مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

العين إذا كانت في يد الغاصب فجعله رهناً عنده أنها تبقى على الضمان والأقوى ما ذكرنا في المقامين ، لما ذكرنا [١].

( مسألة ٢ ) : المضاربة جائزة من الطرفين [٢] يجوز لكل منهما فسخها ، سواء كان قبل الشروع في العمل أو بعده قبل حصول الربح أو بعده ، نض المال أو كان به عروض ، مطلقاً كانت أو مع اشتراط الأجل [٣] وإن كان قبل انقضائه. نعم لو اشترط فيها عدم الفسخ إلى زمان كذا يمكن أن يقال بعدم جواز فسخها قبله ، بل هو الأقوى ، لوجوب الوفاء بالشرط. ولكن عن المشهور بطلان الشرط المذكور [٤] ،

______________________________________________________

دفعه وفاء عما في ذمته ، فان هذا الأداء لما كان بإذنه كان تحت سلطانه.

[١] قد عرفت أنه لا يتم إلا بناء على اعتبار القبض في صحة الرهن وفي صحة المضاربة.

[٢] بلا خلاف ، كما في المسالك ، وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة في الخروج عن قاعدة اللزوم ».

[٣] فإنه يصح الفسخ قبل الأجل بلا خلاف أجده فيه ، للأصل وغيره. كذا في الجواهر. وكون الأصل مقتضياً للجواز حينئذ غير ظاهر سواء كان الأصل العملي ، إذ الأصل عدم ترتب الأثر على الفسخ ، أم عموم ما دل على الجواز ، لما تقدم من عدم العموم اللفظي ، والدليل منحصر بالإجماع ، والاقتصار على المتيقن في المخصص اللبي لازم ، ويتعين الرجوع إلى عموم اللزوم. فالدليل حينئذ عموم الإجماع على الجواز ، لا الأصل.

[٤] قال في الشرائع بعد ما ذكر : أن عقد المضاربة جائز من‌

٢٦١

______________________________________________________

الطرفين « ولو اشترط فيه الأجل لم يلزم. لكن لو قال : إن مرت بك سنة مثلا فلا تشتر بعدها وبع ، صح ، لأن ذلك من مقتضى العقد. وليس كذلك لو قال : « على أن لا أملك فيها منعك ، لأن ذلك مناف لمقتضى العقد » وفي القواعد : « ولو شرط توقيت المضاربة لم يلزم الشرط والعقد صحيح لكن ليس للعامل التصرف بعده ». وقال قبل ذلك : « ولو شرط ما ينافيه فالوجه بطلان العقد ، مثل أن يشترط ضمان المال ، أو سهماً من الخسران أو لزوم المضاربة .. ». وفي جامع المقاصد. أن هذه شروط باطلة ، لمنافاتها مقتضى العقد شرعاً ، فيبطل العقد بها ، لأن التراضي المعتبر فيه لم يقع إلا على وجه فاسد ، فيكون باطلا. انتهى. ومن ذلك تعرف أن الشرط المنافي لمقتضى العقد عندهم هو شرط لزوم المضاربة وعدم ملك الفسخ ، لا مجرد شرط عدم الفسخ ، الراجع إلى شرط الأجل في عبارة الشرائع والتوقيت في عبارة القواعد ، فإنه عندهم لا يلزم ولا يجب الوفاء به ، لا أنه مناف لمقتضى العقد ، ولا أنه مبطل للعقد. وعليه فنسبة بطلان شرط عدم الفسخ وإبطاله العقد لأنه مناف لمقتضى العقد إلى المشهور في كلام المصنف ليس مما ينبغي ، وإنما هو في شرط لزوم المضاربة وعدم ملك الفسخ. وكيف كان فاشتراط عدم الفسخ إلى أجل بعينه في عقد المضاربة ليس منافياً لمقتضى العقد ، ولا لمضمونه ، ولا للكتاب والسنة ، فان بطل فلوجه آخر غير ما ذكر. وسيأتي التعرض لوجهه في كلام المصنف.

ثمَّ إن المصنف ذكر شرط الأجل وذكر أنه باطل لا يترتب عليه أثر فيجوز معه الفسخ ، كما ذكر الأصحاب ، وذكر شرط عدم الفسخ مقابلا له وذكر فيه ما ذكر ، مع أنه لا يظهر الفرق بينهما ، إذ لا معنى لشرط التأجيل إلا ذلك ، ولذا لم يذكره الأصحاب في مقابل شرط‌

٢٦٢

بل العقد أيضاً [١] ، لأنه مناف لمقتضى العقد. وفيه : منع ،

______________________________________________________

التأجيل وإنما ذكروا شرط أن لا يملك الفسخ. ولعل مراد المصنف منه ذلك. لكن استدلاله على صحته بما ذكره لا يساعد على ذلك ويقتضي أن يكون المراد ما هو ظاهر العبارة. وحينئذ يتوجه عليه الإشكال في وجه الفرق بين شرط التأجيل وبينه.

[١] قد عرفت تصريح الشرائع والقواعد وجامع المقاصد ببطلان العقد لمنافاة الشرط لمقتضاه ، وعلل في جامع المقاصد ذلك : بأن التراضي المعتبر في العقد لم يقع إلا على وجه فاسد وكان الأولى تعليله : بأن القصد إلى المتنافيين متعذر ، فيكون العقد غير مقصود ، فلا يصح.

