التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٤

س ٤٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٤٦) [البقرة : ٤٥ ـ ٤٦]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عزوجل لسائر اليهود والكافرين والمشركين : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) بالصبر عن الحرام ، وعلى تأدية الأمانات ، وبالصبر عن الرئاسات الباطلة ، وعلى الاعتراف لمحمّد بنبوّته ولعليّ بوصيّته.

واستعينوا بالصبر على خدمتهما ، وخدمة من يأمرانكم بخدمته على استحقاق الرضوان والغفران ودائم نعيم الجنان في جوار الرّحمن ، ومرافقة خيار المؤمنين ، والتمتّع بالنظر إلى عترة محمد سيّد الأوّلين والآخرين ، وعليّ سيّد الوصيّين والسادة الأخيار المنتجبين. فإنّ ذلك أقرّ لعيونكم ، وأتمّ لسروركم ، وأكمل لهدايتكم من سائر نعيم الجنان ، واستعينوا أيضا بالصلوات الخمس ، وبالصلاة على محمد وآله الطيبين سادة الأخيار على قرب الوصول إلى جنّات النعيم.

(وَإِنَّها) أي هذه الفعلة من الصلوات الخمس ، والصلاة على محمد وآله الطيبين مع الانقياد لأوامرهم ، والإيمان بسرّهم وعلانيتهم ، وترك معارضتهم ب (لم وكيف) (لَكَبِيرَةٌ) عظيمة (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) الخائفين من عقاب الله في مخالفته في أعظم فرائضه.

ثمّ وصف الخاشعين فقال : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) الذين يقدّرون أنهم يلقون ربّهم ، اللقاء الذي هو أعظم كراماته لعباده ، وإنما قال : (يَظُنُّونَ) لأنهم لا يدرون بماذا يختم لهم ، والعاقبة مستورة [عنهم] (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) إلى كراماته ونعيم جنانه ، لإيمانهم وخشوعهم ، لا يعلمون

١٠١

ذلك يقينا لأنّهم لا يأمنون أن يغيّروا ويبدّلوا.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة ، لا يتيقّن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزوع روحه ، وظهور ملك الموت له» (١).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ). قال : «الصبر : الصيام».

وقال : «إذا نزلت بالرجل النازلة الشديدة فليصم ، فإن الله عزوجل يقول : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) يعني الصيام» (٢).

س ٤١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٤٨) [البقرة : ٤٧ ـ ٤٨]؟!

الجواب / قال الإمام أبو محمّد العسكري عليه‌السلام : «قال الله عزوجل : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) أن بعثت موسى وهارون إلى أسلافكم بالنبوّة ، فهديناهم إلى نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّه علي عليه‌السلام وإمامة عترته الطيّبين ، وأخذنا عليكم بذلك العهود والمواثيق ، التي إن وافيتم بها كنتم ملوكا في جنان المستحقّين لكراماته ورضوانه.

(وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) هناك ، أي فعلته بأسلافكم ، فضّلتهم

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٣٧ / ١١٥ ـ ١١٧.

(٢) الكافي : ٤ : ٦٣ / ٧.

١٠٢

دينا ودنيا : فأمّا تفضيلهم في الدّين فلقبوا لهم ولاية (١) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و (٢) عليّ وآلهما الطيّبين ، وأما في الدنيا فإني ظلّلت عليهم الغمام ، وأنزلت عليهم المنّ والسّلوى ، وأسقيتهم من حجر ماء عذبا ، وفلقت لهم البحر ، وأنجيتهم ، وأغرقت أعداءهم فرعون وقومه ، وفضّلتهم بذلك على عالمي زمانهم الذين خالفوا طرائقهم ، وحادوا عن سبيلهم.

ثمّ قال الله عزوجل : فإذا كنت قد فعلت هذا بأسلافكم في ذلك الزمان بقبولهم ولاية محمّد (٣) ، فبالحريّ أن أزيدكم فضلا في هذا الزمان ، إن أنتم وفيتم بما أخذ من العهد والميثاق عليكم.

ثمّ قال الله عزوجل : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) لا تدفع عنها عذابا قد استحقته عند النّزع (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) يشفع لها بتأخّر الموت عنها (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) لا يقبل منها فداء مكانه ، يمات ويترك هو فداء :

قال الصادق عليه‌السلام : وهذا اليوم يوم الموت ، فإنّ الشفاعة والفداء لا تغني عنه ، فأمّا في القيامة فإنّا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كلّ جزاء ، ليكوننّ على الأعراف بين الجنّة والنّار محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام والطيبون من آلهم ، فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات ، ممّن كان منهم مقصّرا ، في بعض شدائدها ، فنبعث عليهم خبر شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمّار ونظرائهم في العصر الذي يليهم ، وفي كلّ عصر إلى يوم القيامة ، فينقضّون عليهم كالبزاة (٤) والصقور فيتناولونهم كما تتناول البزاة والصقور

__________________

(١) قيل : نبوّة.

