موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

فو الله ما زالت ترجّيني حتى دخلت على رسول الله ، وكانت لرسول الله جلالة وهيبة ، فلما قعدت بين يديه أفحمت فو الله ما استطعت أن أتكلم.

فقال : ما جاء بك؟ ألك حاجة؟ فسكت. فقال : لعلك جئت تخطب فاطمة؟ فقلت : نعم. فقال : فهل عندك شيء تستحلها به؟ فقلت : لا. فقال : ما فعلت بالدرع التي سلّحتكها؟ فقلت : عندي ، ولكنّها ـ والذي نفسي بيده ـ لحطمية (١) ما ثمنها إلّا أربعمائة درهم.

قال : قد زوّجتكها (بها) فابعث بها.

فكان ذلك صداق فاطمة (٢).

__________________

(١) قال الجزري في النهاية : قال لعلي : اين درعك الحطمية ، وأشبه الأقوال أنها منسوبة الى بطن من عبد القيس كانوا يعملون الدروع.

(٢) الذرية الطاهرة : ٩٤. قال الحلبي في مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٥٠ : وخطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في تزويج فاطمة خطبة رويناها عن الرضا عليه‌السلام ويحيى بن معين في أماليه وابن بطّة في الانابة باسنادهما عن أنس بن مالك مرفوعا أنه قال : «الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع في سلطانه ، المرغوب إليه فيما عنده ، المرهوب من عذابه ، النافذ أمره في سمائه وأرضه ، خلق الخلق بقدرته ، وميّزهم بأحكامه ، وأعزّهم بدينه ، واكرمهم بنبيّه محمد.

إنّ الله جعل المصاهرة نسبا لاحقا ، وأمرا مفترضا ، وشج بها الأرحام ، وألزمها الانام.

قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) (الفرقان : ٥).

ثم ان الله تعالى أمرني أن أزوّج فاطمة من علي ، وقد زوّجتها اياه على أربعمائة مثقال فضة (كذا) إن رضيت يا علي». ـ فقال علي عليه‌السلام : رضيت يا رسول الله.

ثم روى الحلبي عن ابن مردويه : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : تكلم خطيبا لنفسك. فقال : «الحمد لله الذي قرب من حامديه ، ودنا من سائليه ، ووعد الجنة من يتّقيه ، وأنذر بالنار من يعصيه. نحمده على قديم احسانه وأياديه ، حمد من يعلم أنه خالقه وباريه ، ومميته

١٠١

ولعله عليه‌السلام بعث بها فأرهنها بمبلغ المهر كما في الخبر السابق. ولعلّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «زوّجتكها» ليس ايجاب العقد من دون مراجعة فاطمة ، بل وعدا به ، وأما مراجعته لابنته فاطمة فقد جاء في خبر آخر رواه الدولابي أيضا بسنده عن عطاء بن أبي رباح قال : لما خطب علي فاطمة أتاها رسول الله فقال لها : إن عليا قد ذكرك. فسكتت : فخرج فزوّجها (١).

وقد يستغرب السامع من خطبة أبي بكر لفاطمة ، ويلاحظ أن ذلك كان متزامنا مع بناء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعائشة ابنة أبي بكر ، فلعل أبا بكر كان يرى ذلك مبرّرا لخطبته ابنة النبيّ لنفسه.

وإذ كان الزفاف بعد العقد بعشرة أشهر في أول ذي الحجة من السنة الثانية فنحن نؤجل القول فيه الى هناك (٢).

غزوة بواط :

وأقبلت قافلة تجارة لقريش فيها مائة رجل منهم ، وفيهم أميّة بن خلف ، ومعهم ألفان وخمسمائة بعير. فغزاهم رسول الله في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا ، يعترض للقافلة ، حتى بلغ بواط من المدينة على ثلاثة برد نحو ناحية

__________________

ومحييه ، ومسائله عن مساويه ، ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونستكفيه. ونشهد أن لا إله الّا الله وحده لا شريك له ، شهادة تبلغه وترضيه ، وأن محمدا عبده ورسوله صلاة تزلفه وتحظيه ، وترفعه وتصطفيه.

والنكاح ما أمر الله به ، ويرضيه ، واجتماعنا مما قدّره الله وأذن فيه ، وهذا رسول الله قد زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم ، وقد رضيت».

(١) الذرية الطاهرة : ٩٥.

(٢) من الصفحة : ٢٢٥.

١٠٢

ذي خشب (اثني عشر فرسخا ستة وستين كيلو مترا) ولم يلق قتالا فرجع (١).

وتتفق هنا روايتا الواقدي وابن اسحاق على أن بدء هذه الغزوة كان في ربيع الأول ، ثم يقول ابن اسحاق : ثم رجع الى المدينة فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الاولى (٢).

غزوة بدر الاولى (الصغرى):

هذا ، وقال الواقدي : أغار كرز بن جابر الفهري (من مشركي قريش) على (مواشي) لأهل المدينة كانت ترعى بنواحي الجماء (على ستّة كيلو مرات نحو الجرف).

فغزا في طلبه رسول الله في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا (٣) حتى بلغ (بئر) بدر ، ولم يدركه (٤) وكان يحمل لواءه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة (٥) بينما يؤرخها ابن اسحاق بقرب العشر من جمادى الآخرة (٦).

