التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٤

رجلا ، فاغتمّوا بذلك ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها)(١).

س ١٣٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٦٨) [آل عمران : ١٦٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : والمعنى بهذا الكلام والقائلون لهذا القول (عبد الله بن أبي بن سلول) وأصحابه من المنافقين قالوه في قتلى يوم أحد من أخوانهم. على (قول جابر بن عبد الله الأنصاري) ...

وقوله : (فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) معناه ادفعوا ، قال الشاعر :

تقول إذا درأت لها وحنيني

أهذا دينه أبدا وديني

فإن قيل : كيف يلزمهم دفع الموت عن أنفسهم بقولهم أنهم لو لم يخرجوا لم يقتلوا؟

قيل : لأن من علم الغيب في السلامة من القتل يجب أن يمكنه أن يدفع عن نفسه الموت فليدفعه ، فهو ، أجدى عليه.

فإن قيل : كيف كان هذا القول منهم كذبا مع أنه أخبار على ما جرت به العادة؟

قلنا : لأنهم لا يدرون لعلهم لو لم يخرجوا لدخل المشركون عليهم في ديارهم ، فقتلوهم.

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٠٥ ، ح ١٦٩.

٤٢١

معنى (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : أي محقين في تثبيطكم من الجهاد فرارا من القتل (١).

س ١٣٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١٧٠) [آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هم والله شيعتنا ، إذا دخلوا الجنّة واستقبلوا الكرامة من الله استبشروا بمن لم يلحقوا بهم من إخوانهم من المؤمنين في الدنيا».

(أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) وهو ردّ على من يبطل الثواب والعقاب بعد الموت (٢).

٢ ـ قال بريد العجليّ ، سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

قال : «هم والله شيعتنا حين صارت أرواحهم في الجنّة ، واستقبلوا الكرامة من الله عزوجل ، علموا واستيقنوا أنّهم كانوا على الحقّ وعلى دين الله جلّ ذكره ، فاستبشروا بمنح لم يلحقوا بهم من إخوانهم من خلفهم من المؤمنين (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٣).

__________________

(١) التبيان : ج ٢ ، ص ٤٤.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٢٧.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ١٥٦ ، ح ١٤٦.

٤٢٢

٣ ـ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لأبي بكر يوما : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) وأشهد أنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات شهيدا ، والله ليأتينّك ، فأيقن إذا جاءك ، فإنّ الشيطان غير متخيّل به ، فأخذ عليّ عليه‌السلام بيد أبي بكر فأراه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عليه‌السلام : «يا أبا بكر ، آمن بعليّ وبأحد عشر من ولده ، إنّهم مثلي إلّا النبوّة وتب إلى الله ممّا في يدك فإنّه لا حقّ لك فيه. قال : ثمّ ذهب فلم يره» (١).

٤ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أتى رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّي راغب نشيط في الجهاد في سبيل الله ، قال : فجاهد في سبيل الله ، فإنّك إن تقتل كنت حيّا عند الله ترزق ، وإن متّ فقد وقع أجرك على الله ، وإن رجعت خرجت من الذنوب إلى الله ، هذا تفسير (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً)(٢).

س ١٣٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٧١) [آل عمران : ١٧١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : يعني هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله الذين وصفهم بأنهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ، وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ، فوصفهم ههنا بأنهم يستبشرون بنعمة من الله وفضل. وفضل الله وإن كان هو النعمة قيل في تكراره ههنا قولان :

أحدهما : لأنها ليست نعمة مضيقة على قدر الكفاية من غير مضاعفة السرور واللذة.

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٤٤٨ ، ح ١٣.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٠٦ ، ح ١٧٠.

٤٢٣

والآخر : للتأكيد لتمكين المعنى في النفس ، والمبالغة. والنعمة هي المنفعة التي يستحق بها الشكر إذا كانت خالية من وجود القبح ، لأن المنفعة على ضربين :

١ ـ منفعة اغترار ، وحيلة.

٢ ـ منفعة خالصة من شائب الإساءة.

والنعمة : تعظيم بفعل غير المنعم ، كنعمة الرسول على من دعاه إلى الإسلام فاستجاب له ، لأن دعاءه له نفع من وجهين :

١ ـ حسن النية في دعائه إلى الحق ليستجيب له.

