التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٤

ومن يبتغ غير عبادة الخالق دينا ، فهو كافر ، والإله هو الخالق.

وقال عكرمة : إن قوما من اليهود قالوا : نحن المسلمون ، فأنزل الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) فأمرهم بالخروج إلى الحج الذي هو من فرض الإسلام ، فقعدوا عنه وبان انسلاخهم من الإسلام ، لمخالفتهم له فأنزل الله تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ).

فالخسران ذهاب رأس المال. ويقال : خسر نفسه أي أهلك نفسه. وقيل خسر عمله أي أبطل عمله بأن أوقعه على وجه يقبح لا يستحق عليه الثواب. وكل واحد منهما خسر لذهاب رأس المال (١).

س ٧٦ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٨٩) [آل عمران : ٨٦ ـ ٨٧ ـ ٨٨ ـ ٨٩]؟!

الجواب / قال الطّبرسي في (مجمع البيان) : في قوله : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) ـ إلى قوله تعالى ـ (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) ، قيل : نزلت الآيات في رجل من الأنصار يقال له : الحارث بن سويد بن الصامت ، وكان قتل المجذّر بن زياد البلويّ غدرا وهرب ، وارتدّ عن الإسلام ، ولحق بمكّة ، ثمّ ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل لي من توبة؟ فسألوا ،

__________________

(١) التبيان : ج ٢ ، الشيخ الطوسي ، ص ٥١٨

٣٦١

فنزلت الآيات إلى قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) فحملها إليه رجل من قومه ، فقال : إنّي لأعلم أنّك لصدوق ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصدق منك ، وأن الله تعالى أصدق الثلاثة. ورجع إلى المدينة ، وتاب وحسن إسلامه. قال الطبرسيّ : وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

س ٧٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) (٩٠) [آل عمران : ٩٠]؟!

الجواب / قال الفيض الكاشاني : إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا كاليهود كفروا بعيسى والإنجيل بعد الإيمان بموسى والتوراة ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن أو كفروا بمحمد بعدما آمنوا به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بالإصرار والعناد والطعن فيه والصد عن الإيمان ونقض الميثاق وكقوم ارتدوا ولحقوا بمكة ثم ازدادوا كفرا بقولهم نتربص بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ريب المنون أو نرجع إليه وننافقه بإظهار التوبة لن تقبل توبتهم لأنها لا تكون عن الإخلاص أو لأنها لا تكون إلا عند اليأس ومعاينة الموت وأولئك هم الضالون الثابتون على الضلال (٢).

س ٧٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٩١) [آل عمران : ٩١]؟!

الجواب / أقول : ١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٢ ، ص ٧٨٩.

(٢) التفسير الصافي : ج ١ ، الفيض الكاشاني : ص ٣٥٤.

٣٦٢

أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ). تخص الآية أولئك الذين يقضون أعمارهم كافرين في هذه الدنيا ، ثم يموتون وهم على تلك الحال.

يقول القرآن ، بعد أن اتّضح لهؤلاء طريق الحقّ ، يسيرون في طريق الطغيان والعصيان ، وهم في الحقيقة ليسوا مسلمين ، ولن يقبل منهم كلّ ما ينفقونه ، وليس أمامهم أيّ طريق للخلاص ، حتى وإن أنفقوا ملء الأرض ذهبا في سبيل الله.

من الواضح أنّ القصد من القول بإنفاق هذا القدر الكبير من الذهب إنّما هو إشارة لى بطلان إنفاقهم مهما كثر ، لأنّه مقرون بتلوّث القلب والروح بالعداء لله ، وإلّا فمن الواضح أنّ ملء الأرض ذهبا يوم القيامة لا يختلف عن ملئها ترابا ، إنّما قصد الآية هو الكناية عن أهميّة الموضوع.

أمّا بشأن مكان هذا الإنفاق ، أفي الدنيا أم في الآخرة؟ فقد ذكر المفسّرون لذلك احتمالين اثنين ، ولكن ظاهر الآية يدلّ على العالم الآخر ، أي كانوا كافرين (وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) ، فلو كانوا يملكون ملء الأرض ذهبا ، وظنّوا أنّهم بالاستفادة من هذا المال ، كما هي الحال في الدنيا ، يستطيعون أن يدرأوا العقاب عن أنفسهم ، فهم على خطأ فاحش ، إذ أنّ هذه الغرامة المالية والفدية ليست قادرة على التأثير في ما سيواجههم من عقاب.

