مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

لم يستحق المالك إلا آجرة المثل ، ولكن لو زادت عما يدعيه من المسمى لم يستحق الزيادة ، لاعترافه بعدم استحقاقها ، ويجب على المتصرف إيصالها إليه. هذا إذا كان النزاع بعد استيفاء المنفعة. وإن كان قبله رجع كل مال إلى صاحبه.

( مسألة ٢ ) : لو اتففا على أنه أذن للمتصرف في استيفاء المنفعة ، ولكن المالك يدعي : أنه على وجه الإجارة بكذا أو الاذن بالضمان ، والمتصرف يدي : أنه على وجه العارية ، ففي تقديم أيهما وجهان ، بل قولان [١] ، من أصالة البراءة‌

______________________________________________________

[١] حكى في مفتاح الكرامة : تقديم قول مدعي العارية بيمينه عن عارية الخلاف والمبسوط والغنية واللمعة ومجمع البرهان والكفاية ، ثمَّ قال : « وهو الذي في نفس الشيخ في مزارعة الخلاف ». وحكى نحوه في الجواهر ، لأصالة البراءة ، لاتفاقهما على أن استيفاء المنفعة لم يكن بعنوان غير مشروع ، فالتردد في استحقاق العوض وعدمه ، والأصل البراءة. وقيل القول قول المالك في عدم العارية ، فإذا حلف سقطت دعوى مدعي العارية ، وثبت عليه أجرة المثل. اختاره في الشرائع ، وحكي عن الحلي وإجارة المهذب. وفي الجواهر في كتاب العارية قال : « لعله المشهور ». واختاره في القواعد ، وحكي عن جامع المقاصد والروض والمسالك والكفاية وغيرها ، لكنهم قيدوا ما ذكروه من ثبوت أجرة المثل بما إذا لم يزد على المدعي. وربما حكي غير ذلك عن غيرهم.

ومبنى الخلاف في الجملة على أن الأصل في المنفعة المستوفاة هو الضمان إلا أن يبذلها المالك مجاناً ، أو عدم الضمان إلا أن يثبت سبب الضمان. فالقول الأول مبني على الثاني ، والثاني مبني على الأول. والمصرح به في‌

١٦١

بعد فرض كون التصرف جائزاً ، ومن أصالة احترام مال المسلم الذي لا يحل إلا بالإباحة والأصل عدمها ، فتثبت أجرة المثل بعد التحالف. ولا يبعد ترجيح الثاني. وجواز التصرف أعم من الإباحة.

______________________________________________________

كلمات القائلين بالثاني : أن المقام لا بد فيه من التحالف ، فيحلف المالك على عدم العارية ، ويحلف مدعي العارية على نفي الإجارة ، فيثبت للمالك أجرة المثل.

هذا والذي ينبغي هو التعرض لصور المسألة ، فنقول : الأجرة المسماة تارة : تكون في الذمة ، وأخرى : في الخارج ، والأولى تارة : تكون مساوية لأجرة المثل ، وأخرى : تكون أكثر منها ، وثالثة : تكون أقل. فالصور أربع :

الأولى : أن تكون مساوية لأجرة المثل ، كأن يدعي المالك : أنه آجر. زيداً داره بدينار. ويدعي زيد : أنها عارية. ومحل الكلام صورة ما إذا كان النزاع بعد انقضاء مدة الإجارة التي يدعيها المالك ، فنقول : بناء على كون المعيار في تطبيق المدعي والمنكر مضمون كلام المتداعيين ، يكون كل واحد منهما مدعياً ومنكراً لمدعي خصمه في جميع الصور الأربع ، لأن كلاً من الإجارة والعارية خلاف الأصل ، فيتحالفان. وحينئذ فإن ثبتت قاعدة احترام مال المسلم ، بمعنى : الحكم بضمانه على من هو عنده حتى يثبت ما يقتضي عدمه ، من إباحة أو عارية مجانية ـ واستشهد لها في مفتاح الكرامة ، وتبعه في الجواهر بصحيح إسحاق بن عمار عن أبي الحسن ، الوارد فيمن استودع رجلا ألف درهم فضاعت ، فقال الرجل : إنها وديعة ، وقال الآخر : إنها قرض. قال (ع) : « المال لازم له ، إلا أن يقيم‌

١٦٢

______________________________________________________

البينة أنها كانت وديعة » (١) ـ لزمت المتصرف أجرة المثل. وإن لم تثبت القاعدة المذكورة ، لما عرفت سابقاً من أن ما دل على حرمة المسلم ودمه وعرضه ظاهر في الحكم التكليفي لا غير ، وأما الصحيح فلا يمكن استفادة القاعدة الكلية منه. نعم ظاهر الأكثر ذلك ، فلا ملزم بأجرة المثل ولا غيرها.

والإنصاف لزوم البناء على القاعدة المذكورة ، ومرتكزات المتشرعة تقتضيها ، وكفى بها حجة ، والصحيح المتقدم مؤيد لها ، بل البناء على ضمان المنافع المستوفاة شاهد بها ، فالبناء على الضمان بأجرة المثل متعين.

