التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٤

وعنه عليه‌السلام قال : «خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين حجّ حجّة الوداع ، خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى الشجرة فصلّى ، ثمّ قاد راحلته حتّى أتى البيداء فأحرم منه ، وأهلّ بالحجّ وساق مائة بدنة ، وأحرم الناس كلّهم بالحجّ لا يريدون عمرة ، ولا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكّة طاف بالبيت ، وطاف الناس معه ، ثمّ صلّى عند مقام إبراهيم عليه‌السلام فاستلم الحجر ، ثمّ قال : ابدأ بما بدأ الله به. ثمّ أتى الصّفا فبدأ بها ، ثمّ طاف بين الصّفا والمروة ، فلمّا قضى طوافه ختم بالمروة ، قام يخطب أصحابه ، وأمرهم أن يحلّوا ويجعلوها عمرة وهي شيء أمر الله به ، فأحلّ الناس.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ، لفعلت ما أمرتكم ، ولم يكن يستطيع أن يحلّ من أجل الهدي الذي كان معه ، لأن الله يقول : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ).

فقال سراقة بن جعشم الكنانيّ : يا رسول الله ، علّمنا ديننا ما خلقنا اليوم ، أرأيت لهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكلّ عام؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، بل للأبد» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال الله تعالى في كتابه : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)(٢) فمن عرض له أذى أو وجع ، فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا ، فالصّيام :

__________________

(١) تفسير العياشي : ١ : ٨٩ ، ٢٢٩ و ٢٣٠. (وسوف نورد تكملتها في السؤال القادم) ...

(٢) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كعب بن عجرة والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم ، فقال له : أتؤذيك هو أمّك؟ فقال : نعم ، فأنزلت هذه الآية فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ـ إلى قوله ـ نُسُكٍ فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحلق ، وجعل الصّيام ثلاثة أيام ، والصّدقة على ستة مساكين ، لكلّ مسكين مدّان ، والنسك شاة .. (التهذيب : ج ٥ ، ص ٣٣٣ ، ح ١١٤٧).

٢٤١

ثلاثة أيّام ، والصّدقة : على عشرة مساكين ، شبعهم من الطعام ، والنّسك : شاة يذبحها فيأكل ويطعم ، وإنّما عليه واحد من ذلك» (١).

س ١٦٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) [البقرة : ١٩٦]؟!

الجواب / قد ذكرنا في هامش السؤال السابق أن للرواية تكملة وهي :

فقال : بل للأبد إلى يوم القيامة ـ وشبّك بين أصابعه ـ وأنزل الله في ذلك قرآنا : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)(٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في هذه الآية ـ : «ليكن كبشا سمينا ، فإن لم يجد فعجلا من البقر ، والكبش أفضل ، فإن لم يجد فموجوءا ـ الخصي ـ من الضأن ، وإلّا ما استيسر من الهدي شاة» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ). «ذو الحجّة كلّه من أشهر الحجّ» (٤).

وقال عليه‌السلام : «إذا رجعت إلى أهلك» (٥).

والحديث مرفوع : قال : «كمالها كمال الأضحية» (٦).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ليس لأهل مكّة ، ولا لأهل مرّ ولا لأهل سرف متعة ، وذلك لقول الله عزوجل : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي

__________________

(١) التهذيب : ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٨.

(٢) التهذيب ، ٥ : ٢٥ / ٧٤.

(٣) تفسير العياشي : ١ : ٩١ / ٢٣٥.

(٤) التهذيب ، ٥ : ٢٣٠ / ٧٧٩.

(٥) تفسير العياشي ، ١ : ٩٢ / ٢٣٩.

(٦) الكافي ، ٤ : ٥١٠ / ١٥.

٢٤٢

الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(١).

س ١٦٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (١٩٧) [البقرة : ١٩٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) : «والفرض : التلبية والإشعار والتقليد ، فأي ذلك فعل فقد فرض الحجّ ، ولا يفرض الحجّ إلا في هذه الشهور التي قال الله عزوجل (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ). وهو شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجّة» (٢).

