التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٤

مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(١) وضرب المثل في هذه السورة بالذي استوقد نارا ، وبالصيّب من السّماء. قالت الكفّار والنواصب : وما هذا من الأمثال فيضرب؟! يريدون به الطعن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال الله : يا محمد (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي) لا يترك حياء (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) للحقّ ـ وقيل للخلق ـ ، يوضّحه به عند عباده المؤمنين (ما بَعُوضَةً) أي ما هو بعوضة المثل (٢) (فَما فَوْقَها) فوق البعوضة وهو الذّباب ، يضرب به المثل إذا علم أنّ فيه صلاح عباده المؤمنين ونفعهم.

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله وبولاية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ وآلهما الطيّبين ، وسلّم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة أحكامهم وأخبارهم وأحوالهم ولم يقابلهم في أمورهم ، ولم يتعاط ـ أي يخوض فيه ـ الدخول في أسرارهم ، ولم يفش شيئا ممّا يقف عليه منها إلّا بإذنهم (فَيَعْلَمُونَ) يعلم هؤلاء المؤمنون الذين هذه صفتهم (أَنَّهُ) المثل المضروب (الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) أراد به الحقّ وإبانته ، والكشف عنه وإيضاحه.

(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعارضتهم في عليّ ب (لم) وتركهم الانقياد في سائر ما أمر به (فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً

__________________

(١) العنكبوت : ٤١.

(٢) قوله عليه‌السلام : ما هو بعوضة المثل ، لعلّه كان في قراءتهم عليهم‌السلام (بعوضة) بالرفع ـ كما قرىء به في الشواذ ـ قال البيضاوي ـ بعد أن وجّه قرادة النصب يكون كلمة (ما) مزيدة للتنكير والإبهام أو للتأكيد : وقرئت بالرفع على أنّه خبر مبتدأ ، وعلى هذا تحتمل (ما) وجوها أخر : أن تكون موصولة حذف صدر صلتها ، أو موصوفة بصفة كذلك ومحلّها النصب بالبدليّة على الوجهين ، أو استفهامية هي المبتدأ ، (تفسير البيضاوي : ج ١ ، ص ٤٤) ، (بحار الأنوار : ج ٢٤ ، ص ٣٩٢).

٨١

وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) يقول الذين كفروا : إن الله يضلّ بهذا المثل كثيرا ، ويهدي به كثيرا ، فلا معنى للمثل ، لأنّه وإن نفع به من يهديه فهو يضرّ به من يضلّه به.

فردّ الله تعالى عليهم قيلهم ، فقال : (وَما يُضِلُّ بِهِ) يعني ما يضل الله بالمثل (إِلَّا الْفاسِقِينَ) الجانين على أنفسهم بترك تأمّله ، وبوضعه على خلاف ما أمر الله بوضعه عليه.

ثمّ وصف هؤلاء الفاسقين الخارجين عن دين الله وطاعته ، فقال عزوجل : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) المأخوذ عليهم بالربوبيّة ، ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة ولعليّ عليه‌السلام بالإمامة ، ولشيعتهما بالمحبّة ـ وقيل بالجنّة ـ والكرامة (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) إحكامه وتغليظه (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من الأرحام والقرابات أن يتعاهدوهم ويقضّوا حقوقهم.

وأفضل رحم وأوجبه حقّا رحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ حقّهم بمحمّد كما أنّ حقّ قرابات الإنسان بأبيه وأمّه ، ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعظم حقّا من أبويه ، كذلك حقّ رحمه أعظم ، وقطيعته أفظع وأفضح.

(وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالبراءة ممّن فرض الله إمامته ، واعتقاد إمامة من قد فرض الله مخالفته (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (هُمُ الْخاسِرُونَ) قد خسروا أنفسهم وأهليهم لمّا صاروا إلى النيران ، وحرموا الجنان ، فيا لها من خسارة ألزمتهم عذاب الأبد ، وحرمتهم نعيم الأبد» ...» (١).

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٠٥ ، ح ٩٥ و ٩٦.

٨٢

س ٢٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٨) [البقرة : ٢٨]؟!

