مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

ليخيطه ، أو الكتاب الذي يكتبه ، أو نحو ذلك مما كان العمل في شي‌ء بيد المؤجر : فهل يكفي إتمامه في التسليم ، فبمجرد الإتمام يستحق المطالبة ، أولا إلا بعد تسليم مورد العمل ، فقبل أن يسلم الثوب ـ مثلا ـ لا يستحق مطالبة الأجرة؟ قولان ، أقواهما : الأول [١] ، لأن المستأجر عليه نفس العمل ، والمفروض‌

______________________________________________________

[١] كما اختاره في الجواهر ، تبعاً لما في الشرائع وظاهر غيرها ، للوجه المذكور في المتن. والثاني : ظاهر القواعد ، وحكي عن جملة أخرى ، واختاره بعض الأعاظم في حاشيته فقال : « بل الثاني ، وضابط ذلك هو : أنه لما كانت مالية العمل باعتبار نفس صدوره من العامل ـ كالعبادات مثلا وحفر البئر وبناء الجدار وحمل المتاع ونحوه من مكان إلى آخر ـ فالفراغ عن العمل تسليمه. وإن كان الأثر المتولد منه هو مناط ماليته ـ كالخياطة والقصارة والصياغة ونحو ذلك ـ فذلك الأثر يملك تبعاً لتملك العمل ، ويتوقف تسليم ما آجر نفسه له على تسليمه بتسليم مورده على الأقوى. ولو تلف قبل ذلك بعد الفراغ عن العمل المستأجر له ـ كالخياطة مثلا ـ كان بالنسبة إلى متعلق الإجارة من التلف قبل القبض الموجب لانفساخها. ولو أتلفه المؤجر أو أجنبي يتخير المالك في فسخ الإجارة. فيستوفي قيمة الثوب غير مخيط ممن أتلفه ، أو إمضائها فيستوفي قيمته مخيطاً ، ويدفع الى العامل قيمة الخياطة. ويثبت للعامل حق حبس العين بعد إتمام العمل الى ان يستوفي أجرته ».

أقول : قوله في الحاشية المذكورة : « كالعبادات » لا يخلو من نظر ، فإن مالية الأفعال المذكورة إنما هو بلحاظ ما يترتب عليها من الآثار ، لا بلحاظها في نفسها ، ولا سيما في مثل بناء الجدار ، فان الفرق بينه وبين خياطة الثوب في غاية الخفاء. فإن الصفة الحادثة في الثوب من الخياطة‌

٦١

______________________________________________________

بعينها الصفة الحادثة في الجدار من البناء. وهي في المقامين منشأ الرغبة في العمل ، التي هي الموجب لاعتبار المالية فيهما.

وربما يحتمل أن يكون وجه الفرق بين الأمثلة المذكورة : أن الأثر المترتب على العمل في القسم الأول ليس له وجود خارجي ، فإن نقل المتاع من مكان إلى آخر ، إنما يترتب عليه إضافة الظرفية إلى المكان الثاني ، وليس هناك وجود زائد على وجود الظرف والمظروف ، ونحوه بناء الجدار ، وحفر البئر ، إذ لا يترتب على الأول إلا اتصال الحجارة بالطين ، ولا على الثاني إلا فصل التراب عن موضعه. وكذا أمثالها مما لا يترتب على الأعمال فيها إلا الإضافات الخاصة ، بخلاف مثل صبغ الثوب ، فان اللون موجود خارجي زائد على موضوعه.

وفيه : أن ذلك جار بعينه في مثل الخياطة والصياغة ، فإن المترتب عليه ليس إلا الهيئة الخاصة ، الحاصلة من تقارب الأجزاء أو تواصلها. مع أن كون الأمور المذكورة ليست موجودات خارجية وأنها إضافات خارجية لا يستوجب الفرق بينها وبين مثل السواد والبياض في الحكم المذكور ، فان العرف لا يفرق بينهما في جميع الأحكام ، فان كان مثل السواد والبياض مملوكاً فهي أيضاً مملوكة ، وإن كان مثلها مناط المالية فهي أيضاً كذلك. وإن كان مثلها مما تصح الإجارة عليه فهي أيضاً كذلك ، وإن كان تسليم العمل بتسليمها فهي أيضاً كذلك ، فالفرق بينهما غير ظاهر.

قوله ـ في الحاشية ـ : « تبعاً لتملك » : لا إشكال في أن الأثر يملك تبعاً للعمل ، لأنه متولد منه ، إلا أن هذا المقدار لا يستوجب كون الأثر موضوعاً للمعاوضة المأخوذة في حاق الإجارة ، لمباينته للعمل الذي هو تمام موضوعها ، وحينئذ لا يكون عقد الإجارة موجباً لتسليمه في ظرف تسلم الأجرة. هذا مضافاً الى أن تملك الأثر بالتبعية لا يتوقف على كون‌

٦٢

أنه قد حصل ، لا الصفة الحادثة في الثوب ـ مثلا ـ وهي المخيطة [١] ، حتى يقال : إنها في الثوب وتسليمها بتسليمه. وعلى ما ذكرنا : فلو تلف الثوب ـ مثلا ـ بعد تمام الخياطة في يد المؤجر بلا ضمان يستحق أجرة العمل ، بخلافه على القول الآخر [٢]. ولو تلف مع ضمانه أو أتلفه ، وجب عليه قيمته‌

______________________________________________________

مالية العمل بلحاظ ترتبه ، فإنه لو كانت مالية العمل بلحاظ نفسه ، وكان يترتب عليه أثر عيني خارجي أيضاً يكون مملوكاً لمالك. فالضابط ـ على هذا ـ ينبغي أن يكون هكذا : يعني : أن العمل المستأجر عليه قسمان : الأول : ما لا يكون له أثر في موضوع. والآخر : ما يكون له أثر عيني في موضوع. فالأول : لا إشكال في حصول تسليمه بإتمامه ، واستحقاق الأجرة به. والثاني : فيه القولان المذكوران.