٢ ـ (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) :

لا شك في أنهم سينالون عقابا شديدا مؤلما ، ولن يكون باستطاعة أحد أن ينتظر أو يشفع لهم.

٣٦٣

س ٧٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٩٢) [آل عمران : ٩٢]؟!

الجواب / قال المفضّل بن عمر : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام يوما ومعي شيء فوضعته بين يديه ، فقال : «ما هذا»؟ ، فقلت : هذه صلة مواليك وعبيدك.

قال : فقال لي : «يا مفضّل ، إنّي لا أقبل ذلك ، وما أقبله من حاجة بي إليه ، وما أقبله إلّا ليزكّوا به».

ثمّ قال : «سمعت أبي يقول : من مضت له سنة لم يصلنا من ماله ، قلّ أو كثر ، لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، إلّا أن يعفو الله عنه».

ثمّ قال : «يا مفضّل ، إنّها فريضة ، فرضها الله على شيعتنا في كتابه إذ يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فنحن البرّ والتقوى ، وسبيل الهدى ، وباب التقوى ، ولا يحجب دعاؤنا عن الله ، اقتصروا على حلالكم ، وحرامكم ، فسلوا عنه ، وإيّاكم أن تسألوا أحدا من الفقهاء عمّا لا يعنيكم وعمّا ستر الله عنكم» (١).

س ٨٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٩٣) [آل عمران : ٩٣]؟!

الجواب / ١ ـ قال عبد الله بن أبي يعفور ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله :

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٨٤ ، ح ٨٥.

٣٦٤

(كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ).

قال عليه‌السلام : «إنّ إسرائيل كان إذا أكل لحوم الإبل هيّج عليه وجع الخاصرة ، فحرّم على نفسه لحم الإبل ، وذلك من قبل أن تنزل التوراة ، فلمّا أنزلت التوراة لم يحرّمه ولم يأكله» (١).

٢ ـ قال عليّ بن إبراهيم : إنّ يعقوب كان يصيبه عرق النّسا ، فحرّم على نفسه لحم الجمل ، فقالت اليهود : إنّ لحم الجمل محرّم في التوراة. فقال الله عزوجل لهم : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) إنّما حرّم هذا إسرائيل على نفسه ، ولم يحرّمه على الناس ، وهذا حكاية عن اليهود ولفظه لفظ الخبر (٢).

س ٨١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٩٤)

[آل عمران : ٩٤]؟! وما هو وجه اتصال هذه الآية بما قبلها؟!

الجواب / قال الطبرسي : (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي : فمن افترى الكذب على الله تعالى من بعد قيام الحجة ، وظهور البينة. (فَأُولئِكَ) هم المفترون على الله الكذب ، و (هُمُ الظَّالِمُونَ) لأنفسهم يفعل ما أوجب العقاب عليهم. وإنما قال (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) ، مع أنه يستحق الوعيد بالكذب على الله على كل حال ، لأنه أراد بيان أنه إنما يؤاخذ به بعد إقامة الحجة عليه ، من كذب فيما ليس بمحجوج فيه ، جرى مجرى الصبي الذي لا يستحق الوعيد بكذبه (٣).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٨٤ ، ح ٨٦.

(٢) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ١٠٧.

(٣) مجمع البيان ، ج ٢ ، الشيخ الطبرسي ، ص ٣٤٤.

٣٦٥

أقول النظم : ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنها تفصيل للجملة المتقدمة ، فإنه ذكر الترغيب في الإنفاق من المحبوب والطعام مما يجب ، فرغب فيه ، وذكر حكمه. وقيل : إنه لما تقدم محاجتهم في يعقوب ، وكان فيما أنكروا على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحليل لحم الجزور ، وادعوا تحريمه على يعقوب عليه‌السلام ، وأن ذلك مذكور في التوراة ، فأنزل الله هذه الآية تكذيبا لهم ...

س ٨٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٩٥) [آل عمران : ٩٥]؟!

الجواب / قال الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : «ما أعلم أحدا على ملّة إبراهيم عليه‌السلام إلّا نحن وشيعتنا» (١).

س ٨٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) (٩٦) [آل عمران : ٩٦]؟!

