مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

على العامل أخذها وجبايتها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا؟ وجهان [١] أقواهما العدم ، من غير فرق بين أن يكون الفسخ من العامل أو المالك.

السابعة : إذا مات المالك أو العامل قام وارثه مقامه‌

______________________________________________________

المفروض انفساخها ، بل يكون لدليل تعبدي ، ومن الجائز أن يدل الدليل على الجبران ولا يدل على وجوب الإنضاض على العامل. وبالجملة : المضاربة انفسخت وتمت ، وليس لها بعد الفسخ متمم. والجبران إن قيل به فلدليل تعبدي ، ومن الجائز أن لا يدل على وجوب الإنضاض.

وفيه : أن التفكيك المذكور وإن كان ممكناً في نفسه ، إلا أنه غير ظاهر ، لأن المضاربة إن كانت تنتهي بالفسخ فلا وجه لوجوب الإنضاض ولا للجبران ، بل يكون حال العامل والمالك حال الشريكين ، وإلا فلا بد من القول بالوجوب كالقول بالجبران. وقد عرفت فيما سبق أن الأوفق بالقواعد الأول. فراجع المسألة الخامسة والثلاثين.

[١] بل قولان أشهرهما الوجوب ، كما عن المبسوط وجامع الشرائع والتذكرة وجامع المقاصد وغيرها ، وفي الشرائع : أن على العامل جباية السلف ، ونحوه عن الإرشاد والروض ، وفي القواعد : أن على العامل تقاضيه ، واختاره في المسالك ، واستدل له : بأن مقتضى المضاربة ردّ رأس المال على صفته والديون لا تجري مجرى المال ، وأن الدين ملك ناقص والذي أخذه كان ملكاً تاماً ، فليرد كما أخذ بظاهر : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » ، وإذن المالك بالادانة إنما كانت على طريق الاستيفاء لا مطلقة ، بدلالة القرائن ، ولاقتضاء الخبر ذلك. انتهى. وفيه : أن دلالة القرائن ممنوعة ، والخبر قد عرفت إشكاله.

٣٨١

فيما مر من الأحكام [١].

الثامنة : لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك وماله ، فلا يجب عليه الإيصال إليه [٢]. نعم لو أرسله إلى بلد آخر غير بلد المالك‌

______________________________________________________

[١] لأن الموت فسخ قهري ، فيجري عليه حكم الفسخ الاختياري ، فإذا كان من حقوق المالك على العامل وجوب الإنضاض بعد الفسخ ووجوب استيفاء الديون وغير ذلك ، كان ذلك الحق لوارث المالك بعد موته ، وإذا كان من حقوق العامل على المالك جواز بيع العروض بعد الفسخ كان ذلك لوارثه بعد موته أيضاً ، فيجوز لوارث العامل البيع. وإذا لم نقل بثبوت الحقوق المذكورة للمالك والعامل ـ كما تقدم من المصنف ـ لم يكن للوارث شي‌ء من ذلك أيضاً. لكن قال في الشرائع : « وكذا لو مات رب المال وهو عروض كان له البيع إلا أن يمنعه الوارث. وفيه قول » ، وظاهره أن جواز البيع الثابت للعامل ثابت له مع موت المالك ، إلا أن يمنعه وارث المالك. ولكنه غير ظاهر الوجه ، فإن المأذون لا يجوز له التصرف المأذون فيه مع موت الآذن ، للانتقال الى الوارث المقتضي لحرمة التصرف فيه بغير إذنه ، ولا يكفي في جوازه عدم المنع من المالك. ولذلك كان القول الآخر الذي حكاه في الشرائع هو المتجه ـ كما في المسالك ، ونفى عنه البأس في التذكرة ـ وإن كان القائل ليس منا على ما قيل ، بل حكاه في التذكرة عن بعض الشافعية. هذا إذا كان المراد منه القول بعدم جواز البيع إلا بالاذن. ويحتمل أن يكون المراد القول بالجواز وإن نهاد الوارث ، بناء على ما تقدم في بعض الأقوال من وجوب إجابة المالك إذا أراد العامل البيع.

[٢] للأصل.

٣٨٢

ولو كان بإذنه يمكن دعوى وجوب الرد إلى بلده. لكنه مع ذلك مشكل [١]. وقوله (ع) : « على اليد ما أخذت .. » (١) أيضاً [٢] لا يدل على أزيد من التخلية [٣]. وإذا احتاج الرد‌

______________________________________________________

[١] أما إذا كان بإذنه فلا ينبغي التأمل في عدم الوجوب ، للأصل والأمر برد الأمانات في قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٢) يختص بما إذا كان بعد الطلب ، فالمراد منه ما يقابل الحبس. وأما إذا كان بغير إذنه فلا ينبغي التأمل في الوجوب ، لأن النقل تفويت لخصوصية المكان التي كانت للعين ، فيجب تداركها. فالمسألتان ليستا من باب واحد ، الأولى من باب الأمانة ، والثانية من باب الضمان.

[٢] قد عرفت أنه لا يحسن التمسك في المقام بالحديث الشريف المذكور في المسألتين ، بل المتجه التمسك في الأولى بما دل على وجوب أداء الأمانة وحرمة حبسها ، وفي الثانية بالحديث الشريف. وبالجملة : ينبغي إجراء أحكام الأمانة في المقام.

