مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

مدفوعة : بأن غاية ما يكون خروج بعض الصور منها [١] ،

______________________________________________________

عينها قيل : يخرج من أصل تركته. ولو كان له غرماء وضاقت التركة حاصّتهم المستودع. وفيه تردد » ، وفي المسالك : نسب الأول إلى المشهور واستدل على الضمان بعموم : « على اليد .. » ، ولأنه بترك التعيين مفرط ، ولأن الأصل بقاؤها في يده إلى الموت ، فتكون من جملة تركته فاذا تعذر الوصول الى عينها وجب البدل فتكون بمنزلة الدين. ثمَّ ذكر أن التردد يحتمل أمرين ( الأول ) : أن يكون في أصل الضمان ، فان الاعتراف بها إنما يقتضي وجوب الحفظ ، لا الضمان. ( والثاني ) : أن يكون في كيفية الضمان ، لأن بقاءها بمقتضى الأصل إنما يقتضي كونها من جملة التركة ، غايته أن عينها مجهولة ، فيكون مالكها بمنزلة الشريك ، ثمَّ قال : « والأقوى أنه إن علم بقاء عينها الى بعد الموت ولم يتميز قدم مالكها على الغرماء ، وكان بمنزلة الشريك ، وإن علم تلفها بتفريط فهو أسوة الغرماء ، وإلا فلا ضمان أصلا » ، ونحو ذلك كلامهم في وجوب الاشهاد على الوديعة إذا ظهر للمستودع امارة الموت ، أو وجوب الوصية بها حينئذ ، وأنه يحصل الضمان بترك الإشهاد ، أو بتركه وترك الوصية معاً ، أولا يحصل حتى مع تركهما معاً. فلاحظ كلماتهم في المقامين.

[١] من البعيد جداً أن يكون خروج الأمانات من باب التخصيص ، فان المتعارف في اليد هو يد الأمين ، كالمرتهن والمستعير ، والمستودع ، والأجير على عمل في العين ، والمستأجر للعين لاستيفاء منافعها ، والملتقط والوصي ، والولي ، والشريك ، وعامل المضاربة ، والعامل في المزارعة والمساقاة والجعالة .. إلى غير ذلك ، ويد غير الأمين مختصة بالغاصب والقابض بالسوم ، فلو أريد من اليد العموم لزم تخصيص الأكثر ، لندرة‌

٤٢١

كما إذا تلفت بلا تفريط أو ادعى تلفها كذلك [١] إذا حلف وأما صورة التفريط والإتلاف ودعوى الرد في غير الوديعة [٢] ودعوى التلف والنكول عن الحلف [٣] فهي باقية تحت العموم [٤]

______________________________________________________

اليد في الموردين المذكورين. فلا بد أن يكون المراد من اليد في قوله (ص) « على اليد .. » اليد المبنية على الرد ، فلا يشمل اليد المبنية على الإبقاء وترك الأداء ، وحينئذ لا يشمل يد الأمين المفروضة في المقام ، ويتعين الرجوع إلى أصالة البراءة.

[١] هذا راجع إلى ما قبله. والاختلاف بينهما من قبيل الاختلاف بين مقامي الثبوت والإثبات.

[٢] أما في الوديعة فيظهر منهم التسالم على قبولها باليمين. مثل دعوى التلف ، وهذا الإجماع هو العمدة في القبول. أما إذا ادعى الرد في غير الوديعة لم تسمع دعواه على المشهور ، لعدم الدليل على سماعها ، فيشمله عموم : البينة على المدعي. وما دل على قبول قول الأمين أو قول ذي اليد مختص بما كان متعلقاً بما في اليد ، فلا يشمل ما كان متعلقاً بالمالك فاذا لم يقم البينة كان ضامناً للعين. وكأنه للخيانة. ولكنه غير ظاهر كلية لجواز الاشتباه منه في دعوى الرد.

[٣] ثبوت الضمان في هذه الصورة كأنه لأجل تحقق الخيانة. ولكنه غير ظاهر ، لجواز أن يكون للتورع عن اليمين. كما يجوز أن يكون اشتباهاً منه في دعوى التلف ، فلم تحرز الخيانة.

[٤] قد عرفت أن بقاءها تحت العموم يتوقف على تحقق الخيانة ، وهو غير ثابت ، فالضمان يكون بحكم الحاكم في مقام حسم النزاع ، فلا يكون حكماً واقعياً ، بل ظاهري لحسم النزاع ، وليس مما نحن فيه.

٤٢٢

ودعوى : أن الضمان في صورة التفريط والتعدي من جهة الخروج عن كونها أمانة [١] ، أو من جهة الدليل الخارجي كما ترى لا داعي إليها. ويمكن أن يتمسك بعموم ما دل على وجوب رد الأمانة [٢] بدعوى : أن الرد أعم من رد العين‌

______________________________________________________

[١] لظهور أن ذلك نوع من الخيانة ، وهي مقابل الأمانة ، فإن المالك ائتمن الأمين على العين ، فجعل له ولاية حفظها ، فاذن له في إبقائها عنده لأجل حفظها ، فاذا خانه في ذلك وصار في مقام تضييعها وضياعها فقد فات الغرض المقصود للمالك ، فتفوت معه الاذن في البقاء ، فيكون داخلا في عموم : « على اليد .. » الذي قد عرفت أن موضوعه اليد غير المأذونة في البقاء. فالضمان بالتعدي والتفريط لأجل ذلك. مضافاً إلى النصوص الخاصة الوارد بعضها في التعدي على الوديعة (١) ، بأن خالف ما أمره به المودع ، وأكثرها في مخالفة العامل في المضاربة ما أمره به المالك (٢) ، وقد تقدمت. فالخارج من عموم : « على اليد .. » الأمين غير الخائن ، أما الخائن فهو داخل تحت العموم. لكن لا لما ذكره المصنف (ره) من عموم على اليد للأمانات بل لأن الأمانات الخارجة موضوعاً عن عموم على اليد مختصة بغير الخيانة. ثمَّ إن ما ذكره المصنف من التمسك بعموم « على اليد .. » على التفصيل المذكور قد سبقه إليه في الجواهر.

