مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

( مسألة ٣٠ ) : لا يجوز للعامل أن يوكل وكيلا في عمله ، أو يستأجر أجيراً إلا بإذن المالك. نعم لا بأس بالتوكيل‌

______________________________________________________

غير مقصود للمجيز. نعم يمكن تجديده للوارث ، وهذا شي‌ء آخر غير إجازة العقد ، ويختص بصورة ما إذا كان المال نقداً لا عروضاً.

والمتحصل في الاشكال : إنه إن أريد إجازة العقد بلحاظ الحدوث كما في إجازة الفضولي ـ فالعقد لا قصور فيه من هذه الجهة ، كي يحتاج إلى الإجازة ، والإجازة صادرة ممن لا تعلق له بالعقد. وإن أريد إجازته بلحاظ البقاء ، فالبقاء ليس مقصوداً للمجيز ، ولا مما يقبل الجعل ، وفي المقام متعذر ، لفرض البطلان ، كما ذكر في الشرائع. وان أريد من الإبقاء التجديد اختص ذلك بما إذا كان المال نقداً ، ولا يصح إذا كان عروضاً كما ذكر أيضاً في الشرائع.

ولعل مراد المصنف الاشكال على الشرائع : بأن الإقرار إنما يمتنع إذا ثبت البطلان ، وهو ممنوع ، إذ يختص البطلان بما إذا لم يقره الوارث أما إذا أقره فلا بطلان. كما أنه يمكن دفع الإشكال : بأن البقاء لا يحتاج الى جعل بأن ذلك مسلم إذا لم يكن موجب للبطلان ، كما في المقام ، أما معه فيصح جعل البقاء ، ويكون مستنداً الى الجعل لا لنفسه. ولكن عبارة المصنف بعيدة عن ذلك ، وفيها تهافت ، فإن الإجازة بمعنى الإبقاء صادرة من الوارث المالك ، وقد ذكر أنها صادرة ممن سيصير له علقة ، فكأن موضوع كلامه الإجازة من الوارث حال حياة الموروث لا بعد وفاته.

والتحقيق : أن المالك ركن في عقد المضاربة كالعامل ، فاذا مات أحدهما بطل العقد ضرورة ، كما في موت أحد الزوجين ، فلا يمكن جعل إبقائه أبداً ، كما ذكر المحقق رحمه‌الله ، فلا يمكن إبقاء العقد ، لا بالإجازة ولا بالإبقاء ، ولا بغير ذلك. نعم يمكن إيقاع عقد المضاربة بين الوارث‌

٣٢١

أو الاستيجار في بعض المقدمات ، على ما هو المتعارف [١]. وأما الإيكال إلى الغير وكالة أو استئجاراً في أصل التجارة ، فلا يجوز من دون إذن المالك ، ومعه لا مانع منه. كما أنه لا يجوز له أن يضارب غيره إلا بإذن المالك.

( مسألة ٣١ ) : إذا أذن في مضاربة الغير فإما أن يكون بجعل العامل الثاني عاملا للمالك ، أو بجعله شريكاً معه في العمل والحصة ، وإما بجعله عاملا لنفسه. أما الأول فلا مانع منه وتنفسخ مضاربة نفسه على الأقوى [٢]. واحتمال بقائها مع ذلك [٣] ، لعدم المنافاة ، كما ترى. ويكون الربح مشتركاً بين‌

______________________________________________________

والعامل إذا اجتمعت الشرائط.

[١] كأن الفرق بين المقامين أن المنصرف من المضاربة استعمال العامل في التجارة مباشرة ، فإيكال التجارة إلى غيره خلاف الظاهر يحتاج إلى إذن بالخصوص ، بخلاف المقدمات ، فإنه ليس في عنوان المضاربة ما يقتضي المباشرة فيها ، فإطلاقها يقتضي الإذن إلا إذا كانت قرينة على الخلاف. والحكم في الجميع وجوب أن يكون العمل بإذن المالك ، المستفادة من الإطلاق ، أو من صريح الخطاب ، أو من العادة ، أو غير ذلك من القرائن ، فإذا لم تعلم لم يجز التصرف.

[٢] كما هو ظاهر المسالك.

[٣] بل جزم به في الجواهر ، لعدم ما يدل على اعتبار خلو المال عن وقوع عقد قراض عليه في صحة الثاني. انتهى. وكأنه اعتبر المضاربة نوعاً من الوكالة ، ولا مانع من توكيل وكيلين على عمل واحد ، لعدم التنافي في ذلك. لكن الظاهر عرفاً من المضاربة أنها استعمال للعامل وهو‌

٣٢٢

المالك والعامل الثاني ، وليس للأول شي‌ء [١] ، إلا إذا كان بعد أن عمل عملا وحصل ربح ، فيستحق حصته [٢] من ذلك وليس له أن يشترط على العامل الثاني شيئاً من الربح [٣] بعد أن لم يكن له عمل بعد المضاربة الثانية. بل لو جعل الحصة للعامل في المضاربة الثانية أقل مما اشترط له في الأولى ، كأن يكون في الأولى بالنصف ، وجعله ثلثاً في الثانية لا يستحق تلك الزيادة [٤] ، بل ترجع الى المالك. وربما يحتمل جواز اشتراط شي‌ء من الربح ، أو كون الزيادة له [٥] ، بدعوى أن هذا المقدار ـ وهو إيقاع عقد المضاربة ثمَّ جعلها للغير ـ

______________________________________________________

لا يقبل التعدد ، نظير الاستيجار على العمل لكن لو سلم فذلك يمنع من تعدد العامل بالنسبة إلى العمل الواحد ، لا بالنسبة إلى العملين ، فاذا عمل الأول وربح كان له سهم من الربح ، وإذا عمل الثاني أيضاً فربح كان له سهم ، كما صرح بذلك في الجواهر. والأولى أن يقال : انه إذا كان العامل قد انتزع نفسه من المضاربة ، انفسخت بالنسبة اليه ، واختص بها الثاني. وإن كان لم ينتزع نفسه ، كان كل منهما عاملا ، واختص كل واحد منهما بحصته من الربح في عمله.

