مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

كان جاهلا أيضاً ، لأنه مغرور من قبله [١]. وإن حصل ربح كان للمالك إذا أجاز المعاملات الواقعة على ماله [٢] ، وللعامل أجرة المثل على المضارب [٣] مع جهله [٤]. والظاهر عدم استحقاقه الأجرة عليه مع عدم حصول الربح ، لأنه أقدم على عدم شي‌ء له مع عدم حصوله [٥]. كما أنه لا يرجع عليه إذا كان عالماً بأنه ليس له [٦] ، لكونه متبرعاً بعمله [٧] حينئذ.

______________________________________________________

[١] يشير بذلك إلى قاعدة : « المغرور يرجع على من غره » التي هي مضمون النبوي المشهور. نقلاً ، وعملاً فقد اشتهر نقله في كتب الفقهاء رضي الله عنهم ، وعملوا به في باب رجوع المشتري من الفضولي فيما اغترمه للمالك إذا كان المشتري جاهلاً ، وان ذكروا في وجه الحكم بالرجوع أموراً كثيرة كلها لا تخلو من إشكال ، والعمدة هو النبوي المذكور (١). اللهم إلا أن يقال : لم يتضح اعتماد المشهور على الحديث بعد أن ذكروا تلك الأمور ، فمن الجائر أن يكون اعتمادهم في الحكم بالرجوع عليها لا عليه. وفيه : أن ذلك بعيد ، إذ الأمور المذكورة لم تذكر في كلام المشهور ، وإنما ذكرت في كلام بعضهم ، فلا تكون مستنداً للمشهور.

[٢] والا لم تصح ، فلا ربح. كما أن المالك إذا أجاز نفس المضاربة كان الربح بينه وبين العامل على حسب ما قرر في المضاربة.

[٣] لأنه المستوفي لعمل العامل ، فيكون عليه ضمانه.

[٤] قد تقدم في المسألة الثانية والأربعين الإشكال فيه. وسيأتي أيضاً.

[٥] تقدم ذلك في أواخر المسألة الثامنة والأربعين.

[٦] كذا في القواعد والتذكرة وغيرهما.

[٧] هذا غير ظاهر ، فإنه لم يقصد التبرع ، وانما قصد الربح ولو تشريعاً ، فيكون المضارب قد استوفى عمله ، فعليه ضمانه ، إلا إذا كان‌

__________________

(١) تقدم التعرض له في الجزء العاشر صفحة : ١٤٤ من هذه الطبعة.

٤٤١

السابعة : يجوز اشتراط المضاربة في ضمن عقد لازم ، فيجب على المشروط عليه إيقاع عقدها [١] مع الشارط [٢] ولكن لكل منهما فسخه بعده. والظاهر أنه يجوز اشتراط عمل المضاربة على العامل ، بأن يشترط عليه أن يتجر بمقدار كذا من ماله إلى زمان كذا على أن يكون الربح بينهما ، نظير شرط كونه وكيلا في كذا [٣] في عقد لازم ، وحينئذ لا يجوز للمشروط عليه فسخها ، كما في الوكالة.

______________________________________________________

العمل محرماً. لكن العمل في المقام هو البيع والشراء ، وهما تصرفان اعتباريان لا خارجيان ، فلا يكونان محرمين ، فيكونان مضمونين ، كما في صورة الجهل بعينها.

[١] لأن الشرط المذكور أخذ بنحو شرط الفعل ، وهو إيقاع المضاربة فيجب على المشروط عليه إيقاعها ، عملا بالشرط.

[٢] هذا إذا كان الشرط المضاربة مع الشارط ، فاذا كان الشرط المضاربة مع غيره فلا بد من إيقاعها معه.

[٣] الذي هو نظير شرط الوكالة هو شرط المضاربة لا شرط عمل المضاربة ، فإن شرط الوكالة من قبيل شرط النتيجة ، وشرط العمل من قبيل شرط الفعل ، وهما متغايران. والثاني لا إشكال في صحته إذا لم يخالف الكتاب والسنة. والأول في صحته إشكال من وجوه ( الأول ) : أن الشرط في ضمن العقد مملوك للمشروط له على المشروط عليه ، ولهذا صح للمشروط له المطالبة بالشرط. وهذا لا يتأتى في النتائج ، من جهة أنها لا تقبل إضافة المملوكية ( والثاني ) : أن مفاد الشرط حينئذ ملك المشروط له الوكالة مثلا ، وملك الوكالة لا يقتضي وقوع الوكالة الذي هو مقصود المشترط ، فيكون خلفاً. ( الثالث ) : أن بعض النتائج لا تقبل‌

٤٤٢

______________________________________________________

الإنشاء التبعي ، فلا يصح أن يبيعه فرساً بدينار بشرط أن تكون بنته زوجة له ، لأن الزوجية لا تقبل الإنشاء التبعي. وكذا لو باعه بشرط أن تكون زوجته مطلقة ، لأن الطلاق لا يقبل الإنشاء التبعي .. وهكذا فصحة شرط المضاربة يتوقف على كونها مما تقبل الإنشاء التبعي ، وهو غير واضح.

ويدفع الإشكالين الأولين : أن ملك المشروط له للشرط يختص بشرط الفعل ، ولا يكون في شرط النتيجة. نعم لا بد في شرط النتيجة من كون المشروط محبوبا للمشروط له وان لم يكن مملوكاً له ، فشرط النتيجة مجرد إنشاء في ضمن إنشاء على أن يكون قيداً له من دون قصد تمليكه للمشروط له.