الجواب / قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «لمّا أراد الله عزوجل أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربن وجه الماء حتّى صار موجا ، ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ، ثمّ جعله جبلا من زبد ، ثمّ دحا الأرض من تحته ، وهو قول الله عزوجل : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً)(٢).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٨٥ ، ح ٨٨.

(٢) الكافي : ج ٤ ، ص ١٨٩ ، ح ٧.

٣٦٦

س ٨٤ : ما هي «بكة» وما سبب تسميتها ، وما الفرق بينها وبين «مكة»؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «موضع البيت بكّة ، والقرية مكّة» (١).

٢ ـ قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «إنّما سمّيت مكّة بكّة لأنّها تبكّ بها الرجال والنساء ، والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك ، وعن شمالك ومعك ، ولا بأس بذلك ، إنّما يكره ذلك في سائر البلدان» (٢).

٣ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «مكّة جملة القرية ، وبكّة موضع الحجر الذي يبكّ الناس بعضهم بعضا» (٣).

٤ ـ قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «إنّ بكّة موضع البيت ، وإنّ مكّة جميع ما اكتنفه الحرم» (٤).

س ٨٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) [آل عمران : ٩٧]؟!

الجواب / ١ ـ جواب الإمام الصادق عليه‌السلام على سؤال حول الآيات البيّنات؟ ، قال : «مقام إبراهيم عليه‌السلام حيث قام على الحجر فأثّرت فيه قدماه ، والحجر الأسود ، ومنزل إسماعيل» (٥).

٢ ـ قال الحلبيّ : سألت أبا عبد الله عن قول الله عزوجل : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).

قال عليه‌السلام : «إذا أحدث العبد جناية في غير الحرم ثمّ فرّ إلى الحرم لم

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٣٩٧ ، ج ١ باب ١٣٧.

(٢) نفس المصدر : ص ٣٩٧ ، ح ٤.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٨٧ ، ح ٩٣.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٨٧ ، ح ٩٣.

(٥) الكافي : ج ٤ ، ص ٢٢٣ ، ح ١.

٣٦٧

ينبغ لأحد أن يأخذه في الحرام ، ولكن يمنع من السوق ، ولا يبايع ، ولا يطعم ، ولا يسقى ، ولا يكلّم ، فإنّه إذ فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحدّ في الحرم ، لأنّه لم يرع للحرم حرمة» (١).

٣ ـ قال عبد الخالق الصّيقل ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً). فقال عليه‌السلام : «لقد سألتني عن شيء ، ما سألني أحد إلا من شاء الله».

قال : «من أمّ هذا البيت وهو يعلم أنّه البيت الذي أمره الله عزوجل به ، وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا ، كان آمنا في الدنيا والآخرة» (٢).

٤ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «في قائمنا أهل البيت ، فمن بايعه ، ودخل معه ، ومسح على يده ، ودخل في عقد أصحابه ، كان آمنا» (٣).

٥ ـ قال عليّ بن عبد العزيز : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، قول الله : (آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) وقد يدخله المرجىء والقدري والحروري والزّنديق الذي لا يؤمن بالله؟ قال : «لا ، ولا كرامة».

قلت : فمن جعلت فداك؟ ، قال : «من دخله وهو عارف بحقّنا كما هو عارف له ، خرج من ذنوبه وكفي همّ الدنيا والآخرة» (٤).

س ٨٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٩٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال الإمام الكاظم عليه‌السلام : «إنّ الله عزوجل فرض الحجّ

__________________

(١) الكافي : ج ٤ ، ص ٢٢٦ ، ح ٢.

(٢) الكافي : ج ٤ ، ص ٥٤٥ ، ح ٢٥.

(٣) علل الشرائع : ص ٩١ ، ح ٥.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٩٠ ، ح ١٠٧.

٣٦٨

على أهل الجدّة ـ أي الغنى ـ في كلّ عام ، وذلك قوله عزوجل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ).

قال : قلت : فمن لم يحج منّا فقد كفر؟ ، فقال : «لا ، ولكن من قال : ليس هذا هكذا ، فقد كفر» (١).

٢ ـ سأل حفص الكناسي أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ما يعني بذلك؟

قال عليه‌السلام : «من كان صحيحا في بدنه ، مخلّى سربه ـ أي موسع عليه غير مضيّق عليه ـ ، له زاد وراحلة ، فهو ممّن يستطيع الحجّ ـ أو قال : ممّن كان له مال».