هذا بناء على كون المعيار في المدعي والمنكر عبارة المتنازعين. أما بناء على كون المعيار مقصودهما وغرضهما من النزاع ، فيكون مدعي العارية مدعياً ومدعي الإجارة منكراً بناء على ثبوت قاعدة الاحترام ، لأن ثبوت المسمى المساوي لأجرة المثل مقتضى أصالة عدم العارية التي يدعيها المتصرف وأصالة عدم الإجارة لا أثر له ، إذ ليس للإجارة في المقام أثر خاص ، فان ضمان المتصرف بالعوض الخاص مترتب على مجرد عدم العارية وإن علم بعدم الإجارة ، فيكون المقام من باب المدعي والمنكر. وكذا بناء على عدم ثبوت قاعدة الاحترام ، لكن يكون مدعي الإجارة مدعياً ، ومدعي العارية منكراً ، على عكس مقتضى المبنى السابق ، لأنه يكفي في نفي الضمان نفي الإجارة من دون حاجة الى إثبات العارية ، لأن السبب الموجب للضمان ـ على هذا المبنى ـ هو الإجارة لا غير. فمدعي الإجارة يدعي الضمان ومدعي العارية ينفي الضمان ، فيكون منكراً ، فيكون القول قوله بيمينه.

وبالجملة : بناء على كون المعيار في المدعي والمنكر غرض المتنازعين يكون فرض المسألة من باب المدعي والمنكر ، فان بني على قاعدة الاحترام ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب أحكام الوديعة حديث : ١.

١٦٣

______________________________________________________

يكون مدعي العارية مدعياً ، ومدعي الإجارة منكراً. وبناء على عدم ثبوت القاعدة ، يكون الأمر بالعكس ، مدعي الإجارة مدعياً ومدعي العارية منكراً.

الصورة الثانية : أن تكون الأجرة المسماة أكثر من أجرة المثل. وحكمها هو : أنه بناء على كون المعيار الغرض من النزاع ، فان بني على قاعدة الاحترام ، فهي أيضاً من قبيل التداعي ، لأن مدعي الإجارة يثبت الأجرة الزائدة على أجرة المثل ، ومدعي العارية ينفي الاستحقاق بالمرة ، لا للأجرة المسماة ولا لأجرة المثل. ولما كانت كلتا الدعويين ذات أثر ، وكلتاهما خلاف الأصل ، كان الخصمان متداعيين ، فيحلف المالك على نفي العارية ، فيثبت الاستحقاق لأجرة المثل ، ويحلف المتصرف على نفي الإجارة ، فينتفي الزائد على أجرة المثل ، فيكون للمالك أجرة المثل لا غير. أما بناء على عدم ثبوت قاعدة الاحترام : فالمقام من باب المدعي والمنكر ، ومدعي الإجارة يكون مدعياً ومدعي العارية منكراً ، بلحاظ نفي الإجارة الذي هو لازم دعواه ، لا بلحاظ نفس العارية ، إذ العارية لا أثر لها على هذا المبنى ، لأن عدم الضمان مقتضى الأصل ، حتى يثبت السبب المضمن وهو الإجارة ، فيحلف مدعي العارية على نفي الإجارة ، ولا شي‌ء عليه حينئذ كما تقدم القول بذلك من جماعة في صدر المسألة.

الصورة الثالثة : أن تكون الأجرة المسماة أقل من أجرة المثل. وحكمها : أنه بناء على كون المعيار في تشخيص المدعي هو الغرض المقصود من النزاع ، فالفرض من باب المدعي والمنكر ، سواء قلنا بقاعدة الاحترام أم لم نقل. غاية الأمر أنه على الأول يكون مدعي العارية مدعياً ، لترتب الأثر الشرعي على مدعاه الذي هو خلاف الأصل ، ومدعي الإجارة منكراً ، بلحاظ نفي العارية لا بلحاظ نفس الإجارة ، إذ الضمان ليس موضوعه‌

١٦٤

______________________________________________________

الإجارة ، بل موضوعه الاستيفاء بلا بذل مجاني كما عرفت. فالمدعي لا أثر له ولا يجري فيه الأصل في المقام ، ولذا لو اعترف المالك بعدم الإجارة وأنكر العارية ثبت الضمان مع يمينه على نفي العارية. وبناء على عدم ثبوت قاعدة الاحترام ، يكون مدعي الإجارة مدعياً ومدعي العارية منكراً كما عرفت سابقاً. وعلى الأول : يستحق المالك بعد يمينه المسمى لا غير ، لاعترافه بعدم استحقاق الزائد عليه ، وعلى الثاني : لا يستحق المالك شيئاً ، بعد يمين مدعي العارية على نفي الإجارة.

الصورة الرابعة : أن تكون الأجرة عيناً خارجية. وحكمها : أنه بناء على كون المعيار في تشخيص المدعي الغرض من النزاع ، فهما من باب المدعي والمنكر ، لأن المالك يدعي ملك العين الخارجية والمتصرف ينفي ذلك. ودعوى الأول خلاف الأصل ، ونفي الثاني موافق للأصل. ودعوى المتصرف العارية وإن كانت خلاف الأصل ، لكن لا أثر لأصالة عدمها ، إذ المقصود منها إن كان إشغال ذمة المتصرف ، فلا مجال له لاعتراف المالك بعدم اشتغال ذمة المتصرف بشي‌ء ، وإن كان المقصود منها إثبات ملك المالك للعين الخارجية ، فهي لا تصلح لإثبات ذلك ، لأنه لازم غير شرعي. فادعاء المتصرف العارية لا أثر له إلا بلحاظ ما يلزمه من نفي الإجارة كما عرفت. فاذا حلف المتصرف على نفي الإجارة انتفى ملك العين الخارجية للمالك. أما إذا حلف المالك على نفي العارية لم يثبت ملكها للمالك ، لأنه لازم عقلي ، ولم ينتف به اشتغال ذمة المتصرف بأجرة المالك ، لأنه حاصل باعترافه.

هذا كله حكم الصور الثلاث بناء على كون المعيار في تشخيص المدعي الغرض المقصود من النزاع. أما بناء على كون المعيار فيه صورة الدعوى : فالخصمان في جميع الصور الثلاث المذكورة متداعيان ، لأن كلاً‌

١٦٥

( مسألة ٣ ) : إذا تنازعا في قدر المستأجر عليه قدم قول مدعي الأقل [١].

