مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

يضر التعليق ، لمنع كونه مضراً في الشروط [١]. نعم لو شرط براءته على التقدير المذكور حين العقد ، بأن يكون ظهور النقص كاشفاً عن البراءة من الأول ، فالظاهر عدم صحته ، لأوله إلى الجهل بمقدار مال الإجارة حين العقد [٢].

( السادسة عشرة ) : يجوز إجارة الأرض مدة معلومة بتعميرها واعمال عمل فيها ، من كري الأنهار ، وتنقية الآبار وغرس الأشجار ، ونحو ذلك. وعليه يحمل‌ قوله (ع) : « لا بأس بقبالة الأرض من أهلها بعشرين سنة أو أقل أو أكثر ، فيعمرها

______________________________________________________

أعني : شرط براءة الذمة من مقدار من الأجرة إذا كانت الأجرة ذمية لا عيناً خارجية. ويشهد بذلك ما ورد فيمن تطبب أو تبيطر وأنه ضامن إلا أن يأخذ البراءة (١) ، فإن الظاهر منه اشتراط البراءة من الضمان على نحو شرط النتيجة.

[١] وإن قال شيخنا الأعظم (ره) : إنه قد يتوهم ذلك ، بناء على أن التعليق في الشرط يسري إلى العقد ، لرجوع الشرط إلى جزء من أحد العوضين. وفيه : منع ذلك ، كما هو ظاهر ، نعم بناء على ما ذكره بعض في وجه مانعية التعليق في العقود والإيقاعات من منافاة التعليق للإنشاء ، عموم المانعية ، ولا وجه للتفكيك بين الشرط وغيره في ذلك. وإن كان التحقيق أن الوجه في المانعية : الإجماع المحقق المعول عليه عندهم ، لا ما ذكر.

ولذلك جاز عندهم التعليق مع الإنشاء في الوصية التمليكية ، والنذر المعلق ، والتدبير. فراجع.

[٢] هذا إذا كان المراد من البراءة عدم اشتغال الذمة به. أما إذا كان المراد السقوط عن الذمة بعد الاشتغال به فلا يلزم المحذور.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب موجبات الضمان حديث : ١.

٢٢١

ويؤدي ما خرج عليها » [١] ونحو غيره.

______________________________________________________

[١] هذا مذكور في مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) « قال : إن القبالة أن تأتي الأرض الخربة فتقبلها من أهلها عشرين سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ، فتعمرها وتؤدي ما خرج عليها ، فلا بأس به » (١). وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله (ع) : « لا بأس بقبالة الأرض من أهلها بعشرين سنة أو أقل أو أكثر ، فيعمرها ، ويؤدي خراجها. ولا يدخل العلوج في شي‌ء من القبالة ، لأنه لا يحل » (٢). وصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث قال : « وسألته عن الرجل يعطي الأرض الخربة ويقول : اعمرها ، وهي لك ثلاث سنين أو خمس سنين أو ما شاء الله. قال : لا بأس » (٣). ونحوها غيرها.

والمحتمل فيها أمور : ( الأول ) : ما ذكره المصنف (ره) ، من أن المراد من القبالة الإجارة ، ويكون العمل هو الأجرة ، فتكون من إجارة العين. ( الثاني ) : أن المراد بها الإجارة على العمل ، فتكون الأجرة منفعة الأرض ، والمستأجر العامل ، والمستأجر عليه هو العمل من التعمير وغيره. ( الثالث ) : أن تكون من الجعالة على العمل ، والجعل هو المنفعة ، ويحتمل ـ كما قيل ـ أن تكون الأجرة شيئاً معلوماً ، ويكون ذلك الشي‌ء أجره للعمل ، فتكون اجارتان ، إجارة الأرض ، إجارة الأجير العامل. ( الرابع ) : أن تكون معاملة مستقلة ، نظير المصالحة ، مفادها تمليك المنفعة للعامل وتمليك مالك الأرض للعمل ، بلا معاوضة بين المنفعة والعمل. ولعل الأخير هو الأقرب.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب المزارعة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٩٣ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب المزارعة حديث : ١.

٢٢٢

( السابعة عشرة ) : لا بأس بأخذ الأجرة على الطبابة وإن كانت من الواجبات الكفائية ، لأنها كسائر الصنائع واجبة بالعرض [١] لانتظام معائش العباد. بل يجوز وإن وجبت عيناً لعدم من يقوم بها غيره. ويجوز اشتراط كون الدواء عليه‌

______________________________________________________

[١] الظاهر : أنه تعليل لكونها من الواجبات الكفائية ، لا لجواز أخذ الأجرة. نعم في النسخ التي رأيتها بدل قوله : « واجبة بالعرض » : « واجبة بالعوض » ، فيكون تعليلاً لجواز أخذ الأجرة. يعني : إنما جاز أخذ الأجرة عليها لأنها واجبة بالعوض لا مجاناً ، فقد أخذ في موضوع الوجوب العوض. لكن الظاهر أنه غلط ، لأنها واجبة بالعوض وبغير عوض ، وإلا لما كان فعلها مجاناً أداء للواجب.