[٣] لا يخفى أن الأداء الذي أخذ غاية للضمان ملازم لأخذ المالك ، فلا يتحقق بدونه ، ولا يكفي فيه مجرد التخلية من دون أن يأخذه المالك ، ( فان قلت ) : إن ذلك خلاف قاعدة السلطنة على النفس ، لأن عدم أخذ المالك ـ على هذا ـ يوجب اشتغال ذمة الضامن من دون اختياره. ( قلت ) : لا مانع من ذلك إذا اقتضاه الدليل. وكذا دعوى : أن ذلك خلاف قاعدة نفي الضرر ، فان اشتغال ذمته بالعين ضرر عليه. إذ لا مانع من تخصيص القاعدة بالدليل المذكور. اللهم إلا أن يقال : إن حمل الأداء‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١ من كتاب الوديعة حديث : ١٢ ، وباب : ١ من كتاب الغصب حديث : ٤.

(٢) النساء : ٥٨.

٣٨٣

إليه إلى الأجرة فالأجرة على المالك [١] ، كما في سائر الأموال. نعم لو سافر به بدون إذن المالك إلى بلد آخر ، وحصل الفسخ فيه ، يكون حاله حال الغاصب في وجوب الرد والأجرة [٢]. وإن كان ذلك منه للجهل بالحكم الشرعي [٣] من عدم جواز السفر بدون إذنه.

( مسألة ٤٧ ) : قد عرفت أن الربح وقاية لرأس المال من غير فرق بين أن يكون سابقاً على التلف أو الخسران أو لا حقاً [٤] ، فالخسارة السابقة تجبر بالربح اللاحق وبالعكس.

______________________________________________________

على ما يقابل الأخذ أهون من تخصيص القاعدتين المذكورتين. ولا سيما بملاحظة ذكره في الحديث الشريف في مقابل الأخذ ، فالمراد من الأداء رفع اليد عن العين. مضافاً إلى أن ذلك هو الموافق للارتكاز العقلائي في باب الضمان ، وأنه يكفي في ارتفاع الضمان تقديم العين إلى المالك وجعلها بين يديه وتحت سلطانه. والمظنون أن على ذلك بناء الفقهاء وإن لم يحضرني فعلا تحرير لذلك فلاحظ.

[١] لأنها لمصلحة ماله.

[٢] أما وجوب الرد فلأن خصوصية كونه في المكان الكذائي قد فوتها الغاصب ، فيجب عليه تداركها. وأما الأجرة فلتوقف الرد الواجب عليها.

[٣] لعدم الفرق في وجوب تدارك ما فات بفعله بين العلم بالحكم والجهل به.

[٤] والظاهر أنه من القطعيات ، وفي الجواهر : جعل بعض ذلك ضرورياً ، لإطلاق الدليل ، وكذا ما بعده.

٣٨٤

ثمَّ لا يلزم أن يكون الربح حاصلاً من مجموع رأس المال ، وكذا لا يلزم أن تكون الخسارة واردة على المجموع ، فلو اتجر بجميع رأس المال فخسر ثمَّ اتجر ببعض الباقي فربح ، يجبر ذلك الخسران بهذا الربح ، وكذا إذا اتجر بالبعض فخسر ثمَّ اتجر بالبعض الآخر أو بجميع الباقي فربح. ولا يلزم في الربح أو الخسران أن يكون مع بقاء المضاربة حال حصولها ، فالربح مطلقاً جابر للخسارة والتلف مطلقاً ما دام لم يتم عمل المضاربة [١] ثمَّ إنه يجوز للمالك أن يسترد بعض مال المضاربة في الأثناء ، ولكن تبطل بالنسبة اليه ، وتبقى بالنسبة إلى البقية [٢] ، وتكون رأس المال ، وحينئذ فإذا فرضنا أنه أخذ بعد ما حصل الخسران أو التلف بالنسبة إلى رأس المال مقداراً من البقية ، ثمَّ اتجر العامل بالبقية أو ببعضها ، فحصل ربح يكون ذلك الربح جابراً للخسران أو التلف السابق بتمامه. مثلا إذا كان رأس المال مائة ، فتلف منها عشرة أو خسر عشرة وبقي تسعون ، ثمَّ أخذ المالك من التسعين عشرة وبقيت ثمانون ، فرأس المال تسعون ، وإذا اتجر بالثمانين فصار تسعين ، فهذه العشرة الحاصلة ربحاً‌

______________________________________________________

[١] قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الخامسة والثلاثين.

[٢] سيأتي في المسألة الثانية عشرة من مسائل الختام عدم صحة التبعيض في الفسخ ، فاذا انفسخت المضاربة بالنسبة الى بعض المال انفسخت بالنسبة إلى جميعه ، فيحتاج تجديدها في الباقي الى اجتماع الشروط. وعليه يشكل البناء في المقام على بطلانها بالنسبة الى ما أخذه المالك وصحتها بالنسبة الى ما بقي ويكون هو رأس المال ، وان كان يظهر من كلماتهم في المقام التسالم‌

٣٨٥

تجبر تلك العشرة ، ولا يبقى للعامل شي‌ء. وكذا إذا أخذ المالك بعد ما حصل الربح مقداراً من المال ـ سواء كان بعنوان استرداد بعض رأس المال ، أو هو مع الربح ، أو من غير قصد إلى أحد الوجهين ـ ثمَّ اتجر العامل بالباقي أو ببعضه ، فحصل خسران أو تلف ، يجبر بالربح السابق بتمامه ، حتى المقدار الشائع منه في الذي أخذه المالك ، ولا يختص الجبر بما عداه ، حتى يكون مقدار حصة العامل منه باقياً له. مثلا إذا كان رأس المال مائة فربح عشرة ثمَّ أخذ المالك عشرة ، ثمَّ اتجر العامل بالبقية فخسر عشرة أو تلف منه عشرة ، يجب جبره بالربح السابق حتى المقدار الشائع منه في العشرة المأخوذة ، فلا يبقى للعامل من الربح السابق شي‌ء. وعلى ما ذكرنا فلا وجه لما ذكره المحقق [١] وتبعه غيره من أن الربح اللاحق لا يجبر مقدار الخسران الذي ورد على العشرة‌

