي اعلام الورى ١ : ٤٠٢ و ٤٠٣ تبع الارشاد في الميلاد وتبع خبر الكليني في الوفاة. والمناقب ٤ : ٢٨ و ٢٩ كذلك في الميلاد والوفاة.

(٤) فيه الاشكال بعدم حضور أسماء بنت عميس ، والجواب بأنها هي بنت يزيد بن السكن الأنصارية الولّادة الخطّابة ، وإنما الاشتباه والخلط من الرواة.

٢٤٩

وولدته جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا أسماء ، هلمّي ابني.

فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأذّن في اذنه اليمنى وأقام في اذنه اليسرى ، ثم قال لعليّ عليه‌السلام : بأي شيء سمّيت ابني؟

قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله (١).

فقال النبيّ : ولا أنا أسبق باسمه ربّي.

فهبط جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد ، العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول : عليّ منك بمنزلة هارون من موسى ، ولا نبيّ بعدك ، سمّ ابنك هذا باسم ابن هارون.

فقال النبيّ : وما اسم ابن هارون؟ قال : شبّر. قال النبيّ : لساني عربي. قال جبرئيل : سمّه الحسن. فسماه الحسن.

فلما كان يوم سابعه عقّ النبيّ عنه بكبشين أملحين وأعطى القابلة فخذا ودينارا ، ثم حلق رأسه وتصدّق بوزن الشعر ورقا (فضة) وطلى رأسه بالخلوق ثم قال : يا أسماء ، الدم فعل الجاهلية (٢).

وروى الخبر الصدوق في «الأمالي» بسنده عن زيد بن علي عن أبيه علي ابن الحسين ـ بلا اسناد عن أسماء ـ قال : لما ولدت فاطمة الحسن قالت لعليّ عليه‌السلام : سمّه. قال : ما كنت لأسبق باسمه رسول الله. فجاء رسول الله فاخرج إليه في خرقة صفراء فقال : ألم أنهكم أن تلفوه في صفراء؟! ثم رمى بها ، وأخذ خرقة بيضاء

__________________

(١) وروى الخبر الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٥ بسنده عنه عليه‌السلام أيضا ، وفيه هنا زيادة : «قد كنت احبّ أن اسمّيه حربا» وليس هذا فيما اخرجه الطوسي ، وهو الأولى ، فمن المستبعد جدا أن يحبّ علي عليه‌السلام التسمية بحرب!

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٥ ويعلم منه بعض السنن وأن العرب كانوا يطلّون رأس الوليد بالدم ليصبح دمويّا جريئا! فنسخه الاسلام.

٢٥٠

فلفّه فيها. ثم قال لعلي عليه‌السلام : هل سمّيته؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه. فقال : وما كنت لأسبق باسمه ربي عزوجل.

فأوحى الله تبارك وتعالى الى جبرائيل : انه قد ولد لمحمد ابن فاهبط فاقرأه السلام وهنّه وقل له : إنّ عليّا منك بمنزلة هارون من موسى ، فسمّه باسم ابن هارون.

فهبط جبرائيل فهناه من الله عزوجل ثم قال : ان الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون. قال : وما كان اسمه؟ قال : شبّر. قال : لساني عربي! قال : سمّه الحسن. فسماه الحسن (١).

قضاء وشفاعة :

ومن الحوادث بعد بدر وقبل احد ما رواه الواقدي قال : خاصم الى رسول الله قبل احد يتيم من الأنصار أبا لبابة (ابن عبد المنذر) في عذق نخل بينهما ، فقضى رسول الله لأبي لبابة ، فجزع اليتيم على العذق ، فطلب رسول الله العذق من أبي لبابة لليتيم فأبى أبو لبابة! فجعل رسول الله يقول له : ادفعه إليه ولك به عذق في الجنة! فأبى أبو لبابة.