ثمَّ إنك عرفت في مواضع من هذا الشرح التعرض لجواز أخذ الأجرة على الواجبات وعدمه ، وأنه لم يقم دليل على عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب ، وأن وجوب الشي‌ء لا يمنع من أخذ الأجرة عليه. فالعمدة في عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات في بعض المقامات عينية وكفائية : هو الإجماع ولولاه لكان القول بجوازه في محله.

ويشهد لذلك جواز أخذ الأجرة على الواجبات الكفائية ، التي يتوقف عليها النظام ، إذ الوجوب لو كان مانعاً لم يفرق في منعه بين العيني والكفائي. وما في بعض الحواشي من الفرق بين الواجبات العينية والكفائية بأن الوجوب في الواجبات الكفائية عبارة عن الإلزام بعدم حبسها عمن يحتاج إليها ، فلا يكون مخرجاً لذات العمل عن ملك مالكه ، ويجوز أخذ الأجرة عليه. غير ظاهر ، إذ الحبس ترك العمل ، فعدم الحبس هو العمل. ولو أراد من الحبس معنى وجودياً ، فعدمه ليس مقدمة للنظام ، بل المقدمة هو العمل ضرورة.

٢٢٣

مع التعيين الرافع للغرر [١]. ويجوز ـ أيضاً ـ مقاطعته على المعالجة [٢] إلى مدة أو مطلقا [٣] ، بل يجوز المقاطعة عليها بقيد البرء ، أو بشرطه إذا كان مظنوناً [٤] ، بل مطلقا [٥]. وما قيل من عدم جواز ذلك ، لأن البرء بيد الله فليس اختياريا‌

______________________________________________________

[١] لعموم صحة الشرط كشرط كون الخيوط على الخياط ، والحبر على الكاتب. وفي القواعد قال : « والكحل على المريض. ويجوز اشتراطه على الكحال ». وحكي التصريح به عن غيره. وقد يستشكل فيه : بأنه مناف للعقد ، لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة أصالة ، ولا تبعاً. بل قيل : قد يرجع الى بيع الكحل بلفظ الشرط. وفيه : أنه لا دليل على المنع من تمليك العين بالشرط في الإجارة ، وعموم صحة الشرط يقتضي الصحة. مع أن الشرط المذكور لا يقتضي التمليك ، وإنما يقتضي بذل الكحل مجاناً ، فلا إشكال حينئذ. لكن قال في القواعد بعد ذلك : « ولو اشترط الدواء على الطبيب فالأقرب الجواز ». والفرق بين المسألتين غير ظاهر ، كما اعترف به بعض.

[٢] يريد بها المداواة واستعمال الأدوية لمكافحة المرض.

[٣] لكن مع عدم التقييد بالمدة وترددها بين القليل والكثير يلزم الغرر. اللهم إلا أن يكون المرض متعيناً بنحو خاص ، فيستأجر الطبيب على مداواته ، فيكون تعينه كافياً في رفع الغرر مثل الصداع ونحوه ، نظير خياطة الثوب المردد زمانها بين القليل والكثير ، لكن تعين الثوب كافٍ في رفع الغرر.

[٤] الفرق بينهما ظاهر ، إذ في الأول يكون البرء مقوماً لموضوع الإجارة ، وفي الثاني يكون غير مقوم ، بل وصفاً فيه على نحو تعدد المطلوب.

[٥] يعني : وإن لم يكن مظنوناً ، لان المصحح للإجارة القدرة‌

٢٢٤

له ، وأن اللازم مع إرادة ذلك أن يكون بعنوان الجعالة لا الإجارة [١] ،

______________________________________________________

الواقعية ، لا العلم بها أو الأعم منه ومن الظن ، بل تصح الإجارة مع احتمال القدرة ، فإذا تبين عدم المقدرة انكشف البطلان. اللهم إلا أن يحصل الغرر مع عدم الظن بالحصول ، فتبطل لذلك ، لا لعدم القدرة. لكنه يتوقف على عموم نفي الغرر للإجارة ، وقد عرفت الاشكال فيه.

[١] قال في القواعد : « ولو جعل له على البرء صح جعالة لا إجارة ». وفي جامع المقاصد : « أما عدم صحته إجارة : فإن ذلك ليس من مقدور الكحال ، وإنما هو من فعل الله سبحانه. وأما صحته جعالة : فلأن السبب الى حصوله كاف في استحقاق الجعل إذا حصل ، وإن كان من فعل الله تعالى ».

أقول : كونه من فعل الله تعالى كما يمنع من صحة الإجارة عليه يمع من صحة الجعالة ، لأن الجعالة إنما تكون على فعل المجعول له ، فإنه إذا قال مالك العبد : إذا رددت عبدي فلك درهم ، فرده غير المخاطب ، لا يستحق المخاطب الجعل. وإن كان المراد من كونه من فعل الله سبحانه : أنه من فعله تعالى بنحو لا ينافي نسبة البرء إلى الكحال ، فلا يمنع من صحة الإجارة عليه.