[١] إذ المفروض أن الربح مشترك بين المالك والعامل ، وهو غيرهما.

[٢] كما هو مقتضى المضاربة معه.

[٣] الا بناءً على جواز اشتراط حصة من الربح للأجنبي ، وقد تقدم.

[٤] لأنها للمالك حسب المجعول في المضاربة الثانية ، فلا تكون كلها أو بعضها لغيره.

[٥] هذا الاحتمال احتمله في الجواهر ، معللا له بما ذكر.

٣٢٣

نوع من العمل ، يكفي في جواز جعل حصة من الربح له. وفيه : أنه وكالة ، لا مضاربة [١]. والثاني أيضاً لا مانع منه ، وتكون الحصة المجعولة له في المضاربة الأولى مشتركة بينه وبين العامل الثاني ، على حسب قرارهما. وأما الثالث فلا‌

______________________________________________________

[١] قد يكون التوكيل من شؤون المضاربة ـ كما تقدم في المسألة الثلاثين ـ فيستحق عليه العامل حصة من الربح. فالعمدة : أن العمل الذي يجعل الحصة له في المضاربة الثانية ما يكون حاصلا من العامل في المضاربة الثانية بعد حصولها ، والعمل المذكور حاصل قبلها من غير العامل فيها ، بل من العامل في المضاربة الاولى وحينئذ إذا كان موجباً لاستحقاق شي‌ء لصدوره لا بعنوان التبرع ، فهو على المالك ، لا حصة في ربح المضاربة الثانية ، لعدم كونه عاملا فيها. بل إذا فرض أن عمل المضاربة الأولى كان بذلك استحق حصة من الربح الحاصل من ذلك العمل ولو بتوسط المضاربة الثانية التي هي في ضمن المضاربة الأولى. ومن ذلك يظهر أن القسم الأول له صورتان : ( الأولى ) أن تكون المضاربة الثانية أجنبية عن الاولى ، تبطلها أو لا تبطلها ، على الخلاف المتقدم بين المصنف والجواهر. ( الثانية ) : أن تكون المضاربة الثانية في ضمن الاولى ومن شؤونها فتكون الثانية من قبيل الجعالة التي تكون في ضمن الاولى ، وحصة المالك فيها راجعة إلى ربح المضاربة الأولى فتنقسم بين المالك والعامل الأول. وبالجملة : قد تكون المضاربة الثانية أجنبية عن الأولى تنافيها أو لا تنافيها ، وقد تكون في طولها ومن شؤونها فارباح الثانية بعد إخراج حصة العامل تكون من أرباح الأولى ، فتكون حصة منها للعامل ، والباقي للمالك ، وقد كان المناسب للمصنف التعرض لهذا القسم ، فتكون الأقسام أربعة.

٣٢٤

يصح من دون أن يكون له عمل مع العامل الثاني [١] ، ومعه يرجع الى التشريك.

( مسألة ٣٢ ) : إذا ضارب العامل غيره مع عدم الإذن من المالك ، فإن أجاز المالك ذلك كان الحكم كما في الإذن السابق في الصور المتقدمة ، فيلحق كلاً حكمه [٢] ، وان لم يجز بطلت المضاربة الثانية [٣]. وحينئذ فإن كان العامل الثاني عمل وحصل الربح [٤] فما قرر للمالك في المضاربة الأولى فله [٥] وأما ما قرر للعامل فهل هو أيضاً له [٦] أو للعامل الأول ، أو مشترك بين العاملين؟ وجوه وأقوال [٧] ، أقواها الأول ،

______________________________________________________

[١] من المعلوم أن العامل في المضاربة من يكون عاملا للمالك في ماله ، والعامل لغير المالك خارج عنه ، سواء كان له عمل أم لم يكن. إلا أن يكون المراد منه ما لا يتنافى مع كونه عاملا للمالك ، ويكون الاختلاف بمجرد التعبير.

[٢] إذ لا فرق بين الإجازة اللاحقة والاذن السابقة في الأحكام.

[٣] لصدورها من غير الولي ، بلا إذن ، ولا إجازة من الولي.

[٤] يعني بإجازة المالك لشراء العامل الثاني ، إذ مع عدم الإجازة لا تصح المعاملة ، فلا ربح وسيأتي التصريح بذلك من المصنف. وإطلاق كلامه هنا كإطلاق كلام غيره مبني على ذلك ، كما هو الغالب‌

[٥] لتبعية الربح للمال ، كما هو الأصل.

[٦] يعني. للمالك.

