التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٤

أبنائه ، وعبّر عن قلقه هذا متسائلا : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي)؟ وإنما قال : (ما تَعْبُدُونَ) ولم يقل «من تعبدون ..» لتلوث البيئة الاجتماعية آنذاك بالشرك والوثنية ، أي بعبادة الأشياء من دون الله ، فأراد يعقوب أن يفهم ما في قرارة أنفس أبنائه من ميول واتجاهات ، وبعد أن استمع الجواب اطمأنت نفسه.

ويلفت النظر هنا أن إسماعيل لم يكن أبا يعقوب ولا جدّه بل عمّه ، بينما الآية استعملت كلمة «آباء» ، ويتضح من ذلك أن كلمة «الأب» تطلق أيضا على «العم» توسعا ، ومن هنا نقول بالنسبة لآزر ، الذي ذكره القرآن باعتباره والد إبراهيم ، أنه لا يمنع أن يكون عمّ إبراهيم لا والده. آخر آية في بحثنا ، تجيب على توهّم آخر من توهمات اليهود ، فكثير من هؤلاء كانوا يستندون إلى مفاخر الآباء والأجداد وقرب منزلة أسلافهم من الله تعالى ، فلا يرون بأسا في انحرافهم هم ، ظانين أنهم ناجون بوسيلة أولئك الأسلاف.

يقول القرآن : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [البقرة : ١٣٤].

وبذلك أرادت الآية أن توجّه أنظار هؤلاء إلى أعمالهم وسلوكهم وأفكارهم ، وتصرفهم عن الانغماس في الافتخار بالماضين.

س ١٠٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٣٥) [البقرة : ١٣٥] ، ماذا تعني «حنيفا»؟!؟

الجواب / قال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام : «إنّ الحنيفيّة هي الإسلام» (١).

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٦١ ، ح ١٠٣.

٢٠١

وقال الباقر عليه‌السلام : «ما أبقت الحنيفية شيئا ، حتى إنّ منها قصّ الشارب وقلّم الأظفار والختان» (١).

س ١١٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١٣٧) [البقرة : ١٣٦ ـ ١٣٧]؟!

الجواب / قال الباقر عليه‌السلام : في قوله تعالى : (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) ، «إنّما عنى بذلك عليّا وفاطمة والحسن والحسين ، وجرت بعدهم في الأئمّة عليهم‌السلام ، [ثمّ] يرجع القول من الله في الناس ، فقال : (فَإِنْ آمَنُوا) يعني الناس (بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) يعني عليّا وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم‌السلام : (فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ)(٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : الشقاق يعني الكفر (٣).

س ١١١ : وردت كلمة أسباط في الآية السابقة في السؤال السابق ، من هم؟!

الجواب / عن سدير (٤) قال : قلت لأبي جعفر الباقر عليه‌السلام : هل كان ولد يعقوب أنبياء؟ ، قال : لا ، ولكنّهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء ، ولم يكونوا

__________________

(١) نفس المصدر : ج ١ ، ص ٦١ ، ح ١٠٤.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٤ ، ح ١٩.

(٣) مجمع البيان : ج ١ ، ص ٤٠٦ ما مضمونه.

(٤) قيل عن أبي حنان.

٢٠٢

فارقوا الدنيا إلّا سعداء تابوا وتذكّروا ما صنعوا ، إلّا الشيخين ، فارقا الدنيا ولم يتوبا ولم يذكّرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (١).

س ١١٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) (١٣٨) [البقرة : ١٣٨]؟!

الجواب / وردت عدة روايات في معنى قوله : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) ، منها :

١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «صبغ المؤمنين بالولاية في الميثاق» (٢).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الصبغة أمير المؤمنين عليه‌السلام بالولاية في الميثاق» (٣).

٣ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الصّبغة : الإسلام» (٤).

س ١١٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) (١٣٩) [البقرة : ١٣٩]؟!