نعم يبقى الاشكال الثالث ، وتوضيحه : أن شرط النتيجة في ضمن العقد راجع إلى تقييد المنشإ بالنتيجة ، فإذا قلت : بعتك الدار على أن يكون ثمنها بيدك مضاربة ، فقد قيدت البيع المنشأ بقيد ، وهو المضاربة بثمنه ، وبهذا التقييد كنت قد أنشأت المضاربة ، لكونها مأخوذة قيداً للمنشإ ، لأن إنشاء المقيد إنشاء لقيده ، فهذا النحو من الإنشاء ربما يترتب عليه الأثر ، فيحصل المنشأ ، كما في شرط الوكالة في ضمن البيع ، فيما لو قال : بعتك داري على أن أكون وكيلا على إجارتها ، ومثل شرط الملكية مثل. بعتك داري بألف دينار بشرط أن يكون لي عليك من من السكر أو مثل جميع شرائط الفعل ، لما عرفت من رجوع الشرط فيها إلى شرط ملكية الفعل للمشروط له ، وربما لا يترتب عليه الأثر ، مثل شرط التزويج والطلاق ، والمائز بين القسمين المرتكزات العرفية ، ومع الشك يبنى على عدم ترتب الأثر ، للشك في القابلية ، وإطلاقات الصحة لا تثبت القابلية.

ولا يبعد في المرتكزات العرفية أن تكون المضاربة من النتائج التي‌

٤٤٣

______________________________________________________

يصح إنشاؤها بجعلها قيداً للمنشإ ، ومثلها جميع العقود الإذنية ، كالعارية والوديعة والوكالة ، وكذلك الرهن ، فاذا قال : بعتك داري بثمن إلى شهر بشرط أن تكون رهناً على ثمنها ، صح البيع وصح الرهن ، وليس كذلك البيع والإجارة والوقف والنكاح والطلاق. وقد عرفت أنه مع الشك في المرتكزات العرفية يرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر.

والذي يتحصل مما ذكرنا أمور ( الأول ) : أن شرط الفعل مفاده تمليك المشروط له على المشروط عليه الفعل. ( الثاني ) : أن هذا لا يمكن في شرط النتيجة ، للاشكالين السابقين. ( الثالث ) : أن شرط النتيجة إنشاء للنتيجة كسائر الإنشاءات للعناوين الإنشائية ، ويختلف عنها بأنه إنشاء تبعي ، بخلاف سائر الإنشاءات فإنه أصلي. ( الرابع ) : أن النتائج في مرتكزات العرف على ثلاثة أقسام ، منها ما يقبل الإنشاء التبعي ، ومنها ما لا يقبله ، ومنها ما هو مشكوك. والأول يصح أخذه شرطاً ويترتب عليه الأثر ، والأخيران لا يصح ذلك فيهما.

ثمَّ إنه لا إشكال في أنه يجوز الجمع بين عنوانين بعقد واحد ، فيقول بعتك هذه الجارية وزوجتك أختها بألف دينار ، فاذا قال المخاطب : قبلت صح البيع والنكاح ، وليس أحدهما شرطاً في الآخر ، لأن الشرط يجب أن يكون قيداً للمشروط به كما عرفت ، وهنا لم يؤخذ أحدهما قيداً للآخر ولا مقيداً به ، بل الأمران مقترنان في عرض واحد بلا تقييد ولا تقيد. ولذلك لا خلاف بينهم في صحة الجمع من دون شبهة أو إشكال ، وقد تقدم في مبحث ضمان العين المستأجرة ما له نفع في المقام ، فليراجع.

هذا ولا يبعد أن يكون غرض المصنف من قوله : « عمل المضاربة » نفس المضاربة بقرينة تنظير ذلك بشرط الوكالة وبقرينة قوله بعد ذلك : « فلا يجوز له فسخها ». وإنما لم يجز فسخها لان التوقيت إلى زمان معين‌

٤٤٤

الثامنة : يجوز إيقاع المضاربة بعنوان الجعالة [١] ، كأن يقول : إذا اتجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه ، فيكون جعالة تفيد فائدة المضاربة. ولا يلزم أن يكون جامعاً لشروط المضاربة [٢] ، فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين أو ديناً أو مجهولا جهالة لا توجب الغرر [٣]. وكذا في المضاربة المشروطة في ضمن عقد بنحو شرط النتيجة [٤] ، فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين.

______________________________________________________

يقتضي اشتراط عدم فسخها مضافاً إلى اشتراط وجودها ، وحينئذ يكون فسخها قبل الغاية مخالفة للشرط ، فلا يكون تحت قدرة المشروط عليه.

[١] قد تقدم في المسألة الثامنة والأربعين الفرق بين الجعالة والمضاربة وأن الاولى من الإيقاعات والثانية من العقود. ثمَّ إنه قد أشرنا في بعض المباحث السابقة إلى أن المضاربة مخالفة لقاعدة كون الربح لصاحب الأصل التي هي مقتضى المعاملة ، ولكن بني عليها للدليل الخاص. وهذا الدليل لم يكن في الجعالة ، وعليه فلا تصح في المقام ، لمخالفتها لقاعدة لزوم رجوع الربح الى المالك. فلاحظ ما ذكرناه في الشرط الأول من شروط المضاربة وغيره. نعم إذا قال له : اتجر بهذا المال فاذا ربحت أعطيتك حصة من الربح ، صح جعالة ، لعدم مخالفة القاعدة في ذلك.

