مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

إمكان الإيصال ، فالإجارة باطلة [١] ، وإن كان الزمان واسعاً ومع هذا قصر ولم يوصله ، فان كان ذلك على وجه العنوانية [٢]

______________________________________________________

[١] هذا الفرض يمكن فيه مجي‌ء الوجهين الآتيين في الفرض الآتي بناء على ذلك.

[٢] الأمور التي تذكر زائدة على موضوع الإجارة : تارة : لا يمكن أن تستقل بالجعل والإنشاء ، كزمان العمل ومكانه وآلته ونحو ذلك من متعلقاته ، فهذه هي التي يتعين كونها ملحوظة على نحو التقييد. مثلاً : إذا استأجره على خياطة ثوب ، فالخيط والمخيط والزمان والمكان والفاعل ـ أعني : الخياط ـ والثوب ونحوها إذا ذكرت في ضمن العقد يتعين كونها قيوداً للعمل ، ولا يمكن أخذها شرطاً مجعولاً بجعل زائد على جعل الخياطة. أخرى : يمكن أن تستقل بالجعل ، كما لو كانت عملاً آخر ، فهذه تارة : تلحظ قيداً ، وأخرى : تجعل بجعل زائد على مفاد الإجارة في ضمنه. مثلاً : إذا استأجره على الخياطة فتارة : يلحظ قراءة القرآن قيداً للخياطة ، فيقول : استأجرتك على خياطة الثوب قارئاً للقرآن. أخرى : تؤخذ شرطاً في ضمن العقد ، مجعولة بجعل آخر في ضمن جعل الإجارة ، بأن يقول : استأجرتك على خياطة هذا الثوب ، واشترطت عليك أن تقرأ القرآن في حال الخياطة أو قبلها أو بعدها.

ثمَّ إن ما يؤخذ قيداً تارة : يؤخذ على نحو وحدة المطلوب ، وأخرى : على نحو تعدد المطلوب. فان كان على النحو الأول لم يستحق الأجير الأجرة لو جاء بالمستأجر عليه بدونه. وعلى النحو الثاني يستحق ، لكن للمشترط خيار تخلف الوصف. ولعل ما في المتن إشارة إلى هذه الجهة ، فالمقصود من قوله (ره) : « على وجه الشرطية » : على نحو تعدد‌

٢١

______________________________________________________

المطلوب ، في قبال القيدية الذي هو على نحو وحدة المطلوب ، لا التفصيل بين القيد والشرط ، وإلا فقد عرفت أن الزمان لا ينبغي أن يكون ملحوظاً بنحو الاشتراط ، لأنه لا يمكن أن يكون مجعولاً بجعل مستقل.

نعم الإشكال في تشخيص كون الاشتراط والتقييد على نحو وحدة المطلوب أو على نحو تعدده. والذي ذكروه في مبحث الوكالة : أن الموكل إذا عين السوق أو المكان أو السعر أو غير ذلك ـ تعين ، ولو فعل الوكيل على خلاف ذلك كان تصرفه فضولياً محتاجاً إلى إجازة. ومقتضاه أن التقييد على نحو وحدة المطلوب. وكذا في باب الوديعة والعارية وغيرهما من العقود الإذنية. ومقتضى ثبوت خيار الشرط ، والوصف ، والعيب ، وخيار الاشتراط : أن القيد والشرط ملحوظان على نحو تعدد المطلوب وكذا بناؤهم على أن الشرط الفاسد غير مفسد كما عليه المحققون. الفرق بين البابين غير ظاهر ، ولا سيما بملاحظة أن الاذن كما تكون شرطاً في صحة فعل الوكيل ، كذلك تكون شرطاً في صحة العقود ، فعدم جواز التصرف في مال أحد إلا بإذنه شامل للجميع بنحو واحد. فكما أن الاذن في باب الوكالة ونحوها من العقود الإذنية مختصة بصورة وجود القيد ولا تشمل ذات المقيد العارية عن القيد ، كذلك في موارد خيار العيب وتخلف الوصف ونحوهما. وإذا كانت الاذن في مورد خيار الوصف والعيب والشرط ملحوظة بنحو تعدد المطلوب ، فلم لا تكون كذلك في باب الوكالة والعارية ونحوهما؟!.

لعل التحقيق : أن القيود والشروط في جميع الموارد مبنية على نحو وحدة المطلوب ، ولا فرق بين الوكالة والعارية والوديعة والإجارة ونحوها مما كان موضوع التصرف فيه عملاً ، وبين بيع السلف والنسيئة بالنسبة إلى المبيع والثمن ونحوهما مما كان موضوع التصرف فيه عيناً ذمياً ، وبين‌