(٢) قيل : وولاية.

(٣) وقيل : ولاية محمد وآله.

(٤) البزاة : جمع بازي ، وهو جنس من الصقور الصغيرة أو المتوسطة الحجم ، ومن أنواعه ؛ الباشق ، والبيدق. «المعجم الوسيط ـ بزا ـ ١ : ٥٥».

١٠٣

صيدها ، فيزفّونهم إلى الجنّة زفّا.

وإنّا لنبعث على آخرين من محبّينا وخيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحبّ ، وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا ، وسيؤتى بالواحد من مقصّري شيعتنا في أعماله ، بعد أن قد حاز الولاية والتقيّة وحقوق إخوانه ، ويوقف بإزائه ما بين مائة وأكثر من ذلك إلى مائة ألف من النصّاب ، فيقال له : هؤلاء فداؤك من النّار ، فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنّة ، وهؤلاء النصّاب النار ، وذلك ما قال الله عزوجل : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)(١) يعني بالولاية (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٢) في الدنيا منقادين للإمامة ، ليجعل مخالفوهم فداءهم من النّار» (٣).

وقال أميّة بن يزيد القرشي : قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما العدل ، يا رسول الله؟ قال : «الفدية». قال : قيل : ما الصرف ، يا رسول الله؟ قال : «التوبة» (٤).

قال مؤلّف هذا الكتاب : لا منافاة بين التفسيرين في بني إسرائيل بحمل أحد التفسيرين على الظاهر ، والآخر على الباطن.

س ٤٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٤٩) [البقرة : ٤٩]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله : واذكروا يا بني إسرائيل (إِذْ نَجَّيْناكُمْ) أنجينا أسلافكم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) وهم الذين كانوا يدنون إليه

__________________

(١) الحجر الآية : ٢.

(٢) الحجر الآية : ٢.

(٣) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٤٠ / ١١٨ و ١١٩.

(٤) معاني الأخبار : ٢٦٥ / ٢.

١٠٤

بقرابته وبدينه ومذهبه (يَسُومُونَكُمْ) يعذّبونكم (سُوءَ الْعَذابِ) شدّة العذاب ، كانوا يحملونه عليكم».

قال : «وكان من عذابهم الشديد أنّه كان فرعون يكلّفهم حمل البناء والطين ، ويخاف أن يهربوا عن العمل ، فأمر بتقييدهم ، فكانوا ينقلون ذلك الطين على السلالم إلى السطوح فربّما سقط الواحد منهم فمات أو زمن (١) ولا يحفلون (٢) بهم ، إلى أن أوحى الله تعالى إلى موسى عليه‌السلام : قل لهم : لا يبتدئون عملا إلّا بالصّلاة على محمّد وآله الطيّبين ليخفّ عليهم ، فكانوا يفعلون ذلك فيخفّف عليهم.

وأمر كلّ من سقط وزمن ، ممّن نسي الصلاة على محمّد وآله ، بأن يقولها على نفسه إن أمكنه ـ أي الصّلاة على محمد وآله ـ أو يقال عليه إن لم يمكنه ، فإنه يقوم ولا يضرّه ذلك ، ففعلوها فسلموا.

(يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) وذلك لما قيل لفرعون : إنّه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده هلاكك ، وزوال ملكك ، فأمر بذبح أبنائهم ، فكانت الواحدة منهنّ تصانع (٣) القوابل عن نفسها لئلّا تنمّ عليها [ويتمّ] حملها ، ثمّ تلقي ولدها في صحراء ، أو غار جبل ، أو مكان غامض ، وتقول عليه عشر مرّات الصلاة على محمد وآله ، فيقيّض (٤) الله له ملكا يربّيه ، ويدرّ من إصبع له لبنا يمصّه ، ومن إصبع طعاما ليّنا يتغذّاه ، إلى أن نشأ بنو إسرائيل ، فكان

__________________

(١) زمن : مرض مرضا يدوم زمانا طويلا ، أو ضعف بكبر سنّ أو مطاولة علّة. «المعجم الوسيط ـ زمن ـ ١ : ٤٠١».

(٢) الحفل : المبالاة ، يقال : ما أحفل بفلان ، أي ما أبالي به. «لسان العرب ـ حفل ـ ١١ : ١٥٩».

(٣) المصانعة : الرشوة. «الصحاح ـ صنع ـ ٣ : ١٢٤٦».

(٤) قيّض الله فلانا لفلان ، أي جاء به وأتاحه له. «الصحاح ـ قيض ـ ٣ : ١١٠٤».