وقال الإمام الكاظم عليه‌السلام : «الرّفث : جماع النساء ، والفسوق : الكذب والمفاخرة والجدال : قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، فمن رفث فعليه بدنة ينحرها ، وإن لم يجد فشاة ، وكفّارة الفسوق يتصدّق به إذا فعله وهو محرم» (٣).

س ١٧٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) (١٩٨) [البقرة : ١٩٨]؟!

الجواب / قال أبو علي الطبرسي : [قيل : كانوا يتأثّمون بالتجارة في

__________________

(١) التهذيب ، ٥ : ٣٢ / ٩٦.

(٢) الكافي ، ٤ : ٢٨٩ / ٢.

(٣) التهذيب ، ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٥.

٢٤٣

الحجّ ، فرفع الله سبحانه بهذه اللّفظة [الإثم] عمّن يتجر في الحج] وفي هذا تصريح بالإذن في التجارة ، قال : وهو المرويّ عن أئمتنا عليهم‌السلام. وقال : وقيل : معناه لا جناح عليكم أن تطلبوا المغفرة من ربّكم. قال : ورواه جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام (١).

س ١٧١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٩٩) [البقرة : ١٩٩]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أولئك قريش ، كانوا يقولون : نحن أولى الناس بالبيت ، ولا يفيضون إلا من المزدلفة ، فأمرهم الله أن يفيضوا من عرفة» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ قريشا كانت تفيض من جمع ، ومضر وربيعة من عرفات» (٣).

وقال عليه‌السلام : ـ الناس ـ «يعني إبراهيم وإسماعيل» (٤).

وقال الباقر عليه‌السلام : «هم أهل اليمن ـ وقيل اليمين ـ» (٥).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٢ ، ٥٢٧.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٩٦ ، ح ٢٦٣.

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٩٧ ، ح ٢٦٧.

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٩٧ ، ح ٢٦٥.

(٥) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٩٨ ، ح ٢٦٩.

٢٤٤

س ١٧٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٢٠٢) [البقرة : ٢٠٠ ـ ٢٠٢]؟!

الجواب / ١ ـ سأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه‌السلام في قول الله : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً). قال : «كان الرجل في الجاهليّة يقول : كان أبي ، وكان أبي ، فأنزلت هذه الآية في ذلك» (١).

٢ ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ). «رضوان الله والجنة في الآخرة ، والسعة في المعيشة وحسن الخلق ـ وقيل الصحبة ـ في الدنيا» (٢).

٣ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) : «معناه أنه يحاسب الخلق دفعة ، كما يرزقهم دفعة» (٣).

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٩٨ ، ح ٢٧٠.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٩٨ ، ح ٢٧٤ وج ١ ، ص ٩٩ ، ح ٢٧٥.

(٣) مجمع البيان : ج ٢ ، ص ٥٣١.

٢٤٥

س ١٧٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٢٠٣) [البقرة : ٢٠٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) : «المعلومات والمعدودات واحدة ، وهي أيّام التشريق» (١).

وسئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) قال : «ليس هو على أنّ ذلك واسع ، إن شاء صنع ذا ، [وإن شاء صنع ذا] ، لكنّه يرجع مغفورا له لا إثم عليه ولا ذنب له» (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام في قوله : (لِمَنِ اتَّقى) : «الصيد ، فإن ابتلي بشيء من الصّيد ففداه ، فليس له أن ينفر في يومين» (٣).

س ١٧٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (٢٠٥) [البقرة : ٢٠٤ ـ ٢٠٥]؟!

الجواب / سأل الحسين بن بشار أبا الحسن عليه‌السلام عن قول الله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا). قال : «فلان وفلان». (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) : «النّسل : هم الذريّة ، والحرث : الزرع» (٤).

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٩٧ ، ٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ، ص ٢٨٩ ، ح ١٤٢٧.