قوله ـ في الحاشية ـ : « يتخير المالك » : يعني : لا تبطل الإجارة بالتلف المذكور ، لأن التالف لما كان مضموناً لم يكن من التلف قبل القبض ، بل من قبيل تخلف الوصف قبل القبض ، الموجب للخيار.

[١] لأنها عين ، والإجارة انما تكون على المنفعة التي تنطبق على العمل لا على العين.

[٢] فإنه لا يستحق الأجر ، لبطلان الإجارة بالتلف قبل القبض. لكن هذا مبني على التعدي من البيع إلى الإجارة ، وهو غير ظاهر كما تقدم في المسألة السابعة ، وتعرضنا له في شرح المسألة الرابعة. إلا أن يقال : إذا كان وجوب التسليم مشروطاً بإمكانه ، فمع التلف لا يجب التسليم ، وإذا كان الشي‌ء لا يجب تسليمه أبداً لا يصح اعتبار الملكية له. لكن ذلك غير البطلان. أو أن مقصودهم من أن التلف موجب للبطلان : أنه لا يجب معه التسليم.

٦٣

مع وصف المخيطية لا قيمته قبلها ، وله الأجرة المسماة. بخلافه على القول الآخر ، فإنه لا يستحق الأجرة وعليه قيمته غير مخيط. وأما احتمال عدم استحقاقه الأجرة مع ضمانه القيمة مع الوصف. فبعيد ، وإن كان له وجه [١]. وكذا يتفرع على ما ذكر : أنه لا يجوز حبس العين بعد إتمام العمل إلى أن يستوفي الأجرة [٢] ، فإنها بيده أمانة ، إذ ليست هي ولا الصفة التي فيها مورداً للمعاوضة ، فلو حبسها ضمن ، بخلافه على القول الآخر.

______________________________________________________

[١] يمكن أن يكون الوجه فيه ما أشرنا إليه ، من عدم بطلان الإجارة بالتلف ، غاية الأمر أنه لا يستحق الأجير المطالبة بالأجرة ، ولا يجب على المستأجر تسليمها ، إذ على هذا تكون الصفة ملكاً للمستأجر ، فيضمنها الأجير للمستأجر ، ولا تجوز له المطالبة بالأجرة. نعم بناء على أن التلف قبل القبض موجب للبطلان في الإجارة كالبيع يكون التلف موجباً لرجوع العمل ملكاً للعامل ، فيتبعه أثره ، ولا موجب لضمان العامل ، لأنه له لا لغيره. لكن يشكل هذا الوجه : بأن الصفة إذا كانت مضمونة للمستأجر فقد سلمت إليه بدفع البدل ، فيجب عليه دفع الأجرة لحصول التسليم من طرفه ، ولا فرق في ذلك بين القول بكون الضمان معاوضة ، وكونه تدارك خسارة ، لأن تدارك الخسارة أيضاً نوع من التسليم ، فيجب معه التسليم من الطرف الآخر. وإن شئت قلت : الأصل وجوب التسليم الا ما خرج ، والمتيقن منه صورة عدم التسليم من الطرف الآخر من كل وجه. فلاحظ.

[٢] كما جزم به في القواعد. وفي الجواهر : أنه مناف لما سبق منه‌

٦٤

( مسألة ١٦ ) : إذا تبين بطلان الإجارة رجعت الأجرة إلى المستأجر ، واستحق المؤجر أجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة [١] ، أو فاتت تحت يده [٢] إذا كان جاهلا بالبطلان ، خصوصاً مع علم المستأجر [٣]. وأما إذا كان عالماً فيشكل ضمان المستأجر ، خصوصاً إذا كان جاهلا ، لأنه بتسليمه العين اليه قد هتك حرمة ماله ، خصوصاً إذا كان البطلان من جهة جعل الأجرة ما لا يتمول شرعاً أو عرفا ، أو إذا كان أجرة بلا عوض. ودعوى : أن إقدامه وإذنه في الاستيفاء إنما هو بعنوان الإجارة ، والمفروض عدم تحققها ، فإذنه مقيد بما لم يتحقق. مدفوعة : بأنه إن كان المراد كونه مقيداً بالتحقق شرعاً فممنوع ، إذ مع فرض العلم بعدم‌

______________________________________________________

من عدم استحقاق الأجرة بإتمام العمل.

[١] العمدة في دليله الإجماع. والاستدلال له بما دل على احترام مال المسلم (١) أو قاعدة الضرر (٢) ، غير ظاهر ، كما حرر ذلك في قاعدة : ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ). مضافاً إلى ما يستفاد من صحيح أبي ولاد المشهور (٣) ، فإنه تضمن ضمان الانتفاعات المستوفاة.