[٢] لأنه ليس مضاربة. نعم يلزم أن يكون بشروط الجعالة ، مثل أن يكون له جعل على العمل على كل حال ، ولا يعتبر ذلك في المضاربة ، فلو قال : من رد عبدي فله نصف ما في جيبه من المال إن كان ، لم يصح جعالة.

[٣] قد تقدم الإشكال في اعتبار عدم الغرر. فراجع.

[٤] هذا غير ظاهر ، إذ المضاربة مفهوم واحد ، ولا فرق بين‌

٤٤٥

التاسعة : يجوز للأب والجد الاتجار بمال المولى عليه بنحو المضاربة بإيقاع عقدها [١]. بل مع عدمه أيضاً [٢] ، بأن يكون بمجرد الاذن منهما [٣]. وكذا يجوز لهما المضاربة بماله مع الغير [٤] على أن يكون الربح مشتركاً بينه وبين العامل. وكذا يجوز ذلك للوصي في مال الصغير مع ملاحظة الغبطة والمصلحة والأمن من هلاك المال [٥].

العاشرة : يجوز للأب والجد الإيصاء بالمضاربة بمال المولى عليه بإيقاع الوصي عقدها [٦] لنفسه أو لغيره مع تعيين‌

______________________________________________________

جعله بالأصالة وبالتبعية ، وكل ما يعتبر في الأول يعتبر في الثاني ، فلو شرط في حال فقد الشرائط كان الشرط مخالفاً للكتاب ، فيكون باطلاً.

[١] يعني : مع نفسه بحسب الولاية عليه. لكن في القواعد في كتاب الحجر : الإشكال في صحة إيقاع العقد مع نفسه ، وعن التحرير : المنع عنه. وهو ـ كما ترى ـ غير ظاهر ، إلا بدعوى اعتبار تعدد الموجب والقابل في صحة العقد. وهو ممنوع. أو نقول بعدم الحاجة الى القبول فيترتب الأثر بمجرد الإيقاع ، كما أشرنا الى ذلك في مباحث نكاح العبيد.

[٢] يعني : مع عدم العقد ، وحينئذ لا يكون مضاربة.

[٣] الاذن في الفرض ضرورية مع الالتفات منهما.

[٤] وكذا بمجرد الاذن بدون عقد مضاربة ، نظير ما سبق ، إذ لا فرق بينهما‌.

[٥] لقوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١).

[٦] يعني : تكون الوصية بإيقاع الوصي عقدها.

__________________

(١) الانعام : ١٥٢.

٤٤٦

الحصة من الربح ، أو إيكاله إليه وكذا يجوز لهما الإيصاء بالمضاربة [١] في حصة القصير من تركتهما بأحد الوجهين. كما أنه يجوز ذلك لكل منهما بالنسبة إلى الثلث المعزول لنفسه [٢] بأن يتجر الوصي به أو يدفعه إلى غيره مضاربة ويصرف حصة الميت في المصارف المعينة للثلث. بل وكذا يجوز الإيصاء منهما بالنسبة إلى حصة الكبار أيضاً [٣].

______________________________________________________

[١] الفرق بين هذا وما قبله : أن ما قبله كان بالنظر إلى مال المولى عليه المملوك حال الوصية ، وهذا بالنظر إلى الحصة التي يملكها بعد موت الموصي. وفي بعض الحواشي الإشكال فيه. ولعله لعدم ولايتهما على المال المذكور حال الوصية لعدم الملك. ويشكل : بأنه لا يعتبر في ولاية الولي وجود المال فعلاً ، بل يكفي وجوده بعد ذلك ولو بهبة أو كونه نماء ملك موجود أو متجدد. اللهم الا أن يقال : إنه لا إطلاق في دليل ولاية الأب يشمل المال الذي يملكه بفقده إلا أن يستفاد ذلك من الخبر الآتي.

[٢] لإطلاق أدلة نفوذ الوصية.

[٣] قال في الشرائع : « ولو أوصى الى إنسان بالمضاربة بتركته أو بعضها على أن الربح بينه وبين ورثته نصفان صح. وربما اشترط كونه قدر الثلث أو أقل. والأول مروي » وفي المسالك : « المصنف وأكثر الجماعة أطلقوا الصحة في الورثة الشامل المكلفين ، ويشمل إطلاقهم وإطلاق الروايتين ما إذا كان الربح بقدر أجرة المثل ، وما إذا كان زائداً عليها بقدر الثلث وأكثر » ، وعن الكفاية : أن المشهور لم يعتبروا كون الأولاد صغاراً ، ونحو ذلك كلام غيرهما. وظاهر الشرائع : أن المستند فيه الرواية والرواية ستأتي ، (١) وهي مختصة بالصغار ، ولا تشمل الكبار. وظاهر‌

__________________

(١) في صفحة : ٤٥٢.

٤٤٧

______________________________________________________

المصنف وغيره : أن المستند فيه عموم أدلة نفوذ الوصية ، إذ الخارج منه ما كان مفوتاً للمال على الورثة ، وليس منه المقام ، كما سيبينه. لكن تقدم ما في الشرائع ما يشير إلى القول بالمنع من الوصية بذلك في مال الصغار والكبار ، وتختص الصحة بما كان قدر الثلث ، ونسبه في المسالك إلى ابن إدريس. لكن عبارته ظاهرة في المنع من الوصية بالمضاربة مطلقاً حتى في قدر الثلث ، لأن الوصية لا تنفذ إلا في ثلث ما كان يملكه الميت قبل موته ، والربح متجدد بعد موته ، فكيف تنفذ وصيته وقوله فيه؟! انتهى.