الجواب / قال صاحب كتاب تفسير الأمثل : كان اليهود وغيرهم يحاجّون المسلمين بصور شتّى ، كانوا يقولون : إن جميع الأنبياء مبعوثون منا ، وإن ديننا

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٤٦ ، ح ٣٤٣.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٠ ، ح ٥٣.

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٦٢ ، ح ١٠٩.

(٤) نفس المصدر : ج ١ ، ص ٦٢ ، ح ١٠٨.

٢٠٣

أقدم الأديان ، وكتابنا أعرق الكتب السماوية. وكانوا يقولون : إن عنصرنا أسمى من عنصر العرب ، ونحن المؤهلون لحمل الرسالة لا غيرنا ، ون العرب أهل أوثان.

وكانوا يدّعون أحيانا أنهم أبناء الله وأن الجنة لهم لا لغيرهم.

القرآن يرد على كل هذه الأقاويل ويقول : (أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ).

فالله سبحانه ليس ربّ شعب أو قبيلة معينة ، إنه ربّ العالمين.

واعلموا أيضا أن لا امتياز لأحد على غيره إلّا بالأعمال وكل شخص رهن أعماله (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ).

مع فارق هو إن كثيرا منكم مشركون (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)(١).

س ١١٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (١٤٠) [البقرة : ١٤٠]؟!

الجواب / قال الإمام الكاظم عليه‌السلام ـ في حديث طويل ذكر فيه النصّ والإشارة على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ـ : «يا يزيد ، إنّها وديعة عندك فلا تخبر بها إلا عاقلا ، أو عبدا تعرفه صادقا ، وإن سئلت عن الشّهادة فاشهد بها ، وهو قول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(٢) وقال أيضا : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ)(٣).

__________________

(١) الأمثل ، المجلد الأول ، ص ٢٤٨.

(٢) النساء : ٥٨.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٢٥٢ ، ح ١٤.

٢٠٤

س ١١٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٤١) [البقرة : ١٤١]؟!

الجواب / في آخر آية من الآيات التي نحن بصددها يقول سبحانه لهؤلاء القوم العنودين الجدليين ، افترضوا أن ادعاءاتكم صحيحة ، فهذا لا يعود عليكم بالنفع لأنه (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).

الأمة الحية ينبغي أن تعتمد على أعمالها لا على ذكريات تاريخها ، والإنسان يجب أن يستند إلى فضائله لا أن يجترّ مفاخر الآباء والأجداد (١).

س ١١٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٤٢) [البقرة : ١٤٢]؟!

ج : قال الصادق عليه‌السلام : «تحوّلت القبلة إلى الكعبة بعدما صلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس ، وبعد مهاجرته إلى المدينة صلّى إلى بيت المقدس سبعة أشهر ـ قال ـ ثمّ وجّهه الله إلى الكعبة ، وذلك أنّ اليهود كانوا يعيّرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقولون له : أنت تابع لنا ، تصلّي إلى قبلتنا ، فاغتمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذلك غمّا شديدا ، وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء ، ينتظر من الله في ذلك أمرا ، فلمّا أصبح وحضر وقت صلاة الظهر ، كان في مسجد بني سالم قد صلّى من الظّهر ركعتين ، فنزل عليه جبرائيل وأخذ بعضديه وحوّله إلى الكعبة ، وأنزل عليه : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ

__________________

(١) تفسير الأمثل ، المجلد الأول ، ص ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.

٢٠٥

فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(١) وكان قد صلى ركعتين إلى بيت المقدس ، وركعتين إلى الكعبة ، فقالت اليهود والسّفهاء : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها)(٢).

س ١١٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة : ١٤٣]؟!

الجواب / هناك روايات عديدة وردت في تفسير هذه الآية نذكر منها ما ورد :

١ ـ قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «نحن أمّة الوسط ، ونحن شهداء الله على خلقه ، وحججه في أرضه» (٣).

٢ ـ قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «نحن الشهداء على الناس بما عندهم من الحلال والحرام ، وبما ضيّعوا منه» (٤).