______________________________________________________

على ذلك. وكذا في باب الإقالة ، فإنها تجوز في البعض دون البعض ، والمخالف في ذلك شاذ نادر. فلاحظ. ويحتمل في المقام الالتزام ببقاء المضاربة حتى بالنسبة إلى ما أخذه المالك ، ويكون ما أخذه المالك بحكم ما لو وضع في كيس مستقل وأفرز عن باقي المال. لكن لازم ذلك جواز تصرف العامل به بعد أخذ المالك فيتعين البناء على التبعيض.

[١] قال في الشرائع : « إذا كان مال القراض مائة فخسر عشرة وأخذ المالك عشرة ، ثمَّ عمل بها الساعي فربح كان رأس المال تسعة وثمانين إلا تسعاً ، لأن المأخوذ محسوب من رأس المال ، فهو كالموجود ، فاذاً المال في تقدير تسعين ، فاذا قسم الخسران ـ وهو عشرة ـ على تسعين كانت حصة العشرة المأخوذة ديناراً وتسعاً ، فيوضع ذلك من رأس المال » ،

٣٨٦

المأخوذة ، لبطلان المضاربة بالنسبة إليها ، فمقدار الخسران الشائع فيها لا ينجبر بهذا الربح ، فرأس المال الباقي [١] بعد خسران العشرة في المثال المذكور لا يكون تسعين ، بل أقل منه بمقدار‌

______________________________________________________

ونحوه عبارة القواعد والتذكرة والإرشاد وجامع المقاصد والمسالك ومجمع البرهان ، وعن المبسوط وجامع الشرائع والمفاتيح ، من دون تعرض للإشكال فيه ، بل في كلام بعضهم أنه ظاهر. وغرضهم أن خسران العشرة لما كان موزعاً على الجميع فيلحق كل عشرة من التسعين الباقية تسع منه ، وهو واحد وتسع ، فالعشرة التي أخذها المالك لما خرجت عن مال المضاربة لم يكن خسرانها مجبوراً من الربح ، لأن الربح إنما يجبر به الخسران المتعلق بمال المضاربة ، والمفروض أن العشرة التي أخذها المالك قد خرجت عن مال المضاربة ، وحينئذ يختص الجبران بالخسران المتعلق بالباقي ، وهو تسعة وثمانون الا تسعاً ، فاذا كان الربح عشرة ـ كما هو المفروض ـ ويجبر منه الخسران المتعلق بباقي المال ، ويزيد منه واحد وتسع ، فيكون هذا الزائد بين المالك والعامل.

[١] لعل الأولى في التعبير أن يقول : فرأس المال ، الذي يجبر نقصه بعد أخذ المالك العشرة ، هو تسعة وثمانون الا تسعاً ولا يجبر من الربح المتأخر النقص المتعلق بالعشرة التي أخذها المالك ، لخروجها عن مال المضاربة وقد ذكر في القواعد والتذكرة مثالاً آخر ، وهو ما لو كان رأس المال مائة فخسر عشرة ، ثمَّ أخذ المالك خمسة وأربعين ، والحكم أيضاً أن يوزع الخسران على الجميع ، فيلحق الخمسة والأربعين التي أخذها المالك نصف الخسران وهو خمسة ، ويلحق الباقي أيضاً خمسة ، فإذا ربح بعد ذلك عشرة كان نصفها جابراً للخسران الوارد على الباقي ، والنصف الآخر بين المالك والعامل على حسب شرطهما في المضاربة. ولا يجبر من الربح المذكور‌

٣٨٧

حصة خسارة العشرة المأخوذة ، وهو واحد وتسع ، فيكون رأس المال الباقي تسعين إلا واحد وتسع ، وهي تسعة وثمانون‌

______________________________________________________

الخسران الوارد على المقدار الذي أخذه ، لخروجه عن مال المضاربة. وكذا الحكم عندهم في سائر الموارد يوزع الخسران على الجميع بالنسبة ، ولا يجبر بالربح الخسران المتعلق بما أخذه المالك ، بل يجبر خصوص الخسران المتعلق بالباقي. ولم أقف على متأمل منهم في ذلك.

نعم في الجواهر ـ بعد تقريب ما ذكره في الشرائع ـ قال : « لكن الانصاف عدم خلوّ المسألة الأولى عن إشكال ، باعتبار عدم ثبوت ما يقتضي شيوع الخسارة على المال كله على وجه لو أخذ المالك بعض المال يلحقه بعض الخسارة ، وإنما المنساق احتساب ما يأخذه المالك من رأس المال ، وأما الخسارة السابقة فتجبر بما بقي من مال المضاربة ، إذ المالك قد أخذ العشرة مستحقة للجبر .. ».