وما هو ظاهر عبارته واضح الاشكال ، لعموم نفوذ الوصية حتى في نماء المال المتجدد ولو كان من قبيل الربح. مع أن التصرف من الموصي إنما هو في نفس التركة التي هي له ، لا في مال لا يملكه ، فان الاتجار بها هو مورد الوصية ، والنماء لا يعتبر أن يكون مملوكاً لا حال المضاربة ولا الوصية بإيقاع عندها.

فالعمدة في وجه الإشكال في صحة الوصية بالنسبة إلى حصة الكبار : أنه خلاف قاعدة السلطنة في حقهم ، قال في القواعد : « ولو أوصى لكل وارث بقدر نصيبه فهو لغو. ولو خصص كل واحد بعين هي قدر نصيبه فالأقرب الافتقار إلى الإجازة ، لظهور الغرض في أعيان الأموال. وكذا لو أوصى أن يباع عين ماله من إنسان بنقد بثمن المثل » وظاهره المنع من صحة التصرف في التركة وإن لم يكن موجباً لنقص القيمة إلا إذا أجاز الوارث ، وقال بعد ذلك بقليل : « ولو أوصى ببيع تركته بثمن المثل ففي اشتراط الإجازة إشكال » ، وكأنه عدل عن الجزم بالمنع إلى الإشكال فيه. وفي جامع المقاصد : « لا ريب في أن الأقوى الصحة » وحكى ذلك عن التذكرة. وهو كما ذكر ، فان عموم ما دل على نفوذ الوصية شامل لكل تصرف من الموصي ، والخارج عنه‌

٤٤٨

ولا يضر كونه ضرراً عليهم من حيث تعطيل ما لهم إلى مدة [١] لأنه منجبر بكون الاختيار لهم في فسخ المضاربة وإجازتها [٢].

______________________________________________________

ما كان زائداً على الثلث. والظاهر منه الزائد من حيث القيمة ، وليس منه تخصيص كل واحد من الورثة بعين هي قدر نصيبه ، ومثله الوصية ببيع التركة بثمن المثل على واحد من ورثته أو من غيرهم. وتعيين ثلثة في عين من أعيان التركة .. الى غير ذلك مما لا يعد حيفاً على الوارث وضرراً عليه.

والذي تحصل أمران ( الأول ) : أن الاحتمالات في المسألة ثلاثة : جواز الوصية بالمضاربة كما هو المشهور ، والجواز في الثلث فقط كما أشار إليه في الشرائع ، والمنع مطلقاً كما هو ظاهر عبارة السرائر. ( الثاني ) أن وجه الأول القواعد العامة ، لا الرواية ـ كما قد يظهر من المحقق ـ ووجه الثاني قاعدة السلطنة ، ووجه الثالث ما ذكر في السرائر. وقد عرفت ضعف الأخير. وعموم صحة الوصية مقدم على قاعدة السلطنة.

[١] هذا التعطيل ربما لا يكون ضرراً بل مصلحة للوارث ، كما إذا كان لا يتمكن من الاتجار بماله بنفسه ولا يعرف القادر على التجارة وكانت المدة قليلة ، وربما تكون ضرراً عرفاً ، كما إذا كانت المدة طويلة وكان عارفاً بالتجارة أو عارفاً بالعمال الذين يتجرون ، فان حبس المال عنهم حيف وجور عليهم.

[٢] إذا كانت الوصية إضراراً بالورثة فهي باطلة بلا حاجة الى الفسخ ، لا أنها صحيحة ويكون للوارث الفسخ. وان شئت قلت : الوصية بالمضاربة ( تارة ) : تكون بمجرد إيقاع العقد على أحد الوجهين ، فهذا لا ضرر فيه على الوارث ( وأخرى ) : تكون بإيقاع العقد المشفوع بالعمل فهذه ( تارة ) : تكون بلا إضرار ، لقصر المدة مثلاً ( وأخرى ) : تكون ذات إضرار ، لطول المدة مثلا. والأولتان صحيحتان ، والأخيرة‌

٤٤٩

كما أن الحال كذلك بالنسبة إلى ما بعد البلوغ في القصير [١] ، فان له أن يفسخ أو يجيز. وكذا يجوز لهما الإيصاء بالاتجار بمال القصير على نحو المضاربة ، بأن يكون هو الموصى به [٢] لا إيقاع عقد المضاربة ، لكن إلى زمان البلوغ أو أقل. وأما إذا جعل المدة أزيد فيحتاج إلى الإجازة بالنسبة إلى الزائد [٣]

______________________________________________________

صحيحة إلى أن يحصل الضرر فتبطل ، ولا دخل للفسخ وعدمه في الصحة والبطلان ، إذ الفسخ في الأولى غير مناف للوصية ، وفي الثانية مناف لها فلا يجوز لصحتها ، وفي الثالثة يجوز لبطلانها ، لا أنه جابر لضررها.

