مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

كالاحتطاب والاحتشاش والاستقاء. فلو استأجر من يحمل الماء له من الشط ـ مثلا ـ ملك ذلك الماء بمجرد حيازة السقاء فلو أتلفه متلف قبل الإيصال إلى المستأجر ضمن قيمته له. وكذا في حيازة الحطب والحشيش. نعم لو قصد المؤجر كون المحوز لنفسه ، فيحتمل القول بكونه له [١] ، ويكون ضامناً للمستأجر عوض ما فوته عليه من المنفعة ، خصوصاً [٢] إذا كان المؤجر آجر نفسه على وجه يكون تمام منافعه في اليوم الفلاني للمستأجر ، أو يكون منفعته من حيث الحيازة له ، وذلك لاعتبار النية في التملك بالحيازة والمفروض أنه لم يقصد كونه للمستأجر بل قصد نفسه. ويحتمل القول بكونه للمستأجر لأن المفروض أن منفعته من طرف الحيازة له ، فيكون نية كونه لنفسه لغواً والمسألة مبنية على ان الحيازة [٣]

______________________________________________________

[١] هذا يتم حتى على القول بتبعية المحاز للحيازة في الملكية إذا كان المستأجر عليه في الذمة ، لأن انطباق ما في الذمة على ما في الخارج يحتاج إلى قصد ، وإن انحصر في فرد ، ولا يكون قهرياً وان كان ذلك في الكلي الخارجي‌

[٢] راجع إلى الضمان.

[٣] الوجوه المتصورة بدواً في سببية الحيازة للملك ثلاثة : الأول : أن تكون سبباً لملك الحائز مباشرة ، وهو من قامت به الحيازة مطلقاً ، سواء قصد نفسه أم غيره أم لم يقصد. الثاني : أن تكون سبباً لملك من كانت له الحيازة ، فيكون المحاز تابعاً لها في الملكية ، تبعية الثمرة للشجرة ، والحمل للدابة ، والنماء لذي النماء ، مطلقاً أيضاً. الثالث : أن تكون سبباً لملك من جعلت له ولو تبرعاً ، فتكون سببيتها متقومة بالقصد ، فان‌

١٢١

______________________________________________________

قصد الحائز بها نفسه ملك هو المحاز ، وإن قصد غيره ملك غيره المحاز ، وان لم يقصد أصلا لم يملك المحاز مالك ، وبقي على إباحته الأصلية.

هذا ولا ينبغي الإشكال في صحة الإجارة على الوجهين الأخيرين. نعم قد تشكل بناء على الوجه الأول ، بل في المتن أن لازمه عدم صحة الإجارة. وكأنه لعدم رجوع المنفعة إلى المستأجر حينئذ. وفيه : أنه يكفي في صحتها ترتب غرض ما على حصول العمل المستأجر عليه ، نظير الإجارة على النيابة عن ميت من أموات المستأجر ، والاستئجار لإرضاع الولد وتعليمه الكتابة ونحوها من الكمالات ، فالوجوه كلها مشتركة في صحة الإجارة عليها ، ولا فرق بين الأول والأخيرين في ذلك.

نعم تختلف في أمر آخر ، وهو ملكية المحاز للمستأجر ، فعلى الأول : لا يملكه المستأجر مطلقاً ، وإنما يملكه الأجير الحائز ، وعلى الثاني : يملكه المستأجر مطلقاً. إذا كانت الإجارة واقعة على المنفعة الخاصة وحدها أعني : منفعة الحيازة ، أو مع غيرها بأن كان جميع منافعه ملحوظة في الإجارة ، فإن الحيازة على هذا تكون ملكاً للمستأجر فيتبعها المحاز ، وأما إذا كانت واقعة على ما في الذمة ، فإن قصد الأجير تشخيص ما في ذمته الواجب عليه بالإجارة ، كانت الحيازة الخارجية ملكا للمستأجر فيتبعها المحاز. أما إذا لم يقصد ذلك ، بل قصد نفسه ، كان المحاز له ، ويكون قد فوت العمل المستأجر عليه على المستأجر ، فيرجع المستأجر عليه بأجرة المثل لو لم يفسخ ، أو بالمسمى إذا كان قد فسخ. وعلى الثالث : مقدمية الإجارة لتملك المحاز. تتوقف على وقوعها على الحيازة بقصد كونها للمستأجر » إذ لو وقعت على نفس فعل الحيازة مطلقاً استحق الأجير الأجرة ولو قصد نفسه ، ويكون هو المالك حينئذ للمحاز ، فالإجارة إنما يترتب عليها تملك المستأجر للمحاز ، إذا وقعت على الحيازة بنحو خاص ،

١٢٢

______________________________________________________

أعني : بقصد كونها للمستأجر. وحينئذ فإن قصد الحائز ذلك استحق الأجرة ، وكان المحاز للمستأجر. وإن قصد نفسه كان المحاز له دون المستأجر ، من دون فرق بين وقوع الإجارة على منفعته الخاصة ووقوعها على ما في الذمة ، وحينئذ يستحق المستأجر عليه المسمى أو أجرة المثل كما سبق. وكذا لو لم يقصد شيئاً ، لكن في هذه الصورة يبقى المحاز على إباحته الأصلية.