وبالجملة : الشرط الواقع في ضمن العقد ( تارة ) : يكون منافياً لمضمون العقد ، كما إذا شرط في البيع أن لا يكون للمبيع ثمن ، فان قوام المبادلة الطرفان ، فلا تكون مع طرف واحد ، ( وأخرى ) : منافياً لمقتضاه عرفاً ، كما إذا شرط في البيع أن لا يملك المشتري المبيع أو لا يملك البائع الثمن ، فان ذلك خلاف ما تقتضيه المبادلة ، فإنها تقتضي أن يكون كل من البدلين قائماً مقام الآخر ، فاذا كان الثمن ملكاً للمشتري فالمثمن بدله لا بد أن يكون كذلك ، وإذا كان المثمن ملكاً للبائع فالثمن بدله كذلك ( وثالثة ) : أن يكون مخالفاً للكتاب وان لم يكن مخالفاً لمضمون العقد ولا لمقتضاه ، كما إذا اشترطت الزوجة في عقد نكاحها أن يرث أبوها أو أخوها من زوجها ، فان ذلك مخالف لما دل على إرث غيرهما من مراتب الإرث. وهذه الأقسام الثلاثة كلها باطلة. أما الأولان : فلامتناع القصد إلى المتنافيين ، ولذلك يكون الشرط مبطلا للعقد أيضاً. وأما الثالث : فللأدلة الخاصة ، والتحقيق : أنه ليس بمبطل للعقد إذ لا مقتضي لذلك ، فعموم الصحة محكم وقد عرفت أن شرط عدم الفسخ‌

٢٦٣

بل هو مناف لإطلاقه [١]. ودعوى : أن الشرط في العقود الغير اللازمة غير لازم الوفاء [٢] ،

______________________________________________________

ليس من أحد المذكورات ، وشرط أن لا يكون له الفسخ من قبيل الشرط المخالف للكتاب ، لما دل على جواز عقد المضاربة ، فيكون باطلا لذلك لا لمنافاته لمقتضى العقد ، إذ ليس في عقد المضاربة ما يقتضي عرفاً ملك الفسخ ، حتى يكون شرط عدم ملك الفسخ مخالفاً لمقتضى العقد.

[١] هذا إن تمَّ فإنما يتم بالنسبة إلى شرط أن لا يملك ، يعني : أن إطلاق المضاربة بلا شرط يقتضي أن يكون لكل من الطرفين الفسخ ، أما مع الشرط فلا تقتضي ذلك ، وحينئذ لا مانع من صحة الشرط أما بالنسبة إلى شرط عدم الفسخ فلا يتم ، ولا مجال له ، لأن عدم الفسخ لا يرتبط بإطلاق العقد ولا بتقييده ، كما لعله ظاهر بالتأمل. فالجواب يناسب الاستدلال بالنسبة إلى شرط عدم ملك الفسخ ، لا بالنسبة إلى شرط عدم الفسخ.

[٢] هذه الدعوى مذكورة في كلام بعض من قارب عصرنا. قال في الحدائق في كتاب الدين : « المشهور أن القراض من العقود الجائزة التي يجوز الرجوع فيها من الطرفين ، بل ادعي عليه الإجماع. وعلى هذا فلو شرط التأجيل فيه لم يلزم. وبذلك صرحوا أيضاً. وكذا كل شرط سائغ ». وقال في الرياض في شرح قول ماتنه في كتاب المضاربة « ولا يلزم فيها اشتراط الأجل » : « هذه العبارة تحتمل معنيين .. ( إلى أن قال ) : الثاني : أن الأجل المشترط فيها حيث كان غير لازم بل جائز ، يجوز لكل منهما الرجوع ، لجواز أصله ، بلا خلاف كما مضى ، فلن يكون الشرط المثبت فيه جائزاً بطريق أولى ». وهذا المضمون ربما يحتمل من كلام جماعة ، ففي جامع المقاصد : « قال الشيخ في المبسوط :

٢٦٤

______________________________________________________

إذا دفع إليه ألفاً قراضاً على أن يدفع إليه ألفاً بضاعة ، بطل الشرط ، لأن العامل في المضاربة لا يعمل عملا بغير جعل .. ( إلى أن قال ) : قال الشيخ : ولو قلنا القراض والشرط جائز لا يلزم الوفاء به ، لأن البضاعة لا يلزم القيام بها كان قوياً .. ( إلى أن قال في جامع المقاصد ) : وصرح في التحرير : بأنه لا يلزم الوفاء به ، وهو حق ، لأن العقد جائز من الطرفين ». ويحتمل أن يكون مراده عدم وجوب الوفاء لجواز فسخ العقد فيسقط الشرط ، لا مع بقاء العقد. وفي جامع المقاصد في شرح قول ماتنه : « ولا يصح التأجيل فيها » ـ يعني : في الشركة ـ : « المراد بصحته ترتب أثره عليه ، وهو لزومها إلى الأجل وإنما لم يصح لأنها عقد جائز فلو شرط التأجيل كان لكل منهما فسخها متى شاء » ، ونحوه في المسالك في شرح قول ماتنه : « ولو شرط التأجيل في الشركة لم يصح ». ويحتمل أن يكون مرادهما أنها جائزة على نحو لا تلزم بالشرط فيكون بطلان الشرط لأجل ما دل على جوازها ، لا لأنه شرط في عقد جائز. ولذلك علله في الجواهر بقوله : « لما عرفت من الإجماع على كونها عقداً جائزاً بالنسبة إلى فسخها بالقسمة ، فلا يلزم الشرط المذكور فيها » وهذا الاحتمال هو الأقرب ، إذ لو كان المراد الأول كان اللازم التعبير بأنها عقد جائز والشرط في العقد الجائز جائز. ( ودعوى ) : أنه لو كان المراد الثاني كان اللازم بناؤهم على بطلان شرط التأجيل في عقد آخر مع أن بنائهم على صحته. ( مدفوعة ) : بإمكان كون التفصيل بين المقامين مبنياً على أمر آخر اعتقدوه : وحينئذ فكأن هذه الكلية ـ أعني : عدم لزوم الشرط في العقد الجائز ـ لا أثر لها في كلام الأصحاب.