١٠٥

من سلم منهم ونشأ أكثر ممّن قتل.

(وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) يبقونهنّ ويتّخذونهنّ إماء ، فضجّوا إلى موسى عليه‌السلام ، وقالوا : يفترشون (١) بناتنا وأخواتنا؟! فأمر الله البنات كلّما رابهنّ ريب من ذلك صلّين على محمّد وآله الطيبين ، فكان الله يردّ عنهنّ أولئك الرجال ، إمّا بشغل أو بمرض أو زمانة أو لطف من ألطافه ، فلم تفترش منهنّ امرأة ، بل دفع الله عزوجل عنهنّ بصلاتهن على محمد وآله الطيّبين.

ثمّ قال عزوجل : (وَفِي ذلِكُمْ) أي في ذلك الإنجاء الذي أنجاكم منه ربّكم (بَلاءٌ) نعمة (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) كبير.

قال الله عزوجل : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا)(٢) إذ كان البلاء يصرف عن أسلافكم ويخفّف بالصلاة على محمّد وآله الطيّبين ، أفلا تعلمون أنّكم إذا شاهدتموهم وآمنتم بهم كان النعمة عليكم أعظم وأفضل ، وفضل الله لديكم أكثر وأجزل» (٣).

س ٤٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(٥٣) [البقرة : ٥٠ ـ ٥٣]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عزوجل : واذكروا (إِذْ

__________________

(١) افترشه : أي وطئه ، وافترش الرجل المرأة للّذة. «الصحاح ـ فرش ـ ٣ : ١٠١٤» ، «لسان العرب ـ فرش ـ ٦ : ٣٢٧» ، قيل : يفترعون ..

(٢) البقرة : ٤٧.

(٣) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٤٢ / ١٢٠.

١٠٦

فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) فرقا ، ينقطع بعضه من بعض ، (فَأَنْجَيْناكُمْ) هناك وأغرقنا آل فرعون وقومه (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إليهم وهم يغرقون.

وذلك أن موسى عليه‌السلام لما انتهى إلى البحر ، أوحى الله عزوجل إليه : قل لبني إسرائيل : جدّدوا توحيدي ، وأقرّوا بقلوبكم ذكر محمّد سيّد عبيدي وإمائي ، وأعيدوا على أنفسكم الولاية لعليّ أخي محمد وآله الطيّبين ، وقولوا : اللهمّ بجاههم جوّزنا على متن هذا الماء ، فإن الماء يتحوّل لكم أرضا. فقال لهم موسى عليه‌السلام ذلك ، فقالوا : أتورد علينا ما نكره ، وهل فررنا من آل فرعون إلّا من خوف الموت؟! وأنت تقتحم بنا هذا الماء الغمر بهذه الكلمات ، وما يدرينا ما يحدث من هذه علينا؟!

فقال لموسى عليه‌السلام كالب بن يوحنا ـ وهو على دابّة له ، وكان ذلك الخليج أربعة فراسخ ـ : يا نبيّ الله ، أمرك الله بهذا أن نقوله وندخل الماء؟ قال : نعم. قال : وأنت تأمرني به؟ قال : نعم.

فوقف وجدّد على نفسه من توحيد الله ونبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولاية علي عليه‌السلام والطيّبين من آلهما ما أمره به ، ثمّ قال : اللهمّ بجاههم جوّزني على متن هذا الماء ، ثم أقحم فرسه ، فركض على متن الماء ، فإذا الماء تحته كأرض ليّنة حتى بلغ آخر الخليج ، ثمّ عاد راكضا.

ثم قال لبني إسرائيل : يا بني إسرائيل ، أطيعوا موسى فما هذا الدعاء إلّا مفاتيح أبواب الجنان ، ومغاليق أبواب النيران ، ومستنزل الأرزاق ، وجالب على عباد الله وإمائه رضا المهيمن الخلّاق ، فأبوا ، وقالوا : نحن لا نسير إلا على الأرض.

فأوحى الله تعالى إلى موسى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ)(١) وقل : اللهم

__________________

(١) الشعراء : ٦٣.

١٠٧

بجاه محمد وآله الطيبين لمّا فلقته ، ففعل ، فانفلق وظهرت الأرض إلى آخر الخليج.

فقال موسى عليه‌السلام : ادخلوها ، قالوا : الأرض وحلة نخاف أن نرسب (١) فيها.

فقال الله عزوجل : يا موسى ، قل : اللهمّ بحقّ محمد وآله الطيبين جفّفها ، فقالها ، فأرسل الله عليها ريح الصبا (٢) فجفّت. وقال موسى عليه‌السلام : ادخلوها ، قالوا : يا نبيّ الله ، نحن اثنتا عشرة قبيلة ، بنو اثني عشر أبا ، وإن دخلنا رام كلّ فريق منّا تقدّم صاحبه ، ولا نأمن وقوع الشرّ بيننا ، فلو كان لكلّ فريق منّا طريق على حدة لأمنّا ما نخافه.

فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم اثنتي عشرة ضربة في اثني عشر موضعا إلى جانب ذلك الموضع ، ويقول : اللهمّ بجاه محمد وآله الطيّبين بيّن الأرض لنا وأمط (٣) الماء عنّا ، فصار فيه تمام اثني عشر طريقا ، وجفّ قرار الأرض بريح الصبا. فقال : ادخلوها ، قالوا : كلّ فريق منّا يدخل سكّة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين.

فقال الله عزوجل : فاضرب كلّ طود (٤) من الماء بين هذه السكك ، فضرب ، فقال : اللهمّ بجاه محمد وآله الطيّبين لمّا جعلت في هذا الماء طيقانا (٥) واسعة يرى بعضهم بعضا منها ، فحدثت طيقان واسعة يرى بعضهم

__________________

(١) رسب الشيء : ثقل وصار إلى أسفل. «مجمع البحرين ـ رسب ـ ٢ : ٧٠».

(٢) الصبا : ريح ، ومهبّها المستوي أن تهبّ من موضع مطلع الشمس إذ استوى الليل والنهار. «الصحاح ـ صبا ـ ٦ : ٢٣٩٨».

(٣) أماط عنّي الأذى : أي أبعده عني ونحّاه. «مجمع البحرين ـ ميط ـ ٤ : ٢٧٤».

(٤) الطود : الجبل العظيم. «الصحاح ـ طود ـ ٢ : ٥٠٢».

(٥) الطيقان : جمع طاق : وهو ما عطف من الأبنية. «الصحاح ـ طوق ـ ٤ : ١٥١٩».

١٠٨

بعضا منها ، ثمّ دخلوها.

فلمّا بلغوا آخرها جاء فرعون وقومه ، فدخل بعضهم ، فلمّا دخل آخرهم ، وهمّ بالخروج أوّلهم أمر الله تعالى البحر فانطبق عليهم ، فغرقوا ، وأصحاب موسى ينظرون إليهم ، فذلك قوله عزوجل : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إليهم.

قال الله عزوجل لبني إسرائيل في عهد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإذا كان الله تعالى فعل هذا كلّه بأسلافكم لكرامة محمد ، ودعاء موسى ، دعاء تقرب بهم [إلى الله] أفلا تعقلون أن عليكم الإيمان بمحمّد وآله إذ شاهدتموه الآن؟ ثم قال الله عزوجل : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ).

قال الإمام عليه‌السلام : «كان موسى بن عمران عليه‌السلام يقول لبني إسرائيل : إذا فرّج الله عنكم وأهلك أعداءكم أتيتكم بكتاب من ربّكم ، يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وأمثاله.

فلمّا فرج الله عنهم ، أمر الله عزوجل أن يأتي للميعاد ، ويصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل ، وظنّ موسى أنّه بعد ذلك يعطيه الكتاب ، فصام موسى ثلاثين يوما ، فلمّا كان في آخر الأيّام استاك قبل الفطر. فأوحى الله عزوجل إليه : يا موسى ، أما علمت أن خلوف (١) فم الصائم أطيب عندي من رائحة المسك؟ صم عشرا أخر ولا تستك عند الإفطار ، ففعل ذلك موسى عليه‌السلام ، وكان وعد الله أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة ، فأعطاه إيّاه.

فجاء السامريّ فشبّه على مستضعفي بني إسرائيل ، وقال : وعدكم موسى

__________________

(١) الخلوف : رائحة الفم المتغيّرة. «مجمع البحرين ـ خلف ـ ٥ : ٥٣».

١٠٩

أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة ، وهذه عشرون ليلة وعشرون يوما تمّت أربعون ، أخطأ موسى ربّه ، وقد أتاكم ربّكم ، أراد أن يريكم أنّه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه ، وأنّه لم يبعث موسى لحاجة منه إليه ، فأظهر لهم العجل الذي كان عمله ، فقالوا له : كيف يكون العجل إلهنا؟

قال لهم : إنّما هذا العجل مكلّمكم منه ربّكم كما كلّم موسى من الشجرة ، فالإله في العجل كما كان في الشجرة ، فضلّوا بذلك وأضلّوا.