ثمَّ إن الوجهين الأخيرين يمكن إرجاع ثانيهما إلى أولهما ، بناء على أنه يكفي في ملكية العمل صدوره عن فاعله بقصد أنه لزيد مثلا ، فيكون ملكاً لزيد بمجرد ذلك ، فإنه على هذا المبنى تكون ملكية المقصود للمحاز تابعة لملكية الحيازة ، فالمتبرع عن غيره بالحيازة يملكها للمتبرع عنه ، فيملك المتبرع عنه المحاز ، كما يملك نفس الحيازة بالتبرع عنه فيها. فالحيازة تارة : تملك بعقد الإجارة للمستأجر. وأخرى : يملكها المتبرع عنه بالتبرع من الحائز عنه ، فيملكها المتبرع عنه بذلك التبرع الراجع إلى فعلها بقصد كونها لغيره ، فتكون حال وقوعها ملكاً للمتبرع عنه ، فيتبعها المحاز. فالبناء على الثالث أيضاً راجع إلى تبعية المحاز للحيازة في الملكية. نعم إذا كانت منفعة الحيازة مملوكة على الحائز بالإجارة ، لا سلطنة له على جعلها لغير المستأجر المالك لها. نعم بين الوجهين فرق من جهة أخرى ، تظهر بالتأمل فيما ذكرنا. وكيف كان : لا ينبغي التأمل في أن الرجوع إلى المرتكز العرفي ـ الذي هو المعيار المائز بين ما تدخله النيابة والوكالة ومالا تدخله ـ يقتضي البناء على كون العناوين المذكورة في المتن مما تدخله النيابة ، فإنها عند العرف كذلك. بل التسالم على كون القبض مما تدخله النيابة ، في كل مورد كان موضوعاً لحكم شرعي ، يقتضي البناء عليه هنا ، لأنها من أنواعه وأنحائه. فيبطل الوجه الأول.

هذا ولأجل أن اعتبار النيابة عند العقلاء إنما يصح فيما إذا كان‌

١٢٣

______________________________________________________

للمنوب فيه أثر يترتب عليه ، وإلا لم يكن للنيابة معنى ، ولا مجال لاعتبارها عند العقلاء ، فيكون بناؤهم على صحة النيابة في هذه العناوين كاشفاً عن كونها موضوعاً للآثار مطلقاً ، فيتعين الوجه الثاني الذي هو ثالث الوجوه المذكورة في المتن ، ويترتب عليه ما عرفت من أنه إذا استأجره بلحاظ المنفعة الخاصة ـ أعني : منفعة الحيازة ـ كان المحاز ملكا للمستأجر ، تبعاً لملكية الحيازة وإن قصد الأجير الحيازة عن نفسه أو عن غير المستأجر ، لعدم نفوذ قصده ، لكونه تصرفاً في ملك المستأجر ، كما لو حاز العبد بقصد غير مولاه.

وفي الشرائع في كتاب الشركة قال : « إذا استأجره للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد مدة معينة ، صحت الإجارة ، ويملك المستأجر ما يحصل في تلك المدة ». لكن قال في كتاب الوكالة : « إن الأمور المذكورة لا تقبل النيابة ». وأشكل عليه : بأن البناء على أنها لا تقبل النيابة يقتضي المنع من صحة الإجارة عليها. وفي الجواهر دفع الإشكال : « بأنه قد يمنع التلازم ، ويكون حينئذ ملك المباح في الفرض من توابع ملك العمل بالإجارة ، وهو غير التملك بالنيابة في الحيازة. ثمَّ قال : فتأمل » ولعله أشار بالأمر بالتأمل إلى أنه إذا لم تقبل العناوين المذكورة اختصت آثارها بالمباشر ، فيكون المباح ملكاً له ، فإذا بني على كونه ملكاً لمالك الحيازة وإن لم يكن هو المباشر ، كان ذلك قولا بقبولها للنيابة ، إذ ليس المراد من كونها قابلة للنيابة إلا هذا المعنى ، بأن يكون الأثر لغير المباشر

ثمَّ إنه قد استدل على الوجه الأول من الوجوه التي ذكرناها ، بما دل على أن من حاز ملك ، فان المضمون المذكور وإن لم يرد به نص بلفظه ، فقد ورد ما يدل على معناه ، مثل قوله (ع) : « لليد ما أخذت‌

١٢٤

______________________________________________________

وللعين ما رأت » (١). وفيه : أنه إذا كانت المرتكزات العرفية قاضية بقبولها النيابة ، فقد صدق ذلك بالنسبة إلى المنوب عنه ولا يصدق بالنسبة إلى النائب ، كما يظهر من ملاحظة نظائره ، فإذا ورد : « من صلى ركعتين فله كذا » ، وقلنا بقبول الصلاة للنيابة ، كانت الصلاة الواقعة من النائب منسوبة إلى المنوب عنه. لا إلى النائب ، مثل : من باع أو تزوج أو قبض وغيرها. ونظير المقام باب إحياء الموات ، فان قولهم (ع) : « من أحيا أرضا مواتاً فهي له » (٢). وإن كان مقتضى الجمود على عبارته تملك من قام به الاحياء ، لكن ما دل على قبول الاحياء للنيابة يقتضي عمومه للمباشرة والنيابة ، لأن فعل النائب فعل المنوب عنه ، فمن أحيا عن غيره كان غيره المحيي لا المباشر ، نظير قوله (ع) : « من بنى مسجداً كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة » (٣) ، فإن الأثر المذكور يكون لمن ملك البناء ولو لم يباشر.