٢٢

______________________________________________________

بيع العين الخارجية الموصوفة بالوصف المفقود وبيع العين المعيبة ، اللذين هما موضوع خيار تخلف الوصف وخيار العيب ونحوهما من موارد الخيار. كذا في العقود التي لا خيار فيها ، كتزويج الزوجة المعيبة بغير العيوب السبعة الموجبة للخيار ، فإن الإذن المعتبرة في صحة العقد ، أو الإيقاع ، وفي جواز تصرف غير المالك كلها في الجميع على نحو واحد ، غير قابل للتحليل والتجزئة بين ذات المقيد والمشروط. فذات المقيد في الجميع ـ مع قطع النظر عن القيد والشرط ـ لا إذن فيها ولا رضا. ومقتضى ذلك وإن كان بطلان بيع فاقد الوصف ، وبيع المعيب وفساد العقد والإيقاع المشروطين بالشرط الفاسد ، لكن خرجنا عن حكم العام بالدليل المخصص ، وهو ما دل على الخيار في تخلف الوصف ، وفي موارد العيب من الإجماع أو النصوص أو بناء العقلاء. فان ذلك يدل على الاجتزاء بالاذن الضمنية في الصحة ، وإن لم تكن قابلة للتحليل ، وكانت واردة على المقيد ، لا أن الاذن في الموارد المذكورة ملحوظة بنحو تعدد المطلوب ، فيكفي في صحة بيع ذات المقيد وقوع البيع على المقيد عن إذن ، وإن كان القيد منتفياً. ويطرد ذلك حتى في الوكالة ، فإذا وكله في شراء العبد الكاتب ، فاشترى عبداً يعلم أنه ليس بكاتب ، كان العقد فضولياً خارجاً عن موضوع الوكالة. إذا اشترى عبداً على أنه كاتب فتبين أنه ليس بكاتب ، كان موضوعاً للتوكيل وصح العقد ، وكان للمشتري الخيار. فليس الفرق بين الموارد المذكورة سابقاً : أن الاذن في بعضها على نحو تعدد المطلوب ، وفي آخر على نحو وحدة المطلوب ، بل الفرق الاجتزاء في بعضها بالاذن الواردة على المقيد لفقده القيد ، وعدم الاجتزاء بها في بعضها الآخر.

والمتحصل مما ذكرنا : أن الضابط في القيود هو أنها مبنية على نحو وحدة المطلوب ، من دون فرق بين الأعمال والأعيان الذمية والخارجية.

٢٣

والتقييد لم يستحق شيئاً من الأجرة ، لعدم العمل بمقتضى الإجارة أصلا [١] ، نظير : ما إذا استأجره ليصوم يوم الجمعة ،

______________________________________________________

ومقتضاه البطلان مع انتفاء القيد. خرجنا عن ذلك في خصوص الخارجيات العينية ، فإنها تصح فيها العقود والإيقاعات مع انتفاء القيد ، اجتزاء من العقلاء بالاذن الواردة على المقيد ، لا أن الاذن فيها منحلة الى الاذن بذات المقيد ، والاذن بالمقيد بما هو مقيد. هذا الكلام كله في القيود.

وأما الشروط المجعولة بإنشاء مستقل : فالظاهر أنها عند العقلاء كالخارجيات العينية ، يجري عليها حكم تعدد المطلوب ، فيجتزأ بالاذن الواردة على الشرط والمشروط فيها ، وإن لم تكن الاذن فيها منحلة حقيقة إلى أذنين : إحداهما : متعلقة بالمشروط ذاته ، والأخرى : متعلقة بالمشروط بما هو مشروط. والظاهر أنه لا فرق بين الشرط الراجع لباً إلى القيد ، مثل : ما لو استأجره على أن يصلي عن ميت له واشترط عليه التحنك ولبس اللباس الأبيض في صلاته ، وبين ما لم يكن كذلك ، كما لو استأجره على أن يصلي عن ميت له ، واشترط عليه أن يخيط ثوبه.

ومن ذلك يظهر : أن القيود في الإجارة إن كانت قيوداً للعمل المستأجر عليه فهي على نحو وحدة المطلوب ، وإن كانت قيوداً للعين المستأجرة فهي على نحو تعدد المطلوب. كما يظهر أن الإيصال في الوقت المعين في المثال الذي ذكره في المتن لا يكون إلا على نحو التقييد ، ولا يمكن أن يكون على نحو الشرطية ، لامتناع إنشائه بإنشاء مستقل. فلاحظ.

[١] كما هو ظاهر النصوص الواردة في الموارد المختلفة ، الظاهرة في أن الأجير إذا لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا يترتب أثر على الإجارة. وكذا ظاهر الفقهاء. إن كان مقتضى القواعد استحقاق الأجير المسمى ، وضمانه لقيمة العمل كما لو تعذر تسليم الثمن بعد ما كان مقدوراً عليه.