٣ ـ قال أبو بصير : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «نحن نمط الحجاز» فقلت : وما نمط الحجاز؟. قال : «أوسط الأنماط ، إن الله يقول : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) ـ ثمّ قال ـ إلينا يرجع الغالي ، وبنا يلحق المقصّر» (٥).

٤ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : فإن ظننت أنّ الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين ، افترى أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من

__________________

(١) البقرة : ١٤٤.

(٢) مجمع البيان ١ : ٤١٣.

(٣) بصائر الدرجات : ٨٣ / ١١.

(٤) نفس المصدر : ١٠٢ / ١.

(٥) تفسير العياشي : ١ : ٦٣ / ١١١.

٢٠٦

تمر ، يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبله منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟ كلّا ، لم يعن الله مثل هذا من خلقه ، يعني الأمّة التي وجبت لها دعوة إبراهيم عليه‌السلام : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(١) وهم الأمّة الوسطى ، وهم خير أمّة أخرجت للناس» (٢).

أقول : لا تنافي بين الروايات فيمكن حمل (١ ـ ٢ ـ ٣) على الباطن و (٤) على الظاهر.

س ١١٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) [البقرة : ١٤٣]؟!

الجواب / قال أبو عمرو الزبيري ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ألا تخبرني عن الإيمان ، أقول هو وعمل ، أم قول بلا عمل؟

فقال : «الإيمان عمل كلّه ، والقول بعض ذلك العمل ، مفروضا من الله ، مبيّن في كتابه ، واضح نوره ، ثابتة حجّته ، يشهد له بها الكتاب ويدعو إليه.

ولمّا أن صرف الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الكعبة عن بيت المقدس ، قال المسلمون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرأيت صلاتنا التي كنّا نصلّي إلى بيت المقدس ، ما حالنا فيها ، وما حال من مضى من أمواتنا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) فسمّى الصّلاة إيمانا ، فمن اتقى الله حافظا لجوارحه موفيا كلّ جارحة من جوارحه بما فرض الله

__________________

(١) آل عمران : ١١٠.

(٢) تفسير العياشي : ١ : ٦٣ / ١١٤.

٢٠٧

عليه ، لقي الله مستكملا لإيمانه من أهل الجنّة ، ومن خان في شيء منها ، أو تعدّى ما أمر فيها ، لقي الله ناقص الإيمان» (١).

س ١١٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (١٤٤) [البقرة : ١٤٤]؟!

الجواب / قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلّب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ، فإن الله عزوجل قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفريضة : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) واخشع ببصرك ولا ترفعه إلى السّماء ، وليكن حذاء وجهك في موضع سجودك» (٢).

س ١٢٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (١٤٥) [البقرة : ١٤٥]؟!

الجواب / أقول إن تغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة لا يمكن أن يثير شبهة حول النبي ، بل إنه من دلائل صحة دعواه ، فأهل الكتاب قد قرأوا عن صلاة النبي الموعود إلى قبلتين ، لكن تعصبهم منعهم من قبول الحق.

__________________

(١) تفسير العياشي : ١ : ٦٣ / ١١٥.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٣٠٠ ، ح ٦.

٢٠٨

والإنسان ، حين لا يواجه المسائل بذهنية مسبقة ، قابل للتفاهم ولتصحيح مفاهيمه بالدليل والمنطق أو عن طريق إرادة المعجزة.

أما حينما يكون قد كوّن له رأيا مسبقا قاطعا ، وخاصة حين يكون مثل هذا الفرد جاهلا متعصبا ، فلا يمكن تغيير رأيه بأي ثمن.

لذلك تقول الآية : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ).

فلا تتعب نفسك إذن ، لأن هؤلاء يأبون الاستسلام للحق ، ولا توجد فيهم روح طلب الحقيقة.

كل الأنبياء واجهوا مثل هؤلاء الأفراد ، وهم إما أثرياء متنفذون ، أو علماء منحرفون ، أو جاهلون متعصبون.

