مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

على الأقوى [١].

( مسألة ٧ ) : إذا عثر الحمال فسقط ما كان على رأسه أو ظهره ـ مثلا ـ ضمن [٢] ، لقاعدة الإتلاف.

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور ، بل لا يعرف الخلاف فيه إلا من الحلي وبعض آخر ، لعدم جواز الاسقاط قبل الثبوت ، وحملاً للخبر المتقدم على البراءة بعد الجناية. وفيه أن الحمل المذكور خلاف ظاهر الخبر ، فلا مجال لرفع اليد عنه بعد حجيته واعتماد الأصحاب عليه. مع أن ما ذكر لا يتم لو كانت البراءة شرطاً في عقد الإجارة ، لأنه ليس من الاسقاط قبل الثبوت ، بل هو من شرط السقوط كما في شرط سقوط الخيار. اللهم إلا أن يقال : إنه من شرط النتيجة. لكن عرفت قريباً الكلام فيه ، وأنه لا بأس به إذا كان المقصود إنشاء النتيجة في ضمن العقد.

[٢] كما نص عليه في الجواهر ، لما ذكر ، وللصحيح : « في رجل حمل متاعاً على رأسه ، فأصاب إنساناً فمات أو انكسر منه. قال (ع) : هو ضامن » (١). لكن في شموله للفرض تأمل. فالعمدة قاعدة الإتلاف. دعوى أنه من التلف غير ظاهرة ، لاستناده اليه وإن كان عن غير قصد ، كما لو عثر فرجع على إناء غيره فكسره. ومنه يظهر ما عن كشف اللثام من عدم الضمان إلا مع التفريط ، أو كونه عارية مضمونة. نعم إذا كانت سلسلة أسباب ، بعضها اختياري وبعضها غير اختياري ، نسب الفعل إلى الفاعل المختار ، كما لو عمد إلى نائم فنخسه ، فانقلب على إناء ثالث فكسره ، نسب الكسر إلى الناخس. أما لو كانت كلها غير اختيارية نسب الفعل إلى المباشر ، كما لو انقلب النائم على نائم آخر ، فانقلب الثاني على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب موجبات الضمان حديث : ١ ، وباب : ٣٠ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١١.

٨١

( مسألة ٨ ) : إذا قال للخياط مثلا : إن كان هذا يكفيني قميصاً فاقطعه ، فلم يكف ، ضمن في وجه [١]. ومثله لو قال : هل يكفي قميصاً؟ فقال : نعم. فقال : اقطعه فلم يكفه [٢]. وربما يفرق بينهما فيحكم بالضمان في الأول دون الثاني [٣] ، بدعوى عدم الاذن في الأول دون الثاني. فيه : أن في الأول أيضاً الإذن حاصل [٤]. وربما يقال بعدم الضمان فيهما ، للاذن فيهما. وفيه : أنه مقيد بالكفاية ، إلا أن يقال أنه مقيد باعتقاد الكفاية ، وهو حاصل [٥]. والأولى الفرق بين الموارد والأشخاص بحسب صدق الغرور وعدمه ، أو‌

______________________________________________________

إناء فكسره ، نسب الفعل إلى الثاني. ولو كانت كلها اختيارية ، كما لو ضرب زيد عمراً. فغصب عمرو وكسر إناء بكر ، نسب الكسر إلى عمرو. من ذلك تعرف أن الاختيار ليس شرطاً في صحة النسبة ، إلا إذا كان موجوداً في سلسلة العلل ، فإنه يستند الفعل إلى السبب الاختياري لا غير.

[١] كما في القواعد وغيرها. واختاره في الجواهر ، لعدم الاذن في القطع فيكون النقص موجباً لضمان فاعله.

[٢] كأن وجه الضمان فيه قاعدة الغرور ، وإلا فالنقص الصادر من الخياط كان بإذن المالك.

[٣] كما في القواعد وغيرها. واختاره في الجواهر.

[٤] فيه منع ، لأن الإذن الحاصلة كانت مشروطة بالكفاية ، والمفروض عدمها.

[٥] بل غير مقيد وإنما هو مطلق ، وإن كان عن داعي اعتقاد الكفاية ، لكن تخلف الداعي لا يقدح في حصول الاذن ، كما في غيره.

٨٢

تقيد الاذن وعدمه ، والأحوط مراعاة الاحتياط.

( مسألة ٩ ) : إذا آجر عبده لعمل فأفسد ، ففي كون الضمان عليه [١] ، أو على العبد يتبع به بعد عتقه [٢] ، أو في كسبه إذا كان من غير تفريط وفي ذمته يتبع به بعد العتق إذا كان بتفريط [٣] ، أو في كسبه مطلقاً [٤] ، وجوه وأقوال.

______________________________________________________

[١] كما عن النهاية وفي الروض وغيره ، وكأنه للحسن : « قضى أمير المؤمنين (ع) في رجل ، كان له غلام استأجره منه صائغ أو غيره قال (ع) : إن كان ضيع شيئاً أو أبق منه فمواليه ضامنون » (١) ، بعد حمل الصحيح الآتي على المثال ، بأن يكون ذكر الكسب من باب تمثيل ما يكون مع الضمان.