٢٤

فاشتبه وصام يوم السبت. وإن كان ذلك على وجه الشرطية ، بأن يكون متعلق الإجارة الإيصال إلى كربلاء ، ولكن اشترط عليه الإيصال في ذلك الوقت ، فالإجارة صحيحة والأجرة المعينة لازمة ، لكن له خيار الفسخ من جهة تخلف الشرط ، ومعه يرجع إلى أجرة المثل. ولو قال : وإن لم توصلني في وقت كذا فالأجرة كذا ، أقل مما عين أولا ، فهذا أيضاً قسمان [١]. قد يكون ذلك بحيث يكون كلتا الصورتين ـ من الإيصال في ذلك الوقت ، وعدم الإيصال فيه ـ مورداً للإجارة [٢] ،

______________________________________________________

ثمَّ إن عدم ترتب الأثر على الإجارة يمكن أن يكون على نحو البطلان ، وأن يكون على نحو الصحة لكن لا يكون لأحدهما حق المطالبة بالعوض. الظاهر هو الثاني كما عبر به المصنف (ره). والظاهر أنه هو مراد الأصحاب والمستفاد من النصوص ، كما يظهر ذلك من كلماتهم في ما لو اشترط نقص الأجرة لو جاء بالعمل المستأجر عليه في غير الوقت المعين له بالإجارة. فإن الإجارة لو كانت باطلة كان الشرط كذلك ، فلا يستحق الأجير الأجرة ناقصة ، مع بنائهم على صحة الشرط ، فانتظر ما يأتي في ذيل المسألة.

[١] الظاهر من الفرض الاختصاص بالقسم الثاني ولا يجي‌ء فيه القسم الأول ، وإنما يجي‌ء في الإجارة على المردد بين الايصالين ، كما صرح بذلك غير واحد.

[٢] بنحو لو صح اقتضى اشتغال ذمته بأحدهما تخييراً ، بخلاف الصورة الآتية ، فإن عقد الإجارة إنما يقتضي اشتغال الذمة بالإيصال في الوقت تعييناً ، فيجب فعله تعييناً.

٢٥

فيرجع إلى قوله. آجرتك بأجرة كذا ، إن أوصلتك في الوقت الفلاني ، وبأجرة كذا إن لم أوصلك في ذلك الوقت. وهذا باطل للجهالة ، نظير ما ذكر في المسألة السابقة من البطلان إن قال : إن عملت في هذا اليوم فلك درهمان .. وقد يكون مورد الإجارة هو الإيصال في ذلك الوقت ، ويشترط عليه أن ينقص من الأجرة [١] كذا على فرض عدم الإيصال. والظاهر الصحة في هذه الصورة [٢] ، لعموم ‌« المؤمنون عند شروطهم » (١) وغيره ، مضافاً إلى صحيحة محمد الحلبي [٣].

______________________________________________________

[١] يعني : بنحو شرط النتيجة ، أو أن يتملك منها بنحو شرط الفعل.

[٢] وعن المحقق الكركي وجماعة : البطلان ، طرحاً منهم للصحيح ، أو حملاً له على الجعالة ، لمخالفته للقواعد من أجل التعليق والجهالة والإبهام. أنه كالبيع بثمنين. لكن الجميع كما ترى : إذ الأخير مبني على حمله على الصورة الأولى. وما قبله لا دليل على قدحه في صحة الشرط ، بل المحقق بناؤهم في غير مورد على عدم قدحه ، فلاحظ. وحمل الصحيح على الجعالة بعيد جداً ، لأن الجعالة تقتضي إحداث الداعي إلى العمل بتوسط بذل الجعل ، وظاهر الصحيح أن العمل غير مرغوب فيه للباذل ، فلا وجه للحث على فعله والترغيب فيه.

[٣] قال : « كنت قاعداً إلى قاضي ، وعنده أبو جعفر عليه‌السلام جالس ، فجاء رجلان ، فقال أحدهما : إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن ، فاشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا ، لأنها سوق وأخاف أن تفوتني فإن احتبست عن ذلك حططت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المهور حديث : ٤.

٢٦

ولو قال : إن لم توصلني فلا أجرة لك ، فان كان على وجه الشرطية ، بأن يكون متعلق الإجارة هو الإيصال الكذائي فقط ، واشترط عليه عدم الأجرة على تقدير المخالفة ، صح [١] ، ويكون الشرط المذكور مؤكداً لمقتضى العقد. وإن كان على وجه القيدية ، بأن جعل كلتا الصورتين مورداً للإجارة ، إلا أن في الصورة الثانية بلا أجرة ، يكون باطلا. ولعل هذه الصورة مراد المشهور [٢]

______________________________________________________

من الكرى لكل يوم احتبسته كذا وكذا ، وأنه حبسني عن ذلك اليوم كذا وكذا يوماً. فقال القاضي : هذا شرط فاسد وفّه كراه. فلما قام الرجل أقبل إليّ أبو جعفر (ع) فقال : شرطه هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه » (١).

[١] كما ذكره الشهيد في اللمعة ، حاملا للفرض على هذا القسم لا غير. نعم قد يأبى الصحة الصحيح المتقدم. اللهم إلا أن يحمل على صورة كون الزمان الخاص مأخوذاً قيداً على نحو تعدد المطلوب ، إذ حينئذ يكون فوات القيد موجباً للخيار ، لا عدم وقوع العمل المستأجر عليه ، كي لا يستحق الأجرة ويكون الشرط مؤكداً لمقتضى العقد كما هو المفروض في المتن ، وعرفت أنه الأصل في القيود.

[٢] المظنون قوياً : أن مورد كلام المشهور هنا وفي المسألة السابقة ـ أعني : ما لو اشترط نقص الأجرة ـ هو خصوص صورة الشرط في ضمن عقد الإجارة الوارد على الإيصال في الوقت المعين ، فلا يشمل صورة وقوع الإجارة على المردد. ووجه تفصيلهم بالبناء على الصحة في الأولى والبطلان في الثانية : هو الصحيح المذكور لا غير. ولا بأس بالعمل به‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أحكام الإجارة : ٢.