الجواب / قال الإمام العسكريّ أبو محمد عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكفّار قريش واليهود : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) الذي دلّكم على طريق الهدى ، وجنّبكم ـ إن أطعتموه ـ سبيل الرّدى. (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم ، (فَأَحْياكُمْ) أخرجكم أحياء (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) في هذه الدنيا ويقبركم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) في القبور ، وينعّم فيها المؤمنين بنبوّة محمّد وولاية علي عليه‌السلام ويعذّب الكافرين فيها.

(ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) في الآخرة بأن تموتوا في القبور بعد ، ثمّ تحيوا للبعث يوم القيامة ، ترجعون إلى ما قد وعدكم من الثواب على الطاعات إن كنتم فاعليها ، ومن العقاب على المعاصي إن كنتم مقارفيها ـ أي مخالطيها» (١).

س ٢٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

[سورة البقرة (٢) : آية ٢٩]

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٢٩) [البقرة : ٢٩]؟!

الجواب / قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً). هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا لتعتبروا به ، ولتتوصّلوا به إلى رضوانه ، وتتوقوا به من عذاب نيرانه. (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أخذ في خلقها وإتقانها (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ولعلمه بكلّ

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢١٠ ، ح ٩٧.

٨٣

شيء ـ علم المصالح ـ فخلق لكم ما في الأرض لمصالحكم ، يا بني آدم» (١).

س ٢٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (٣٣) [البقرة : ٣٠ ـ ٣٣]؟!

الجواب / قال الإمام أبو محمد العسكريّ عليه‌السلام : «لمّا قيل لهم : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (٢) الآية ، قالوا : متى كان هذا؟ فقال الله عزوجل ـ حين قال ربّك للملائكة الذين في الأرض [مع إبليس ، وقد طردوا عنها الجنّ بني الجان ، وخفّت العبادة] ـ : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) بدلا منكم ورافعكم منها ، فاشتدّ ذلك عليهم ، لأنّ العبادة عند رجوعهم إلى السماء تكون أثقل عليهم.

(قالُوا) ربّنا (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) وكما فعلته الجنّ بنو الجانّ ، الذين قد طردناهم عن هذه الأرض (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) ننزّهك عمّا لا يليق بك من الصفات (وَنُقَدِّسُ لَكَ) نطهّر أرضك ممّن يعصيك.

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ١٤٥ ، ح ١١٦.

(٢) البقرة : ٢٩.

٨٤

قال الله تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) إنّي أعلم من الصلاح الكائن فيمن أجعله بدلا منكم ما لا تعلمون ، وأعلم أيضا أنّ فيكم من هو كافر في باطنه لا تعلمونه ، وهو إبليس لعنه الله.

ثم قال : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) أسماء أنبياء الله ، وأسماء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلي ، وفاطمة والحسن والحسين ، والطيّبين من آلهما ، وأسماء رجال من شيعتهم ، وعتاة أعدائهم. (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) عرض محمّدا وعليّا والأئمّة (عَلَى الْمَلائِكَةِ) ، أي عرض أشباحهم وهم أنوار في الأظلّة (فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) إن جميعكم تسبّحون وتقدّسون ، وأن ترككم ها هنا أصلح من إيراد من بعدكم ، أي فكما لم تعرفوا غيب من في خلالكم ، فالحريّ ـ أي الجدير ـ أن لا تعرفوا الغيب إذا لم يكن ، كما لا تعرفون أسماء أشخاص ترونها.

قالت الملائكة : (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) بكلّ شيء (الْحَكِيمُ) المصيب في كلّ فعل.

قال الله عزوجل : يا آدم أنبىء هؤلاء الملائكة بأسمائهم وأسماء الأنبياء والأئمّة ، فلمّا أنبأهم فعرفوها ، أخذ عليهم العهد والميثاق بالإيمان بهم ، والتفضيل لهم.

قال الله تعالى عند ذلك : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) وما كان يعتقده إبليس من الإباء على آدم إن أمر بطاعته وإهلاكه إن سلّط عليه ، ومن اعتقادكم أنّه لا أحد يأتي بعدكم إلّا وأنتم أفضل منه ، بل محمّد وآله الطيّبين أفضل منكم ، الذين أنبأكم آدم بأسمائهم» (١).

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢١٦ ، ح ١٠٠.

٨٥

س ٢٥ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٣٤) [البقرة : ٣٤]؟!