[٢] دليله غير ظاهر ، والإجماع المدعى عليه في التذكرة لا مجال للركون اليه ، لنقل الخلاف من جماعة ، كما حرر ذلك في محله.

[٣] فإنه في هذه الحال يكون آثماً عاصياً ، فأولى أن يؤخذ بأشق الأحوال.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥٢ من أبواب أحكام العشرة حديث : ١٢ وباب : ٣ من أبواب مكان المصلي حديث : ١ ، ٣.

(٢) تقدمت الإشارة إلى مستند القاعدة من النصوص في صفحة : ٣٩.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١.

٦٥

الصحة شرعاً لا يعقل قصد تحققه إلا على وجه التشريع المعلوم عدمه [١]. وإن كان المراد تقيده بتحققها الإنشائي فهو حاصل. ومن هنا يظهر حال الأجرة أيضاً ، فإنها لو تلفت في يد المؤجر يضمن عوضها ، إلا إذا كان المستأجر عالماً ببطلان الإجارة ومع ذلك دفعها إليه. نعم إذا كانت موجودة له أن يستردها. هذا وكذا في الإجارة على الأعمال ، إذا كانت باطلة يستحق العامل أجرة المثل لعمله ، دون المسماة إذا كان جاهلاً بالبطلان. وأما إذا كان عالماً فيكون هو المتبرع بعمله ، سواء كان بأمر من المستأجر أولا ، فيجب عليه رد الأجرة المسماة أو عوضها ، ولا يستحق أجرة المثل. وإذا كان المستأجر أيضاً عالماً فليس له مطالبة الأجرة مع تلفها ، ولو مع عدم العمل من المؤجر.

( مسألة ١٧ ) : يجوز إجارة المشاع ، كما يجوز بيعه وصلحه وهبته ، ولكن لا يجوز تسليمه إلا بإذن الشريك إذا كان مشتركا. نعم إذا كان المستأجر جاهلا بكونه مشتركا كان له خيار الفسخ للشركة ، وذلك كما إذا آجره داره فتبين أن‌

______________________________________________________

[١] هذا غير ظاهر ، بل المرتكز في ذهن المتعاملين في أمثال المقام قصد المعاملة الشرعية بالسبب الخاص ، فالتشريع يكون في السبب ، والدفع يكون مقيداً بملكية المدفوع اليه شرعاً ، وإن كان لأجل التشريع في سببها. هكذا الكلام في الأجرة وإجارة العامل ، فان الدفع في جميع ذلك إنما كان بعنوان استحقاق المدفوع اليه ، لا بعنوان كونه غير مستحق له ، بل مستحق للدافع والعامل ، والتبرع الخارج عن عموم الضمان مختص بالأخير لا غير.

٦٦

نصفها للغير ، ولم يجز ذلك الغير ، فان له خيار الشركة ، بل وخيار التبعض. ولو آجره نصف الدار مشاعاً ، وكان المستأجر معتقداً أن تمام الدار له فيكون شريكا معه في منفعتها ، فتبين أن النصف الآخر مال الغير فالشركة مع ذلك الغير ، ففي ثبوت الخيار له حينئذ وجهان [١]. لا يبعد ذلك إذا كان في الشركة مع ذلك الغير منقصة له.

( مسألة ١٨ ) : لا بأس باستئجار اثنين داراً على الإشاعة ، ثمَّ يقتسمان مساكنها بالتراضي أو بالقرعة [٢].

______________________________________________________

[١] أقواهما عدمه ، لأن الموجب للخيار تخلف المقصود العقدي وكون الشريك زيداً أو عمراً لا دخل له في ذلك.

[٢] هذا من قبيل قسمة المنافع ، وقد صرح جماعة ـ منهم العلامة في القواعد ـ بعدم وجوب الإجابة إليها ، ولو وقعت الإجابة جاز الفسخ حتى لو تصرف أحدهما على طبق القسمة. نعم لو تصرفا معاً على طبق القسمة لم يجز الرجوع إلا بالتراضي ، وكأنه لعدم الدليل على عموم الإجابة إليها ، بل عدم الدليل أيضاً على صحتها من حيث أنها قسمة ، لاختصاص أدلة مشروعيتها بقسمة الأعيان ، ولا تشمل المنافع. نعم لو وقع الصلح بينهم على القسمة كان لازماً ، عملاً بعموم دليله.

اللهم إلا أن يتمسك بعموم الوفاء بالعقود ، فإنها نوع منها ، وحينئذ يجب البناء على لزومها ، ولا يصح الرجوع عنها. نعم لا تجب الإجابة إليها لعدم الدليل عليه ، ولكونه خلاف قاعدة السلطنة. وأما التفكيك بين تصرفهما وتصرف أحدهما ، فيجوز الرجوع في الثاني دون الأول ، فغير ظاهر الوجه ، لأنها إن كانت جائزة بعد تصرف أحدهما فقط فلتكن‌

٦٧

وكذا يجوز استئجار اثنين دابة للركوب على التناوب ، ثمَّ يتفقان على قرار بينهما بالتعيين ، بفرسخ فرسخ ، أو غير ذلك وإذا اختلفا في المبتدئ يرجعان إلى القرعة. وكذا يجوز استئجار اثنين دابة ـ مثلا ـ لا على وجه الإشاعة. بل نوباً معينة بالمدة أو بالفراسخ. وكذا يجوز إجارة اثنين نفسهما على عمل معين على وجه الشركة ، كحمل شي‌ء معين لا يمكن إلا بالمتعدد.

