مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

الخيار إذا حدث فيها عيب بعد العقد وقبل القبض [١] ، بل بعد القبض أيضاً ، وان كان استوفى بعض المنفعة ومضى بعض المدة [٢]. هذا إذا كانت العين شخصية. وأما إذا‌

______________________________________________________

أما حديث لا ضرر ، أو دليل خيار تخلف الشرط ، وكلاهما غير مطرد. لأجل ذلك يتعين التفصيل المذكور في المتن.

[١] إما لقاعدة التلف قبل القبض الحاكمة بأنه من مال الناقل ، فيكون العقد كأنه وقع على الفاقد. وفيه : أنه لو تمَّ ذلك في تلف وصف المبيع ، فالتعدي إلى المقام يحتاج الى دليل. وإما لان مبنى المعاوضة على التسليم والتسلم للعوضين على ما هما عليه ، فكما يثبت الخيار بتعذر تسليم العين ، كذلك يثبت الخيار بتعذر تسليمها على ما هي عليه من الوصف ولو لأجل تلف الوصف. وإما لأجل أن تلف الوصف يكشف عن تلفه وانتفائه في نفسه ، كما في تلف العين المستأجرة ولو بعد العقد والقبض ، كما يأتي في الفصل اللاحق. ولأجله تصح دعوى ثبوت الخيار في ما لو حدث العيب بعد القبض. لأن الإقدام كان على الانتفاع بالعين وهي على الوصف الخاص لا مطلقا ، فالتخلف يستوجب الخيار.

[٢] كما في محكي التذكرة ، واختاره في الجواهر وغيرها. لأن تسليم المنفعة تدريجي بتدرج زمانها ، فاذا حدث العيب فقد حدث قبل تسليم المعيب ، وقد عرفت ثبوت الخيار حينئذ. هذا مضافاً الى الوجه الماضي في صورة حدوث العيب قبل القبض وبعد العقد من أن التلف حينئذ كاشف عن عدم المنفعة الصحيحة.

لكن الوجه الأول قد ينافيه بناؤهم على عدم الخيار لو غصبت العين بعد القبض. والوجه الأخير ينافيه بناؤهم على الانفساخ من حين التلف ، فيما لو تلفت العين المستأجرة بعد القبض ، كما سيأتي في الفصل الآتي. فتأمل.

٤١

كانت كلية وكان الفرد المقبوض معيبا ، فليس له فسخ العقد [١] بل له مطالبة البدل. نعم لو تعذر البدل كان له الخيار في أصل العقد [٢].

( مسألة ٨ ) : إذا وجد المؤجر عيباً سابقاً في الأجرة ولم يكن عالماً به كان له فسخ العقد ، وله الرضا به. وهل له مطالبة الأرش معه؟ لا يبعد ذلك ، بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه [٣]. لكن هذا إذا لم تكن الأجرة منفعة عين ، وإلا فلا أرش فيه [٤] مثل ما مرّ في المسألة السابقة من كون العين المستأجرة معيبا [٥]. هذا إذا كانت الأجرة عيناً شخصية.

______________________________________________________

[١] كما صرح به غير واحد من دون خلاف فيه ، لعدم المقتضي للخيار في العقد.

[٢] لتعذر تسليم العوض الذي عليه مبنى المعاوضة ، ولذا يستتبع الخيار‌

[٣] بل هو المصرح به في كلام جماعة ، بل في مفتاح الكرامة وغيره : لا أجد فيه خلافاً. فان تمَّ إجماع عليه ـ كما استظهره غير واحد ـ فهو الحجة. وإلا ففيه إشكال ، لاختصاص دليله بالبيع فالتعدي إلى المقام وغيره من سائر المعاوضات غير ظاهر ، والأصل ينفيه ، وإن حكي عن المحقق القول به في عوض الخلع. وفي القواعد : القول به فيه ، وفي عوض الهلة ومال الكتابة. وعن المسالك : القول به في المهر. وفي محكي الروضة : القول به في الصلح على وجه قوي. إلا أن ثبوت الإجماع بهذا المقدار على ثبوته كلياً في المعاوضات ممنوع جداً. ولذا جزم بعدمه بعض في بعضها. لكن كان المناسب عدم الفرق فيها لأنها جميعا من وادٍ واحد.

[٤] كما نص على ذلك في الجواهر.

[٥] لما مرّ أيضاً.

٤٢

وأما إذا كانت كلية ، فله مطالبة البدل لا فسخ أصل العقد ، إلا مع تعذر البدل على حذو ما مرّ في المسألة السابقة.

( مسألة ٩ ) : إذا أفلس المستأجر بالأجرة ، كان للمؤجر الخيار بين الفسخ واسترداد العين ، وبين الضرب مع الغرماء [١] ، نظير ما إذا أفلس المشتري بالثمن ، حيث ان للبائع الخيار إذا وجد عين ماله.

( مسألة ١٠ ) : إذا تبين غبن المؤجر أو المستأجر فله الخيار ، إذا لم يكن عالما به حال العقد [٢] إلا إذا اشترطا سقوطه في ضمن العقد.

( مسألة ١١ ) : ليس في الإجارة خيار المجلس ولا خيار الحيوان ، بل ولا خيار التأخير على الوجه المذكور في‌

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ، كما عن غير واحد. وصرح به جماعة من القدماء والمتأخرين ، إلحاقا للإجارة بالبيع الثابت فيه بالإجماع والنصوص (١). وبعضها وإن لم يكن مختصاً بالبيع إلا أنه ظاهر في العين (٢) ، فإلحاق المنافع بها يحتاج إلى تنقيح المناط ، كما هو ظاهرهم ، وإن كان المحكي عن بعض : تكلف إدراج المنفعة في بعض تلك النصوص.