فتقدم ثابت بن الدحداحة فقال : يا رسول الله أرأيت إن اعطيت اليتيم عذقه ما لي؟ قال : عذق في الجنة!

فذهب ثابت بن الدّحداحة فاشترى من أبي لبابة ذلك العذق بحديقة نخل ، ثم ردّ العذق على الغلام (اليتيم).

فقال رسول الله : ربّ عذق مذلّل لابن الدحداحة في الجنة! (٢).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ١١٦.

(٢) فقتل باحد ـ مغازي الواقدي ١ : ٢٨١.

٢٥١

ابو عامر الى مكة :

مرّ في أخبار مواجهة كفّار المدينة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : رواية ابن اسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة : أنه كان يشارك عبد الله بن ابي بن سلول العوفي الخزرجي في شرفه في قومه : ابو عامر عبد عمرو بن صيفي الأوسي ، فانه كان في الأوس شريفا مطاعا ، وكان قد ترهّب في الجاهلية ولبس المسوح فكان يقال له : الراهب.

وروى عن جعفر بن عبد الله : أنه حين قدم رسول الله المدينة واجتمع قوم أبي عامر على الاسلام فارق قومه وأتى رسول الله وجادله في الحنيفية دين ابراهيم عليه‌السلام ، واتّهم رسول الله بأنه قد أدخل في الحنيفية ما ليس منها! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما فعلت بل جئت بها بيضاء نقيّة. فقال ابو عامر : أمات الله الكاذب (منّا) طريدا غريبا وحيدا ، وهو يعرّض بذلك برسول الله. فقال النبيّ : أجل ، فمن كذب فعل الله تعالى به ذلك.

فحين اجتمع قومه على الاسلام أبى ابو عامر الا الفراق لقومه فخرج ببضعة عشر رجلا منهم مفارقا الاسلام ورسوله الى مكة ، منهم علقمة بن علامة الكلابي وكنانة بن عبد ياليل الثقفي (١).

وقال الواقدي : دعا قومه فقال لهم : إنّ محمدا ظاهر (منتصر) فاخرجوا بنا الى قوم نؤازرهم (عليه) فخرج الى قريش يحرّضها ويعلمها أنها على الحق وما جاء به محمد باطل! (٢)

__________________

(١) ابن هشام ٢ : ٢٣٤ ، ٢٣٥.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٢٠٥ ، ٢٠٦ وتمام كلامه : فسارت قريش الى بدر ولم يسر معها.

٢٥٢

فروى ابن اسحاق عن بعض آل أبي عامر : أن رسول الله لما سمع بخبره قال : لا تقولوا : الراهب ولكن قولوا : الفاسق (١).

وبقي ابنه حنظلة بن أبي عامر وصاهر عبد الله بن ابيّ بن سلول (٢) ولكنه أسلم وامن وقتل في احد وهو غسيل الملائكة (٣).

غزوة احد :

قال القمي في تفسيره : كان سبب غزوة احد : أن قريشا لمّا رجعت من بدر الى مكة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر ، فقد قتل منهم سبعون واسر منهم سبعون .. قال أبو سفيان : يا معشر قريش! لا تدعوا النساء يبكين على قتلاكم ، فان البكاء والدمعة اذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد ، ويشمت بنا هو وأصحابه! (٤).

__________________

ـ وهذا مسلّم أنه لم يكن معهم في بدر ولكن الصحيح انه لم يسر إليهم قبل بدر بل بعده مثل كعب بن الأشرف ، الا أن كعبا رجع قبل احد وابو عامر لم يرجع.

(١) ابن هشام ١ : ٢٣٥.

(٢) تفسير القمي ١ : ١١٨.

(٣) ابن هشام ٢ : ٢٣٤.

