س ٧٦ : هل يمكن ذكر القصة التي وردت في تفسير العياشي عن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام عن هذه الآية الكريمة؟
الجواب / نعم ، قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام : «لمّا كاعت (١) اليهود عن هذا التمنّي ، وقطع الله معاذيرهم ، قالت طائفة منهم ، وهم بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد كاعوا وعجزوا : يا محمّد ، فأنت والمؤمنون المخلصون لك مجاب دعاؤكم ، وعليّ أخوك ووصيّك أفضلهم وسيّدهم؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : بلى.
قالوا : يا محمّد ، فإن كان هذا كما زعمت ، فقل لعليّ يدعو لابن رئيسنا هذا ، فقد كان من الشباب جميلا نبيلا وسيما قسيما (٢) ، لحقه برص وجذام ، وقد صار حمى (٣) لا يقرب ، ومهجورا لا يعاشر ، يتناول الخبز على أسنّة الرّماح.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ائتوني به. فأتي به ، فنظر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه منه إلى منظر فظيع ، سمج (٤) ، قبيح ، كريه.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أبا حسن ، ادع الله له بالعافية ، فإنّ الله تعالى يجيبك فيه. فدعا له. فلمّا كان عند فراغه من دعائه إذا الفتى قد زال عنه كلّ مكروه ، وعاد إلى أفضل ما كان عليه من النبل والجمال والوسامة والحسن في المنظر.
__________________
(١) كعت عن الشّيء : لغة في كععت عنه ، إذا هبته وجبنت عنه. «لسان العرب ـ كوع ـ ٨ : ٣١٧».
(٢) القسّام : الحسن ، وفلان قسيم الوجه ، ومقسّم الوجه. «الصحاح ـ قسم ـ ٥ : ٢٠١١».
(٣) يقال : هذا الشيء حمى : أي محظور لا يقرب. «الصحاح ـ حمى ـ ٦ : ٢٣١٩».
(٤) سمج : قبح. «الصحاح ـ سمج ـ ١ : ٣٢٢».
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للفتى : يا فتى آمن بالذي أغاثك من بلائك. قال الفتى : قد آمنت ، وحسن إيمانه.
فقال أبوه : يا محمّد ، ظلمتني وذهبت منّي بابني ، ليته كان أجذم وأبرص كما كان ولم يدخل في دينك ، فإن ذلك كان أحبّ إليّ.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لكنّ الله عزوجل قد خلّصه من هذه الآفة ، وأوجب له نعيم الجنّة.
قال أبوه : يا محمّد ، ما كان هذا لك ولا لصاحبك ، إنّما جاء وقت عافيته فعوفي ، وإن كان صاحبك هذا ـ يعني عليّا عليهالسلام ـ مجابا في الخير ، فهو أيضا مجاب في الشرّ ، فقل له يدعو عليّ بالجذام والبرص ، فإنّي أعلم أنّه لا يصيبني ، ليتبيّن لهؤلاء الضعفاء الذي قد اغتّروا بك أنّ زواله عن ابني لم يكن بدعائه.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا يهوديّ ، اتّق الله ، وتهنّأ بعافية الله إيّاك ، ولا تتعرّض للبلاء ولما لا تطيقه ، وقابل النعمة بالشّكر ، فإنّ من كفرها سلبها ، ومن شكرها امترى (١) مزيدها.
فقال اليهوديّ : من شكر نعم الله تكذيب عدوّ الله المفتري عليه ، وإنّما أريد بهذا أن أعرّف ولدي أنّه ليس ممّا قلت له وادّعيته قليل ولا كثير ، وأنّ الذي أصابه من خير لم يكن بدعاء عليّ صاحبك. فتبسّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقال : يا يهوديّ ، هبك قلت أنّ عافية ابنك لم تكن بدعاء عليّ ، وإنّما صادف دعاؤه وقت مجيء عافيته ، أرأيت لو دعا عليك عليّ بهذا البلاء الذي اقترحته فأصابك ، أتقول : إنّ ما أصابني لم يكن بدعائه ، ولكن لأنّه صادف دعاؤه
__________________
(١) الريح تمري السّحاب : أي تستدرّه. «الصحاح ـ مرا ـ ٦ : ٢٤٩١».
وقت بلائي؟
فقال : لا أقول هذا ، لأنّ هذا احتجاج منّي على عدوّ الله في دين الله ، واحتجاج منه عليّ ، والله أحكم من أن يجيب إلى مثل هذا ، فيكون قد فتن عباده ، ودعاهم إلى تصديق الكاذبين.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فهذا في دعاء عليّ لابنك كهو في دعائه عليك ، لا يفعل الله تعالى ما يلبّس به على عباده دينه ، ويصدّق به الكاذب عليه.