الجواب / قال عليّ بن جعفر : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : «لمّا رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تيما وعديّا وبني أميّة يركبون منبره أفظعه ـ أي هاله ـ ، فأنزل الله تبارك وتعالى قرآنا يتأسّى به : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى). ثم أوحى إليه : يا محمّد ، إنّي أمرت فلم أطع ، فلا تجزع أنت [إذا] أمرت فلم تطع في وصيّك» (١).

س ٢٦ : ما اسم إبليس؟ ولماذا سمي بهذا الاسم؟!

الجواب / قال الإمام الرضا عليه‌السلام : «إن اسم إبليس (الحارث) ، وإنّما قول الله عزوجل (يا إِبْلِيسُ) (٢) يا عاصي ، وسمّي إبليس لأنّه أبليس من رحمة الله» (٣).

س ٢٧ : هل كان إبليس من الملائكة؟!

الجواب / قال جميل بن درّاج ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن إبليس ، أكان من الملائكة ، أو هل كان يلي شيئا من أمر السماء؟

قال : «لم يكن من الملائكة ، ولم يكن يلي شيئا من أمر السّماء ، وكان من الجنّ ، وكان مع الملائكة ، وكانت الملائكة ترى أنّه منها ، وكان الله يعلم أنّه ليس منها ، فلمّا أمر بالسّجود كان منه الذي كان» (٤).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٣ ، ح ٧٣.

(٢) الحجر : ٣٢.

(٣) معاني الأخبار : ص ١٣٨ ، ح ١.

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٤ ، ح ١٦.

٨٦

س ٢٨ : هل كان السجود لله أم لآدم؟!

الجواب / جاء في «عيون الأخبار» عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : «كان سجودهم لله تعالى عبودية ، ولآدم إكرام وطاعة ، لكوننا في صلبه» (١).

س ٢٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٣٦) [البقرة : ٣٥ ـ ٣٦]؟!

الجواب / قال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : «إن الله عزوجل لمّا لعن إبليس بإبائه ، وأكرم الملائكة بسجودها لآدم ، وطاعتهم لله عزوجل ، أمر بآدم وحوّاء إلى الجنّة ، وقال : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها) من الجنة (رَغَداً) واسعا (حَيْثُ شِئْتُما) بلا تعب (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) شجرة العلم ، شجرة علم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) الذين آثرهم الله عزوجل بها دون خلقه.

فقال تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) شجرة العلم ، فإنّها لمحمد وآله خاصّة دون غيرهم ، ولا يتناول منها بأمر الله إلا هم ، ومنها ما كان يتناوله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام بعد إطعامهم اليتيم والمسكين والأسير ، حتى لم يحسّوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب.

__________________

(١) نور الثقلين : ج ١ ، ص ٥٨.

٨٧

وهي شجرة تميّزت بين أشجار الجنّة إنّ سائر أشجار الجنّة كان كلّ نوع منها يحمل نوعا من الثمار والمأكول ، وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البرّ ـ القمح ـ والعنب والتين والعنّاب (١) وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة ، فلذلك اختلف الحاكون لذكر الشجرة ، فقال بعضهم : هي برّة ، وقال آخرون : هي عنبة ، وقال آخرون : هي تينة ، وقال آخرون : هي عنّابة.

قال الله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) تلتمسان بذلك درجة محمّد وآل محمّد وفضلهم ، فإنّ الله تعالى خصّهم بهذه الدرجة دون غيرهم ، وهي الشجرة التي من تناول منها بإذن الله ألهم علم الأوّلين والآخرين من غير تعلّم ، ومن تناول منها بغير إذن خاب من مراده وعصى ربّه. (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) بمعصيتكما والتماسكما درجة قد أثر بها غير كما ـ كما أردتما ـ بغير حكم الله تعالى.

قال الله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) عن الجنّة ، بوسوسته وخديعته وإيهامه وغروره ، بأن بدأ بآدم فقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) (٢) ، إنّ تناولتما منها تعلمان الغيب ، وتقدران على ما يقدر عليه من خصّه الله تعالى بالقدرة (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٣) لا تموتان أبدا.

(وَقاسَمَهُما)(٤) حلف لهما (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(٥) وكان إبليس بين

__________________

(١) العنّاب : شجر شائك من الفصيلة السدريّة ، يبلغ ارتفاعه ستّة أمتار ، ويطلق العنّاب على ثمرة أيضا ، وهو أحمر حلو لذيذ الطعم على شكل ثمرة النبق. «المعجم الوسيط ـ عنب ـ ٢ : ٦٣٠».