نعم الفرق بين الإجارة والجعالة : أن الإجارة تتضمن تمليك المستأجر عمل الأجير ، والجعالة لا تتضمن ذلك. ولأجل هذا الفرق امتنع وقوع الإجارة على غير المقدور ، وجاز وقوع الجعالة عليه ، مع الاحتفاظ بصحة النسبة إلى المجعول له ، وعدم القدرة لا ينافي صحة النسبة ، وإن كان ينافي صحة التملك. وكأن مراد جامع المقاصد من قوله : « بفعل الله تعالى » معنى لا ينافي صحة النسبة ، وان كان مانعا من القدرة ، فيكون المراد من التعليل أن البرء غير مقدور للكحال ، فلا تصح الإجارة عليه وان‌

٢٢٥

فيه : أنه يكفي كون مقدماته العادية اختيارية [١].

______________________________________________________

صحت الجعالة عليه ، لصحة نسبته الى المجعول له ، كما أفاده في المتن.

[١] المائز بين الفعل الاختياري وغيره : أن الاختياري : ما يكون جميع مقدماته اختيارياً ، أو بعضها اختياري وبعضها غيره : أن الاختياري : مع كون غير الاختياري متحققا في ظرفه. وغير الاختياري : ما يكون جميع مقدماته غير اختياري ، أو بعضها اختياري وبعضها غير اختياري مع كون غير الاختياري غير متحقق. مثلاً : نقل المتاع في السفينة من بلد الى آخر ، يتوقف على وضع المتاع في السفينة ، وسحب السفينة في الماء ، وعلى وجود الماء. ولا ريب أن وجود الماء غير اختياري ، لكن لما كان الماء موجوداً ، كان نقل المتاع اختيارياً ، وإذا اتفق غور الماء صار نقل المتاع غير اختياري. فعلى هذا قد يكون البرء اختيارياً ، كما إذا كانت مقدماته غير الاختيارية متحققة ، وقد يكون غير اختياري ، كما إذا كانت مقدماته غير الاختيارية غير متحققة ، فإطلاق أن البرء غير مقدور غير ظاهر.

وفي حاشية بعض الأعاظم على المقام : « إنما يكفي اختيارية المقدمات في اختيارية ذيها ، إذا كان ـ كمخيطية الثوب مثلاً ـ أثراً متولداً منها ، ولم يتوسط في البين مقدمة أخرى غير اختيارية ، وإلا كانت هي الأخير من أجزاء علته ويستند الأثر إليها ، ويكون تابعا لها في عدم المقدورية ، ولا يصح الالتزام به بالإجارة ، أو الاشتراط ، أو غير ذلك ، وظاهر أن برء المريض وكذا سمن الدابة ونحوهما من ذلك .. ». والاشكال فيه يظهر مما ذكرنا ، فان توسط بعض المقدمات غير الاختيارية إذا كانت متهيئة لا يقدح في اختيارية ذيها ، كما عرفت. ولا فرق بين المخيطية وبين برء المريض وسمن الدابة في كونها اختيارية ، إذا كانت المقدمات غير الاختيارية متهيئة. نعم تختلف من حيث السرعة والبطء. مع أن برء المريض‌

٢٢٦

ولا يضر التخلف في بعض الأوقات [١] ، كيف وإلا لم يصح بعنوان الجعالة أيضاً [٢].

( الثامنة عشرة ) : إذا استؤجر لختم القرآن لا يجب أن يقرأه مرتباً [٣].

______________________________________________________

قد يكون مثل المخيطية في سرعة الحصول.

[١] ظاهر العبارة : أن التخلف لا يضر في اختيارية الفعل ، وقد عرفت أن التخلف لعدم تحقق بعض المقدمات غير الاختيارية يضر في صدق الاختيار ، فكأن المراد : أن التخلف في بعض الأوقات لا يضر في صدق الاختيار في حال عدم التخلف.

[٢] قد عرفت أنه يكفي في صحة الجعالة صحة النسبة وإن لم يكن الفعل اختياريا. اللهم إلا أن يقال : يعتبر في استحقاق الجعل تحقق الفعل بقصد الجري على مقتضى الجعالة ، ومع عدم الاختيار لا قصد وإن صحت النسبة ، فلا يستحق الجعل. ولا يخلو من وجه ، إذ لازم البناء على استحقاق الجعل بمجرد صحة النسبة استحقاق الجعل ولو مع قصد التبرع ، وهو بعيد. فتأمل.

[٣] عملا بالإطلاق. وأما الانصراف الى الابتداء بالأول والختم بالأخير فبدوي. ولذلك يتعين البناء على جواز قراءة آيات السورة من دون ترتيب. اللهم إلا أن يقال : قراءة القرآن تارة : يراد بها قراءة جنس القرآن ، وأخرى : يراد بها قراءة الفرد التام. فإن أريد الأول تمَّ ما في المتن ، وإن أريد الثاني فلا بد من الابتداء بالأول والانتهاء بالأخير ، لأن الفرد له هيئة خاصة على ترتيب خاص ، فاذا قرئ على غير تلك الهيئة لم يؤت بقراءة الفرد الخاص. وأوضح منه قراءة السورة ، فإنه لا يراد منها الجنس ، بل المراد منها الآيات على الهيئة الخاصة ، فاذا قرئت على غير‌