(٤) تفسير القمي ١ : ١١٠ ، ١١١ وروى ابن اسحاق بسنده عن ابن الزبير قال : ناحت قريش على قتلاهم ثم قالوا : لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم ٢ : ٣٠٢ ورواه الواقدي بسنده عنه عن عائشة ١ : ١٢٣. وفصّل فقال : قام فيهم أبو سفيان بن حرب فقال : يا معشر قريش لا تبكوا على قتلاكم ولا تنح عليهم نائحة ولا يبكيهم شاعر ، وأظهروا الجلد والعزاء ، فانكم اذا نحتم عليهم وبكيتموهم بالشعر أذهب ذلكم غيظكم فأكلّكم ذلك عن

٢٥٣

__________________

ـ عداوة محمد وأصحابه. مع أنه إن بلغ محمدا وأصحابه شمتوا بكم فيكون أعظم المصيبتين شماتتهم ، ولعلكم تدركون ثأرهم. والدّهن والنساء عليّ حرام حتى أغزو محمدا. فمكثت قريش شهرا لا يبكيهم شاعر ولا تنوح عليهم نائحة ١ : ١٢١. ولكنه نقل بعد ذلك أن كعب بن الأشرف اليهودي لما خرج الى مكة بعد بدر فنزل على أبي وداعة بن ضبيرة ، جعل ينظم شعرا في رثاء قتلى بدر من قريش ، ومن يلقاه من الصبيان والجواري ينشدهم الأبيات ، فأخذها الناس منه ، ورثوا بها وأظهروا المراثي وناحت قريش على قتلاها شهرا ، ولم تبق دار بمكة الّا فيها نوح ، وجزّ النساء شعر الرءوس ، كان يؤتى براحلة الرجل منهم أو بفرسه فتوقف بين أظهرهم فينوحون حولها ، وخرجن الى السكك في الأزقة وقطعن الطرق لينحن! ١ : ١٢٢. ثم قال : قالوا : ومشى نساء قريش الى هند بنت عتبة فقلن : الا تبكين على أبيك وأخيك وعمك وأهل بيتك؟ قالت : أنا أبكيهم فيبلغ ذلك محمدا وأصحابه ونساء بني الخزرج فيشمتوا بنا؟ لا والله حتى أثأر محمدا وأصحابه ، والدّهن عليّ حرام إن دخل رأسي حتى نغزو محمدا. والله لو أعلم أنّ الحزن يذهب من قلبي لبكيت ، ولكن لا يذهبه الا أن أرى ثأري بعيني من قتلة الأحبّة. فمكثت على حالها.

وبلغ نوفل بن معاوية الديلي أن قريشا بكت على قتلاها فقدم مكة وقال لقريش : يا معشر قريش ؛ لقد خفّت أحلامكم وسفه رأيكم وأطعتم نساءكم! ومثل قتلاكم يبكى عليهم؟! هم أجلّ من البكاء ، مع أن ذلك يذهب غيظكم عن عداوة محمد وأصحابه ولا ينبغي أن يذهب الغيظ عنكم الا أن تدركوا ثأركم من عدوّكم.

فلما سمع أبو سفيان كلامه قال : يا أبا معاوية ، والله ما ناحت امرأة من بني عبد شمس على قتيل لها الى اليوم ، ولا بكاهن شاعر الا نهيته حتى ندرك ثارنا من محمد وأصحابه ، واني لأنا الموتور الثائر ، قتل ابني حنظلة وسادة أهل هذا الوادي ١ : ١٢٤ ، ١٢٥.

إذن فنهي أبي سفيان انما كان نافذا في بني عبد شمس ، أما سائر قريش فلم يتمالكوا اكثر

٢٥٤

فلما أرادوا أن يغزوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى احد ساروا في حلفائهم من كنانة وغيرها ، فجمعوا الجموع والسلاح (١).

وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف (٢) : ألف فارس وألفي راجل. وأخرجوا معهم النساء يذكّرنهم ويحثّثنهم على حرب رسول الله ، وخرجت معهم هند بنت

__________________

ـ من شهر ثم ناحوا شهرا ولم يتمكن أبو سفيان من منعهم ثم منعهم نوفل بن معاوية وقد قربوا من موسم الحج بعد بدر.