٢٧

القائلين بالبطلان [١] دون الأولى ، حيث قالوا : ولو شرط سقوط الأجرة إن لم يوصله لم يجز.

( مسألة ١٣ ) : إذا استأجر منه دابة لزيارة النصف من شعبان مثلاً ـ ولكن لم يشترط على المؤجر ذلك ولم يكن على وجه العنوانية أيضاً ، واتفق أنه لم يوصله ، لم يكن له خيار الفسخ ، وعليه تمام المسمى من الأجرة. وإن لم يوصله إلى كربلاء أصلاً سقط من المسمى بحساب ما بقي واستحق بمقدار ما مضى. والفرق بين هذه المسألة وما مرّ في المسألة السابقة : أن الإيصال هنا غرض وداع وفيما مر قيد أو شرط.

______________________________________________________

بعد اعتباره في نفسه ، واعتماد الأصحاب عليه. ومن ذلك يظهر ضعف ما في المتن من كون مراد القائلين بالبطلان صورة وقوع الإجارة على الأمرين ، فإنه بعيد ، وموجب للتفكيك بين مورد البطلان ـ في كلامهم ـ ومورد الصحة ، لأنها في خصوص صورة وقوع الإجارة على الإيصال في الوقت المعين ، وجعل نقص الأجرة على تقدير عدمه من قبيل الشرط ، فان هذا التفكيك بعيد. وأبعد من ذلك ما في الروضة من جعل مورد الصحة والبطلان معاً صورة وقوع الإجارة على الأمرين على نحو الترديد. فان ذلك أيضاً بعيد عن مذاقهم من اعتبار التعيين في الإجارة ، وإن تقدم القول بالصحة من جماعة في المسألة الحادية عشرة ، فلاحظ.

[١] بل عن بعض : أنه لا خلاف فيه إلا من أبي علي.

٢٨

فصل

الإجارة من العقود اللازمة [١] ، لا تنفسخ إلا بالتقايل أو شرط الخيار لأحدهما أو كليهما إذا اختار الفسخ. نعم الإجارة المعاطاتية جائزة [٢] ، يجوز لكل منهما الفسخ ، ما لم تلزم بتصرفهما ، أو تصرف أحدهما فيما انتقل إليه.

( مسألة ١ ) : يجوز بيع العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة ، ولا تنفسخ الإجارة به [٣] ، فتنتقل إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة ، نعم للمشتري مع جهله بالإجارة خيار فسخ البيع [٤] ، لأن نقص المنفعة عيب [٥] ، ولكن

______________________________________________________

فصل‌

[١] بلا خلاف ، بل عليه الإجماع محكي. ويشهد له غير واحد من النصوص (١). مضافاً إلى عمومات اللزوم.

[٢] بناء على تمامية الإجماع على عدم لزوم المعاطاة إلا بملزمات مخصوصة مذكورة في محلها.

[٣] بلا خلاف ولا إشكال. ويشهد له جملة من النصوص (٢).

[٤] كما صرح به جمع كثير ، بل عن الغنية : الإجماع عليه.

[٥] لأن مبنى المعاوضات على التسليم والانتفاع ، وهو متعذر بالإجارة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ ، ١٥ من أبواب الإجارة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الإجارة.

٢٩

ليس كسائر العيوب مما يكون المشتري معه مخيراً بين الرد والأرش ، فليس له أن لا يفسخ ويطالب بالأرش ، فإن العيب الموجب للأرش ما كان نقصاً في الشي‌ء في حد نفسه ، مثل العمى والعرج وكونه مقطوع اليد أو نحو ذلك ، لا مثل المقام الذي العين في حد نفسها لا عيب فيها. وأما لو علم المشتري أنها مستأجرة ومع ذلك أقدم على الشراء ، فليس له الفسخ أيضاً. نعم لو اعتقد كون مدة الإجارة كذا مقداراً ، فبان أنها أزيد ، له الخيار أيضاً [١]. ولو فسخ المستأجر الإجارة رجعت المنفعة في بقية المدة إلى البائع ، لا إلى المشتري [٢].

______________________________________________________

أو لأن من الشرائط الارتكازية كون العين مستتبعة للمنفعة ، فإذا فات الشرط المذكور كان له خيار تخلف الشرط. وبالجملة : نقص المنفعة خلاف الأصل المعول عليه عند العقلاء ، كأصالة الصحة ، فيكون الخيار من قبيل خيار الرؤية.

[١] لفوات الزيادة عليه من دون إقدام.