٢٢٧

بالشروع من الفاتحة والختم بسورة الناس ، بل يجوز أن يقرأ سورة فسؤره على خلاف الترتيب ، بل يجوز عدم رعاية الترتيب في آيات السورة أيضاً. ولهذا إذا علم بعد الإتمام أنه قرأ الآية الكذائية غلطاً أو نسي قراءتها يكفيه قراءتها فقط [١] نعم لو اشترط عليه الترتيب وجب مراعاته. ولو علم إجمالاً بعد الإتمام أنه قرأ بعض الآيات غلطاً ، من حيث الأعراب ، أو من حيث عدم أداء الحرف من مخرجه ، أو من حيث المادة ، فلا يبعد كفايته وعدم وجوب الإعادة ، لأن اللازم القراءة على المتعارف والمعتاد ، ومن المعلوم وقوع ذلك من القارئين غالباً إلا من شذ منهم. نعم لو اشترط المستأجر عدم الغلط أصلا ، لزم عليه الإعادة مع العلم به في الجملة. وكذا الكلام في الاستئجار لبعض الزيارات المأثورة أو غيرها [٢].

______________________________________________________

الترتيب فقد فاتت الهيئة ولم يكن قراءة للسورة. وأوضح من ذلك قراءة كلمات الآية على غير الترتيب ، فإنه لو كان المراد جنس القرآن جازت قراءة كلمات الآيات على غير الترتيب ، لصدق الجنس على ذلك.

[١] هذا ليس لما ذكره ( قده ) ، بل لأن غلبة وقوع الغلط تقتضي الاجتزاء بذلك ، وإلا لجازت قراءة الكلمات على غير الترتيب ، ولم يتعرض له ، وظاهره عدم جوازها ، بل ينبغي القطع بذلك. فالوجه في الاكتفاء بقراءة ما وقع فيه الغلط هو ما ذكرناه وذكره هو ( قده ) بعد ذلك في صورة اشتراط الترتيب في عقد الإجارة. وبالجملة : قوله (ره) : « ولهذا. » ينافيه قوله بعد ذلك : « لأن اللازم القراءة .. ».

[٢] ما ذكره في آيات السور جار في فقرات الزيارة. وكذا جار‌

٢٢٨

وكذا في الاستئجار لكتابة كتاب أو قرآن أو دعاء أو نحوها لا يضر في استحقاق الأجرة إسقاط كلمة أو حرف أو كتابتهما غلطاً.

( التاسعة عشرة ) : لا يجوز في الاستئجار الحج البلدي أن يستأجر شخصاً من بلد الميت إلى النجف ، وشخصاً آخر من النجف إلى مكة أو إلى الميقات ، وشخصاً آخر منها إلى مكة ، إذ اللازم أن يكون قصد المؤجر من البلد الحج والمفروض أن مقصده النجف مثلا [١] ، وهكذا ، فما أتى‌

______________________________________________________

أيضاً في الاستئجار لكتابة الكتاب أو القرآن ، والالتزام بجواز قراءة الزيارة وكتابة الكتاب والقرآن على غير ترتيب الفقرات والسور أو الآيات ، كما ترى. ولأجله يتضح ما ذكرناه من عدم جواز قراءة الآيات على خلاف الترتيب ، ولا قراءة السور كذلك ، فان الجميع من باب واحد. ولم يتعرض المصنف (ره) صريحاً لحكم الإجارة على قراءة الزيارة وعلى كتابة الكتاب أو القرآن ، ولكن يفهم من قوله : « لا يضر في استحقاق الأجرة .. » أن اعتبار الترتيب في الموارد الثلاثة المذكورة مفروغ عنه. وقد عرفت أن الفرق بينها وبين الاستيجار لقراءة القرآن غير ظاهر ، بالنظر إلى طبع الكلام. نعم قد تقوم القرينة على خلاف ذلك ، فلا بأس بالعمل بها ، بل يمكن أن يدعى أن عدم الارتباط بين السور قرينة عامة على عدم ملاحظة الترتيب ولا يخلو من تأمل.

[١] هذا عين مفاد الدعوى التي ذكرها في صدر المسألة ، ليس مسوقا مساق التعليل لها. نعم ظاهر قوله : « فما أتى به من السير ليس .. » أنه تعليل لها. ويشكل : بأنه لا يصلح أن يكون تعليلاً ، إلا بناء على‌

٢٢٩

به من السير ليس مقدمة للحج. وهو نظير أن يستأجر شخصاً لعمرة التمتع وشخصاً آخر الحج ، ومعلوم أنه مشكل ، بل اللازم على القائل بكفايته أن يقول بكفاية استئجار شخص الركعة الأولى من الصلاة وشخص آخر الثانية ، وهكذا ، يتمم.