غزوة ذي العشيرة :

قال الواقدي : وجاءه الخبر بفصول العير من مكة تريد الشام ، قد جمعت قريش لها أموالها فهي في تلك العير ، فندب أصحابه فخرج في مائة وخمسين أو

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٢.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٤٨ واختصر الخبر الطبرسي في اعلام الورى ١ : ١٦٤.

(٣) هكذا يؤرخ الواقدي عن لسان رواته حتى يبلغ ستة وخمسين شهرا أي خمس سنين من الهجرة. مما قد يدل على عدم وجود قرار بالتاريخ بالسنين من الهجرة.

(٤) مغازي الواقدي ١ : ١٢.

(٥) الطبري ٢ : ٤٠٧ عن الواقدي ولا يوجد في المغازي المنشور.

(٦) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٥١.

١٠٣

مائتين ، يعترض لعير قريش ، على رأس ستة عشر شهرا ، فسلك على نقب بني دينار الى بيوت السقيا (الى جهة الجحفة) (١).

وقال ابن اسحاق : فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها : ذات الساق ، فصلى عندها فهناك مسجده. وصنع له عندها طعام .. واستقي له من ماء يقال له المشترب.

ثم ارتحل رسول الله فترك (أرض) الخلائق على يساره وسلك شعبة عبد الله ، ثم مال الى يساره حتى هبط يليل فنزل بمجتمعه ، واستقى من بئر بالضّبوعة.

ثم سلك الفرش حتى لقي الطريق بصحيرات اليمام ، ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة من بطن ينبع. فأقام بها جمادى الاولى وليالي من جمادى الآخرة. ولم يلق قتالا. ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة (٢) (فهو ثالث العهود).

عليّ أبو تراب :

ثم روى بسنده عن عمار بن ياسر قال : كنت أنا وعليّ بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة ، فلما نزلها رسول الله وأقام بها ، رأينا اناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم وفي نخل. فقال لي عليّ بن أبي طالب : يا أبا اليقظان ، هل لك في أن نأتي هؤلاء ، فننظر كيف يعملون؟ قلت : إن شئت.

فجئناهم فنظرنا الى عملهم ساعة ، ثم غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعليّ حتى اضطجعنا بين صغار النخيل ، في التراب اللين فنمنا. فما أيقظنا الّا رسول الله يحركنا برجله وقد تترّبنا من ذلك التراب اللين الذي نمنا فيه ، وقال لعليّ : ما لك يا أبا تراب؟ لما رأى عليه من التراب.

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٢.

(٢) وهذا غير ما مرّ من خبر الواقدي : أنه وادع بني ضمرة من كنانة ، فانهم في بواط غير متحالفين مع بني مدلج ، وهؤلاء منهم متحالفون مع بني مدلج في ذي العشيرة من ينبع.

١٠٤

ثم قال لنا : ألا احدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا : بلى يا رسول الله. قال : احيمر ثمود الذي عقر الناقة. والذي يضربك يا علي على هذه ـ ووضع يده على مقدّم رأسه ـ حتى يبلّ منها هذه. وأشار الى لحيته (١).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٤٩ ، ٢٥٠ ثم روى عن بعض أهل العلم! : أن رسول الله انما سمّى عليا أبا تراب لأنه كان اذا عتب على فاطمة في شيء .. أخذ ترابا فوضعه على رأسه. فرآه رسول الله وعلى رأسه التراب فقال له : مالك يا أبا تراب؟ (بالمعنى).

ونقل محقق السيرة عن السهيلي في «الروض الانف» قال : وأصحّ من ذلك ما رواه البخاري في جامعه ، وهو أنه كان قد خرج الى المسجد مغاضبا لفاطمة ، فوجده رسول الله نائما وقد ترب جنبه ، فجعل يمسح التراب عن جنبه ويقول : قم يا أبا تراب.

ونقول : بل الأصح من هذه الثلاث هو ما رواه ابن اسحاق أولا مسندا عن يزيد ابن محمد عن أبيه محمد بن خيثم المحاربي عن عمار بن ياسر. أما ما رواه ثانيا مرفوعا عن بعض ـ أهل العلم ، فهو يلتقي وخبر البخاري في اتهام الامام بالعتب والغضب على فاطمة وهي عليه! وكأنّما أراد البخاري وأصحابه أن يعالجوا ما قاله هو بشأن الزهراء والشيخين : ماتت فاطمة وهي غضبى عليهما. فكأنهم أرادوا أن يقولوا : لو أنها غضبت عليهما فلقد غضبت على علي كذلك من قبل! فتأمّل ولا تقبل. على أنّ هذا الخبر الأخير رواه الطبري في تاريخه خلوا من «مغاضبا لفاطمة» بسنده عن أبي حازم قال : قيل لسهل بن سعد (الساعدي) : إن بعض امراء المدينة يريد أن يبعث إليك تسبّ عليا على المنبر! قال : أقول ما ذا؟ قال : تقول : أبا تراب. قال : والله ما سمّاه بذلك الا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال (أبو حازم) : قلت : وكيف ذلك يا أبا العباس؟

قال : دخل علي على فاطمة ثم خرج من عندها فاضطجع في فيء المسجد. ثم دخل رسول الله على فاطمة فقال لها : أين ابن عمّك؟ فقالت : هو ذاك مضطجع في المسجد فجاءه رسول الله فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره وخلص التراب إليه فجعل يمسح التراب عنه ويقول : اجلس أبا تراب.

١٠٥

ثم رجع الى المدينة .. فأقام بها بقية جمادى الآخرة ورجبا وشعبان (١).