[٢] كما عن الحلي وجامع المقاصد ، عملا منهم بالقواعد ، لأن العبد هو المتلف.

[٣] هذا التفصيل منسوب إلى المسالك ، حملا للصحيح على ذلك ، كما تقتضيه القاعدة ، لأن إذنه في العمل المترتب عليه التلف بلا تفريط بمنزلة إسقاط حقه من كسبه ، فيجب على العبد الكسب لتفريغ ذمته. بخلاف صورة التفريط فإنه لا إذن له في العمل حينئذ ، فحقه في كسب العبد بحاله ، وهو مانع عن تصرف العبد فيه ، ولا وجه لضمان المولى حينئذ لعدم كونه متلفاً. وفيه : أن مجرد الاذن في العمل لا يكفي في تسويغ تصرفه في كسب العبد ، الذي هو ماله في غير مورد الاذن ، فالعمل بإطلاق النصوص متعين.

[٤] كما في القواعد تبعاً للشرائع. وتبعهما جماعة ، للصحيح : « وفي رجل استأجر مملوكا فيستهلك مالا كثيراً ، قال (ع) : ليس على مولاه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٢ ، وباب : ١٢ من أبواب موجبات الضمان حديث : ١.

٨٣

أقواها : الأخير ، للنص الصحيح [١]. هذا في غير الجناية على نفس أو طرف ، وإلا فيتعلق برقبته ، وللمولى فداؤه بأقل الأمرين من الأرش والقيمة.

( مسألة ١٠ ) : إذا آجر دابة لحمل متاع ، فعثرت ، وتلف أو نقص ، لا ضمان على صاحبها ، إلا إذا كان هو السبب بنخس أو ضرب.

( مسألة ١١ ) : إذا استأجر سفينة أو دابة لحمل متاع فنقص أو سرق ، لم يضمن صاحبها. نعم لو اشترط عليه الضمان صح ، لعموم دليل الشرط ، وللنص [٢].

( مسألة ١٢ ) : إذا حمل الدابة المستأجرة أزيد من المشترط أو المقدار المتعارف مع الإطلاق ، ضمن تلفها أو عوارها [٣]. والظاهر ثبوت أجرة المثل لا المسمى مع عدم‌

______________________________________________________

شي‌ء ، وليس لهم أن يبيعوه ، ولكنه يستسعى ، فان عجز فليس على مولاه شي‌ء ، ولا على العبد » (١) ، فيقيد به إطلاق الحسن السابق ، فيحمل على كون ضمان المولى في خصوص الكسب.

[١] الذي لا يعارضه الحسن ، لوجوب حمل المطلق على المقيد.

[٢] تقدم في المسألة الأولى.

[٣] إجماعاً نصاً (٢) وفتوى ، والمشهور أنه يضمن تمامها. وعن الإرشاد : أنه يضمن نصفها ، لأن الحمل بعضه مأذون فيه وبعضه غير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٣.

(٢) لم نعثر على نص وارد في هذا الموضوع خاصة في مظان النصوص من كتب الحديث والفقه ، ولعل المراد به ما ورد في نظائره من موارد التعدي عن مقتضى الشرط أو الإطلاق ، فراجع الوسائل باب : ١٦ و١٧ و٣٢ من أبواب أحكام الإجارة.

٨٤

التلف ، لأن العقد لم يقع على هذا المقدار من الحمل. نعم لو لم يكن ذلك على وجه التقييد ، ثبت عليه المسماة وأجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة [١].

( مسألة ١٣ ) : إذا اكترى دابة ، فسار عليها زيادة عن المشترط ، ضمن. والظاهر ثبوت الأجرة المسماة بالنسبة إلى المقدار المشترط ، وأجرة المثل بالنسبة إلى الزائد.

( مسألة ١٤ ) : يجوز لمن استأجر دابة للركوب أو الحمل أن يضربها إذا وقفت على المتعارف ، أو يكبحها باللجام أو نحو ذلك على المتعارف ، إلا مع منع المالك من ذلك [٢] ، أو كونه معها وكان المتعارف سوقه هو. ولو تعدى عن‌

______________________________________________________

مأذون فيه. وفيه : أن الموجب للضمان العدوان ، الحاصل بحمل ما لم يأذن به المالك.

[١] حكي في المسألة ثلاثة أقوال : الأول : ثبوت أجرة مثل المجموع. حكي عن الأردبيلي. والثاني : أجرة مثل الزائد مع المسمى. حكي عن المشهور. والثالث : ثبوت المسمى مع أجرة الزيادة بحساب المسمى. حكي عن المقنعة. والأخير غير ظاهر. والأولان محمولان على التفصيل المذكور في المتن فيرتفع الخلاف. يظهر ذلك من دليلهما. نعم لازم ما اختاره في المسألة السادسة من الفصل الآتي : وجوب المسمى وأجرة المثل للمجموع. أما الأولى : فبالإجارة ، لعدم الموجب لفسادها. وأما الثانية : فلاستيفاء المنفعة غير المأذون فيها. وسيأتي هناك التعرض لذلك.