(١) القمي ١ : ١١١. وروى الواقدي بأسناده : أن قريشا كانوا اذا قدموا بالعير مكة وأهل العير غائبون أوقفوها في دار الندوة حتى يحضر أهلها فلما قدم أبو سفيان مكة في أيام بدر أوقفها في دار الندوة ولم يفرّقها لغيبة أهلها. فلما رجع من حضر بدرا من المشركين الى مكة مشى أشرافهم الى أبي سفيان فقالوا : يا أبا سفيان ، انظر هذه العير .. إنها أموال أهل مكة ولطيمة قريش ، وهم طيّبوا الأنفس أن يجهّزوا بهذه العير جيشا الى محمد ، وقد ترى من قتل من آبائنا وأبنائنا وعشائرنا. فاحتبس العير لذلك.

قال أبو سفيان : وقد طابت أنفس قريش بذلك؟ قالوا : نعم. قال : فانا أول من أجاب الى ذلك وبنو عبد مناف معي ، فانا والله الموتور الثائر ، قد قتل ابني حنظلة ببدر وأشراف قومي.

وكانت العير الف بعير ، والمال خمسين الف دينار ، وكانوا يربحون للدينار دينارا. فيقال : قالوا له : يا أبا سفيان ، بع العير ثم اعزل أرباحها. فأخرج القوم أرباح العير ، وانما أخذ من لا عشيرة له ولا منعة كل ما كان لهم في العير ١ : ١٩٩ ، ٢٠٠ ولعله باعها في الموسم.

(٢) وكذلك في ابن هشام ٣ : ٧٠ وقال الواقدي : خرجت قريش وهم ثلاثة آلاف بمن انضم إليهم ، وكان فيهم من ثقيف مائة رجل .. على ثلاثة آلاف بعير وفيهم سبعمائة دارع ، وقادوا مائتي فرس ١ : ٢٠٣ وفي اعلام الورى ١ : ١٧٦ والمشركون في ألفين. وفي المناقب ١ : ١٩١ في ثلاثة آلاف ويقال في الفين لهم سبعمائة درع ومنهم مائتا فارس والباقون ركب.

٢٥٥

عتبة بن ربيعة ، وعمرة بنت علقمة الحارثية (١).

فلما بلغ رسول الله ذلك جمع أصحابه وأخبرهم : أن الله قد أخبره : أن قريشا قد تجمعت تريد المدينة (٢).

__________________

(١) وهي الكنانية التي حملت لواءهم بعد مقتل حملة الألوية التسعة من بني عبد الدار ، واضاف ابن اسحاق : وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد ، وخرج صهره عكرمة بن أبي جهل بام حكيم بنت الحارث بن هشام ، وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبّه بن الحجاج ، وخرج صفوان بن أميّة ببرزة بنت مسعود الثقفي ، وخرج طلحة بن عبد الله (حامل اللواء) بسلافة بنت سعد الأوسي ، وخرج ابو عزيز بن عمير اخو مصعب بن عمير العبدري بامه خناس بنت مالك ٣ : ٦٦. وأضاف الواقدي : خرج ابو سفيان بامرأتيه : هند واميمة الكنانية ، وخرج صفوان بن أميّة بامرأتيه : برزة والبغوم الكنانية. وخرج الحارث بن سفيان بامرأته رملة بنت طارق ، وخرج كنانة بن علي بامرأته أم حكيم بنت طارق. وخرج النعمان بن مسك الذئب وأخوه جابر بامهما الدغنيّة ، وخرج سفيان بن عويف (حامل اللواء) بامرأته قتيلة بنت عمرو مع عشرة من ولده منهم ابنه غراب بن سفيان ومعه امرأته عمرة بنت الحارث بن علقمة (الكنانية) التي رفعت لواء قريش حين سقط حتى تراجعت قريش الى لوائها ١ : ٢٠٢ ، ٢٠٣ وسبق عن ابن اسحاق أنه نسبها الى جدها علقمة.