فقال له حفص الكناسيّ : فإذا كان صحيحا في بدنه ، مخلّى سربه ، له زاد وراحلة ، فلم يحجّ ، فهو ممّن يستطيع الحجّ؟ فقال : «نعم» (٢).

٣ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هذه لمن كان عنده مال وصحّة ، وإن كان سوّفه ـ أخره ـ للتجارة فلا يسعه ، فإن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام ، إذ هو يجد ما يحجّ به ، وإن كان دعاه قوم أن يحجّوه فاستحيا فلم يفعل ، فإنه لا يسعه إلّا الخروج ولو على حمار أجدع أبتر».

وعن قوله عزوجل : (وَمَنْ كَفَرَ) ، قال : «يعني : من ترك» (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ٤ ، ص ٢٦٥ ، ح ٥.

(٢) الكافي : ج ٤ ، ص ٢٦٦ ، ح ١.

(٣) التهذيب : ج ٥ ، ص ١٨ ، ح ٥٢.

٣٦٩

س ٨٧ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (١٠٠) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٠١) [آل عمران : ٩٨ ـ ١٠١]؟!

الجواب / أقول : يستفاد من مؤلفات الشيعة والسنة وما ذكروه في سبب نزول هذه الآية أن «شأس بن قيس» وكان شيخا من اليهود (قداس) ، عظيم الكفر ، شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ، مر ذات يوم على نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام ، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد ، لا والله ما لنا معهم ـ إذا اجتمع ملؤهم بها ـ من قرار ، فأمر شابا من يهود كان معه ، فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم ، ثم اذكر يوم «بعاث» وما كان قبله ، وأنشدهم بعض ما كانوا ما يتقاولون فيه من الأشعار.

وكان يوم «بعاث» يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج ، وكان الظفر فيه يومئذ للأوس على الخزرج ، وكان يرأس الأوس يومئذ حضير بن سماك الأسهلي أبو أسيد بن حضير ويرأس الخزرج يومئذ عمرو النعمان البياضي ، فقتلا جميعا.

ففعل ذلك الشاب ما أراده «شأس» فتكلم القوم عند ذلك ، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين ، وتقاولا ، وراح أحدهما يهدد الآخر ،

٣٧٠

وكادت نيران الاقتتال تتأجج بينهم من جديد. فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم ، وقال : «يا معشر المسلمين الله الله ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام ، وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر ، وألف به بين قلوبكم»؟ فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم ، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله «شأس بن قيس» ، فأنزل الله تعالى في (شأس بن قيس) وما صنع ، هذه الآيات الأربعة (١). وقال الحسين الأشقر ، قلت لهشام بن الحكم : ما معنى قولكم : إنّ الإمام لا يكون إلّا معصوما؟

فقال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك. فقال : «المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله ، وقد قال الله تبارك وتعالى : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٢).

س ٨٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٠٢) [آل عمران : ١٠٢]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ)؟

قال عليه‌السلام : «يطاع ولا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر» (٣).

__________________

(١) تفسير الأمثل : ج ٢ ، ص ٤٦٤ ـ ٤٦٥.

(٢) معاني الأخبار : ص ١٣٢ ، ح ٢.

(٣) المحاسن : ص ٢٠٤ ، ح ٥٠ ، كتاب الزهد : ص ١٧ ، ح ٣٧.

٣٧١

٢ ـ قال عبد خير : سألت عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ).

قال عليه‌السلام : «والله ما عمل بها غير أهل بيت رسول الله ، نحن ذكرنا الله فلا ننساه ، ونحن شكرناه فلن نكفره ، ونحن أطعناه فلم نعصه ، فلمّا نزلت هذه الآية ، قالت الصحابة : لا نطيق ذلك. فأنزل الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) قال (وكيع) (١) : ما أطقتم. ثم قال : (وَاسْمَعُوا) ما تؤمرون به (وَأَطِيعُوا)(٢) يعني أطيعوا الله ورسوله وأهل بيته فيما يأمرونكم به (٣).

٣ ـ قال أبو الحسن الأول ـ الكاظم ـ عليه‌السلام للحسين بن خالد : «كيف تقرأهذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ماذا؟».

قال الحسين : مسلمون : فقال عليه‌السلام : «سبحان الله! يوقع عليهم الإيمان فيسمّيهم مؤمنين ، ثمّ يسألهم الإسلام ، والإيمان فوق الإسلام!».