[٧] قال في الشرائع في مسألة ما إذا قارض العامل غيره : « فان كان بإذنه وشرط الربح بين العامل الثاني والمالك صح ، ولو شرط لنفسه لم‌

٣٢٥

لأن المفروض بطلان المضاربة الثانية ، فلا يستحق العامل الثاني شيئاً ، وأن العامل الأول لم يعمل حتى يستحق ، فيكون تمام الربح للمالك إذا أجاز تلك المعاملات الواقعة على ماله. ويستحق العامل الثاني أجرة عمله مع جهله بالبطلان [١] على العامل الأول‌

______________________________________________________

يصح ، لأنه لا عمل له. وإن كان بغير إذنه لم يصح القراض ، فان ربح كان نصف الربح للمالك ، والنصف الآخر للعامل الأول ، وعليه أجرة الثاني. وقيل : للمالك أيضاً ، لأن الأول لم يعمل. وقيل : بين العاملين ويرجع الثاني على الأول بنصف الأجرة. والأول حسن ». وقال في المسالك : « وهذه الأقوال ليست لأصحابنا ، ولا نقلها عنهم أحد ممن نقل الخلاف ، وان كان ظاهر العبارة بقيل وقيل يشعر به ، وإنما هي وجوه للشافعية موجهة ، ذكرها المصنف والعلامة في كتبه ، ونقل الشيخ في المبسوط قريباً منها بطريقة أخرى غير منقحة. ولهم وجه رابع : أن جميع النصف للعامل الثاني. عملا بالشرط ، ولا شي‌ء للأول ، إذ لا ملك له ولا عمل له ». وقريب منه ما في جامع المقاصد. ويشهد لما ذكراه ما في التذكرة ، فإنه بعد ما ذكر أن الأقرب أن يكون الربح للمالك ذكر الوجوه الأخرى ، ونسبها إلى الشافعية ، ولم ينسب شيئاً منها إلى أحد من أصحابنا.

[١] كما قيده بذلك الجماعة ، ولم أقف على غير ذلك من أحد ، بل في جامع المقاصد : « لا شك في أنه إذا كان عالماً لا يستحق أجرة ». لكن الاختصاص بهذه الصورة يتوقف على كون الضمان بالغرور ، أما إذا كان الضمان بالاستيفاء ، وأن من استوفى عمل غيره كان ضامناً له وإن كان عالماً بالبطلان ، فالرجوع إلى العامل بأجرة المثل يكون في صورتي الجهل والعلم.

٣٢٦

لأنه مغرور من قبله. وقيل : يستحق على المالك [١]. ولا وجه له مع فرض عدم الإذن منه له في العمل هذا إذا ضاربه على أن يكون عاملا للمالك [٢] ، وأما إذا ضاربه على أن يكون عاملا له ، وقصد العامل في عمله العامل الأول ، فيمكن أن يقال : إن الربح للعامل الأول ، بل هو مختار المحقق في الشرائع [٣]

______________________________________________________

[١] حكى هذا الاحتمال في التذكرة ، وعلله : بأن نفع عمله عاد اليه. انتهى. ولا يخفى ما فيه ، فان ذلك ليس من أسباب الضمان‌

[٢] سواء كان الشراء له بذمته أم بعين ماله ، فان المبيع له ، فيكون له ربحه.

[٣] قد تقدمت عبارة الشرائع ، وهي خالية عن التقييد المذكور ، ولا سيما بناء على ما تقدم منه من عدم صحتها حتى مع اذن المالك ، فكيف يخصص بها كلام المحقق؟! ولذلك وجهه في المسالك : بأن عقد المضاربة وقع معه ، فيستحق ما شرط ، وعقده مع الثاني فاسد ، فلا يتبع شرطه. انتهى. وأشكل عليه بعد ذلك : بأن العامل الأول لم يعمل شيئاً ، فلا يكون له شي‌ء من الربح. وأما التوجيه المذكور في المتن من أن العمل المعتبر في المضاربة الأولى ما يعم المباشرة وغيرها فقد ذكره في الجواهر ، فقال : « ليس في عقد القراض ما يقتضي مباشرة العمل بنفسه ، ضرورة الاكتفاء بمتبرع عنه وبأجرة أو نحو ذلك ». وحينئذ يسقط الاشكال المتقدم من أن العامل الأول لم يعمل شيئاً فلا يستحق شيئاً. وعلى هذا عول في الجواهر واختار ما في الشرائع. لكن عرفت أن مختار الشرائع لا يختص بهذه الصورة ، كسائر الأقوال الأخرى المحكية فيها ، فلا وجه لتخصيصه بها ، كما في المتن. مضافاً إلى أن البناء على عموم العمل لغير المباشرة يقتضي صحة المضاربة الثانية ، إذ ليس مضمونها الا ما هو مأذون فيه فلا وجه للبناء‌

٣٢٧

وذلك بدعوى : أن المضاربة الأولى باقية بعد فرض بطلان الثانية ، والمفروض أن العامل قصد العمل للعامل الأول ، فيكون كأنه هو العامل فيستحق الربح ، وعليه أجرة عمل العامل ، إذا كان جاهلاً بالبطلان ، وبطلان المعاملة لا يضر بالاذن الحاصل منه للعمل له [١]. لكن هذا انما يتم إذا لم يكن المباشرة‌