فتحيّر اليهوديّ لمّا أبطلت عليه شبهته ، وقال : يا محمّد ، ليفعل عليّ هذا بي إن كنت صادقا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام : يا أبا الحسن ، قد أبى الكافر إلّا عتوّا وطغيانا وتمرّدا ، فادع عليه بما اقترح ، وقل : اللهمّ ابتله ببلاء ابنه من قبل. فقالها ، فأصاب اليهوديّ داء ذلك الغلام ، مثل ما كان فيه الغلام من الجذام والبرص ، واستولى عليه الألم والبلاء ، وجعل يصرخ ويستغيث ، ويقول : يا محمّد ، قد عرفت صدقك فأقلني (١).
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لو علم الله تعالى صدقك لنجّاك ، ولكنّه عالم بأنّك لا تخرج عن هذا الحال إلّا ازددت كفرا ، ولو علم أنّه إن نجّاك آمنت به لجاد عليك بالنجاة ، فإنّه الجواد الكريم».
ثمّ قال : «فبقي اليهوديّ في ذلك الداء والبرص أربعين سنة آية للناظرين ، وعبرة للمعتبرين ، وعلامة وحجّة بيّنة لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم باقية في الغابرين ، وبقي ابنه كذلك معافى صحيح الأعضاء والجوارح ثمانين سنة عبرة
__________________
(١) أقال الله فلانا عثرته : بمعنى الصفح عنه. «لسان العرب ـ قيل ـ ١١ : ٥٨٠» ، وفي «ط» نسخة بدل : فاقبلني.
للمعتبرين ، وترغيبا للكافرين في الإيمان ، وتزهيدا لهم في الكفر والعصيان.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين حلّ ذلك البلاء باليهوديّ بعد زوال البلاء عن ابنه : عباد الله ، إيّاكم والكفر بنعم الله ، فإنّه مشؤوم على صاحبه ، ألا وتقرّبوا إلى الله بالطاعات يجزل لكم المثوبات ، وقصّروا أعماركم في الدنيا بالتعرّض لأعداء الله في الجهاد ، لتنالوا طول الأعمار في الآخرة ، في النعيم الدائم الخالد ، وابذلوا أموالكم في الحقوق اللازمة ليطول غناكم في الجنّة.
فقام أناس ، فقالوا : يا رسول الله ، نحن ضعفاء الأبدان ، قليلو المال ، لا نفي بمجاهدة الأعداء ، ولا تفضل أموالنا عن نفقات العيالات ، فماذا نصنع؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألا فلتكن صدقاتكم من قلوبكم وألسنتكم.
قالوا : كيف يكون ذلك ، يا رسول الله؟
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أمّا القلوب فتقطعونها على حبّ الله ، وحبّ محمّد رسول الله ، وحبّ عليّ وليّ الله ، ووصيّ رسول الله ، وحبّ المنتجبين للقيام بدين الله ، وحبّ شيعتهم ومحبّيهم ، وحبّ إخوانكم المؤمنين ، والكف عن اعتقادات العداوة والشحناء والبغضاء ، وأمّا الألسنة فتطلقونها بذكر الله تعالى بما هو أهله ، والصّلاة على نبيّه محمّد وعلى آله الطيّبين ، فإنّ الله تعالى بذلك يبلّغكم أفضل الدرجات ، وينيلكم به المراتب العاليات» (١).
س ٧٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (٩٧) [البقرة : ٩٧]؟!
الجواب / قال الإمام العسكري عليهالسلام : «قال الحسن بن علي عليهالسلام (٢) :
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٤٤ / ٢٩٥.
(٢) في طبعةة أخرى : الحسين بن علي بن أبي طالب.
إنّ الله تعالى ذمّ اليهود في بغضهم لجبرئيل عليهالسلام الذي كان ينفّذ قضاء الله تعالى فيهم بما يكرهون ، وذمّهم أيضا وذمّ النواصب في بغضهم لجبرئيل وميكائيل وملائكة الله النازلين لتأييد عليّ بن أبي طالب عليهالسلام على الكافرين حتّى أذلّهم بسيفه الصارم.
فقال : قل : يا محمّد (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) من اليهود ، لدفعه عن بخت نصّر أن يقتله دانيال ، من غير ذنب كان جناه بخت نصّر ، حتّى بلغ كتاب الله في اليهود أجله ، وحلّ بهم ما جرى في سابق علمه. ومن كان أيضا عدوّا لجبرئيل من سائر الكافرين وأعداء محمّد وعليّ الناصبين ، لأنّ الله تعالى بعث جبرئيل لعليّ عليهالسلام مؤيّدا ، وله على أعدائه ناصرا ، ومن كان عدوّا لجبرئيل لمظاهرته محمدا وعليّا عليهالسلام ، ومعاونته لهما ، وانقياده لقضاء ربّه عزوجل في إهلاك أعدائه على يد من يشاء من عباده. (فَإِنَّهُ) يعني جبرئيل (نَزَّلَهُ) يعني نزّل هذا القرآن (عَلى قَلْبِكَ) يا محمد (بِإِذْنِ اللهِ) بأمر الله ، وهو كقوله : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(١).
(مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) موافقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل والزّبور ، وصحف إبراهيم ، وكتب شيث وغيرهم من الأنبياء.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ هذا القرآن هو النور المبين ، والحبل المتين ، والعروة الوثقى ، والدرجة العليا ، والشّفاء الأشفى ، والفضيلة الكبرى ، والسعادة العظمى ، من استضاء به نوّره الله ، ومن عقد به أموره عصمه الله ، ومن تمسّك به أنقذه الله ، ومن لم يفارق أحكامه رفعه الله ، ومن استشفى به
__________________
(١) الشعراء ٢٦ : ١٩٣ ـ ١٩٥.
شفاه الله ، ومن آثره على ما سواه هداه الله ، ومن طلب الهدى في غيره أضلّه الله ، ومن جعله شعاره ودثاره (١) أسعده الله ، ومن جعله إمامه الذي يقتدي به ، ومعوّله الذي ينتهي إليه ، آواه (٢) الله إلى جنّات النعيم ، والعيش السليم.
فلذلك قال : (وَهُدىً) يعني هذا القرآن هدى (وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) يعني بشارة لهم في الآخرة ، وذلك أنّ القرآن يأتي يوم القيامة بالرجل الشاحب ، يقول لربّه عزوجل : يا ربّ ، هذا أظمأت نهاره ، وأسهرت ليله ، وقوّيت في رحمتك طمعه ، وفسحت في مغفرتك أمله ، فكن عند ظنّي فيك وظنّه.
يقول الله تعالى : أعطوه الملك بيمينه ، والخلد بشماله ، وأقرنوه بأزواجه من الحور العين ، واكسوا والديه حلّة لا تقوم لها الدنيا بما فيها. فتنظر إليهما الخلائق فيغبطونهما (٣) ، وينظران إلى أنفسهما فيعجبان منها ، ويقولان : يا ربّنا ، أنّى لنا هذه ولم تبلغها أعمالنا؟!
فيقول الله عزوجل : ومع هذا تاج الكرامة ، لم ير مثله الراءون ، ولا يسمع بمثله السامعون ، ولا يتفكّر في مثله المتفكّرون.
فيقال ؛ هذا بتعليمكما ولد كما القرآن ، وتبصيركما إيّاه بدين الإسلام ، ورياضتكما إيّاه على حبّ رسول الله ، وعليّ ولي الله ، وتفقيهكما إيّاه بفقههما. لأنّهما اللذان لا يقبل الله لأحد عملا إلّا بولايتهما ، ومعاداة
__________________
(١) الشّعار : الثوب الذي يلي الجسد ، والدّثار : الثياب التي فوق الشّعار. والمراد هنا : ممارسته ومزاولته والمداومة عليه ظاهرا وباطنا.
(٢) يقال : أنت معوّلي : أي ثقتي ومعتمدي. «مجمع البحرين ـ عول ـ ٥ : ٤٣٢» ، وفي «ط» نسخة بدل : ومعاده الذي ينتهي إليه أراه.
(٣) الغبطة : أن تتمنّى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه ، وليس يحسد. «الصحاح ـ غبط ـ ٣ : ١١٤٦» ، وفي المصدر و «ط» : فيعظمونهما.
أعدائهما ، وإن كان ملء ما بين الثرى إلى العرش ذهبا يتصدّق به في سبيل الله ، فتلك من البشارات التي يبشّرون بها ، وذلك قوله عزوجل : (وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) شيعة محمّد وعليّ ومن تبعهم من أخلافهم وذراريهم (١).
س ٧٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ)(٩٨) [البقرة : ٩٨]؟!
الجواب / قال الإمام العسكري عليهالسلام : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ) لإنعامه على محمّد وعليّ ، وعلى آلهما الطيّبين ، وهؤلاء الذين بلغ من جهلهم أن قالوا : نحن نبغض الله الذي أكرم محمّدا وعليّا بما يدّعيان.
(وَجِبْرِيلَ) ومن كان عدوّا لجبرئيل ، لأن الله تعالى جعله ظهيرا لمحمّد وعليّ عليهماالسلام على أعداء الله ، وظهيرا لسائر الأنبياء والمرسلين كذلك.
(وَمَلائِكَتِهِ) يعني ومن كان عدوّا لملائكة الله المبعوثين لنصرة دين الله ، وتأييد أولياء الله ، وذلك قول بعض النصّاب المعاندين : برئت من جبرئيل الناصر لعليّ.