قال الحسين : هكذا تقرأفي قراءة زيد.

قال عليه‌السلام : «إنّما هي في قراءة عليّ عليه‌السلام ، وهي التنزيل الذي نزل به جبرائيل على محمّد صلىّ الله عليه وآله وسلّم (إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ الإمام من بعده» (٤).

__________________

(١) ابن شهر آشوب نقلها عن (تفسير وكيع).

(٢) التغابن : ص ٦٤ ، ح ١٦.

(٣) المناقب : ج ٢ ، ص ١٧٧.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٩٣ ، ح ١١٩.

٣٧٢

س ٨٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٠٣) [آل عمران : ١٠٣]؟!

الجواب / ١ ـ (تفسير الثعلبي) : يرفعه بإسناده إلى جعفر بن محمّد عليهما‌السلام في قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا). قال : «نحن حبل الله الذي قال الله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(١).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَلا تَفَرَّقُوا) : «إنّ الله تبارك وتعالى علم أنّهم سيغرقون بعد نبيهم ويختلفون ، فنهاهم عن التفرّق كما نهى من كان قبلهم ، فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمّد (عليهم الصلاة والسّلام) ولا يتفرّقوا» (٢).

٣ ـ قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) : فإنّها نزلت في الأوس والخزرج ، كانت الحرب بينهم مائة سنة ، لا يضعون السلاح لا بالليل ، ولا بالنهار ، حتّى ولد عليه الأولاد ، فلمّا بعث الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصلح بينهم فدخلوا في الإسلام ، وذهبت العداوة من قلوبهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاروا إخوانا» (٣).

٤ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) ـ بمحمّد ـ هكذا والله نزل بها جبرائيل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٤) ـ أي

__________________

(١) غاية المرام : ص ٢٤٢ ، ح ١ ، العمدة : ص ٢٨٨ ، ح ٤٦٧ ، الصواعق المحرقة : ص ١٥١ ، ينابيع المودة : ١١٩.

(٢) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ١٠٨.

(٣) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ١٠٨.

(٤) الكافي : ج ٨ ، ص ١٨٣ ، ح ٢٠٨.

٣٧٣

بهذا المعنى ـ.

وقال عليه‌السلام : «أبشروا بأعظم المنن عليكم ، قول الله : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) فالإنقاذ من الله هبة ، والله لا يرجع من هبته» (١).

س ٩٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١٠٤) [آل عمران : ١٠٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في هذه الآية ـ «في هذه الآية تكفير أهل القبلة بالمعاصي ، لأنّه من لم يكن يدعو إلى الخيرات ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من المسلمين ، فليس من الأمّة التي وصفها ، لأنّكم تزعمون أنّ جميع المسلمين من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد بدت هذه الآية وقد وصفت أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن لم يوجد فيه الصفة التي وصفت بها ، فكيف يكون من الأمّة وهو على خلاف ما شرطه الله على الأمّة ووصفها به؟!» (٢).

٢ ـ قال الطبرسي ، يروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ولتكن منكم أئمة» : «وكنتم خير أئمّة أخرجت للناس» (٣).

٣ ـ قال مسعدة بن صدقة : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ، وسئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أواجب هو على الأمّة جميعا؟ ، فقال : «لا».

فقيل له : ولم؟ قال : «إنّما هو على القويّ ، المطاع ، العالم بالمعروف

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٩٤ ، ح ١٢٥.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٩٥ ، ح ١٢٧.

(٣) مجمع البيان : ج ٢ ، ص ٨٠٧.

٣٧٤

والمنكر ، لا على الضّعيف الذي لا يهتدي سبيلا إلى أيّ من أيّ ، يقول من الحق إلى الباطل ، والدليل على ذلك كتاب الله عزوجل ، قوله : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فهذا خاصّ غير عام ، كما قال الله عزوجل : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)(١) ولم يقل على أمّة موسى ، ولا على كلّ قومه ، وهم يومئذ أمم مختلفة ، والأمّة واحد فصاعدا ، كما قال الله عزوجل : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ)(٢) يقول : مطيعا لله عزوجل وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوّة له ، ولا عذر ، ولا طاعة».

قال مسعدة ، وسمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : وسئل عن الحديث الذي جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر» ما معناه؟

قال عليه‌السلام : «هذا على أن يأمره بعد معرفته وهو مع ذلك يقبل منه وإلّا فلا» (٣).