سرية نخلة :

روى الواقدي عن عبد الله بن جحش قال : حين صلّى العشاء رسول الله دعاني فقال : واف مع الصبح معك سلاحك أبعثك وجها. فوافيت صلاة الصبح وعليّ سيفي وقوسي وجعبتي ومعي درقتي. فلما صلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالناس الصبح سبقته الى باب داره ، واذا معي نفر من قريش ، وانصرف النبيّ عن صلاته فوجدني واقفا عند بابه ومعي نفر من قريش ، فدخل رسول الله ، ودعا ابيّ بن كعب فدخل عليه ، فأمره فكتب صحيفة من أديم خولاني (٢) فأعطانيها وقال :

استعملتك على هؤلاء النفر (وأشار الى النفر من قريش) فامض حتى اذا سرت ليلتين فانشر كتابي ثم امض لما فيه.

قلت : يا رسول الله ، أيّ ناحية؟

فقال : اسلك النجديّة تؤمّ ركيّة (٣).

قال الواقدي : فانطلق حتى اذا كان ببئر ابن ضميرة نشر الكتاب فقرأه فاذا فيه : سر على اسم الله وبركاته ، ولا تكرهنّ أحدا من أصحابك على المسير

__________________

ثم قال سهل : فو الله ما سماه به الا رسول الله ، وو الله ما كان اسم أحبّ إليه منه (الطبري ٢ : ٤٠٩) فمن أين جاءت الزيادة في رواية البخاري : «مغاضبا لفاطمة» اللهم الّا من حيث ذكرناه. ثم لا ننسى أنه عليه‌السلام لم يكن قد دخل بفاطمة عليها‌السلام بعد.

(١) البداية والنهاية ٣ : ٢٤٨.

(٢) خولان : قريتان باليمن والشام كما في معجم البلدان ٥ : ٩٤ والأديم من إحداهما وهذه أول مرة يذكر فيها ابيّ بن كعب كاتبا لرسول الله في غير الوحي ، بعد الهجرة.

(٣) الركيّة : البئر.

١٠٦

معك ، وامض لأمري فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة ، فترصّد بها عير قريش (١) وتعلّم لنا من أخبارهم (٢).

فلما قرأ عليهم الكتاب قال لهم : لست مستكرها أحدا منكم ، فمن كان يريد الشهادة (٣) فليمض ، فاني ماض لأمر رسول الله ، ومن أراد الرجعة ، فمن الآن.

فقالوا : نحن سامعون مطيعون لله ولرسوله ولك ، فسر على بركة الله حيث شئت.

فسار حتى بلغ نخلة ، فوجد عيرا لقريش ، فيها : عمرو بن الحضرمي ، والحكم بن كيسان المخزومي (مولاهم) وعثمان بن عبد الله المخزومي ، ونوفل بن عبد الله المخزومي (٤).

قال ابن اسحاق : وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين : أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وعكّاشة بن محصن ، وعتبة بن غزوان ، وسعد بن أبي وقاص ، وعامر بن ربيعة ، وواقد بن عبد الله ، وخالد بن البكير ، وسهيل بن بيضاء. ليس فيهم من الأنصار أحد.

فمرّت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش (٥).

ورأى واقد بن عبد الله وعكّاشة بن محصن أن يغيروا عليهم ، فحلق عامر ابن ربيعة رأس عكّاشة بيده حتى إذا رآهم المشركون يقولون : هؤلاء معتمرون ثم أشرف عكّاشة عليهم ، فظن المشركون أن هؤلاء معتمرون ، فأمنوا في أنفسهم

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٣.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٥٢.

(٣) وهذه أول مرة تذكر فيها الشهادة ، مما يشهد أن رسول الله كان قد شرحها لهم.

(٤) مغازي الواقدي ١ : ١٤.

(٥) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٥٣ ومغازي الواقدي ١ : ١٦ وخمرا وفي عددهم قيل : كانوا اثني عشر رجلا ١ : ١٧ و ١٩.

١٠٧

وقيّدوا ركائبهم وسرّحوها ، وصنعوا لأنفسهم طعاما (١).

قال ابن اسحاق : وكان ذلك في آخر يوم من رجب ، فقال القوم : والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعنّ به منكم ، ولئن قتلتموهم لتقتلنّهم في الشهر الحرام (٢) وقال قائل منهم : لا نعلم هذا اليوم الّا من الشهر الحرام ولا نرى أن تستحلّوه لطمع أشفيتم عليه.

وقال قائل : لا يدرى أمن الشهر الحرام هذا اليوم أم لا؟

وغلب على الأمر الذين كانوا يريدون عرض الحياة الدنيا (٣) فشجّعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم (٤).

فخرج واقد بن عبد الله يقدم القوم قد فوّق سهمه في قوسه وكان لا يخطئ ، فرمى عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله. وشدّ القوم عليهم. فهرب نوفل ابن عبد الله ، واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان (مولاهم) واستاقوا العير (٥).

وأقبل عبد الله بالأسيرين والعير ، وكان ذلك قبل أن يفرض الله الخمس في المغانم ، فقال عبد الله لأصحابه : إنّ لرسول الله مما غنمنا الخمس ، فعزل لرسول الله خمس العير ، وقسم سائرها بين أصحابه.

فلما قدموا على رسول الله المدينة قال : ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام.