وقوله تعالى : (وَرُسُلِهِ) ومن كان عدوّا لرسل الله موسى وعيسى ، وسائر الأنبياء الذين دعوا إلى نبوّة محمّد وإمامة عليّ ، وذلك قول النواصب : برئنا من هؤلاء الرّسل الذين دعوا إلى إمامة عليّ.
ثمّ قال : (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) أي ومن كان عدوّا لجبرئيل وميكائيل ، وذلك كقول من قال من النصّاب ، لمّا قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في عليّ عليهالسلام : جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وإسرافيل من خلفه ، وملك الموت أمامه ،
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٤٨ / ٢٩٦.
والله تعالى من فوق عرشه ناظر بالرضوان إليه وناصره.
قال بعض النواصب : فأنا أبرأ من الله ومن جبرئيل وميكائيل والملائكة الذين حالهم مع عليّ على ما قاله محمّد.
فقال : من كان عدوّا لهؤلاء تعصّبا على عليّ بن أبي طالب عليهالسلام (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) فاعل بهم ما يفعل العدوّ بالعدوّ من إحلال النقمات ، وتشديد العقوبات (١).
س ٧٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ) (٩٩) [البقرة : ٩٩]؟!
الجواب / قال الإمام العسكري عليهالسلام : «قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) يا محمد (آياتٍ) دالّات على صدقك في نبوتك (بَيِّناتٍ) عن إمامة عليّ أخيك ووصيّك ، عن كفر من يشكّ فيك أو في أخيك ، أو قابل أمر كلّ واحد منكما بخلاف القبول والتسليم ، ثمّ قال : (وَما يَكْفُرُ بِها) بهذه الآيات الدالّات على تفضيلك ، وتفضيل عليّ بعدك على جميع الورى (إِلَّا الْفاسِقُونَ) عن دين الله وطاعته ، من اليهود الكاذبين ، والنواصب المتشبّهين بالمسلمين» (٢).
س ٨٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠٠) [البقرة : ١٠٠]؟!
الجواب / قال الإمام العسكري عليهالسلام : «قال الله عزوجل ، وهو يوبخ
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٤٨ / ٢٩٧.
(٢) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٥٩ / ٣٠٠.
هؤلاء اليهود الذين تقدّم ذكر عنادهم ، وهؤلاء النّصاب الذين نكثوا ما أخذ من العهد عليهم ، فقال : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً) واثقوا وعاقدوا ليكونوا لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم طائعين ، ولعليّ عليهالسلام بعده مؤتمرين ، وإلى أمره صائرين (نَبَذَهُ) نبذ العهد (فَرِيقٌ مِنْهُمْ) وخالفه.
قال الله : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) أكثر هؤلاء اليهود والنواصب (لا يُؤْمِنُونَ) أي في مستقبل أعمارهم لا يراعون (١) ، ولا يتوبون مع مشاهدتهم للآيات ، ومعاينتهم للدلالات» (٢).
س ٨١ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٠١) [البقرة : ١٠١]؟!
الجواب / قال الإمام العسكري عليهالسلام : «قال الصادق عليهالسلام : (وَلَمَّا جاءَهُمْ) هؤلاء اليهود ، ومن يليهم من النواصب (رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) القرآن مشتملا على وصف فضل محمد وعليّ ، وإيجاب ولايتهما ، وولاية أوليائهما ، وعداوة أعدائهما (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) كتاب اليهود التوراة ، وكتب أنبياء الله عليهمالسلام (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) تركوا العمل بما فيها ، وحسدوا محمّدا على نبوّته ، وعليّا على وصيّته ، وجحدوا ما وقفوا عليه من فضائلهما (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فعلوا فعل من جحد ذلك والردّ له فعل من لا يعلم ، مع علمهم بأنّه حقّ» (٣).
__________________
(١) راعبت الأمر : نظرت إلى أين يصير.
(٢) نفس المصدر السابق ، ٤٦٤ ، ٣٠٢.
(٣) نفس المصدر السابق ، ٤٧١ ، ٣٠٤.
س ٨٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١٠٣) [البقرة : ١٠٢ ـ ١٠٣]؟!