______________________________________________________

منهما يدعي أمراً على خلاف الأصل ، كما عرفت في الصورة الرابعة. وبعد التحالف يستحق المالك أجرة المثل في الصورة الأولى منها ، والمسمى في الثانية دون الزائد ، أخذاً له باعترافه بناء على قاعدة الاحترام. أما بناء على عدمها فلا يستحق شيئاً ، لأصالة البراءة من دون ثبوت سبب مضمن. وأما في الصورة الثالثة فلا يستحق شيئاً على كل من المبنيين ، أخذا له باعترافه بفراغ ذمة المتصرف.

هذا حكم صور المسألة على اختلاف المباني المتقدمة. ففي الشرائع قال في كتاب العارية : « إذا قال الراكب : أعرتنيها ، وقال المالك : آجرتكها ، فالقول قول الراكب ، لأن المالك مدع للأجرة. وقيل : القول قول المالك في عدم العارية ، فإذا حلف سقطت دعوى الراكب وتثبت عليه أجرة المثل لا المسمى. وهو أشبه ». وظاهر كل من القولين : أن المورد من باب المدعي والمنكر لا من باب التداعي. لكن في القواعد في كتاب المزارعة : « لو ادعى العامل العارية والمالك الحصة أو الأجرة قدم قول المالك في عدم العارية ، وله أجرة المثل مع يمين العامل ما لم تزد على المدعى ». وظاهره : أن المقام من باب التداعي. وعن الشيخ في المبسوط : العمل بالقرعة في تعيين المدعي والمنكر. لكن المحكي عن عبارته. أن ذلك أحوط. والاشكال فيه ظاهر على كل حال ، إذ لا موجب للخروج عن القواعد ـ التي قد عرفتها ـ من دون دليل مخرج.

[١] كما هو المعروف المصرح به في كلماتهم ، لأصالة عدم وقوع الإجارة على الزائد المختلف فيه « فيكون القائل به منكراً. نعم بناء على أن المعيار في المدعي صورة القضية : يكونان متداعيين ، كما نسب إلى‌

١٦٦

( مسألة ٤ ) : إذا تنازعا في رد العين المستأجرة قدم قول المالك [١].

( مسألة ٥ ) : إذا ادعى الصائغ أو الملاح أو المكاري تلف المتاع من غير تعدو لا تفريط ، وأنكر المالك التلف ، أو ادعى التفريط أو التعدي ، قدم قولهم مع اليمين على الأقوى [٢].

______________________________________________________

جماعة ، ففي جامع المقاصد : أنه لا ريب في قوة التحالف. وقد عرفت ضعفه.

[١] من دون خلاف ظاهر ولا إشكال ، لأصالة عدم الرد. وقبول دعوى الودعي الرد بالإجماع ـ لو تمَّ ـ لا يقتضي قياس المقام عليه ، لاختلافهما في أن القبض في المقام لمصلحة القابض ، بخلاف الودعي ، فإنه لمصلحة المالك.

[٢] وهو المحكي عن جماعة من القدماء والمتأخرين. وعن الخلاف : الإجماع عليه. ويشهد له خبر بكر بن حبيب : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أعطيت جبة الى القصار ، فذهبت بزعمه. قال (ع) : إن اتهمته فاستحلفه ، وإن لم تتهمه فليس عليه شي‌ء » (١) وخبره الآخر عنه (ع) : « لا يضمن القصار إلا ما جنت يداه ، وإن اتهمته أحلفته » (٢) ، وخبر أبي بصير المرادي عنه (ع) : « لا يضمن الصائغ ولا القصار ولا الحائك ، إلا أن يكونوا متهمين ، فيخوف بالبينة ويستحلف ، لعله يستخرج منه شيئاً » (٣).

والمشهور ـ كما عن المسالك وعن السيد أن عليه إجماعنا وأنه من منفرداتنا ـ أنهم يكلفون بالبينة. ويشهد له جملة من النصوص ، كمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في الغسال والصباغ ما سرق منهم من شي‌ء فلم يخرج منه على أمر بين أنه قد سرق ، وكل قليل له أو كثير ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١٧.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١١.

١٦٧

( مسألة ٦ ) : يكره تضمين الأجير في مورد ضمانه [١]

______________________________________________________

فان فعل فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يقم البينة وزعم : أنه قد ذهب الذي ادعي عليه ، فقد ضمنه إن لم يكن له بينة على قوله » (١) وصحيح ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن قصار دفعت اليه ثوباً ، فزعم أنه سرق من بين متاعه. قال : فعليه أن يقيم البينة أنه سرق من بين متاعه ، وليس عليه شي‌ء ، وإن سرق متاعه كله فليس عليه شي‌ء » (٢). ونحوهما غيرهما.

هذا وفي نسبة القول المذكور إلى الشهرة تأمل ، فضلاً عن نسبته إلى الإجماع. وفي الجواهر : لم يتحقق القول به الا من المفيد والمرتضى ». وكذا في صحة الاستدلال له بهذه النصوص ، فإن التأمل في مجموع النصوص ـ على اختلاف مضامينها ـ يقتضي لزوم البناء على الاكتفاء في عدم الضمان بأحد أمور : إما اليمين ، أو البينة ، أو قيام امارة على صدقه مثل : أن يدعي السرقة ويكون قد سرق جميع متاعه ، أو يكون مأمونا في نفسه. ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : قال « كان أمير المؤمنين (ع) : يضمن القصار والصائغ احتياطاً للناس ، وكان أبي (ع) يتطول عليه إذا كان مأمونا » (٣). ونحوه غيره. هذا مضافاً إلى أن إعراض المشهور عن هذه النصوص مع أنها أصح سنداً وأكثر عدداً مما يوهن حجيتها ، وحينئذ لا مجال للعمل بها في قبال النصوص الأول. وما في الشرائع : من أن الأول أشهر الروايتين ، فيه تأمل ظاهر.