[٢] هذا لا يخلو من نظر ، لأنه خلاف مقتضى تبعية المنفعة للعين. مجرد كون مقتضى الفسخ رجوع كل من العوضين إلى حاله قبل العقد غير كاف في ذلك ، لأن المنفعة إنما كانت ملكاً للبائع قبل العقد ، لأنها تابعة للعين فيملكها مالك العين ، فاذا تبدل المالك للعين كان مقتضى التبعية رجوعها إلى المشتري. وكأنه لما ذكرنا احتمل في التذكرة ـ على ما حكي ـ رجوع المنفعة إلى المشتري وبذلك يظهر الفرق بين المسألة وبين ما إذا آجر العين على شخص ، ثمَّ المستأجر آجرها ثانياً على ثالث ، ثمَّ باع المالك العين ففسخت الإجارة الثانية ، فإن فسخها يوجب رجوع المنفعة‌

٣٠

نعم لو اعتقد البائع والمشتري بقاء مدة الإجارة ، وأن العين مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا ، وتبين أن المدة منقضية ، فهل منفعة تلك المدة للبائع ، حيث أنه كأنه شرط كونها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا [١] ، أو للمشتري ، لأنها تابعة للعين ما لم تفرز بالنقل إلى الغير ، أو بالاستثناء ، والمفروض عدمها؟ وجهان. والأقوى : الثاني. نعم لو شرطا كونها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا بعد اعتقاد بقاء المدة ، كان لما ذكر وجه [٢]. ثمَّ بناء على ما هو الأقوى من رجوع المنفعة في الصورة السابقة إلى المشتري ، فهل للبائع الخيار أولا؟. وجهان لا يخلو أولهما‌

______________________________________________________

إلى المستأجر الأول ، لأنه ملكها بالعقد لا بالتبعية.

وبالجملة : رجوع كل من العوضين إلى محله السابق بالفسخ ، ليس لأن الفسخ يقتضي ذلك ، بل لأن الفسخ يبطل العقد ، فيرجع كل من العوضين إلى ما يقتضيه السبب السابق. ففي المقام يرجع إلى ما تقتضيه التبعية إذا تحقق الفسخ ، والتبعية إنما تقتضي الرجوع إلى ملك مالك العين ، وهو المشتري لا المؤجر.

[١] مجرد الاعتقاد لا يقتضي ذلك كما لا يخفى.

[٢] في بعض الحواشي : « لكنه غير موجه ، إذ الشرط في المقام بمنزلة التوصيف لا الاستثناء فلا أثر له » يعني : في جعل المنفعة للبائع. بل محض الاستثناء أيضاً بمنزلة التوصيف لا يقتضي ثبوت المنفعة للبائع ، وإنما الذي يقتضي ذلك إنشاء كونها للبائع ، لكنه لا يتيسر ذلك مع اعتقاد أنها للمستأجر.

٣١

من قوة [١] ، خصوصاً إذا أوجب ذلك له الغبن.

هذا إذا بيعت العين المستأجرة على غير المستأجر. أما لو بيعت عليه : ففي انفساخ الإجارة وجهان [٢]. أقواهما : العدم [٣]. ويتفرع على ذلك أمور :

منها : اجتماع الثمن والأجرة عليه حينئذ.

ومنها : بقاء ملكه للمنفعة في مدة تلك الإجارة لو فسخ البيع بأحد أسبابه ، بخلاف ما لو قيل بانفساخ الإجارة.

ومنها : إرث الزوجة من المنفعة في تلك المدة [٤] ، لو مات الزوج المستأجر بعد شرائه لتلك العين ، وإن كانت مما لا ترث الزوجة منه ، بخلاف ما لو قيل بالانفساخ بمجرد البيع [٥].

______________________________________________________

[١] لما عرفت من أن الخيار في المقام من قبيل خيار الرؤية ، ولا فرق فيه بين المشتري والبائع. وقد استظهر شيخنا الأعظم في مكاسبه الاتفاق على عدم الفرق في خيار الرؤية بين البائع والمشتري.

[٢] بل قولان.

[٣] كما هو المشهور. وعن الإرشاد : الانفساخ ، لأن أثر الإجارة الانتفاع بمال الغير وهذا لا يبقى بعد البيع ، ولأنه يلزم اجتماع العلتين على معلول واحد ، لأن المنفعة حينئذ تكون مملوكة بالإجارة والتبعية. وضعفه بالتأمل ظاهر.

[٤] لأنها مملوكة أصالة بالإجارة.

[٥] فإن المنافع تكون مملوكة للموروث بالتبعية للعين ، فاذا كانت الزوجة لا ترث من العين لا ترث مما هو تابع لها.

٣٢

ومنها : رجوع المشتري بالأجرة لو تلف العين بعد قبضها وقبل انقضاء مدة الإجارة ، فإن تعذر استيفاء المنفعة يكشف عن بطلان الإجارة ويوجب الرجوع بالعوض ، وإن كان تلف العين عليه.

( مسألة ٢ ) : لو وقع البيع والإجارة في زمان واحد كما لو باع العين مالكها على شخص وآجرها وكيله على شخص آخر ، واتفق وقوعهما في زمان واحد ـ فهل يصحان معاً ويملكها المشتري مسلوبة المنفعة كما لو سبقت الإجارة ، أو يبطلان معاً للتزاحم في ملكية المنفعة ، أو يبطلان معاً بالنسبة إلى تمليك المنفعة فيصح البيع على أنها مسلوبة المنفعة تلك المدة فتبقى المنفعة على ملك البائع؟ وجوه. أقواها : الأول ، لعدم التزاحم ، فإن البائع لا يملّك المنفعة وإنما يملّك العين [١] وملكية العين توجب ملكية المنفعة للتبعية ، وهي متأخرة عن الإجارة.