( مسألة ١٩ ) : لا يشترط اتصال مدة الإجارة بالعقد على الأقوى ، فيجوز أن يؤجره داره شهراً متأخراً عن العقد بشهر أو سنة ، سواء كانت مستأجرة في ذلك الشهر الفاصل أم لا. ودعوى البطلان [١] من جهة عدم القدرة على التسليم كما ترى ، إذ التسليم لازم في زمان الاستحقاق لا قبله. هذا ولو آجره داره شهراً وأطلق ، انصرف الاتصال بالعقد. نعم لو لم يكن انصراف بطل [٢].

______________________________________________________

جائزة بعد تصرفهما. وكأنه لذلك تنظر في الجواهر في الجملة فيما ذكره الجماعة.

[١] حكي عن الشيخ وأبي الصلاح ، وعلل بما في المتن. وظاهر محكي كلام الأول : أن الوجه فيه عدم الدليل على الصحة. وهو كما ترى ، فان عموم الوفاء بالعقود كاف في الدلالة عليها.

[٢] للإبهام.

٦٨

فصل

العين المستأجرة في يد المستأجر أمانة ، فلا يضمن تلفها أو تعيبها إلا بالتعدي أو التفريط [١]. ولو شرط المؤجر‌

______________________________________________________

[١] إجماعاً بقسميه عليه ، كما في الجواهر. ويستفاد من النصوص الواردة في ضمان المستأجر إذا تعدى ، فان مفهومها يقتضي عدم الضمان مع عدمه ، كصحاح علي بن جعفر ، والحلبي ، وأبي ولاد (١) ، وغيرها وفي صحيح محمد بن قيس : « قال أمير المؤمنين (ع) : ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابة ما لم يكرهها أو يبغها غائلة » (٢). بالجملة : الحكم المذكور لا إشكال فيه. وأما ما دل على عدم ضمان الأمين (٣) ففي شموله للمقام إشكال ، لأن الظاهر منه الأمين على الحفظ ، وهو غير ما نحن فيه. أما صحيح الحلبي : « عن رجل استأجر أجيراً ، فأقعده على متاعه. فسرق. قال (ع) : مؤتمن » (٤) فيحتمل أن يكون المراد منه المؤتمن على الحفظ ، فلا مجال للاستدلال به على المقام. نعم في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « صاحبا الوديعة والبضاعة مؤتمنان .. وقال : ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن » (٥) ، ودلالته على عدم ضمان المؤتمن على المال ظاهرة. ويعضدها ما دل على عدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٦ ، ٣ ، ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب أحكام الوديعة.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب أحكام الوديعة حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب أحكام العارية حديث : ٦.

٦٩

عليه ضمانها بدونهما فالمشهور [١] عدم الصحة [٢]. لكن‌

______________________________________________________

ضمان الأجير (١) ، والمستأجر (٢) ، والمرتهن (٣) ، والمستعير (٤) ، والعامل (٥) ، ونحوهم من المؤتمنين. فيمكن استفادة قاعدة عدم ضمان الأمين بالمعنى الأعم ، ويخرج به عن عموم : ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) (٦) ، بناء على عمومه للأمانة كما هو الظاهر. وعلى هذا فعدم ضمان المستأجر كما يستفاد من الأدلة الخاصة ، يستفاد من القاعدة المذكورة.

[١] في مفتاح الكرامة عن المرتضى : الصحة. بل ظاهر كلامه المحكي : أنه إجماع. وعن الأردبيلي والكفاية : موافقته. وفي الرياض : أنه أظهر.

[٢] لما دل على عدم ضمان الأمين ، فيكون شرط الضمان مخالفاً للكتاب (٧). ودعوى أن عدم ضمانه لعدم المقتضي ، فلا يكون الشرط حينئذ مخالفاً للكتاب ، لاختصاص المخالف بما كان على خلاف الحكم الاقتضائي لا مطلقاً. مندفعة : بأن عموم ( على اليد .. ) بعد ما كان شاملا ليد الأمين ، ظاهر في وجود مقتضي الضمان في يده ، فعدم ضمانه لا بد أن يكون لمقتضي العدم. مع أن الشك في كونه من باب التزاحم. فيكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب أحكام الإجارة.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب أحكام الرهن.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب أحكام العارية.

(٥) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب أحكام الإجارة.

(٦) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب أحكام الغصب حديث : ٤ ، وباب : ١٢ من أبواب الوديعة حديث : ١٢ وكنز العمال الجزء : ٥ حديث : ٥١٩٧.

(٧) لقوله تعالى ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) التوبة : ٩١.

٧٠

______________________________________________________

عدم الضمان اقتضائياً ، وكونه من باب التخصيص كاف في عدم جواز الرجوع إلى عموم : « المؤمنون عند شروطهم » (١) ، لكون الشبهة حينئذ مصداقية. وأصالة عدم المخالفة للكتاب موقوفة على استصحاب العدم الأزلي اللهم إلا أن يقال : المرتكز عند العقلاء كون خروج يد الأمين من باب التخصيص ، فيكون عدم الضمان لعدم المقتضي ، لا من باب التزاحم ، وحينئذ يشكل البناء على فساد الشرط ، لأجل كونه مخالفاً للكتاب.