______________________________________________________

القول بالمقدمة الموصلة ، فإن ما أتى به من السير لا قصور في مقدميته للحج إلا عدم ترتب الحج عليه. ولذا قال بعض الأعاظم في حاشيته في المقام : « لا يبعد أن يكون ما أفتى به من عدم الجواز مبنياً على ما اختاره في الأصول من تخصيص وجوب المقدمة بالموصلة ». لكن لو كان مبناه ذلك كان اللازم أن يقول : « ليس واجباً » ، بدل قوله : « ليس مقدمة للحج ». فكأن مراده أن الواجب في الحج البلدي أن يحج الشخص عن السير من البلد بقصد الحج ، فالسير من البلد لا بقصد الحج ليس قيداً للحج البلدي. فلا يكون مقدمة للحج. وهذا التعليل في غاية المتانة. وما ذكرناه آنفا من أن السير من البلد الى النجف لا قصور في مقدميته للحج ، إنما يصح بالإضافة إلى حج السائر ، لا بالإضافة إلى حج غيره ، إذ لا مقدمية بينه وبينه ، فالتعليل لا يرتبط بالقول بالمقدمة الموصلة بوجه.

ونظير المقام وضوء زيد بالنسبة إلى صلاة عمرو ، فإنه لا يكون مقدمة لها ، وإنما يكون مقدمة لصلاة زيد نفسه. وهذا نظير أن يستأجره للصلاة عن ميت لا بقيد المباشرة ، فيصلي الأجير بلا وضوء ويتوضأ شخص آخر مكانه. وكان الأولى للمصنف (ره) التمثيل به ، لا التمثيل بالأمثلة التي ذكرها ، فان فيها تبعيض النيابة في الاجزاء ، لا في الشروط والقيود ، كما هو في فرض المسألة. ولا يلزم من عدم جواز التبعيض في النيابة في الأجزاء ، عدم جوازه فيها في القيود. فمنشأ الخلاف في جواز التبعيض ـ كما في الحاشية المتقدمة ـ وعدمه ـ كما في المتن ـ هو أن الحج البلدي هل‌

٢٣٠

( العشرون ) : إذا استؤجر للصلاة عن الميت فصلى ونقص من صلاته بعض الواجبات غير الركنية سهواً ، فإن لم يكن زائداً على القدر المتعارف الذي قد يتفق أمكن أن يقال لا ينقص من أجرته شي‌ء [١] ، وإن كان الناقص من الواجبات والمستحبات المتعارفة أزيد من المقدار المتعارف ، ينقص من الأجرة بمقداره [٢] ،

______________________________________________________

يعتبر فيه أن يكون الحاج قد خرج من البلد بقصد الحج إلى أن يحج ، أولا يعتبر فيه ذلك ، بل يكفي أن يخرج شخص من البلد وإن كان غير الحاج؟ فعلى الأول : لا يجوز التبعيض في النيابة وتعدد النائب ، وإن قلنا بوجوب مطلق المقدمة كما هو المشهور ، لأن خروج شخص غير من قام به الحج ليس مقدمة لحج غيره ، نظير ما لو صلى النائب بوضوء نائب آخر. وعلى الثاني : يجوز التبعيض ، وإن قلنا بالمقدمة الموصلة ، لأن المقدمة على هذا موصلة ، لكون المفروض تحقق الحج مع وجود مقدمته ، نظير ما لو صلى شخص نائب بثوب طاهر قد غسله غيره ، فان غسل غير المصلي مقدمة وموصلة لتحقق الصلاة حسب الفرض.

فالإشكال على المحشي ( قده ) من وجهين : أحدهما : استظهاره من الدليل الدال على الحج البلدي : الاكتفاء بخروج غير الحاج من البلد ، وهو في غاية من البعد. ثانيهما : بناؤه المنع على القول بالمقدمة الموصلة ، وهو غير مبتن على ذلك. مع أن المقدمة في المقام موصلة حسب الفرص ، لتحقق الحج من النائب الثاني.

[١] لأن التعارف يكون قرينة على أن موضوع الإجارة ما يشمل الناقص.

[٢] لأن الأجرة موزعة على الجميع ، فمع فوات البعض يفوت بعض الأجرة.

٢٣١

إلا أن يكون المستأجر عليه الصلاة الصحيحة المبرئة الذمة [١] ونظير ذلك إذا استؤجر للحج فمات بعد الإحرام ودخول الحرم ، حيث ان ذمة الميت تبرأ بذلك [٢] ، فان كان المستأجر عليه ما يبرئ الذمة استحق تمام الأجرة ، والا فتوزع ويسترد ما يقابل به بقية الأعمال.

______________________________________________________

[١] فإن الصلاة الناقصة لما كانت مبرئة للذمة كانت تمام موضوع الإجارة ، فيستحق الآتي بها تمام الأجرة.

[٢] إجماعاً محققاً كما في المستند ، وبقسميه كما في الجواهر ، ويشهد له مصحح إسحاق بن عمار قال : « سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل أن يحج ثمَّ أعطي الدراهم غيره. فقال (ع) : إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزئ عن الأول » (١). وإطلاقه وإن كان يشمل غير الفرض ، لكن لا يقدح في جواز الاستدلال به على الفرض. ويعضده ما ورد من النصوص فيمن مات بعد دخول الحرم ، كصحيح ضريس عن أبي جعفر (ع) قال : « في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق. فقال : إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام » (٢). وقريب منه غيره ، فإنها وإن كان المنصرف منها الحاج عن نفسه ، لكن يقرب جداً كونه من أحكام مطلق الحج ، أو لأن الأصل في حج النائب أن يكون بحكم حج المنوب عنه ، وتمام الكلام في هذه المسألة موكول الى محله من كتاب الحج. وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب النيابة حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