ثم تضيف الآية : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ).

أي إن هؤلاء لا يستطيعون مهما افتعلوا من ضجيج ، أن يغيروا مرة أخرى قبلة المسلمين ، فهذه هي القبلة الثابتة النهائية.

وهذا التعبير القاطع الحاسم أحد سبب الوقوف بوجه الضجيج المفتعل ، ومن الضروري في مثل هذه الظروف أن يعلن الإنسان المسلم أمام الأعداء كلمته صريحة قوية ، مؤكدا أنه لا ينثني أمام هذه الانفعالات.

ثم تقول الآية : (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ).

لا النصارى بتابعين قبلة اليهود ، ولا اليهود بتابعين قبلة النصارى.

ولمزيد من التأكيد والحسم ينذر القرآن النبي ويقول : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ).

٢٠٩

س ١٢١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (١٤٧) [البقرة : ١٤٦ ـ ١٤٧]؟!

الجواب / قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أمّا أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى ، يقول الله عزوجل : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) يعرفون محمّدا والولاية في التوراة والإنجل ، كما يعرفون أبناءهم في منازلهم (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أنك أنت الرسول إليهم (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم الله بذلك فسلبهم روح الإيمان ، وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح : روح القوّة ، وروح الشهوة ، وروح البدن ، ثمّ أضافهم إلى الأنعام ، فقال : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ)(١) لأنّ الدابّة إنّما تحمل بروح القوّة ، وتعتلف بروح الشهوة ، وتسير بروح البدن» (٢).

س ١٢٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٤٨) [البقرة : ١٤٨]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام : «الخيرات : الولاية ، وقوله : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) يعني أصحاب القائم عليه‌السلام الثلاث مائة والبضعة عشر رجلا ـ قال ـ هم والله الأمّة المعدودة ـ قال ـ يجتمعون والله في ساعة واحدة قزعا كقزع الخريف» (٣).

__________________

(١) الفرقان : ٤٤.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٢١٥ ، ح ١٦.

(٣) ينابيع المودة : ٤٢١.

٢١٠

س ١٢٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (١٤٩) [البقرة : ١٤٩]؟!

الجواب / أقول هذه الآية تتابع الحديث عن مسألة تغيير القبلة ونتائجها. الآية في البداية تأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ...) من أية مدينة وأية ديار (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). ولمزيد من التأكيد تقول الآية : (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ).

وتنتهي الآية بتهديد المتآمرين : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

هذه التأكيدات المتوالية في الآية وفي الآية التالية تبين أن مسألة تغيير القبلة كانت صعبة وثقيلة على مجموعة من المسلمين حديثي العهد بالإسلام ، كما كانت ذريعة بيد أعداء الإسلام اللجوجين لبثّ سمومهم.

مثل هذه الحالة تتطلب دائما موقفا قاطعا حاسما ينهي كل شك وريبة ، من هنا توالت التأكيدات القرآنية القارعة ، لتبعث العزم واليقين في نفوس الأتباع ، وتعمق اليأس والخيبة بين الأعداء. وهذا أسلوب اتبعه القرآن في مواقف عديدة.

إضافة إلى ما سبق ، فالتكرار في هذه الآيات يتضمن أيضا أحكاما جديدة. على سبيل المثال ، الآيات السابقة وضحت حكم القبلة في المدينة التي يسكنها المسلمون. وهذه الآية والآية التالية أوضحت الحكم لدى السفر والخروج من المدن والديار.

الآية التالية كررت الحكم العام بشأن التوجه إلى المسجد الحرام في أي مكان : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).

صحيح أن هذه العبارة القرآنية تخاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكنها تقصد دون شك

٢١١

مخاطبة عامة المسلمين ، ولمزيد من التأكيد تخاطب الجملة التالية المسلمين وتقول : (حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).