[١] كما نسب إلى الأصحاب. وقد يشهد به خبر حذيفة : « عن الرجل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٤.

١٦٨

من قيام البينة على إتلافه ، أو تفريطه في الحفظ ، أو تعديه أو نكوله عن اليمين ، أو نحو ذلك.

( مسألة ٧ ) : إذا تنازعا في مقدار الأجرة قدم قول المستأجر [١].

( مسألة ٨ ) : إذا تنازعا في أنه آجره بغلاً أو حماراً أو آجره هذا الحمار مثلا أو ذاك ، فالمرجع التحالف [٢].

______________________________________________________

يحمل المتاع بالأجر فيضيع ، فتطيب نفسه أن يغرمه لأهله ، أيأخذونه؟ قال : فقال : أمين هو؟ قلت نعم. قال : فلا يأخذون منه شيئاً » (١) فتأمل.

[١] قاله علماؤنا ، كما عن التذكرة ، لأصالة عدم لزوم الزائد. لكن عرفت القول بالتداعي والتحالف ممن يرى أن المعيار في تشخيص المدعي مصب الدعوى لا الغرض. وفي جامع المقاصد : أنه لا ريب في قوة التحالف في المقام ، معللا له بما ذكر. ونحوه كلامه فيما لو اختلفا في قدر الثمن كما عرفت ضعفه.

[٢] كما هو المشهور المعروف. يظهر ذلك من كلماتهم في مباحث النزاع من كتاب البيع ، ففي الشرائع : « لو قال : بعتك هذا الثوب ، فقال : بل هذا ، فهنا دعويان ». ونظيره ذكر في القواعد قال : لو قال : بعتك العبد بمائة ، فقال : بل الجارية ، تحالفا وبطل البيع ». وظاهر الجواهر وغيرها : عدم الخلاف والاشكال في ذلك. نعم قال الشهيد في اللمعة : « وفي تعيين المبيع يتحالفان. وقال الشيخ والقاضي : يحلف البائع كالاختلاف في الثمن ». وفي الروضة : « وضرب عليه في بعض النسخ المقروءة على المصنف (ره) ». وفي المسالك ـ بعد ما نقل ما تقدم عن الشرائع ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١٢.

١٦٩

______________________________________________________

قال : « الحكم هنا واضح بعد الإحاطة بما سلف ».

وقد اشتهر في كلامهم هنا توجيه التحالف : بأن ضابط التحالف أن لا يتفقا على أمر. قال في المسالك في كتاب الإجارة : « وضابط التحالف : أن لا يتفقا على شي‌ء كما لو قال : آجرتك البيت الفلاني ، فقال : بل الفلاني ، أو قال : آجرتك البيت ، فقال : بل الحمام ». ونحوه كلام غيره. لكن التوجيه المذكور يتم بناء على أن المعيار في تشخيص المدعي مصب الدعوى أما بناء على أن المعيار الغرض المقصود ، فالغرض المقصود في البيع ليس إلا مطالبة المشتري بما يدعي شراءه ، وفي الإجارة مطالبة المستأجر بما يدعي استئجاره ، والمالك ينفي ذلك ، والأصل يقتضي عدم وقوع الإجارة على ما يدعي المستأجر. وأما المالك فهو وإن كان يدعي وقوع الإجارة على ما يدعي وقوع الإجارة عليه ، لكن هذه الدعوى لا أثر لها في مطالبته بشي‌ء ، وليس له غرض فيها إلا بلحاظ ما يترتب عليها من اللازم ، وهو نفي ما يدعيه المستأجر ، ولذا يصح له الاقتصار على بطلان دعوى المستأجر ، من دون تعرض لمدعاه. وبالجملة : بعد اتفاقهما على استحقاق المالك للأجرة ، فالخلاف انما هو في استحقاق المستأجر لمنفعة ما يدعيه ، والمالك ينفيه ، والأصل معه ، فهو منكر والمستأجر مدع. فاذا حلف المالك على نفي ما يدعيه المستأجر ، فقد بطلت دعوى المستأجر ، وليس له المطالبة بشي‌ء.

هذا إذا كان النزاع قبل التصرف. أما لو كان بعد التصرف وانقضاء المدة فاللازم ـ بعد يمين المالك ـ أن يدفع له أجرة المثل عن المنفعة المستوفاة مما يدعيه ، بناء على ما عرفت من أصالة احترام مال المسلم ، لأنه لما لم يثبت استحقاقه لمنفعة الفرس التي قد استوفاها ، كان اللازم دفع أجرتها. وأما منفعة الحمار الذي يدعي وقوع الإجارة عليه فقد فاتت بتقصير منه ، لأنه هو الذي ترك الانتفاع بها في المدة المضروبة ، فتكون عليه الأجرة‌

١٧٠

وكذا لو اختلفا في الأجرة أنها عشرة دراهم أو دينار [١].

______________________________________________________

( مسألة ٩ ) : إذا اختلفا في أنه شرط أحدهما على الآخر شرطاً أو لا ، فالقول قول منكره [٢].

المتفق عليها بينهما ، وعليه أجرة الفرس بمقتضى أصالة عدم إجارتها إياه. هذا ما تقتضيه القواعد ، وإن لم اعرف من ذكره أو احتمله. عدا ما سبق من الشهيد في اللمعة. نعم ذكره بعض الأكابر في حاشيته على المتن وهو في محله.