اللهم إلا أن يوجه الفساد بأنه من باب شرط النتيجة ـ كما أشار إلى ذلك في الجواهر هنا ـ فان التحقيق بطلان شرط النتيجة ، إذ النتائج لا تقبل أن تكون مضافة إلى مالك ، فلا تكون شرطاً ، إذ التحقيق أن الشرط مملوك للمشروط له ، فاذا امتنع أن تكون مملوكة امتنع أن تشترط ملكيتها. نعم إذا كانت في العهدة جاز أن تكون مملوكة ، لكنها حينئذ تخرج عن كونها شرط نتيجة ، بل تكون من قبيل شرط الفعل ، وليس هو محل الكلام. مثلا إذا قال : بعتك داري ولك علي أن أملكك فرسي ، كان من شرط الفعل ، ولا إشكال في جوازه. وإذا قال : ولك علي ملكية فرسي ، وقصد المعنى الأول ، كان أيضاً من شرط الفعل وكان صحيحاً. وإذا قصد أن له ملكية الفرس من دون أن تكون في عهدة المشروط عليه ، كان من شرط النتيجة ، وكان مورداً للإشكال المذكور ، من أن النتائج إذا لم تكن في العهدة لا تصلح لأن تكون طرفاً لإضافة الملكية. وكذلك سائر الأعيان التي لا وجود لها في الخارج ، إذا لم تكن في العهدة لا تكون مملوكة أيضاً.

هذا مضافاً : إلى أن مفاد صيغة الشرط مجرد جعل التمليك بين المشروط له والشرط ، لا جعل الشرط المملوك ، فإن الصيغة لا تتكفله ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المهور حديث : ٤.

٧١

الأقوى صحته. وأولى بالصحة إذا اشترط عليه أداء مقدار‌

______________________________________________________

فاذا لم يكن مجعولا لم يكن ثابتاً ، فلا يكون شرط النتيجة موجباً لتحقق النتيجة ، ولا يصح حينئذ ترتيب الأثر عليها. وليس المراد من بطلان شرط النتيجة إلا هذا المعنى ، أعني : عدم ترتب النتيجة عليه.

ثمَّ إن الإشكالين المذكورين في شرط النتيجة ، إنما يمنعان عنه إذا كان مفاد الشرط في العقد تمليك الشرط للمشروط له ، كما هو الظاهر ، ويقتضيه مناسبته بباب شرط الفعل ، وباب الإقرار ، ونحوهما. أما لو كان مفاده مجرد الالتزام للمشروط له بالشرط ، فمرجعه إلى إنشاء شرط النتيجة في ضمن العقد ، ولا بأس به عملا بعموم نفوذ الشرط ، إلا إذا كان مفهومه لا ينشأ إلا بسبب خاص ، فان عموم الشرط حينئذ لا يصلح لتشريع صحة إنشائه بدون ذلك السبب ، لأنه يكون مخالفاً للكتاب ، فيدخل في الشرط الباطل.

ثمَّ إن ما ورد في النصوص من شرط النتيجة ، كشرط الضمان في العارية ، وشرط الضمان في المسألة الآتية ، لا بد إما أن يحمل على شرط الفعل بأن يكون المقصود من شرط الضمان شرط تدارك خسارة التالف ، كما سيأتي في كلام المصنف ، وإما أن يكون المقصود إنشاء النتيجة نفسها في ضمن العقد ، من دون قصد تمليك للمشروط له. ومثل ذلك ما ورد في الاستعمال العرفي ، فإنه لا بد أن يحمل على أحد الأمرين ، ويختلف ذلك باختلاف القرائن المكتنفة في المقام ، فقد تقتضي الأول ، وقد تقتضي الثاني.

وأما نذر النتيجة ، فالكلام فيه أظهر ، لاشتمال صيغة النذر على اللام الدالة على الملك. وحمل اللام على أنها لام الصلة ، والظرف مستقر متعلق بقوله : التزمت ، يعني : التزمت لله تعالى ، خلاف الظاهر جداً. وقد تعرضنا لذلك في أوائل مباحث الزكاة من هذا الشرح.

٧٢

مخصوص من ماله على تقدير التلف أو التعيب [١] ، لا بعنوان الضمان [٢]. والظاهر عدم الفرق في عدم الضمان مع عدم الأمرين ـ بين أن يكون التلف في أثناء المدة أو بعدها إذا لم يحصل منه منع للمؤجر عن عين ماله إذا طلبها ، بل خلى بينه وبينها ولم يتصرف بعد ذلك فيها. ثمَّ هذا إذا كانت الإجارة صحيحة. وأما إذا كانت باطلة ففي ضمانها وجهان. أقواهما : العدم [٣]

______________________________________________________

[١] لعدم المانع المذكور ، بل عليه حمل القول بصحة شرط الضمان.

[٢] كما صرح بذلك في الجواهر ، والظاهر أنه المشهور ، عملاً بالاستصحاب. وعن الإسكافي والطوسي : إطلاق الضمان بعد المدة. يقتضيه عموم « على اليد .. » ، المقتصر في الخروج عنه على ما في المدة لدليله ، والاستصحاب لا يعارض العام. نعم إذا كان ظاهر ترك المطالبة الائتمان. دخل في عموم نفي الضمان.