قال في القواعد في كتاب القراض : « وهو عقد قابل للشروط الصحيحة » ، وفي جامع المقاصد : « لا مزية لهذا العقد في ذلك ، بل‌

٢٦٥

______________________________________________________

كل عقد قابل لذلك ». والظاهر من الشروط الصحيحة ما يلزم العمل بها ويترتب الأثر على مضمونها وقال في القواعد : « ولو شرط على العامل المضاربة في مال آخر ، أو يأخذ منه بضاعة أو قرضاً ، أو يخدمه في شي‌ء بعينه ، فالوجه صحة الشرط ». وفي جامع المقاصد : « حكي عن الشيخ بطلان الشرط إذا اشترط في المضاربة أن يدفع إليه ألفاً بضاعة ، لأن العامل في المضاربة لا يعمل عملا بغير جعل ولا قسط من الربح ، وإذا بطل الشرط بطل القراض .. ». وقال في القواعد في كتاب الشركة : « ولو شرطا التفاوت مع تساوي المالين ، أو التساوي مع تفاوتهما ، فالأقرب جوازه إن عملا أو أحدهما ، سواء شرطت الزيادة للعامل أو للآخر وقيل : تبطل إلا أن تشترط الزيادة للعامل » ونحوه في الشرائع. فالقائل بالصحة لا يراها منافية لجواز العقد ، والقائل بالبطلان لم يستند إلى جواز العقد وعدم صحة الشرط في العقد الجائز ، بل استند إلى أمر آخر. وفي التذكرة : لو شرط في المضاربة أن يعطيه بهيمة يحمل عليها جاز لأنه شرط سائغ لا ينافي الكتاب والسنة ، فوجب الوفاء به ، عملا بقوله (ع) : « المسلمون عند شروطهم » (١). وبالجملة : ملاحظة كلماتهم في الشروط في العقود الجائزة ـ مثل الشركة والمضاربة والعارية وغيرها ـ وبناؤهم على صحة بعض الشروط فيها وعلى بطلان البعض الآخر ، لأمور ذكروها مع عدم تعرضهم للقاعدة المذكورة ، وجعلها منشأ لبطلان بعضها ، أو مخصصة بالنسبة إلى الصحيح منها ، دليل على عدم بنائهم عليها وما في بعض الكلمات المتقدمة ونحوها محمول على خلاف ظاهره ، أو أنه رأي خاص للقائل نفسه.

نعم قال في الجواهر في هذا المقام : « إنما الكلام في حكمه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الخيار حديث : ١ ، ٢ ، ٥.

٢٦٦

______________________________________________________

( يعني : حكم الشرط بالنسبة إلى وجوب الوفاء به وعدمه ) فيحتمل الأول ، لكن بمعنى الوجوب المشروط بالبقاء على العقد وعدم إنشاء فسخه لكونه حينئذ كنفس مقتضى العقد ، إذ هو من توابعه. وبهذا المعنى يندرج في قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) .. ( إلى أن قال ) : ويحتمل الثاني ، لا بمعنى تسلطه على فسخ العقد ، بل على معنى عدم وجوب الوفاء به وإن لم يفسخ العقد : للأصل السالم عن معارضة الآية ..

( إلى أن قال ) : ولعل هذا هو مراد الشيخ والفاضل في التحرير من المحكي عنهما ، لا أن المراد عدم لزوم الوفاء بالعقد باعتبار جواز العقد ، وإلا فالوفاء به واجب حال عدم فسخ العقد ، إذ هو كما ترى لا دليل عليه ، بل المعلوم خلافه ، ضرورة كون الشرط أولى من مقتضى العقد الذي لا يجب الوفاء به وإن لم يفسخ العقد ، فان من استودع أو وكل أو أعار أو ضارب ـ أي جاء بعقد من هذه العقود ـ لا يجب عليه الوفاء بمقتضى ذلك ، فيأخذ الوديعة مثلا ، ويفعل كل ما وكل ، ويتناول العارية ويأخذ عين مال القراض ، فالشرط أولى. ومنه يعلم حينئذ أنه هو مراد الشيخ والفاضل فيما ذكراه من عدم لزوم الوفاء به. وهو لا يخلو من قوة ».

وما ذكره ( قده ) من أنه مراد الشيخ والفاضل في التحرير غير ظاهر ، فان الشيخ ( قده ) قد علل البطلان بما ذكر ، ثمَّ علل الجواز : بأن البضاعة لا يجب القيام بها وظاهره أن الوجه في الجواز امتناع وجوب البضاعة ، لا كون الشرط في عقد جائز ، والفرق بين البطلان وبين الجواز الذي اختاره : أن مقتضى البطلان أن لو جاء المشروط عليه بالشرط استحق العوض ، كما هو الملاك في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ، بخلاف الجواز ، فإنه لا يستحق كما لو فعل ما وعد به ، فإنه لا يستحق على الموعود عوضا. وأما العلامة في‌

__________________

(١) المائدة : ١.

٢٦٧

______________________________________________________

التحرير فلم يعلم منه الوجه في عدم وجوب الوفاء به ، ومن القريب أن يكون هو الوجه فيما ذكره الشيخ ، وإلا فقد ذكر جملة من الشروط في عقد المضاربة وغيره وصححها ولم يتعرض فيها لما ذكر ، فلو كان الشرط في العقد الجائز لا يجب الوفاء به وإن لم يفسخ العقد لم يكن وجه للبناء على صحة الشروط الأخرى المذكورة في كتابي الشركة والمضاربة وغيرهما. وبالجملة : فكلمات الأصحاب خالية عن التعرض لهذه القاعدة ، ويظهر منهم عدم البناء عليها ، ولزوم العمل بالشروط وإن كانت في عقد جائز ، والعبارات السابقة لا بد من حملها على غير هذا المعنى ، وإلا لم يكن وجه لبنائهم على صحة جملة من الشروط المذكورة في العقود الجائزة ، وتمسكهم على صحتها بلزوم الوفاء بالعقود والشروط. فلاحظ ما تقدم عن القواعد من قوله في كتاب القراض : « وهو عقد قابل .. » ، وما تقدم في شرحه من جامع المقاصد.