______________________________________________________

على بطلانها بدعوى عدم الاذن. وأيضاً إذا كان المراد من العمل في المضاربة ما يعم عمل غيره عنه وجب أن يكون عمل الغير للمالك ، كما أن عمل العامل له ، فكما أن العامل يتجر للمالك فالمتبرع عن العامل أيضاً يتجر للمالك ، وهذا لا يتناسب مع الصورة المذكورة في المتن من أن العامل الثاني يعمل للعامل الأول ، كما يظهر من قول المصنف : « وأما إذا ضاربه على أن يكون عاملا له ». والمتحصل مما ذكرنا وجوه من الإشكال. ( الأول ) : أن مورد كلام المحقق وغيره من الفقهاء الذين صوروا هذه المسألة صورة ما إذا ضارب العامل غيره من دون اختصاص بأنه عن نفسه. ( الثاني ) : أن البناء على عموم عمل العامل الذي ضاربه المالك للمباشري وغيره يقتضي صحة المضاربة من العامل لغيره عن المالك. إذ ليست المضاربة الثانية إلا عملا بالعموم المذكور. ( الثالث ) : أن عموم عمل العامل لغير المباشرة لا يتناسب مع الصورة المذكورة في المتن ، فان عمل المتبرع للعامل يكون للمالك ، لا للعامل المتبرع عنه إلا أن يكون المراد من قصد العامل الثاني في عمله العامل الأول المذكور في المتن عمل العامل الثاني نيابة عن العامل الأول ، وإن كان شراؤه للمالك. لكنه خلاف ظاهر العبارة.

[١] قال في الجواهر : « ولا ينافيه فرض عدم إجازة المالك. إذ هي للقراض ، أما ما وقع منه من الشراء والبيع فهو بإذن العامل الأول الذي لم يشترط عليه مباشرة ذلك بنفسه ». ولا يخفى أن إذن العامل لا تكفي‌

٣٢٨

معتبرة في المضاربة الاولى [١] ، وأما مع اعتبارها فلا يتم ، ويتعين كون تمام الربح للمالك إذا أجاز المعاملات وان لم تجز المضاربة الثانية.

( مسألة ٣٣ ) : إذا شرط أحدهما على الأخر في ضمن عقد المضاربة مالا أو عملا ، كأن اشترط المالك على العامل أن‌

______________________________________________________

في صحة الشراء والبيع إلا إذا كان العامل مأذوناً من المالك في الاذن ، وإذا لم يكن مأذوناً فيه من المالك فلا وجه لصحته ، وقد عرفت أنه إذا كان مأذوناً فيه من المالك كان مأذوناً في المضاربة الثانية ، إذ مضمونها الشراء والبيع الذي لم يشترط عليه المباشرة فيهما.

[١] كما قيده بذلك في الجواهر ، وأن ما تقدم مبني على ما هو الظاهر عدم كون ذلك قيداً لها هنا ، كما في نظائره. والذي يتحصل مما ذكرناه : أنه إن كان المفهوم من المضاربة الأولى عموم العمل من العامل للباشرة وغيرها كان ذلك موجباً للإذن في المضاربة الثانية ، على نحو تكون من توابع الأولى. فيضارب العامل غيره على أن يكون حصته من الربح بينهما على نحو التساوي أو التفاضل. ولو ضاربه على أن يكون تمام الربح بينهما لم تصح لمنافاتها للأولى. وفي الصورة الاولى لا بد أن يكون قصد المتعاملين أن يكون العمل للمالك ، بمعنى أن الشراء والبيع له لا للعامل الأول ، إذ لا معنى له بعد أن كان المال للمالك. إلا أن يكون المقصود أن العامل الثاني ينوب عن العامل الأول في الشراء للمالك ، بأن يقصد النيابة عن العامل الأول في الشراء للمالك ، ولا بأس به حينئذ. وإن كان المفهوم من المضاربة الأولى خصوص المباشرة فالحكم كما ذكر المصنف ، من بطلان المضاربة ، وكون الربح جميعه للمالك إذا أجاز معاملة العامل الثاني ويستحق على العامل الأول أجرة المثل.

٣٢٩

يخيط له ثوباً ، أو يعطيه درهماً أو نحو ذلك ، أو بالعكس ، فالظاهر صحته [١] ، وكذا إذا اشترط أحدهما على الأخر بيعاً أو قرضاً أو قراضا أو بضاعة أو نحو ذلك. ودعوى : أن القدر المتيقن ما إذا لم يكن من المالك إلا رأس المال ومن العامل إلا التجارة. مدفوعة : بأن ذلك من حيث متعلق العقد فلا ينافي اشتراط مال أو عمل خارجي في ضمنه. ويكفي في صحته عموم أدلة الشروط [٢]. وعن الشيخ الطوسي فيما إذا‌

______________________________________________________

[١] قال في القواعد : « ولو شرط على العامل المضاربة في مال آخر ، أو يأخذ منه بضاعة أو قرضاً ، أو يخدمه في شي‌ء بعينه ، فالظاهر صحة الشروط » وقال في التحرير : « الشروط الفاسدة على أقسام ثلاثة ، أحدها : ما ينافي مقتضى العقد ، مثل أن يشترط البيع برأس المال .. ( إلى أن قال ) : الثاني : ما يقتضي جهالة الربح ، مثل أن يشترط العامل جزء من الربح مجهولا أو ربح أحد الكيسين .. ( الى أن قال ) : الثالث اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه ، مثل اشتراط النفع ببعض السلع مثل لبس الثوب ، واستخدام العبد ، وركوب الدابة ووطء الجارية وضمان العامل المال أو بعضه. فهذه الشروط كلها باطلة تفسد العقد إن اقتضت جهالة الربح ، وإلا فلا على إشكال » ، ونحوه ما حكاه السيد في مفتاح الكرامة عن العامة ، ثمَّ قال : « ولعلهم يستندون الى أن هذا العقد على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على المتيقن » ولا يخفى أنه إذا تمَّ ذلك جرى في جميع العقود المشتملة على الشروط ، لأنها على خلاف الأصل أيضاً ولا يختص بهذا العقد.