( مسألة ٣ ) : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر على الأقوى [٢]. نعم في إجارة العين الموقوفة ، إذا آجر البطن السابق تبطل بموته بعد الانتقال إلى‌

______________________________________________________

[١] بالتشديد ، يعني : أن البائع إنما يبيع العين ولا يملّك المشتري المنفعة ، بل يملّكه العين ، والمنفعة يملكها المشتري بالتبعية. والملكية بالتبعية إنما تكون حيث لا يكون مقتض لملكية أخرى ، فإذا آجر الوكيل فقد ملك المستأجر المنفعة بعقد الإجارة ، المانع من تأثير التبعية.

[٢] كما هو المشهور بين المتأخرين. وفي المسالك : نسبته إليهم أجمع.

٣٣

البطن اللاحق ، لأن الملكية محدودة. ومثله ما لو كانت المنفعة موصى بها للمؤجر ما دام حياً. بخلاف ما إذا كان المؤجر هو‌

______________________________________________________

والمشهور بين القدماء أنها تبطل بالموت مطلقاً. وقيل : لا تبطل بموت المؤجر ، وتبطل بموت المستأجر ، ونسب إلى أكثر أصحابنا. وقد يستدل للبطلان بموثق إبراهيم بن محمد الهمداني : « قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام وسألته : عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين ، على أن تعطى الإجارة ( الأجرة خ ل ) في كل سنة عند انقضائها ، لا يقدم لها شي‌ء من الإجارة ( الأجرة خ ل ) ما لم يمض الوقت ، فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها ، هل يجب على ورثتها إنفاذ الأجرة إلى الوقت أم تكون الإجارة منتقضة ( منقضية خ ل ) بموت المرأة؟ فقال عليه‌السلام : إن كان لها وقت مسمى لم يبلغ فماتت فلورثتها تلك الإجارة ، فان لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثة أو نصفه أو شيئاً منه ، فتعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء الله » (١). بناء على أن الظاهر أن المراد من قوله عليه‌السلام : « فلورثتها تلك الإجارة » : أن الإجارة لا تبطل من أصلها ، بل من حين الموت ، بقرينة ما بعده مما هو ظاهر في توزيع الأجرة ، بنسبة زمان الحياة إلى مجموع المدة.

وفي مجمع البرهان : ادعى صراحتها في الدلالة على عدم بطلانها بموت المؤجر. وكأنه استند في ذلك إلى ظاهر قوله (ع) : « فلورثتها تلك الإجارة » في أن الإجارة صحيحة. وحمل ما بعده على أن الورثة يستحقون الأجرة ، على حسب التوقيت الصادر في عقد الإجارة. ولكنه كما ترى وإن وافقه عليه جماعة ، فإنه غير ظاهر ، بل الظاهر ما ذكرنا وإن كان لا يخلو من خفاء.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الإجارة حديث : ١.

٣٤

المتولي للوقف وآجر لمصلحة البطون إلى مدة ، فإنها لا تبطل بموته ، ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة. وكذا تبطل إذا آجر نفسه للعمل بنفسه [١] من خدمة أو غيرها ، فإنه إذا مات لا يبقى محل للإجارة. وكذا إذا مات المستأجر الذي هو محل للعمل من خدمة أو عمل آخر متعلق به بنفسه. ولو جعل العمل في ذمته لا تبطل الإجارة بموته ، بل يستوفي من تركته. وكذا بالنسبة إلى المستأجر إذا لم يكن محلا للعمل ، بل كان مالكا له على المؤجر ، كما إذا آجره للخدمة من غير تقييد بكونها له ، فإنه إذا مات تنتقل إلى وارثه ، فهم يملكون عليه ذلك العمل. وإذا آجر الدار واشترط على المستأجر سكناه بنفسه لا تبطل بموته [٢] ، ويكون للمؤجر خيار الفسخ. نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته.

( مسألة ٤ ) : إذا آجر الولي أو الوصي الصبي المولى عليه مدة تزيد على زمان بلوغه ورشده ، بطلت في المتيقن‌

______________________________________________________

[١] في بعض الحواشي : « انه يختص البطلان بما إذا كان متعلق الإجارة هو منفعة نفسه ، ولو كان المتعلق هو الخدمة ونحوها كلياً ، وشرط المباشرة بنفسه فللمستأجر الخيار » وفيه : ما عرفت من أن شرط المباشرة راجع إلى تقييد المنفعة ، وعرفت أن التقييد في الكليات على نحو وحدة المطلوب ، فلا مجال للخيار. وكذا الحكم في الفرض الآخر. اللهم إلا أن تكون العبارة المؤدية إلى التقييد ظاهرة في كونه على نحو تعدد المطلوب.

[٢] قد عرفت أن الشرط في المقام راجع الى القيد ، وأن التقييد في المقام على نحو وحدة المطلوب.