وكيف كان فالذي يمكن أن يكون وجهاً لهذه القاعدة أمور. ( الأول ) الأولوية المشار إليها في عبارتي الرياض والجواهر. وفيه : أنها لا تخلو من خفاء ، فلا تصلح للإثبات. ( الثاني ) : أن دليل الجواز يدل على جواز العقد بتوابعه والشرط من توابعه. وقد يظهر ذلك من عبارة المسالك الآتية. وفيه : أنه غير ظاهر ، فان دليل الجواز هو الإجماع ، والمتيقن منه يختص بالعقد ولا يشمل توابعه. ( الثالث ) : أنه لو لزم الالتزام بالشرط مع عدم الالتزام بالعقد للزم الالتزام به ولو مع فسخ العقد ، ولا قائل به. وفيه : أن دليل لزوم الشرط يختص بما كان في العقد ، فاذا فسخ العقد ارتفع الشرط الذي هو موضوع اللزوم. ( الرابع ) : أن جواز الشرط مقتضى الأصل كما أشار إلى ذلك في الجواهر في عبارته المتقدمة ، وفيه : أن وجوب الوفاء بالعقد أو الشرط لا يراد منه الوجوب التكليفي ، بل‌

٢٦٨

ممنوعة [١]. نعم يجوز فسخ العقد ، فيسقط الشرط [٢] ، وإلا فما دام العقد باقياً يجب الوفاء بالشرط فيه [٣] ، وهذا إنما يتم في غير الشرط الذي مفاده عدم الفسخ. مثل المقام ، فإنه يوجب لزوم ذلك العقد [٤]. هذا ولو شرط عدم فسخها‌

______________________________________________________

الإرشادي إلى نفوذ العقود والشروط ، وكذلك وجوب الوفاء بالنذر فالشك في الحقيقة في اللزوم والجواز يرجع إلى الشك في جواز الفسخ وعدمه ، والأصل عدم ترتب الأثر على الفسخ. وكأنه لذلك لم يتعرض لها الأصحاب ، وكأن بنائهم على خلافها ، وشيخنا الأعظم في مكاسبه لم يتعرض لذكرها مع أنه أطال في ذكر مباحث الشروط وما يتعلق بها. نعم في المسالك ـ في شرح قول ماتنه فيما إذا اشترط في المضاربة أن يأخذ مالاً آخر بضاعة : « ولو قيل بصحتهما ( يعني : ـ صحة المضاربة وصحة الشرط ) كان حسناً » قال : والقراض من العقود الجائزة لا يلزم الوفاء به ، فلا يلزم الوفاء بما شرط في عقده ، لأن الشرط كالجزء من العقد فلا يزيد عليه » والاستدلال بما ذكر مشكل كما عرفت. ولذا قال بعد ذلك : « والذي تقتضيه القواعد أنه يلزم العامل الوفاء به ، وبه صرح في التحرير ، فمتى أخل به تسلط المالك على فسخ العقد وإن كان ذلك له بدون الشرط ، إذ لا يمكن هنا سوى ذلك ». والذي يظهر من مجموع كلامه أن القاعدة المذكورة لا أصل لها في كلامهم وإنما تذكر كوجه من الوجوه الذي تختلف فيها العلماء. فلاحظ.

[١] قد عرفت وجهه.

[٢] لعدم لزوم العمل بالشروط الابتدائية ، كالوعد.

[٣] لعدم ترتب الأثر على الفسخ ، للأصل كما عرفت.

[٤] إذا كان وجود العقد شرطاً في لزوم العمل بالشرط امتنع أن‌

٢٦٩

في ضمن عقد لازم آخر فلا إشكال في صحة الشرط [١] ولزومه. وهذا يؤيد ما ذكرنا من عدم كون الشرط المذكور منافياً لمقتضى العقد [٢] ، إذ لو كان منافياً لزم عدم صحته في ضمن عقد آخر أيضاً [٣].

______________________________________________________

يكون لزوم العمل بالشرط مقتضياً لوجود العقد ومانعاً من فسخه ، لما تحرر في محله من أن الوجوب المشروط لا يقتضي وجود شرطه. وبالجملة : شرط عدم فسخ العقد يمتنع أن يكون موجباً للزوم العقد وامتناع فسخه ، لأن لزوم عدم الفسخ يتوقف على وجود العقد ، فلا يتوقف عليه وجود العقد. ومن ذلك يظهر بطلان شرط التأجيل في جميع العقود الجائزة ، كالشركة ، والمضاربة ، والوكالة ، وغيرها ، لأن شرط التأجيل راجع الى شرط عدم الفسخ إلى الأجل ، وقد عرفت بطلانه.

[١] نفي الاشكال غير ظاهر. نعم صرح بعضهم بصحته وبطلان اشتراطه في ضمن عقد المضاربة. وبعض الوجوه المذكورة في وجه عدم صحته في ضمن عقد المضاربة مطرد في ضمن غيره.

[٢] قد عرفت أن من ذكر هذا الوجه أراد بالشرط شرط عدم ملك الفسخ لا شرط عدم الفسخ ، وإن كان الأول أيضاً غير مناف لمقتضى العقد ، وإنما هو مخالف للكتاب ، فيبطل ذلك.