لكن الظاهر من الوصية بالمضاربة إحدى الصورتين الأخيرتين ، أعني إيقاع العقد مع العمل طالت المدة أو قصرت ، لا مجرد إيقاع العقد ، وحينئذ فهي صحيحة إذا لم تكن مضرة ، ولا يجوز الفسخ للوارث ، وباطلة إذا كانت مضرة ويجوز له الفسخ. وإذا فرض أنها غير مضرة في أوائل المدة ومضرة في أواخرها صحت في الأوائل ولا يجوز الفسخ ، وبطلت في الأواخر وجاز الفسخ.

[١] الكلام فيه كما هو الكلام في الكبير ، فان لم تكن الوصية بالمضاربة في حصته مضرة فهي صحيحة ، وإن كانت مضرة فهي باطلة ، وإذا كانت في أوائل المدة غير مضرة فهي صحيحة ولا يجوز فسخها حتى بعد البلوغ ، وإن كانت في أواخرها مضرة بطلت حتى قبل البلوغ ، لا أنها تكون صحيحة ويكون الخيار في الفسخ جابراً لضررها.

[٢] يعني : تكون الوصية إنشاء للمضاربة بعد الموت نظير الوصية التمليكية التي هي إنشاء للتمليك بعد الموت.

[٣] إن صح هذا الإنشاء فلا فرق بين ما يكون بعد البلوغ وما يكون قبله فان كانت الوصية مضرة بمال القصير فهي باطلة وإن كانت بالإضافة‌

٤٥٠

ودعوى : عدم صحة هذا النحو من الإيصاء ، لأن الصغير لا مال له حينه [١] وإنما ينتقل إليه بعد الموت ، ولا دليل على صحة الوصية العقدية في غير التمليك ، فلا يصح أن يكون إيجاب المضاربة على نحو إيجاب التمليك بعد الموت. مدفوعة بالمنع [٢].

______________________________________________________

إلى ما قبل البلوغ ، وإن كانت غير مضرة فهي صحيحة حتى فيما بعد البلوغ ، ولا تحتاج إلى الإجازة ، لما عرفت من عموم نفوذ الوصية إذا لم تكن مضرة لما بعد البلوغ وما قبله. كما لا فرق في العموم بين الوصية بإيقاع العقد والوصية بنفس المضاربة.

[١] هذا لا دخل له في الاشكال ، فإنه يتوجه وإن كان للصبي مال في حياة والده ، إذ وجه الاشكال بطلان تعليق المنشأ على الموت في غير الوصية التمليكية والعهدية ، فلا يصح للمالك أن يوصي بالوقف ، فيقول : هذا وقف بعد مماتي ، أو يوصي بالبيع بأن يقول : بعتك هذا بعد مماتي أو يوصي بالإبراء ، فيقول : أنت برئ عما لي عليك بعد وفاتي .. وهكذا لأن التعليق في المنشأ باطل وان كان المعلق عليه الموت ، الا في الموردين المذكورين ، فلا تصح الوصية بالمضاربة بمال اليتيم معلقاً على الموت وإن كان المال ملكاً له في حياة الموصي.

نعم كون اليتيم لا مال له الا بعد وفاة الموصي يكون منشأ للإشكال في الوصية بالمضاربة بنحو النتيجة زائداً على الاشكال المتقدم ، لما تقدم في أول المضاربة من اعتبار وجود المال وكونه خارجياً ، فلا تصح المضاربة على مال سيملكه ، كما لا تصح على مال هو دين في ذمة غيره. فيكون في إنشاء المضاربة في المقام إشكالان : إشكال التعليق على الموت ، وإشكال عدم المال الخارجي ، لا اشكال واحد معلل بالآخر ، كما يظهر من العبارة.

[٢] قد عرفت أنه لا مجال للمنع ، بل لو فرض التوقف في مانعية‌

٤٥١

مع أنه الظاهر من خبر خالد بن بكر الطويل في قضية ابن أبي ليلى‌ [١] وموثق محمد بن مسلم [٢] المذكورينفي باب الوصية. واما بالنسبة الى الكبار من الورثة فلا يجوز بهذا النحو

______________________________________________________

التقليق في العقود فلا توقف في مانعية التعليق على الموت فيها ، وقد حصر الاصحاب الوصية الصحيحة في التمليكية والعهدية ، لا غير. وكذلك اعتبار وجود المال حال المضاربة ، فانه لا مجال لمنعه فكل من الاشكالين لامجال لمنعه.

[١] رواه المشايخ الثلاثة ـ رضي الله عنهم ـ عن محمد بن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن خالد بن بكر الطويل قال : « دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال : يا بني اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به ، وخذ نصف الربح ، وأعطهم النصف ، وليس عليك ضمان. فقدمتني أم ولد أبي بعد وفاة أبي الى ابن أبي ليلى. فقالت : إن هذا يأكل أموال ولدي ، قال : فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي ، فقال لي ابن أبي ليلى : إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه. ثمَّ اشهد علي ابن أبي ليلى : إن أنا حركته فانا له ضامن. فدخلت على أبي عبد الله (ع) فقصصت عليه قصتي ثمَّ قلت له : ما ترى؟! فقال : أما قول ابن أبي ليلى فلا أستطيع رده ، وأما فيما بينك وبين الله عز وجل فليس عليك ضمان » (١)

[٢] رواه المشايخ الثلاثة رضي الله عنهم ـ عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم ، وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم فقال : لا بأس به من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي » (٢). وسماه ـ كغيره ـ موثقاً ، لوجود ابن فضال في سنده.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩٢ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٩٢ من كتاب الوصايا حديث : ١‌