الجواب / قال الصادق عليهالسلام : (وَاتَّبَعُوا) هؤلاء اليهود والنواصب (وَما تَتْلُوا) ما تقرأ (الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) وزعموا أن سليمان بذلك السحر والتدبير والنّيرنجات (١) ، نال ما ناله من الملك العظيم ، فصدّوهم به عن كتاب الله ، وذلك أنّ اليهود الملحدين والنواصب المشاركين لهم في إلحادهم لمّا سمعوا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فضائل عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وشاهدوا منه ومن عليّ عليهالسلام المعجزات التي أظهرها الله تعالى لهم على أيديهما ، أفضى بعض اليهود والنصّاب إلى بعض ، وقالوا : ما محمّد إلّا طالب الدنيا بحيل ومخاريق وسحر ونيرنات تعلّمها ، وعلّم عليّا بعضها ، فهو يريد أن يتملّك علينا في حياته ، ويعقد الملك لعليّ بعده ، وليس ما يقوله عن الله بشيء ، إنّما هو قوله ، فيعقد علينا وعلى ضعفاء عباد الله بالسحر والنّيرنجات التي يستعملها.
__________________
(١) النّيرنج : أخد كالسحر وليس به ، أي ليس بحقيقته ولا كالسحر ، إنما هو تشبيه وتلبيس. «تاج العروس ـ نرج ٢ : ١٠٥».
وأوفر الناس كان حظّا من هذا السحر سليمان بن داود ، الذي ملك بسحره الدنيا كلّها من الجنّ والإنس والشياطين ، ونحن إذا تعلّمنا بعض ما كان تعلّمه سليمان بن داود ، تمكّنا من إظهار مثل ما يظهره محمّد وعليّ ، وادّعينا لأنفسنا بما يجعله محمّد لعليّ ، وقد استغنينا عن الانقياد لعليّ.
فحينئذ ذمّ الله تعالى الجميع من اليهود والنواصب ، فقال الله عزوجل : (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ) الآمر بولاية محمد وعليّ (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ) الأمر بولاية محمّد وعليّ (وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(١) فلم يعملوا به (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا) كفرة (الشَّياطِينُ) من السحر والنّيرنجات (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) الذين يزعمون أن سليمان به ملك ، ونحن أيضا به نظهر العجائب حتى ينقاد لنا النّاس ، ونستغني عن الانقياد لعليّ.
قالوا : وكان سليمان كافرا ساحرا ماهرا ، بسحره ملك ما ملك ، وقدر على ما قدر ، فردّ الله تعالى عليهم ، وقال : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) ولا استعمل السحر ، كما قال هؤلاء الكافرون (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) أي بتعليمهم الناس السحر الذي نسبوه إلى سليمان كفروا.
ثمّ قال عزوجل : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ) قال : كفر الشياطين بتعليمهم النّاس السحر ، وبتعليمهم إيّاهم بما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ، اسم الملكين.
قال الصّادق عليهالسلام : وكان بعد نوح عليهالسلام قد كثر السحرة والمموّهون ، فبعث الله تعالى ملكين إلى نبيّ ذلك الزمان بذكر ما يسجر به السحرة ، وذكر
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ : ١٠١.
ما يبطل به سحرهم ، ويردّ به كيدهم ، فتلقّاه النبيّ عن الملكين ، وأدّاه إلى عباد الله بأمر الله ، وأمرهم أن يقفوا به على السحر وأن يبطلوه ، ونهاهم أن يسحروا به النّاس ، وهذا كما يدلّ على السّمّ ما هو ، وعلى ما يدفع به غائلة (١) السّمّ ، ثمّ يقال لمتعلّم ذلك : هذا السّمّ فمن رأيته سمّ دافع غائلته بكذا ، وإيّاك أن تقتل بالسمّ أحدا.
ثمّ قال : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) وهو أنّ ذلك النبيّ أمر الملكين أن يظهرا للنّاس بصورة بشرين ، ويعلّماهم ما علّمهما الله تعالى من ذلك ويعظاهم ، فقال الله تعالى : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) ذلك السحر وإبطاله (حَتَّى يَقُولا) للمتعلّم : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) امتحان للعباد ، ليطيعوا الله تعالى فيما يتعلّمون من هذا ، ويبطلوا به كيد السّحرة ، فلا يسحرونهم.
قوله تعالى : (فَلا تَكْفُرْ) باستعمال هذا السحر وطلب الإضرار به ودعاء الناس إلى أن يعتقدوا به إنّك تحيي وتميت ، وتفعل ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، فإنّ ذلك كفر.
قال الله تعالى : (فَيَتَعَلَّمُونَ) يعني طالبي السحر (مِنْهُما) يعني ممّا كتبت الشياطين على ملك سليمان من النّيرنجات ، وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ، فيتعلّمون من هذين الصنفين (ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) هذا يتعلّم للإضرار بالنّاس ، يتعلّمون التفريق بضروب من الحيل والتمائم (٢) ، والإيهام أنّه قد دفن كذا وعمل كذا ، ليغضب قلب المرأة على الرجل ، وقلب الرجل على المرأة ، ويؤدّي إلى الفراق بينهما.
ثمّ قال الله عزوجل : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي ما
__________________
(١) الغائلة : الشر ، والمراد هنا : المضرّة.