فلما قال رسول الله ذلك سقط في أيدي القوم وظنّوا أنهم قد هلكوا. وعنّفهم اخوانهم من المسلمين فيما صنعوا.

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٤.

(٢) بالحرمة القديمة أو بالسنة. والخبر في السيرة ٢ : ٢٥٣.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ١٤.

(٤) ابن هشام ٢ : ٢٥٣.

(٥) مغازي الواقدي ١ : ١٥.

١٠٨

ووقّف رسول الله العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا (١) ، حتى رجع من بدر ، فقسّمها مع غنائم أهل بدر.

وفي شهر شعبان من هذه السنة الثانية قال الطبري والمسعودي : فرض صوم شهر رمضان (٢).

غزوة بدر الكبرى :

قال القمي في تفسيره : كانت بدر على رأس ستة عشر شهرا من مقدم رسول الله المدينة (٣) وكان سبب ذلك أن عيرا لقريش خرجت الى الشام فيها خزائنهم (٤) (ورجعت) (٥) فأمر رسول الله أصحابه بالخروج إليها ليأخذوها

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٥٤. واختصر الخبر القمي في تفسيره ١ : ٧١ ، ٧٢ والطبرسي في اعلام الورى ١ : ١٦٧ ، ٧٤ ولعله عن القمي. وتمام الخبر : حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم أهل بدر ، مغازي الواقدي ١ : ١٨ وصرّح ابن اسحاق أن ذلك كان بعد نزول القرآن فيما حدث منهم في الشهر الحرام ، أي أن نزول الآيات أيضا كان بعد بدر. ولذلك فنحن نؤجل ذكر ذلك الى هنالك.

(٢) الطبري ٣ : ٤١٧ والتنبيه والاشراف : ٢٠٣ ولم يقولا بنزول آيات الصيام.

(٣) تفسير القمي ١ : ٢٧١.

(٤) قال الواقدي : وكانت العير ألف بعير ، وكانت فيها أموال عظام ، ولم يبق بمكة قرشي ولا قرشية له مثقال فصاعدا الا بعث به في العير ، فكان يقال : كان فيها خمسون الف دينار ، قيل : كان لبني عبد مناف فيها عشرة آلاف مثقال ، ولبني مخزوم مائتا بعير وخمسة آلاف مثقال ذهب ، ولامية بن خلف الفا مثقال ، وللحارث بن عامر بن نوفل الف مثقال وان اكثر ما فيها لآل سعيد بن العاص اما لهم أو قراضا بالنصف ١ : ٢٧.

(٥) قال الواقدي : ولما تحيّن رسول الله انصراف العير من الشام .. بعث طلحة بن عبيد الله

١٠٩

وأخبرهم : أن الله قد وعده إحدى الطائفتين : إما العير وإما قريش إن ظفر بهم. فخرج في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا (١).

__________________

وسعيد بن زيد يتجسسان خبر العير ، قبل خروجه من المدينة بعشر ليال ١ : ١٩ ثم يقول : وخرج يوم الاحد لاثنتي عشرة خلت من رمضان ١ : ٢١ فكان بعث الرجلين في الثاني من رمضان.

(١) تفسير القمي ١ : ٢٦١. ذكر ابن اسحاق ثلاثة وثمانين من المهاجرين من شهد ومن أسهم ـ له الرسول ٢ : ٣٣٣ ـ ٣٤٢ ، ثم ذكر الأنصار من ٣٤٢ الى ٣٦٣ ثم قال : فجميع من شهد بدرا من المسلمين من المهاجرين والانصار من شهدها منهم ومن ضرب له بسهم : ثلاثمائة واربعة عشر رجلا ، من المهاجرين : ثلاثة وثمانون رجلا ، ومن الأوس : واحد وستون رجلا ، ومن الخزرج : مائة وسبعون رجلا. وبتأريخه قال : لليال مضت من رمضان ٢ : ٣٦٣.

وقال الواقدي : وخرج رسول الله بمن معه يوم الأحد لاثنتي عشرة خلت من رمضان حتى انتهى الى بيوت السقيا بالبقع من نقب بني دينار ، وبيوت السقيا متصلة بالمدينة ١ : ٢١ وكانت تسمى البقع فسماها النبيّ بيوت السقيا ١ : ٢٣ وضرب عسكره هناك واستعرضه وقد بني في ذلك الموضع مسجد يسمى باسم الموضع مسجد السقيا ، وهو اليوم في جنوبي المحطة القديمة لسكك الحديد العثمانية ، على بعد كيلومترين من المسجد النبوي الشريف ، فهذا هو حدّ الترخيص للافطار يومئذ واستصغر ثمانية فردهم ١ : ٢١ وأمرهم أن يستقوا ١ : ٢٢ واستعمل على المشاة : قيس بن عمرو بن زيد بن عوف (من بني عوف من الأنصار) وأمره حين فصل من بيوت السقيا أن يقف لهم ببئر أبي عتبة فيعدّهم ، فوقف وعدّهم وأخبره بذلك ١ : ٢٦ ورحل من بيوت السقيا الأحد لاثنتي عشرة مضت من رمضان ومعه ثلاثمائة وخمسة ، وتخلف ثمانية فضرب لهم بسهم ١ : ٢٣ فهم ثلاثمائة وثلاثة عشر هكذا ، ولكنه في : ٤٧ الحق بهم خبيب بن يساف ، فهو كابن اسحاق : ٣١٤ رجلا. ولكنه في تسميتهم قال : من شهد الوقعة ومن ضرب له رسول الله بسهم وهو غائب : ثلاثمائة