[٣] كما هو المشهور ، لقاعدة : ( ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ) ، المجمع عليها. وقد استدل بها على ذلك في المقام في محكي التذكرة وغيرها. دعوى : اختصاص القاعدة فيما هو مصب العقد ، وهو في الإجارة منفعة العين. فيها أن ذلك خلاف مقتضى استدلالهم بها على عدم الضمان.

مع أن استدلالهم عليها بالاقدام على الاذن المجاني ، المانع من عموم « على اليد ما أخذت .. » مطرد في المقامين. مضافاً إلى أن الإجارة أيضاً موضوعها العين كما عرفت في أول الكتاب ، فإنه يصح أن يقول : آجرت العين ، ولا يصح أن يقول : آجرت المنفعة ، فالعين موضوع للإجارة. كذلك يقال : أعرت العين.

ثمَّ إنه لو بنى على عدم شمول عكس القاعدة ، كفى في نفي الضمان ما دل‌

٧٣

خصوصاً إذا كان المؤجر عالماً بالبطلان حين الإقباض ، دون المستأجر.

( مسألة ١ ) : العين التي للمستأجر بيد المؤجر الذي آجر نفسه لعمل فيها ـ كالثوب آجر نفسه ليخيطه ـ أمانة ، فلا يضمن تلفها أو نقصها إلا بالتعدي أو التفريط [١] ، أو‌

______________________________________________________

على عدم ضمان المستأمن (١) ، فإن موضوع عدم الضمان هو الأمين العرفي ، وهو حاصل في الإجارة الصحيحة والفاسدة بنحو واحد. ودعوى : أن الاستيمان مبني على الإجارة ، فإذا تبين فسادها فقد تبين انتفاؤه. يدفعها : أن ظاهر نصوص عدم الضمان مع الاستيمان عموم الحكم لصورة التلف المؤدي إلى فساد العقد من أول الأمر ، فتدل تلك النصوص على نفي الضمان مع الاستيمان ، ولو كان في العقد الفاسد. فلاحظ تلك النصوص العامة والخاصة في مواردها ، فإنها تدل على ما ذكرنا من أن الاستيمان المبني على العقد موضوع لعدم الضمان ، وإن تبين بطلان العقد كما أشرنا الى ذلك في ( نهج الفقاهة ). هذا ولم يحك الخلاف في المقام إلا عن الأردبيلي وصاحب الرياض ، والذي عثرت عليه من كلام الأول في مسألة عدم ضمان المستأجر هو : عدم الضمان في الإجارة الفاسدة ، مستدلا عليه بالأصل والقاعدة المتقدمة. نعم في الرياض. في مسألة ثبوت أجرة المثل في كل موضع تبطل فيه الإجارة ، اختار الضمان حاكياً نسبته الى المفهوم من كلمات الأصحاب ، مستدلا عليه بعموم « على اليد .. » ، واستشكل فيه إذا كان المؤجر عالماً بالفساد ، للشبهة المتقدمة.

[١] بلا خلاف فيه ، كما اعترف به غير واحد نعم في الشرائع :

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٤ من أبواب أحكام الوديعة.

٧٤

اشتراط ضمانها على حذو ما مرّ في العين المستأجرة [١]. ولو تلفت أو أتلفها المؤجر أو الأجنبي ، قبل العمل أو في الأثناء بطلت الإجارة ، ورجعت الأجرة بتمامها أو بعضها إلى المستأجر بل لو أتلفها مالكها المستأجر كذلك أيضاً [٢]. نعم لو كانت الإجارة واقعة على منفعة المؤجر ، بأن يملك منفعته الخياطي في يوم كذا ، يكون إتلافه لمتعلق العمل بمنزلة استيفائه ، لأنه بإتلافه إياه فوت على نفسه المنفعة. ففرق بين أن يكون العمل في ذمته ، أو أن يكون منفعة الكذائية للمستأجر ، ففي‌

______________________________________________________

نسبته إلى الأصح ، وظاهره وقوع الخلاف فيه. وفي المسالك : وجود القول بالضمان. وعن المرتضى : الإجماع. لكن في الجواهر ـ تبعاً لمفتاح الكرامة ـ أن الخلاف في الضمان مع التهمة ، لا مع العلم بعدم التفريط والتعدي. كيف كان ، فيدل عليه ما عرفت من النصوص الدالة على عدم ضمان المستأمن ، فإن المقام منه.

[١] كما هو المشهور كما قيل. ويشهد له خبر موسى بن بكير : « عن رجل استأجر سفينة من ملاح فحملها طعاماً واشترط عليه إن نقص الطعام فعليه. قال (ع) : جائز. قلت : إنه ربما زاد الطعام. قال : فقال : يدعي الملاح أنه زاد فيه شيئاً؟ ، قلت : لا ، قال : هو لصاحب الطعام الزيادة ، وعليه النقصان إذا كان قد اشترط ذلك » (١). قد عرفت أنه لا بد من حمله على شرط الفعل ، أو على كون المقصود منه إنشاء الضمان في ضمن العقد.

[٢] لعدم الفرق بين صور التلف ، في أن عدم العين يوجب تعذر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٥.

٧٥

الصورة الأولى التلف قبل العمل موجب للبطلان ورجوع الأجرة إلى المستأجر وإن كان هو المتلف ، وفي الصورة الثانية إتلافه بمنزلة الاستيفاء ، وحيث أنه مالك لمنفعة المؤجر وقد فوتها على نفسه فالأجرة ثابتة عليه.