٢ ـ قصده الدعاء إلى حق من يعلم أنه يستجيب له المدعو وإنما يستدل بفعل غير المنعم على موضع النعمة في الجلالة وعظم المنزلة.

وقوله : (وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) وإن كانوا هم علموا ذلك فإنما ذكر الله أنهم يستبشرون بذلك ، لأن ما يعلمونه في دار التكليف يعلمونه بدليل ـ وما يعلمونه بعد الموت يعلمونه ضرورة ، وبينهما فرق واضح ، لأن مع العلم الضروري يتضاعف سرورهم ، ويشتد اغتباطهم (١).

س ١٣٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٢) [آل عمران : ١٧٢]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عليّا عليه‌السلام في عشرة (اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) إلى (أَجْرٌ عَظِيمٌ) إنما نزلت في علي عليه‌السلام» (٢).

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ٤٩.

(٢) شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ١٣٣ / ١٨٤ و ١٨٥.

٤٢٤

وروي عن أبي رافع بطرق كثيرة ، أنّه لمّا انصرف المشركون يوم أحد بلغوا الرّوحاء ، قالوا : لا الكواعب أردفتم ، ولا محمّدا قتلتم ، ارجعوا. فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبعث في آثارهم عليا عليه‌السلام في نفر من الخزرج ، فجعل لا يرتحل المشركون من منزل إلّا نزله عليّ عليه‌السلام فأنزل الله تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ).

وفي خبر أبي رافع : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفل على جراحه ودعا له ، وبعثه خلف المشركين ، فنزلت فيه الآية (١).

س ١٣٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (١٧٤) [آل عمران : ١٧٣ ـ ١٧٤]؟!

الجواب / قال محمد بن عليّ عليهما‌السلام : «لمّا وجّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليه‌السلام وعمّار بن ياسر إلى أهل مكّة قالوا : بعث هذا الصّبيّ ، ولو بعث غيره إلى أهل مكّة ، وفي مكّة صناديد قريش ورجالها؟! والله ، الكفر أولى بنا ممّا نحن فيه ، فساروا ، وقالوا لهما ، وخوّفوهما بأهل مكّة وغلّظوا عليهما الأمر ، فقال عليّ عليه‌السلام : «حسبنا الله ونعم الوكيل».

ومضيا ، فلمّا دخلا مكّة أخبر الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولهم لعليّ عليه‌السلام ، وبقول عليّ عليه‌السلام لهم ، فأنزل الله بأسمائهم في كتابه ، وذلك قول الله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ

__________________

(١) المناقب : ج ٣ ، ص ١٢٥.

٤٢٥

وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) وإنما نزلت : ألم تر إلى فلان وفلان لقوا عليّا وعمّارا فقالا : إنّ أبا سفيان وعبد الله بن عامر وأهل مكّة قد جمعوا لكم فاخشوهم. فزادهم إيمانا ، وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل» (١).

س ١٣٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(١٧٥) [آل عمران : ١٧٥]؟!

الجواب / أقول : هذه الآية تعقيب على الآيات التي نزلت حول غزوة «حمراء الأسد» (٢) ولفظة «ذلكم» إشارة إلى الذين كانوا يخوفون المسلمين من قوة قريش ، وبأس جيشهم لإضعاف معنويات المسلمين. وعلى هذا الأساس يكون معنى هذه الآية هو :

إن عمل نعيم بن مسعود أو ركب عبد القيس من عمل الشيطان لكي يخوفوا به أولياء الشيطان ، يعني أن هذه الوساوس إنما تؤثر في اتباع الشيطان وأوليائه خاصة ، وأما المؤمنون الثابتون خطا فلا تزل أقدامهم لهذه الوساوس مطلقا ولن يرعبوا ولن يخافوا أبدا ، وعلى هذا الأساس فأنتم لستم من أولياء الشيطان ، فلا تخافوا هذه الوساوس ، ويجب أن لا تزلزلكم ، ولا أن تزعزع إيمانكم.