[٣] كذا في الجواهر. لكن قد عرفت آنفاً أن بطلان الشرط المنافي لمقتضى العقد لامتناع قصده مع قصد العقد ، ولذلك يبطل العقد أيضاً ، بخلاف الشرط المخالف للكتاب فان بطلانه لصرف المخالفة للكتاب. ولأجل ذلك لا فرق في بطلانه بين أن يكون في العقد الجائز والعقد اللازم ، إما المنافي فإنما ينافي مقتضى العقد الجائز ، ولا ينافي مقتضى العقد اللازم ، فلا مانع من صحته إذا كان في عقد لازم. اللهم الا أن يقال : الشرط‌

٢٧٠

ولو شرط في عقد مضاربة عدم فسخ مضاربة أخرى [١] سابقة صح ، ووجب الوفاء به [٢] ، إلا أن يفسخ هذه المضاربة ، فيسقط الوجوب. كما أنه لو اشترط في مضاربة مضاربة أخرى في مال آخر ، أو أخذ بضاعة منه ، أو قرض أو خدمة ، أو نحو ذلك ، وجب الوفاء به [٣] ما دامت المضاربة باقية ، وإن فسخها سقط الوجوب. ولا بد أن يحمل ما اشتهر من أن الشروط في ضمن العقود الجائزة غير لازمة الوفاء [٤]

______________________________________________________

المنافي لمقتضى العقد وان كان واقعاً في ضمن عقد آخر أيضاً يكون من الشرط المنافي للكتاب ، لأن دليل صحة العقد الآخر يقتضي ثبوت مقتضاه ، فاشتراط خلافه مخالف للمشروع ، فيبطل.

[١] الكلام فيه هو الكلام فيما لو اشترط في العقد اللازم وان اختلفا في الجهة المذكورة في المتن.

[٢] الوجه الذي ذكرناه سابقاً لبطلان شرط عدم الفسخ لا يأتي هنا ، كما هو ظاهر ، فيتعين البناء على الصحة هنا.

[٣] قال في القواعد : « ولو شرط على العامل المضاربة في مال آخر أو يأخذ منه بضاعة أو قرضاً ، أو يخدمه في شي‌ء بعينه ، فالوجه صحة الشروط ». وقال في جامع المقاصد في شرحه : « وجه الصحة عموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وقوله (ع) : « المسلمون عند شروطهم » (٢) ، وليس الشرط محرماً ، ولا منافياً لمقتضى العقد. قال الشيخ في المبسوط .. » الى آخر ما نقلناه عنه في الحاشية السابقة.

[٤] قد عرفت أن نسبة ذلك إلى الشهرة غير ظاهرة.

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الخيار حديث : ١ ، ٢ ، ٥.

٢٧١

على هذا المعنى ، وإلا فلا وجه لعدم لزومها مع بقاء العقد على حاله ، كما اختاره صاحب الجواهر [١] ، بدعوى : أنها تابعة للعقد لزوماً وجوازاً ، بل مع جوازه هي أولى بالجواز ، وأنها معه شبه الوعد. والمراد من قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) اللازمة منها ، لظهور الأمر فيها في الوجوب المطلق [٢]. والمراد من‌ قوله (ع) : « المؤمنون عند شروطهم » بيان صحة أصل الشرط : لا اللزوم والجواز. إذ لا يخفى ما فيه.

( مسألة ٣ ) : إذا دفع إليه مالا وقال : اشتر به بستاناً مثلا ، أو قطيعاً من الغنم ، فان كان المراد الاسترباح بهما بزيادة القيمة صح مضاربة ، وإن كان المراد الانتفاع بنمائهما بالاشتراك ففي صحته مضاربة وجهان ، من أن الانتفاع بالنماء ليس من التجارة ، فلا يصح ، ومن أن حصوله يكون بسبب الشراء ،

______________________________________________________

[١] تقدمت عبارة الجواهر الدالة على مختاره.

[٢] يعني : فيتعين حملها على العقود اللازمة ، وتخرج منها العقود الجائزة ، التي منها ما نحن فيه : ما أشرنا إليه آنفاً من أن قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وقوله (ع) : « المؤمنون عند شروطهم » (١) ونحوهما ليس في مقام جعل الحكم التكليفي ، والا لزم ترتب عقابين على البائع إذا امتنع عن تسليم المبيع إلى المشتري ، عقاب الغصب والعدوان على مال الغير ، وعقاب مخالفة وجوب الوفاء ، ولا يمكن الالتزام بذلك فيتعين أن يكون المقصود منها الإرشاد إلى صحة العقد والشرط والنذر ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المهور حديث : ٤ ، مستدرك الوسائل باب : ٥ من أبواب الخيار حديث : ٧.

٢٧٢

فيكون بالتجارة والأقوى البطلان [١] مع إرادة عنوان المضاربة إذ هي ما يكون الاسترباح فيه بالمعاملات وزيادة القيمة ، لا مثل هذه الفوائد ، نعم لا بأس بضمها إلى زيادة القيمة [٢].

______________________________________________________

ومقتضى العموم الأزماني عموم الصحة بحسب الازمان ، فيدل على اللزوم ، وعدم ترتب أثر على الفسخ لو وقع ، وقد خرج من ذلك نفس العقد الجائز ، لما دل على الجواز وترتب أثر الفسخ ، وبقي الشرط الوقع في ضمنه على حاله ، فلا يحتاج في إثبات اللزوم الى الوجوب التكليفي ، ولو فرض الاحتياج إليه فالخارج عن عموم الآية نفس العقد ، دون الشرط في ضمنه.

[١] قال في القواعد : « ولو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه ـ كالشجر والغنم ـ فالأقرب الفساد ، لأن مقتضى القراض التصرف في رأس المال » ، وفي جامع المقاصد : « ولأن مقتضى القراض الاسترباح بالتجارة ، وليس موضوع النزاع كذلك ، فلا يصح القراض عليه. وهو الأصح ». ولم يتضح الفرق بين التعليلين. وفي الشرائع بعد ما حكى القول بالفساد قال : « وفيه تردد » ، وفي جامع المقاصد : « ويحتمل ضعيفاً الصحة. لأن ذلك حصل بسعي العامل ، وهو شراؤه الشجر والغنم ، وذلك من جملة الاسترباح بالتجارة ، وضعفه ظاهر ، لأن الحاصل بالتجارة هو زيادة القيمة لما وقع عليه العقد ، لا نماؤه الحاصل مع بقاء عين المال ، والعمدة : عدم الدليل على صحة المضاربة في المقام ومفهومها العرفي يأباه. ولذا لم يعرف القول بالصحة لأحد من أصحابنا ، كما في الجواهر ، والأصل عدم ترتب الأثر.