نعم هنا شي‌ء وهو : أن ملك الحيازة هل يحصل بمجرد نية المباشر عن غيره كما يحصل بعقد الإجارة ، أولا؟ فيه إشكال ، ومقتضى أصالة عدم ترتب الأثر عدمه. بل العدم مقتضى قاعدة السلطنة على النفس. ومن ذلك يشكل البناء على عموم صحة النيابة ولو تبرعاً.

والمتحصل مما ذكرنا : أن مقتضى الجمود على ما تحت مفاد الأدلة الأولية هو عدم صحة النيابة في أمثال المقام ، وأن المحاز ملك للحائز مباشرة. وبعد ملاحظة ما دل على قبول مثل ذلك للنيابة ، والجمع بينه وبين الأدلة الأولية ، يتعين البناء على أن المحاز ملك لمالك الحيازة ، لا من قامت به‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الصيد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب كتاب احياء الموات حديث : ٥ ، ٦.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب أحكام المساجد حديث : ٢ ، ٦.

١٢٥

______________________________________________________

الحيازة ، نظير : « من أحيا أرضاً » و « من بنى مسجداً ». وهذا الملك تارة : يكون بالإجارة ، وأخرى : يكون بغيرها من جعالة ونحوها ، وقد يكون بالأمر بها مجاناً ، فيحوز المأمور بنية ملك الآمر. أما تبرع الحائز بدون إذن من حاز له فلا أثر له في الملك ، لما عرفت من أنه خلاف قاعدة السلطنة. بل قد يشكل حصوله بمجرد الأمر بالحيازة مجاناً ، لعدم الدليل على حصول الملك بمجرد ذلك. وقبول الحيازة للنيابة لا يقتضي ذلك ، لأن القابلية أعم من الفعلية ، فما لم يقم دليل على النفوذ يكون المرجع أصالة عدم ترتب الأثر. اللهم إلا أن يدخل ذلك في الهبة ، فيدل على ترتب الأثر ما دل على نفوذ الهبة. فتأمل.

ثمَّ إنه هل يعتبر في ملك الحائز لما حاز نية التملك ، أولا يعتبر ذلك؟ في الشرائع : « قيل : لا. وفيه تردد ». وفي القواعد : « فيه اشكال. وصريح المبسوط في كتاب احياء الموات اعتبارها. قال فيه : لأن المحيي إنما يملك بالإحياء إذا قصد تملكه ». وتبعه عليه جماعة ، منهم الشهيد في الدروس. وجزم في الجواهر في كتاب إحياء الموات وغيره بعدم الاعتبار ، وقال في كتاب الشركة : « يمكن دعوى السيرة ، بل الضرورة على خلاف ذلك » ( يعني : ما ذكره في المبسوط ) وفي مفتاح الكرامة : « الأقرب الاعتبار » ، وذكر أنه قد استدل عليه بالأخبار المستفيضة الواردة فيما يكون في جوف السمكة مما يكون في البحر (١) ، وبالإجماعين الظاهرين من التذكرة والمختلف ، المعتضدين بالشهرات. واستدل له في جامع المقاصد بما تكرر في فتوى الأصحاب من أن ما يوجد في جوف السمكة مما يكون في البحر يملكه المشتري ولا يجب دفعه إلى البائع يعني : أنه لو لم تعتبر النية لكان ملكاً للبائع لكونه حائزاً ، ولا وجه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب اللقطة.

١٢٦

من الأسباب القهرية لتملك الحائز [١] ولو قصد الغير ، ولازمه عدم صحة الاستئجار لها. أو يعتبر فيها نية التملك ودائرة مدارها ، ولازمه صحة الإجارة ، وكون المحوز لنفسه إذا قصد نفسه وإن كان أجيراً للغير ، وأيضاً لازمه عدم حصول الملكية له إذا قصد كونه للغير ، من دون أن يكون أجيراً له أو وكيلا عنه ، وبقاؤه على الإباحة إلا إذا قصد بعد ذلك كونه له بناء على عدم جريان التبرع في حيازة المباحات والسبق إلى المشتركات ، وإن كان لا يبعد جريانه. أو أنها من الأسباب القهرية لمن له تلك المنفعة ، فان لم يكن أجيراً يكون له ، وإن‌

______________________________________________________

لأن يكون للمشتري. وفيه : أن الظاهر أن البائع باع تمام ما حازه ، وإن كان يعتقد أنه سمكة فقط ، فالخطأ يكون في التطبيق لا غير. ثمَّ إن ما ذكره من الفتوى قد تضمنتها جمله من النصوص ، ذكرها في الوسائل في كتاب اللقطة ، فراجعها. ودلالتها على اعتبار نية التملك غير ظاهرة ، وان استدل بها في مفتاح الكرامة.

هذا وفي الجواهر قوى اعتبار قصد الحيازة في حصول الملك ، فمن حول تراباً أو حجراً عن طريق بقصد التمكن من العبور عنه لا يملكه. وكأنه لانصراف الأدلة عن مثل ذلك وهو غير بعيد ، ولا سيما مع موافقته للسيرة. وأظهر منه صورة ما إذا لم يتحقق القصد أصلا ، كما في حيازة النائم ونحوه.