( مسألة ٢ ) : المدار في الضمان على قيمة يوم الأداء في القيميات [١] ، لا يوم التلف ، ولا أعلى القيم على الأقوى.

______________________________________________________

العمل المستأجر عليه ، لارتباطه به ، الموجب لكون فواته وانعدامه موجباً لانعدام المتعلق به. ومن هنا يشكل الفرق بين الصورة المذكورة والصورة الأخرى ، إذ أيضاً يقال فيها : إن تعذر العين يوجب تعذر المنفعة الخاصة بل يمكن كون البطلان في الثانية أظهر ، لعدم قيام غيره مقامه في الثانية ، بخلاف الأولى ، لكنه فرق لا يوجب إلا الأولوية. وبالجملة بعد ما : كان موضوع الإجارة متعلقاً بالعين وهي متعذرة ، يكون موضوع الإجارة متعذراً فتبطل ، ولا فرق بين الصورتين في ذلك. وأما دعوى المصنف (ره) أن إتلافه بمنزلة الاستيفاء فغير ظاهرة ، وإلا كان تلفه بمنزلة حصولها ، ولا يظن التزامه بذلك. ومثله دعوى كون تسليم المؤجر نفسه للعمل موجباً لاستقرار الأجرة ، فإنه إنما يسلم إذا كانت المنفعة مقدورة ، والإجارة باقية على صحتها ، وقد عرفت خلافه.

[١] كما هو أحد الأقوال في المسألة. والعمدة فيه البناء على بقاء العين في الذمة إلى زمان الأداء ، فتعتبر القيمة حينئذ ، وقيل قيمة زمان المخالفة ، اعتماداً على صحيح أبي ولاد (١) ، المشتمل على قوله : « أرأيت لو نفق البغل أو عطب أليس كان يلزمني؟! ، قال (ع) : قيمة بغل يوم خالفته » ، بناء على أن قوله (ع) : « يوم خالفته » ، إما مضاف إليه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١.

٧٦

______________________________________________________

القيمة. المضافة إلى البغل ، أو قيد للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل. وفيه : أن الأول غير معهود في الاستعمال ولا يمكن ارتكابه. والثاني غير معقول ، لأن الاختصاص ملحوظ معنى حرفياً لا اسمياً ، ولا يمكن التعلق به. بل الظاهر كونه قيداً لعامل الجملة الجوابية المقدر ، أعني قوله : « يلزمك » وكما أن القيمة فاعله ، كذلك الظرف قيده. والتقدير ـ بعد ملاحظة الشرط في السؤال ـ : يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل لو نفق أو عطب البغل ، فيدل على أن الانتقال إلى القيمة يوم التلف. لأجل أن الوجه في ضمان القيمة تدارك الخسارة المالية في العين ، يتعين البناء على قيمة يوم التلف ، لأن ثبوت القيمة المذكورة تدارك لمالية العين الفائتة حينئذ. ومن هنا حكي عن الأكثر : أن الاعتبار بقيمة يوم التلف. يعضده بعض النصوص الأخر : مثل ما ورد في المعتق حصته من عبد. أنه يقوم قيمته يوم أعتق أو يوم حرر (١).

وكأن المصنف (ره) جعل المتعلق به الظرف. الفعل المقدر وهو : يلزمك ، من دون أن يقدره معلقاً على شرط التلف ، فتكون الرواية عنده مجملة من هذه الجهة ، فيتعين الرجوع في تعيين القيمة إلى القواعد. ولما كان الأظهر عنده : أن العين بنفسها باقية بعد التلف في الذمة. وان كانت قيمية ، تعين أن تكون القيمة بلحاظ زمان الأداء ، لأنه زمان التدارك. وما ذكره (ره) من بقاء العين في الذمة وإن كان في محله ، لكن جعل الفعل المقدر المتعلق به الظرف مطلقاً لا معلقاً على التلف خلاف الظاهر. وقد عرفت أنه إذا أخذ معلقاً على التلف ، فالإطلاق المقامي لدليل ثبوت القيمة يقتضي الحمل على المرتكزات العقلائية ، وهي تقتضي أن تكون بلحاظ زمان التلف ، لأنه به يكون التدارك ، وإلا كان تداركاً بالأكثر أو بالأقل ، وهو خلاف المرتكز جداً.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب كتاب العتق حديث : ٣ ، ٤.

٧٧

( مسألة ٣ ) : إذا أتلف الثوب بعد الخياطة ضمن قيمته مخيطاً [١] ، واستحق الأجرة المسماة. وكذا لو حمل متاعاً إلى مكان معين ثمَّ تلف مضموناً أو أتلفه ، فإنه يضمن قيمته في ذلك المكان ، لا أن يكون المالك مخيراً بين تضمينه غير مخيط بلا أجرة ، أو مخيطاً مع الأجرة [٢]. وكذا لا أن يكون في المتاع مخيراً بين قيمته غير محمول في مكانه الأول بلا أجرة ، أو في ذلك المكان مع الأجرة ، كما قد يقال.