[٢] قال في الجواهر : « لو قال له اشتره وما يحصل من ارتفاع قيمته ومن نمائه فهو بيننا » فالأقوى الصحة ، لإطلاق الأدلة. كما انه‌

٢٧٣

وإن لم يكن المراد خصوص عنوان المضاربة فيمكن دعوى صحته للعمومات [١].

______________________________________________________

لو اتفق نماء أعيان المضاربة قبل بيعها شارك في النماء قطعاً ، ثمَّ قال : « وبذلك ظهر لك أن لشركة العامل في النماء صوراً ثلاثة ، أحدها : معلومة الصحة ، والثانية : مظنونة ، والثالثة : شك في شمول الإطلاق لها ، والأصل الفساد » ويريد بالمعلومة صورة تحقق النماء من باب الاتفاق ، وهي التي ذكرها ثانياً في كلامه ، والمظنونة صورة التعرض له في العقد مضافاً إلى الربح ، التي ذكرها أولا في كلامه. وكان الأولى العكس لأنه إذا حصل النماء من باب الاتفاق ، ولم يكن قد تعرض له المتعاقدان ، فالقاعدة تقتضي كونه للمالك ، لأنه نماء ملكه ولا وجه لمشاركة العامل فيه ، بخلاف صورة التعرض له ، فإنه يكون كالشرط في المضاربة ، ولا وجه للتوقف في صحته. والمصنف اقتصر على هذه الصورة ، ولم يتعرض للصورة الأخرى ، وفي المسالك ذكر ما يشمل الصورتين قال : « واعلم أن المنع إنما هو في حصر الربح في النماء المذكور ـ كما تقتضيه هذه المعاملة ـ وإلا فلا يمنع كون النماء بينهما ويحتسب من جملة الربح على بعض الوجوه ، كما إذا اشترى شيئاً له غلة ، فظهرت غلته قبل أن يبيعه ، فإنها تكون بينهما من جملة الربح ، إلا أن الربح لم يحصراه فيها لإمكان تحصيله من أصل المال ». وبالجملة : إذا لم يتعرضا للنماء فاللازم كونه للمالك ، إلا أن يكون ملحوظاً إجمالا تبعاً. ولعله مراد الجواهر في الصورة الثانية في كلامه ، فيكون الاشتراك فيه شرطاً إجمالياً في المضاربة ، في مقابل الصورة الأولى في كلامه التي يكون الاشتراك فيه شرطاً مصرحاً في ضمن العقد.

[١] فإنها كافية في إثبات الصحة. واحتمال اختصاص العمومات بالمتعارف ، فلا يشمل المقام. ممنوع ، كما تقدم نظير ذلك.

٢٧٤

( مسألة ٤ ) : إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما كالربح ، أو اشترط ضمانه لرأس المال ، ففي صحته وجهان [١] أقواهما الأول ، لأنه ليس شرطاً منافياً لمقتضى العقد ـ كما قد يتخيل ـ بل إنما هو مناف لإطلاقه ، إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك وعدم ضمان العامل إلا مع التعدي ، أو التفريط.

( مسألة ٥ ) : إذا اشترط المالك على العامل أن لا يسافر مطلقاً أو إلى البلد الفلاني أو إلا إلى البلد الفلاني ، أو لا يشتري الجنس الفلاني ، أو إلا الجنس الفلاني ، أو لا يبيع من زيد مثلا ، أو إلا من زيد ، أو لا يشتري من شخص ، أو إلا من‌

______________________________________________________

[١] بل قولان أحدهما العدم ، وقد تقدم ما في القواعد من قوله : « ولو اشترط ما ينافيه فالوجه بطلان العقد ، مثل أن يشترط ضمان المال أو سهماً من الخسران .. » ، وفي جامع المقاصد : « وجه البطلان أن هذه شروط باطلة ، لمنافاتها مقتضى العقد شرعاً ، فيبطل العقد بها لأن التراضي المعتبر فيه لم يقع إلا على وجه فاسد ، فيكون باطلا. ويحتمل ضعيفاً صحة العقد وبطلان الشرط ، لأن بطلان أحد المتقارنين لا يقتضي بطلان الآخر. وجوابه أن التراضي في العقد شرط ، ولم يحصل إلا على الوجه الفاسد. فيكون غير معتبر ، فيفوت شرط الصحة ». وكأنه لوضوح منافاة الشرط للعقد لم يتعرض لبيان وجهها وتعرض لوجه ابطال الشرط الباطل للعقد.

لكن في الجواهر : أن جميع هذه الأمور من الأحكام أو ما هو مقتضى إطلاق العقد ، لا أنها من منافياً مقتضاه التي تعود عليه بالنقض‌

٢٧٥

______________________________________________________

فتأمل جيداً. انتهى. وكأنه يريد بالأحكام الأحكام غير الاقتضائية ، وإلا فالأحكام الاقتضائية لا يصح اشتراط خلافها ، لأن الشرط المخالف للكتاب باطل. وبالجملة : قد أشرنا في المسألة السابقة إلى أن الشرط المخالف لمقتضى العقد تارة : يكون مخالفاً لمضمونه ، وأخرى : يكون مخالفاً للوازمه العرفية ، وثالثة : يكون مخالفاً لاحكامه الشرعية الاقتضائية. وكون شرط الضمان أو شرط تحمل الخسارة من أحد الأقسام المذكورة غير ظاهر ، بل من الواضح أنهما غير مخالفين لمضمون المضاربة ولا للوازمها العرفية. نعم قد يتوهم مخالفتهما لما دل على عدم ضمان الأمين. لكنه ممنوع لاحتمال أن عدم ضمان الأمين لعدم المقتضي ، لا لمقتضي العدم ، ومع الاحتمال يبنى على صحة الشرط المخالف له ، لعدم ثبوت كونه مخالفاً للكتاب ، والأصل العدم. بل الظاهر المفهوم عرفاً أن عدم ضمانه لعدم المقتضي ، وحينئذ لا تضر مخالفته للشرط.