[٢] قال الله تعالى ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٣) لكن الوجوب المذكور تكليفي محض ، لا يقتضي ضماناً ولا اشتغال ذمة بالعين ، ليتعلق ذلك الحق بالتركة. ولذا لا يلتزم أحد بأن وجوب رد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من كتاب الوديعة حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ١ من كتاب المضاربة.

(٣) النساء : ٥٨.

٤٢٣

ورد البدل [١] ، واختصاصه بالأول ممنوع ألا ترى أنه يفهم من قوله (ع) : « المغصوب مردود » (١) وجوب عوضه عند تلفه [٢] هذا مضافاً إلى خبر السكوني عن علي (ع) أنه كان يقول : « من يموت وعنده مال مضاربة قال : إن سماه بعينه قبل موته فقال هذا لفلان فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو أسوة الغرماء » (٢)

[٣]. وأما الصورة الثالثة : فالضمان

______________________________________________________

الأمانات المتوجه للأمين حين المطالبة موجب لضمانه ، فاذا تلفت العين حين الرد كان ضامناً لها ، فليس هو إلا وجوب تكليفي لا غير. وهذا بخلاف عموم : « على اليد .. ». ثمَّ إن من المعلوم أن وجوب رد الأمانات يختص بصورة مطالبة المالك وعدم إذنه في بقاء العين ، وذلك منتف بالنسبة إلى العامل في حال حياته ، وأما بالنسبة إلى الوارث فلعدم كونه مؤتمنا من قبل المالك على العين ولم يتسلمها منه لا يشمله الدليل ، فضلا عن أن يقتضي ضمانه.

[١] هذه الدعوى لا تجدي في وجوب الرد على الوارث ما لم يثبت الضمان على الموروث ، وإلا فهو كالأجنبي خارج عن هذا التكليف.

[٢] هذا أول الكلام ، بل هو ممنوع ، كما فيما قبله ، وفهم البدل من جهة ضمان المغصوب ، لا من جهة وجوب ردّه.

[٣] رواه الشيخ عن محمد بن محبوب عن أحمد عن البرقي عن النوفلي عن السكوني عن جعفر (ع) عن آبائه عن علي (ع) والاشكال على التمسك بالحديث من وجهين ( الأول ) : السند ، فإن النوفلي لم يثبت توثيقه. ( والثاني ) : الدلالة ، إذ منصرف الحديث صورة وجود مال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من كتاب الغصب حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب ١٣ من كتاب المضاربة حديث : ١.

٤٢٤

فيها أيضاً لا يخلو عن قوة ، لأن الأصل بقاء يده عليه إلى ما بعد الموت [١] واشتغال ذمته بالرد عند المطالبة [٢] ، وإذا لم يمكنه ذلك لموته يؤخذ من تركته بقيمته. ودعوى : أن‌

______________________________________________________

المالك مشتبها ، فيكون الحكم وارداً لعلاج المال المشتبه ، لا أنه وارد لعلاج خسارة مالك مال المضاربة.

[١] يشكل بأن عموم اليد إذا كان يقتضي الضمان في الأمانات فلا حاجة الى أصالة بقاء يده عليه في إثبات الضمان ، لتحقق اليد من أوّل الأمر ، ولم يثبت ما يوجب الخروج عنه ، وهو صورة تلفه بلا تفريط. نعم إذا كان الموجب للضمان اليد حال الموت احتيج إلى إثبات ذلك. لكنه غير ظاهر. وقد أشار إلى ذلك المصنف في صدر المسألة. لكنه لم يعتن به وقوى خلافه. هناك. نعم إذا كان المستند في الضمان خبر السكوني فلأجل أن موضوع الضمان فيه أن يموت وعنده مال مضاربة ، فإذا شك في بقاء المال عنده حال الموت جرى الاستصحاب في إثباته ، لكونه موضوع أثر شرعي ، فيترتب بالأصل أثره‌

[٢] إشارة الى ما تقدم منه من الاستدلال على الضمان بوجوب رد الأمانات ، فيراد من الأصل عموم الرد المقتضي لاشتغال ذمته. لكن الأصل هنا بمعنى العموم لا يتناسب مع الأصل السابق وهو الاستصحاب ، ليصح العطف. مع أنه مشروط بالمطالبة ، كما عرفت ، وهي منتفية. ويحتمل أن يريد به الاستصحاب ، فيكون معطوفاً على « يده » لا على « بقاء » لكنه بعيد ، لأن الاشتغال بحدوثه يقتضي الرد لو فرض تحقق المطالبة وإن لم يجر الاستصحاب ، لكفاية الاشتغال السابق في حكم العقل بوجوب الرد ولو أريد استصحاب الاشتغال بالرد بعد الموت فإشكاله ظاهر ، لانتفاء التكليف بالموت.