(٢) تفسير القمي ١ : ١١١. وقال ابن اسحاق : فأقبلوا حتى نزلوا بجبل ببطن السبخة على قناة عينين على شفير الوادي مقابل المدينة ، وسمع بهم رسول الله والمسلمون أنهم نزلوا حيث نزلوا ، فقال للمسلمين : اني قد رأيت بقرا (لي تذبح) ورأيت في ذباب سيفي ثلما ، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة. وزاد ابن هشام : فأما البقر فهي ناس من أصحابي يقتلون ، وأما الثلم في ذباب سيفي فهو رجل يقتل من أهل بيتي ، وأما الدرع الحصينة فأوّلتها المدينة. فان رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا ، فان أقاموا أقاموا بشر مقام ، وان هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها ٣ : ٦٧.

٢٥٦

__________________

ـ وروى الواقدي بسنده عن ابن أبي حكيمة الأسلمي قال : لما أصبح ابو سفيان بالأبواء اخبر : أن عمرو بن سالم الخزاعي وأصحابا له مرّوا بهم راجعين الى مكة.

فقال ابو سفيان : أحلف بالله أنهم قد ذهبوا الى محمد فأخبروه بمسيرنا وعددنا ، فهم الآن يلزمون صياصيهم ، فما أرانا نصيب منهم شيئا في وجهنا!

فقال صفوان بن أميّة : إن أصحروا لنا فعددنا أكثر من عددهم ، وسلاحنا اكثر من سلاحهم ولنا خيل ولا خيل لهم ، ونقاتل على وتر ولا وتر لهم. وإن لم يصحروا عمدنا الى نخل الأوس والخزرج فقطعناه فتركناهم ولا أموال لهم ولا يجبرونها أبدا!

ولكنه نقل قبل ذلك : أنهم لما أجمعوا المسير كتب العباس بن عبد المطلب كتابا الى رسول الله يخبره فيه : أن قريشا قد اجمعت المسير إليك فما كنت صانعا اذا حلّوا بك فاصنعه ، وقد توجهوا إليك وهم ثلاثة آلاف ومعهم ثلاثة آلاف بعير وقادوا مائتي فرس وفيهم سبعمائة دارع. وختمه واستأجر رجلا من بني غفار وشرط عليه أن يسير الى رسول الله ثلاثا.

فقدم الغفاري فلم يجد رسول الله بالمدينة ووجده بقباء ، فخرج حتى وجده على باب مسجد قباء يركب حماره فدفع إليه الكتاب.

فدعا رسول الله ابيّ بن كعب فقرأه عليه ، فاستكتم رسول الله ابيّا ما في الكتاب. وكان قد دخل منزل سعد بن الربيع فقال له : في البيت أحد؟ قال سعد : لا ، فتكلم بحاجتك ، فكان قد أخبره بكتاب العباس بن عبد المطلب ، واستكتم سعدا الخبر ثم خرج الى المدينة.

فلما خرج ، خرجت امرأة سعد فقالت له : ما قال لك رسول الله؟ قال : مالك وذلك؟! فأخبرت سعدا بالخبر ، فأخذ بلمّتها ثم خرج يعدو بها حتى أدرك النبيّ عند الجسر (جسر بطحان) وقد أعيت. فقال : يا رسول الله ، إن امرأتي سألتني عمّا قلت فكتمتها ، فجاءت بالحديث كله ، فخشيت أن يظهر شيء فتظن أني أفشيت سرك! فقال رسول الله : خلّ سبيلها. وشاع الخبر في الناس بمسير قريش ١ : ٢٠٤ ، ٢٠٥.