س ٩١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٠٥) [آل عمران : ١٠٥]؟!

الجواب / قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام ـ في حديث ـ : «لما خطب أبو بكر قام إليه أبيّ بن كعب ، وكان يوم الجمعة أوّل يوم من شهر رمضان ، وقال : وايم الله ما أهملتم ، لقد نصب لكم علم. يحلّ لكم الحلال ، ويحرّم عليكم الحرام ، ولو أطعتموه ما اختلفتم ، ولا تدابرتم ، ولا تقاتلتم ولا برىء بعضكم من بعض ، فو الله إنّكم بعد لناقضون عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّكم على

__________________

(١) الأعراف : ١٥٩.

(٢) النّحل : ١٢٠.

(٣) الكافي : ج ٥ ، ص ٥٩ ، ح ١٦.

٣٧٥

عترته لمختلفون ، وإن سئل هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه ، فقد أبعدتم ، وتخارستم ، وزعمتم أنّ الخلاف رحمة ، هيهات ، أبى الكتاب ذلك عليكم ، يقول الله تعالى جدّه ـ العظمة ـ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).

ثمّ أخبرنا باختلافكم ، فقال سبحانه : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ)(١).

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يا عليّ ، أنت وشيعتك على الفطرة والناس منها براء. فهلّا قبلتم من نبيّكم ، كيف وهو خبّركم بانتكاصتكم عن وصيّه عليّ ابن أبي طالب وأمينه ، ووزيره ، وأخيه ، ووليّه دونكم أجمعين! وأطهركم قلبا ، وأقدمكم سلما ، وأعظمكم وغيا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أعطاه تراثه ، وأوصاه بعداته ، فاستخلفه على أمّته ، ووضع عنده سرّه ، فهو وليّه دونكم أجمعين ، وأحقّ به منكم أكتعين ـ أي كلكم ـ سيّد الوصيّين ، ووصيّ خاتم المرسلين ، أفضل المتّقين ، وأطوع الأمّة لربّ العالمين ، سلّمتم عليه بإمرة المؤمنين في حياة سيّد النبيّين ، وخاتم المرسلين ، فقد أعذر من أنذر ، وأدّى النصيحة من وعظ ، وبصر من عمى ، فقد سمعتم ما سمعنا ، ورأيتم كما رأينا ، وشهدتم كما شهدنا» (٢).

س ٩٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١٠٧) [آل عمران : ١٠٦ ـ ١٠٧]؟!

الجواب / قال أبو ذرّ (رحمه‌الله) : لمّا نزلت هذه الآية : (يَوْمَ تَبْيَضُ

__________________

(١) هود : ١١٨ ـ ١١٩.

(٢) الاحتجاج : ج ١ ، ص ١١٤.

٣٧٦

وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ترد عليّ أمّتي يوم القيامة على خمس رايات : فراية من عجل هذه الأمّة ، فأسألهم : ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فحرّفناه ونبذناه وراء ظهورنا ، وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه. فأقول : ردوا إلى النار ظماء مظمّئين مسودّة وجوهكم. ثمّ ترد عليّ راية مع فرعون هذه الأمّة ، فأقول لهم : ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه ، وأمّا الأصغر فعاديناه وقاتلناه.

فأقول : ردوا إلى النار ظماء مظمّئين مسودّة وجوهكم. ثمّ ترد عليّ راية مع سامريّ هذه الأمّة ، فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فعصيناه وتركناه ، وأمّا الأصغر فخذلناه وضيّعناه [وصنعنا به كلّ قبيح]. فأقول : ردوا إلى النار ظماء مظمّئين مسودّة وجوهكم. ثمّ ترد عليّ راية ذي الثديّة مع أوّل الخوارج وآخرهم ، فأسألهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فمزّقناه فبرئنا منه ، وأمّا الأصغر فقاتلناه. فأقول : ردوا إلى النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم. ثمّ تردّ عليّ راية مع إمام المتّقين ، وسيد الوصيّين : وقائد الغرّ المحجّلين ، ووصيّ رسول ربّ العالمين. فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فاتّبعناه وأطعناه ، وأمّا الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتّى أهريقت فيهم دماؤنا. فأقول : ردوا إلى الجنّة رواء مرويّين ، مبيضّة وجوهكم» ثمّ تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(١).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٠٩.