٤٢٥

الأصل المذكور معارض بأصالة براءة ذمته من العوض ، والمرجع بعد التعارض قاعدة اليد المقتضية لملكيته. مدفوعة : بأن الأصل الأول حاكم على الثاني [١]. هذا مع أنه يمكن الخدشة في قاعدة اليد : بأنها مقتضية للملكية [٢] إذا كانت مختصة [٣] ، وفي المقام كانت مشتركة ، والأصل بقاؤها‌

______________________________________________________

[١] لأن الأول موضوعي والثاني حكمي. لكن عرفت أن الأول لا مجال له ، لعدم الأثر لمورده ، وعموم : « على اليد .. » لا مجال للعمل به في يد الأمين ، فالمتعين الرجوع إلى أصالة عدم التعدي والتفريط الموجبين للضمان فينتفي الضمان بها ، لا إلى أصالة البراءة لأنها أصل مسببي لا مجال له مع الأصل السببي وإن كان موافقاً له.

[٢] الملكية ليست موضوعاً للكلام ، بل موضوعه الضمان واللاضمان سواء كانت ملكية أم لم تكن ، فقاعدة اليد المقتضية للملكية لا توافق أحد الأصلين ولا تخالفه ، فالرجوع إليها بعد المعارضة غير ظاهر. مع أن اليد إذا جرت كانت مقدمة على كل من الأصلين المذكورين ، لا أن الرجوع إليها يتوقف على سقوط الأصلين.

[٣] الظاهر من قوله « مختصة » أن تختص بمال ذي اليد ، في مقابل المشتركة التي يكون فيها ماله ومال غيره وهو أيضاً خلاف عموم : « على اليد .. ». مع أن لازمه امتناع التمسك بها غالباً ، لأن الشك في ملكية ما في اليد مساوق للشك في الاختصاص ، لأنه إذا كان ما في اليد مملوكاً لغير ذي اليد فقد كانت مشتركة ، فالشك غالباً يكون في الاختصاص والاشتراك ، وإذا لم يحرز الاختصاص لم يجز التمسك بها ، للشك في عنوان الدليل. إلا أن يراد من المختصة ما لم تكن معلومة الاشتراك.

٤٢٦

على الاشتراك [١]. بل في بعض الصور يمكن أن يقال : إن يده يد المالك من حيث كونه عاملا له ، كما إذا لم يكن له شي‌ء أصلا فأخذ رأس المال وسافر للتجارة ولم يكن في يده سوى مال المضاربة ، فإذا مات يكون ما في يده بمنزلة ما في يد المالك ، وإن احتمل أن يكون قد تلف جميع ما عنده من ذلك المال [٢] وأنه استفاد لنفسه ما هو الموجود في يده. وفي بعض الصور يده مشتركة بينه وبين المالك كما إذا سافر وعنده من مال المضاربة مقدار ومن ماله أيضاً مقدار. نعم في بعض الصور لا يعد يده مشتركة أيضاً [٣] ، فالتمسك باليد بقول‌

______________________________________________________

[١] يعني : فلا يصح التمسك بها لإثبات الملكية لذي اليد.

[٢] يعني : فيحكم بأنه مال المالك ، فتسقط يده عن الحجية على كونه ماله وتكون حجة على كونه للمالك. ولكن ذلك خلاف عموم دليل حجية اليد ، وخلاف المرتكزات العقلائية. وأظهر منه ما لو علم بتبدل العين التي كانت للمالك بعين أخرى ، كما إذا كانت بيده دراهم فمات فوجد بيده دنانير ، فإنه لا مجال للحكم بأنها ملك المالك ، نعم مع وحدة عين المال يحكم بكونه للمالك ، لاستصحاب كون اليد أمينة وكون العين لمالكها وكذا في العين المغصوبة ، فالغاصب إذا مات وبيده العين التي قد غصبها إذا احتمل أنه قد ملكها بعد الغصب لا يحكم بملكيتها له بل يحكم بملكيتها لمالكها لعدم الدليل على حجية اليد على الملكية في المقام فيتعين الرجوع إلى الأصول. أما في الصورتين السابقتين فيتعين الرجوع إلى عموم دليل حجية اليد.

[٣] إذا كان المناط في الاشتراك أن يكون بيده ماله ومال‌

٤٢٧

مطلق مشكل [١]. ثمَّ إن جميع ما ذكر إنما هو إذا لم يكن بترك التعيين عند ظهور أمارات الموت مفرطاً ، وإلا فلا إشكال في ضمانه [٢].

( الثانية ) : ذكروا من شروط المضاربة التنجيز [٣] ، وأنه لو علقها على أمر متوقع بطلت ، وكذا لو علقها على أمر‌

______________________________________________________

غيره فهذه الصورة غير ظاهرة.

[١] قد عرفت حقيقته.

[٢] للخيانة.

[٣] أهمل ذكر هذا الشرط في المضاربة في الشرائع والقواعد. وفي التذكرة : « يجب التنجيز في العقد ، فلا يجوز تعليقه على شرط أو صفة مثل : إذا دخلت الدار أو إذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك. وكذا لا يجوز تعليق البيع ونحوه. لأن الأصل عصمة مال الغير ». وفي جامع المقاصد في المقام : « واعلم أنه يشترط لصحة العقد التنجيز فلو علقه بشرط كدخول الدار أو صفة كطلوع الشمس لم يصح. وبه صرح في التذكرة لانتفاء الجزم المعتبر في العقد » وعن شرح الإرشاد للفخر : أن تعليق الوكالة على الشرط لا يصح عند الإمامية. وكذا سائر العقود جائزة كانت أو لازمة. انتهى. وفي المسالك من مبحث اشتراطه التنجيز في الوقف قال : « واشتراط تنجيزه مطلقاً موضع وفاق ، كالبيع وغيره من العقود وليس عليه دليل بخصوصه .. ( الى ان قال ) : ويستثنى من بطلانه بتعليقه على الشرط ما لو كان الشرط واقعاً والواقف عالماً بوقوعه كقوله : وقفت إن كان اليوم يوم الجمعة فلا يضر كغيره ». والذي يستفاد من ملاحظة كلماتهم في أبواب العقود والإيقاعات أن إهمال ذكر التنجيز في بعض تلك الأبواب مبني على ما ذكروه في باب آخر من عموم شرطية‌