[١] الظاهر من العبارة ـ بقرينة ما يأتي من قوله : « أو أنها من الأسباب القهرية .. » ـ أن المراد من كونها من الأسباب القهرية : أنها توجب تملك المباشر ، الذي هو الوجه الأول من الوجوه التي ذكرناها في الحاشية السابقة. لكن هذا المبنى لا يترتب عليه شي‌ء من الاحتمالين السابقين ، إذ الاحتمال الثاني ـ وهو كون المحاز للمستأجر ـ لا وجه لترتبه‌

١٢٧

قصد الغير فضولاً فيملك بمجرد قصد الحيازة ، وإن كان أجيراً للغير يكون لذلك الغير قهراً ، وإن قصد نفسه أو قصد غير ذلك الغير [١]. والظاهر عدم كونها من الأسباب القهرية مطلقاً ، فالوجه الأول غير صحيح ، ويبقى الإشكال في ترجيح أحد الأخيرين ، ولا بد من التأمل [٢].

( مسألة ٧ ) : يجور استئجار المرأة للإرضاع [٣] ، بل للرضاع بمعنى :

______________________________________________________

عليه. وأما الاحتمال الأول : فهو وإن كان يترتب في الجملة ، لكن من بعض آثار ذلك الاحتمال أن يكون ضامناً للمستأجر ، ولا وجه لترتبه على هذا المبنى ، لان لازم المبنى ـ كما ذكر ـ عدم صحة الإجارة ، فلا وجه لضمان المستأجر. وأيضاً لازم هذا المبنى تملك الحائز المحاز مطلقاً قصد نفسه أو غيره. وأيضاً فإن القول بأن المحاز ملك للمستأجر لا يترتب على شي‌ء من المبنيين. وبالجملة : ابتناء القولين السابقين على المبنيين المذكورين غير ظاهر.

[١] لما عرفت من أنه لا سلطنة له على ذلك القصد ، لأنه تصرف في ملك الغير فلا يؤثر شيئاً. هذا إذا كانت الإجارة واقعة على المنفعة الخارجية ، ولو كانت على ما في الذمة يكون المدار على قصده ، إذ لا مانع عن تأثيره.

[٢] قد عرفت في الحاشية السابقة ترجيح الأخير ، الذي هو الوجه الثاني مما ذكرناه من الوجوه الثلاثة.

[٣] بلا اشكال ظاهر. وهو المتيقن من معقد الإجماع على الجواز في المسألة. وتقتضيه عمومات الصحة ، لأن الإرضاع من المنافع ذات المالية التي يبذل المال بإزائها عند العقلاء. والقرآن المجيد شاهد بذلك ،

١٢٨

الانتفاع بلبنها [١] وإن لم يكن منها فعل مدة معينة. ولا بد من مشاهدة الصبي الذي استؤجرت لارضاعه ، لاختلاف الصبيان. ويكفي وصفه على وجه يرتفع الغرر. وكذا لا بد من تعيين المرضعة شخصاً أو وصفاً على وجه يرتفع الغرر. نعم لو استؤجرت على وجه يستحق منافعها أجمع التي منها للرضاع ، لا يعتبر حينئذ مشاهدة الصبي أو وصفه [٢]. وإن اختلفت الأغراض بالنسبة إلى مكان الإرضاع ـ لاختلافه من حيث السهولة والصعوبة والوثاقة وعدمها ـ لا بد من تعيينه أيضا.

______________________________________________________

لقوله تعالى ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (١) ، فلا مانع من أخذ العوض بإزائه.

وأما الإجارة للرضاع : فالقول بجوازها محكي عن جماعة ـ وهو ظاهر الشرائع وغيرها مما عبر فيه بجواز الاستئجار للرضاع. لكنه مشكل كما أشار إلى وجهه غير واحد ، منهم جامع المقاصد ، لأن الإجارة مشروعة لنقل المنافع لا الأعيان ، واللبن من الثانية. بل يظهر من محكي التذكرة : الإجماع على الفساد فيه ، وأنه يتم على قول المخالفين من أن الإجارة قد تكون لنقل الأعيان. اللهم الا أن يقال : إن الارتضاع من المرأة من قبيل المعنى مقابل اللبن ، يمكن تمليكه بالإجارة.

[١] كان اللازم أن يقيده بقوله : « على نحو الارتضاع » لتكون إجارة المرأة كإجارة الدار ، لتستوفي منافعها ، في مقابل الإجارة للإرضاع التي هي من قبيل إجارة العامل. وأما الانتفاع باللبن فهو انتفاع بالعين ، لا تصح الإجارة بلحاظه كما عرفت ، وسيأتي في المسألة الثانية عشرة.

[٢] كما نص على ذلك في الجواهر. وكأنه لعدم كونه موضوعاً‌

__________________

(١) الطلاق : ٦.

١٢٩

( مسألة ٨ ) : إذا كانت الامرأة المستأجرة مزوجة ، لا يعتبر في صحة استئجارها إذنه [١] ، ما لم يناف ذلك لحق استمتاعه ، لأن اللبن ليس له [٢] ، فيجوز لها الإرضاع من غير رضاه. ولذا يجوز لها أخذ الأجرة من الزوج على إرضاعها لولده [٣] ، سواء كان منها أو من غيرها. نعم لو نافى ذلك حقه لم يجز إلا بإذنه ، ولو كان غائبا فآجرت نفسها للإرضاع فحضر في أثناء المدة وكان على وجه ينافي حقه ، انفسخت‌

______________________________________________________

للإجارة ، كما لو استأجر الدابة بجميع منافعها ، فإنه لا يعتبر في صحتها ذكر الحمل فضلاً عن مقداره ، لأن الغرر مرتفع بذكر المدة ، والمرجع في كيفية الانتفاع هو المتعارف. ومن ذلك يظهر أنه إذا استأجر الدابة للحمل والمرأة للإرضاع ، لم يحتج الى تعيين الحمل أو المرتضع ، لأن التعارف كافٍ في رفع الغرر ، بخلاف ما لو استأجر الدابة لحمل شي‌ء معين ، أو المرأة لإرضاع طفل معين ، لأن خصوصية المنفعة لما كانت يختلف الغرض والقيمة باختلافها ، كان الجهل بها موجباً للغرر. فعدم الحاجة الى تعيين الصبي لا يختص بصورة إجارتها بلحاظ جميع المنافع ، فإنه إذا استأجرها لخصوص الإرضاع لا يحتاج أيضاً الى تعيين الصبي.