وفيه : أنه لا ريب في أن الخسارة موزعة على جميع المال حتى الذي أخذه المالك ، وإنما الإشكال في جبر الخسارة المتعلقة بما أخذه المالك من الربح الحاصل من الباقي ، والعمدة في الاشكال فيه : أنه بعد بطلان المضاربة فيه يخرج عن كونه مال المضاربة ، فلا وجه لجبر خسارته بربح غيره الباقي ، لأن ربح مال المضاربة يجبر خسران ذلك المال ، لا خسران غيره. وما تقدم من المصنف (ره) وغيره من بقاء حكم الجبر وإن فسخت المضاربة إنما يسلم فيما إذا ورد الفسخ على تمام المال قبل إنضاضه أو قسمته ، ثمَّ ربح هو فيجبر به الخسران السابق ، لا فيما إذا فسخ العقد بالإضافة الى بعض مال المضاربة وصار ملكاً للمالك مختصاً به. وبقيت المضاربة في غيره من المال ، فإنه لا وجه لهذا الجبران حينئذ ، فإن ذلك مما لا يساعده الارتكاز العرفي أصلاً.

٣٨٨

إلا تسع. وكذا لا وجه لما ذكره بعضهم [١] في الفرض الثاني أن مقدار الربح الشائع في العشرة التي أخذها المالك لا يجبر الخسران اللاحق ، وان حصة العامل منه يبقى له ويجب على المالك رده اليه ، فاللازم في المثال المفروض عدم بقاء ربح للعامل بعد حصول الخسران المذكور ، بل قد عرفت سابقاً‌

______________________________________________________

ويتضح ما ذكرنا في المثال الثاني الذي ذكره في القواعد والتذكرة ، من أن المالك بعد خسران العشرة قد أخذ خمسة وأربعين ، فإنه على تقدير فسخ المالك فيها وأخذها وإبقاء مثلها في يد العامل يبعد جداً أن يكون الربح الحاصل في الخمسة والأربعين التي بيد العامل يجبر به الخسران المتعلق بما أخذه المالك ، فإن أحدهما صار أجنبياً عن الآخر.

نعم إذا كان المالك قد أخذ بعض مال المضاربة لا بعنوان الفسخ ، فإنه لم يبعد الحكم بالجبران حينئذ. بل حتى لو صرفه المالك فخرج عن كونه مال المضاربة لانعدامه ، فان مثل هذا الخروج لانتفاء القابلية لا يمنع من لزوم الجبر ، ضرورة أنه في المثال الأول لو تلفت عشرة بعد خسران عشرة فإن التالفة تجبر خسارتها المتعلقة بها مع خروجها عن مال المضاربة بالتلف ، كما تجبر هي نفسها ، فالخروج عن مال المضاربة لتلف أو نحوه لا يمنع من بقاء الجبر ، فيجبر نفس المال وتجبر خسارته ، ومن ذلك يظهر لزوم التفصيل بين أن يكون ما يأخذه المالك بعنوان الفسخ فيتم ما ذكره المحقق ومن وافقه ، وبين أن لا يكون بعنوان الفسخ ، فيتم ما ذكره في الجواهر ومن وافقه وان خرج البعض عن كونه مال المضاربة لفقد القابلية. والله سبحانه ولي التوفيق والسداد.

[١] اقتصر في الشرائع على ذكر المسألة الأولى ، وكذا في الإرشاد ومجمع البرهان ، ولم يتعرضوا للثانية. لكن في القواعد والتذكرة وجامع‌

٣٨٩

أنه لو حصل ربح واقتسماه في الأثناء وأخذ كل حصته منه ، ثمَّ حصل خسران : أنه يسترد من العامل مقدار ما أخذ ، بل ولو كان الخسران بعد الفسخ [١] قبل القسمة ، بل أو بعدها إذا اقتسما العروض وقلنا بوجوب الإنضاض على العامل وأنه من تتمات المضاربة.

( مسألة ٤٨ ) : إذا كانت المضاربة فاسدة فإما أن يكون مع جهلهما بالفساد ، أو مع علمهما أو علم أحدهما دون الآخر فعلى كل التقادير الربح بتمامه للمالك ، لإذنه في التجارات [٢] وإن كانت مضاربته باطلة. نعم لو كان الإذن مقيداً بالمضاربة [٣] توقف ذلك على إجازته ، وإلا [٤] فالمعاملات الواقعة باطلة [٥] وعلى عدم التقيد أو الإجازة يستحق العامل مع جهلهما لأجرة عمله [٦]. وهل يضمن عرض ما أنفقه في السفر على نفسه ،

______________________________________________________

المقاصد : ذكرت المسألتان معاً ، وجعلتا في كلامهم من باب واحد. لكن في الجواهر : خص إشكاله بالمسألة الأولى ، وظاهره أنه وافق الجماعة في المسألة الثانية والفرق بين المسألتين غير ظاهر.

[١] قد عرفت الاشكال فيه في المسألة الخامسة والثلاثين.

[٢] لأن المضاربة تستلزم الاذن في التجارة وإن كانت باطلة.

[٣] يأتي في المسألة الثانية من مسائل الختام : أنه إذا لم تكن قرينة على التقييد فإطلاق العقد يقتضي إطلاق الاذن وإن كان العقد باطلاً.

[٤] يعني : وإن لم يجز.

[٥] لعدم الاذن من المالك ولا الإجازة.