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٠٠ ، ح ٢٨٦.

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٠٠ ، ح ٢٨٧.

٢٤٦

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : «وهو ألد الخصام» ، ألد : أي شديد الخصومة (١).

س ١٧٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) (٢٠٦) [البقرة : ٢٠٦]؟!

الجواب / جاء في تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : (وَإِذا قِيلَ لَهُ) لهذا الذي يعجبك قوله (اتَّقِ اللهَ) ودع سوء صنيعك (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) الذي هو محتقبه ـ أي جامعه ـ ، فيزداد إلى شرّه شرّا ، ويضيف إلى ظلمه ظلما (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) جزاء له على سوء فعله ، وعذابا (وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) يمهّدها ويكون دائما فيها» (٢).

س ١٧٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٢٠٧) [البقرة : ٢٠٧]؟!

الجواب / قال علي بن الحسين عليه‌السلام : «إنّ أوّل من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (٣).

وقال عليه‌السلام : «نزلت في علي عليه‌السلام حين بات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٤). أقول : وقصة المبيت والهجرة معروفة لدى الجميع.

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٠٠ ، ح ٢٨٨.

(٢) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦١٧ / ٣٦٢.

(٣) مناقب الخوارزمي : ٧٤.

(٤) الأمالي : ج ٢ ، ص ٦١.

٢٤٧

س ١٧٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٢٠٨) [البقرة : ٢٠٨]؟!

الجواب / قال الإمام زين العابدين عليه‌السلام : (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) : «في ولاية علي عليه‌السلام (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) ، قال : «لا تتبعوا غيره» ـ وروي عن الصادق عليه‌السلام مثله ـ (١).

س ١٧٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٠٩) [البقرة : ٢٠٩]؟!

الجواب / جاء في تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ قال : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ) عن السّلم والإسلام الذي تمامه باعتقاد ولاية عليّ عليه‌السلام ، ولا ينفع الإقرار بالنبّوة مع جحد إمامة علي عليه‌السلام ، كما لا ينفع الإقرار بالتوحيد مع جحد النبوّة ، إن زللتم (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفضيلته ، وأتتكم الدّلالات الواضحات الباهرات على أنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدالّ على إمامة عليّ عليه‌السلام نبيّ صدق ، ودينه دين حقّ (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) قادر على معاقبة المخالفين لدينه والمكذبين لنبيّه ، لا يقدر أحد على صرف انتقامه من مخالفيه ، وقادر على إثابة الموافقين لدينه والمصدقين لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقدر أحد على صرف ثوابه عن مطيعيه ، حكيم فيما يفعل من ذلك ، غير مسرف على من أطاعه وإن أكثر له الخيرات ، ولا واضع لها في غير موضعها وإن أتمّ له الكرامات ، ولا ظالم لمن عصاه وإن شدّد

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب : ج ٣ ، ص ٩٦.

٢٤٨

عليه العقوبات.

قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : وبهذه الآية وغيرها احتجّ عليّ عليه‌السلام يوم الشّورى على من دافعه عن حقّه ، وأخّره عن رتبته ، وإن كان ما ضرّ الدافع إلّا نفسه ... (١).

س ١٧٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٢١٠) [البقرة : ٢١٠]؟!

الجواب / قال الإمام الرضا عليه‌السلام للحسن بن فضّال عند ما سأله عن قول الله عزوجل : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) : «يقول : هل ينظرون إلّا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام ، وهكذا نزلت» ... (٢).

وقال الإمام الباقر عليه‌السلام لأبي حمزة : «يا أبا حمزة ، كأنّي بقائم أهل بيتي قد علا نجفكم ، فإذا علا فوق نجفكم ، نشر راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا نشرها انحطّت عليه ملائكة بدر». وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّه نازل في قباب من نور ، حين ينزل بظهر الكوفة على الفاروق ، فهذا حين ينزل ، وأمّا (قُضِيَ الْأَمْرُ) : فهو الوسم على الخرطوم يوم يوسم الكافر» (٣).