[١] عن المبسوط والخلاف والسرائر : اعتبار ذلك. وحكي عن الشرائع والجامع ، لأنه لا دليل على الصحة بدونه ، ولأن الزوج مالك لمنافعها. وكلا الأمرين كما ترى.

[٢] وكذا الإرضاع والارتضاع.

[٣] عن الشيخ في المبسوط : المنع عن ذلك ، وحكي عن جماعة من أهل الخلاف ، لأنها قد أخذت عوضاً في مقابل الاستمتاع ، وآخر في مقابل التمكين والحبس ، فلا تأخذ عوضاً آخر. وهو كما ترى.

١٣٠

الإجارة بالنسبة إلى بقية المدة.

( مسألة ٩ ) : لو كانت الامرأة خلية فآجرت نفسها للإرضاع أو غيره من الاعمال ، ثمَّ تزوجت ، قدم حق المستأجر على حق الزوج في صورة المعارضة ، حتى أنه إذا كان وطؤه لها مضراً بالولد منع منه [١].

( مسألة ١٠ ) : يجوز للمولى إجبار أمته على الإرضاع [٢] إجارة أو تبرعاً ، قنة كانت أو مدبرة أو أم ولد. وأما المكاتبة المطلقة : فلا يجوز له إجبارها [٣]. بل وكذا المشروطة. كما لا يجوز في المبعضة [٤]. ولا فرق بين كونها ذات ولد يحتاج إلى اللبن أولا ، لإمكان إرضاعه من لبن غيرها.

( مسألة ١١ ) : لا فرق في المرتضع بين أن يكون معيناً أو كلياً ، ولا في المستأجر بين تعيين مباشرتها للإرضاع أو جعله في ذمتها ، فلو مات الصبي في صورة التعيين أو الامرأة في صورة تعيين المباشرة انفسخت الإجارة. بخلاف ما لو كان الولد كلياً أو جعل في ذمتها ، فإنه لا تبطل بموته أو موتها إلا مع تعذر الغير من صبي أو مرضعة.

______________________________________________________

[١] في القواعد : « للزوج الوطء وإن لم يرض المستأجر ». وكأنه منزل على صورة عدم الضرر.

[٢] لأنه مملوك له تبعاً لملك الأمة ، فلا يجوز التصرف فيه بغير إذنه.

[٣] لخروجها عن سلطنته ، للإجماع على انقطاع سلطنة المولى عن مال المكاتب بغير الاستيفاء ، من غير فرق بين المكاتب المطلق والمشروط.

[٤] للاشتراك بينه وبينها.

١٣١

( مسألة ١٢ ) : يجوز استئجار الشاة للبنها [١] ، والأشجار للانتفاع بأثمارها [٢] ، والآبار للاستقاء [٣] ، ونحو ذلك. ولا يضر كون الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان ، لأن المناط في المنفعة هو العرف ، وعندهم يعدّ اللبن منفعة للشاة ، والثمر منفعة للشجر ، وهكذا. ولذا قلنا بصحة استئجار المرأة للرضاع وإن لم يكن منها فعل [٤] ، بأن انتفع بلبنها ، في حال نومها ، أو بوضع الولد في حجرها وجعل ثديها في‌

______________________________________________________

[١] المشهور في الشاة ـ كما قيل ـ : المنع. وعن بعض : الجواز ، اعتماداً على مصححة ابن سنان : « عن رجل دفع إلى رجل غنمه بسمن ودراهم معلومة ، لكل شاة كذا وكذا في كل شهر. قال (ع) : لا بأس بالدراهم ، أما السمن فلا أحب ذلك ، إلا أن تكون حوالب فلا بأس » (١) ونحوها رواية الحلبي (٢). لكنهما غير ظاهرتين في الإجارة. فالمرجع القواعد المقتضية للمنع.

[٢] قيل : لا خلاف ظاهراً في فساد الإجارة. ويقتضيه ما تقدم في الاستئجار للرضاع.

[٣] عن موضع من التذكرة وعن الإيضاح : القول بالجواز ، بدعوى أن الملحوظ في الإجارة منفعة البئر ، وإن أدى استيفاؤها إلى إتلاف العين. وفيه : أنه لا يظهر للبئر منفعة غير الانتفاع بإتلاف مائها ، ولذا كان المختار للقواعد وموضع من التذكرة وعن جامع المقاصد : المنع. وهو في محله كما يأتي.

[٤] قد عرفت إشكاله في شرح المسألة السابقة ، وأن الارتضاع من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب عقد البيع وشروطه حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب عقد البيع وشروطه حديث : ١.

١٣٢

فم الولد من دون مباشرتها لذلك. فما عن بعض العلماء من إشكال الإجارة في المذكورات ، لأن الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان ، وهو خلاف وضع الإجارة ، لا وجه له [١].