إن التعبير عن نعيم بن مسعود أو ركب عبد القيس ووصفهم ب «الشيطان» إما لكون عملهم ذلك من عمل الشيطان ومستلهم منه ومأخوذ من وحيه ، لأن القرآن يسمي كل عمل قبيح وفعل مخالف للدين بأنه عمل شيطاني لأنه يتم

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٠٦ ، ح ١٧٢.

(٢) بعد معركة أحد التي خص فيها الجرحى والمصابين وهي اسم مكان. (راجع الأمثل : ج ٣ ، ص ٧).

٤٢٦

بوسوسته ، ويصدر عن وحيه إلى أتباعه.

وإما أن المقصود من الشيطان هم نفس هؤلاء الأشخاص ، فيكون «هذا المورد» من الموارد التي يطلق فيها اسم «الشيطان» على المصداق الإنساني له لأن للشيطان معنى وسيعا يشمل كل غاو مضل ، إنسانا كان أم غير إنسان كما نقرأفي سورة : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢].

ثم أنه سبحانه يقول في ختام الآية : (وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعني أن الإيمان بالله والخوف من غيره لا يجتمعان ، وهذا كقوله سبحانه في موضع آخر : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً)(١) ، وعلى هذا الأساس فإن وجد في قلب أحد الخوف من غير الله كان ذلك دليلا على نقصان إيمانه وتأثره بالوساوس الشيطانية لأننا نعلم أنه لا ملجأ ولا مؤثر بالذات في هذا الكون العريض سوى الله الذي ليس لأحد قدرة تضاهي قدرته.

وأساسا لو أن المؤمنين قارنوا وليهم (وهو الله سبحانه) بولي المشركين والمنافقين (الذي هو الشيطان) لعلموا أنهم لا يملكون تجاه الله أية قدرة ، ولهذا لا يخافونهم قيد شعرة.

وخلاصة هذا الكلام ونتيجته هي أن الإيمان أينما كان ، كانت معه الشجاعة والشهامة فهما توأمان لا يفترقان.

س ١٤٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٧٦) [آل عمران : ١٧٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : المعني بقوله (الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي

__________________

(١) الجن : ١٣.

٤٢٧

الْكُفْرِ) ـ المنافقون. وقيل : قوم من العرب ارتدوا عن الإسلام.

فإن قيل : كيف قال : (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) والإرادة لا تتعلق بألا يكون الشيء وإنّما تتعلق بما يصح حدوثه؟ قلنا : عنه جوابان :

١ ـ قال ابن إسحاق : (يُرِيدُ اللهُ) أن يحبط أعمالهم بما استحقوه من المعاصي والكبائر.

٢ ـ إن الله يريد أن يحكم بحرمان ثوابهم الذي عرضوا له بتكليفهم ، وهو الذي يليق بمذهبنا ، لأن الإحباط عندنا ليس بصحيح.

فإن قيل كيف قال : (يُرِيدُ اللهُ) وهذا إخبار عن كونه مريدا في حال الإخبار ، وإرادة الله تعالى لعقابهم تكون يوم القيامة ، وتقديمها على وجه يكون عزما وتوطينا للنفس لا يجوز عليه تعالى؟ قلنا : عنه جوابان :

١ ـ قال أبو علي : معناه أنه سيريد في الآخرة حرمانهم الثواب ، لكفرهم الذي ارتكبوه.

٢ ـ أن الإرادة متعلقة بالحكم بذلك ، وذلك حاصل في حال الخطاب. وقال الحسن : يريد بذلك فيما حكم من عدله.

وقوله : (يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) : أي يبادرون إليه. والسرعة وإن كانت محمودة في كثير من المواضع ، فإنها مذمومة في الكفر. والعجلة مذمومة على كل حال إلا في المبادرة إلى الطاعات. وقيل : إن العجلة هي تقديم الشيء قبل وقته ، وهي مذمومة على كل حال إلا في المبادرة إلى الطاعات. وقيل : إن العجلة هي تقديم الشيء قبل وقته ، وهي مذمومة على كل حال ، والسرعة فعل لم يتأخر فيه شيء عن وقته ، ولا يقدم قبله ، ثم بين تعالى أنهم لمسارعتهم إلى الكفر لا يضرون الله شيئا ، لأن الضرر يستحيل عليه تعالى.