(٢) التمائم : جمع تميمة ، وهي عوذة تعلّق على الإنسان ، «الصحاح ـ تمم ـ ٥ : ١٨٧٨».
المتعلّمون لذلك بضارّين به من أحد إلّا بإذن الله ، بتخلية (١) الله وعلمه ، فإنّه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر.
ثمّ قال : (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) لأنّهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضرّوا ، فقد تعلّموا ما يضرّهم في دينهم ولا ينفعهم فيه ، بل ينسلخون عن دين الله بذلك (وَلَقَدْ عَلِمُوا) هؤلاء المتعلّمون (لَمَنِ اشْتَراهُ) بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلّمه (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) نصيب في ثواب الجنّة.
(وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) رهنوها بالعذاب (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي لو كانوا يعلمون أنّهم قد باعوا الآخرة ، وتركوا نصيبهم من الجنّة ، لأنّ المتعلّمين لهذا السحر هم الذين يعتقدون أن لا رسول ، ولا إله ، ولا بعث ، ولا نشور.
فقال : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) لأنّهم يعتقدون أن لا آخرة ، وهم يعتقدون أنها إذا لم تكن آخرة فلا خلاق لهم في دار بعد الدنيا ، وإن كانت آخرة فهم مع كفرهم بها لا خلاق لهم فيها.
ثم قال : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) باعوا به أنفسهم ، إذ باعوا الآخرة بالدنيا ، ورهنوا بالعذاب أنفسهم (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أنّهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب ، ولكن لا يعلمون ذلك لكفرهم به ، لما تركوا النظر في حجج الله تعالى حتى يعلموا ، عذّبهم على اعتقادهم الباطل ، وجحدهم الحقّ» (٢).
__________________
(١) التخلية : الترك. «مجمع البحرين ـ خلا ـ ١ : ١٢٩».
(٢) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٧١ / ٣٠٤.
س ٨٣ : هل كان هاروت وماروت ملكان اختارتهما الملائكة ، وأنزلهما الله تعالى مع ثالث لهما إلى الدنيا وفعلا ما فعلا؟!
الجواب / قال أبو يعقوب وأبو الحسن : قلنا للحسن أبي القائم عليهماالسلام : فإنّ عندنا قوما يزعمون أنّ هاروت وماروت ملكان اختارتهما الملائكة لمّا كثر عصيان بني آدم ، وأنزلهما الله تعالى مع ثالث لهما إلى الدنيا ، وأنّهما افتتنا بالزّهرة ، وأرادا الزنا بها ، وشربا الخمر ، وقتلا النفس المحرّمة ، وأنّ الله يعذّبهما ببابل ، وأنّ السحرة منهما يتعلّمون السحر ، وأنّ الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزّهرة.
فقال الإمام عليهالسلام : «معاذ الله من ذلك ، إن الملائكة معصومون من الخطأ محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله تعالى ، فقال الله عزوجل فيهم : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ)(١) وقال : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ) يعني الملائكة (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ)(٢).
وقال في الملائكة : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)(٣)».
ثمّ قال عليهالسلام : «لو كان كما يقولون كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء على الأرض ، فكانوا كالأنبياء في الدنيا أو كالأئمّة ، أفيكون من الأنبياء والأئمّة قتل النفس وفعل الزنا؟!».
__________________
(١) التحريم ٦٦ : ٦.
(٢) الأنبياء ٢١ : ١٩ و ٢٠.
(٣) الأنبياء ٢١ : ٢٦ ـ ٢٨.
ثمّ قال : «أو لست تعلم أن الله تعالى لم يخل الدنيا قطّ من نبيّ أو إمام من البشر؟ أو ليس الله تعالى يقول : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يعني إلى الخلق (إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى)(١) فأخبر الله أنّه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمّة وحكّاما ، وإنّما أرسلوا إلى أنبياء الله».
قالا : قلنا له عليهالسلام : فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا؟
فقال : «لا ، بل كان من الجنّ ، أما تسمعان أن الله تعالى يقول : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ)(٢) فأخبر أنّه كان من الجنّ ، وهو الذي قال الله تعالى : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ)(٣)».
ثمّ قال الإمام عليهالسلام : «حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن الرّضا ، عن آبائه ، عن عليّ عليهمالسلام ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنّ الله اختارنا معاشر آل محمّد ، واختار النبيّين ، واختار الملائكة المقرّبين ، وما اختارهم إلّا على علم منه بهم أنّهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته ، وينقطعون به عن عصمته ، وينضمّون به إلى المستحقين لعذابه ونقمته».
قالا : فقلنا : لقد روي لنا أنّ عليا عليهالسلام لمّا نصّ عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالولاية والإمامة عرض الله في السماوات ولايته على فئام (٤) وفئام وفئام من الملائكة ، فأبوها فمسخهم الله تعالى ضفادع.