س ١٢٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٥٠) [البقرة : ١٥٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : يعني : ولا الذين ظلموا منهم ، و (إِلَّا) في موضع «ولا» وليست هي استثناء (١).

وهو ما قاله أبو عبيدة : إنّ (إِلَّا) بمعنى الواو ، أي ولا الذين ظلموا ، وأنكره عليه الغرّاء والمبرّد (٢).

س ١٢٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (١٥١) [البقرة : ١٥١]؟!

الجواب / أقول : الآية أعلاه ابتدأت بكلمة «كما» إشارة إلى أن تغيير القبلة ليس هو النعمة الوحيدة التي أنعمها الله عليكم ، بل منّ عليكم بنعم كثيرة (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ).

وكلمة «منكم» قد تعني أن الرسول بشر مثلكم ، والإنسان وحده هو القادر على أن يكون مربّي البشر وقدوتهم وأن يتحسس آمالهم وآلامهم ، وتلك نعمة كبرى أن يكون الرسول بشرا «منكم».

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٦٣.

(٢) مجمع البيان : ج ١ ، ص ٤٢٧.

٢١٢

وقد يكون المعنى أنه من بني قومكم ووطنكم ، فالعرب الجاهليون قوم متعصبون عنصريون ، وما كان بالإمكان أن يخضعوا لنبي من غير قومهم ، كما قال سبحانه في الآيتين : (١٩٨ و ١٩٩) من سورة الشعراء : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ).

كان هذا طبعا للمرحلة الأولى من الدعوة ، وفي المراحل التالية ألغيت مسائل العنصر والوطن (الجغرافي) ، وربّى الإسلام أبناءه على أساس مبادىء «العالميّة» و «الإنسانية».

بعد ذكر هذه النعمة يشير القرآن إلى أربع نعم عادت على المسلمين ببركة هذا النبي :

١ ـ (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) ، ويتلو من التلاوة ، أي من إتيان الشيء متواليا ، والإتيان بالعبارات متوالية (وبنظام صحيح) هي التلاوة.

النبي إذن يقرأعليكم آيات الله متتالية ، لتنفذ إلى قلوبكم ، ولإعداد أنفسكم إلى التعليم والتربية.

٢ ـ (وَيُزَكِّيكُمْ).

و «التزكية» هو الزيادة والإنماء ، أي أن النبي بفضل آيات الله يزيدكم كمالا ماديا ومعنويا ، وينمّي أرواحكم ، ويربّي في أنفسكم الطهر والفضيلة ، ويزيل ألوان الرذائل التي كانت تغمر مجتمعكم في الجاهلية.

٣ ـ (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ).

التعليم طبعا مقدم بشكل طبيعي على التربية ، ولكن القرآن يقدم التربية في مواضع تأكيدا على أنها هي الهدف النهائي.

الفرق بين «الكتاب» و «الحكمة» قد يكون بلحاظ أن الكتاب إشارة إلى آيات القرآن والوحي الإلهي النازل على النبي بشكل إعجازي ، والحكمة

٢١٣

حديث النبي وتعاليمه المسماة بالسنة. وقد يكون الكتاب إشارة إلى أصل التعاليم الإسلامية والحكمة إشارة إلى أسرارها وعللها ونتائجها. ومن المفسرين من احتمل أن «الحكمة» إشارة إلى الحالة والملكة الحاصلة من تعاليم الكتاب. وبامتلاكها يستطيع الفرد أن يضع الأمور في نصابها (١).

صاحب «المنار» يرفض أن يكون معنى الحكمة «السنة» ، ويستدل على رفضه بالآية الكريمة (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) [الإسراء : ٣٩].

لكننا نعتقد أن الحكمة لها معنى واسع يشمل الكتاب والسنّة معا ، أما استعمالها القرآني مقابل «الكتاب» (كما في هذه الآية) فيشير إلى أنها «السنة» لا غير.