٤٥٢

لوجوب العمل بالوصية ـ وهو الاتجار ـ فيكون ضررا عليهم [١] من حيث تعطيل حقهم من الإرث وإن كان لهم حصتهم من‌

______________________________________________________

هذا ولا يبعد وحدة الواقعة المحكية بالخبرين ، ولا يظهر منهما أنه من المضاربة ، ولا من الإنشاء للمضاربة حال الحياة ، بل ما تحت العبارة هو الأمر بالعمل والاذن به على أن للعامل نصف الربح ، ومن الجائز أن تكون معاملة خاصة بينه وبين وصيه في حال الحياة وإن كان موضوعها بعد الوفاة ، تشبه المضاربة من جهة والجعالة من جهة أخرى. أو هي وصية عهدية بالولاية على مال الصغير ـ كما في الرواية الأولى ـ أو عليه وعلى ماله ـ كما في الثانية ـ ولا دخل لهما فيما نحن فيه.

[١] لم يتضح الفرق بين هذه المسألة وما تقدم ، فقد ذكر هناك أن الضرر منجبر بكون الاختيار لهم في الفسخ ، فلم لا يكون الضرر المذكور هنا أيضاً منجبر بكون الاختيار لهم في الفسخ؟! وقد عرفت فيما سبق أن الضرر الحاصل من الوصية موجب لبطلانها ، ولا ينجبر بالاختيار في الفسخ والإجازة ، فهي تصح مع عدم الضرر للعموم ، وتبطل معه لقوله تعالى : ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (١).

فان قلت : لا مجال لفسخ الوارث هنا ، لأن الفسخ إنما يشرع للعامل والمالك ، والوارث هنا ليس واحداً منهما ، لأن المضاربة كانت بين الموصي والعامل ، وقد مات الأول فليس للوارث الفسخ حتى ينجبر الضرر به. وبذلك افترقت هذه المسألة عن سابقتها ، فإن المضاربة في سابقتها بين الوارث والعامل.

قلت : المفروض في المسألة السابقة وقوع المضاربة بين الوصي والعامل والوارث إن تولى العقد فهو من باب كونه الوصي ، لا من باب كونه الوارث ، والوصي يتصرف بالنيابة عن الميت ، والوارث أجنبي عنه ، فإذا‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٢‌

٤٥٣

الربح ، خصوصاً إذا جعل حصتهم أقل من المتعارف [١].

الحادية عشرة : إذا تلف المال في يد العامل بعد موت المالك من غير تقصير فالظاهر عدم ضمانه [٢] ، وكذا إذا تلف بعد انفساخها بوجه آخر [٣].

الثانية عشرة : إذا كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا واحداً ثمَّ فسخ أحد الشريكين [٤] هل تبقى بالنسبة‌

______________________________________________________

لم يكن له الفسخ في المسألة الأخيرة لم يكن له الفسخ في سابقتها. مضافاً إلى أن الفسخ إنما هو للمالك والعامل لا للموجب والقابل ، والوارث هو المالك. وإلا أشكل الأمر في فسخ الصغير بعد البلوغ لأن تصرف الوصي من باب الوصية كما في الكبير ، وحينئذ يكون الصغير أجنبياً عن الطرفين ، لا من باب الولاية على الطفل. فتأمل.

[١] في جامع المقاصد دفع هذا الاشكال بما حاصله : أن المضاربة إن صحت كانت حصة العامل من الربح له من دون أن تخرج من ملك مالك المال ، وإن بطلت فلا ربح أصلا لا أنه يكون الربح للمالك ، وفي كلتا الحالتين لم يخرج من مال المالك شي‌ء إلى العامل حتى تكون المضاربة بالأقل من المتعارف ضرر على المالك بتوسط الوصية. ودفعه في المسالك بما حاصله : أنه يمكن أن تصح المعاملة بإجازة المالك وتبطل المضاربة ، فيكون تمام الربح للمالك ، فتصحيح المضاربة إضرار بالمالك. فراجع.

[٢] لأنه أمين المالك بالمضاربة ، ولا يخرج عن حكم الامانة ببطلان المضاربة بموت المالك ، للأصل.

[٣] لعين ما تقدم.

[٤] قد عرفت في المسألة السابعة والأربعين جواز الفسخ في البعض عقلا وعرفاً وشرعاً‌

٤٥٤

إلى حصة الأخر أو تنفسخ من الأصل؟ وجهان أقربهما الانفساخ [١]. نعم لو كان مال كل منهما متميزاً وكان العقد واحدا لا يبعد بقاء العقد بالنسبة إلى الأخر.

الثالثة عشرة : إذا أخذ العامل مال المضاربة وترك التجارة به إلى سنة مثلا ، فان تلف ضمن [٢] ، ولا يستحق المالك عليه غير أصل المال [٣] ، وان كان آثما في تعطيل مال الغير.

الرابعة عشرة : إذا اشترط العامل على المالك عدم كون الربح جابراً للخسران مطلقا فكل ربح حصل يكون بينهما ، وإن حصل خسران بعده أو قبله ، أو اشترط أن لا يكون الربح اللاحق جابرا للخسران السابق أو بالعكس ، فالظاهر الصحة. وربما يستشكل بأنه خلاف وضع المضاربة. وهو كما ترى [٤].

______________________________________________________

[١] لأنها مضاربة واحدة ، فلا تتبعض بالفسخ. لكن تقدم في المسألة السابعة والأربعين جواز التبعيض في المال الواحد لشخص واحد ، فأولى منه التبعيض بالنسبة لشخصين ، كما هو ظاهر.