٢٣٢

______________________________________________________

الى هنا انتهى ما أردنا تعليقه على كتاب الإجارة من كتاب العروة الوثقى ، في جوار المشهد المقدس الحيدري على مشرفه أفضل الصلاة والسلام ، يوم الثلاثاء ، في اليوم الثالث والعشرين من شهر جمادى الثانية ، سنة الألف والثلاثمائة واثنتين وسبعين هجرية ، على مهاجرها أفضل الصلاة وأكمل التحية ، وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

٢٣٣

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب المضاربة

وتسمى قراضاً عند أهل الحجاز [١]. والأول من الضرب ، لضرب العامل في الأرض لتحصيل الربح ، والمفاعلة باعتبار كون المالك سبباً له والعامل مباشراً [٢].

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، والصلاة والسلام على سيد النبيين وأشرف المرسلين محمد وآله ، الغر الميامين الطيبين الطاهرين.

كتاب المضاربة‌

[١] بذلك صرح في التذكرة والمسالك وغيرهما ، كما صرحوا بأنه سمي مضاربة عند أهل العراق.

[٢] يشير الى أن المفاعلة لا بد فيها من الاشتراك ، وقد ذكر ذلك في كلام جماعة كثيرة ، منهم صاحب الجواهر ، على نحو يظهر منهم المفروغية عنه. ولكن لا أصل له ، كما يظهر من ملاحظة موارد الاستعمال فتقول : طالعت الكتاب ، وتابعت زيداً ، وباركت له ، وناولته الكتاب ،

٢٣٤

______________________________________________________

وسافرت وآويته ، وجازفت .. الى غير ذلك مما لا يحصى ، وكل ذلك لا مشاركة فيه. نعم الذي يقتضي المشاركة التفاعل ، مثل : تضاربا ، وتجادلا ، وتكافحا ، وتعاوضا .. الى غير ذلك. وأما المفاعلة : فإنها تقتضي السعي إلى الفعل ، فاذا قلت : قتلت ، فقد أخبرت عن وقوع القتل ، وإذا قلت : قاتلت ، كنت قد أخبرت بالسعي إلى القتل ، فربما يقع وربما لا يقع ، ولا تقتضي المشاركة. نعم ربما تكون المادة مقتضية للمشاركة ، لكنها حينئذ ليست من مفاد الهيئة. ولأجل ذلك لا حاجة الى تكلف بيان وجه المشاركة في المقام ، وهو إما ما ذكره المصنف ، ولعله المشهور ، المبتني على حمل الضرب على الضرب في الأرض. أو لأن كلاً منهما يضرب الربح بسهمه ، كما ذكره في التذكرة والمسالك. وقيل : إنه من الضرب في المال وتقليبه ، كما حكي في التذكرة والمسالك. لكن على هذا لا مشاركة ، لأن الفاعل لذلك العامل لا غير. إلا أن يكون المقصود من مشاركة المالك سببيته لذلك ، كما سبق في المعنى الأول ، وفي الجواهر : « لعل الأولى من ذلك في تحقق المفاعلة ضرب كل منهما فيما هو للآخر من المال والعمل ». وكأن مراده من الضرب في المال والعمل الأخذ من نمائه وناتجه ، فكان كل واحد منهما قد ضرب فيما هو للآخر وأخذ منه. ولا يخفى أن لازم المشاركة في المقام أن كلا من المالك والعامل مضارب للآخر ، مع أن الظاهر أن المضارب هو العامل ، والمالك والعامل مضارب للآخر ، مع أن الظاهر أن المضارب هو العامل ، والمالك ليس بمضارب. قال في التذكرة : « ولم يشتق أهل اللغة لرب المال من المضاربة اسماً » ، ونحوه في المسالك ، وفي الجواهر : « لم نعثر على اشتقاق أهل اللغة اسماً لرب المال من المضاربة .. ». فالأولى أن يكون معنى المضاربة مغالبة الناس على أموالهم بالطرق الشرعية ، والعامل هو الذي‌

٢٣٥

والثاني من القرض ، بمعنى : القطع [١]. لقطع المالك حصة من ماله ودفعه إلى العامل ليتجر به [٢]. وعليه العامل مقارض بالبناء للمفعول [٣] وعلى الأول مضارب بالبناء للفاعل.

______________________________________________________

يقوم بهذه المضاربة ، دون المالك ، فتختص المضاربة به.

والذي يتحصل مما ذكرنا أمران : ( الأول ) : أن هيئة المفاعلة لا تدل على المشاركة ، وإنما تدل على سعي الفاعل نحو الفعل ، والمشاركة خارجة عن مفهومها ، نعم ربما تستفاد من المادة في بعض المقامات أو من قرائن خارجية : ( والثاني ) : أن المراد من الضرب في المضاربة المعنى المجازي الذي يحصل من التغلب على أموالهم بالطرق المشروعة ، فالمضاربة في المقام المغالبة على الناس في أخذ أموالهم واسترباحها ، ويمتاز المقام من أنواع الاتجار الأخرى : بأن دفع المال إلى العامل بقصد التغلب والاسترباح ، بخلاف سائر موارد الاتجار ، فقد يكون المقصود مجرد التبديل والتقليب بلا نظر إلى الربح وزيادة المال.