[٢] هذا العموم إنما ينفع بعد إحراز عنوان المضاربة عرفاً ، لتشمله الإطلاقات المقامية. أما إذا شك في العنوان فالأصل يقتضي بطلان المضاربة.

٣٣٠

اشترط المالك على العامل بضاعة بطلان الشرط دون العقد في أحد قوليه ، وبطلانهما في قوله الأخر [١] ، قال : لأن العامل في القراض لا يعمل عملا بغير جعل ولا قسط من الربح ، وإذا بطل الشرط بطل القراض ، لان قسط العامل يكون مجهولا [٢] ثمَّ قال : « وان قلنا : إن القراض صحيح والشرط‌

______________________________________________________

وعموم صحة العقود إنما يقتضي صحة العقد ، لا صحة المضاربة ، كما هو محل الكلام. وان كان الظاهر صدق العنوان عرفاً.

[١] قال في الشرائع في أواخر كتاب المضاربة : « إذا دفع مالا قراضاً ، وشرط أن يأخذ له بضاعة ، قيل : لا يصح ، لان العامل في القراض لا يعمل ما لا يستحق عليه أجراً ، وقيل : يصح القراض ويبطل الشرط. ولو قيل بصحتهما كان حسناً » وقال في المسالك : « القولان الأولان للشيخ في المبسوط » أقول : هذه النسبة غير ظاهرة الوجه ، كما يظهر ذلك من ملاحظة كلامه ، فان ما ذكره أولاً كان وجهاً لا قولاً ، وما ذكره ثانياً كان قولاً بقرينة قوله رحمه‌الله : « كان قوياً » لكنه ظاهر في صحة الشرط والعقد. غاية الأمر أنه لا يجب الوفاء بالشرط ، لأن مضمونه ـ وهو البضاعة ـ من العقود الجائزة التي لا يجب الوفاء بها ، وحينئذ يكون موافقاً للشرائع والقواعد وجماعة من الأصحاب ، على ما نسبه إليهم في جامع المقاصد. ومن ذلك يشكل ما في المتن من نسبة القولين إلى الشيخ رحمه‌الله مستنداً في ذلك إلى عبارة المبسوط المذكورة.

[٢] قال في المبسوط : « وذلك أن رب المال ما قارض بالنصف حتى اشترط على العامل عملاً بغير جعلٍ ، وقد بطل الشرط ، وإذا بطل ذهب من نصيب العامل وهو النصف قدر ما زيد فيه لأجل البضاعة ، وذلك القدر مجهول ، وإذا ذهب من المعلوم مجهول كان الباقي مجهولا ،

٣٣١

جائز ، لكنه لا يلزم الوفاء به ، لأن البضاعة لا يلزم القيام بها كان قويا » وحاصل كلامه في وجه بطلانهما : أن للشرط المفروض مناف لمقتضى العقد ، فيكون باطلا ، وببطلانه يبطل العقد ، لاستلزامه جهالة حصة العامل من حيث أن للشرط قسطا من الربح ، وببطلانه يسقط ذلك القسط ، وهو غير معلوم المقدار. وفيه : منع كونه منافيا لمقتضى العقد [١] ، فان مقتضاه ليس أزيد من أن يكون عمله في مال القراض بجزء من الربح ، والعمل الخارجي ليس عملا في مال القراض. هذا مع أن ما ذكره من لزوم جهالة حصة العامل بعد بطلان الشرط ممنوع ، إذ ليس الشرط مقابلا بالعوض في شي‌ء من الموارد [٢] ، وانما يوجب زيادة العوض ، فلا ينقص من بطلانه شي‌ء من الحصة حتى تصير مجهولة. وأما ما ذكره في‌

______________________________________________________

ولهذا بطل القراض. وان قلنا أن القراض .. » الى آخر ما في المتن.

[١] ذكر ذلك في المسالك وغيرها.

[٢] كان الاولى في الاشكال عليه أن يقال : إذا كان الشرط ملحوظاً عوضا عن العمل فبطلانه يوجب بطلان المعاوضة وحصول الجهالة ، لانتفاء المعاوضة بانتفاء أحد طرفيها ، وإذا لم يكن ملحوظاً عوضاً فلا جهالة في العوض. ولو سلم فالجهالة على هذا النهج غير قادحة في البيع ، كما إذا باع ما يملك وما لم يملك ، فضلاً عن المقام الذي لا تقدح فيه جهالة وجود الربح ، ولا جهالة مقداره التعييني ، وإن كان معلوماً بالحصة المشاعة. كما يشكل أيضاً : بأن ما ذكره أخيراً من أن العمل في البضاعة لوحظ عوضاً عن جزء من النصف ، فالعمل لم يكن مجاناً ، مناف لما ذكره أولاً من‌

٣٣٢

قوله : « وان قلنا .. » فلعل غرضه أنه إذا لم يكن الوفاء بالشرط لازماً يكون وجوده كعدمه [١] ، فكأنه لم يشترط ، فلا يلزم الجهالة في الحصة. وفيه : أنه على فرض إيجابه للجهالة لا يتفاوت الحال بين لزوم العمل به وعدمه [٢] حيث أنه على التقديرين زيد بعض العوض لأجله. هذا وقد يقرر [٣] في وجه بطلان الشرط المذكور : أن هذا الشرط لا أثر له أصلا ، لأنه ليس بلازم الوفاء ، حيث أنه في العقد الجائز ، ولا يلزم من تخلفه أثر التسلط على الفسخ ، حيث أنه يجوز فسخه ولو مع عدم التخلف. وفيه أولا : ما عرفت‌

______________________________________________________

بطلان الشرط ، لأنه يقتضي كون العمل مجاناً.