١١٠

قال القمي : وكان في العير أبو سفيان (١) فلما بلغه أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قد خرج يتعرض للعير (٢) خاف خوفا شديدا ، فلما وافى البهرة (من نواحي المدينة) اكترى ضمضم (٣) بعشرة دنانير وأعطاه قلوصا وقال له : امض الى قريش وأخبرهم : أنّ

__________________

وثلاثة عشر رجلا ثم عدّدهم ١ : ١٥٢ ـ ١٧٢. وصلّى في بيوت السقيا ودعا لأهل المدينة (وسماها المدينة) فقال : «اللهم إنّ إبراهيم عبدك وخليلك ونبيّك دعاك لأهل مكة ، واني محمد عبدك ونبيّك أدعوك لأهل المدينة : أن تبارك لهم في مدّهم وصاعهم وثمارهم ، اللهم حبّب إلينا المدينة ، ـ واجعل ما بها من الوباء بخمّ. اللهم اني قد حرّمت لابتيها كما حرّم ابراهيم خليلك مكة» ١ : ٢٢.

والطبري ٣ : ٤٣١ والمسعودي في التنبيه والاشراف : ٢٠٤ وابن شهرآشوب في المناقب ١ : ١٨٧ قالوا : كان خروجه لثلاث خلون من شهر رمضان. ولعله كان في الأصل : لثلاث عشرة خلت منه. والمسعودي في التنبيه والاشراف : ٢٠٦ أرّخ رجوع الرسول الى المدينة بثمان بقين من شهر رمضان.

ولعل هذا يرجح قول الواقدي أن يكون كل من ذهابه وايابه استغرق خمسة أيام.

(١) في إعلام الورى ١ : ١٦٨ : في أربعين راكبا من قريش تجارا قافلين من الشام. وذكره في مجمع البيان ٤ : ٨٠٢ وذكره ابن شهرآشوب في المناقب ١ : ١٨٧ وقال : أو سبعين.

(٢) روى الواقدي ١ : ٢٨ عن عبد الله بن جعفر عن أبي عون مولى المسور ، عن مخرمة بن نوفل قال : ادركنا بالشام رجل من جذام فأخبرنا : أن محمدا كان قد عرض لعيرنا في بدأتنا ، وأنه ينتظر رجعتنا وقد حالف أهل الطريق ووادعهم. وعن عمرو بن العاص : أنه لقيهم في رجوعهم من غزّة الشام بالزرقاء بناحية معان من أذرعات على مرحلتين. وأنه قال : عرض لكم محمد وأصحابه في بدأتكم فأقام شهرا ثم رجع الى يثرب.

(٣) الخزاعي ، كذا. وفي سيرة ابن هشام ٢ : ٢٥٨ : ابن عمرو الغفاري ، وكذلك في الواقدي

١١١

محمدا والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم فأدركوا العير. وأوصاه : أن يخرم أنف ناقته ويقطع أذنها حتى يسيل الدم ، ويشق ثوبه من قبل ودبر ، فاذا دخل مكة ولى وجهه الى ذنب البعير وصاح بأعلى صوته : يا آل غالب ، اللطيمة اللطيمة ، العير العير ، أدركوا أدركوا ، وما أراكم تدركون ، فانّ محمدا والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم!.

فخرج ضمضم يبادر الى مكة ، ووافاها ينادي في الوادي : يا آل غالب ، يا آل غالب ، اللطيمة اللطيمة ، العير العير ، أدركوا أدركوا ، وما أراكم تدركون ، فانّ محمدا والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم التي فيها خزائنكم!.

فتصايح الناس بمكة وتهيئوا للخروج.

وقام سهيل بن عمرو ، وصفوان بن أميّة ، وأبو البختري بن هشام ، ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج ، ونوفل بن خويلد ، فقالوا : يا معشر قريش ، والله ما أصابكم ، مصيبة أعظم من هذه : أن يطمع محمد والصّباة من أهل يثرب أن يتعرضوا لعيركم التي فيها خزائنكم! فو الله ما قرشي ولا قرشية الّا ولها في هذه العير شيء فصاعدا ، وانه الذلّ والصغار أن يطمع محمد في أموالكم ويفرق بينكم وبين متجركم ، فاخرجوا.

وأخرج صفوان بن أميّة خمسمائة دينار وجهّز بها.

وأخرج سهيل بن عمرو خمسمائة ، وما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرجوا مالا وحملوا وقوّوا ، وخرجوا على الصعب والذلول ، ما يملكون

__________________

١ : ٢٨ واليعقوبي ٢ : ٤٥ والطبري والمسعودي وابن شهرآشوب في المناقب ١ : ١٨٧. وفي الواقدي عن عمرو بن العاص : بعثوا ضمضم من معان الاردن ، وقيل : من تبوك ١ : ٢٨.

١١٢

أنفسهم .. وأخرجوا معهم القينات يضربن بالدفوف وهم يشربون الخمور (١).

خروج رسول الله :

وخرج رسول الله في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا (٢) وكان في عسكره فرسان : فرس للزبير بن العوّام ، وفرس للمقداد بن عمرو ، وكان لهم سبعون جملا (٣) يتعاقبون عليها ، فكان رسول الله وعلي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يتعاقبون على جمل مرثد (٤).