٤٢٨

وإنما يضرون أنفسهم بأن يفوتوا نفوسهم الثواب ، ويستحقوا العظيم من العقاب ، ففي الآية تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما يناله من الغم بإسراع قوم إلى الكفر بأن وبال ذلك عائد عليهم ، ولا يضرون الله شيئا (١).

س ١٤١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٧) [آل عمران : ١٧٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : استأنف الله تعالى بهذه الآية الأخبار بأن من اشترى الكفر بالإيمان بمعنى استبدل الكفر بالإيمان ، ـ وأن تسمية ذلك شراء مجاز ـ لكن لما فعلوا الكفر بدلا من الإيمان شبه ذلك بشراء السلعة بالثمن وبين أن من فعل ذلك لا يضر الله شيئا ، لأن مضرته عائدة عليه وإنما كرر (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) في هذه الآية ، لأنه ذكر في الآية السالفة ـ على طريق العلة ـ لما يجب من التسلية عن المسارعة إلى الضلالة ، وذكر في هذه الآية على وجه العلة لاختصاص المضرة دون المعصى (٢).

س ١٤٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (١٧٨) [آل عمران : ١٧٨]؟!

الجواب / قال محمد بن مسلم قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أخبرني عن الكافر ، الموت خير له أم الحياة؟ فقال : «الموت خير للمؤمن والكافر».

قلت : ولم؟ قال : «لأنّ الله يقول : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ)(٣) ،

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ٥٦.

(٢) التبيان : ج ٣ ، ص ٥٧.

(٣) آل عمران : ١٩٨.

٤٢٩

ويقول : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)(١).

وعن يونس ، رفعه ، قال : قلت له : زوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فلانا؟ قال : «نعم».

قلت : فكيف زوّجه الأخرى؟ قال : «قد فعل ، فأنزل الله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) إلى (عَذابٌ مُهِينٌ)(٢).

س ١٤٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٩) [آل عمران : ١٧٩]؟!

الجواب / قال عجلان أبي صالح (٣) : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لا تمضي الأيّام والليالي حتى ينادي مناد من السماء : يا أهل الحقّ ، اعتزلوا. يا أهل الباطل ، اعتزلوا. فيعزل هؤلاء من هؤلاء».

قال : قلت : أصلحك الله ، يخالط هؤلاء هؤلاء بعد ذلك النداء؟ قال : «كلّا ، إنّه يقول في الكتاب : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(٤).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٠٦ ، ح ١٧٣.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٠٧ ، ح ١٧٤.

(٣) في «س» و «ط» : عجلان بن صالح ، والصواب ما في المتن ، قال السيّد الخوئي : في بعض الموارد عجلان ابن صالح ، لكن الصواب عجلان أبي صالح بقرينة سائر الروايات ، راجع معجم رجال الحديث ١١ : ١٣٣.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٠٧ ، ح ١٧٥.

٤٣٠

س ١٤٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١٨٠) [آل عمران : ١٨٠]؟!

الجواب / قال محمّد بن مسلم ، سألت أبا جعفر عليه‌السلام (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

قال : «ما من عبد منع زكاة ماله إلّا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ، ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب ، وهو قول الله : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ـ قال ـ : ما بخلوا من الزكاة» (١).

س ١٤٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) [آل عمران : ١٨١]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : والله ما رأوا الله فيعلمون أنّه فقير ، ولكنّهم رأوا أولياء الله فقراء ، فقالوا : لو كان الله غنيّا لأغنى أولياءه ، فافتخروا على الله في الغناء (٢).

س ١٤٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [آل عمران : ١٨١ ـ ١٨٢]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في حديث صفة النار ـ «وتقول

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٠٧ ، ح ١٧٦.

(٢) تفسير القمي : ٦٩ (الطبعة الحجرية).

٤٣١

الملائكة» يا معشر الأشقياء ، ادنوا فاشربوا منها ، فإذا أعرضوا عنها ضربتهم الملائكة بالمقامع ، وقيل لهم : (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(١).