[٢] هذا إذا لم يكن قد اشترط في العقد ، ولو لأجل التعارف المنزل عليه العقد ، وإلا كان منع المالك بلا حق.

٨٥

المتعارف أو مع منعه ضمن نقصها أو تلفها. أما في صورة الجواز ففي ضمانه مع عدم التعدي إشكال. بل الأقوى : العدم ، لأنه مأذون فيه [١].

( مسألة ١٥ ) : إذا استؤجر لحفظ متاع ، فسرق ، لم يضمن [٢] ، إلا مع التقصير في الحفظ ولو لغلبة النوم عليه [٣] أو مع اشتراط الضمان. وهل يستحق الأجرة مع السرقة؟ الظاهر : لا [٤] ، لعدم حصول العمل المستأجر عليه ، إلا أن يكون متعلق الإجارة الجلوس عنده ، وكان الغرض هو الحفظ لا أن يكون هو المستأجر عليه.

______________________________________________________

[١] كما تقدم في المسألة الرابعة.

[٢] لأنه أمين ، فيدل على عدم ضمانه ما دل على عدم ضمان الأمين نعم يظهر من خبر إسحاق الآتي الضمان. لكن لم يعرف العمل به إلا من ابن إدريس ، فلا مجال للاعتماد عليه ، ويتعين حمله على صورة شرط الضمان بمعنى شرط التدارك ، فيكون من شرط الفعل ، أو من شرط النتيجة بناء على جوازه ، وقد تقدم الكلام في ذلك في أوائل فصل : ( أن العين المستأجرة أمانة ) ، فراجع. وفي الجواهر : عارضه بالصحيح : « عن رجل استأجر أجيراً فأقعده على متاعه فسرق. قال (ع) : هو مؤتمن » (١) لكن في ظهوره في كونه أجيراً على الحفظ غير واضح ، وإن لم يكن بعيداً.

[٣] لا يخلو من نظر ، لأن غلبة النوم ليست من التقصير. نعم ربما كان منه.

[٤] كما مال إليه في الجواهر ، معللا له بما ذكر ، بل ينبغي أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٣.

٨٦

( مسألة ١٦ ) : صاحب الحمام لا يضمن الثياب [١] ، إلا إذا أودع وفرط أو تعدى ، وحينئذ يشكل صحة اشتراط الضمان أيضاً ، لأنه أمين محض [٢] ، فإنه إنما أخذ الأجرة على الحمام ولم يأخذ على الثياب [٣]. نعم لو استؤجر مع ذلك‌

______________________________________________________

لا يكون محلا للإشكال.

[١] بلا خلاف ولا إشكال كما في الجواهر ، ويشهد له خبر إسحاق ابن عمار عن جعفر عن أبيه (ع) : « أن علياً (ع) كان يقول : لا ضمان على صاحب الحمام فيما ذهب من الثياب ، لأنه إنما أخذ الجعل على الحمام ، ولم يأخذ على الثياب » (١) ، ونحوه خبر أبي البختري (٢). وفي خبر غياث بن إبراهيم : « إن أمير المؤمنين (ع) أتي بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت ، فلم يضمنّه ، وقال (ع) : إنما هو أمين » (٣) وظاهر الأخير أن صاحب الحمام من أفراد الأمين دائماً ، مع أنه قد لا يكون كذلك كما هو الغالب ، فان الداخل إلى الحمام يضع ثيابه في المسلخ وثوقاً منه بعدم الدواعي إلى سرقة ثيابه ، لجهات دينية أو أخلاقية أو خارجية ، من دون إئتمان أحد معين عليها. ولذلك ذكر في المتن قسمين كما يفهم من الاستثناء.

[٢] وقد يظهر منهم في الودعي الاتفاق على عدم صحة اشتراط الضمان عليه كما تقدم ، ولو لا ذلك كان الحكم كما في غيره من الأمناء ، وقد تقدم من المصنف (ره) الجواز فيه.

[٣] هذا مضمون الخبر السابق.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١.

٨٧

للحفظ أيضاً ، ضمن مع التعدي أو التفريط ، ومع اشتراط الضمان أيضاً ، لأنه حينئذ يأخذ الأجرة على الثياب أيضاً ، فلا يكون أميناً محضاً [١].

فصل

يكفي في صحة الإجارة كون المؤجر مالكا للمنفعة ، أو وكيلا عن المالك لها ، أو ولياً عليه ، وإن كانت العين للغير كما إذا كانت مملوكة بالوصية أو بالصلح أو بالإجارة ، فيجوز للمستأجر أن يؤجرها من المؤجر أو من غيره ، لكن في جواز تسليمه العين إلى المستأجر الثاني بدون إذن المؤجر إشكال [٢]

______________________________________________________

[١] إذ المراد من الأمين المحض : المأذون في الاستيلاء على العين بقصد الحفظ. وفي المقام يكون الاذن في الاستيلاء على العين بقصد الأجرة في مقابل الحفظ.