[١] إذا كان غرضه ذلك كان الاولى تقريره بناءً على البطلان ، لأن الباطل أولى أن يكون وجوده كعدمه ، فكأنه لم يشترط. بل غرضه تضعيف ما ذكره أولاً ، واختيار صحة الشرط وعدم وجوب الوفاء به ، لخصوصية في مضمونه ، وهو البضاعة التي هي من العقود الجائزة ، لا لقصور فيه. وإن كان يشكل : بأن كون البضاعة من العقود الجائزة في نفسها لا ينافي وجوبها بالشرط.

[٢] لأن مبنى الاشكال على قدح الجهالة على فرض التوزيع على الأبعاض ، وحينئذ لا يختلف الحكم في الصحة والبطلان لكن عرفت أن الشيخ بنى على عدم تمامية ما ذكره أولا ، وأنه غير صحيح ، ولذا قال بصحة العقد وصحة الشرط ، غير أنه لا يجب الوفاء به ، لخصوصية في مضمونه ، كما عرفت. نعم كان المناسب له ـ قدس‌سره ـ أن يتعرض لوجه النظر فيما ذكره أولا ، على ما هو القاعدة عند المؤلفين.

[٣] المقرر صاحب الجواهر في ذيل شرح مسألة عدم صحة اشتراط‌

٣٣٣

سابقا من لزوم العمل بالشرط في ضمن العقود الجائزة ما دامت باقية ولم تفسخ ، وان كان له أن يفسخ حتى يسقط وجوب العمل به. وثانيا : لا نسلم أن تخلفه لا يؤثر في التسلط على الفسخ ، إذ الفسخ الذي يأتي من قبل كون العقد جائزا إنما يكون بالنسبة إلى الاستمرار بخلاف الفسخ الآتي من تخلف الشرط ، فإنه يوجب فسخ المعاملة من الأصل ، فإذا فرضنا أن الفسخ بعد حصول الربح ، فان كان من القسم الأول اقتضى حصوله من حينه ، فالعامل يستحق ذلك الربح بمقدار حصته ، وإن كان من القسم الثاني يكون تمام الربح للمالك [١] ويستحق العامل أجرة المثل لعمله ، وهي قد تكون أزيد من الربح ، وقد تكون أقل فيتفاوت الحال بالفسخ وعدمه إذا كان لأجل تخلف الشرط.

______________________________________________________

الأجل في المضاربة ، وأشار إليه أيضاً في أواخر كتاب المضاربة ، وحاصله : أن الشرط في العقود يترتب عليه أثران ، تكليفي وهو وجوب الوفاء ، الراجع الى وجوب إيصال الحقوق إلى أهلها ، ووضعي وهو جواز الفسخ مع التخلف ، وهما في المقام لا يترتبان.

[١] هذا ذكره في جامع المقاصد ، وجعله مقتضى النظر. لكن في الجواهر بعد ما حكاه عنه قال : « إنه لا يمكن التزام فقيه به » وفي أواخر كتاب المضاربة قال : « إنه كما ترى لا ينطبق على القواعد ، وعلى ما اشتهر بينهم من عدم لزوم الوفاء بالشروط في العقود الجائزة ، وأن حالها كحال الوعد ، وليس فائدة الشرط فيها فائدته في العقد اللازم من التسلط على الفسخ مع عدم الوفاء به .. ». والاشكال عليه ـ كما ذكره المصنف ـ

٣٣٤

( مسألة ٣٤ ) : يملك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره من غير توقف على الإنضاض أو القسمة ، لا نقلا ، ولا كشفا ، على المشهور ، بل الظاهر الإجماع عليه [١] ، لأنه مقتضى اشتراط كون الربح بينهما [٢] ، ولأنه مملوك وليس للمالك ، فيكون للعامل. وللصحيح [٣] : « رجل دفع الى رجل ألف درهم مضاربة ، فاشترى أباه وهو لا يعلم. قال : يقوم فان زاد درهما واحدا انعتق ، واستسعى في مال الرجل »

______________________________________________________

ظاهر. وقد تقدم في المسألة الثانية بعض الكلام في ذلك.

[١] قال في المسالك : « لا يكاد يتحقق فيه مخالف ، ولا نقل في كتب الخلاف عن أحد من أصحابنا ما يخالفه » ، ونحوه ما عن المفاتيح لكن في القواعد : « ويملك بالظهور ، لا بالانضاض على رأي ». وظاهره التوقف وعدم انعقاد الإجماع عليه.

[٢] لكن الشرط انما اقتضى المالك على تقدير الوجود ، لا أنه يقتضي الوجود ، كما هو المدعى. ومنه يظهر الإشكال في قوله (ره) : « ولأنه مملوك. » ‌

[٣] رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن ميسر ( قيس خ ل ) قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل دفع .. » إلى آخر ما في المتن » ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن قيس ، ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن بن أبي عمير عن محمد بن قيس ، وبإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير عن محمد بن ميسرة. كذا في الوسائل (١). والطريق الأول مصحح ، والباقية صحاح‌

__________________

(١) باب : ٨ من كتاب المضاربة.