نعم في مصحح إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (ع) قال : « سألته عن مال المضاربة قال (ع) : الربح بينهما والوضيعة على المال » (١) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : « المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح ، وليس عليه من الوضعية شي‌ء ، إلا أن يخالف أمر صاحب المال » (٢) ، ونحوه رواية الكناني عن أبي عبد الله (ع) (٣) وظاهر الروايات المذكورة أن عدم ضمان العامل للخسارة من أحكام المضاربة فيكون الشرط مخالفاً للكتاب ، ومخالفاً لمقتضى العقد شرعاً. اللهم إلا أن يقال أيضاً : إن الحكم المذكور لعدم المقتضي فلا ينافيه الشرط.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب المضاربة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب المضاربة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب المضاربة حديث : ٣.

٢٧٦

______________________________________________________

اللهم إلا أن يقال الاستثناء في روايتي الحلبي والكناني يقتضي عدم الضمان حتى بملاحظة العناوين الثانوية ، فيدل على عدم تحمل الخسارة مطلقاً في غير المستثنى حتى مع الشرط ، فيدل على عدم صحة شرط الضمان وتدارك الخسارة تعبداً ، لا من جهة كونه مخالفاً لمقتضى العقد شرعاً. اللهم إلا أن يكون منصرف النصوص الجعل الشرعي ، لا جعل المالك ، كما هو مورد الكلام ، وهو غير بعيد جمعاً بين النصوص المذكورة وعموم نفوذ الشروط وحينئذ لا مانع من اشتراط تدارك الخسارة كلا أو بعضاً.

هذا وفي حسن الكاهلي عن أبي الحسن موسى (ع) : « في رجل دفع إلى رجل مالاً مضاربة ، فجعل له شيئاً من الربح مسمى ، فابتاع المضارب متاعاً فوضع فيه. قال (ع) : على المضارب من الوضيعة بقدر ما جعل له من الربح » (١) : لكنه متروك الظاهر. وفي صحيح محمد ابن قيس عن أبي جعفر (ع) في حديث إن علياً (ع) قال : « من ضمن تاجراً فليس له إلا رأس ماله ( المال. خ ل ) وليس له من الربح شي‌ء » (٢) ، وفي بعض طرقه : « من ضمن مضاربة ». وظاهره أن شرط الضمان صحيح لكنه مانع من استحقاق الربح للمالك ، فيكون من قبيل ما أرسل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الخراج بالضمان » (٣)

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب المضاربة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب المضاربة حديث : ١.

(٣) هكذا روي في كتب أصحابنا وقد أمر سيدنا المؤلف ـ قدس‌سره ـ بالفحص عن سند الحديث ومتنه في كتب الجمهور ، لأنه من رواياتهم وقد ظهر أنه مروي في صحيح الترمذي في ( ج ٥ صفحة ٢٨٥ ) هكذا : ( حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر وأبو عامر العقدي عن ابن أبي ذئب عن مخلد ابن خفاف عن عروة عن عائشة : ان رسول الله (ص) قضى أن الخراج بالضمان ) ونحوه في ( الجزء ٥ صفحة ٢٨٦ ) بسند آخر. ورواه في سنن أبي داود ( الجزء ٢ صفحة ٢٥٥ ) هكذا : ( حدثنا إبراهيم بن مروان ـ

٢٧٧

شخص معين ، أو نحو ذلك من الشروط ، فلا يجوز له المخالفة [١] ،

______________________________________________________

وهو مذهب المخالف ، وغير معمول به ، ولا معول عليه عندنا. وحمل في الوافي وغيره على أنه يكون المال قرضاً. وهو ـ مع أنه خلاف الظاهر منه ـ مخالف للقواعد.

والمتحصل : أن المنع من شرط الضمان وتدارك الخسارة لا يقتضيه ما دل على عدم ضمان الأمين ، لأنه حكم غير اقتضائي ، فشرط خلافه لا يكون مخالفاً للكتاب. ولا رواية إسحاق ونحوها مما ورد في خصوص المضاربة ، لما ذكر أيضاً. ولا إطلاق صحيح الحلبي لأن منصرفه خصوص جعل الشارع ، فلا يشمل جعل العاقد ، ولا قوله (ع) : « من ضمن تاجراً فليس له إلا رأس ماله وليس له من الربح شي‌ء » لأنه يدل على صحة الشرط لا بطلانه. فالعمل بإطلاق ما دل على صحة الشروط محكم.