وقال الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام : فأما الجبر ، فهو : قول من زعم أن الله عزوجل جبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها ، ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله وكذبه ، ورد عليه قوله : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) وقوله جل ذكره : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(٢) مع أي كثيرة في مثل هذا ، فمن زعم أنه مجبور على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله وظلمه في عقوبته له ، ومن ظلم ربه فقد كذب كتابه ، ومن كذب كتابه لزمه (الكفر) بإجماع الأمة ، فالمثل المضروب في ذلك : مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك إلّا نفسه ، ولا يملك عرضا من عروض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه ، فأمره ـ على علم منه بالمصير ـ إلى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به ، وعلم المالك أن على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن ، وقد وصف به مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة وإظهار الحكمة ونفي الجور ، فأوعد عبده أنه لم يأته بالحاجة يعاقبه ، فلما صار العبد إلى السوق ، وحاول أخذ الحاجة التي بعثه بها ، وجد عليها مانعا يمنعه منها إلا بالثمن ولا يملك العبد ثمنها ، فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجة ، فاغتاظ مولاه لذلك وعاقبه على ذلك ، فإنه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته ، وإن لم يعاقبه كذب نفسه ، أليس يجب أن لا يعاقبه والكذب والظلم ينفيان العدل والحكمة ، تعالى الله عما يقول المجبرة علوا كبيرا ... (٣).

__________________

(١) الاختصاص : ص ٣٦٢.

(٢) الحج : ١٠.

(٣) الاحتجاج : ج ٢ ، ص ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

٤٣٢

س ١٤٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٨٣) [آل عمران : ١٨٣]؟!

الجواب / ١ ـ عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لعن الله القدريّة ، لعن الله الخوارج ، لعن الله المرجئة ، لعن الله المرجئة».

قال : قلت : لعنت هؤلاء مرّة مرّة ، ولعنت هؤلاء مرّتين؟

قال : «إنّ هؤلاء يقولون : إنّ قتلتنا مؤمنون ، فدماؤنا متلطّخة بثيابهم إلى يوم القيامة ، إنّ الله حكى عن قوم في كتابه : (أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ قال ـ : «كان بين القائلين والقاتلين خمسمائة عام ، فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا» (١).

٢ ـ قال سماعة : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قول الله : (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : «وقد علم أنّ هؤلاء لم يقتلوا ، ولكن قد كان هواهم مع الذين قتلوا ، فسمّاهم الله تعالى قاتلين لمتابعة هواهم ورضاهم لذلك الفعل» (٢).

٣ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لمّا نزلت هذه الآية : (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وقد علم أنّهم قالوا : والله ما قتلنا ولا شهدنا ـ قال ـ : وإنّما قيل لهم : ابرءوا من قتلتهم ، فأبوا» (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٠ ، ح ١.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٠٨ ، ح ١٨٠.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٠٩ ، ح ١٨٢.

٤٣٣

٤ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام لمحمد بن الأرقط : «تنزل الكوفة»؟ قلت : نعم. قال : «فترون قتلة الحسين بين أظهركم؟». قال : قلت : جعلت فداك ما رأيت منهم أحدا! قال : «فإذن أنت لا ترى القاتل إلّا من قتل ، أو من ولي القتل ، ألم تسمع إلى قول الله : (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فأيّ رسول قتل الذين كان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أظهرهم ، ولم يكن بينه وبين عيسى عليهما‌السلام رسول؟! إنّما رضوا قتل أولئك فسمّوا قاتلين» (١).

س ١٤٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) (١٨٤) [آل عمران : ١٨٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ) هي الآيات (وَالزُّبُرِ) هو كتب الأنبياء بالنبوّة (وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) الحلال والحرام (٢).

س ١٤٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ) (١٨٥) [آل عمران : ١٨٥]؟!

الجواب / قال جابر بن يزيد : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «ليس من مؤمن إلّا وله قتلة وموتة ، إنّه من قتل نشر حتى يموت ، ومن مات نشر حتى يقتل».

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٠٩ ، ح ١٨٣.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٢٧.

٤٣٤

ثمّ تلوت على أبي جعفر عليه‌السلام هذه الآية : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) فقال : «ومنشورة».