______________________________________________________

المرأة نحو منفعة لها خصوصية زائدة على الانتفاع باللبن ، فان انتفاع الطفل باللبن حين ما يوضع في كأس ويشرب غير انتفاعه به حين ما يشرب بنحو الارتضاع ، ولذا كان الأول غير محرم والثاني محرماً للنكاح. وكأن ما ذكرناه في كتاب ( نهج الفقاهة ) من عدم صحة إجارة المرأة للرضاع ، ناشئ عن غض النظر عن ذلك ، كما قد يتفق كون المقصود مجرد الانتفاع باللبن ولو بالشرب من كأس لا خصوص الارتضاع من الثدي.

[١] بل له وجه ظاهر ، لأن الإجارة عرفاً ـ كما عرفت في أول الكتاب ـ وإن كانت واقعة على العين ، لكن في حاقها المعاوضة على المنفعة ، فتكون الأجرة في مقابل المنفعة ، واللبن والماء والثمر في الموارد المذكورة أعيان لا منافع ، فلا تكون المعاوضة عليها من قبيل الإجارة.

ودعوى : أنها وإن كانت أعياناً لكنها بالإضافة إلى الأعيان التي وقعت عليها الإجارة منافع ، فإن منفعة الشاة لبنها ، ومنفعة الشجرة ثمرها ، ومنفعة البئر ماؤها ، فالأمور المذكورة أعيان في أنفسها ومنافع لغيرها ، فلا مانع من إيقاع الإجارة على أصلها بلحاظها.

مندفعة : بأن المنفعة الملحوظة في المعاوضة في الإجارة يراد بها ما هو مقابل العين ، فإنهم ذكروا : أن البيع تمليك الأعيان ، والإجارة تمليك المنافع ، فالمنافع يراد بها ما يقابل العين ، فلا تنطبق على العين ، والا لجازت إجارة الشاة بلحاظ سخلها ، والجارية بلحاظ ولدها ، والبذر بلحاظ الزرع. وكذا في جميع موارد التوالد. فيكون الفرق بين البيع والإجارة : أن البيع يقع على ما هو مقصود بنفسه في المعاوضة ، والإجارة‌

١٣٣

( مسألة ١٣ ) : لا يجوز الإجارة لإتيان الواجبات العينية [١] ، كالصلوات الخمس ، والكفائية كتغسيل الأموات وتكفينهم والصلاة عليهم ، وكتعليم القدر الواجب من أصول الدين وفروعه ، والقدر الواجب من تعليم القرآن ، كالحمد وسورة منه ، وكالقضاء والفتوى ، ونحو ذلك. ولا يجوز الإجارة على الأذان [٢]. نعم لا بأس بارتزاق القاضي ، والمفتي والمؤذن من بيت المال. ويجوز الإجارة لتعليم الفقه والحديث والعلوم الأدبية وتعليم القرآن [٣] ، ما عدا المقدار الواجب ، ونحو ذلك.

______________________________________________________

تقع على ما هو مقصود لغيره فيها وإن كان عيناً ، ويكون باب بيع الثمار من قبيل إجارة الأشجار ، فيناسب ذكره في باب الإجارة. ولأجل ما ذكرنا صح أن يضاف الأجر إلى ذي المنفعة ، فيقال : أجر الأجير ، وأجرة الدار ، وأمثال ذلك ، لكون المنفعة قائمة بالعين المستأجرة. ولو كانت المنفعة عيناً لم يحسن ذلك.

ومثلها دعوى : أن المنفعة الملحوظة في إجارة الشجر ليست الثمر بل الانتفاع بالثمر ، وهو من قبيل المعنى لا العين. وجه الاندفاع : أن الانتفاع بالثمرة ليس منفعة للشجر ، بل للثمر نفسه ، فلا يرتبط بإجارة الشجر.

[١] قد تكرر التعرض لذلك في هذا الشرح ، وقد تقدم في مبحث القراءة في الصلاة الوجوه المستدل بها على المنع ، والمناقشة فيها ، وأن العمدة في دعوى المنع : اليقين بوجوب حصولها مجاناً. فراجع.

[٢] تقدم الكلام فيه في مبحث الأذان ، فراجع.

[٣] تقتضي ذلك عمومات الصحة ، بعد أن كان التعليم موضوع الأغراض العقلائية ، بل هو من أفضلها.

١٣٤

( مسألة ١٤ ) : يجوز الإجارة لكنس المسجد والمشهد وفرشها ، وإشعال السراج ، ونحو ذلك [١].

( مسألة ١٥ ) : يجوز الإجارة لحفظ المتاع أو الدار أو البستان مدة معينة عن السرقة والإتلاف ، واشتراط الضمان لو حصلت السرقة أو الإتلاف ولو من غير تقصير [٢] ، فلا بأس بما هو المتداول من اشتراط الضمان على الناطور إذا ضاع مال‌

______________________________________________________

[١] لما عرفت ، فلا يكون أكل الأجرة أكلاً للمال بالباطل.