(٢) الأعراف : ٢٠.

(٣) الأعراف : ٢٠.

(٤) الأعراف : ٢١.

(٥) الأعراف : ٢١.

٨٨

لحيي (١) الحيّة أدخلته الجنّة ، وكان آدم يظنّ أن الحيّة هي التي تخاطبه ، ولم يعلم أنّ إبليس قد اختفى بين لحييها.

فردّ آدم على الحيّة : أيتها الحيّة ، هذا من غرور إبليس لعنه الله ، كيف يخوننا ربّنا؟ أم كيف تعظّمين الله بالقسم به وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر وهو أكرم الأكرمين ، أم كيف أروم التوصّل إلى ما منعني منه ربّي عزوجل ، وأتعاطاه بغير حكمه؟!

فلمّا يئس إبليس من قبول أمره منه ، عاد ثانية بين لحيي الحيّة فخاطب حواء من حيث يوهمها أنّ الحية هي التي تخاطبها ، وقال : يا حوّاء ، أرأيت هذه الشجرة التي كان الله عزوجل حرّمها عليكما ، قد أحلّها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما ، وتوقير كما إيّاه؟ وذلك أن الملائكة الموكّلين بالشجرة ـ التي معها الحراب ، يدفعون عنها سائر حيوان الجنّة ـ لا تدفعك عنها ، إن رمتها ـ أي طلبتها ـ ، فأعلمي بذلك أنّه قد أحلّ لك ، وأبشري بأنّك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلّطة عليه الآمرة الناهية فوقه. فقالت حوّاء : سوف أجرّب هذا. فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها ، فأوحى الله تعالى إليها : إنّما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره ، فأمّا من جعلته متمكّنا مختارا ، فكلوه إلى عقله الذي جعلته حجّة عليه ، فإن أطاع استحق ثوابي ، وإن عصى وخالف أمري استحقّ عقابي وجزائي ، فتركوها ولم يتعرّضوا لها ، بعدما همّوا بمنعها بحرابهم ، فظنّت أن الله تعالى نهاهم عن منعها لأنّه قد أحلّها بعدما حرّمها. فقالت : صدقت الحيّة ، وظنت أنّ المخاطب لها هي الحيّة ، فتناولت منها ولم تنكّر ـ أي تغير ـ

__________________

(١) اللحيّ : عظم الحنك ، واللّحيان : العظمان اللّذان تنبت اللحية على بشرتهما. «مجمع البحرين ـ لحا ـ ج ١ : ٣٧٣».

٨٩

من نفسها شيئا.

فقالت : يا آدم ، ألم تعلم أن الشجرة المحرّمة علينا قد أبيحت لنا؟ تناولت منها فلم يمنعني أملاكها ، ولم أنكّر شيئا من ذلك.

فذلك حين اغترّ آدم وغلط فتناول ، فأصابهما ما قال الله تعالى في كتابه : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما) بوسوسته ، وغروره (مِمَّا كانا فِيهِ) من النعيم (وَقُلْنَا) يا آدم ، ويا حوّاء ، ويا أيتها الحية ، ويا إبليس (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) آدم وحواء وولدهما عدوّ الحيّة ، وإبليس والحيّة وأولادهما أعداؤكم (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) أي منزل ومقرّ للمعاش (وَمَتاعٌ) منفعة (إِلى حِينٍ) الموت» (١).

س ٣٠ : هل أنّ جنة آدم عليه‌السلام من جنات الدنيا أو الأخرة ، ولماذا؟!

الجواب / يبدو أن الجنة التي مكث فيها آدم قبل هبوطه إلى الأرض ، لم تكن الجنة التي وعد بها المتقون ، بل كانت من جنان الدنيا ، فقد روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن جنة آدم ، فقال : «جنّة من جنّات الدّنيا ، يطلع فيها الشمس والقمر ، ولو كان من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا» (٢).

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٢١ ، ح ١٠٣ و ١٠٤.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٤٧ ، ح ٢.

٩٠

س ٣١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٣٨) [البقرة : ٣٧ ـ ٣٨]؟!