قلت : قولك : «ومنشورة» ما هو؟

قال : «هكذا أنزل بها جبرئيل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل نفس ذائقة الموت ومنشورة» ثمّ قال : «ما في هذه الأمّة أحد برّ ولا فاجر إلّا وينشر ، فأمّا المؤمنون فينشرون إلى قرّة أعينهم ، وأمّا الفجّار فينشرون إلى خزي الله إيّاهم ، ألم تسمع إنّ الله تعالى يقول : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ)(١) ، وقوله : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ)(٢) يعني بذلك محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيامه في الرّجعة ينذر فيها ، وقوله : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَرِ)(٣) يعني محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نذيرا للبشر في الرّجعة ، وقوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(٤) يظهره الله عزوجل في الرّجعة ، وقوله : (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ)(٥) هو عليّ بن أبي طالب إذا رجع في الرّجعة».

قال جابر : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله عزوجل : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٦) قال : هو أنا ، إذا خرجت أنا وشيعتي ، وخرج عثمان وشيعته ، ونقتل بني أميّة فعندها (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٧).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا كان يوم القيامة يدعى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكسى

__________________

(١) السجدة : ٢١.

(٢) المدثر : ١ ـ ٢.

(٣) المدثر : ٣٥ ـ ٣٦.

(٤) التوبة : ٣٣.

(٥) المؤمنون : ٧٧.

(٦) الحجر : ٢.

(٧) مختصر بصائر الدرجات : ١٧.

٤٣٥

حلّة ورديّة ، ثمّ يقام على يمين العرش ، ثمّ يدعى إبراهيم عليه‌السلام فيكسى حلّة بيضاء ، فيقام على يسار العرش ، ثمّ يدعى بعليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام فيكسى حلّة ورديّة ، فيقام على يمين النبيّ ، ثمّ يدعى بإسماعيل عليه‌السلام فيكسى حلّة ورديّة ، فيقام على يسار إبراهيم عليه‌السلام ، ثمّ يدعى بالحسن عليه‌السلام فيكسى حلّة ورديّة ، فيقام على يمين أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثمّ يدعى بالحسين عليه‌السلام فيكسى حلّة ورديّة ، فيقام على يمين الحسن عليه‌السلام ، ثمّ يدعى بالأئمة عليهم‌السلام فيكسون حللا ورديّة ، فيقام كلّ واحد عن يمين صاحبه ، ثمّ يدعى بالشيعة فيقومون أمامهم ، ثمّ يدعى بفاطمة عليها‌السلام ونسائها من ذرّيّتها وشيعتها فيدخلون الجنّة بغير حساب.

ثمّ ينادي مناد من بطنان العرش من قبل ربّ العزّة والأفق الأعلى : نعم الأب أبوك يا محمّد ، وهو إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك ، وهو عليّ بن أبي طالب ونعم السبطان سبطاك ، وهما الحسن والحسين ، ونعم الجنين جنينك ، وهو محسن ، ونعم الأئمّة الراشدون ذرّيّتك ، وهم فلان وفلان إلى آخرهم ، ونعم الشيعة شيعتك. ألا إنّ محمّدا ووصيّه وسبطيه والأئمّة من ذرّيّته هم الفائزون ، ثمّ يؤمر بهم إلى الجنّة ، وذلك قوله : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ)(١).

س ١٥٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٨٦) [آل عمران : ١٨٦]؟!

الجواب / قال محمّد بن سنان : أنّ عليّ بن موسى عليه‌السلام كتب إلي في

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٢٨.

٤٣٦

جواب مسائلي في قوله : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) : «في أموالكم بإخراج الزكاة ، وفي أنفسكم بتوطين النفس على الصّبر» (١).

وقال عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : «لوددت أنّه أذن لي فكلّمت الناس ثلاثا ، ثمّ صنع الله بي ما أحبّ» قال (٢) بيده على صدره ، ثمّ قال : «ولكنها عزمة من الله أن نصبر» ثمّ تلا هذه الآية : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وأقبل يرفع يده ويضعها على صدره (٣).

س ١٥١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٨٨) [آل عمران : ١٨٧ ـ ١٨٨]؟!