[٢] يعني : شرط نفس الضمان على نحو يكون من شرط النتيجة : وقيل بعدم صحة ذلك ، فلا يصح إلا إذا كان بنحو شرط الفعل ، يعني : تدارك الخسارة ، بناء على عدم ضمان الأمين ، فإنه إذا كان الشرط بنحو شرط النتيجة ، يكون الشرط مخالفاً للكتاب فيبطل. وما في خبر إسحاق ابن عمار (١) من ضمان الأجير إذا كان أجيراً على الحفظ محمول على صورة اشتراط تدارك الخسارة ، لا الضمان بمعنى النتيجة كما هو ظاهره عند الإطلاق ، إذ بعد عدم إمكان الأخذ بإطلاقه لمخالفته للإجماع ، لا يتعين حمله على صورة اشتراط الضمان بمعنى النتيجة ، بل من الجائز حمله على صورة اشتراط الضمان بمعنى شرط الفعل ، بل هو المتعين ، لأن الأول شرط مخالف للكتاب.

هذا وقد تقدم في فصل : أن العين المستأجرة أمانة ، الكلام في ذلك. وأن قاعدة عدم ضمان الأمين لا تقتضي كون شرط الضمان بمعنى النتيجة مخالفاً للكتاب. والعمدة في المنع : كون شرط النتيجة في نفسه غير معقول. فراجع.

__________________

(١) لعل المقصود به ما في الوسائل باب : ٢٨ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٣.

١٣٥

لكن لا بد من تعيين العمل والمدة والأجرة على شرائط الإجارة.

( مسألة ١٦ ) : لا يجوز استئجار اثنين للصلاة عن ميت واحد في وقت واحد [١] ، لمنافاته للترتيب المعتبر في القضاء بخلاف الصوم فإنه لا يعتبر فيه الترتيب. وكذا لا يجوز استئجار شخص واحد لنيابة الحج الواجب عن اثنين ، ويجوز ذلك في الحج المندوب [٢]. وكذا في الزيارات [٣] كما يجوز النيابة‌

______________________________________________________

[١] نص على ذلك غير واحد ، لما ذكره المصنف (ره) من منافاته للترتيب المعتبر في القضاء. فمن لا يقول باعتباره في القضاء لا مانع عنده من ذلك.

[٢] في صحيح ابن إسماعيل : « سألت أبا الحسن (ع) كم أشرك في حجتي؟ قال (ع) : كم شئت » (١). وفي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : أشرك أبوي في حجتي؟ قال (ع) : نعم. قلت أشرك أخوتي في حجتي؟. قال (ع) : نعم ، إن الله عز وجل جاعل لك حجاً ولك أجر لصلتك إياهم » (٢). ونحوهما غيرهما. فاذا ثبتت مشروعيته جازت الإجارة عليه.

[٣] في رواية إبراهيم الحضرمي عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) : « فإذا أتيت قبر النبي (ص) فقضيت ما يجب عليك ، فصل ركعتين ، ثمَّ قف عند رأس النبي (ص) ، ثمَّ قل السلام عليك يا نبي الله ، عن أبي وأمي وولدي وخاصتي وجميع أهل بلدي ، حرهم وعبدهم ، وأبيضهم وأسودهم ، فلا تشاء أن تقول للرجل : قد أقرأت رسول الله (ص) عنك السلام إلا كنت صادقاً » (٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

١٣٦

عن المتعدد تبرعاً في الحج والزيارات [١]. ويجوز الإتيان بها لا بعنوان النيابة بل بقصد إهداء الثواب لواحد أو متعدد [٢]

( مسألة ١٧ ) : لا يجوز الإجارة للنيابة عن الحي في الصلاة ولو في الصلوات المستحبة [٣]. نعم يجوز ذلك في الزيارات والحج المندوب. وإتيان صلاة الزيارة ليس بعنوان‌

______________________________________________________

[١] كما هو مورد النصوص المتقدمة.

[٢] قد تقدم في صلاة الاستيجار ذكر بعض ما يدل على إهداء الثواب ، ولعل منه ما في مرسل الفقيه : « قال رجل للصادق (ع) : جعلت فداك إني كنت نويت أن أدخل في حجتي العام أبي أو بعض أهلي فنسيت. فقال (ع) : الآن فأشركهما » (١).

ونحوه خبر الحارث بن المغيرة (٢). فإن الظاهر من الإشراك بعد العمل الإشراك في الثواب ، كما فهمه منه في الوسائل. ثمَّ إن المصنف (ره) سيتعرض للإجارة على إهداء الثواب في المسألة الحادية والعشرين.

[٣] يدل على الجواز رواية محمد بن مروان : « ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين ، يصلي عنهما ، ويتصدق عنهما ، ويحج عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك .. » (٣) ، وفي رواية علي بن أبي حمزة : « قلت لأبي إبراهيم (ع) : أحج وأصلي وأتصدق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟. قال (ع) : نعم تصدق عنه ، وصل عنه ، ولك أجر بصلتك إياه » (٤). لكن في الوسائل بعد ذكر الخبر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قضاء الصلاة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قضاء الصلاة حديث : ٩.

١٣٧

النيابة بل من باب سببية الزيارة ، لاستحباب الصلاة بعدها ركعتين [١].