افطار الصوم وقصر الصلاة :

روى الواقدي قال : خرج رسول الله بمن معه حتى انتهى الى بيوت

__________________

(١) روى الكليني في روضة الكافي بسنده عن الصادق عليه‌السلام : قال : لما خرجت قريش إلى بدر وأخرجوا معهم بني عبد المطّلب (وفيهم) طالب بن أبي طالب ، نزل يرتجز ويقول :

يا ربّ إمّا خرجوا بطالب

في مقنب من هذه المقانب

في مقنب المغالب المحارب

فاجعلهم المغلوب غير الغالب

واجعلهم المسلوب غير السالب

فردّوه. روضة الكافي : ٣٠٧ وفي الطبقات ١ : ١٢١.

(٢) تفسير القمي ١ : ٢٥٧.

(٣) وفي اعلام الورى ١ : ١٦٨ : معهم ثمانون بعيرا.

(٤) تفسير القمي ١ : ٢٦٢. قال الواقدي : ثم سلك طريق المكيمن من بطن العقيق حتى خرج على بطحاء ابن أزهر وأصبح ببطن ملل وتربان بين الحفيرة وملل. وهناك أشار رسول الله لسعد بن أبي وقاص ـ وكان أرماهم بسهم ـ الى ظبي وقال له : ارم فرماه في نحره ثم عدا فوجده به رمق فذكّاه ، فقسّمه ١ : ٢٦ ، ٢٧. وهذا أول ذكر للتذكية في الاسلام.

١١٣

السقيا ـ وهى متصلة (اليوم) بالمدينة (١) ـ يوم الأحد لاثنتي عشرة خلت من شهر رمضان.

ثم روى عن الأشجعي : أن النبيّ أمر أصحابه أن يستقوا من بئرهم يومئذ وشرب منه.

وروى عن عمرو بن أبي عمرو : أنّ النبيّ كان أوّل من شرب ذلك اليوم (٢) أي نهار اليوم الأوّل من سفره في شهر رمضان بعد فرض الصيام فيه. وبعد يوم أو يومين ـ قال الواقدي ـ نادى مناديه : يا معشر العصاة إنّي مفطر فأفطروا! وذلك أنّه قد كان قال لهم قبل ذلك : أفطروا ، فلم يفعلوا (٣).

هذا ما ذكره الواقدي في إفطار الصوم ، ولا نجد فيه ولا في غيره عن قصر الصلاة شيئا ، إلّا أنّنا نجد في آخر أخبار بدر وما بعدها أمرين يدلّان على أنّ إضافة ركعتي السنّة الواجبة على الفريضة الاولى كان قبل بدر :

الأوّل : أنّ من شهداء بدر : عمير بن عبد عمرو ذو اليدين أو ذو الشمالين ، من حلفاء بني زهرة ، من المهاجرين (٤).

وقد روى المشايخ في الكتب الأربعة عدّة أخبار بأسانيد صحاح عن : أبي بصير ، وأبي بكر الحضرمي ، وأبي سعيد القماط ، وجميل بن درّاج ، والحارث بن المغيرة النضري ، وزيد الشحّام ، وسعيد الأعرج ، وسماعة بن مهران ، وغيرهم : أنّ رسول الله صلّى بالناس الظهر ركعتين ، فقال له ذو الشمالين : يا رسول الله ،

__________________

(١) وفي تحديد محل السُقيا انظر كتاب : المساجد والاماكن الأثرية المجهولة لعبدالرحمان خويلد الحجازي وعنه في مجلة ميقات الحج ٣ : ٢٧٦.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٢١.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ٤٧ ، ٤٨ ، وانظر الكافي ٤ : ١٢٧ ، والفقيه ١ : ٤٣٥ ، والتهذيب : ٤١٣.

(٤) سيرة ابن هشام ٢ : ٣٣٧. والواقدي ١ : ١٤٥.

١١٤

أنزل في الصلاة شيء؟ فقال : وما ذاك؟ قال : إنّما صلّيت ركعتين. فقال رسول الله لأصحابه : أتقولون مثل قوله؟ قالوا : نعم. فقام فأتمّ بهم الصلاة أو : فأتمّ ما بقي من صلاته أو : فبنى على صلاته فأتمّ الصلاة أربعا (١).

وهذا يدلّ على أنّ الصلاة كانت قد أتمّت أربعا قبل بدر حيث استشهد الرجل.

والأمر الثاني : أن تحويل القبلة من القدس الى الكعبة كان بعد بدر ، وكانت الصلاة حينئذ تامة أربعا ، فيعلم أن ذلك كان منذ مدة من قبل بدر ، وإن لم نجد نصّا بالتعيين إلّا إجمالا :

روى الكليني في «روضة الكافي» بسنده عن سعيد بن المسيّب قال : سألت علي بن الحسين عليه‌السلام : فمتى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم عليه اليوم؟

قال : بالمدينة ، حين ظهرت الدعوة وقوي الاسلام ، وكتب الله عزوجل على المسلمين الجهاد ، زاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة سبع ركعات : في الظهر ركعتين وفي العصر ركعتين ، وفي المغرب ركعة ، وفي العشاء الآخرة ركعتين ، وأقرّ الفجر على ما فرضت (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، الباب الثالث من أبواب الخلل ٨ : ١٩٨ ـ ٢٠٤ ط آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) روضة الكافي : ١٨٠. ورواه الصدوق في الفقيه ١ : ٤٥٥ وعلل الشرائع : ١١٦ والعيّاشي في تفسيره. وروى معناه البخاري عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة كما في هامش السيرة ١ : ٢٦٠.