فقال موسى عليه‌السلام : يا أيها العجل ، أكان فيك ربّنا كما يزعم هؤلاء؟ فنطق العجل ، وقال : عزّ ربّنا عن أن يكون العجل حاويا له ، أو شيء من الشجر والأمكنة عليه مشتملا ، ولا له حاويا ، لا ـ والله ، يا موسى ـ ولكنّ السامريّ نصب عجلا مؤخّره إلى الحائط ، وحفر في الجانب الآخر في الأرض ، وأجلس فيه بعض مردته ، فهو الذي وضع فاه على دبره ، وتكلّم لمّا قال : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى)(١) يا موسى بن عمران ، ما خذل هؤلاء بعبادتي واتّخاذي إلها إلا بتهاونهم بالصّلاة على محمد وآله الطيبين ، وجحودهم بموالاتهم ، ونبوّة النبيّ ووصيّة الوصيّ حتى أدّاهم إلى أن اتّخذوني إلها.

قال الله تعالى : فإذا كان الله تعالى إنّما خذل عبدة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد ووصيّه عليّ ، فما تخافون من الخذلان الأكبر في معاندتكم لمحمد وعليّ وقد شاهدتموهما ، وتبيّنتم آياتهما ودلائلهما؟

ثمّ قال الله عزوجل : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي عفونا عن أوائلكم عبادتهم العجل ، لعلكم ـ يا أيها الكائنون في عصر

__________________

(١) طه : ٨٨.

١١٠

محمد من بني إسرائيل ـ تشكرون تلك النعمة على أسلافكم وعليكم بعدهم».

ثم قال عليه‌السلام : «وإنّما عفا الله عزوجل عنهم لأنّهم دعوا الله بمحمّد وآله الطيبين ، وجدّدوا على أنفسهم الولاية لمحمد وعلي وآلهما الطاهرين ، فعند ذلك رحمهم‌الله وعفا عنهم».

ثم قال عزوجل : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) قال : «واذكروا إذ آتينا موسى الكتاب ـ وهو التوراة ـ الذي أخذ على بني إسرائيل الإيمان به ، والانقياد لما يوجبه ، والفرقان آتيناه أيضا ، فرّق به ما بين الحقّ والباطل ، وفرّق ما بين المحقّين والمبطلين.

وذلك أنّه لمّا أكرمهم الله تعالى بالكتاب والإيمان به ، والانقياد له ، أوحى الله بعد ذلك إلى موسى عليه‌السلام : هذا الكتاب قد أقرّوا به ، وقد بقي الفرقان ، فرّق ما بين المؤمنين والكافرين ، والمحقّين والمبطلين ، فجدّد عليهم العهد به ، فإنّي قد آليت على نفسي قسما حقّا لا أتقبل من أحد إيمانا ولا عملا إلا مع الإيمان به.

قال موسى عليه‌السلام : ما هو يا ربّ؟

قال الله عزوجل : يا موسى ، تأخذ على بني إسرائيل أن محمدا خير النبيين وسيّد المرسلين ، وإنّ أخاه ووصيّه عليّ خير الوصيين ، وأنّ أولياءه الذين يقيمهم سادة الخلق ، وأنّ شيعته المنقادين له ، المسلّمين له ولأوامره ونواهيه ولخلفائه ، نجوم الفردوس الأعلى ، وملوك جنّات عدن».

قال : «وأخذ عليهم موسى عليه‌السلام ذلك ، فمنهم من اعتقده حقّا ، ومنهم من أعطاه بلسانه دون قلبه ، فكان المعتقد منهم حقّا يلوح على جبينه نور مبين ، ومن أعطاه بلسانه دون قلبه ليس له ذلك النور ، فذلك الفرقان الذي أعطاه الله عزوجل موسى عليه‌السلام ، وهو فرّق ما بين المحقّين والمبطلين.

١١١

ثمّ قال الله عزوجل : (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي لعلّكم تعلمون أنّ الذي به يشرّف العبد عند الله عزوجل هو اعتقاد الولاية ، كما تشرّف به أسلافكم» (١).

وقال الباقر عليه‌السلام في قوله : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً). «كان في العلم والتقدير ثلاثين ليلة ، ثمّ بدا لله فزاد عشرا ، فتمّ ميقات ربّه الأول والآخر أربعين ليلة» (٢).

س ٤٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٥٤) [البقرة : ٥٤]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عزوجل : واذكروا ، يا بني إسرائيل (إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) عبدة العجل (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) أضررتم بها (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) إلها (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) الذي برأكم وصوّركم (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) بقتل بعضكم بعضا ، يقتل من لم يعبد العجل من عبده (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) أي ذلك القتل خير لكم (عِنْدَ بارِئِكُمْ) من أن تعيشوا في الدنيا وهو لم يغفر لكم ، فتتمّ في الحياة الدنيا حياتكم ، ويكون إلى النّار مصيركم ، وإذا قتلتم وأنتم تائبون جعل الله عزوجل ذلك القتل كفّارة لكم ، وجعل الجنّة منزلكم ومنقلبكم.