______________________________________________________

الأول قال : « أقول : الصلاة عن الحي مخصوص بصلاة الطواف والزيارة لما يأتي ». وكأنه يشير إلى ما ذكره من خبر عبد الله بن جندب : « كتبت إلى أبي الحسن (ع) : أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله في البر والصلة والخير أثلاثاً ، ثلثاً له وثلثين لأبويه أو يفردهما بشي‌ء مما يتطوع به. وإن كان أحدهما حياً والآخر ميتاً. فكتب الي : أما الميت : فحسن جائز ، وأما الحي : فلا إلا البر والصلة » (١). بناء على ما في بعض النسخ من كون « الصلاة » بدل « الصلة » ، كما هو الصحيح حسب ما يظهر من كلام ابن طاوس في ذيل الحديث المذكور. وفيه : أن مورد الحديث التشريك للحي في الصلاة ، فلا يدل على المنع من أفراده بالنيابة عنه ، إذ لعل للتشريك خصوصية ، كما قد ورد ذلك في خبر علي بن جعفر عليه‌السلام عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام : « سألته عن رجل جعل ثلث حجته لميت وثلثيها لحي. فقال عليه‌السلام : للميت ذلك وللحي فلا » (٢) ، مع ورود النص في جواز التبرع بالحج عن الحي. ولذلك قال السيد ابن طاوس ـ بعد ذكر خبر عبد الله بن جندب ـ : « لا يراد بهذه الصلاة المندوبة ، لأن الظاهر جوازها عن الأحياء في الزيارات والحج وغيرهما ». فالظاهر جواز النيابة عن الحي في الصلاة المندوبة كغيرها ، كما هو ظاهر شيخنا الأعظم (ره) في رسالة القضاء.

[١] الذي يظهر من النصوص : أن النيابة في الصلاة على نحو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قضاء الصلاة حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٩.

١٣٨

ويحتمل جواز قصد النيابة فيها لأنها تابعة للزيارة [١]. والأحوط إتيانها بقصد ما في الواقع.

( مسألة ١٨ ) : إذا عمل للغير لا بأمره ولا إذنه ، لا يستحق عليه العوض [٢] وإن كان بتخيل أنه مأجور عليه فبان خلافه.

( مسألة ١٩ ) : إذا أمر بإتيان عمل فعمل المأمور ذلك فان كان بقصد التبرع لا يستحق عليه أجرة وإن كان من قصد الآمر إعطاء الأجرة [٣] ، وإن قصد الأجرة وكان ذلك العمل مما له أجرة استحق وإن كان من قصد الآمر إتيانه تبرعاً [٤] ، سواء كان العامل ممن شأنه أخذ الأجرة ومعداً نفسه لذلك أولا بل وكذلك إن لم يقصد التبرع ولا أخذ الأجرة ، فإن عمل المسلم محترم. ولو تنازعا بعد ذلك في أنه قصد التبرع أو لا ،

______________________________________________________

النيابة في الزيارة ، لا أن الصلاة عن نفسه والزيارة عن غيره.

[١] كما عرفت أنه ظاهر النصوص.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، للأصل ، وعدم ثبوت سبب الضمان من عقد أو يد أو إتلاف. نعم بناء على أنه يكفي في كون العمل تحت اليد رجوع فائدته اليه يكون القول بالضمان في محله. لكنه غير ثابت.

وقاعدة احترام عمل المسلم كما له غير ثابتة كلية بنحو تستتبع الضمان عن المعمول له كما لا يخفى.

[٣] بلا خلاف ظاهر ، فإنه إباحة منه لعمله تمنع عن ضمانه واحترامه كإباحة ماله.

[٤] على المشهور شهرة عظيمة ، بل لم يحك الخلاف فيه. نعم‌

١٣٩

قدّم قول العامل ، لأصالة عدم قصد التبرع بعد كون عمل المسلم محترماً ، بل اقتضاء احترام عمل المسلم ذلك وإن أغمضنا‌

______________________________________________________

ظاهر ما في الشرائع في كتاب الجعالة من قوله : « لو استدعى الرد ولم يبذل الأجرة لم يكن للراد شي‌ء ، لأنه متبرع بالعمل » خلافه في ذلك ، مع بنائه في كتاب الإجارة على الاستحقاق إذا دفع الى العامل شيئاً ليعمل فيه ، إذا كان من عادة العامل أن يستأجر لذلك ـ كالغسال والصباغ ـ أو كان العمل مما له اجرة.

وكيف كان : فلا خلاف محقق في الضمان. وفي مجمع البرهان : « يحتمل أن يكون مجمعاً عليه ». نعم الإشكال في مستنده ، إذ الضمان إما بالعقد أو باليد أو بالإتلاف ، والجميع هنا محل الإشكال ، فإنه لا عقد صحيح في البين ، لا إجارة ولا جعالة ، للجهل بالأجرة والجعل. ولو سلم ثبوتهما فاسدتين ليترتب عليه الضمان بقاعدة : « ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده » ، فغير مطرد في صورة قصد الآمر التبرع كما فرض في المتن. وإن كان باليد فغير ظاهر أيضاً ، لأن قاعدة : ( على اليد ) لو شملت المنافع اختصت بما لو كان ذو المنفعة تحت اليد ، لتكون المنفعة تحت اليد تبعاً ، وهو لا يتم في عمل الحر كما عرفت في أول الكتاب. فتأمل. وإن كان بالإتلاف فأشكل ، لأن سببية العامل فيه أقوى من الآمر ، لأنه المباشر ، كما لو أمره بإتلاف مال الغير وأكل طعامه ، فان المتلف هو الضامن لا الآمر.

والذي ذكره في المسالك وغيرها : أن الموجب للضمان استيفاء المنفعة ذات المالية. لكن سببية ذلك للضمان أيضاً محتاجة إلى دليل. وفي الجواهر : الاستدلال له بقاعدة احترام عمل المسلم كماله. كما أشار إليه في المتن وجملة من كتب الأصحاب. لكن عرفت سابقاً : أن كون عمل المسلم محترماً‌

١٤٠