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٢٧ / ٣٦٦.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٢٥ ، ح ١٩ ، ...

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٠٣ ، ح ٣٠١.

٢٤٩

س ١٨٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢١١) [البقرة : ٢١١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) : «فمنهم من آمن ، ومنهم من جحد ، ومنهم من أقرّ ، ومنهم من أنكر ، ومنهم من يبدّل نعمة الله» (١).

س ١٨١ : من الذي يزين الدنيا في أنظار الكافرين؟ في قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) [البقرة : ٢١٢]؟!

الجواب / أقول : بعض المفسرين يرون أنّ هذه المشتهيات من عمل الشيطان الذي يزيّنها في أعين الناس ، ويستدلّون على ذلك بقوله تعالى : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ)(٢) وأمثالها. إلّا أنّ هذا الاستدلال لا يبدو صحيحا ، لأنّ الكلام في الآية التي نبحث فيها لا تتكلّم عن «الأعمال» ... إنّ التفسير الذي يبدو صحيحا هو أنّ الله هو الذي زيّن للناس ذلك عن طريق الخلق والفطرة والطبيعة الإنسانية.

إنّ الله هو الذي جعل حبّ الدنيا في جبلّة الإنسان لكي يختبره ويسير به في طريق التربية والتكامل ، كما يقول القرآن : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ)(٣)(٤).

__________________

(١) نفس المصدر : ج ١ ، ص ١٠٣ ، ح ٣٠٤.

(٢) النمل : ٢٤.

(٣) الكهف : ٧.

(٤) الأمثل ، المجلد الثاني ، ص ٣٠٥.

٢٥٠

س ١٨٢ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) [البقرة : ٢١٢]؟!

الجواب / قيل : أنّها نزلت في رؤساء قريش الذين بسطت لهم الدنيا ، وكانوا يسخرون من قوم من المؤمنين فقراء مثل عبد الله بن مسعود وعمّار وبلال وخباب ويقولون : لو كان محمد نبيّا لأتّبعه أشرافنا ، فنزلت الآية لتردّ عليهم (١).

س ١٨٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢١٣) [البقرة : ٢١٣]؟!

الجواب / سأل يعقوب بن شعيب أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً).

فقال : «كان [الناس] قبل نوح عليه‌السلام أمّة ضلال ، فبدا الله فبعث المرسلين ، وليس كما يقولون : لم يزل (٢). وكذبوا ، يفرق الله في كلّ ليلة قدر

__________________

(١) الأمثل ، المجلد الثاني ، ص ٣٠٤.

(٢) قوله عليه‌السلام : «وليس كما يقولون : لم يزل» أي ليس الأمر كما يقولون إنّ الله تعالى قدّر الأمور في الأزل ، وقد فرغ منها ، فلا تتغير تقديراته تعالى ، بل لله البداء فيما كتب في لوح المحو والإثبات كما قال تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (الرعد : ٣٩). (مرآة العقول : ٢٥ / ١٨٩).

٢٥١

ما كان من شدّة أو رخاء أو مطر بقدر ما يشاء الله عزوجل أن يقدّر إلى مثلها من قابل» (١).

س ١٨٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (٢١٤) [البقرة : ٢١٤]؟!

الجواب / قال محمد بن سنان : حدّثني المعافى بن إسماعيل ، قال : لمّا قتل الوليد ، خرج من هذه العصابة نفر بحيث أحدّث القوم ، قال : فدخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : «ما الذي أخرجكم عن غير الحج والعمرة؟» قال : فقال القائل منهم : الذي شتّت الله من كلمة أهل الشام ، وقتل خليفتهم ، واختلافهم فيما بينهم.

قال : «ما تجدون أعينكم إليها؟ ـ فأقبل يذكر حالاتهم ـ أليس الرجل منكم يخرج من بيته إلى سوقه فيقضي حوائجه ، ثمّ يرجع ولم تختلف ، إن كان لمن كان قبلكم أتى هو على مثل ما أنتم عليه ، ليأخذ الرجل منهم فيقطع يديه ورجليه ، وينشره بالمناشير ، ويصلب على جذع النّخلة ، ولا يدع ما كان عليه».