[١] الكلام في هذه المسألة هو الكلام في سابقتها بعينه. نعم يختلفان في أن المدعي في المسألة السابقة هو المستأجر ، بناء على أن المعيار في تشخيص المدعي الغرض المقصود. وفي هذه المسألة يكون المدعي هو المؤجر ، لأنه يدعي أن الإجارة واقعة على ما يدعيه ، والمستأجر ينكر ذلك. مثلاً إذا كان المؤجر يدعي : أن الأجرة كانت عشرة دراهم ، والمستأجر يدعي : أنها كانت ديناراً ، فهما يتفقان على أن منفعة العين المستأجرة صارت ملكا للمستأجر ، ويختلفان في الأجرة ، فالمؤجر يدعي أنها كانت عشرة دراهم والمستأجر يدعي أنها كانت ديناراً ، فدعوى المؤجر ملزمة وموجبة للمطالبة بالعشرة دراهم ، ودعوى المستأجر لا توجب شيئاً إلا بلحاظ ما يلزمها من نفي دعوى المؤجر ونفي استحقاق المؤجر المطالبة له بالعشرة ، فمرجعها إلى إنكار دعوى المؤجر ، فهما من قبيل المدعي والمنكر ، كما في المسألة السابقة ، غير أن المؤجر هنا هو المدعي ، والمستأجر منكر ، على عكس ما سبق هناك. ومقتضى ذلك سماع قول المستأجر بيمينه ، إذا لم تكن بينة للمؤجر على دعواه.

[٢] لا ينبغي التأمل في ذلك بناء على ما عرفت من المعيار. نعم بناء على الوجه الآخر يكون المقام من التداعي ، لاختلافهما في لخصوصيات المشخصة الموجب للاختلاف في المتشخص.

١٧١

( مسألة ١٠ ) : إذا اختلفا في المدة أنها شهر أو شهران مثلاً ، فالقول قول منكر الأزيد [١].

( مسألة ١١ ) : إذا اختلفا في الصحة والفساد ، قدم قول من يدعي الصحة [٢].

______________________________________________________

[١] كما عن الحلي ، لأصالة عدم وقوع الإجارة في الزيادة المختلف فيها ، فيكون قول المالك هو الموافق للأصل وقول المستأجر على خلافه ، فيكون مدعياً : لكن في القواعد : « ولو اختلفا في المدة ، فقال : آجرتك سنة بدينار ، فقال : بل سنتين بدينارين ، فالقول قول المالك مع يمينه. ولو قال بل سنتين بدينار ، فهنا قد اختلفا في قدر العوض والمدة ، والأقرب التحالف ». ونحوه ذكر في التحرير. وفي جامع المقاصد ـ في شرح عبارة القواعد المذكورة ـ قال : « أما الاختلاف في المدة فظاهر ، وأما الاختلاف في العوض فإنه على قول أحدهما عوض السنة دينار ، وعلى قول الآخر نصف دينار. ولقائل أن يقول : إن العوض الذي جرى عليه العقد متفقان عليه ، وإنما الاختلاف في زيادة المدة وعدمها. ووجه القرب : أن كل واحد منهما يدعي عقداً مغايراً للعقد الذي يدعيه الآخر ، والآخر ينكره فيتحالفان » وعن الشيخ : القول بالقرعة. لكن عبارته في غير هذه المسألة ، وقد تقدمت الإشارة إليها.

والتحقيق ما عرفت : من أنه بناء على أن المعيار في المدعي الغرض المقصود من النزاع ، فالمستأجر مدع والمالك منكر ، وبناء على أن المعيار مصب الدعوى ، فهما متداعيان.

[٢] كما هو المعروف بين الأصحاب ، كما عن الكفاية ، لاستقرار سيرة العقلاء والمتشرعة على حمل الفعل الصادر المحتمل الصحة والفساد على الصحة ، ولا يختص ذلك بفعل المسلم ، بل يطرد في فعل كل عاقل ، كما‌

١٧٢

( مسألة ١٢ ) : إذا حمل المؤجر متاعه إلى بلد ، فقال المستأجر استأجرتك على أن تحمله إلى البلد الفلاني غير ذلك‌

______________________________________________________

عرفت. وفي جامع المقاصد قال في هذا المقام : « لا شك أنه إذا حصل الاتفاق على حصول جميع الأمور المعتبرة في العقد ، من حصول الإيجاب والقبول من الكاملين ، وجريانهما على العوضين المعتبرين ، ووقع الاختلاف في شرط مفسد مثلاً ، فالقول قول مدعي الصحة بيمينه ، لأنه الموافق للأصل ، فان الأصل عدم ذلك المفسد ، والأصل في فعل المسلم الصحة. لا يقال : الأصل بقاء الملك على مال مالكه ، فيعارض الأصل المذكور. لأنا نقول : بعد صدور الإيجاب والقبول على الوجه المعتبر ، وعدم العلم بالمنافي لصحتهما ، المقتضي للحكم بصحتهما عملاً بالاستصحاب لحال تحقق السبب الناقل ، فلم يبق ذلك الأصل كما كان. أما إذا حصل الاختلاف مع الصحة والفساد في حصول بعض الأمور المعتبرة وعدمه ، فان هذا الاستدلال لا يستمر هاهنا ، فإن الأصل عدم السبب الناقل. ومن ذلك ما لو ادعى : اني اشتريت العبد ، فقال بل بعتك حراً ».