٤٢٨

حاصل إذا لم يعلم بحصوله [١]. نعم لو علق التصرف على أمر صح [٢] وإن كان متوقع الحصول. ولا دليل لهم على ذلك [٣] إلا دعوى الإجماع على أن أثر العقد لا بد أن يكون حاصلا من حين صدوره [٤].

______________________________________________________

التنجيز للعقود والإيقاعات.

[١] كما يفهم من تعليل جامع المقاصد ومن صريح عبارة المسالك.

[٢] بمقتضى عموم الصحة بعد أن لم يكن فيه تعليق لنفس المضاربة وفي الشرائع في باب الوكالة : « لو نجز الوكالة وشرط تأخير التصرف جاز » ، وفي المسالك عن التذكرة : نفي الخلاف فيه ، ثمَّ قال في المسالك : « وهذا وإن كان في معنى التعليق ، إلا أن العقود لما كانت متلقاة من الشارع نيطت بهذه الضوابط ، وبطلت فيما خرج عنها وان أفاد فائدتها ». ويشكل : بأن معنى تعليق الوكالة غير معنى تعليق التصرف مع تنجز الوكالة واشتراكهما في بعض الأحكام لا يوجب الاشتراك في المعنى. ولعل مراد المسالك ما ذكرنا.

[٣] يعني : اشتراط التنجيز.

[٤] دعوى الإجماع المتقدمة في عبارتي المسالك وشرح الإرشاد إنما هي على اعتبار التنجيز ومانعية التعليق ، وكذلك عبارات غيرهما ، مثل ما ذكره في التذكرة « لا يصح عقد الوكالة معلقاً بشرط أو وصف ، فان علقت عليهما بطلت ، مثل أن يقول : إن قدم زيد أو إذا جاء رأس الشهر فقد وكلتك ، عند علمائنا » ، وفي جامع المقاصد : « يجب أن تكون الوكالة منجزة عند جميع علمائنا ». وأما الإجماع على أن أثر العقد يجب أن يكون حاصلاً من حين صدوره فلم يدعه أحد في المقام ولا في غيره ، وإنما ذكر في كلام بعضهم تعليلاً للحكم باشتراط التنجيز كما ذكر غيره من‌

٤٢٩

وهو إن صح [١] إنما يتم في التعليق على المتوقع ، حيث أن الأثر متأخر ، وأما التعليق على ما هو حاصل [٢] فلا يستلزم التأخير ، بل في المتوقع أيضاً إذا أخذ على نحو الكشف [٣] ـ بأن يكون المعلق عليه وجوده الاستقبالي ـ لا يكون الأثر متأخراً [٤]. نعم لو قام الإجماع على اعتبار العلم بتحقق الأثر حين العقد تمَّ في صورة الجهل [٥]. لكنه غير معلوم [٦].

______________________________________________________

الوجوه. مع أنه لو كان المستند في الحكم هو الإجماع على أن أثر العقد يجب أن يكون حاصلاً من حين العقد فهذا الإجماع لا يقتضي اشتراط التنجيز ومانعية التعليق ، لأن أثر العقد مع التعليق أثر تعليقي وهو حاصل حال العقد.

[١] لا إشكال أنه صحيح ، لامتناع التفكيك بين العلة والمعلول والأثر والمؤثر. لكن عرفت أنه لا يثبت الدعوى.

[٢] يعني : إذا لم يعلم بحصوله كما تقدم.

[٣] يعني : بنحو الشرط المتأخر‌.

[٤] لكنه خارج عن محل كلامهم في مانعية التعليق على المتأخر ، إذ المراد منه ما يكون متأخراً عن العقد ولوحظ بنحو الشرط المقارن للمعنى الإنشائي ، فلا يشمل ما ذكر. هذا إذا كان الشرط معلوم الحصول ، كما إذا قال : بعتك إذا كان يجي‌ء رأس الشهر ، فان العقد فيه صحيح ، وإذا كان مجهول الحصول فهو عين الاشكال السابق ، لأنه من التعليق على ما هو حاصل مجهول.

[٥] يعني : في صورة التعليق على الشرط المقارن في صورة الجهل.

[٦] وإن ادعي ذلك فيما تقدم عن جامع المقاصد من اعتبار الجزم ، وقبله العلامة في التذكرة ، قال (ره) في كتاب البيع : « الشرط الخامس‌