الجواب / ورد عدد من الروايات عن طريق أهل البيت عليه‌السلام في تفسير الآيتين نذكر منها :

قال الإمام أبو محمّد العسكري عليه‌السلام : «قال الله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) يقولها ، فقالها (فَتابَ عَلَيْهِ) بها (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوّاب القابل التوب ، الرحيم بالتائبين (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) كان أمر في الأوّل أن يهبطا ، وفي الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعا ، لا يتقدّم أحدهم الآخر. والهبوط إنّما كان هبوط آدم وحوّاء من الجنّة ، وهبوط الحيّة أيضا منها ، فإنّها كانت من أحسن دوابّها ، وهبوط إبليس من حواليها ، فإنّه كان محرّما عليه دخولها.

(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) يأتيكم وأولادكم من بعدكم (مِنِّي هُدىً) يا آدم ، ويا إبليس (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) لا خوف عليهم حين يخاف المخالفون ، ولا يحزنون إذ يحزنون» ... (١).

س ٣٢ : ما هي الكلمات التي تلقاها آدم عليه‌السلام من ربه؟!

الجواب / أختلف في الكلمات التي تلقاها لكن أكثر الروايات تؤكد ما جاء في هذه الرواية عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «إن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه : اللهم بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٢٤ ، ١٠٥ و ١٠٦.

٩١

عليّ ، فتاب الله عليه» (١).

س ٣٣ : ما هو تفسير «الهدى» في الآية السابقة في باطن القرآن؟!

الجواب / قال الإمام الباقر عليه‌السلام : تفسير الهدى عليّ عليه‌السلام ، قال الله فيه : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٢).

س ٣٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٣٩) [البقرة : ٣٩]؟!

الجواب / قال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) الدّالّات على صدق محمد على ما جاء به من أخبار القرون السالفة ، وعلى ما أدّاه إلى عباد الله من ذكر تفضيله لعليّ وآله الطيبين خير الفاضلين والفاضلات ، بعد محمّد سيّد البريّات (أُولئِكَ) الدافعون لصدق محمد في أنبائه ، والمكذّبون له في نصب أوليائه : عليّ سيّد الأوصياء ، والمنتجبين من ذرّيته الطاهرين (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٣).

س ٣٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٤٠) [البقرة : ٤٠]؟!

الجواب / قال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : «قال الله عزوجل :

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٥ / ١.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ / ٤١ / ٢٩.

(٣) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٢٧ ، ح ١٠٦.

٩٢

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) لما بعثت محمدا وأقررته في مدينتكم ، ولم أجشّمكم ـ أي أكلفكم ـ الحطّ والترحال إليه ، وأوضحت علاماته ودلائل صدقه لئلا يشتبه عليكم حاله.

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) الذي أخذته على أسلافكم أنبياؤكم ، وأمروا أن يؤدّوه إلى أخلافهم ، ليؤمننّ بمحمد العربي القرشي الهاشمي ، المبان بالآيات ، والمؤيّد بالمعجزات التي منها : أن كلّمته ذراع مسمومة ، وناطقه ذئب ، وحنّ عليه عود المنبر ، وكثّر الله له القليل من الطعام ، وألان له الصّلب من الأحجار ، وصلّب له المياه السيّالة ، ولم يؤيّد نبيّا من أنبيائه بدلالة إلّا جعل له مثلها أو أفضل منها.

والذي جعل من أكبر أوليائه علي بن أبي طالب عليه‌السلام شقيقه ورفيقه ، عقله في عقله ، وعلمه من علمه ، وحلمه من حلمه ، مؤيّد دينه بسيفه الباتر ، بعد أن قطع معاذير المعاندين بدليله القاهر ، وعلمه الفاضل ، وفضله الكامل.

(أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) الذي أوجبت لكم به نعيم الأبد في دار الكرامة ، ومستقرّ الرّحمة. (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) في مخالفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّي القادر على صرف بلاء من يعاديكم على موافقتي ، وهم الذين لا يقدرون على صرف انتقامي عنكم ، إذا آثرتم مخالفتي» (١).

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) : «بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أوف لكم بالجنّة» (٢).

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٢٧ ، ح ١٠٧.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٧ ، ح ٨٩.