٤ ـ (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) وهذا الموضوع طرحته الفقرات السابقة من الآية ، حيث دار الحديث عن تعليم الكتاب والحكمة. لكن القرآن عاد فأكد ذلك في فقرة مستقلة تنبيها على أن الأنبياء هم الذين بيّنوا لكم المعارف والعلوم ، ولولاهم لخفي كثير من ذلك عليكم. فهم لم يكونوا قادة أخلاقيين واجتماعيين فحسب ، بل كانوا هداة طريق العلم والمعرفة ، وبدون هدايتهم لم يكتب النضج للعلوم الإنسانية.

س ١٢٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (١٥٢) [البقرة : ١٥٢]؟!

الجواب / قال الإمام الباقر عليه‌السلام : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الملك ينزل الصحيفة أوّل النهار وأوّل الليل ، يكتب فيها عمل ابن آدم ، فاعملوا في أوّلها خيرا وفي آخرها خيرا ، يغفر لكم ما بين ذلك ـ إن شاء الله ـ فإن الله قال :

__________________

(١) في ظلال القرآن : ج ١ ، ص ١.

٢١٤

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)(١).

س ١٢٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (١٥٣) [البقرة : ١٥٣]؟!

الجواب / جاء في صحيفة الإمام الرضا عليه‌السلام : «ليس في القرآن آية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلّا في حقّنا» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الصّبر هو الصّوم» (٣).

س ١٢٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (١٥٤) [البقرة : ١٥٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ليونس بن ظبيان : «ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟».

قال يونس : يقولون : تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «سبحان الله! المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير. يا يونس ، إذا كان ذلك أتاه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام والملائكة المقرّبون عليهم‌السلام ، فإذا قبضه الله عزوجل صيّر تلك الرّوح في قالب كقالبه في الدّنيا ، فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم

__________________

(١) تفسير العياشي : ١ : ٦٧ / ١١٩.

(٢) مناقب ابن شهر آشوب : ج ٣ ، ص ٥٣.

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٦٨ ، ح ١٢٤.

٢١٥

عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدّنيا» (١).

س ١٢٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (١٥٥) [البقرة : ١٥٥]؟!

الجواب / قال الإمام الصادق عليه‌السلام لمحمد بن مسلم : «إنّ قدّام (قيام) القائم علامات ، بلوى من الله تعالى لعباده المؤمنين».

قال محمد : وما هي؟

قال عليه‌السلام : «فذلك قول الله عزوجل : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ـ قال ـ : (لَنَبْلُوَنَّكُمْ) يعني المؤمنين (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم (وَالْجُوعِ) بغلاء أسعارهم (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ) فساد التّجارات وقلة الفضل فيها (وَالْأَنْفُسِ) موت ذريع (وَالثَّمَراتِ) قلة ريع ما يزرع وقلّة بركة الثّمار (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) عند ذلك بخروج القائم عليه‌السلام» (٢).

ثمّ قال : «يا محمّد ، هذا تأويله ، إنّ الله عزوجل يقول : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(٣)(٤).

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٤٦٦ ، ح ١٥٢٦.

(٢) في رواية ثانية قال عليه‌السلام : أي بالجنة والمغفرة». (مصباح الشريعة ، ١٨٦).

(٣) آل عمران : ٧.

(٤) الغيبة للنعماني : ٢٥٠ / ٥ ، ينابيع المودة ، ٤٢١.

٢١٦

س ١٣٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (١٥٧) [البقرة : ١٥٦ ـ ١٥٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال الله عزوجل : إنّي جعلت الدنيا بين عبادي قرضا ، فمن أقرضني منها قرضا ، أعطيته بكلّ واحدة عشرا إلى سبع مائة ضعف ، وما شئت من ذلك ، ومن لم يقرضني منها قرضا فأخذت منه شيئا قسرا فصبر ، أعطيته ثلاث خصال ، لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها منّي».

ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قول الله تعالى : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ) فهذه واحدة من ثلاث خصال (وَرَحْمَةٌ) اثنتان (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) ثلاث ـ ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا فصبر» (١).