الجواب / جاء في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) : «وذلك أن الله أخذ ميثاق الذين أوتوا الكتاب في محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليبيّننّه للناس إذا خرج ولا يكتمونه (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) يقول : نبذوا عهد الله وراء ظهورهم (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ).

وقال : قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) نزلت في المنافقين الذين يحبون أن يحمدوا على غير

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ٢ ، ص ٨٩ ، ح ١.

(٢) أي أشار.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢١٠ ، ح ١٨٩.

٤٣٧

فعل (١).

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) يقول : ببعد من العذاب (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٢).

س ١٥٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٨٩) [آل عمران : ١٨٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : معنى الآية الأخبار من الله تعالى بأنه مالك ما في السماوات ، وما في الأرض بمعنى أنه يملك تدبيرهما ، وتصريفهما على ما شاء من جميع الوجوه ليس لغيره الاعتراض عليه في ذلك وأنه المقتدر على جميع ذلك وهو (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، وفي الآية تكذيب لمن قال : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ)(٣) لأن من ملك ما في السماوات والأرض لا يكون فقيرا. وفي قوله : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تنبيه على أنه قادر على إهلاك من يقول هذا القول جهلا منه وعنادا ، لكنه يحلم عنه ويؤخر عذابه لضرب من المصلحة وقوله : (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) خرج مخرج المبالغة ، وهو أخص من قوله : (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لأن أفعال العباد لا توصف بالقدرة عليها ، وفرق الرماني بين أن يقال هو قادر على أفعال العباد ، وبين قادر على فعلهم ، فقال قادر عليها يحتمل ما لا يحتمل قادر على فعلهم ، لأنه يفيد أنه قادر على تصريفه كما يقولون فلان قادر على هذا الحجر أي قادر على رفعه ، ووضعه ، وفلان قادر على نفسه أي قادر على ضبطها ، ومنعها مما

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٢٨.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٢٩.

(٣) آل عمران : ١٨١.

٤٣٨

تنازع إليه ، فعلى هذا جائز أن يقال أنه قادر على أفعال العباد بمعنى أنه قادر على المنع منها ، والتمكين منها دون ما يستحيل من القدرة على إيجادها (١).

س ١٥٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (١٩٠) [آل عمران : ١٩٠]؟!

الجواب / قال هشام بن الحكم ، قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : «يا هشام ، إنّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه ، فقال : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٢).

وساق الحديث بطوله ، وقال عليه‌السلام فيه :

«ثمّ ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر ، وحلّاهم بأحسن الحلية ، فقال : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)(٣) ، وقال : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)(٤) ، وقال : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) وقال : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٥) ، وقال : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٦) ، وقال : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ٧٧.

(٢) الزمر : ٣٩ / ١٧ ، ١٨.

(٣) البقرة : ٢ / ٢٦٩.

(٤) آل عمران : ٣ / ٧.

(٥) الرعد : ١٣ / ١٩.

(٦) الزمر : ٣٩ / ٩.

٤٣٩

لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١) ، وقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ)(٢).

يا هشام ، إنّ لكلّ شيء دليلا ، ودليل العقل التفكّر ، ودليل التفكّر الصّمت» (٣).

س ١٥٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) (١٩١) [آل عمران : ١٩١]؟!

الجواب / في قوله تعالى (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ويل لمن قرأهذه الآية ثمّ مسح بها سبلته» (٤) أي تجاوز عنها من غير فكر ، وذمّ المعرضين عنها (٥).

وقال جعفر الصادق عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) : «الصحيح يصلّي قائما وقعودا ، والمريض يصلي جالسا ، و (عَلى جُنُوبِهِمْ) الذي يكون الأضعف من المريض الذي يصلي جالسا» (٦).

__________________

(١) سورة ص : ٣٨ / ٣٩.

(٢) غافر : ٤٠ / ٥٣ ، ٥٤.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ١٠ و ١٢ ، ح ١٢.

(٤) سبلة الرجل : مجتمع شاربيه ، وقيل : مقدّم لحيته ، وفي «ط» : شبكته.

(٥) المحجة البيضاء : ج ٨ ، ص ٢٣١.

(٦) الكافي : ج ٣ ، ص ٤١١ ، ح ١١.

٤٤٠