[٢] عن النهاية والسرائر والقواعد وغيرها : المنع ، لأنها أمانة لم بأذن له المالك في تسليمها إلى غيره. وفيه : أن الائتمان للأول إنما كان من مقتضيات عقد الإجارة ، لأن استيفاء المنفعة يتوقف عليه ، فاذا كان مقتضى عقد الإجارة تملك المنفعة مطلقاً ، من دون شرط الاستيفاء مباشرة من المستأجر ، اقتضى أيضاً ائتمانه كذلك ، فله أن يستأمن غيره على العين كما استأمنه المؤجر عليها ، فيكون المستأجر الثاني مستوفياً للمنفعة وأميناً على العين كالمستأجر الأول. وهكذا الحال في المستأجر الثالث. منه يظهر : أنه لو لم يكن عقد الإجارة مقتضياً للائتمان المذكور ـ كالمستأجر‌

٨٨

فلو استأجر دابة للركوب أو لحمل المتاع مدة معينة ، فأجرها‌

______________________________________________________

لموضع معين من سفينة أو سيارة ـ لم يكن له حق في تسلم العين ، ولا حق تسليمها من المستأجر منه. هذا مضافاً إلى ظاهر النصوص الواردة في إجارة الأرض وغيرها بمساوئ الأجرة أو بالأقل (١) ، حيث صرحت بالجواز من دون تعرض فيها لشبهة عدم جواز التسليم. وحملها على صورة عدم الحاجة في استيفاء المنفعة إلى تسليم العين ، كما ترى ، فإنه كالمقطوع بخلافه في جميعها. ونحوها صحيح ابن جعفر (ع) « في رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ، فما عليه؟ قال (ع) : إن كان اشترط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها ، وإن لم يسم فليس عليه شي‌ء » (٢). وما في الجواهر من حمله على كون الدفع إلى الغير كان على نحو تكون أمانة عند الدافع ، لكونها في يده وإن كان الغير راكباً لها ، بعيد. ولأجل ما ذكرنا ذهب المشهور إلى الجواز كما حكي.

وعن ابن الجنيد : التفصيل ، فيجوز تسليمها إلى أمين دون غيره. وكأن وجهه : أن المستأجر الأول مؤتمن على العين بلا شرط المباشرة ، فله أن يأتمن غيره عليها. ولا بأس به. وقد يشهد له مصحح الصفار : « في رجل دفع ثوباً إلى القصار ليقصره ، فدفعه القصار إلى قصار غيره ليقصره فضاع الثوب هل يجب على القصار أن يرده إذا دفعه إلى غيره ، وإن كان القصار مأموناً؟. فوقع (ع) : هو ضامن له إلا أن يكون ثقة مأموناً إن شاء الله » (٣). نحوه مكاتبة محمد بن علي بن محبوب‌ (٤) ، بناء على أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ ، ٢١ ، ٢٢ من أبواب أحكام الإجارة وسيأتي التعرض لها في المسألة الآتية.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١٨.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة ملحق حديث : ١٨.

٨٩

في تلك المدة أو في بعضها من آخر يجوز ، ولكن لا يسلمها اليه ، بل يكون هو معها ، وإن ركبها ذلك الآخر أو حمّلها متاعه ، فجواز الإجارة لا يلازم تسليم العين بيده [١] ، فان سلمها بدون إذن المالك ضمن. هذا إذا كانت الإجارة الأولى مطلقة. وأما إذا كانت مقيدة ، كأن استأجر الدابة لركوبه نفسه ، فلا يجوز إجارتها من آخر [٢]. كما أنه إذا اشترط المؤجر عدم إجارتها من غيره ، أو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه ، كذلك أيضاً أي : لا يجوز إجارتها من الغير. نعم لو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه ، ولم يشترط كونها لنفسه جاز أيضاً إجارتها من الغير ، بشرط أن يكون هو المباشر للاستيفاء لذلك الغير. ثمَّ لو خالف وآجر في هذه الصور : ففي الصورة الاولى ـ وهي ما إذا استأجر الدابة لركوبه نفسه ـ بطلت ، لعدم كونه مالكا إلا ركوبه نفسه ، فيكون المستأجر الثاني ضامناً لاجرة المثل للمالك إن استوفى المنفعة [٣] ، وفي‌

______________________________________________________

المراد بالقصار المأمون هو القصار الثاني ، بقرينة مناسبة الحكم والموضوع. نعم مورده عين المستأجر ، لا عين المؤجر.

[١] لكن في هذه الصورة لا يجب على المؤجر تسليم العين أيضاً ، إذ ليس حينئذ من لوازم الإجارة الأولى التسليم. والكلام لا بد أن يكون في غير هذه الصورة كما أشرنا إليه.

[٢] يأتي وجهه.