[٢] للخيانة بحبس المال وعدم الاتجار به ، وهو غير مأذون فيه.

[٣] إذ لا موجب له ، والأصل البراءة ، وإن كان آثماً في حبسه بغير إذن مالكه.

[٤] هذا غير ظاهر ، فان منصرف قوله (ع) : « الربح بينهما والوضيعة على المال » (١) غير ما ذكر. فتصحيحه لا بد أن يكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب كتاب المضاربة حديث : ٥‌

٤٥٥

الخامسة عشرة : لو خالف العامل المالك فيما عينه جهلا أو نسياناً أو اشتباهاً ـ كما لو قال : لا تشتري الجنس الفلاني ، أو من الشخص الفلاني مثلا ، فاشتراه جهلا ـ فالشراء فضولي موقوف على إجازة المالك [١]. وكذا لو عمل بما ينصرف إطلاقه إلى غيره ، فإنه بمنزلة النهي عنه [٢]. ولعل منه ما ذكرنا سابقا من شراء من ينعتق على المالك مع جهله بكونه كذلك. وكذا الحال إذا كان مخطئاً في طريقة التجارة [٣] ، بأن اشترى ما لا مصلحة في شرائه عند أرباب المعاملة في ذلك الوقت ، بحيث لو عرض على التجار حكموا بخطائه.

السادسة عشرة : إذا تعدد العامل [٤] كأن ضارب اثنين بمائة مثلا بنصف الربح بينهما متساوياً أو متفاضلا ـ فاما أن يميز حصة كل منهما [٥] من رأس المال ، كأن يقول :

______________________________________________________

بالعمومات الدالة على صحة العقود. لكنها لا تقتضي جريان أحكام المضاربة عليها ، كما تقدم في نظائر المقام.

[١] لعدم إذن المالك.

[٢] يكفي عدم الإذن.

[٣] فإن ذلك خارج عن منصرف الاذن ، فيكون فضولياً.

[٤] قد تعرض لذلك الجماعة في كتبهم ، قال في الشرائع : « ولو قال لاثنين : لكما نصف الربح ، صح وكانا فيه سواء ، ولو فضل أحدهما صح أيضاً وإن كان عملهما سواء » وفي القواعد : « ولو كان العامل اثنين فساواهما في الربح صح وإن اختلفا في العمل ».

[٥] هذه الصورة خارجة عن كلام الجماعة.

٤٥٦

على أن يكون لكل منه نصفه ، وإما لا يميز ، فعلى الأول الظاهر عدم اشتراكهما في الربح والخسران والجبر ، إلا مع الشرط [١] ، لأنه بمنزلة تعدد العقد. وعلى الثاني يشتركان فيها [٢] وإن اقتسما بينهما فأخذ كل منهما مقداراً منه ، إلا أن يشترطا عدم الاشتراك فيها ، فلو عمل أحدهما وربح وعمل الآخر ولم يربح أو خسر يشتركان في ذلك الربح ويجبر به خسران الآخر. بل لو عمل أحدهما وربح ولم يشرع الآخر بعد في العمل ، فانفسخت المضاربة ، يكون الآخر شريكاً [٣] وإن لم يصدر منه عمل ، لأنه مقتضى الاشتراك في المعاملة ولا يعد هذا من شركة الأعمال ، كما قد يقال [٤] ، فهو نظير ما إذا آجرا نفسهما لعمل بالشركة ، فهو داخل في عنوان المضاربة [٥] لا الشركة ، كما أن النظير داخل في عنوان الإجارة.

السابعة عشرة : إذا أذن المالك للعامل في البيع والشراء نسيئة ، فاشترى نسيئة وباع كذلك ، فهلك المال ، فالدين في‌

______________________________________________________

[١] لكن معه يشكل بقاء عنوان المضاربة ، لما تقدم في الشرط الخامس من شروط المضاربة. فراجع.

[٢] لان ذلك من لوازم وحدة المضاربة عرفاً ، كما هو المفروض.

[٣] كما قواه في الجواهر بعد أن ذكر أنه لم يعثر على محرر لذلك.

[٤] لم يعرف القول لأحد بذلك ، وانما حكي عن مالك أنه اشترط التسوية في الربح مع التسوية في العمل ، قياساً على شركة الأبدان. وفي المسالك : أن الأصل والفرع عندنا باطلان.

[٥] لكنها قائمة بعاملين. وكذا الحكم في الإجارة ، إذ إنها إجارة‌

٤٥٧

ذمة المالك. وللديان إذا علم بالحال أو تبين له بعد ذلك الرجوع على كل منهما ، فان رجع على العامل وأخذ منه رجع هو على المالك [١]. ودعوى : أنه مع العلم من الأول ليس له الرجوع على العامل [٢] ، لعلمه بعدم اشتغال ذمته. مدفوعة : بأن مقتضى‌

______________________________________________________

قائمة بأجيرين وليستا من شراكة الأبدان في شي‌ء. وعرفت أنه ليس مورداً للتوهم. كما أنه تقدم بعض الكلام في هذه المسألة في المسألة السابعة والعشرين.

[١] قال في الجواهر : « ويكون دخول الوكيل في هذا التصرف بمنزلة دخول الضامن في الضمان ، فإن أعطاه كان له الرجوع بما وزن لأنه توكل بإذنه في الشراء وذلك يتضمن تسليم الثمن وكان الاذن في الشراء إذنا فيه وفيما يتضمنه ». وهو كما ذكر.