ثمّ ترك هذا الكلام ، ثمّ انصرف إلى آية من كتاب الله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ)(٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٨٢ ، ح ٤٠.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٠٥ ، ح ٣١٠.

٢٥٢

س ١٨٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٢١٥) [البقرة : ٢١٥]؟!

الجواب / أقول : يتعرّض القرآن الكريم في آيات عديدة إلى الإنفاق والبذل في سبيل الله ، والله سبحانه حثّ المسلمين بطرق عديدة على الإنفاق وعلى الأخذ بيد الضعفاء ، وهذه الآية تتناول مسألة الإنفاق من جانب آخر ، فثمة سائل عن نوع المال الذي ينفقه ، ولذلك جاء تعبير الآية بهذا الشكل (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ).

وفي الجواب بيّنت الآية نوع الإنفاق ثم تطرّقت أيضا إلى الأشخاص المستحقّين للنفقة ، وسبب نزول الآية [هو (عمرو بن الجموح) شيخ ثريّ سأل رسول الله عمّ ينفق ولمن يعطي؟ فنزلت الآية] ـ يبيّن أنّ السؤال اتّجه إلى معرفة نوع الإنفاق ومستحقّيه.

بشأن المسألة الأولى : ذكرت الآية كلمة «خير» لتبيّن بشكل جامع شامل ما ينبغي أن ينفقه الإنسان ، وهو كلّ عمل ورأسمال وموضوع يشتمل على الخير والفائدة للناس وبذلك يشمل كلّ رأسمال ماديّ ومعنوي مفيد.

وبالنسبة للمسألة الثانية : ـ أي مورد الإنفاق ـ فتذكر الآية أولا الأقربين وتخصّ الوالدين بالذكر ، ثم اليتامى ثم المساكين ، ثم أبناء السبيل ، ومن الواضح أنّ الإنفاق للأقربين ـ إضافة إلى ما يتركه من آثار تترتّب على كلّ إنفاق ـ يوطّد عرى القرابة بين الأفراد. (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).

لعلّ في هذه العبارة من الآية إشارة إلى أنّه يحسن بالمنفقين أن لا يصرّوا على اطّلاع الناس على أعمالهم ، ومن الأفضل أن يسرّوا إنفاقهم تأكيدا لإخلاصهم في العمل ، لأنّ الذي يجازي على الإحسان عليم بكلّ شيء ، ولا يضيع عنده سبحانه عمل عامل من البشر.

٢٥٣

س ١٨٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢١٦) [البقرة : ٢١٦]؟!

الجواب / قال علي عليه‌السلام : «الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول الله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) فإن قامت بالجهاد طائفة من المسلمين وسع سائرهم التخلّف عنه ما لم يحتج الذين يلون الجهاد إلى المدد ، فإن احتاجوا لزم الجميع أن يمدّوهم حتى يكتفوا ، قال الله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً)(١) فإن دهم أمر يحتاج فيه إلى جماعتهم نفروا كلّهم ، قال الله عزوجل : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ)(٢)» (٣).

س ١٨٧ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢١٧) [البقرة : ٢١٧]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : إنّه كان سبب نزولها : إنّه لمّا هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ، بعث السّرايا إلى الطرقات التي تدخل مكّة ،

__________________

(١) التوبة : ١٢٢.

(٢) التوبة : ٤١.

(٣) دعائم الإسلام : ج ١ ، ص ٣٤١.