وفيه أن التفصيل المذكور بلا فاصل ، لاستقراء السيرة على الصحة في الجميع. ولذلك حكي الاعتراف منه بذلك في موضع من كتاب البيع ، وآخر من كتاب الرهن ، فقال في أحدهما : « لو قال : بعتك وأنا صبي ، أنه يقدم مدعي الصحة ( يعني : المشتري ). وقال : إن تقديم قول البائع في غاية الضعف » وقال في ثانيهما : « إذا قال : بعتك بعبد ، فقال : بل بحر ، أنه يقدم قول مدعي الصحة ». والكلام في ذلك موكول الى محله. وقد تعرض شيخنا الأعظم (ره) في رسائله للكلام في هذه المسألة. فراجع.

١٧٣

البلد ، وتنازعا ، قدم قول المستأجر [١] فلا يستحق المؤجر أجرة حمله. وإن طلب منه الرد إلى المكان الأول [٢]

______________________________________________________

[١] لأصالة عدم وقوع الإجارة على ما ادعاه الأجير ، فلا يستحق الأجرة على عمله. لكن هذا يتم بناء على ما عرفت من أن المعيار في تشخيص المدعي الغرض المقصود. أما إذا كان المعيار صورة الدعوى فهما متداعيان ، لتباين الدعويين بتباين متعلقيهما وكذا إذا كان الغرض المقصود من دعوى المستأجر المطالبة بالنقل الى الموضع الذي يدعيه ، بأن كانت مدة الإجارة باقية ، فان غرض كل منهما مباين لغرض الآخر ، وكلاهما ثبوتي ، فيكونان متداعيين ، يحلف كل منهما على نفي مدعي الآخر ، وبعد حلفهما معا يحكم ببطلان كل من الدعويين. فلا يجوز للمستأجر مطالبة الأجير بنقل المتاع الى الموضع الذي يدعيه ، ولا للأجير المطالبة بالأجرة على نقله المتاع الذي يدعيه.

وبالجملة : للمسألة صورتان : ( الأولى ) : أن يكون كل واحد من المتعاقدين في مقام مطالبة صاحبه بحق ، بأن يكون المستأجر في مقام مطالبة الأجير بالعمل المستأجر عليه حسبما يدعي ، والأجير في مقام مطالبة المستأجر بالأجرة ، لأنه يدعي وقوع العمل المستأجر عليه. وفي هذه الصورة هما متداعيان ، يدعي كل منهما شيئاً على خلاف الأصل ، وينكره الآخر ، فيتحالفان. ( الثانية ) : أن يكون أحدهما مطالباً لصاحبه بشي‌ء ، دون صاحبه فلا يطالبه بشي‌ء. وفي هذه الصورة يكون المطالب مدعياً وصاحبه منكراً ، فيقدم قوله بيمينه. كما إذا انتهت مدة الإجارة فبطلت ، أو تعذر العمل المستأجر عليه ، لعجز عقلي أو شرعي.

[٢] قد عرفت : أن المستأجر إنما يكون منكراً إذا لم يكن مطالبا بشي‌ء ينكره صاحبه ، فاذا كان مطالبا برد العين إلى الموضع الذي نقلت‌

١٧٤

وجب عليه [١] ، وليس له رده إليه إذا لم يرض ، ويضمن له‌

______________________________________________________

عنه ، فربما يقال إنه يكون مدعياً ، فيكون الآخر منكراً ، فيكونان متداعيين ، المؤجر يطالب بالأجرة ، والمستأجر يطالب بالرد. وفيه : أن المعيار في التداعي أن يطالب كل واحد منهما بأمر يكون من لوازم دعواه وثبوته يترتب على ثبوت دعواه. أما إذا كان المطالب يترتب على نفي دعوى خصمه ، لأنه من آثار عدمها ، فإنه حينئذ لا يكون مدعياً بالإضافة إليه ، لأن الأصل النافي لدعوى خصمه ، بعد ما كان مثبتا لذلك الأثر الذي يطالب به ، يكون بملاحظته أيضاً منكراً ، لأنه يدعي أمراً تثبته الحجة الشرعية ، وهو الأصل ، وليس معنى المنكر إلا ذلك ، كما عرفت. ونظير المقام : ما لو أكل طعام غيره مدعيا الاذن منه ، فأنكر صاحب الطعام الاذن وطالب بالعوض ، فإنه بالمطالبة بالعوض لا يكون مدعيا ، لأنه يدعي أمراً تقتضيه أصالة عدم إذن المالك ، كما هو ظاهر.

[١] وجوب الرد إلى المكان الذي نقله منه إما أن يستفاد من قوله (ع) : « كل مغصوب مردود » (١) ، وقوله (ص) : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢). وإما لأن خصوصية المكان من قبيل سائر الخصوصيات القائمة بالعين ، مضمونة على المتلف ، لكن الأول إنما يقتضي الرد والأداء إلى المالك ، وربما يحصلان بحضور المالك في البلد الذي نقل اليه المتاع. وأما الثاني : فلأن الخصوصيات التي تكون عليها العين إنما تكون مضمونة إذا كانت ذات مالية ، أما إذا لم تكن فلا دليل على ضمانها ، وإن كانت مما تختلف بها الرغبات ، فضلاً عما إذا لم تكن كذلك‌

__________________

(١) لم نعثر على النص بهذا اللفظ. نعم عثرنا على قوله (ع) « لأن الغصب كله مردود » فراجع الوسائل باب : ١ من كتاب الغصب حديث : ٣ ، وباب : ١ من كتاب الأنفال حديث : ٤‌

(٢) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب الغصب حديث : ٤.

١٧٥

إن تلف أو عاب ، لعدم كونه أمينا حينئذ في ظاهر الشرع [١].

( مسألة ١٣ ) : إذا خاط ثوبه قباء ، وادعى المستأجر أنه أمره بأن يخيطه قميصا ، فالأقوى تقديم قول المستأجر [٢]

______________________________________________________

أيضاً. وخصوصية المكان ربما تكون مما لا تختلف بها الرغبات ، ولا تكون ذات مالية. فالدليلان المذكوران غير ظاهرين في إثبات ذلك على إطلاقه. نعم لا يبعد أن يكون ذلك من الأحكام العرفية للضمان.