٩٣

س ٣٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (٤١) [البقرة : ٤١]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عزوجل لليهود : (وَآمِنُوا) أيّها اليهود (بِما أَنْزَلْتُ) على محمد من ذكر نبوّته ، وأنباء إمامة أخيه عليّ وعترته الطاهرين (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) فإن مثل هذا الذكر في كتابكم : أنّ محمدا النبيّ سيّد الأوّلين والآخرين ، المؤيّد بسيّد الوصيّين ، وخليفة رسول ربّ العالمين ، فاروق هذه الأمّة ، وباب مدينة الحكمة ، ووصيّ رسول (١) الرحمة. (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي) المنزلة بنبوّة محمد ، وإمامة عليّ والطيّبين من عترته (ثَمَناً قَلِيلاً) بأن تجحدوا نبوّة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمامة الأئمّة عليهم‌السلام ، وتعتاضوا عنها عرض الدنيا ، فإن ذلك ـ وإن كثر ـ إلى نفاد وخسار وبوار ـ أي هلاك ـ.

ثمّ قال عزوجل : (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) في كتمان أمر محمّد وأمر وصيّه ، فإنكم إن تتّقوا لم تقدحوا في نبوّة النبيّ ولا في وصيّة الوصيّ ، بل حجج الله عليكم قائمة ، وبراهينه بذلك واضحة ، قد قطعت معاذيركم ، وأبطلت تمويهكم.

وهؤلاء يهود المدينة جحدوا نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخانوه ، وقالوا : نحن نعلم أنّ محمدا نبيّ ، وأنّ عليا وصيّه ، ولكن لست أنت ذاك ولا هذا ـ يشيرون إلى عليّ ـ فأنطق الله ثيابهم التي عليهم ، وخفافهم التي في أرجلهم ، يقول كلّ واحد منهم للابسه : كذبت يا عدوّ الله ، بل النبيّ محمد هذا ، والوصيّ علي

__________________

(١) وقيل رسول ربّ الرحمة.

٩٤

هذا ، ولو أذن الله لنا لضغطناكم وعقرناكم ـ أي جرحناكم ـ وقتلناكم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله عزوجل يمهلهم لعلمه بأنّه سيخرج من أصلابهم ذريّات طيّبات مؤمنات ، ولو تزيّلوا ـ أي تفرقوا ـ لعذّب [الله] هؤلاء عذابا أليما ، إنّما يعجّل من يخاف الفوت» (١).

س ٣٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٤٣) [البقرة : ٤٢ ـ ٤٣]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «خاطب الله بها قوما من اليهود ألبسوا الحقّ بالباطل بأن زعموا أنّ محمدا نبيّ ، وأنّ عليا وصيّ ، ولكنّهما يأتيان بعد وقتنا هذا بخمسمائة سنة. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أترضون التوراة بيني وبينكم حكما؟ ، فقالوا : بلى. فجاءوا بها ، وجعلوا يقرؤون منها خلاف ما فيها ، فقلب الله عزوجل الطّومار ـ الصحيفة ـ الذي كانوا يقرءون فيه ، وهو في يد قرّاءين منهم ، مع أحدهما أوّله ، ومع الآخر آخره ، فانقلب ثعبانا له رأسان ، وتناول كل رأس منهما يمين من هو في يده ، وجعل يرضّضه ـ أي يدققه ـ ويهشّمه ، ويصيح الرجلان ويصرخان.

وكانت هناك طوامير أخر ، فنطقت وقالت : لا تزالان في العذاب حتى تقرءا ما فيها من صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونبوّته ، وصفة عليّ عليه‌السلام وإمامته على ما أنزل الله تعالى ، فقرأه صحيحا ، وآمنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واعتقدا إمامة علي وليّ الله ووصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال الله عزوجل : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) بأن تقرّوا لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٢٨ ، ح ١٠٨.

٩٥

وعليّ عليه‌السلام من وجه ، وتجحدوهما من وجه ، وبأن (تَكْتُمُوا الْحَقَ) من نبوّة محمد هذا ، وإمامة عليّ هذا (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنكم تكتمونه ، وتكابرون علومكم وعقولكم ، فإن الله ـ إذا كان قد جعل أخباركم حجّة ، ثم جحدتم ـ لم يضيّع هو حجّته ، بل يقيمها من غير جهتكم ، فلا تقدّروا أنّكم تغالبون ربّكم وتقاهرونه.