( مسألة ٤ ) : إذا أفسد الأجير للخياطة أو القصارة أو التفصيل الثوب ضمن. وكذا الحجام إذا جنى في حجامته [٣] أو الختان في ختانه. وكذا الكحال أو البيطار. وكل من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده يكون ضامناً إذا تجاوز عن الحد المأذون فيه ، وإن كان بغير قصده ، لعموم « من أتلف .. » وللصحيح [٤] عن أبي عبد الله (ع) :

______________________________________________________

[١] كما تقدم في المسألة العاشرة من الفصل السابق.

[٢] قد تقدم منه أنه على القول الثاني يكون من التلف قبل القبض ، الموجب لبطلان الإجارة ، فلا يستحق الأجرة ، ويضمن قيمة العين غير موصوفة. وقد تقدم في بعض الحواشي القول بالتخيير بين الأمرين المذكورين. ذكرنا هناك وجهه ، وأن الضمان يجعل التلف من قبيل تلف الوصف ، وهو خصوصية الصفة ، لا تلف العين التي هي قوام المعاوضة ، الموجب للبطلان إذا كان قبل القبض ، وتلف الوصف قبل القبض يوجب الخيار :

[٣] استفاض نقل الإجماع صريحاً وظاهراً عليه في محكي جماعة.

[٤] يريد به صحيح الحلبي (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١٩.

٧٨

« في الرجل يعطى الثوب ليصبغه ، فقال ، (ع) : كل عامل أعطيته أجراً على أن يصلح فأفسد فهو ضامن ». بل ظاهر المشهور ضمانه وإن لم يتجاوز عن الحد المأذون فيه [١] ، ولكنه مشكل [٢]. فلو مات الولد بسبب الختان ، مع كون الختّان حاذقاً ، من غير أن يتعدى عن محل القطع ، بأن كان أصل الختان مضراً به ، في ضمانه إشكال.

( مسألة ٥ ) : الطبيب المباشر للعلاج إذا أفسد ضامن [٣]

______________________________________________________

[١] لإطلاقهم القول بضمان الأجير.

[٢] بل في محكي التحرير : نفي الضمان. وعن الكفاية : أنه غير بعيد. مال إليه في الجواهر. وجزم به بعض المحققين ، للاذن الرافعة للضمان إجماعاً ، والصحيح المذكور ونحوه ظاهر في صورة عدم وجود العمل المستأجر عليه. ودعوى : أن الاذن مشروطة بالسلامة ، فلا تشمل صورة التلف ، ممنوعة ، بل هو خلاف المفروض. نعم لا يبعد كون السلامة من قبيل الداعي ، الذي لا يقدح تخلفه في حصول الاذن. هذا إذا كان الفساد من لوازم الفعل المأذون فيه ـ ولو في خصوص المورد ـ واقعاً ، وإن جهلت الملازمة. أما إذا لم يكن من لوازمه ، فحصل من باب الاتفاق ، فالبناء على الضمان في محله ، لأنه غير مأذون فيه لا بالأصالة ولا بالتبعية.

[٣] كما هو المعروف. ويشهد له خبر السكوني : « من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه ، وإلا فهو ضامن » (١). مضافاً الى عموم قاعدة : « من أتلف. » ، والصحيح المتقدم ، ونحوه. وعن الحلي :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب موجبات الضمان حديث : ١.

٧٩

وإن كان حاذقاً. وأما إذا لم يكن مباشراً بل كان آمراً ، ففي ضمانه إشكال [١] ، إلا أن يكون سبباً وكان أقوى من المباشر وأشكل منه إذا كان واصفاً للدواء ، من دون أن يكون آمراً كأن يقول : إن دواءك كذا وكذا. بل الأقوى فيه عدم الضمان وإن قال : الدواء الفلاني نافع للمرض الفلاني ، فلا ينبغي الإشكال في عدم ضمانه ، فلا وجه لما عن بعضهم من التأمل فيه. وكذا لو قال : لو كنت مريضاً بمثل هذا المرض لشربت الدواء الفلاني.

( مسألة ٦ ) : إذا تبرأ الطبيب من الضمان ، وقبل المريض أو وليه ، ولم يقصر في الاجتهاد والاحتياط برأ‌

______________________________________________________

عدم الضمان ، للاذن. وفيه : أن الاذن كان في العلاج ، لا في الإفساد.

[١] المحكي عن بعض : نفي الريب في الضمان ، لإطلاق الإجماع المحكي على ضمان الطبيب ، ولخبر السكوني المتقدم ، ولأنه المتلف لأنه السبب ، وهو هنا أقوى من المباشر. والجميع كما ترى ، لمنع الإجماع. والخبر ظاهر في المباشر ، بقرينة اقترانه بالبيطار ، لا أقل من عدم عمومه للآمر. وقوة السبب بنحو يستند اليه التلف عرفاً غير ظاهر. وأما قاعدة الغرور فليس بناؤهم على العمل بها في أمثال المقام ظاهراً ، على أن في صدقه مع جهل الغار تأملاً ، ولا سيما مع قيام السيرة على عدم التضمين بمجرد ذلك. لأجل ما ذكر كان عدم الضمان مختار جماعة من المحققين إذا كان واصفاً غير آمر ، منهم صاحب الجواهر ، بل وإذا كان آمراً أيضاً ، وإن كان في الجواهر مال الى الضمان ، بناء على قوة السبب بالنسبة إلى المباشر في مثله ، الذي عرفت منعه ، ولا سيما وكون الأمر إرشادياً ، فهو بمنزلة الوصف‌

٨٠