[٦] لأنه لم يقصد التبرع فيكون مضموناً على من استوفاه ولو بالعقد‌

٣٩٠

لتبين عدم استحقاقه النفقة ، أولا ، لأن المالك سلطه على الإنفاق مجاناً؟ وجهان أقواهما الأول [١]. ولا يضمن التلف والنقص. وكذا الحال إذا كان المالك عالماً دون العامل ، فإنه يستحق الأجرة ، ولا يضمن التلف والنقص. وإن كانا عالمين أو كان العامل عالماً دون المالك ، فلا أجرة له ، لإقدامه على العمل مع علمه بعدم صحة المعاملة [٢] ، وربما يحتمل في‌

______________________________________________________

الفاسد ، لأن الضمان بالاستيفاء لا يختص بعقد صحيح أو فاسد ، لعموم بناء العقلاء عليه.

[١] مقتضى قاعدة : ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، عدم الضمان. ولو أشكل تطبيق القاعدة : من جهة أنها تختص بمورد العقد ، والنفقة في المقام ليست موضوعاً للعقد ، كفى مستندها في عدم الضمان ، وهو التسليط على إتلاف ماله. مجاناً ، والاقدام على عدم ضمانه ، المانع من عموم : من أتلف مال غيره فهو له ضامن ، للمقام. وكما أن عموم : « على اليد » لا يشمل المضاربة الفاسدة ، فلا يضمن العامل المال مع فساد المضاربة ، لعموم ما دل على عدم ضمان الأمين كذلك عموم : من أتلف .. لا يشمل المضاربة الفاسدة ، فلا يقتضي الضمان بالإتلاف ، لعموم ما دل على عدم ضمان المأذون بالإتلاف ، المستفاد من بعض نصوص القاعدة. اللهم إلا أن يقال : إنه لا إذن في الإتلاف ، لاختصاصها بعامل المضاربة ، والمفروض انتفاؤه ، فهو نظير ما لو أعطى الطعام لزوجته بعنوان كونه نفقة الزوجية فتبين أنها ليست زوجة ، فإنه لا ينبغي التأمل في الضمان. فلاحظ وتأمل.

[٢] العلم بعدم صحة المعاملة شرعاً لا يقتضي الإقدام على التبرع ، الموجب لعدم الاستحقاق. وكذلك الغاصب إذا اشترى بالمال المغصوب إنما يقصد الشراء ، ولا يقصد أخذ المال مجاناً ، والبائع إذا كان عالماً‌

٣٩١

صورة علمهما أنه يستحق حصته من الربح من باب الجعالة [١] وفيه : أن المفروض عدم قصدها [٢] ، كما أنه ربما يحتمل‌

______________________________________________________

بالغصب إنما يقصد البيع ولا يقصد التمليك المجاني. ولذلك يصح البيع بالإجازة من المالك ، ولو لم يكونا قد قصدا البيع والشراء لم يصح بالإجازة وقد تقدم في كتاب الإجارة نظير المقام في المسألة السادسة عشرة من فصل تمليك المستأجر المنفعة. فراجع.

[١] تفترق الجعالة عن الإجارة والمضاربة والمزارعة والمساقاة ونحوها : بأنها إيقاع لا يقوم إلا بالجاعل ، ولا يعطي لغيره لوناً ولا حكماً ، فان من قال لغيره : إن خطت ثوبي فلك علي درهم ، فقد جعل شيئاً على نفسه ولم يجعل شيئاً على غيره ، بخلاف العناوين المذكورة فإنه فيها يكون العامل ذا لون خاص ، يكون به مستحقاً عليه العمل ومسؤولا عن العمل ولا بد له منه ، ولذلك كانت من العقود ، لأن هذه المسؤولية وكونه مستحقاً عليه العمل لا تكون إلا بقبول من عليه المسؤولية ، ولا تكون بغير سلطانه ، ولا ينافي ذلك جواز الفسخ في المضاربة ، فإن المسؤولية لو لا الفسخ كافية في الاحتياج الى القبول. ونحو ذلك الفرق بين الاذن والوكالة فإن الاذن من الإيقاع ، فلا يحتاج إلى قبول المأذون ، لأنه لا يكتسي به عنواناً ، ولا مسؤولية ، بخلاف الوكالة فإنها توجب ثبوت عنوان للوكيل يكون به مسؤولاً عن العمل ، وقائماً مقام الموكل ، فالوكيل في البيع والشراء يجب عليه أن يبيع إذا اقتضت مصلحة الموكل ذلك ، كما يجب عليه أن يشتري إذا اقتضت مصلحة الموكل ذلك ، وإلا كان خائناً وجارياً على خلاف مقتضى عنوان الوكالة ، وليس كذلك المأذون في البيع والشراء‌

[٢] قد عرفت اختلاف عنوان الجعالة عن عنوان المضاربة ، ولما كانا قصديين فلا يصح أحدهما إلا بقصده‌

٣٩٢

استحقاقه أجرة المثل إذا اعتقد أنه يستحقها مع الفساد. وله وجه [١] ، وإن كان الأقوى خلافه. هذا كله إذا حصل ربح ولو قليلا ، وأما مع عدم حصوله فاستحقاق العامل الأجرة ولو مع الجهل مشكل ، لإقدامه على عدم العوض لعمله مع عدم حصول الربح. وعلى هذا ففي صورة حصوله أيضاً يستحق أقل الأمرين من مقدار الربح وأجرة المثل. لكن الأقوى خلافه [٢] ، لأن رضاه بذلك كان مقيداً بالمضاربة [٣] ومراعاة الاحتياط في هذا وبعض الصور المتقدمة أولى.

______________________________________________________

[١] لأنه حينئذ لم يقدم على عدم الاستحقاق شرعاً ، وإنما أقدم على أنه مستحق شرعاً لأجرة المثل.