[٣] قد يشكل : بأنه إذا ملك المستأجر منفعة ركوب نفسه ، امتنع أن تكون منفعة ركوب غيره مملوكة للمالك ، بناء على امتناع ملك المنفعتين‌

٩٠

الصورة الثانية والثالثة في بطلان الإجارة وعدمه وجهان ، مبنيان على أن التصرف المخالف للشرط باطل لكونه مفوتا لحق الشرط [١] ، أولا ، بل حرام وموجب للخيار. وكذا‌

______________________________________________________

المتضادتين لمالك واحد أو لمالكين ، لامتناع القدرة على المتضادتين في عرض واحد. وعليه يكون للمالك المسمى على المستأجر ، عملا بالإجارة الصحيحة فيكون للمالك الأمران : المسمى على المستأجر ، وأجرة المثل على المستوفي الثاني. وعلى القول الآخر ليس له إلا الأول. وسيجي‌ء الكلام في ذلك ثمَّ إنه بناء على ما ذكره المصنف ، إذا دفع المستوفي أجرة المثل إلى المالك فان كان مغروراً من قبل المستأجر الأول ، فهل يرجع إليه أولا؟ وجهان مذكوران في مبحث قاعدة الغرور.

[١] فان الظاهر من شرط فعل : جعل حق للمشروط له على المشروط عليه ، كما أشرنا إلى ذلك ، ولأجله قلنا بامتناع شرط النتيجة ، فقاعدة السلطنة في الحق مانعة من نفوذ التصرف المنافي له ، فيبطل ، لعدم صدوره من السلطان. ودعوى : أن مفاد الشرط مجرد الالتزام بالمضمون ، خلاف الظاهر. ولأجل ذلك جاز للمشروط له المطالبة ، وجاز له الاسقاط ، كما أشرنا إلى ذلك سابقا. فراجع. نعم يختص ذلك بالشرط الاصطلاحي ، وهو الفعل الأجنبي عن موضوع العقد ، مثل : شرط أن لا يؤجرها. ولا يجري في شرط الاستيفاء ، لأنه من قبيل القيد الذي يكون تخلفه موجباً للخيار إذا كان على نحو تعدد المطلوب. لكن في المقام لما كان القيد مانعاً عن عموم الاذن ، لاستيفاء غير المستأجر للمنفعة يكون حراماً ، فلا تصح الإجارة عليه ، فالبطلان يكون من جهة حرمة المنفعة ، لا لنفي السلطنة على الإجارة. وعلى هذا لو آجرها المستأجر فاستوفى المستأجر الثاني المنفعة ، يثبت الخيار في الصورة الثالثة ، ولا يثبت في الصورة الثانية.

٩١

في الصورة الرابعة [١] إذا لم يستوف هو ، بل سلمها إلى ذلك الغير.

( مسألة ١ ) : يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة وما بمعناها أن يؤجر العين المستأجرة بأقل مما استأجر ، وبالمساوي له مطلقاً [٢] أيّ شي‌ء كانت ، بل بأكثر منه أيضاً إذا أحدث فيها حدثاً [٣] ، أو كانت الأجرة من غير جنس الأجرة السابقة [٤] ، بل مع عدم الشرطين أيضاً فيما عدا البيت والدار والدكان والأجير [٥].

______________________________________________________

[١] في هذه الصورة يجري حكم الصورة الثالثة الذي ذكرناه في الحاشية السابقة ، من ثبوت الخيار إذا كان الثالث قد استوفى المنفعة بنفسه ولو آجرها الثاني على الثالث بشرط استيفائه ـ يعني : الثالث ـ بنفسه بطل الشرط ، وفي بطلان الإجارة الخلاف المعروف في أن بطلان الشرط يقتضي بطلان العقد أولا. والتحقيق هو الثاني.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، ولا إشكال ، لاختصاص أدلة المنع بغيره والنصوص الخاصة والعامة تقتضي الصحة. وعن مجمع البرهان : أنه لا خلاف فيه وفي المساوي.

[٣] بلا إشكال أيضاً ، لاتفاق النص والفتوى عليه. وعن جماعة : دعوى الإجماع على الجواز فيه.

[٤] كما عن جماعة كثيرة التصريح به ، لأن الظاهر من الأكثر : الأكثر في الجنس ، لا الأكثر في القيمة والمالية ، لا أقل من عدم الظهور في العموم بنحو يقيد به إطلاق دليل الصحة.

[٥] كما نسب إلى جماعة ، لعمومات الصحة ، واختصاص نصوص المنع‌

٩٢

وأما فيها : فإشكال [١] ، فلا يترك الاحتياط بترك إجارتها‌

______________________________________________________

بالمذكورات ، فالتعدي إلى غيرها من الأعيان المستأجرة ـ كما نسب إلى السيدين والشيخين والصدوق وغيرهم ـ في غير محله ، ولا سيما مع تصريح النصوص بالفرق ، مثل خبر أبي الربيع : « إن الأرض ليست مثل الأجير ولا مثل البيت ، إن فضل الأجير والبيت حرام » (١) ونحوه غيره.