٢٥٤

تتعرّض لعير ـ القافلة ـ قريش ، حتى بعث عبد الله بن جحش في نفر من أصحابه إلى نخلة ـ وهي بستان بني عامر ـ ليأخذوا عير قريش [حين] أقبلت من الطائف ، عليها الزبيب والأدم والطعام ، فوافوها وقد نزلت العير ، وفيها عمرو بن عبد الله بن جحش وأصحابه ، فزعوا وتهيّئوا للحرب ، وقالوا : هؤلاء أصحاب محمّد ، وأمر عبد الله بن جحش أصحابه أن ينزلوا ويحلقوا رؤوسهم ، فنزلوا وحلّقوا رؤوسهم.

فقال ابن الحضرميّ : هؤلاء قوم عبّاد ليس علينا منهم [بأس] ، فلمّا اطمأنّوا ووضعوا السلاح ، حمل عليهم عبد الله بن جحش ، فقتل ابن الحضرميّ ، وقتل أصحابه ، وأخذوا العير بما فيها ، وساقوها إلى المدينة ، وكان ذلك في أوّل يوم من رجب من أشهر الحرم ، فعزلوا العير وما كان عليها ، ولم ينالوا منها شيئا.

فكتبت قريش إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّك استحللت الشهر الحرام ، وسفكت فيه الدّم ، وأخذت المال ، وكثر القول في هذا ، وجاء أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ، أيحلّ القتل في الشهر الحرام؟ فأنزل الله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).

قال : القتال في الشهر الحرام عظيم ، ولكن الذي فعلت بك قريش ـ يا محمد ـ من الصدّ عن المسجد الحرام ، والكفر بالله ، وإخراجك منه أكبر عند الله ، والفتنة ـ يعني الكفر بالله ـ أكبر من القتل.

ثم أنزلت عليه : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)(١)(٢).

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٤.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٧١.

٢٥٥

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «الفتنة هنا هنا : الشرك» (١).

س ١٨٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢١٨) [البقرة : ٢١٨]؟!

الجواب / أقول : الآية تتصدّى للجواب عن الأسئلة المرتبطة بالجهاد في الأشهر الحرم. القرآن يعلن صراحة حرمة القتال في هذه الأشهر ، ويعتبره من الكبائر ، لكنّه يعلن أنّ المشركين لا يحقّ لهم أن يلوموا ويعيّروا المسلمين لخطأ صدر عنهم بقتل عمرو بن الحضرمي في الأشهر الحرم ، لأنّ هؤلاء المشركين يرتكبون أكبر من ذلك بكفرهم بالله وصدّهم الناس عن الاهتداء إلى سبيل الله ، وإخراج المؤمنين من حرم مكّة وانتهاكهم هذا الحرم الآمن ، وعملهم هذا «فتنة» أي تلويث للجوّ الاجتماعي بالكفر والطغيان ، (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).

ثم تخاطب الآية المسلمين لتوضّح لهم حقيقة المشاعر التي تكنّها جبهة الكفر تجاه المسلمين ، هذه الجبهة التي تعترض اليوم لمقتل شخص واحد في غير الوقت المناسب ، تودّ أن تذبح المؤمنين حتى يرتدّوا عن دينهم.

(وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا).

وتحذّر الآية بعد ذلك المسلمين من الارتداد ، لأنّ ذلك يبطل كلّ ما قدّمه الفرد من عمل صالح وبذلك يستحقّ العذاب الأبدي.

والآية التالية تشير إلى أنّ المؤمنين المجاهدين قد يرتكبون خطأ على أثر جهلهم أو عدم اطّلاعهم التامّ على مسألة من المسائل ـ كما صدر عن عبد الله

__________________

(١) نهج البيان (مخطوط) : ج ١ ، ص ٥٢.

٢٥٦

بن جحش عند ما قتل الحضرمي في شهر رجب ـ لكن الله يغفر لهم زلّتهم لما بذلوه من خدمات كبرى وجهود صادقة (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

س ١٨٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)(٢١٩) [البقرة : ٢١٩]؟!

الجواب / كتب إبراهيم بن عنبسة إلى الإمام علي بن محمد الهادي عليه‌السلام ـ : إن رأى سيّدي ومولاي أن يخبرني عن قول الله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) الآية ، فما الميسر ، جعلت فداك؟ فكتب : «كلّ ما قومر به الميسر ، وكلّ مسكر حرام» (١).