قال الله عزوجل لهؤلاء : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) قال : أقيموا الصلاة المكتوبة التي جاء بها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأقيموا أيضا الصلاة على محمد وآله الطيّبين الطاهرين الذين علي عليه‌السلام سيّدهم وفاضلهم. (وَآتُوا الزَّكاةَ) من أموالكم إذا وجبت ، ومن أبدانكم إذا لزمت ، ومن معونتكم إذا التمست (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) تواضعوا مع المتواضعين لعظمة الله عزوجل في الانقياد لأولياء الله ، محمد نبيّ الله ، وعليّ وليّ الله ، والأئمّة بعدهما سادة أصفياء الله» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام في قوله (وَآتُوا الزَّكاةَ) : هي الفطرة التي افترض الله على المؤمنين» (٢).

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٣٠ ، ح ١٠٩ و ١١٠.

(٢) تفسير العياشي : ج ٤٢ ، ص ٣٢.

٩٦

س ٣٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٤٤) [البقرة : ٤٤]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال عزوجل لقوم من مردة اليهود ومنافقيهم المحتجبين (١) لأموال الفقراء ، المستأكلين (٢) للأغنياء ، الذين يأمرون بالخير ويتركونه ، وينهون عن الشرّ ويرتكبونه ، قال : يا معاشر اليهود ، (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) بالصدقات وأداء الأمانات (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما به تأمرون (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) التوراة الآمرة بالخيرات والناهية عن المنكرات ، المخبرة عن عقاب المتمرّدين ، و [عن] عظيم الشرف الذي يتطوّل الله به على الطائعين المجتهدين (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما عليكم من عقاب الله عزوجل في أمركم بما به لا تأخذون ، وفي نهيكم عما أنتم فيه منهمكون.

س ٣٩ : أيمكننا معرفة قصة هؤلاء المردة من اليهود؟!

الجواب / نعم ، كان هؤلاء قوم من رؤساء اليهود وعلمائهم احتجبوا أموال الصدقات والمبرّات فأكلوها واقتطعوها ، ثم حضروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد حشروا (٣) عليه عوامهم ، يقولون : إن محمدا تعدّى طوره ، وادّعى ما ليس له.

فجاءوا بأجمعهم إلى حضرته ، وقد اعتقد عامّتهم أن يقعوا برسول الله

__________________

(١) وقيل : المحتجنين. احتجنته : إذا جذبته بالمحجن إلى نفسك ، «الصحح ـ حجن ـ ٥ : ٢٠٩٧». والمحجن كالصولجان.

(٢) يستأكل الضعفاء ، أي يأخذ أموالهم : «الصحاح ـ أكل ـ ٤ : ١٦٢٥».

(٣) حشرت الناس : جمعتهم. «الصحاح ـ حشر ـ ٢ : ٦٣٠».

٩٧

فيقتلوه ، ولو أنه في جماهير أصحابه ، لا يبالون بما آتاهم به الدهر ، فلمّا حضروه وكثروا وكانوا بين يديه ، قال لهم رؤساؤهم ـ وقد واطؤوا عوامّهم على أنهم إذا أفحموا محمّدا وضعوا عليه سيوفهم ، فقال رؤساؤهم ـ : يا محمد ، جئت تزعم أنك رسول ربّ العالمين نظير موسى وسائر الأنبياء المتقدّمين؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمّا قولي : إنّي رسول الله فنعم ، وأمّا أن أقول : إنّي نظير موسى وسائر الأنبياء ، فما أقول هذا ، وما كنت لأصغّر ما عظّمه الله تعالى من قدري ، بل قال ربّي : يا محمّد ، إنّ فضلك على جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين كفضلي ـ وأنا ربّ العزّة ـ على سائر الخلق أجمعين ؛ وكذلك ما قال الله تعالى لموسى لمّا ظنّ أنّه قد فضّله على جميع العالمين. فغلظ ذلك على اليهود ، وهمّوا بقتله ، فذهبوا يسلّون سيوفهم فما منهم أحد إلّا وجد يديه إلى خلفه كالمكتوف ، يابسا لا يقدر أن يحرّكهما وتحيّروا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ورأى ما بهم من الحيرة ـ : لا تجزعوا ، فخير أراده الله بكم ، منعكم من التوثّب (١) على وليّه ، وحبسكم على استماع حججه في نبوّة محمّد ووصيّة أخيه عليّ.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : معاشر اليهود ، هؤلاء رؤساؤكم كافرون ، ولأموالكم محتجبون ، ولحقوقكم باخسون ، ولكم ـ في قسمة من بعد ما اقتطعوه ظالمون ، يخفضون فيرفعون.