فقال : «معاذ الله ، هؤلاء المكذّبون علينا ، الملائكة هم رسل الله ، فهم كسائر أنبياء الله إلى الخلق ، أفيكون منهم الكفر بالله؟» قلنا : لا. قال :
__________________
(١) يوسف ١٢ : ١٠٩.
(٢) الكهف ١٨ : ٥٠.
(٣) الحجر ١٥ : ٢٧.
(٤) الفئام : الجماعة الكثيرة ، «مجمع البحرين ـ فأم ـ ٦ : ١٣٠».
«فكذلك الملائكة ، إنّ شأن الملائكة عظيم ، وإنّ خطبهم جليل» (١).
س ٨٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٠٤) [البقرة : ١٠٤]؟!
الجواب / قال موسى بن جعفر عليهماالسلام : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا قدم المدينة كثر حوله المهاجرون والأنصار ، وكثرت عليه المسائل ، وكانوا يخاطبونه بالخطاب الشريف العظيم الذي يليق به ، وذلك أنّ الله تعالى كان قال لهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)(٢).
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بهم رحيما ، وعليهم عطوفا ، وفي إزالة الآثام عنهم مجتهدا ، حتّى أنّه كان ينظر إلى كلّ من كان يخاطبه فيعمد على أن يكون صوته صلىاللهعليهوآلهوسلم مرتفعا على صوته ، ليزيل عنه ما توعده الله به من إحباط أعماله ، حتى أن رجلا أعرابيا ناداه يوما وهو خلف حائط بصوت له جهوريّ : يا محمّد ، فأجابه بأرفع من صوته ، يريد أن لا يأثم الأعرابي بارتفاع صوته.
فقال له الأعرابي : أخبرني عن التوبة إلى متى تقبل؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أخا العرب ، إنّ بابها مفتوح لابن آدم ، لا ينسدّ حتى تطلع الشمس من مغربها ، وذلك قوله عزوجل : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) وهو طلوع الشمس من مغربها (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٧١ / ٣٠٤.
(٢) الحجرات ٤٩ : ٢.
أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً)(١).
وقال موسى بن جعفر عليهماالسلام : وكانت هذه اللّفظة (راعِنا) من ألفاظ المسلمين الذين يخاطبون بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يقولون : راعنا ، أي ارع أحوالنا ، واسمع منّا كما نسمع منك ، وكان في لغة اليهود معناها : اسمع ، لا سمعت.
فلمّا سمع اليهود المسلمين يخاطبون بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقولون : راعنا ، ويخاطبون بها ، قالوا : كنّا نشتم محمدا إلى الآن سرّا ، فتعالوا الآن نشتمه جهرا ، وكانوا يخاطبون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقولون : راعنا ، يريدون شتمه.
ففطن لهم سعد بن معاذ الأنصاري (٢) فقال : يا أعداء الله ، عليكم لعنة الله أراكم تريدون سبّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، توهمونا أنّكم تجرون في مخاطبته مجرانا ، والله ، لا أسمعها من أحد منكم إلّا ضربت عنقه ، ولو لا أنّي أكره أن أقدم عليكم قبل التقدّم والاستئذان له ولأخيه ووصيّه علي بن أبي طالب عليهالسلام ، القيّم بأمور الأمّة نائبا عنه فيها ، لضربت عنق من قد سمعته منكم يقول هذا.
فأنزل الله : يا محمّد (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً)(٣).
__________________
(١) الأنعام ٦ : ١٥٨.
(٢) سعد بن معاذ النعمان بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج. أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على يدي مصعب بن عمير ، وشهد بدرا وأحدا والخندق ، ورمي يوم الخندق بسهم فعاش بعد ذلك شهرا ثمّ مات على أثر الجرح ، والذي رماه بالسهم حبان بن العرقة ، وقال : خذها وأنا ابن العرقة. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عرق الله وجهه في النار». تهذيب الكمال ١٠ : ٣٠٠ ، سير أعلام النبلاء ١ : ٢٧٩.
(٣) النساء ٤ : ٤٦.
وأنزل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) فإنّها لفظة يتوصّل بها أعداؤكم من اليهود إلى سبّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسبّكم (وَقُولُوا انْظُرْنا) أي قولوا بهذه اللفظة ، لا بلفظة راعنا ، فإنّه ليس فيها ما في قولكم : راعنا ، ولا يمكنهم أن يتوصّلوا بها إلى الشتم ، كما يمكنهم بقولكم : راعنا. (وَاسْمَعُوا) إذا قال لكم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قولا ، وأطيعوا.