[١] بل المنع مذهب جماعة ، لحسنة أبي الربيع عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن الرجل يتقبل الأرض من الدهاقين ، ثمَّ يؤاجرها بأكثر مما يتقبلها ، ويقوم فيها بحظ السلطان ، فقال (ع) لا بأس به ، إن الأرض ليست مثل الأجير ولا مثل البيت ، إن فضل الأجير والبيت حرام » (٢) ‌وفي حسنة أبي المعزى : قال (ع) ـ في الجواب عن السؤال المذكور ـ : « لا بأس إن هذا ليس كالحانوت ولا الأجير ، إن فضل الحانوت والأجير حرام » (٣). وبمضمون الأول خبر إبراهيم بن ميمون (٤) ، ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « لو أن رجلا استأجر داراً بعشرة دراهم ، فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم ، لم يكن به بأس ، ولا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به ، إلا أن يحدث فيها شيئاً » (٥) وذهب جماعة إلى الجواز فيها ، وعن التذكرة والمختلف وجامع المقاصد وغيرها : الاستدلال عليه بحسنة أبي المعزى المتقدمة. لكن دلالتها غير ظاهرة ، بل عرفت دلالتها على المنع. وكأن وجه إشكال المصنف : ما ورد في جواز ذلك في الأرض ، بناء على التعدي من مورده. لكنه ضعيف.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٣.

٩٣

بالأكثر. بل الأحوط إلحاق الرحى [١] والسفينة [٢] بها أيضا في ذلك. والأقوى جواز ذلك مع عدم الشرطين في الأرض على كراهة [٣] ،

______________________________________________________

[١] كما عن بعض ، للخبر : « إني لأكره أن استأجر رحى وحدها ثمَّ أوجرها بأكثر مما استأجرتها به ، إلا أن أحدث فيها حدثاً ، أو أغرم فيها غرما » (١) ودلالته قاصرة ، وإن كان سنده غير قاصر.

[٢] واستدل على المنع فيها بالخبر أيضاً : « لا بأس أن يستأجر الرجل الدار والأرض والسفينة ، ثمَّ يؤجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح فيها شيئاً » (٢). لكن ذكر الأرض في سياق التي لا منع فيها ـ كما سيأتي ـ قرينة على إرادة ما هو أعم من الحرمة والكراهة من البأس المفهوم. لكن الاشكال المذكور مبني على القول بالجواز في الأرض ، وسيأتي.

[٣] لتصريح النصوص فيها بالجواز ، كما عرفت بعضها ، فيحمل ما ظاهره المنع على الكراهة كما هو مذهب جماعة. لكن الروايات الدالة على الجواز مطلقة ، وهي روايتا أبي المعزى وإبراهيم بن ميمون ، ويقيدهما خبر الحلبي « قلت لأبي عبد الله (ع) : أتقبل الأرض بالثلث أو الربع فأقبلها بالنصف ، قال (ع) لا بأس : به. قلت : فأتقبلها بألف درهم وأقبلها بألفين ، قال (ع) : لا يجوز. قلت : لم؟ قال : لأن هذا مضمون وذلك غير مضمون » (٣) ونحوه مصحح إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) (٤) ، ومصححه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (٥). لكن ذكر فيه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٦ ،

٩٤

وإن كان الأحوط الترك فيها أيضاً [١]. بل الأحوط الترك في مطلق الأعيان إلا مع إحداث حدث فيها [٢]. هذا وكذا لا يجوز أن يؤجر بعض أحد الأربعة المذكورة بأزيد من الأجرة [٣] ، كما إذا استأجر داراً بعشرة دنانير وسكن بعضها وآجر البعض الآخر بأزيد من العشرة ، فإنه لا يجوز بدون‌

______________________________________________________

أن الذهب والفضة مصمتان ، ولعله من غلط النساخ. ويحتمل أن يكون المراد أن الذهب والفضة لا يزيدان ولا ينقصان.

وكيف كان ، فهذه الروايات مانعة عن الأجرة الزائدة إذا كانت مضمونة في الذمة ، أو أنها لا تقبل الزيادة والنقيصة ، فتحمل المطلقات عليها وتقيد بها ، وليس لهذه المقيدات معارض كي تسقط عن الحجية. وأما ما في رواية إسماعيل بن الفضل (١) : من المنع من الإجارة بالأكثر مع اختلاف الجنس إلا إذا غرم شيئاً أو أحدث حدثا ، فالظاهر أنه مما لا عامل به على ظاهره ، ولعله محمول على الكراهة.

[١] بل المنع مذهب بعض ، ويشهد له رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا تقبلت أرضاً بذهب أو فضة ، فلا تقبلها بأكثر مما تقبلتها به ، لأن الذهب والفضة مصمتان » (٢).

[٢] كما عن جماعة كثيرة ، منهم السيدان والشيخان ، ودليلهم غير ظاهر إلا التعدي عن مورد النصوص إلى غيره. وهو كما ترى.

[٣] كما صرح به في الشرائع وغيرها ، لخبر أبي الربيع المروي عن الفقيه : « لو أن رجلا استأجر داراً بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٦.

٩٥

إحداث حدث. وأما لو آجر بأقل من العشرة فلا إشكال. والأقوى الجواز بالعشرة أيضاً [١] وإن كان الأحوط تركه.