فقالت رؤساء اليهود : حدّث عن موضع الحجّة ، أحجّة نبوّتك ووصيّة

__________________

(١) وقيل : الوثوب.

٩٨

عليّ أخيك هذا ، دعواك الأباطيل وإغراؤك قومنا بنا؟ (١).

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، ولكنّ الله عزوجل قد أذن لنبيّه أن يدعو بالأموال التي تختانونها (٢) من هؤلاء الضعفاء ومن يليهم فيحضرها ها هنا بين يديه وكذلك يدعو حساباتكم فيحضرها لديه ، ثم يدعو من واطأتموه على اقتطاع أموال الضعفاء فينطق باقتطاعهم جوارحهم ، وكذلك ينطق باقتطاعكم جوارحكم.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ملائكة ربّي ، أحضروني أصناف الأموال التي اقتطعها هؤلاء الظالمون لعوامّهم ، فإذا الدراهم في الأكياس ، والدنانير والثياب والحيوانات وأصناف الأموال منحدرة عليهم سرحا (٣) حتى استقرّت بين أيديهم.

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : آتوا بحسابات هؤلاء الظالمين الذين خالطوا بها هؤلاء الفقراء ، فإذا الأدراج (٤) تنزل عليهم ، فلمّا استقرّت على الأرض ، قال : خذوها ، فأخذوها فقرءوا فيها : نصيب كلّ قوم كذا وكذا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ملائكة ربّي ، اكتبوا تحت اسم كلّ واحد من هؤلاء ما سرقوا منه وبيّنوه ، فظهرت كتابة بيّنة : لا بل نصيب كلّ واحد كذا وكذا ، فإذا إنّهم قد خانوهم عشرة أمثال ما دفعوا إليهم.

ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ملائكة ربّي ، ميّزوا من هذه الأموال الحاضرة

__________________

(١) أغرى الإنسان غيره بالشيء : حرّضه عليه. «المعجم الوسيط ـ غرا ـ ٢ : ٦٥١».

(٢) خان الشيء : نقصه. «المعجم الوسيط ـ خان ـ ١ : ٢٦٣». وقيل : خنتموها.

(٣) سرحا : أي سهلا سريعا. «لسان العرب ـ سرح ـ ٢ : ٤٧٩» ، وقيل : من حالق ، أي من مكان مشرف. «الصحاح ـ حلق ـ ٤ : ١٤٦٣».

(٤) الدّرج : وهو الذي يكتب فيه. «الصحاح ـ درج ـ ١ : ٣١٤».

٩٩

كل ما فضل ممّا بيّنه هؤلاء الظالمون ، لتؤدّى إلى مستحقّها ، فاضطربت تلك الأموال ، وجعلت تفصل بعضها من بعض حتى تميزت أجزاؤها كما ظهر في الكتاب المكتوب ، وبيّن أنهم سرقوه واقتطعوه ، فدفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى من حضر من عوامّهم نصبهم ، وبعث إلى من غاب فأعطاه ، وأعطى ورثه من قد مات ، وفضح الله اليهود والرؤساء ، وغلب الشّقاء على بعضهم وبعض العوامّ ، ووفّق الله بعضهم.

فقال الرؤساء الذين همّوا بالإسلام : نشهد ـ يا محمّد ـ أنّك النبيّ الأفضل ، وأنّ أخاك هذا هو الوصيّ الأجلّ الأكمل ، فقد فضحنا الله بذنوبنا ، أرأيت إن تبنا وأقلعنا ما ذا تكون حالنا؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذن أنتم رفقائنا في الجنان ، وتكونون في الدنيا في دين الله إخواننا ، ويوسّع الله تعالى أرزاقكم ، وتجدون في مواضع هذه الأموال التي أخذت منكم أضعافا ، وينسى هؤلاء الخلق فضيحتكم حتى لا يذكرها أحد منهم.

فقالوا : إنّا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنّك ـ يا محمّد ـ عبده ورسوله وصفيّه وخليله ، وأنّ عليّا أخوك ووزيرك ، والقيّم بدينك ، والنائب عنك ، والمناضل دونك ، وهو منك بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأنتم المفلحون» (١).

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٣٣ ، ح ١١٤.

١٠٠