[١] وحينئذ فيشمله عموم أدلة الضمان.

[٢] كما عن جملة كثيرة من كتب الفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم. وعن الحواشي نسبته إلى المشهور ، لأن المستأجر منكر لما يدعيه العامل من الاذن ، فيكون قوله مقدماً.

لكن في الخلاف ـ بعد أن اختار أن القول قول صاحب الثوب واستدل له بما ذكر ـ قال : « وكنا نقول فيما تقدم في هذه المسألة : ان القول قول الخياط لأنه غارم ، وأن رب الثوب يدعي عليه قطعا لم يأمره به ، فيلزمه بذلك ضمان الثوب ، فكان عليه البينة ، فإذا فقدها وجب على الخياط اليمين. وهذا أيضاً قوي ». وعن وكالة التذكرة : الجزم بأن القول قول الخياط. وظاهرهما أن المقام من باب المدعي والمنكر وان المالك مدع والعامل منكر. وفيه : ما عرفت من أن مطالبة المالك للعامل بضمان الثوب لا توجب كون المالك مدعيا ، لأن ذلك من آثار عدم الاذن في قطع الثوب قباء ، فإذا جرى كفى في ترتب استحقاق الأرش ، فيكون قوله موافقاً للأصل أيضاً ، فيكون منكراً لا مدعياً.

ومن ذلك يظهر لك ضعف ما يقال : من أن تقديم قول المالك يختص بصورة ما إذا لم يدع المالك الأرش. أما إذا ادعى الأرش على العامل فهما متداعيان ، لأن العامل يدعي الأجرة والمالك يدعي الأرش. وادعي‌

١٧٦

لأصالة عدم الاذن في خياطته قباء. وعلى هذا فيضمن له عوض النقص الحاصل من ذلك [١]. ولا يجوز له نقضه إذا كان الخيط للمستأجر [٢]. وإن كان له كان له [٣].

______________________________________________________

فهم ذلك من مجمع البرهان من قوله : « ولعل المصنف لم يذكر التحالف بناء على عدم دعوى الآخرة وأما مع دعواه فالظاهر التحالف ، فتأمل ». بل فهم أيضاً ذلك من التذكرة ، لما ذكر فيها من أن من قدم قول الخياط لا بد وأن يقول بالتحالف.

وجه الضعف : ما عرفت من أن دعوى المالك الأرش لما كانت مقتضى أصالة عدم الاذن في عمل العامل ، لا توجب كونه مدعياً ، بل هو أيضاً من هذه الجهة منكر. ولا فرق في كون المالك منكراً ، بين اقتصاره على نفي الإجارة بداعي نفي الأجرة ، أو بداعي المطالبة بالأرش ، أو بداعيهما معا ، لأنه في الجميع يدعي ما يقتضيه الأصل. وكلام التذكرة ومجمع البرهان لا يخلو من إجمال. نعم عن صريح الشافعي : أن رب الثوب يدعي عليه الغرم وينفي الأجرة ، والخياط يدعي الأجرة وينفي الغرم فيتحالفان. انتهى. وهو صريح فيما ذكر ، الذي قد عرفت ضعفه.

ومن ذلك يظهر أنه لا فرق في كون المالك منكراً والعامل مدعيا بين أن يكون فرض المسألة من باب الإجارة ، كما هو ظاهر المتن ، وأن يكون من باب الأمر بالعمل على وجه الجعالة ، كما هو ظاهر فرض الأصحاب للمسألة. نعم لا بأس بالبناء على التحالف إذا كان المعيار في تشخيص المدعي صورة الدعوى ، لتباين الدعويين ، كما عرفت في نظائره.

[١] لأنه بفعله ، فيدخل في عموم : من أفسد فهو ضامن.

[٢] لعدم جواز التصرف في مال أحد إلا بإذنه.

[٣] يعني : إذا كان الخيط للمؤجر جاز له نقضه ، لأنه ماله فيكون‌

١٧٧

______________________________________________________

تحت سلطنته. فان قلت : نقضه يوجب تصرفا في الثوب الذي هو للمستأجر ، فيكون تحت سلطنته ، فلا يجوز التصرف فيه. قلت : الوجود القائم بعينين لمالكين ، لما كان تصرفا في العينين ، كان تحت سلطنة واحدة قائمة بسلطانين ، فتكون سلطنتين ضمنيتين. وإذا أعملت إحدى السلطنتين الضمنيتين في الوجود كان الوجود تحت سلطنة مطلقة للسلطان الآخر. وإذا أعملت بالعدم بطلت السلطنة الأخرى من السلطان الآخر. مثلاً : العقد القائم بالعوضين للمالكين ، لما كان قائما بمالين ، كان تحت سلطنة المالكين معا ، فإذا أقدم أحد السلطانين على الوجود ، كان الوجود تحت سلطنة مطلقة للطرف الآخر ، فإذا أوجب البائع كانت المعاوضة تحت سطان القابل ، فوجودها وعدمها تحت سلطانه ، وإذا لم يوجب ولم يرض بالمعاوضة ، بطلت السلطنة من الآخر. ففي المقام : لما كان بقاء الخيط بالثوب قائما بالعينين معا ، فهو تحت سلطنة مالكيهما على النحو الذي ذكرناه ، فإن رضي صاحب الخيط ببقائه فبقاؤه تحت سلطنة مطلقة لصاحب الثوب ، وإن رضي صاحب الثوب ببقائه فهو تحت سلطنة مطلقة لصاحب الخيط ، وإن لم يرض صاحب الثوب ببقائه بطلت سلطنة صاحب الخيط على بقائه ، وإن لم يرض صاحب الخيط ببقائه بطلت سلطنة صاحب الثوب على بقائه ، فلا يكون له منعه بدعوى أنه تصرف في الثوب.