[٢] يعني : فلا يستحق العامل أيضاً في هذه الصورة. لكنه غير ظاهر ، لأن الموجب لعدم الاستحقاق على هذا المبنى. إقدامه على العمل باعتقاد عدم الاستحقاق شرعاً ، وهو غير حاصل في الفرض.

[٣] فمع فسادها يضمن بقيمته ، كما في غيره من الموارد ، لعدم كونه متبرعاً ، كما هو المفروض. لكن على هذا يشكل الحكم بعدم الاستحقاق في الصورة السابقة ، إذ إقدامه على العمل بلا عوض أيضاً يكون مقيداً بالمضاربة ومبنياً عليها ، ومع فسادها لا إقدام على العمل بلا عوض. اللهم إلا أن يستند في الصورة السابقة إلى قاعدة : ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، لأن العمل في المضاربة الصحيحة غير مضمون ، فلا يكون مضموناً في الفاسدة. لكن القاعدة لا تصلح للحجية مع قصور دليلها عن شمول المقام.

اللهم إلا أن يقال : إن ضمان المالك لعمل العامل في المقام إن كان فبالاستيفاء ، وهو غير حاصل ، إذ المالك انما يحث على الاسترباح لا مجرد‌

٣٩٣

( مسألة ٤٩ ) : إذا ادعى على أحد أنه أعطاه كذا مقداراً مضاربة وأنكر ولم يكن للمدعي بينة فالقول قول المنكر مع اليمين [١].

( مسألة ٥٠ ) : إذا تنازع المالك والعامل في مقدار رأس المال الذي أعطاه العامل قدم قول العامل بيمينه مع عدم البينة [٢] ، من غير فرق بين كون المال موجوداً أو تالفاً مع ضمان العامل [٣] لأصالة عدم إعطائه أزيد مما يقوله ، وأصالة براءة ذمته إذا كان تالفاً بالأزيد. هذا إذا لم يرجع نزاعهما‌

______________________________________________________

العمل بلا ربح ، والاسترباح مفقود حسب المفروض ، والعمل المجرد عن الربح لم يكن بأمر المالك كي يكون ضامناً له بالاستيفاء ، فلم يدخل في كيس المالك شي‌ء من عمل العامل حتى يكون مضموناً عليه باستيفائه. ويشكل : بأن الأمر بالعمل كان بداعي الربح ، لا بقيده واقعاً ، فمع تخلفه لا ينكشف عدم الأمر بالعمل ، وإلا لزم بطلان العمل ، لانتفاء الاذن له فيكون فضولياً. بل لو كان المالك بنفسه يباشر العمل فمع تخلف الداعي لا ينتفي القصد.

[١] لموافقته للحجة ، وهو أصالة العدم. ولو فرض عدم جريانه كفى الأصل الحكمي ، وهو أصالة عدم وجوب شي‌ء على العامل من إرجاع المال أو ضمانه ، الذي هو الغرض المقصود من الدعوى ، وبدونه لا تسمع فلو فرض أن المالك يعترف بإرجاع المال إليه على تقدير صدقه في الدعوى أو يعترف بتلفه من غير ضمان لم يكن أثر لدعواه ، فلا تسمع منه.

[٢] لما عرفت في المسألة السابقة.

[٣] لما عرفت من أنه مع عدم ضمانه لا تسمع دعوى الزيادة.

٣٩٤

إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من الربح ، كما إذا كان نزاعهما بعد حصول الربح وعلم أن الذي بيده هو مال المضاربة إذ حينئذ النزاع في قلة رأس المال وكثرته يرجع إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من هذا المال الموجود ، إذ على تقدير قلة رأس المال يصير مقدار الربح منه أكثر ، فيكون نصيب العامل أزيد ، وعلى تقدير كثرته بالعكس ، ومقتضى الأصل كون جميع هذا المال للمالك إلا بمقدار ما أقر به للعامل [١]. وعلى هذا أيضاً لا فرق بين كون المال باقياً أو تالفاً بضمان العامل ، إذ بعد الحكم بكونه للمالك إلا كذا مقدار منه فاذا تلف مع ضمانه لا بد أن يغرم المقدار الذي للمالك.

( مسألة ٥١ ) : لو ادعى المالك على العامل أنه خان أو فرط في الحفظ فتلف أو شرط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني ، أو لا يبيع من زيد أو نحو ذلك ، فالقول قول العامل في عدم الخيانة والتفريط ، وعدم شرط المالك عليه الشرط الكذائي ، والمفروض أن مع عدم الشرط يكون مختاراً في الشراء‌

______________________________________________________

[١] وإن كان مقتضى اليد كون جميعه للعامل إلا ما أقرَّ به للمالك ، إلا أن ذا اليد لما أقر بأن أصله للمالك احتاج في إثبات دعوى الاستحقاق إلى بينة ، فمع عدمها يقدم قول المالك لسقوط يد العامل عن الحجية بهذا الإقرار ، حسبما يقتضيه بناء العقلاء ، المنزل عليه دليل حجية اليد ، إذ الظاهر أن دليل الحجية شرعاً من باب الإمضاء لما عند العقلاء لا من باب التأسيس.