٣٥

بلوغه فيه ، بمعنى : أنها موقوفة على إجازته ، وصحت واقعاً وظاهراً بالنسبة إلى المتيقن صغره ، وظاهراً بالنسبة إلى المحتمل فاذا بلغ له أن يفسخ على الأقوى ، أي : لا يجيز ، خلافاً لبعضهم [١] فحكم بلزومها عليه لوقوعها من أهلها في محلها ، في وقت لم يعلم لها مناف. وهو كما ترى. نعم لو اقتضت المصلحة ـ اللازمة المراعاة ـ إجارته مدة زائدة على زمان البلوغ ، بحيث تكون إجارته أقل من تلك المدة خلاف مصلحته تكون لازمة ليس له فسخها بعد بلوغه. وكذا الكلام في إجارة أملاكه.

( مسألة ٥ ) : إذا آجرت امرأة نفسها للخدمة مدة معينة ، فتزوجت قبل انقضائها ، لم تبطل الإجارة ، وإن كانت الخدمة منافية لاستمتاع الزوج [٢].

______________________________________________________

[١] حكي ذلك عن الخلاف ، معللا له بما ذكر. وردّه في الجواهر بالمنع. لكن مقتضى ولايته على الطفل في جميع ماله الولاية عليه من ماله ونفسه ، صحة ما ذكر ، إذ لا ريب في أن للإنسان السلطنة على منافعه المستقبلة ، فتكون لوليه السلطنة عليها. كما أن الحكم في أمواله كذلك. الفرق بينهما غير ظاهر. فالأقوى حينئذ عدم جواز فسخه ونفوذ تصرف الولي.

اللهم إلا أن يستشكل في ثبوت إطلاق لدليل الولاية يقتضي ذلك في نفسه. وأما ماله : فإطلاق قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... ) (١). كافٍ في إثبات نفوذ التصرف.

[٢] لأن حق الاستمتاع يختص بغير صورة المزاحمة للواجب المجعول‌

__________________

(١) الانعام : ١٥٢.

٣٦

( مسألة ٦ ) : إذا آجر عبده أو أمته للخدمة ثمَّ أعتقه [١] لا تبطل الإجارة بالعتق ، وليس له الرجوع على مولاه بعوض تلك الخدمة في بقية المدة [٢] ، لأنه كان مالكا لمنافعه أبداً وقد استوفاها بالنسبة إلى تلك المدة. فدعوى : أنه فوّت على العبد ما كان له حال حريته ، كما ترى. نعم يبقى الكلام في نفقته في بقية المدة إن لم يكن شرط كونها على المستأجر. في المسألة وجوه :

أحدها : كونها على المولى [٣] لأنه حيث استوفى بالإجارة منافعه فكأنه باق على ملكه [٤].

______________________________________________________

بالإجارة السابقة ، ولا مجال لدعوى العكس ، فيقال : الإجارة باطلة لعدم القدرة على التسليم ، لأن التحقيق في العلل الشرعية ، التي يكون بعضها مزاحماً للآخر ، الترجيح بالسبق واللحوق ، فيكون الأثر للسابق دون اللاحق. ومن ذلك يظهر أنه لو نذر أن يزور الحسين عليه‌السلام يوم عرفة فاستطاع ، كان النذر مقدماً على الاستطاعة ، ولو استطاع ثمَّ نذر كانت الاستطاعة مقدمة على النذر.

[١] صح العتق قولاً واحداً ، لعموم أدلته ، كما في الجواهر. كذا ذكر في صحة الإجارة ، وعن إيضاح النافع : أنه ربما قيل بالبطلان. في الجواهر : ان الظاهر أن القول بذلك لبعض الشافعية.

[٢] حكي جواز الرجوع عن الشافعي في القديم. وعن الشيخ والحلي حكايته قولا ، ولم يعلم أنه لأصحابنا.

[٣] حكي ذلك عن القواعد. وفي الجواهر : ضعفه واضح ، ضرورة أن المقتضي لها الملك ، وقد زال.

[٤] هذا التنزيل غير ظاهر الوجه.

٣٧

الثاني : أنه في كسبه إن أمكن له الاكتساب لنفسه في غير زمان الخدمة [١] وان لم يمكن فمن بيت المال [٢] وإن لم يكن فعلى المسلمين [٣] كفاية [٤].

الثالث : أنه إن لم يمكن اكتسابه في غير زمان الخدمة ففي كسبه وإن كان منافيا للخدمة [٥].

الرابع : أنه من كسبه ويتعلق مقدار ما يفوت منه من الخدمة بذمته.

الخامس : أنه من بيت المال من الأول.

ولا يبعد قوة الوجه الأول.

______________________________________________________

[١] الظاهر أن هذه الصورة خارجة عن محل الكلام والخلاف ، وعلى هذا يرجع الثاني إلى الخامس.

[٢] لكن في كون نفقته من مصارف بيت المال إشكال ، فإن بيت مال الخراج يصرف في المصالح العامة. اللهم إلا أن يكون ترك الإنفاق عليه مهانة عامة للمسلمين.