٤٣٠

______________________________________________________

من شرائط العقد الجزم ، فلو علق العقد على شرط لم يصح وان كان الشرط المشيئة ، للجهل بثبوتها حال العقد وبقائها مدته ». وتبعه على ذلك الشهيد في قواعده ، قال (ره) : « لأن الانتقال بحكم الرضا ، ولا رضا إلا مع الجزم ، والجزم ينافي التعليق ». وهذا أحد الوجوه المذكورة تعليلا لاشتراط التنجيز في العقود ، ودليله غير ظاهر ، بل مقتضى عمومات الصحة عدم الشرطية ، وما ذكره الشهيد في قواعده من أنه لا رضا إلا مع الجزم ممنوع ، لأن الرضا على تقدير مجهول حاصل جزماً ، فمع العلم بذلك التقدير يحصل العلم بالرضا ويترتب الأثر وهو الانتقال ، ولا يتوقف الانتقال على الجزم حال العقد بالرضا ، بل يكفي الجزم بعد ذلك بالرضا حال العقد. وهناك وجه ثالث لشرطية التنجيز أشار إليه في التذكرة في عبارته المتقدمة التي ذكرها في كتاب المضاربة من أن الأصل عصمة مال الغير. وسبقه إلى ذلك في المبسوط والخلاف ، قال فيهما في مبحث الوكالة : « من أنه لا دليل على الجواز والصحة إذا لم تكن منجزة ». وفيه : أن إطلاق أدلة الصحة شامل للمعلق كالمنجز ، وبه يخرج عن الأصل.

والذي يتحصل أمور ( الأول ) : أن المذكور في كلام الأصحاب ( رض ) دعوى الإجماع على اعتبار التنجيز لا على شي‌ء آخر. ( الثاني ) : أن المفهوم من كلماتهم في المواضع المختلفة الاستدلال على ذلك تارة : بأنه لا بد من ترتب أثر العقد حين وقوعه ، كما يقتضيه دليل السببية ، والتعليق ينافي ذلك. وأخرى : بأنه يعتبر في ترتب الأثر على العقد الرضا ، ولا يحصل الجزم بذلك إلا مع التنجيز. وثالثة : بأنه لا دليل على صحة الإنشاء المعلق ، والأصل يقتضي عدم ترتب الأثر عليه. وقد عرفت الاشكال على هذه الوجوه. ( الثالث ) : أن هذه الوجوه مختلفة المفاد من حيث المطابقة للدعوى والمخالفة لها ، فالوجه الأول لا يقتضي المنع من التعليق على أمر حالي ، مثل :

٤٣١

______________________________________________________

إن كان هذا اليوم الجمعة فقد بعتك ، ويختص بالمنع من التعليق على الأمر الاستقبالي ، والثاني لا يقتضي المنع من التعليق على معلوم الحصول مثل : بعتك إذا جاء شهر رمضان ، ويختص بالمنع من التعليق على مجهول الحصول حالياً كان أو استقبالياً ، والثالث يقتضي المنع من التعليق حتى على ما هو معلوم حال العقد مع تصريح غير واحد بصحة التعليق فيه كما تقدم في بعض العبارات ( الرابع ) : أن الوجوه المذكورة بعد أن لم تكن خالية من الاشكال ولم تكن مطابقة للدعوى فليست هي المستند في الحكم ، بل المستند الإجماع.

هذا وقد يتوهم أن الوجه في اعتبار التنجيز هو عدم قابلية الإنشاء للتعليق. وفيه : أن التعليق في العقود والإيقاعات ثابت في الشريعة ، مثل الوصية التمليكية والعهدية والتدبير والنذر والعهد واليمين إجماعاً ، بل ضرورة عند أهل العلم. مع أنه راجع إلى تعليق المنشأ ، لا تعليق نفس الإنشاء ، فقول القائل : بعتك إذا جاء رأس الشهر ، يراد به تعليق البيع على مجي‌ء رأس الشهر ، لا تعليق إنشاء البيع عليه ، وكذلك في الخبر ، فاذا قلت : إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود كان المراد تعليق وجود النهار على طلوع الشمس ، لا تعليق الاخبار بوجود النهار على طلوع الشمس ، فالجزاء المعلق على الشرط في الجملة الشرطية يراد به تعليق مضمونه ـ أعني : المخبر به إن كان الجزاء خبراً ، أو المنشإ إن كان الجزاء إنشاءً ـ لا تعليق نفس الخبر أو الإنشاء ، وإذا أريد به تعليق الخبر كان اللازم أن يقول : إن كانت الشمس طالعة أخبرتك بأن النهار موجود ، وكذا إذا أراد تعليق الإنشاء ، فإنه لا بد حينئذ أن يقول : إذا جاء رأس الشهر أنشأت بيعك ، فاذا قال في الجزاء : « بعتك » كان المعلق نفس البيع المنشأ ، لا إنشاؤه إذ إنشاؤه مصداق للإنشاء ، والمصداق لا يقبل التقييد والإطلاق ، وانما الذي يقبلهما هو المفهوم. وكذلك الكلام في الخبر فان المصداق منه‌

٤٣٢

______________________________________________________

لا يقبل التقييد والإطلاق ، وانما الذي يقبلهما المفهوم. هذا مضافاً الى أن مصداقي الخبر والإنشاء لم يلحظا لحاظ المعنى الاسمي ، فلا يقبلان أن يكونا موضوعاً لإضافة التعليق ، وانما الملحوظ لحاظ المعنى الاسمي هو نفس المخبر به والمنشأ فيهما اللذان يقبلان إضافة التعليق.

ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره بعض الأعيان من أن المعلق في الجمل الشرطية هو الاخبار بالجزاء أو إنشاء الجزاء. لا نفس المخبر به أو المعنى المنشأ ، مستدلا على ذلك بأنه يلزم الكذب في قوله تعالى ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) (١) لأن الأخبار بالفساد إذا كان مطلقاً غير مقيد بحال كان بلا مطابق في الخارج ، فيكون كذباً ـ نعوذ بالله تعالى ـ فلا بد أن يكون الشرط قيداً للأخبار ، لا للمخبر به ، وكذلك الكلام في الإنشاء لأنهما من باب واحد. وفيه : أن قيود المخبر به ليست على نسق واحد فالقيود التحقيقية يكون الاخبار عن المقيد بها اخباراً عنه وعنها ، فتقول : جاء زيد راكباً فرساً ، فالاخبار فيه كما يكون عن مجي‌ء زيد يكون عن ركوبه الفرس ، أما القيود التعليقية فالإخبار عن المقيد بها لا يكون إخباراً عنها ، فاذا قلت : إذا ركب زيد الفرس جاء ، لا يكون إخباراً عن مجيئه وعن ركوب الفرس ، وإنما يكون إخباراً عن مجيئه على تقدير ركوب الفرس ، ويصدق مع عدم ركوبه للفرس وعدم مجيئه ، ولذا قيل صدق الشرطية لا يتوقف على صدق طرفيها. فالاية الشريفة إخبار عن الفساد على تقدير تعدد الآلهة لا إخبار عن الفساد وتعدد الالهة كي يلزم الكذب ـ نعوذ بالله تعالى ـ فلاحظ وتأمل.

ويحتمل أن يكون الوجه في بناء الأصحاب على ذلك بناؤهم على أن العقود الصحيحة خصوص المتعارفة ، والتعليق خارج عن المتعارف فيها.

__________________

(١) الأنبياء : ٢٢.

٤٣٣

ثمَّ على فرض البطلان لا مانع من جواز التصرف ونفوذه من جهة الإذن [١]. لكن يستحق حينئذ أجرة المثل لعمله ، إلا‌

______________________________________________________

لكن المبنى ضعيف.

ثمَّ إنه لم يعرف متأمل في الحكم المذكور أو راد له ، سوى ما عن الكفاية من نسبة الحكم الى المشهور ، وفي الحدائق : في المقام الرجوع إلى أصالة عدم الشرطية وظاهره البناء على العدم. لكن الخروج عن الإجماع وعدم ظهور الخلاف ـ كما اعترف به في مجمع البرهان ـ كما ترى.

[١] قال في القواعد في مبحث الوكالة : « وإذا فسد العقد لتعليقها على الشرط احتمل تسويغ التصرف بحكم الاذن » ، وفي التذكرة : جعله الأقرب ، لأن الإذن حاصل مع الوكالة ، وإذا فسدت الوكالة فلا موجب لارتفاع الإذن ، لأن التعليق لا يفسد الاذن ، بخلاف الوكالة. ودعوى : أن الاذن حاصل في ضمن الوكالة ويمتنع بقاء الضمني مع زوال المتضمن له. مندفعة : بأن المتضمن للإذن الوكالة الباطلة الحاصلة من المالك ، وهي باقية ، وعدم صحتها شرعا لا يقتضي زوالها. وليس ذلك قولا بصحة الوكالة مع التعليق ، لان بقاء الاذن راجع إلى التوكيل. ضرورة أن الوكالة من العقود والاذن من الإيقاع ، فلا يرجع أحدهما إلى الآخر ، فلا مانع من بطلان العقد وصحة الإيقاع.

قال في التذكرة : « وهذا أحد وجهي الشافعية. والثاني : لا يصح لفساد العقد ولا اعتبار بالإذن الضمني في عقد فاسد. ألا ترى أنه لو باع بيعاً فاسداً وسلم إليه المبيع لا يجوز للمشتري التصرف فيه وإن تضمن البيع والتسليم الاذن في التصرف والتسليط عليه. وليس بجيد ، لأن الاذن في تصرف المشتري باعتبار انتقال الثمن إليه والملك إلى المشتري ، وشي‌ء منهما ليس بحاصل ، وإنما أذن له في التصرف لنفسه ليسلم له الثمن. وهنا إنما‌

٤٣٤

أن يكون الاذن مقيداً بالصحة [١] ، فلا يجوز التصرف أيضاً.

الثالثة : قد مر اشتراط عدم الحجر بالفلس في المالك ، وأما العامل فلا يشترط فيه ذلك [٢] ، لعدم منافاته لحق الغرماء نعم بعد حصول الربح منع من التصرف إلا بالاذن من الغرماء بناء على تعلق الحجر بالمال الجديد [٣].

الرابعة : تبطل المضاربة بعروض الموت كما مر ـ أو الجنون أو الإغماء ـ كما مر في سائر العقود الجائزة ـ

______________________________________________________

أذن له في التصرف عن الآذن لا لنفسه » وهو كما ذكر ، فإنه قياس مع الفارق.

وعلى هذا البناء نقول باستحقاق العامل في الإجارة الباطلة أجرة المثل وإن كان عالماً بالبطلان ، إذ لو لم يكن مأذوناً كان تصرفه في العين حراماً ، فلا يستحق عليه أجراً ، وإنما جاء الاذن من الإجارة الباطلة ، وهي غير منتفية ، وليس آتياً من الإجارة الصحيحة كي ينتفي بانتفائها ، وهكذا الكلام في جميع العقود الإذنية ـ كالعارية والوكالة والوديعة والإجارة على العمل وغيرها ـ إذا بطلت للتعليق جاز التصرف بعد حصول الشرط ، لحصول الاذن من العقد المعلق ، وبطلانه شرعاً لا يوجب بطلان الاذن ولا انتفاءها. وقد أطال المقدس الأردبيلي في شرح عبارة التذكرة في المقام بما لا يخلو عن نظر ، وإن كان لا يخلو من فائدة. فليراجع.

[١] ومع الشك يرجع إلى إطلاق العقد ، الموجب لإطلاق الإذن.