[٢] قال في الشرائع : « إذا اشترى لموكله كان البائع بالخيار إن شاء طالب الوكيل ، وإن شاء طالب الموكل. والوجه اختصاص المطالبة بالموكل مع العلم بالوكالة واختصاص الوكيل مع الجهل بذلك ». وقال في الشرائع بعد ذلك : « ولو ظهر في المبيع عيب رده على الوكيل دون الموكل لأنه لم يثبت وصول الثمن اليه. ولو قيل برد المبيع على الموكل كان أشبه » ونحوه في المسألة الثانية ما في القواعد ، والقول الأول فيها منسوب الى المبسوط ، وما قربه في القواعد وجعله في الشرائع أشبه جعله في الإيضاح الأصح ، وكذا في غيره. وفي المسالك : « قول الشيخ ضعيف كدليله ».

ووجهه : أن وصول الثمن إليه أو الى الموكل لا يرتبط بوجوب أداء المال إلى مالكه ، والوكيل قد انعزل عن الوكالة بالبيع ، فلا وجه للرد إليه إلا أن يكون وكيلا أيضاً في أخذ المبيع إذا رده إليه المشتري ، وحينئذ يجوز الرد اليه وإلى الموكل ، ولا وجه لاختصاص الوكيل به ،

٤٥٨

______________________________________________________

فيجوز الرد إلى كل منهما. وأما استرداد الثمن فيجوز الرجوع فيه إلى الموكل إذا اعترف بوصول الثمن إليه أو الى الوكيل ، وإذا أنكر الموكل وصول الثمن إلى أحدهما جاز له الامتناع من دفعه الى المشتري ، ولا وجه لرجوع المشتري على الوكيل ، لعدم كونه وكيلا في رد الثمن ، سواء اعترف الموكل بوصول الثمن أم لا. هذا ما تقتضيه القواعد الأولية في حكم المسألة الثانية.

أما ما تقتضيه القواعد في حكم المسألة الأولى فهو ما ذكر المحقق من أن الموكل هو الذي يستحق عليه الثمن ، فيكون هو المطالب به.

والقول الأول محكي عن المبسوط أيضاً. ووجهه غير ظاهر إلا ما ذكره في الجواهر ، من أن ذلك من أحكام ولي العقد ، يريد بذلك أن من الأحكام العرفية جواز الرجوع إلى ولي العقد في ما يقتضيه العقد من دفع الثمن حتى مع العلم بالوكالة ، ولم يثبت الردع عنه ، فدل ذلك على إمضائه شرعاً وهو كما ذكر ، ومنه يظهر الوجه في جواز الرد على الوكيل في المسألة الأولى وان لم يكن وكيلا في أخذ المبيع إذا رده إليه المشتري ، فان ذلك من الأحكام العرفية. ومثله جواز مطالبته بما دفعه اليه من الثمن وان كان الوكيل قد أخذه ودفعه الى الموكل ، فان ذلك أيضاً من الأحكام العرفية التي أمضاها الشارع المقدس ، فيجب الأخذ بها. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الثمن عيناً خارجية أو ذمية.

وما ذكره الجماعة من أنه في الأول يرجع المشتري إلى خصوص من كانت في يده غير ظاهر من العرف ، بل بناؤهم على جواز الرجوع إلى كل من الوكيل والموكل. أما الوكيل فلأنه المتولي للعقد ، فيكون متوليا لمقتضاه من دفع الثمن وإن كان في يد الموكل. وأما الموكل فلانه الذي دخل المثمن في كيسه ، فيكون مطالبا ببدله وان كان بيد وكيله.

٤٥٩

المعاملة ذلك ، خصوصاً في المضاربة [١] ، وسيما إذا علم أنه عامل يشتري للغير ولكن لم يعرف ذلك الغير [٢] أنه من هو ومن أي بلد. ولو لم يتبين للديان أن الشراء للغير يتعين له الرجوع على العامل في الظاهر ويرجع هو على المالك.

الثامنة عشرة : يكره المضاربة مع الذمي ، خصوصاً إذا كان هو العامل. لقوله (ع) : « لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي ، ولا يبضعه بضاعة ، ولا يودعه وديعة ، ولا يصافيه المودة » [٣]. وقوله (ع) : « إن أمير المؤمنين (ع) كرّه مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي ، إلا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم » [٤]. ويمكن أن يستفاد

______________________________________________________

ومن ذلك تعرف الوجه فيما ذكره المصنف رحمه‌الله من كون الدعوى مدفوعة : بأن مقتضى المعاملة ذلك ، يريد أنه مقتضى الوكالة ذلك. إذ المعاملة إنما تقتضي وجوب دفع الثمن على من دخل في كيسه المثمن ، وذلك يقتضي الرجوع الى الأصيل ، لكن تقتضي الوكالة ذلك.

[١] لما فيها من التفويض إلى العامل وبعد المالك عن المعاملة.

[٢] فإنه لو لا جواز الرجوع على العامل لم يقدم على المعاملة معه أحد ، لما في ذلك من الخطر العظيم.

[٣] في صحيح علي بن رئاب : « قال أبو عبد الله (ع) : لا ينبغي » رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب ، ورواه الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد ، ورواه الصدوق بإسناده عن ابن محبوب ، ورواه الحميري عن الحسن بن محبوب‌ (١).

[٤] رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب كتاب الشركة حديث : ١‌

٤٦٠