٣٣٥

إذ لو لم يكن مالكا لحصته لم ينعتق أبوه [١]. نعم عن الفخر عن والده : أن في المسألة أربعة أقوال [٢] ، ولكن لم يذكر القائل ولعلها من العامة ( أحدها ) : ما ذكرنا ( الثاني ) : أنه يملك بالانضاض ، لأنه قبله ليس موجوداً خارجياً [٣] ، بل هو مقدر موهوم. ( الثالث ) : أنه يملك بالقسمة ، لأنه لو ملك‌

______________________________________________________

[١] هذا أول الكلام ، بل من الجائز الانعتاق بذلك ، وارتكابه أهون من ارتكاب ملك العامل بالظهور إذا تحقق أنه لا وجود له ، فلا تصلح الرواية دليلاً على ذلك ، إلا إذا امتنع الانعتاق بغير الملك ، كما أشار إلى ذلك في الجواهر.

[٢] حكي عن الإيضاح أنه قال : « الذي سمعناه عن والدي المصنف أن في هذه المسألة ثلاثة أقوال » ، ثمَّ بعد أن ذكر الأقوال الثلاثة والاستدلال لها قال : « الرابع : أن القسمة كاشفة عن ملك العامل ، لأنها ليست بعمل حتى يملك بها » فذكر أولاً أن الأقوال ثلاثة ، ثمَّ ذكر قولاً رابعاً ، فيكون المتحصل من نقله وجود أربعة أقوال. ولذلك قال في المسالك : « ونقل الامام فخر الدين عن والده في هذه المسألة أربعة أقوال ». لكن في التذكرة بعد ما ذكر القول الأول قال : « وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي في أحد قوليه ، واحمد في إحدى الروايتين » ثمَّ استدل له بما في المتن ، ثمَّ قال : « وقال مالك انما يملك العامل حصة من الربح بالقسمة ، وهو القول الثاني للشافعي والرواية الثانية عن أحمد ، واقتصر على ذلك ولم ينقل الثاني ولا الرابع. لكن في المسالك عن التذكرة حكاية القولين الأولين فليلحظ.

[٣] هذا التعليل مذكور في الإيضاح لإثبات الوجه الثاني. لكنه إن تمَّ اقتضى نفي الأول لا إثبات الثاني.

٣٣٦

قبله لاختص بربحه [١]. ولم يكن وقاية لرأس المال. ( الرابع ) : أن القسمة كاشفة عن الملك سابقاً ، لأنها توجب استقراره. والأقوى ما ذكرنا ، لما ذكرنا. ودعوى : أنه ليس موجوداً كما ترى [٢] وكون القيمة أمراً وهمياً ممنوع [٣]. مع أنا نقول : إنه يصير شريكاً في العين الموجودة بالنسبة [٤] ، ولذا يصح له مطالبة القسمة مع أن المملوك لا يلزم أن يكون موجوداً خارجياً ، فان الدين مملوك مع أنه ليس في الخارج [٥]. ومن الغريب إصرار صاحب الجواهر على الإشكال في ملكيته ، بدعوى : أنه حقيقة ما زاد على عين الأصل ، وقيمة الشي‌ء أمر وهمي‌

______________________________________________________

[١] هذا أيضاً مذكور في الإيضاح تعليلا للوجه الثالث ـ لكنه إنما بنفي الأولين ، ولا يثبت الثالث.

[٢] إذا كان الربح حقيقة ما زاد على عين رأس المال ـ كما ادعاه في الجواهر ، ويقتضيه العرف واللغة في الجملة ـ فالدعوى المذكورة في محلها. ولذلك كان المعروف بينهم عدم وجوب الخمس في ارتفاع القيمة وأفتى به المصنف رحمه‌الله في كتاب الخمس.

[٣] هذا المنع غير ظاهر ، إذ القيمة عبارة عن المالية التي تكون في العين ، ولا شك في أنها أمر اعتباري ناشئ عن حدوث الرغبة في العين المصحح للتنافس عليها عند العقلاء وبذل المال بإزائها ، وليس لها وجود عيني في الخارج.

[٤] لا وجه له ، لأنه إذا لم يكن ربح فلا ملك للعامل في الذمة ولا في العين.

[٥] هذا مسلم ، إلا أنه لما كان له مطابق خارجي ومصداق عيني‌

٣٣٧

لا وجود له لا ذمة ولا خارجاً ، فلا يصدق عليه الربح. نعم لا بأس أن يقال : إنه بالظهور ملك أن يملك ، بمعنى أن له الإنضاض ، فيملك. وأغرب منه أنه قال : « بل لعل الوجه في خبر عتق الأب ذلك أيضاً ، بناء على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبني على السراية ». إذ لا يخفى ما فيه [١] ، مع أن لازم ما ذكره كون العين بتمامها ملكاً للمالك حتى مقدار الربح مع أنه ادعى الاتفاق على عدم كون مقدار حصة العامل من الربح للمالك [٢] فلا ينبغي التأمل في أن الأقوى ما هو المشهور [٣] نعم إن حصل خسران أو تلف بعد ظهور الربح خرج عن‌

______________________________________________________

صح أن يكون مملوكاً ، وليس كذلك القيمة المالية. ومن هنا يظهر الإشكال في النقض بملك الدين ، كما في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما. مضافاً إلى أن الدين إنما صح ملكه لكونه في الذمة ، فإنه لا يجوز ملك ما ليس في الذمة ولا في الخارج ، والمدعى في المقام أنه مملوك وليس في الذمة ولا في الخارج.