[١] نص على ذلك في الشرائع والقواعد وغيرهما ، وفي المسالك : « لا خلاف عندنا في جواز هذه الشروط ولزومها وإن ضاقت بسبب هذه التجارة ». ثمَّ إن عدم الجواز ( تارة ) : يكون تكليفياً ، بأن تصرف تصرفاً عينياً ممنوعاً منه من المالك. ودليله ما دل على عدم جواز التصرف في مال أحد إلا بإذنه ، مثل التوقيع المشهور (١) ، ونحوه ( وتارة ) :

__________________

ـ حدثنا أبي حدثنا مسلم بن خالد الزنجي حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ( رض ) ان رجلا ابتاع.علاماً فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثمَّ وجد به عيباً فخاصمه إلى النبي (ص) فرده عليه فقال الرجل : يا رسول الله قد استغل غلامي فقال رسول الله (ص) : الخراج بالضمان ) ومورد الأخير الضمان العقدي الراجع الى التملك بالثمن لا الضمان الشرعي المتقوم بكون الشي‌ء في عهدة الضامن وعليه دركه ، كضمان اليد. وقد حكي عن أكثر فقهائهم تخصيص القاعدة بالضمان العقدي ، وتعميمها الى الضمان الشرعي مختص بالحنيفية. لكن المحكي عنهم انهم استدلوا عليها بوجه اعتباري لا بالحديث. فراجع ..

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام من كتاب الخمس حديث : ٦.

٢٧٨

وإلا ضمن المال لو تلف [١] بعضاً أو كلاً ، وضمن الخسارة مع فرضها. ومقتضى القاعدة وإن كان كون تمام الربح للمالك على فرض إرادة القيدية [٢] ،

______________________________________________________

يكون وضعياً كما إذا كان التصرف الممنوع منه من المالك اعتبارياً ، كما إذا قال له : لا تبع على زيد فباع عليه. وحينئذ لا يكون مأثوماً بالبيع ، ولا فاعلا للحرام ، وانما كان تصرفه باطلا ، لا غير. ودليله عموم قاعدة السلطنة. ومن ذلك يظهر الإشكال في الاستدلال على المقام بالقاعدة ، فإنها لا عموم فيها للتصرف العيني ، الذي هو موضوع الحكم التكليفي.

[١] بلا خلاف ولا اشكال. ويقتضيه النصوص الكثيرة ، منها صحيح الحلبي ورواية الكناني المتقدمان ، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال. « سألته عن الرجل يعطى المال مضاربة وينهى أن يخرج به فخرج. قال (ع) : يضمن المال والربح بينهما » (١) ونحوها غيرها.

[٢] القيود التي تذكر في المضاربة ( تارة ) : تكون من مقومات المضاربة ، مثل المبيع والمثمن ومكان البيع وزمانه والبائع والمشتري ونحو ذلك وهذه لا تكون إلا قيوداً للمجعول وهو المضاربة ، لا مجعولة بجعل مستقل لتعذر ذلك فيها ، فاذا قال له : اشتر الغنم ، أو في السوق الفلاني ، أو في النهار ، أو في الليل ، أو لا تبع على زيد ، أو لا تشتر من زيد ، أو بتوسط الدلال الفلاني ، أو نحو ذلك ، فهذه قيود المضاربة أخذت قيداً للمجعول ، لا أنها مجعولة بجعل مستقل في ضمن المضاربة ، لامتناع جعلها لأنها عينية لا تقبل الجعل ، وجعلها في ضمن جعل المفهوم بمثل قوله : وعليك أن تشتري الغنم ، راجع الى تقييد المفهوم ، لا جعل شي‌ء في ضمن جعل المفهوم ، فهو إذاً قيد لا شرط ( وتارة ) : لا تكون مقومة للمضاربة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب كتاب المضاربة حديث : ١.

٢٧٩

______________________________________________________

بل خارجة عنها ، مثل أن يقول : لا تحمل المال معك ، أو لا تنقد الثمن في مجلس البيع ، أو اقرأ سورة من القرآن وقت البيع ، أو نحو ذلك. وهذا القسم ( تارة ) : يكون ملحوظاً قيداً للمضاربة ، كأن يقول : بع وأنت تقرأ القرآن ، أو تذكر الله تعالى ( وأخرى ) : يكون ملحوظاً شرطاً في ضمن المضاربة ، مجعولا بجعل مستقل ، بأن يقول : واشترطت عليك أن تقرأ القرآن وقت البيع ( وثالثة ) : أن يأمر المالك به أو ينهى عنه ، من دون ملاحظة كونه شرطاً له على العامل ، ولا قيداً للعمل ، بل لوحظ لنفسه لما فيه من الفائدة ، مثل أن يقول : احمل النقد في هميان ، أو اتخذ حارساً يحفظ مال التجارة. أما ما أخذ قيداً للمضاربة ـ سواء كان من مقوماتها أم خارجاً عنها ـ فهو على قسمين : ( الأول ) : ما يؤخذ قيداً في مقام الواقع ، كما إذا قال له : لا تتجر بالأكفان ، أو لا تبع وأنت جنب فلا ينبغي التأمل في عدم صحة المعاملة لو خالف ، لأنها غير مأذون فيها من المالك ، فصحتها خلاف قاعدة السلطنة ، ولا تصح إلا بإجازة المالك. ( الثاني ) : ما أخذ قيداً في مقام الظاهر خوفاً من الخسران ، كما إذا قال : لا تشتر التمر فإنه خطر ، فاشترى تمراً وربح ، فالمعاملة وإن كانت غير مأذون فيها ظاهراً مأذون فيها واقعاً ، ولا منافاة بين الأمرين ، لعدم التنافي بين الحكم الظاهري والواقعي. وعليه فالمعاملة صحيحة ، ولا تحتاج إلى إمضاء وإجازة. وكذلك تصح المعاملة فيما لم يؤخذ قيداً أو شرطاً مجعولا بجعل مستقل ، فإنها حينئذ مأذون فيها ولا خيار للمالك في الفسخ لعدم المقتضي لذلك ، فاذا لم يتخذ حارساً لحفظ ماله أو لم يحمل النقد في هميان كان مخالفاً لما أمره به المالك ، فيكون آثماً وضامناً ، لكن لا خلل في المعاملة ، ولا في لزومها ، ولا خيار للمالك.

والمتحصل مما ذكرنا أمور : ( الأول ) : أن القيود المذكورة في‌

٢٨٠