( مسألة ٢ ) : إذا تقبل عملا من غير اشتراط المباشرة ولا مع الانصراف إليها ، يجوز أن يوكله الى عبده أو صانعه أو أجنبي ، ولكن الأحوط عدم تسليم متعلق العمل كالثوب ونحوه إلى غيره من دون إذن المالك ، وإلا ضمن [٢]. وجواز الإيكال لا يستلزم جواز الدفع كما مر نظيره في العين المستأجرة‌

______________________________________________________

ثلثها بعشرة دراهم ، لم يكن به بأس ، ولكن لا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به » (١) ونحوه مصحح الحلبي المتقدم (٢) ، بناء على أن الضمير في الجملة الأخيرة راجع إلى الدار باعتبار ثلثها ، وإلا فلو كان المراد منه الدار نفسها لم يكن مما نحن فيه. اللهم إلا أن يستفاد من مفهوم الشرط في الصدر ، أو من الأولوية.

[١] للخبر المتقدم ، وبه يضعف ما عن الشيخ من المنع حينئذ ، كما قد يشعر به بعض النصوص.

[٢] كما في الشرائع وغيرها ، بل قيل : لم يعثر على مصرح بعدم الضمان عدا المختلف والمسالك ، حيث ذكرا. أن عدم الضمان أولى. والذي ينبغي أن يكون الكلام هنا هو الكلام في العين المستأجرة. ودعوى : الفرق بينهما بأن العين المستأجرة يكون الحق للمستأجر في قبضها ، وهنا لا حق للأجير في قبضها ، إذ لا ريب في أنه لا يجب على المستأجر استيمان الأجير. مندفعة : بأنه ليس بفارق في المقام ، لأن إطلاق الإجارة إذا اقتضى جواز عمل الأجير الثاني ، فعدم الاذن له في القبض كعدم الاذن للأجير الأول فيه يقتضي استقرار الأجرة ، فلا فرق بين الأجير الثاني‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٣.

(٢) راجع أول المسألة.

٩٦

فيجوز له استئجار غيره لذلك العمل بمساوئ الأجرة التي قررها في إجارته أو أكثر. وفي جواز استئجار الغير بأقل من الأجرة إشكال ، الا أن يحدث حدثاً أو يأتي ببعض ، فلو آجر نفسه لخياطة ثوب بدرهم يشكل استئجار غيره لها بأقل منه ، إلا أن يفصله أو يخيط شيئا منه ولو قليلا ، بل يكفي أن يشتري الخيط أو الإبرة في جواز الأقل [١]. وكذا لو آجر نفسه لعمل صلاة سنة أو صوم شهر بعشرة دراهم مثلا في صورة عدم اعتبار المباشرة ، يشكل استئجار غيره بتسعة مثلا ، إلا أن يأتي بصلاة واحدة أو صوم يوم واحد مثلاً.

______________________________________________________

والأول في لزوم الأجرة بمنع قبضه ، كما لا فرق بينهما في عدم وجوب التسليم اليه ، وفي عدم الحق في الايتمان له. وإن شئت قلت : الإجارة على العمل المطلق الشامل لعمل الأجير الثاني ، تتوقف على الاذن المطلقة الشاملة لتصرف الأجير الثاني.

[١] فيه اشكال ، لعدم شمول العمل فيه لمثله. نعم في رواية مجمع : « أقطعها وأشتري لها الخيوط ، قال (ع) : لا بأس » (١). لكنه غير ظاهر في الاكتفاء بالخيوط. والشراء وان كان عملا إلا أنه ليس عملا فيه. وظاهر النصوص اعتبار ذلك ، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « أنه سئل عن الرجل يتقبل العمل فلا يعمل فيه ، ويدفعه إلى آخر فيربح فيه ، قال (ع) : لا ، إلا أن يكون قد عمل فيه شيئاً » (٢). ونحوه غيره. وما في بعض الحواشي من تفسير عبارة المتن : بأن المراد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١.

٩٧

( مسألة ٣ ) : إذا استؤجر لعمل في ذمته لا بشرط المباشرة يجوز تبرع الغير عنه [١] ، وتفرغ ذمته بذلك ، ويستحق الأجرة المسماة. نعم لو أتى بذلك العمل المعين غيره لا بقصد التبرع عنه ، لا يستحق الأجرة المسماة [٢] ، وتنفسخ الإجارة حينئذ ، لفوات المحل ، نظير ما مر سابقا من الإجارة على قلع السن فزال ألمه ، أو لخياطة ثوب فسرق أو حرق.

( مسألة ٤ ) : الأجير الخاص ـ وهو من آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر في مدة معينة ، أو على وجه تكون منفعته الخاصة كالخياطة مثلا له [٣] ، أو آجر نفسه لعمل مباشرة مدة معينة أو كان اعتبار المباشرة أو كونها في تلك المدة أو كليهما على وجه الشرطية لا القيدية ـ [٤]

______________________________________________________

منها دفع ما اشترى من الأبر والخيوط ، لا يجدي في تحقيق العمل المعتبر ، مع أنه مراد المصنف (ره) قطعا. نعم يصدق بذلك الغرم. لكنه غير كاف.