[٣] المقدار اللازم على المسلمين حفظه عن الهلاك ، أما النفقة المتعارفة فلا دليل على وجوبها على أحد.

[٤] فان لم يمكن ففي كسبه أو غيره ، مقتصراً على مقدار الضرورة ، نظير أكل مال غيره عند المخمصة.

[٥] وفيه : أنه تصرف في مال الغير من دون مسوغ ظاهر. مع أنه لا فرق بين كسبه وسائر أموال المستأجر وغيره. وما في الجواهر : من أن النفقة مقدمة على كل واجب. فيه : أن ذلك يتم لو كان الواجب عليه الخدمة في ذمته ، وليس هو مقتضى الإجارة ، لأنها واقعة على‌

٣٨

( مسألة ٧ ) : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً سابقاً على العقد وكان جاهلا به ، فان كان مما تنقص به المنفعة فلا إشكال في ثبوت الخيار له بين الفسخ والإبقاء [١] والظاهر عدم جواز مطالبته الأرش فله الفسخ أو الرضا بها مجانا [٢]. نعم لو كان العيب مثل خراب بعض بيوت الدار‌

______________________________________________________

منافعه لا على ذمته ، ومنافعه بالإجارة مال للمستأجر كسائر أمواله ، فإذا جاز له التصرف في كسبه جاز له التصرف في مال المستأجر غير الخدمة ، وهو كما ترى.

[١] قد نفى الخلاف فيه غير واحد ، وتأتي في هذه المسألة الإشارة إلى وجهه ، وأنه إما من قبيل خيار تخلف الوصف ، أو هو مقتضى حديث لا ضرر (١).

[٢] حكي عليه اتفاق الأصحاب إلى زمان الشهيد ، فتردد فيه في اللمعة ، وتبعه غيره فيه. وعن جامع المقاصد : أن الأصح ثبوته. وهو في محله لو كان الناقص جزءاً ملحوظا بالإجارة مقابلا به جزءاً من الأجرة فإنه يكون من قبيل الخراب لبعض البيوت. أما إذا لم يكن كذلك ، بل كان من قبيل الوصف الموجب لنقص المالية ، ـ كبطء السير في الدابة ـ فلا وجه له ظاهر. وكونه منشأ لنقص المالية غير كاف في لزوم إرجاع بعض الأجرة كما لا يخفى. وثبوت الأرش في العيب في المبيع لدليل يخصه ، لا يصحح البناء عليه في المقام بعد كونه خلاف القاعدة. بل في الفرض الأول إنما الثابت التقسيط ، كما عبر به في المتن في خراب بعض بيوت الدار ، لا الأرش المصطلح الذي هو تدارك لنقص المالية ولو بمال أجنبي‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٦ من أبواب الخيار في كتاب البيع ، وباب : ٥ من كتاب الشفعة ، وباب : ٧ ، ١٢ من كتاب احياء الموات.

٣٩

فالظاهر تقسيط الأجرة [١] ، لأنه يكون حينئذ من قبيل تبعض الصفقة [٢] ولو كان العيب مما لا تنقص معه المنفعة كما إذا تبين كون الدابة مقطوعة الاذن أو الذنب ، فربما يستشكل في ثبوت الخيار معه [٣]. لكن الأقوى ثبوته إذا كان مما يختلف به الرغبات وتتفاوت به الأجرة. وكذا له

______________________________________________________

عن الأجرة ، مع كون المعاملة باقية على حالها بلا تبعض فيها. فدعوى : عدم جواز مطالبة الأرش ـ كما في المتن ـ في محله.

[١] لما عرفت ، وإن كان إطلاق قولهم : عدم ثبوت الأرش ولو مع فوات بعض المنفعة ، يقتضي عدمه في المقام ، إلا أنه منزل على الصورة السابقة.

[٢] وحينئذ يكون له الخيار في الباقي ، كما في سائر موارد تبعض الصفقة.

[٣] وإن كان يقتضيه إطلاق كلامهم ، بل عن غير واحد التصريح به ، واستدل له : بأن الصبر على المعيب ضرر. وهو ـ كما ترى ـ ممنوع على إطلاقه.

بالجملة : إن كان دليل الخيار في المقام هو : « لا ضرر. » ، فيقتضي اختصاصه بصورة الضرر. وان كان هو دليل خيار العيب في المبيع ، فلو بني على التعدي عن البيع فإنما هو فيما لو كان العوض معيباً ، والعوض في الإجارة المنفعة والأجرة ، لا العين. مع أن تصور العيب بالمعنى المعتبر في عيب المبيع بالنسبة إلى المنافع غير ظاهر ، إذ ليس لها خلقة أصلية يكون النقص عنها عيبا. وكذا لو كان دليل خيار تخلف الوصف ، من جهة اعتماد المستأجر على أصالة الصحة ، فإنه أيضاً يختص بالاعواض ، ولا يجري في غيرها ، إذ لا ريب في أنه لا خيار للأجير لو استؤجر على خياطة ثوب ، وتبين بعد الإجارة أنه معيب. وكذا لو استؤجر على حمل مناع فتبين أنه معيب. وبالجملة : دليل الخيار في المقام‌

٤٠