[١] صرح بذلك في التذكرة والمسالك وغيرهما.

[٢] يحتمل أن القرض الملحوظ في مادة القراض ليس هو دفع مقدار من ماله وتمكينه منه ، بل المقصود الربح الذي يكون من المال ، الذي يصير للعامل ، لما عرفت من أن ( فاعلَ ) يدل على السعي نحو الفعل ، لا نفس إيقاع الفعل ، والا كان قارض بمعنى قرض ، يعني : ملّك قطعة من ماله لغيره.

[٣] لأنه المفعول به ، وليس فاعلاً. ومن ذلك يتضح ما ذكرناه من أن قارض لا يدل على المشاركة ، وإلا كان كل من المالك والعامل فاعلاً ومفعولاً به مقارضاً ـ بالكسر ـ ومقارضاً ـ بالفتح ـ ومن ذلك‌

٢٣٦

وكيف كان عبارة عن دفع الإنسان [١] مالاً إلى غيره ليتجر به على أن يكون الربح بينهما ، لا أن يكون تمام الربح للمالك ، ولا أن يكون تمامه للعامل. وتوضيح ذلك [٢] : أن من دفع مالا إلى غيره للتجارة ( تارة ) : على أن يكون الربح بينهما ، وهي مضاربة ( وتارة ) : على أن يكون تمامه للعامل ، وهذا داخل في عنوان القرض إن كان بقصده [٣] ( وتارة ) : على أن يكون تمامه للمالك ، ويسمى عندهم باسم البضاعة ( وتارة ) : لا يشترطان شيئاً ، وعلى هذا أيضاً يكون تمام الربح للمالك ،

______________________________________________________

يظهر أن القراض قائم بين المالك والعامل ، والمضاربة قائمة بين العامل وغير المالك من الناس الذين يتجر معهم ، هذا بحسب الاشتقاق ، وأما في الاصطلاح فهي قائمة بين المالك والعامل ، وهما طرفا الإيجاب والقبول.

[١] لا يخفى أن المضاربة من الإنشاءات ، والدفع معنى خارجي ، فليست هي الدفع ، بل الدفع من مقتضياتها ، وانما هي المعاملة بين المالك والعامل على أن يتجر العامل بمال المالك ، ويكون له بعض ربحه. فتفسيرها بالدفع ـ كما ذكره في النافع والتذكرة والمسالك وغيرها ـ مبني على نحو من المساهلة.

[٢] هذا التوضيح ذكره في الشرائع ، وتبعه على ذلك في التذكرة والمسالك وغيرهما.

[٣] هذا القيد لم يتعرض له في الشرائع والتذكرة والمسالك. واشكاله ظاهر ، فان القرض تمليك المال بعوض في الذمة مثله أو قيمته ، وهو من العناوين الإيقاعية لا يتحقق إلا بالقصد ، فكيف يكون دفع المال إلى العامل على أن يكون له تمام الربح قرضاً من دون قصد؟! كما أشار إلى ذلك‌

٢٣٧

فهو داخل في عنوان البضاعة. وعليهما يستحق العامل أجرة المثل لعمله [١] إلا أن يشترطا عدمه ، أو يكون العامل قاصداً التبرع. ومع عدم الشرط وعدم قصد التبرع أيضاً له أن يطلب‌

______________________________________________________

الأردبيلي ( قده ). واحتمل في الرياض : أن يكون مراد التذكرة والمسالك من كونه قرضاً أن ذلك حكم القرض ، لا أنه قرض موضوعاً ، وكذلك قصدهما من كونه قراضاً في صورة اشتراط أن يكون الربح لهما. وهو كما ترى غير ظاهر. كما أنه احتمل صحة ما ذكراه وعدم لزوم القصد في حصول القرض ، للمعتبرة المستفيضة ، التي منها الصحيح والموثق وغيرهما (١) من أنه من ضمن تاجراً فليس له إلا رأس ماله وليس له من الربح شي‌ء ، لظهورها في أنه بمجرد تضمين المالك للمضارب يصير المال قرضاً ويخرج عن المضاربة وان لم يتقدم عقد القرض ، وهو في معنى اشتراطه الربح للعامل ، فإن الأمرين من لوازم القرض. انتهى. وهو كما ترى ، إذ لو بني على الأخذ بهذه النصوص ، التي مرجعها إلى ما اشتهر عن أبي حنيفة من أن الخراج بالضمان ، فهو مختص بالتضمين ، وهو غير مورد كلام التذكرة والمسالك. ورجوع التضمين واشتراط الربح للعامل إلى ذلك ممنوع ، فان التضمين لا يوجب خروج المال المضمون عن ملك المالك ودخوله في ملك الضامن.

[١] ظاهر عبارتي التذكرة والمسالك : أنه مع اشتراط كون الربح للمالك لا شي‌ء للعامل ، ونسبه في الرياض أيضاً الى ظاهر غيرهما من الأصحاب ، ثمَّ قال : وهو حسن إن لم يكن هناك قرينة من عرف أو عادة‌

__________________

(١) يشير إلى رواية محمد بن قيس (١) المروية بطريق فيها الصحيح والحسن والموثق. منه قدس‌سره.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب كتاب المضاربة حديث : ١.