هذا ، وقد روى الكليني في فروع الكافي ٣ : ٤٣٢ بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له النبيّ : في كم ذلك؟ قال : في بريد. قال : وكم البريد؟ قال : ما بين ظل عير الى فيء وعير. ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا

١١٥

قال القمي في تفسيره فلما كان على ليلة من بدر (١) بعث بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء (٢) ، يتجسّسان خبر العير. فأتيا ماء بدر ، وأناخا راحلتيهما ، وسمعا جاريتين قد تشبّثت احداهما بالاخرى تطالبها بدرهم كان لها عليها ، فقالت الاخرى : عير قريش نزلت أمس في موضع كذا وكذا (٣) ، وهي تنزل غدا هاهنا وأنا أعمل لهم وأقضيك.

فرجع (الرجلان) الى رسول الله فأخبراه بما سمعا (٤).

__________________

١ : ٤٤٧ ط طهران. وروى فيه عنه عليه‌السلام قال : سافر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ذي خشب ، وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان ـ أربعة وعشرون ميلا ـ فقصّر وأفطر فصارت سنّة ١ : ٤٣٥. ورواه الطوسي في التهذيب ١ : ٤١٥ عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في كم يقصّر الرجل؟ فقال : في بياض يوم أو بريدين ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج الى ذي خشب فقصّر. فقلت : فكم ذو خشب؟ فقال : بريدان. بدون تعيين لتاريخ الوحي والسفر. ولعله كان بعد بدر ، ولذلك روى الواقدي افطار الصوم في بدر دون قصر الصلاة.

(١) في إعلام الورى ١ : ١٦٨ : وبدر بئر منسوبة الى رجل من غفار يقال له بدر. وفي مجمع البيان ٤ : ٨٠٤ بدر رجل من جهينة ، والماء ماؤه فسمي به ، وقال الواقدي ١ : ٤٤ : كان بدر موسما من مواسم الجاهلية وأسواقها.

(٢) في القمي : بشير بن أبي الرعباء ومجد بن عمر. وأثبتنا ما في ابن هشام والواقدي واليعقوبي والطبري. وأظن أن بشير مصحّف بسبس ومجدّ مصحّف عدي مع تقديم وتأخير. كما لا ريب أن الرعباء مصحّف الزغباء. نعم ذكر ابن اسحاق : مجديّ بن عمرو ، ولكنه كان نازلا على ماء بدر وليس أحد الرجلين.

(٣) في الواقدي ١ : ٤٠ : قد نزلت الرّوحاء على ميلين من عرق الظبية.

(٤) قال الواقدي ١ : ٤٠ : لقياه بعرق الظبية من الروحاء على ميلين. وفي : ٥١ قال : لقياه في المعترضة بعد الخبيرتين والخيوف وقبل بدر.

١١٦

وأقبل ابو سفيان بالعير ، فلما شارف بدرا تقدم العير وأقبل وحده حتى انتهى الى ماء بدر ، وكان بها رجل من جهينة يقال له : كشد الجهني (١) فقال له : يا كشد ، هل لك علم بمحمد وأصحابه؟ قال : لا. قال : واللات والعزّى لئن كتمتنا أمر محمد فلا تزال قريش معادية لك آخر الدهر ؛ فانه ليس أحد من قريش الا وله في هذه العير شيء فصاعدا ، فلا تكتمني.

فقال (كشد) : والله ما لي علم بمحمد ، وما بآل محمد وأصحابه بالتجار؟! إلّا أني رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا وأناخا راحلتيهما واستعذبا من الماء ورجعا ، فلا أدري من هما.

فجاء أبو سفيان الى مناخ ابلهما ففتّ أبعار الابل بيده فوجد فيها النوى فقال : هذه علائف يثرب! هؤلاء عيون محمد!

ورجع مسرعا وأمر بالعير فأخذ بها نحو ساحل البحر ، وتركوا الطريق ومرّوا مسرعين. ونزل جبرئيل على رسول الله فأخبره : أن العير قد أفلتت ، وأن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها. وأمره بالقتال ، ووعده النصر.

اختبار الأنصار :

وكان نازلا ماء الصفراء ، فأحبّ أن يبلو الأنصار ، لأنهم إنمّا وعدوه أن ينصروه في الدار.

فاخبرهم : إن العير قد جازت ، وإن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وإن الله قد أمرني بمحاربتهم.

فجزع أصحاب رسول الله من ذلك وخافوا خوفا شديدا!

فقال رسول الله : أشيروا علي.

__________________

(١) في القمي : كسب. وأثبتنا ما في ابن هشام والواقدي واليعقوبي والطبري.

١١٧

فقام (أبو بكر) فقال : يا رسول الله ، إنها قريش وخيلاءها ، ما آمنت منذ كفرت ، ولا ذلّت منذ عزّت!

ولم تخرج (أنت) على هيئة الحرب! (١).

فقال رسول الله له : اجلس. فجلس. فقال : أشيروا عليّ.

فقام (عمر بن الخطّاب) فقال مثل مقال الأوّل.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله له : اجلس. فجلس.

ثمّ قام المقداد فقال : يا رسول الله ، إنّا قد آمنّا بك وصدّقناك ، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله ، ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا (٢) وشوك الهراش (٣) لخضنا معك. ولا نقول لك ما قالت بنو اسرائيل لموسى : «اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون» (٤) ولكنّا نقول : اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون.