ووردت عدة روايات في قول الله عزوجل : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) منها :

١ ـ قال الصادق عليه‌السلام : «العفو : الوسط» (٢) ـ من غير إسراف ولا إقتار (٣).

٢ ـ قال الباقر أو الصادق عليهما‌السلام : «الكفاف». وفي رواية أبي بصير : «القصد» (٤).

٣ ـ قال الباقر عليه‌السلام : «العفو : ما فضل عن قوت السنة» (٥).

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٠٥ ، ح ٣١١.

(٢) نفس المصدر ، ج ١ ، ص ١٠٦ ، ح ٣١٤.

(٣) مجمع البيان : ج ٢ ، ص ٥٥٨.

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٠٦ ، ح ٣١٦ و ٣١٧.

(٥) مجمع البيان : ج ٢ ، ص ٥٥٨.

٢٥٧

س ١٩٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٢٠) [البقرة : ٢٢٠]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أنه لما نزلت : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(١) خرج كلّ من كان عنده يتيم ، وسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إخراجهم ، فأنزل الله تعالى (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)(٢).

وسأل سماعة أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ).

قال عليه‌السلام : «يعني اليتامى ، إذا كان الرجل يلي الأيتام في حجرة فليخرج من ماله على قدر ما يحتاج إليه ، على قدر ما يخرجه لكلّ إنسان منهم ، فيخالطوهم ، ويأكلون جميعا ، ولا يرزآن (٣) من أموالهم شيئا ، إنّما هي النار» (٤).

__________________

(١) النساء : ١٠.

(٢) تفسير القمي ، ج ١ ، ص ٧٢.

(٣) ما رزأ منه شيئا : أي ما نقص ولا أخذ منه شيئا (النهاية : ٢ : ٢١٨).

(٤) التهذيب : ج ٦ ، ص ٣٤٠ ، ح ٩٤٩.

٢٥٨

س ١٩١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٢٢١) [البقرة : ٢٢١]؟!

الجواب / قال الحسن بن الجهم ، قال لي أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : «يا أبا محمّد ما تقول في رجل يتزوج نصرانية على مسلمة؟».

قلت : جعلت فداك ، وما قولي بين يديك؟! قال : «لتقولن فإنّ ذلك تعلم به قولي».

قلت : لا يجوز تزوّج نصرانية على مسلمة ، وعلى غير مسلمة. قال : «ولم؟».

قلت : لقول الله عزوجل : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ).

قال : «فما تقول في هذه الآية : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(١).

قلت : فقوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) نسخت هذه الآية ، فتبسّم ثمّ سكت (٢).

__________________

(١) المائدة : ٥.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٥٧ ، ح ٦.

٢٥٩

س ١٩٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢) نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٢٣) [البقرة : ٢٢٢ ـ ٢٢٣]؟!

الجواب / ١ ـ قال عمر بن يزيد ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما للرجل من الحائض؟ قال : «ما بين أليتيها ، ولا يوقب» (١).

أقول : وهذا معنى : (لا تَقْرَبُوهُنَ).

٢ ـ سئل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه‌السلام ، في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيّامها.

قال : «إذا أصاب زوجها شبق ، فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسها ـ إن شاء ـ قبل أن تغتسل» (٢).

أقول : وهذا معنى «حتى يطهرن».

٣ ـ سأل عبد الله بن أبي يعفور الإمام الصادق عليه‌السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها. قال عليه‌السلام : «لا بأس ، إذا رضيت».

قال عبد الله : فأين قول الله : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)؟

قال عليه‌السلام : «هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله ، إنّ الله تعالى يقول : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(٣).

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ١٥٥ ، ح ٤٤٣.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٥٣٩ ، ح ١.

(٣) التهذيب : ج ٧ ، ص ٤١٤ ، ح ١٦٥٧.

٢٦٠