س ١٣١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) (١٥٨) [البقرة : ١٥٨]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث حجّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ «أنّه عليه‌السلام بعدما طاف بالبيت وصلّى ركعتيه ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الصّفا والمروة من شعائر الله ، فابدأ بما بدأ الله عزوجل به ، وإنّ المسلمين كانوا يظنّون أنّ السّعي بين الصفا

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٧٦ ، ح ٢١.

٢١٧

والمروة شيء صنعه المشركون ، فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)(١).

س ١٣٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ) (١٥٩) [البقرة : ١٥٩]؟!

الجواب / قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «نحن هم ـ أي نحن هم اللاعنون ـ. وقد قالوا : هوامّ الأرض» (٢).

وقال عليه‌السلام أيضا : «نحن يعني بها ، والله المستعان ، إنّ الرجل منّا إذا صارت إليه ، لم يكن له ـ أو لم يسعه ـ إلّا أن يبيّن للناس من يكون بعده» (٣).

س ١٣٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠)) [البقرة : ١٦٠]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عزوجل : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) من كتمانه (وَأَصْلَحُوا) أعمالهم ، وأصلحوا ما كانوا أفسدوه بسوء التأويل ، فجحدوا به فضل الفاضل واستحقاق المحقّ ، (وَبَيَّنُوا) ما ذكره الله تعالى من نعت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفته ، ومن ذكر عليّ عليه‌السلام وحليته ، وما ذكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أقبل توبتهم (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(٤).

__________________

(١) الكافي : ج ٤ ، ص ٢٤٥ ، ح ٤.

(٢) تفسير العياشي : ١ : ٧٢ / ١٤١.

(٣) نفس المصدر : ١ / ٧١ / ١٣٩.

(٤) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٧١ / ٣٣٣.

٢١٨

س ١٣٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (١٦٢) [البقرة : ١٦١ ـ ١٦٢]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله في ردّهم نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) على كفرهم (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) يوجب الله تعالى لهم البعد من الرّحمة ، والسّحق ـ البعد ـ من الثّواب (وَالْمَلائِكَةِ) وعليهم لعنة الملائكة يلعنونهم (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ولعنة النّاس أجمعين كلّ يلعنهم ، لأنّ كلّ المأمورين المنهيّين يلعنون الكافرين ، والكافرون أيضا يقولون : لعن الله الكافرين ، فهم في لعن أنفسهم أيضا (خالِدِينَ فِيها) في اللّعنة. في نار جهنّم (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) يوما ولا ساعة (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) لا يؤخّرون ساعة ، إلّا يحلّ بهم العذاب» (١).

س ١٣٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٦٤) [البقرة : ١٦٣ ـ ١٦٤]؟!

الجواب / قال الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام : «إنّ الله تبارك وتعالى أكمل

__________________

(١) نفس المصدر : ٥٧٢ ، ٣٣٤.

٢١٩

للناس الحجج بالعقول ، ونصر النبيّين بالبيّنات ، ودلّهم على ربوبيّته بالأدلّة فقال الآيتين (١).

س ١٣٦ : ما معنى «الواحد» في السؤال السابق؟

الجواب / قال الإمام الجواد عليه‌السلام : «إجماع الألسن عليه بالوحدانية ، كقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(٢)(٣).

س ١٣٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (١٦٧) [البقرة : ١٦٥ ـ ١٦٧]؟!

الجواب / قال جابر ، سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ).

قال : «هم والله أولياء فلان وفلان ، اتّخذوهم أئمّة دون الإمام الذي جعله الله للناس إماما ، فلذلك قال : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) إلى قوله : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ).

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : «هم ـ والله ، يا جابر ـ أئمّة الظلمة وأشياعهم» (٤).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٠ ، ح ١٢.

(٢) الزخرف : ٨٧.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٩٢ ، ح ١٢.

(٤) الاختصاص : ٣٣٤ ، الشيخ المفيد.

٢٢٠