٣٧٧

س ٩٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (١٠٩) [آل عمران : ١٠٨ ـ ١٠٩]؟!

الجواب / أقول : هذه الآية إشارة إلى ما تعرضت الآيات السابقة له حول الإيمان والكفر ، والاتحاد ، والاختلاف ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وآثارها وعواقبها ، إذ تقول : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) فكل هذه الآيات تحذيرات عن تلك العواقب السيئة التي تترتب على أفعال الناس أنفسهم (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) وإنما هي آثار سيئة يجنيها الناس بأيديهم. ويدل على ذلك أنّ الله لا يحتاج إلى ظلم أحد ، كيف وهو القوي المالك لكل شيء وإنما يحتاج إلى الظلم فالآية ـ في الحقيقة ـ تشتمل على دليلين على عدم صدور الظلم منه سبحانه :

الأول : إن الله مالك الوجود كله فله ما في السموات وما في الأرض ، فلا معنى للظلم ولا موجب له عنده ، وإنما يظلم الآخرين ، ويعتدي عليهم من يفقد شيئا ، وإلى هذا يشير المقطع الأول من الآية وهو قوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).

الثاني : إن الظلم يمكن صدوره ممن تقع الأمور دون إرادته ورضاه أما من ترجع إليه الأمور جميعا ، وليس لأحد أن يعمل شيئا بدون إذنه فلا يمكن صدور الظلم منه ، وإلى هذا يشير قوله سبحانه : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).

س ٩٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) (١١٠) [آل عمران : ١١٠]؟!

الجواب / قال ابن سنان : قرئت عند أبي عبد الله عليه‌السلام : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ

٣٧٨

أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) الآية ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «خير أمّة يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابني عليّ عليهم‌السلام؟!».

فقال القارىء : جعلت فداك ، كيف نزلت؟ قال : «نزلت (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ألّا ترى مدح الله لهم (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ)؟ (١).

وفي رواية ثانية قال عليه‌السلام : «يعني الأمّة التي وجبت لها دعوة إبراهيم عليه‌السلام ، فهم الأمّة التي بعث الله فيها ومنها وإليها ، وهم الأمّة الوسطى ، وهم خير أمّة أخرجت للناس» (٢).

س ٩٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (١١١) [آل عمران : ١١١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) وعد الله المؤمنين أنهم منصورون ، وأن أهل الكتاب لا يقدرون عليهم ، ولا ينالهم من جهتهم إلا أذى من جهة القول. ثم اختلفوا في هذا القول فقيل : هو كذبهم على الله وتحريفهم كتاب الله. وقيل : هو ما كانوا يسمعون المؤمنين من الكلام المؤذي (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ) أي : وإن يجاوزوا عن الإيذاء باللسان إلى القتال والمحاربة (يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) منهزمين. (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) أي : ثم لا يعانون لكفرهم.

ففي هذه الآية دلالة على صحة نبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوقوع مخبره على وفق خبره ، لأن يهود المدينة من بني قريظة والنضير وبني قينقاع ، ويهود خيبر ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١١٠.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٩٥ ، ح ١٣٠.

٣٧٩

الذين حاربوا النبي والمسلمين ، لم يثبتوا لهم قط ، وانهزموا ولم ينالوا من المسلمين إلا بالسبب والطعن ... (١).

س ٩٦ : ما معنى (بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) و (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) في قوله تعالى :

(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) [آل عمران : ١١٢]؟!

الجواب / قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «حبل من الله : كتاب الله ، وحبل من الناس : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام» (٢).

س ٩٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) [آل عمران : ١١٢]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ وهو يتلو بهذه الآية ـ : «والله ما ضربوهم بأيديهم ، ولا قتلوهم بأسيافهم ولكن سمعوا أحاديثهم وأسرارهم فأذاعوها فأخذوا عليها فقتلوا ، فصار قتلا واعتداء ومعصية» (٣).

س ٩٨ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (١١٥) [آل عمران : ١١٣ ـ ١١٥]؟!

الجواب / يقال : لما أسلم «عبد الله بن سلام» وهو من علماء اليهود ،

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٢ ، الشيخ الطبرسي ، ص ٣٦٥.

(٢) المناقب : ج ٣ ، ص ٧٥.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ١٩٦ ، ح ١٣٢.

٣٨٠