قال الله عزوجل : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) قبل توبتكم ، قبل استيفاء القتل لجماعتكم ، وقبل إتيانه على كافّتكم ، وأمهلكم للتوبة ، واستبقاكم للطاعة (إِنَّهُ

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٤٥ / ١٢١ ـ ١٢٣.

(٢) تفسير العيّاشي ١ : ٤٤ / ٤٦.

١١٢

هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(١).

س ٤٥ : أيمكننا معرفة القصة في الآية السابقة؟!

الجواب / نعم ، قال الإمام العسكري عليه‌السلام : لمّا أبطل الله تعالى على يديه أمر العجل ، فأنطقه بالخبر عن تمويه السامري ، وأمر موسى عليه‌السلام أن يقتل من لم يعبده من يعبده ، تبرّأ أكثرهم ، وقالوا : لم نعبده. فقال الله عزوجل لموسى عليه‌السلام : أبرد هذا العجل الذهب بالحديد بردا ، ثم ذرّه في البحر ، فمن شرب ماءه اسودّت شفتاه وأنفه وبان ذنبه ، ففعل ، فبان العابدون للعجل.

وأمر الله تعالى اثني عشر ألفا أن يخرجوا على الباقين شاهرين السيوف يقتلونهم ، ونادى مناديه : ألا لعن الله أحدا أبقاهم بيد أو رجل ، ولعن الله من تأمّل المقتول لعلّه تبيّنه حميما أو قريبا فيتعدّاه إلى الأجنبي ، فاستسلم المقتولون. فقال القاتلون : نحن أعظم مصيبة منهم ، نقتل بأيدينا آباءنا وأبناءنا وإخواننا وقراباتنا ، ونحن لم نعبد ، فقد ساوى بيننا وبينهم في المصيبة.

فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه‌السلام : يا موسى ، إنّي إنّما امتحنتهم بذلك لأنّهم ما اعتزلوهم لمّا عبدوا العجل ، ولم يهجروهم ، ولم يعادوهم على ذلك ، قل لهم : من دعا الله بمحمد وآله الطيّبين يسهّل عليه قتل المستحقّين للقتل بذنوبهم ، فقالوها ، فسهّل الله عليهم ذلك ، ولم يجدوا لقتلهم لهم ألما.

فلمّا استحرّ القتل (٢) فيهم ـ وهم ستّمائة ألف ـ إلّا اثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل ، وفّق الله بعضهم ، فقال لبعضهم ـ والقتل لم يفض (٣) بعد

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٥٤ / ١٢٤.

(٢) أي اشتدّ. «الصحاح ـ حرر ـ ٢ : ٦٢٩».

(٣) الإفضاء : الانتهاء ، وأفضى إليه : وصل. «لسان العرب ـ فضا ـ ١٥ : ١٥٧».

١١٣

إليهم ، فقال ـ : أو ليس قد جعل الله التوسّل بمحمد وآله الطيبين أمرا لا تخيب معه طلبة ، ولا ترد به مسألة؟ وهكذا توسّلت الأنبياء والرسل ، فما لنا لا نتوسّل؟!».

قال : «فاجتمعوا وضجّوا : يا ربّنا ، بجاه محمد الأكرم ، وبجاه عليّ الأفضل الأعظم ، وبحقّ فاطمة الفضلى ، وبجاه الحسن والحسين سبطيّ سيّد المرسلين ، وسيّدي شباب أهل الجنة أجمعين ، وبجاه الذّريّة الطيّبة الطاهرة من آل طه ويس لمّا غفرت لنا ذنوبنا ، وغفرت لنا عقوبتنا ، وأزلت هذا القتل عنّا ، فذاك حين نودي موسى عليه‌السلام : أن كفّ القتل ، فقد سألني بعضهم شيئا ، وأقسم عليّ شيئا ، لو أقسم به هؤلاء العابدون للعجل ، وسألني العصمة لعصمتهم حتى لا يعبدوه ، ولو أقسم عليّ بها إبليس لهديته ، ولو أقسم بها عليّ نمرود أو فرعون لنجّيته.

فرفع عنهم القتل ، فجعلوا يقولون : يا حسرتنا ، أين كنّا عن هذا الدّعاء بمحمّد وآله الطيّبين حتى كان الله يقينا شرّ الفتنة ، ويعصمنا بأفضل العصمة؟!» (١).

س ٤٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥٦) [البقرة : ٥٥ ـ ٥٦]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عزوجل : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) قال أسلافكم (فَأَخَذَتْكُمُ

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٥٤ / ١٢٤.

١١٤

الصَّاعِقَةُ) أخذت أسلافكم الصاعقة (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إليهم (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) بعثنا أسلافكم (مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) من بعد موت أسلافكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي لعلّ أسلافكم يشكرون الحياة التي فيها يتوبون ويقلعون ، وإلى ربهم ينيبون ، لم يدم عليهم ذلك الموت فيكون إلى النّار مصيرهم ، وهم فيها خالدون» (١).