٢٥٧

قال الطبرسي : واستشار أصحابه ، وكان رأيه أن يقاتل الرجال على أفوه السكك ، ويرمي الضعفاء من فوق البيوت (١).

قال القمي فقال عبد الله بن ابي (الخزرجي) : يا رسول الله ، لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقّتها ، فيقاتل الرجل الضعيف ، والمرأة والعبد والأمة على السطوح ، فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا ، وما خرجنا الى أعدائنا قط الا كان الظفر لهم (٢).

__________________

ـ ويظن أن هذا الخبر مما ابتدع تقربا لبني العباس فيما بين تاريخ ابن اسحاق بأمر المنصور لوليّ عهده المهدي ، وبين عهد الواقدي المعاصر للمأمون والقاضي له ببغداد. وتلوح لوائح الكذب من بين جوانحه. والا لما خلت منه سيرة كتبت لهم من أول يوم مرّتين.

وفي علل الشرائع خبر عن البزنطي عن بعض أصحابه عن الصادق عليه‌السلام قال : كان مما منّ الله عزوجل به على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه كان يقرأ (كذا) ولا يكتب ، فلما توجه أبو سفيان الى احد كتب العباس الى النبيّ فجاءه الكتاب وهو في بعض حيطان المدينة ، فقرأه (كذا) ولم يخبر أصحابه ، وأمرهم أن يدخلوا المدينة ، فلما دخلوا المدينة أخبرهم ـ علل الشرائع : ٥٣ كما في بحار الأنوار ٢٠ : ١١١ والخبر عن البزنطي عن بعض أصحابه ، ففيه ارسال ، ثم يكفيه أنه خلاف المتفق عليه من أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يقرأ ولا يكتب.

(١) إعلام الورى ١ : ١٧٦ وقصص الأنبياء : ٣٤٠ ومناقب آل أبي طالب ١ : ١٩١ بينما قال القمي في تفسيره : وحث أصحابه على الجهاد والخروج ١ : ١١١.

(٢) وقال ابن اسحاق : وكان عبد الله بن ابيّ بن سلول يرى رأي رسول الله في ذلك بأن لا يخرج إليهم فقال : يا رسول الله ، أقم بالمدينة لا تخرج إليهم ، فو الله ما خرجنا الى عدوّ لنا قطّ الا أصاب منّا ، ولا دخلها علينا الا أصبنا منه ، فدعهم يا رسول الله ، فان أقاموا أقاموا بشر محبس ، وان دخلوا قاتلهم الرجال في وجههم ، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، وان رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا ٣ : ٦٧.

٢٥٨

فقام سعد بن معاذ ؛ من الأوس فقال : يا رسول الله ، ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام ، فكيف يطمعون فينا وأنت فينا؟! لا ، حتى نخرج إليهم فنقاتلهم ، فمن قتل منا كان شهيدا ، ومن نجى منّا كان قد جاهد في سبيل الله (١).

__________________

ـ وقال الواقدي : ورأى رسول الله أن لا يخرج من المدينة ، وكان يحب أن يوافق على مثل ما رأى وعبر عليه الرؤيا ، وقال : أشيروا عليّ. فقام عبد الله بن ابيّ فقال : يا رسول الله ، كنا نقاتل في الجاهلية فيها ونجعل النساء والذراري في هذه الصياصي ونجعل معهم الحجارة ، وترمي المرأة والصبيّ من فوق الصياصي والآطام ، ونقاتل بأسيافنا في السكك.

يا رسول الله ، إن مدينتنا عذراء ، ما فضت علينا قط ، وما خرجنا الى عدو قط الا أصاب منا ، وما دخل علينا قط الا أصبناه. فدعهم يا رسول الله ، فانهم إن أقاموا أقاموا بشرّ محبس ، وان رجعوا رجعوا خائبين مغلوبين لم ينالوا خيرا.