٢٣٨

الأجرة ، إلا أن يكون الظاهر منهما في مثله عدم أخذ الأجرة وإلا فعمل المسلم محترم [١] ما لم يقصد التبرع.

______________________________________________________

بلزومه. وإلا فالمتجه لزومه ». كما أنه استشكل عليهما في الحكم بأجرة المثل في صورة عدم اشتراط شي‌ء للعامل ، وأنه لا دليل عليه ، والأصل العدم. ومرجعه الى قيام احتمال التبرع ولا أجرة معه. انتهى. وكأن احتمال التبرع هو الوجه في ما استحسنه في الفرض السابق من عدم الأجرة ، وقد ذكره ( قده ) أنه إذا انتفى احتمال التبرع وجبت الأجرة ، بلا خلاف في الظاهر ، لئلا يلزم الضرر على العامل الناشئ من إغراء المالك له بترغيبه إلى العمل تحصيلاً لما بإزائه من الأجرة. انتهى. والمتحصل من كلامه أمور : ( الأول ) : أنه لا ضمان لعمل العامل على المالك مع احتمال التبرع ، للأصل. وقد سبقه إلى ذلك المحقق الأردبيلي. : ( الثاني ) : أنه إذا قامت قرينة من عرف أو عادة بلزوم الأجرة لزمت. ( الثالث ) : أنه مع عدم احتمال التبرع تجب الأجرة ، لئلا يلزم الضرر. ويشكل الأول : بأن استيفاء عمل الغير موجب للضمان كاستيفاء ماله ، حتى مع احتمال التبرع ما لم يثبت التبرع ، وعلى ذلك استقرت طريقة العرف والعقلاء ، بلا رادع عنها ، كما أوضحنا ذلك في كتاب الإجارة وغيره من هذا الشرح ، ومع الشك في التبرع يبنى على أصالة عدمه عندهم ، لا على أصالة البراءة. ويشكل الأخير : بأن أدلة نفي الضرر لا تقتضي الضمان ، لأنها نافية لا مثبتة.

[١] استشكل في الجواهر على ما ذكراه في التذكرة والمسالك من عدم الأجرة إذا اشترط المالك أن يكون الربح له : بأن ذلك خلاف قاعدة احترام عمل المسلم ، وتبعه عليه المصنف ، وقد عرفت في كتاب الإجارة أن قاعدة الاحترام نفسها لا تصلح لإثبات الضمان على المالك ، نظير : قاعدة نفي الضرر ، وانما تقتضي قاعدة الاحترام حرمته وعدم جواز استيفائه‌

٢٣٩

ويشترط في المضاربة الإيجاب والقبول [١].

______________________________________________________

جبراً أو كرهاً ، فالعمدة في وجه الضمان ما ذكرناه من أن استيفاء عمل العامل موجب لضمانه عند العرف والعقلاء من دون رادع عنه.

[١] دعوى الإجماع على كون المضاربة من العقود المحتاجة إلى الإيجاب والقبول صريحة وظاهرة في كلام جماعة ، وقد ذكرنا في بعض مباحث النكاح أن المعيار في كون المعنى الإنشائي عقداً أو إيقاعاً ليس بلحاظ مفهومه ذاتاً بمعنى أن المفهوم العقدي يخالف المفهوم الإيقاعي ذاتاً ، ولا بالنظر إلى كونه قائماً بين شخصين أو شخص واحد ، بل المعيار كونه تحت ولاية شخص واحد أو شخصين ، فان كان تحت ولاية شخص واحد فهو إيقاع ، وان كان تحت ولاية شخصين فهو عقد. ولما كان مفاد المضاربة خروج حصة من الربح من ملك صاحب المال ، ودخولها في ملك العامل ، وكان الخروج عن الملك قهراً خلاف قاعدة السلطنة على المال ، كما أن الدخول في الملك قهراً خلاف قاعدة السلطنة على النفس ، تعين أن يكون ذلك تحت ولاية المالك والعامل معاً ، فيكون ذلك المفهوم عقداً ، محتاجاً إلى الإيجاب من أحدهما ، والقبول من الأخر ، وإذا فرض كون المالك والعامل سفيهين ووليهما واحداً فالمضاربة حينئذ إيقاع يكتفى فيها بالإيجاب بلا قبول. كما أن الزوج والزوجة إذا كانا بالغين فالنكاح بينهما عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول ، فاذا اتفق أنهما رقان لمالك واحد كفى في حصول النكاح بينهما إيجاب المالك بلا حاجة الى القبول ، وكذا إذا عقد الجد لابن ابنه على بنت ابنه الآخر فإنه يكفي في حصول النكاح بينهما أن يقول : زوجت فلانة من فلان. بل الوكيل على التزويج من الطرفين كذلك. نعم إذا كان وكيلا من أحدهما على الإيجاب ومن الآخر على القبول تعين الإيجاب والقبول معاً.

٢٤٠