[١] الظاهر أنه لا إشكال في جواز التبرع في مثل ذلك مما كان في الذمة ، عيناً كان أو عملاً مملوكاً لغيره عليه ، ويقتضيه بناء العقلاء عليه ، كباب النيابة. فإنه نوع منها.

[٢] لعدم انطباق ما في الذمة عليه إلا بالقصد. وكذا الحكم في الدين ، فان المديون إذا أعطى الدائن ما يساوي الدين لا يكون وفاء الا مع قصد الوفاء.

[٣] من دون إشغال ذمته بشي‌ء ، نظير إجارة الدابة بلحاظ منفعتها الخاصة ، فإنه لا اشتغال في ذلك لذمة الدابة ولا لذمة المؤجر. وبذلك افترق الثالث عنه ، فان فيه إشغال ذمته بلا تملك لمنفعته الخاصة أصلا.

[٤] كما في الثالث.

٩٨

لا يجوز له أن يعمل في تلك المدة لنفسه أو لغيره بالإجارة أو الجعالة أو التبرع ، عملاً ينافي حق المستأجر ، إلا مع إذنه [١] ومثل تعيين المدة تعيين أول زمان العمل ، بحيث لا يتوانى فيه الى الفراغ. نعم لا بأس بغير المنافي ، كما إذا عمل البناء لنفسه أو لغيره في الليل [٢] ، فإنه لا مانع منه إذا لم يكن موجبا لضعفه في النهار. ومثل إجراء عقد أو إيقاع أو تعليم أو تعلم في أثناء الخياطة ونحوها ، لانصراف المنافع عن مثلها [٣].

هذا ولو خالف وأتى بعمل مناف لحق المستأجر ، فإن كانت الإجارة على الوجه الأول بأن يكون جميع منافعه للمستأجر ، وعمل لنفسه في تمام المدة أو بعضها ، فللمستأجر أن يفسخ ويسترجع تمام الأجرة المسماة [٤]

______________________________________________________

[١] بلا خلاف فيه. بل لعله مجمع عليه كما في الجواهر. وقد يشير اليه خبر إسحاق : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يستأجر الرجل بأمر معلوم ، فيبعثه في ضيعته ، فيعطيه رجل آخر دراهم ويقول : اشتر بها كذا وكذا ، فما ربحت بيني وبينك. فقال (ع) : إذا أذن له الذي استأجره فليس به بأس » (١) وإن كان في القواعد العامة كفاية ، لأنه تصرف في حق الغير ، وهو حرام.

[٢] كما صرح به في الجواهر ، وكذا ما بعده ، لعدم كونه تصرفاً في حق الغير.

[٣] يعني : لو كانت الإجارة على النحو الأول. وعن المسالك : احتمال المنع. وعن الروضة : فيه وجهان. لكنه ضعيف.

[٤] لعدم التسليم الذي عليه مبنى المعاوضة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١.

٩٩

أو بعضها [١] أو يبقيها ويطالب عوض الفائت من المنفعة بعضاً أو كلاً. وكذا إن عمل للغير تبرعاً. ولا يجوز له على فرض عدم الفسخ مطالبة الغير المتبرع له بالعوض [٢] ، سواء كان جاهلا بالحال أم عالماً ، لأن المؤجر هو الذي أتلف المنفعة عليه دون ذلك الغير وإن كان ذلك الغير آمراً له بالعمل ، إلا إذا فرض على وجه يتحقق معه صدق الغرور [٣] ، والا‌

______________________________________________________

[١] إذا كان عمله في بعض المدة ، لكن تقدم : أن القاعدة تقتضي عدم التبعيض في الفسخ ، فلو فسخ كان له المسمى وعليه عوض البعض المستوفى.

[٢] وفي المسالك : أنه يتخير بين مطالبته من شاء منهما ، لتحقق العدوان. وهذا التعليل ـ مع اختصاصه بصورة علم الغير ـ غير ظاهر ، إذ الغير ليس متصرفاً في المنفعة المملوكة لغيره كي يكون عادياً. ومن هنا علله بعضهم بأن الغير مستوف للمنفعة فعليه ضمانها. بل قد يظهر من بعض اختصاصه بالرجوع اليه. وفي الجواهر : لا وجه للرجوع اليه مع الجهل ، إذ لا يزيد على من عمل له العبد بدون إذن مولاه ومن دون إذنه واستدعائه. وفيه : أن الحكم في العبد لو تمَّ كان لدليله الخاص به. فالعمدة : أن الضمان إما أن يكون بالإتلاف أو باليد ، وكلاهما غير حاصل بالنسبة إلى المتبرع له ، فإنه ليس متلفاً لمنفعة المستأجر ، ولا هي تحت يده ، لأن المنافع إنما تكون تحت اليد بتبع العين ذات المنفعة ، والأجير ليس تحت يد الغير المتبرع له. وأما الضمان بالاستيفاء فلا مجال له ، لأنه يتوقف على الأمر ، والمفروض عدمه.

[٣] مجرد الأمر لا يوجب غرور الأجير مع تقدم الإجارة منه لنفسه ، ففرضه غير ظاهر. ولو سلم فصدق الغرور إنما يصحح رجوع الأجير‌

١٠٠