س ٤٧ : أيمكننا معرفة القصة في الآية السابقة؟!

الجواب / نعم ، قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «وذلك أنّ موسى عليه‌السلام لما أراد أن يأخذ عليهم عهد الفرقان ، فرّق ما بين المحقّين والمبطلين لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبوّته ، ولعليّ عليه‌السلام بإمامته ، وللأئمّة الطاهرين بإمامتهم ، قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) أن هذا أمر ربّك (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) عيانا يخبرنا بذلك (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) معاينة ، وهم ينظرون إلى الصاعقة تنزل عليهم.

وقال الله عزوجل له : يا موسى ، إني أنا المكرم أوليائي المصدّقين بأصفيائي ولا أبالي ، وكذلك أنا المعذّب لأعدائي الدافعين لحقوق أصفيائي ولا أبالي.

فقال موسى عليه‌السلام للباقين الذين لم يصعقوا : ماذا تقولون ، تقبلون ، وتعترفون؟ وإلّا فأنتم بهؤلاء لاحقون.

قالوا : يا موسى ، ما حلّ بهم ، لماذا أصابهم؟ كانت الصاعقة ما أصابتهم لأجلك ، إلّا أنها كانت نكبة من نكبات الدهر تصيب البرّ والفاجر ، فإن كانت إنما أصابتهم لردّهم عليك في أمر محمد وعليّ وآلهما ، فاسأل الله ربّك بمحمّد وآله الذين تدعونا إليهم أن يحيي هؤلاء المصعوقين لنسألهم لماذا أصابتهم.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ : ٤٧.

١١٥

فدعا الله عزوجل بهم موسى عليه‌السلام وأحياهم الله عزوجل ، فقال موسى عليه‌السلام : سلوهم لماذا أصابهم؟ فسألوهم ، فقالوا : يا بني إسرائيل ، أصابنا ما أصابنا لإبائنا اعتقاد إمامة عليّ بعد اعتقادنا نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لقد رأينا بعد موتنا هذا ممالك ربّنا من سماواته وحجبه وعرشه وكرسيّه وجنانه ونيرانه ، فما رأينا أنفذ أمرا في جميع تلك الممالك وأعظم سلطانا من محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وإنّا لمّا متنا بهذه الصاعقة ذهب بنا إلى النيران ، فناداهم محمّد وعليّ : كفّوا عن هؤلاء عذابكم ، فهؤلاء يحيون بمسألة سائل يسأل ربّنا عزوجل بنا وبآلنا الطاهرين ، وذلك حين لم يقذفونا في الهاوية وأخّرونا إلى بعثتنا بدعائك ـ يا موسى بن عمران ـ بمحمد وآله الطيّبين.

فقال الله عزوجل لأهل عصر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإذا كان بالدّعاء بمحمّد وآله الطيّبين نشر ظلمة أسلافكم المصعوقين بظلمهم ، أفما يجب عليكم أن لا تتعرّضوا إلى مثل ما هلكوا به إلى أن أحياهم الله عزوجل؟» (١).

س ٤٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٥٧) [البقرة : ٥٧]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عزوجل : (وَ) اذكروا ـ يا بني إسرائيل ـ إذ (ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) لمّا كنتم في التّيه ، يصيبكم حرّ الشّمس وبرد القمر (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَ) الترنجبين (٢) ، كان يسقط على

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٥٦ / ١٢٥.

(٢) الترنجبين : معرّب الترانگبين ، وهو كلّ طلّ ينزل من السماء على شجر أو حجر ، ويحلو وينعقد عسلا ، ويجفّ جفاف الصمغ. «تاج العروس ـ منن ـ ٩ : ٣٥٠».

١١٦

شجرهم فيتناولونه (وَالسَّلْوى) السّماني طير ، أطيب طير لحما ، يسترسل لهم فيصطادونه.

قال الله عزوجل لهم : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) واشكروا نعمتي ، وعظّموا من عظّمته ، ووقّروا من وقّرته ممن أخذت عليكم العهود والمواثيق لهم محمّدا وآله الطيّبين.

قال الله عزوجل : (وَما ظَلَمُونا) لمّا بدّلوا ، وقالوا غير ما به أمروا ، ولم يفوا بما عليه عاهدوا ، لأن كفر الكافر لا يقدح في سلطاننا وممالكنا ، كما أنّ إيمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يضرّون بها بكفرهم وتبديلهم» ... (١).

س ٤٩ : في قوله تعالى : (وَما ظَلَمُونا) هل يظلم الله عزوجل من عباده؟!