ثمَّ إن الاختلاف بين هذه المسألة وما قبلها مبني على أن المرجع في‌

٣٩٥

وفي البيع من أي شخص أراد. نعم لو فعل العامل ما لا يجوز له إلا بإذن من المالك ـ كما لو سافر أو باع بالنسيئة وادعى الإذن من المالك ـ فالقول قول المالك في عدم الإذن. والحاصل : أن العامل لو ادعى الإذن فيما لا يجوز إلا بالإذن قدم فيه قول المالك المنكر ، ولو ادعى المالك المنع فيما يجوز الا مع المنع [١] قدم قول العامل المنكر له.

( مسألة ٥٢ ) : لو ادعى العامل التلف وأنكر المالك قدم قول العامل [٢] ، لأنه أمين [٣] ، سواء كان بأمر ظاهر أو‌

______________________________________________________

تشخيص المدعي والمنكر الغرض المقصود من الدعوى ، ولما اختلف الغرض في المسألتين اختلف الحكم ، أما بناءً على أن المرجع مصب الدعوى فلا فرق بين المسألتين في أن المالك في المقامين مدع والعامل منكر ، لاتحاد مصب الدعوى فيهما. لكن التحقيق هو الأول ، كما أشرنا الى ذلك في كتاب الإجارة.

[١] بأن كانت الاذن محرزة ولو لإطلاق اللفظ. ويدعي المالك المخصص المنفصل أو المقيد ، فإن الأصل عدم التخصيص والتقييد. ولو كان النزاع في المقيد أو المخصص المتصل يرجع النزاع إلى إطلاق الاذن وعدمه ، فيكون الشك في الاذن والأصل عدمه. وبالجملة : إذا ادعى المالك المنع ، فان كانت حجة على الاذن سواء كانت لفظية أم حالية كان المالك مدعياً ، وإلا كان منكراً والعامل المدعي للاذن مدعياً.

[٢] بلا إشكال ولا خلاف. كذا في الجواهر.

[٣] كذا في الجواهر ، وزاد بأنه ذو يد على المال بإذن المالك. انتهى. يريد به أنه أمين عند المالك ومستأمن منه وكأنه يشير بذلك الى النصوص‌

٣٩٦

خفي [١]. وكذا لو ادعى الخسارة ، أو ادعى عدم الربح ، أو ادعى عدم حصول المطالبات في النسيئة مع فرض كونه مأذونا في البيع بالدين. ولا فرق في سماع قوله بين أن يكون الدعوى قبل فسخ المضاربة أو بعده. نعم لو ادعى بعد الفسخ التلف بعده ففي سماع قوله لبقاء حكم أمانته [٢] ، وعدمه‌

______________________________________________________

الواردة في عدم ضمان الأمين (١) ، وأنه إذا اتهم يستحلف ، الظاهرة في أنه لا يكلف بالبينة ، وقد تقدمت في مباحث الإجارة ، كما تقدمت نسبة القول بأنه يكلف بالبينة إلى المشهور ، وأنه يشهد به بعض النصوص. لكن الجمع بين جميع النصوص يقتضي القول الأول. وأما صحيح محمد ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ قال (ع) : ليس على صاحبه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً » (٢) ونحوه غيره. فإنما تدل على عدم ضمان الأمين ، لا على عدم تكليفه بالبينة ، فهي حكم في مقام الثبوت ، لا في مقام الإثبات.

[١] لإطلاق النصوص المتقدمة.

[٢] إذا تحقق ذلك فلا مجال للوجه الثاني. فكأنه أراد استصحاب بقائه ، ويكون الوجه الثاني خروجه عن كونه أميناً ، فيرجع الى عموم : « البينة على المدعي ». لكن الاستصحاب ليس بحجة ، لأنه تعليقي ولو سلم فالظاهر الرجوع الى عموم العام في أمثال المقام مما كان ظاهراً في العموم الأزماني ، على ما هو محقق في بعض مباحث الاستصحاب. نعم مقتضى إطلاق الأخبار الدالة على عدم ضمان الأمين العموم للمقام ، فيكون الأقوى سماع قوله بيمينه.

__________________

(١) راجع صفحة : ٣٥٠.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب كتاب المضاربة حديث : ٣.

٣٩٧

لخروجه بعده عن كونه أميناً ، وجهان. ولو أقر بحصول الربح ثمَّ بعد ذلك ادعى التلف [١] أو الخسارة ، وقال : إني اشتبهت في حصوله ، لم يسمع منه [٢] ، لأنه رجوع عن إقراره الأول. ولكن لو قال : ربحت ثمَّ تلف ، أو ثمَّ حصلت الخسارة ، قبل منه.

______________________________________________________

[١] يعني : ادعى تلف أصل المال قبل الاتجار به ، إذ لو كان المراد أنه ادعى التلف بعد الربح فلا إشكال في سماع قوله ، لعدم المنافاة مع إقراره بوجه ، كما سيأتي فرضه.

[٢] قال في الشرائع : « ولو قال العامل ربحت كذا ورجع لم يقبل رجوعه. وكذا لو ادعى الغلط » ، وفي التذكرة : « لو قال ربحت ألفاً ثمَّ قال : غلطت ، وإنما ربحت مائة ، أو تبينت أنه لا ربح هنا ، أو قال : كذبت في الاخبار خوفاً من انتزاع المال لم يقبل رجوعه ، لأنه أقر بحق عليه ثمَّ رجع فلم يقبل كسائر الأقارير » ، ونحوها كلام غيرهما. وعلله في الجواهر بسبق إقراره الماضي عليه بقاعدة : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، وقاعدة : عدم سماع الإنكار بعد الإقرار ، السالمين عن معارضة قاعدة : سماع الأمين في كل ما يدعيه ، بعد عدم ثبوت هذا العموم وانما الثابت المسلم ما لم يسبق بإقرار .. إلى آخر كلامه.