لكن هذا إنما يتم بالإضافة إلى التصرف في الثوب من حيث كونه مخيطا ، ولا يقتضي جواز التصرف فيه ، التصرف الذي يكون مقدمة لنقضه وفصل الخيط عنه ، فان ذلك التصرف ليس قائما بالثوب والخيط ، وإنما هو قائم بالثوب نفسه ، فهو تحت سلطنة المالك مستقلا ، نظير التصرف في آلات صاحب الثوب لأجل فصل الخيط عنه. وعلى هذا فالخروج عن القواعد المقتضية للمنع لا يصح ، إلا إذ كان ضرراً على‌

١٧٨

ويضمن النقص الحاصل من ذلك [١]. ولا يجب عليه قبول‌

______________________________________________________

صاحب الخيط ، فتكون قاعدة نفي الضرر حاكمة على قاعدة السلطنة.

لكن إذا منع المالك صاحب الخيط عن أخذ خيطه ، فامتنع ، جاء الإشكال في تصرفه في الثوب ، لأنه تصرف في الخيط أيضاً ، فيحرم. إلا أن يقال : إن منع مالك الثوب عن التصرف في ثوبه ضرر ، فينتفي ، ولا ضرر في منع مالك الخيط عن أخذ خيطه حسب الفرض.

وبالجملة : الخروج عن القواعد المقتضبة لما ذكرنا غير ظاهر ، وإن تصدى بعض لإثبات أن مقتضاها جواز أخذ الخيط لمالكه ، وإن لزم التصرف في الثوب مطلقاً ، وجواز منع صاحب الخيط من أخذه ، وإن لم يلزم ضرر على صاحب الثوب ، كما أشرنا إلى ذلك في تعليقتنا على مباحث خيار الغبن.

[١] لأنه بفعله ، فيشمله عموم أدلة الضمان. نعم إذا كانت تستوجب صفة ذا مالية في الثوب ، كانت تلك الصفة ملكا للمؤجر ، فيكون الثوب لمالكه والخياطة للعامل ، وله المطالبة بها. وحينئذ فهل لازم ذلك الشركة في العين أولا؟ وجهان. أقواهما الثاني ، لعدم الدليل عليه.

وأضعف منه جعل الشركة في المالية. وجه الضعف : أن المالية من الاعتبارات التي هي منتزعة من حصول الرغبة ، ولا تقبل الشركة عند العقلاء. وكذلك الحكم لو أراد الخياط أخذ الخيط ، فمنعه المالك من التصرف في الثوب ، وكان منعه موجباً للضرر ، كما كان ـ أيضاً ـ التصرف في الثوب حين أخذ الخيط ضرراً على المالك ، فإنه مع تعارض الضرر وسقوط قاعدة نفي الضرر في الطرفين ، يرجع إلى قاعدة السلطنة في الطرفين ، ومقتضاها عدم جواز أخذ الخيط ، وعدم جواز التصرف في الثوب ،

١٧٩

عوضه لو طلبه المستأجر [١] ، كما ليس عليه قبول عوض الثوب لو طلبه المؤجر. هذا ولو تنازعا في هذه المسألة والمسألة المتقدمة قبل الحمل وقبل الخياطة فالمرجع التحالف [٢]

______________________________________________________

فيبقى الثوب ممنوعاً من التصرف فيه من كل منهما ، ولا بد من أن ينتهي الأمر إلى التخلص بالبيع ، ونحوه من المعاوضات على العين ، ويكون الاشتراك بينهما بالثمن ، بناء على أن ذلك من الأحكام العرفية ، كما هو غير بعيد ، وإن كان لا يخلو من خفاء.

[١] الوجه فيه وفيما بعده ظاهر ، لأنه مقتضى قاعدة السلطنة.

[٢] هذا واضح بناء على أن المعيار في تشخيص المدعي مصب الدعوى أما إذا كان المعيار هو الغرض المقصود للمتنازعين فمشكل ، لأن المستأجر يطالب بالعمل الذي يدعيه ، والأجير ينكر ذلك. أما الأجير فلا يطالب بشي‌ء ، لأنهما يعترفان باستحقاق الأجرة ولا ينكرها أحدهما. نعم يدعي الأجير استحقاق أخذ الأجرة والمطالبة لو عمل ، وهذه الدعوى ليس فيها مطالبة بحق فعلي ، وإنما هي مطالبة بحق استقبالي ، ومثل هذه الدعوى لا تسمع ، لعدم استحقاق المطالبة بالحق المذكور إلا في ظرف فعليته. نعم إذا مضت المدة التي يمكن فيها العمل ، وبذل الأجير نفسه للعمل ، استحق المطالبة بالأجرة لو كانت الإجارة واقعة على العمل الذي يدعيه. وحينئذ تصح له الدعوى ، فتكون مسموعة ، ويكون مدعياً ، والمستأجر منكراً. وحينئذ فإن كان مقصود المصنف ( قده ) هذا المعنى من التحالف فلا بأس به ، وإن كان المقصود أنهما في الزمان الواحد متداعيان فقد عرفت اشكاله. وكأنه لذلك ذكر في بعض الحواشي لبعض الأكابر : أنه يقدم قول المؤجر في المسألتين مع يمينه على نفي ما يدعي المستأجر استحقاقه. ( انتهى )

ثمَّ إنه إذا تحالفا حكم الحاكم على طبق كل من اليمينين ، فيحكم ببطلان‌

١٨٠