الجواب / قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «إنّ الله أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أن يظلم ، ولكنّه خلطنا بنفسه ، فجعل ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته ، حيث يقول : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)(٢) يعني الأئمّة منّا» ... (٣).

س ٥٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) (٥٨) [البقرة : ٥٨]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله تعالى : واذكروا ، يا بني

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٥٧ ، ح ١٢٦.

(٢) المائدة : ٥٥.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ١١٣ ، ح ١١.

١١٧

إسرائيل (إِذْ قُلْنَا) لأسلافكم : (ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) ـ وهي أريحا (١) من بلاد الشّام ، وذلك حين خرجوا من التيه ـ (فَكُلُوا مِنْها) من القرية (حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) واسعا ، بلا تعب ولا نصب (وَادْخُلُوا الْبابَ) باب القرية (سُجَّداً).

مثل الله عزوجل على الباب مثال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ عليه‌السلام وأمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك المثال ، ويجدّدوا على أنفسهم بيعتهما ، وذكر موالاتهما ، وليذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما.

(وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي قولوا : إن سجودنا لله تعالى تعظيما لمثال محمّد وعلي (صلوات الله عليهما) واعتقادنا لولايتهما ، حطّة لذنوبنا ، ومحو لسيّئاتنا.

قال الله تعالى : (نَغْفِرْ لَكُمْ) بهذا الفعل (خَطاياكُمْ) السالفة ، ونزيل عنكم آثامكم الماضية (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) من كان منكم لم يقارف (٢) الذنوب التي قارفها من خالف الولاية ، وثبت على ما أعطى الله من نفسه من عهد الولاية ، فإنّا نزيدهم بهذا الفعل زيادة درجات ومثوبات ، وذلك قوله : (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ)(٣).

س ٥١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٥٩) [البقرة : ٥٩]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عزوجل : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ). لم يسجدوا كما أمروا ، ولا قالوا ما أمروا ،

__________________

(١) أريحا : مدينة بفلسطين.

(٢) قارف فلان الخطيئة : خالطها. «الصحاح ـ قرف ـ ٤ : ١٤١٦».

(٣) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٥٩ ، ح ١٢٧.

١١٨

وظلموا ، ولكن دخلوها مستقبليها بأستاههم (١) ، وقالوا : هطا سمقانا ـ يعني حنطة حمراء نتقوّتها ـ أحبّ إلينا من هذا الفعل ، وهذا القول.

قال الله تعالى : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) غيّروا وبدّلوا ما قيل لهم ، ولم ينقادوا لولاية الله وولاية محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ وآلهما الطيّبين الطاهرين (رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) يخرجون من أمر الله تعالى وطاعته ، والرّجز الذي أصابهم أنّه مات منهم بالطّاعون في بعض يوم مائة وعشرون ألفا ، وهم من علم الله أنّهم لا يؤمنون ولا يتوبون ، ولا ينزل هذا الرّجز على من علم الله أنّه يتوب ، أو يخرج من صلبه ذريّة طيّبة توحّد الله ، وتؤمن بمحمّد ، وتعرف موالاة عليّ وصيّه وأخيه» (٢).

س ٥٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٦٠) [البقرة : ٦٠]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : قال الله عزوجل : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ) «واذكروا ، يا بني إسرائيل (إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ) طلب لهم السقيا ، لما لحقهم من العطش في التيه ، وضجّوا بالبكاء ، وقالوا : هلكنا بالعطش.

فقال موسى : إلهي بحقّ محمد سيّد الأنبياء ، وبحقّ عليّ سيد الأوصياء ، وبحقّ فاطمة سيّدة النساء ، وبحقّ الحسن سيّد الأولياء ، وبحقّ

__________________

(١) الأستاه : جمع است ، وهو العجز. «الصحاح ـ سته ـ ٦ : ٢٢٣٣».

(٢) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٥٩ ، ح ١٢٨.

١١٩

الحسين أفضل الشّهداء ، وبحقّ عترتهم وخلفائهم سادة الأزكياء لمّا سقيت عبادك هؤلاء.

فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) فضربه بها (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) كلّ قبيلة من أولاد يعقوب مشربهم ، فلا يزاحمهم الآخرون في مشربهم.

قال الله عزوجل : (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ) الذي آتاكموه (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) لا تسعوا فيها وأنتم مفسدون عاصون (١).

س ٥٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (٦١) [البقرة : ٦١]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : قال الله عزوجل : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) واذكروا إذ قال أسلافكم : لن نصبر على طعام واحد ، المنّ والسّلوى ، ولا بدّ لنا من خلط معه (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ) موسى (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) يريد أتستدعون الأدنى ليكون لكم بدلا من الأفضل؟ ثمّ قال : (اهْبِطُوا مِصْراً) من الأمصار من هذا التيه (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) في المصر.

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٥٩ / ١٢٩.

١٢٠