__________________

(١) اجمل ابن اسحاق فقال : فقال وأحسن وكذلك عن عمر ٢ : ٢٦٦ كذلك فعل الواقدي ١ : ٤٨ في أبي بكر ، وعن عمر قال : ثم قال : يا رسول الله ، إنها قريش وعزّها ، والله ما ذلّت ـ منذ عزّت ، والله ما آمنت منذ كفرت ، والله لا تسلم عزّها أبدا ، ولتقاتلنّك فاتّهب لذلك اهبته وأعدّ لذلك عدّته ١ : ٤٨. وفي صحيح مسلم ٥ : ١٧٠ ومسند أحمد ٣ : ٢١٩ والبداية والنهاية ٣ : ٢٦٣ والسيرة النبويّة لابن كثير ٢ : ٣٩٤ : فأعرض عنه.

(٢) الغضا : شجر عظيم صلب الأخشاب يتّقد طويلا.

(٣) الهراش : شجر شائك.

(٤) المائدة : ٢٤ ، وعلّق العلّامة الطباطبائي على الموضع فقال : في بعض الأخبار ما يشعر بأنّ هذه الآيات نزلت قبل غزوة بدر في أوائل الهجرة على ما ستجيء الإشارة إليها في البحث الروائي التالي. الميزان ٥ : ٢٨٦ ولكنّه في البحث الروائي التالي لم يعد على الموضوع بشيء. وقال القمّي بعد الآية ٢١ : إنّ ذلك نزل بعد قوله (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ ..) فنصف الآية في سورة البقرة ونصفها في سورة المائدة ـ تفسير القمّي في المقدّمة ١٢ و ١٦٤.

١١٨

فجزّاه النبيّ خيرا ، فجلس. ثمّ قال : أشيروا عليّ (١).

فقام سعد بن معاذ فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله كأنك أردتنا؟

قال : نعم.

قال : فلعلك قد خرجت على أمر قد امرت بغيره؟ قال : نعم.

قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، إنّا قد آمنّا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، فمرنا بما شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت واترك منها ما شئت ، والذي أخذت منه أحبّ إليّ من الذي تركت منه. والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك.

فجزّاه خيرا. ثم قال سعد :

بأبي أنت وأمي والله ما خضت هذا الطريق قط ، وما لي به علم ، وقد خلّفنا بالمدينة قوما لسنا نحن بأشد جهادا لك منهم ، ولو علموا أنّه الحرب لما تخلّفوا. ولكن نعدّ لك الرواحل ونلقى عدوّنا ، فانّا لصبّر عند اللقاء أنجاد في الحروب ، وإنّا لنرجو أن يقرّ الله عينك بنا. فان يك ما تحب فهو ذلك ، وإن يكن غير ذلك قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا.

فقال رسول الله : أو يحدث الله غير ذلك ، كأنّي بمصرع فلان هاهنا ، وبمصرع فلان هاهنا ، وبمصرع أبي جهل ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ونبيه ومنبّه ابني الحجاج ؛ فانّ الله وعدني إحدى الطائفتين ، ولن يخلف الله الميعاد.

__________________

(١) ونقل الطبرسي في مجمع البيان ٤ : ٨٠٣ عن القمّي وغيره قالوا : وإنّما كان يريد الأنصار ، لأنّ أكثر الناس منهم ، ولأنّهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : إنّا براء من ذمّتك حتى تصل إلى ـ دارنا ، ثمّ أنت في ذمّتنا نمنعك ممّا نمنع منه أبناءنا ونساءنا. فكان يتخوّف أن لا ترى الأنصار عليها نصرته إلّا في المدينة.

١١٩

ثم أمر رسول الله بالرحيل ، فرحلوا حتى نزلوا عشاء على ماء بدر ، وهي العدوة الشامية (١).

ومشورة الحُباب :

قال الواقدي : ثمّ قال رسول الله لأصحابه : أشيروا عليّ في المنزل (٢).

فروى ابن اسحاق : أن الحُباب بن المنذر الجموح قال : يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل ، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدّمه ولا نتأخّر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة (٣).

فقال صلّى الله عليه وآله : بل هو الرأي والحرب والمكيدة.

فقال : یا رسول الله ، فانّ هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء القوم فننزله ، ثمّ نغوّر (= نعوّر) ما وراءه من القُلب (٤) ثمّ نبني عليه حوضاً فنملؤه ماءً ثمّ نقاتل القوم فنشرب ، ولا يشربون (٥) وإني عالم بماء القوم وبقُلُبها ، وبها قليب قد عرفت عذوبة مائه ، وماؤه كثير لا يُنزح.

فروى الواقدي عن ابن عباس قال : نزل جبرئيل على رسول الله فقال له :

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٢٥٧ ـ ٢٦٠.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٥٤.

(٣) مقال الحُباب هذا لا يتّسق وقول الرسول : أشيروا عليّ ، فهل يستشير في أمر الله؟! وليست الاستشارة في رواية ابن اسحاق ، فلعلهم زادوا الاستشارة ليخرجوا مقال الحُباب عن صورة الاعتراض.

(٤) القُلُب جمع القليب : البئر ، لأنه قُلب تُرابه ـ مجمع البحرين.

(٥) ابن اسحاق في السيرة ٢ : ٢٧٢.

١٢٠