هذا ولا يخفى أن قاعدة : عدم سماع الإنكار بعد الإقرار ، تختص بما إذا كان الإنكار وارداً على ما ورد عليه الإقرار ، بحيث يكون معارضاً له ، كما إذا قال : لك علي درهم ، ثمَّ قال : ليس لك علي درهم. أما إذا كان الإنكار وارداً على أمر آخر غير الواقع الذي ورد عليه الإقرار ـ كما في المقام ـ لم يكن وجه للرد ، فان قوله : اشتبهت ، أو غلطت أو ما قصدت الواقع وإنما كان إخباري تورية ، أو قصدت الواقع لا بقصد‌

٣٩٨

______________________________________________________

بيان الواقع ، بل بقصد التخلص من الضرر ونحو ذلك مما لا يكون القول الثاني وارداً على ما ورد عليه الأول ولا معارضاً له. فلا يكون من الإنكار بعد الإقرار قال في الشرائع في كتاب الإقرار : « إذا شهد على نفسه بالبيع وقبض الثمن ، ثمَّ أنكر فيما بعد وادعى أنه أشهد تبعاً للعادة ولم يقبض ، قيل : لا يقبل دعواه ، لأنه مكذب لإقراره ، وقيل : تقبل ، لأنه ادعى ما هو معتاد وهو أشبه » وفي الجواهر حكى الأخير عن الشيخ ومن تأخر عنه ، وأما في الأول فقال : « لم نتحقق قائله من العامة فضلاً عن الخاصة ».

ومن ذلك يظهر إشكال ما في الشرائع وغيرها من عدم قبول قوله الذي ذكروه هنا ، الظاهر في أنه لا يقبل حتى مع البينة ، ولا يسمع أصلاً كما استظهره أيضاً في الجواهر ، قال (ره) : « ظاهر قول المصنف وغيره « لم يقبل » عدم سماع بينته على ذلك ، لكونه مكذباً لها بإقراره السابق وعموم : « البينة على المدعي » إنما هو ظاهر في كون الدعوى مسموعة ، لا ما أسقطها الشارع بقاعدة الإقرار فتبقى حينئذ شهادة البينة نفسها بلا دعوى ولا ريب في تقديم قول المخالف لها عليها ، لعدم ثبوت حجيتها في هذا الحال ، خصوصاً بعد أن كان المشهود به حقاً له ، فلا ريب في تقديم قوله فيه. فتأمل ». وحمل كلامهم هنا على عدم قبول قوله كما يقبل قول الأمين مع اليمين بل يحتاج في قبوله إلى البينة ، خلاف الظاهر من كلامهم جداً.

والمتحصل : أن الاحتمالات في المقام ثلاثة ( الأول ) : عدم السماع أصلاً ولو مع البينة ( الثاني ) : عدم السماع إلا مع البينة ، كما في سائر الدعاوي ( الثالث ) : السماع مع اليمين. كما في سائر موارد دعاوي الأمين. ووجه الأول : ما أشار إليه في التذكرة ـ وأوضحه في الجواهر ـ

٣٩٩

( مسألة ٥٣ ) : إذا اختلفا في مقدار حصة العامل وأنه نصف الربح مثلا أو ثلثه قدم قول المالك [١].

______________________________________________________

من أن الدعوى الثانية من قبيل الإنكار بعد الإقرار ، وهو غير مسموع والبينة لما كانت مكذبة بإقراره الأول فهي أيضاً غير مسموعة. مع أنها لا تسمع إذا لم تكن لها دعوى مسموعة ، وفيه : ما عرفت من أنه ليس من الإنكار بعد الإقرار ، بل هو من باب شرح حال الإقرار ، وإطلاق سماع قول الأمين يقتضي قبوله ، فيسقط به الإقرار. ودعوى عدم العموم في سماع قول الأمين ـ كما تقدمت عن الجواهر ـ ضعيفة لإطلاق قولهم (ع) « إن اتهمته فاستحلفه » (١) الشامل له من دون قرينة على صرفه عنه. وحينئذ تظهر قوة الاحتمال الثالث.

نعم لو فرض عدم العموم لما دل على سماع قول الأمين تعين الاحتمال الثاني ، عملاً بما دل على قبول قول المدعي مع البينة. وما تقدم في الجواهر من عدم سماع دعواه ولا بينته ، لأنهما مكذبان بالإقرار ، كما ترى ، إذ الإقرار لا يكذب دعوى الغلط ولا الشهادة به ، كما هو ظاهر.

[١] في التذكرة : نسبته إلى علمائنا ، وفي جامع المقاصد : « هذا واضح إن كان الاختلاف قبل حصول الربح ، لأن المالك متمكن من منع الربح كله ، بفسخ العقد ، وأما بعد حصوله فان كلاً منهما مدع ومدعى عليه ، فان المالك يدعي استحقاق العمل الصادر بالحصة الدنيا ، والعامل ينكر ذكر فيجيى‌ء القول بالتحالف إن كانت أجرة المثل أزيد مما يدعيه المالك ولا أعلم لأصحابنا قولا بالتحالف ، وإنما القول بالتحالف مع الاختلاف في الربح مطلقاً قول الشافعي ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب كتاب الإجارة حديث : ١٦ ، وقريب منه حديث : ١١ ، ١٧ من نفس الباب.

٤٠٠