[٢] الذي تقدم منه في أول كتاب المضاربة اشتراط عدم الحجر بالفلس في المالك والعامل معاً ، على ما هو ظاهر العبارة. وقد تقدم الاشكال عليه في ذلك.

[٣] لاتحاد المناط الموجب للحجر بالمال السابق على الحجر. لكن‌

٤٣٥

وظاهرهم عدم الفرق بين كون الجنون مطبقاً أو أدوارياً [١] وكذا في الإغماء بين قصر مدته وطولها ، فان كان إجماعاً وإلا فيمكن أن يقال بعدم البطلان في الأدواري والاغماء القصير المدة ، فغاية الأمر عدم نفوذ التصرف حال حصولهما ، وأما بعد الإفاقة فيجوز من دون حاجة إلى تجديد العقد ، سواء‌

______________________________________________________

المناط غير ظاهر. والمال الجديد ـ كالدين الجديد ـ لم يثبت أن له حكم المال القديم في الحجر عليه ، فعموم السلطنة بحاله.

[١] قال في الشرائع في مبحث الوكالة : « وتبطل الوكالة بالموت والجنون والاغماء من كل واحد منهما » ، وفي المسالك في شرحه قال : « هذا موضع وفاق. ولأنه من أحكام العقود الجائزة. ولا فرق عندنا بين طول زمان الاغماء وقصره ، ولا بين الجنون المطبق والأدوار ». وفي الجواهر : نحو ذلك ، وفي التذكرة : « ولو جن الوكيل أو الموكل أو أغمي على أحدهما بطلت الوكالة ، لخروجه حينئذ عن التكليف ، وسقوط اعتبار تصرفه وعباراته في شي‌ء البتة ».

ولا يخفى أن الخروج عن التكليف لا دخل له في صحة الوكالة ولا في بطلانها. وأما سقوط اعتبار التصرف فان كان في الوكيل فهو صحيح لكن لا يقتضي بطلان الوكالة وعدم صحة التصرف بعد الإفاقة. وإن كان في الموكل فهو لا يقتضي بطلان الوكالة وعدم صحة تصرف الوكيل في حاله فضلا عما بعد الإفاقة. فالبطلان لا تقتضيه القواعد العامة. ولذا حكى عن جامع الشرائع : عدم البطلان بالجنون. وكذا في الإغماء ساعة. لكن الفرق بين الساعة والأكثر غير ظاهر ، كالفرق بين الجنون والاغماء في الإطلاق والتقييد بساعة.

٤٣٦

كانا في المالك أو العامل. وكذا تبطل بعروض السفه لأحدهما [١] أو الحجر للفلس في المالك أو العامل أيضاً [٢] إذا كان بعد حصول الربح [٣] ، إلا مع اجازة الغرماء.

الخامسة : إذا ضارب المالك في مرض الموت صح وملك العامل الحصة [٤] وإن كانت أزيد من أجرة المثل ، على الأقوى من كون منجزات المريض من الأصل بل وكذلك على القول بأنها من الثلث [٥] ، لأنه ليس مفوتاً لشي‌ء على الوارث ، إذ الربح أمر معدوم ، وليس مالا موجوداً للمالك ، وإنما حصل بسعي العامل [٦]

______________________________________________________

[١] قال في الشرائع : « وتبطل وكالة الوكيل بالحجر على الموكل فيما يمنع الحجر من التصرف » ، ونحوه في القواعد ، وحكى عن غيرهما أيضاً. ويظهر منهم التسالم عليه. ولولاه لأشكل ذلك بأن الحجر على الموكل لسفه إنما يمنع تصرف الموكل ، لا تصرف الوكيل إذا كان توكيله في حال الرشد.

[٢] لأن أموال المفلس تكون تحت ولاية الحاكم ، لا يجوز للمالك ولا لفروعه التصرف فيه إلا بإذن الحاكم أو الغرماء‌

[٣] إذ الربح من أموال العامل فيحجر عليه فيه الا بإذن الغرماء.

[٤] لعموم الصحة.

[٥] كما صرح به في القواعد وغيرها ، بل يظهر منهم أنه لا خلاف فيه ، بل عن صريح مجمع البرهان أو ظاهره أنه لا خلاف فيه ، معللين له بما ذكر.

[٦] لكنه نماء مال المالك ، فتمليكه محاباة تضييع على الوارث ،

٤٣٧

السادسة : إذا تبين كون رأس المال لغير المضارب ـ سواء كان غاصباً أو جاهلا بكونه ليس له ـ فان تلف في يد العامل أو حصل خسران [١] فلمالكه الرجوع على كل منهما [٢] ، فان رجع على المضارب لم يرجع على العامل [٣] وإن رجع على العامل رجع إذا كان جاهلا على المضارب وإن‌

______________________________________________________

كما إذا آجر أملاكه بأقل من أجرة المثل ، إذ المنافع غير موجودة ، وإنما يستوفيها الأجير في ظرف حصولها. وكذا لو ساقى الفلاح بأكثر من الحصة المتعارفة أو زارع الفلاح بأكثر من الحصة المتعارفة ، فإن ذلك كله إضرار عرفاً بمال الوارث. ومنه يظهر ضعف ما في القواعد ، قال رحمه‌الله : « ولو شرط المريض ما يزيد عن أجرة المثل لم يحسب الزائد من الثلث ، إذ المقيد بالثلث التفويت ، وليس حاصلا هنا ، لانتفاء الربح حينئذ. وهل المساقاة كذلك؟ إشكال ينشأ من كون النخلة مثمرة بنفسها فهي كالحاصل » ، ونحوه ما في غيرها ، بل قيل : إنه لا خلاف فيه. اللهم إلا أن يدعى قصور الأدلة عن شمول مثل ذلك. فلاحظ.