(وَلِلْكافِرِينَ) يعني اليهود الشاتمين لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (عَذابٌ أَلِيمٌ) وجيع في الدنيا إن عادوا لشتمهم ، وفي الآخرة بالخلود في النّار» (١).
س ٨٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (١٠٥) [البقرة : ١٠٥]؟!
الجواب / قال عليّ بن موسى الرّضا عليهالسلام : إنّ الله تعالى ذمّ اليهود [والنصارى] والمشركين والنواصب فقال : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) اليهود والنصارى (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) ولا من المشركين الذين هم نواصب ، يغتاظون لذكر الله وذكر محمد وفضائل علي عليهماالسلام ، وإبانته عن شريف فضله ومحلّه (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ) لا يودّون أن ينزّل عليكم (مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) من الآيات الزائدات في شرف محمّد وعلي وآلهما الطيّبين عليهمالسلام ، ولا يودّون أن ينزّل دليل معجز من السّماء يبيّن عن محمد وعلي وآلهما.
فهم لأجل ذلك يمنعون أهل دينهم من أن يحاجّوك ، مخافة أن تبهرهم
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٧٧ / ٣٠٥.
حجّتك ، وتفحمهم معجزتك ، فيؤمن بك عوامّهم ، أو يضطربون على رؤسائهم ، فلذلك يصدّون من يريد لقاءك ـ يا محمّد ـ ليعرف أمرك ، بأنّه لطيف خلّاق ساحر اللسان ، لا تراه ولا يراك خير لك ، وأسلم لدينك ودنياك ، فهم بمثل هذا يصدّون العوامّ عنك.
ثم قال الله عزوجل : (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ) وتوفيقه لدين الإسلام ، وموالاة محمد وعلي عليهماالسلام (مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) على من يوفّقه لدينه ، ويهديه لموالاتك وموالاة عليّ بن أبي طالب عليهالسلام».
قال : «فلمّا قرّعهم (١) بهذا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حضره منهم جماعة فعاندوه ، وقالوا : يا محمّد ، إنّك تدّعي على قلوبنا خلاف ما فيها ، ما نكره أن تنزل عليك حجّة تلزم الانقياد لها فننقاد.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لئن عاندتم ها هنا محمدا ، فستعاندون ربّ العالمين إذا أنطق صحائفكم بأعمالكم ، وتقولون : ظلمتنا الحفظة ، فكتبوا علينا ما لم نفعل ، فعند ذلك يستشهد جوارحكم ، فتشهد عليكم.
فقالوا : لا تبعد شاهدك ، فإنّه فعل الكذّابين ، بيننا وبين القيامة بعد ، أرنا في أنفسنا ما تدّعي لنعلم صدقك ، ولن تفعله لأنّك من الكذّابين.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام : استشهد جوارحهم ، فاستشهدها علي عليهالسلام فشهدت كلّها عليهم أنهم لا يودّون أن ينزل على أمّة محمد ، على لسان محمد خير من عند ربّكم آية بيّنة ، وحجّة معجزة لنبوّته ، وإمامة أخيه علي عليهالسلام ، مخافة أن تبهرهم حجّته ، ويؤمن به عوامّهم ، ويضطرب عليهم كثير منهم.
__________________
(١) قرّعت الرجل : إذا وبّخته وعذلته. «لسان العرب ـ قرع ـ ٨ : ٢٦٦».
فقالوا : يا محمّد ، لسنا نسمع هذه الشهادة التي تدّعي أن جوارحنا تشهد بها.
فقال : يا عليّ ، هؤلاء من الذين قال الله : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ)(١) ادع عليهم بالهلاك ، فدعا عليهم علي عليهالسلام بالهلاك ، فكلّ جارحة نطقت بالشهادة على صاحبها انفتقت حتى مات مكانه.
فقال قوم آخرون حضروا من اليهود : ما أقساك ـ يا محمّد ـ قتلتهم أجمعين!
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما كنت لألين على من اشتدّ عليه غضب الله تعالى ، أما إنّهم لو سألوا الله تعالى بمحمّد وعلي وآلهما الطيبين أن يمهلهم ويقيلهم لفعل بهم ، كما كان فعل بمن كان من قبل من عبدة العجل لمّا سألوا الله بمحمّد وعلي وآلهما الطيّبين ، وقال الله لهم على لسان موسى : لو كان دعا بذلك على من قد قتل لأعفاه الله من القتل كرامة لمحمد وعلي وآلهما الطيّبين» (٢).
س ٨٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (١٠٧) [البقرة : ١٠٦ ـ ١٠٧]؟!
الجواب / قال محمّد بن علي بن موسى الرّضا عليهالسلام : (ما نَنْسَخْ مِنْ
__________________
(١) يونس ١٠ : ٩٦ و ٩٧.
(٢) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٨٨ / ٣١٠.