يا رسول الله ، أطعني في هذا الأمر واعلم أني ورثت هذا الرأي من أكابر قومي وأهل الرأي منهم ، فهم كانوا أهل الحرب والتجربة. وكان ذلك رأي اكابر أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار ١ : ٢٠٩ ، ٢١٠.

(١) تفسير القمي ١ : ١١١. وفي مغازي الواقدي ١ : ٢١٠ : وقال رجال من أهل السنّ وأهل النية منهم سعد بن عبادة : إنا نخشى ـ يا رسول الله ـ أن يظنّ عدوّنا أنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم فيكون هذا جرأة منهم علينا ، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل فظفّرك الله عليهم ، ونحن اليوم بشر كثير ، قد كنّا نتمنّى هذا اليوم وندعو الله به ، فقد ساقه الله إلينا في ساحتنا.

وقال مالك بن سنان الخدري ابو (أبي سعيد) : يا رسول الله ، نحن والله بين احدى الحسنيين : إما أن يظفّرنا الله بهم فهذا الذي نريد ، فيذلّهم الله لنا فتكون هذه وقعة مع وقعة بدر فلا يبقى منهم الا الشريد ، والاخرى ـ يا رسول الله ـ : يرزقنا الله الشهادة ، والله ـ يا

٢٥٩

__________________

ـ رسول الله ـ ما ابالي ايهما كان ، فان كلّا لفيه الخير.

هذا ورسول الله لما يرى من الحاحهم كاره ، ولكنّه سكت ولم يرد عليهم قولا. فقال حمزة بن عبد المطلب : والذي أنزل عليك الكتاب ، لا أطعم اليوم طعاما حتى اجالدهم بسيفي خارجا من المدينة. وكان صائما.

وقال النعمان بن مالك : يا رسول الله ، أنا أشهد أن البقر المذبّح قتلى من أصحابك وأني منهم ، فلم تحرمنا الجنة؟ فو الذي لا إله الا هو لأدخلنّها.

قال رسول الله : بم؟ قال : اني احب الله ورسوله ، ولا أفر يوم الزحف. قال : صدقت. وقال إياس بن اوس : يا رسول الله ، نحن بنو عبد الأشهل من البقر المذبّح ، نرجو أن نذبّح في القوم ويذبّح فينا فنصير الى الجنة ويصيرون الى النار ، مع أني ـ يا رسول الله ـ لا احب أن ترجع قريش الى قومها فيقولون : حصرنا محمدا في صياصي يثرب وآطامها ، فيكون هذا جرأة لقريش ، وقد وطئوا سعفنا ، فاذا لم نذبّ عن عرضنا لم نزرع ، وقد كنا ـ يا رسول الله ـ في جاهليّتنا والعرب يأتوننا ولا يطمعون بهذا منّا حتى نخرج إليهم بأسيافنا حتى نذبّهم عنّا ، فنحن اليوم أحق ـ إذا أيدنا الله بك وعرفنا مصيرنا ـ أن لا نحصر أنفسنا في بيوتنا. وقال أنس بن قتادة : يا رسول الله ، هي إحدى الحسنيين : إمّا الشهادة واما الغنيمة والظفر في قتلهم.

فقال رسول الله : اني أخاف عليكم الهزيمة!.

فقام ابو (سعد) خيثمة (من شهداء بدر) قال : يا رسول الله ، إن قريشا مكثت حولا تجمع الجموع وتستجلب العرب في بواديها ومن تبعها من أحابيشها ، ثم جاءونا قد قادوا الخيل وامتطوا الابل حتى نزلوا بساحتنا ، فيحصروننا في بيوتنا وصياصينا ثم يرجعون وافرين لم يكلموا؟! فيجرّئهم ذلك علينا حتى يشنّوا الغارات علينا ويصيبوا أطرافنا ، ويضعوا العيون والأرصاد علينا ، مع ما قد صنعوا بحروثنا ، ويجترئ علينا العرب من

٢٦٠