[١] لا يمكن فرض الخسران إلا في ظرف صحة المعاملة بالأقل ، والصحة حينئذ لا تكون إلا بإجازة المالك ، وحينئذ لا وجه لرجوع المالك على أحد فيه ، لأنه بفعله. ولو وقعت معاملتان في إحداهما ربح وفي الأخرى خسران فأجاز الأولى دون الثانية كان له الربح ولم يكن عليه خسران.

[٢] لعموم : « على اليد .. » المقتضي للرجوع على كل منهما. والظاهر أنه لا خلاف فيه.

[٣] يعني : إذا رجع المالك على المضارب لم يرجع المضارب على العامل ، ونحوه ما في التذكرة ، معللا له بأنه أخذه من المضارب على وجه الامانة انتهى. وكلامه هذا يخالف ما ذكره في كتاب الغصب من‌

٤٣٨

______________________________________________________

رجوع الأول إلى الثاني إذا كان عالماً ، قال رحمه‌الله : « ثمَّ الثاني إن كان عالماً بالغصب فهو كالغاصب من الغاصب ، للمالك مطالبته بكل ما يطالب به الغاصب ، فان تلف المغصوب في يده فاستقرار الضمان عليه فلو غرمه المالك لم يرجع إلى الغاصب الأول بشي‌ء .. ( إلى أن قال ) ولو غرم الأول رجع عليه » ، وفي القواعد هنا : « فان طالب الأول رجع على الثاني مع علمه ، لاستقرار التلف في يده ، وكذا مع عدم علمه ، على إشكال ينشأ من الغرور » ، وهو يوافق كلامه في كتاب الغصب فإنه ذكر ما ذكر في التذكرة ، قال : « لكن الثاني إن علم بالغصب طولب بكل ما يطالب به الغاصب ويستقر الضمان عليه إذا تلف عنده ، ولا يرجع الى الأول لو رجع إليه ، ويرجع الأول إليه لو رجع إلى الأول ». نعم ما ذكره في الجاهل من الاشكال من جهة الغرور يخالف ما ذكره في القواعد في كتاب الغصب ، قال : « ولو جهل الثاني الغصب فان كان وضع يده يد ضمان ـ كالعارية المضمونة ، والمقبوض بالسوم ، والبيع الفاسد ـ فقرار الضمان على الثاني ، والا فعلى الأول » فإن مقتضى الثاني الجزم بعدم الرجوع ومقتضى الأول الميل إلى الرجوع ، وفي جامع المقاصد هنا قال : « لو ظهر استحقاق مال المضاربة وقد تلف في يد العامل بغير تعد فقرار الضمان على الدافع ، لأنه دخل معه على أن التلف بغير تفريط يكون منه ، لان ذلك حكم المضاربة ، فيجب الوفاء به ، ولا ريب أن الجاهل بالغصب أولى بعدم استقرار الضمان من المقدم على العدوان ». وهذا منه يخالف كلامه في كتاب الغصب ، فإنه وافق القواعد من رجوع الأول إلى الثاني وعدم رجوع الثاني إلى الأول ، لامتيازه عليه بوقوع التلف في يده ومثل ذلك في الاشكال دعوى مفتاح الكرامة نفي الخلاف من كل من تعرض له فيما ذكره مصنفه من رجوع المضارب‌

٤٣٩

______________________________________________________

على العامل إذا كان عالماً مع ما عرفت من التذكرة من عدم الرجوع معللا بما ذكر.

وكذا الإشكال في تعليلاتهم ، فان تعليل التذكرة عدم رجوع المضارب على العامل : بأن العامل أخذه على وجه الامانة ، غير ظاهر ، فان ذلك حكم من أخذ المال من مالكه بإذنه ، لا من أخذ من غير المالك بغير إذن المالك عالماً بذلك ، ولذلك قلنا بجواز رجوع المالك عليه ومثله تعليل جامع المقاصد بقوله : « لأنه دخل معه على أن التلف بغير تفريط يكون منه ، لان ذلك حكم المضاربة فيجب الوفاء به ». إذ فيه : أن الشرط المذكور لم يكن في عقد لازم ولا جائز ، وإنما كان في المضاربة الفاسدة لعدم إذن المالك ، فكيف يجب الوفاء به؟!.

وكذلك ما ذكر في القواعد هنا من تعليل رجوع المضارب على العامل إذا كان عالماً بقوله : « لاستقرار التلف في يده » ، إذ لا يظهر الوجه في اقتضاء ذلك للرجوع عليه ، إذ الضمان لم يكن بالتلف ، وإنما كان باليد ، والجميع في ذلك سواء ، فما وجه رجوع الأول إلى الثاني دون العكس في مسألة تعاقب الأيدي العادية على العين؟! وقد ذكروا في دفع الاشكال وجوهاً ، كلها موضع نظر ، وقد تعرضنا لذلك في كتاب نهج الفقاهة في بعض مباحث الفضولي ، وذكرنا فيه ما ذكره شيخنا الأعظم في مكاسبه وشيخ المشايخ في جواهره وغيرهما من وجوه دفع الاشكال.

والأقرب في دفعه أن ذلك من الأحكام العرفية التي أمضاها الشارع لعدم الردع عنها. لكن ثبوت ذلك عرفاً إذا لم يكن الثاني قد أخذ العين قهراً غير ظاهر. نعم لا يبعد ذلك في خصوص ما إذا كان الثاني قد أخذها قهراً. فلاحظ وتأمل.

٤٤٠