[١] بل لا يخفى ما في كلمات المصنف رحمه‌الله في هذا المقام ، مثل قوله رحمه‌الله : « كما ترى » و « ممنوع » و « غريب » و « أغرب .. » فإنها كلها غامضة المراد بنحو تكون رداً على ما ذكره في الجواهر.

[٢] إذا تحقق الاتفاق بنحو يصح الاعتماد عليه كان هو الوجه فيما ذكره المشهور ، فلا مجال حينئذ للأخذ بما ذكره في الجواهر.

[٣] لا ينبغي التأمل في أنه هو الأقوى. لكن العمدة فيه : أن المراد من الربح في باب المضاربة الذي يشترك فيه المالك والعامل الحصة من العين الزائدة على مقدار رأس المال مالية ، لا الربح بالمعنى اللغوي والعرفي ، كما‌

٣٣٨

ملكية العامل ، لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيته من الأول [١] وعلى ما ذكرنا يترتب عليه جميع آثار الملكية ، من جواز المطالبة بالقسمة وإن كانت موقوفة على رضى المالك ، ومن صحة تصرفاته فيه من البيع والصلح ونحوهما ، ومن الإرث ، وتعلق الخمس والزكاة ، وحصول الاستطاعة للحج ، وتعلق حق الغرماء به ، ووجوب صرفه في الدين مع المطالبة .. إلى غير ذلك.

( مسألة ٣٥ ) : الربح وقاية لرأس المال [٢] ، فملكية‌

______________________________________________________

يقوله في الجواهر ، كي يتوجه عليه ما ذكره من الاشكال. هذا ما تقتضيه الارتكازات العرفية. والشاهد على ذلك أنه لا يجوز للمالك عندهم أن يفسخ المضاربة عند ظهور الربح ، ويستقل بالعين ، ويطرد العامل محتجاً بعدم حصول الربح ، بل يرون أن العامل شريك في العين على حسب حصته من المالية. وظني أن ذلك واضح. وحينئذ لا يحتاج إلى الاستدلال على الحكم بما ذكر ، ولا مجال للإشكال بما تقدم.

[١] فالملكية ثابتة حين الظهور ، لكنها غير مستقرة. وقد استفاض. التعبير بذلك في كتبهم. وكأنه عملاً بالصحيح المتقدم الدال على حصول الملكية بمجرد الظهور. ولولاه كان اللازم البناء على عدم الملكية واقعاً إذا كان هناك نقص مالي لا حق ، إما لتنزل السعر ، أو لتلف المال ، أو نحو ذلك ، لأن الربح المجعول للعامل ما زاد على ذلك ، لا مطلق الربح.

[٢] هذا من الأحكام المسلّمة بينهم ، وفي المسالك : أنه محل وفاق ويقتضيه ما عرفت من أن الربح المجعول للعامل ما زاد على تدارك النقص المالي الحادث من خسران أو تلف. وهو العمدة فيما ذكروه. ولم أقف على نصٍ فيه. نعم استدل له بموثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (ع)

٣٣٩

العامل له بالظهور متزلزلة ، فلو عرض بعد ذلك خسران أو تلف يجبر به إلى أن تستقر ملكيته ، والاستقرار يحصل بعد الإنضاض والفسخ والقسمة [١] ، فبعدها إذا تلف شي‌ء لا يحسب من الربح ، بل تلف كل على صاحبه ، ولا يكفي في الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ [٢]. بل ولا‌

______________________________________________________

قال : « سألته عن مال المضاربة. قال : الربح بينهما ، والوضيعة على المال » (١) بناءً على أن المال يشمل الأصل والربح. وهو كما ترى ظاهر في أن المراد من المال ما يقابل الربح.

[١] هذا مما لا ريب فيه ، وفي جامع المقاصد : « لا بحث في الاستقرار بذلك » ، وفي الجواهر : « لا ريب في الاستقرار حينئذ ، ضرورة انتهاء العقد بجميع توابعه مع تراضيهما بذلك » ، وعن الإيضاح : « يستقر بارتفاع العقد وإنضاض المال والقسمة ، عند الكل ».

[٢] بلا ريب ، كما في الجواهر ، لبقاء عقد المضاربة المستتبع لحكمه من جبران الخسارة بالربح كما لو لم يقسم. ومجرد تعيين حصة العامل بالقسمة غير كافٍ في الخروج عن مقتضى العقد. لكن ظاهر ما في القواعد من قوله : « وإنما يستقر بالقسمة أو بالانضاض والفسخ » : أن القسمة كافية في الاستقرار ، كما أن الإنضاض والفسخ كافيان فيه وإن لم تكن القسمة. ولذا أورد عليه في جامع المقاصد : بأن القسمة بمجردها لا توجب الاستقرار من دون فسخ القراض ، لأنه لا معنى للقسمة إلا قسمة الربح ، إذ ليس في رأس المال شراكة الا باعتباره ، وقسمة الربح وحده لا تخرجه عن كونه وقاية لرأس المال. وتبعه على ذلك في الجواهر. لكن عرفت أنه لا إطلاق لفظي لدليل الوقاية ، كي يتمسك به في المقام ، وأن العمدة في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من كتاب المضاربة حديث : ٥.

٣٤٠