[٢] بناء على استفادة الخيار في البيع من عموم نفي الضرر ، فإنه كما يشمل البيع يشمل الإجارة وغيرها من العقود المالية. أما إذا كان المستند الإجماع ، فثبوته في الإجارة غير ظاهر ، فان كثيراً من الأصحاب أهمل ذكره في المقام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب أحكام الحجر.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أحكام المضاربة : ١.

٤٣

البيع [١] ، ويجري فيها خيار الشرط حتى للأجنبي ، وخيار العيب ، والغبن كما ذكرتا ، بل يجري فيها سائر الخيارات كخيار الاشتراط ، وتبعض الصفقة ، وتعذر التسليم ، والتفليس والتدليس ، والشركة ، وما يفسد ليومه ، وخيار شرط رد العوض ، نظير شرط رد الثمن في البيع [٢].

( مسألة ١٢ ) : إذا آجر عبده أو داره مثلا ثمَّ باعه من المستأجر لم تبطل الإجارة ، فيكون للمشتري منفعة العبد مثلا ، من جهة الإجارة قبل انقضاء مدتها ، لا من جهة تبعية العين. ولو فسخت الإجارة رجعت الى البائع [٣]. ولو مات بعد القبض رجع المشتري المستأجر على البائع ، بما يقابل بقية المدة من الأجرة ، وإن كان تلف العين عليه. والله العالم.

فصل

يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان ، والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد ، من غير توقف على شي‌ء كما هو مقتضى سببية العقود. كما أن المؤجر يملك الأجرة‌

______________________________________________________

[١] لاختصاص أدلة الثلاثة المذكورة بالبيع ، وعموم أدلة ما عداها لها ، ولا بد من ملاحظة تلك الأدلة.

[٢] نص على ذلك كله في الجواهر ، متمسكا بعموم أدلتها.

[٣] عرفت إشكاله.

٤٤

ملكية متزلزلة به كذلك. ولكن لا يستحق المؤجر مطالبة الأجرة إلا بتسليم العين أو العمل [١] ، كما لا يستحق المستأجر مطالبتهما الا بتسليم الأجرة ، كما هو مقتضى المعاوضة. وتستقر ملكية الأجرة باستيفاء المنفعة أو العمل أو ما بحكمه. فأصل الملكية للطرفين موقوف على تمامية العقد. وجواز المطالبة موقوف على التسليم ، واستقرار ملكية الأجرة موقوف على استيفاء المنفعة أو إتمام العمل أو ما بحكمهما. فلو حصل مانع عن الاستيفاء أو عن العمل تنفسخ الإجارة ، كما سيأتي تفصيله.

( مسألة ١ ) : لو استأجر داراً ـ مثلاً ـ وتسلمها ، ومضت مدة الإجارة استقرت الأجرة عليه ، سواء سكنها أو لم يسكنها باختياره [٢]. وكذا إذا استأجر دابة للركوب أو لحمل المتاع إلى مكان كذا ، ومضى زمان يمكن له ذلك ، وجب عليه الأجرة واستقرت وإن لم يركب أو لم يحمل ، بشرط أن يكون مقدراً بالزمان المتصل بالعقد. وأما إذا عينا وقتاً فبعد مضي ذلك الوقت. هذا إذا كانت الإجارة واقعة‌

______________________________________________________

[١] لأن مبنى المعاوضات على التسليم والتسلم ، فلكل من المتعاوضين الامتناع من التسليم في ظرف امتناع صاحبه ، كما أن لكل منهما المطالبة في ظرف صدور التسليم منه ، ولا يجوز للآخر الامتناع عنه حينئذ ، فلو تعذر جاز له الفسخ.

[٢] لتحقق التسليم من المؤجر ، الذي عرفت أنه موجب لاستقرار ملكية الأجرة. وهذا مما لا إشكال فيه ولا خلاف ، ويشهد له غير واحد من النصوص.

٤٥

على عين معينة شخصية في وقت معين. وأما إن وقعت على كلي وعيّن في فرد وتسلمه ، فالأقوى أنه كذلك [١] مع تعيين الوقت وانقضائه. نعم مع عدم تعيين الوقت فالظاهر عدم استقرار الأجرة المسماة [٢] ، وبقاء الإجارة ، وإن كان ضامناً لأجرة المثل لتلك المدة ، من جهة تفويته المنفعة على المؤجر.

( مسألة ٢ ) : إذا بذل المؤجر العين المستأجرة للمستأجر ولم يتسلم حتى انقضت المدة ، استقرت عليه الأجرة [٣].

______________________________________________________

[١] لأن تسليم الفرد تسليم الكلي ، فيتحقق التسليم الذي هو شرط استقرار الأجرة. ونسب الى الشيخ : العدم ، لكون المدفوع غير موضوع الإجارة. لكنه ضعيف كما عرفت ، وإن احتمل في عبارة الشرائع.

[٢] كما هو ظاهر محكي المهذب البارع ، وإيضاح النافع. واحتملاه في عبارة الشرائع ، ووجهه ـ على ما قيل ـ : ان جميع الأزمنة صالح للاستيفاء ، ولا تتعين في زمان القبض ، وضعفه ظاهر ، لأن زمان القبض فرد من زمان الإجارة ، فالقبض فيه قبض فيه ، فلا فرق بين هذه الصورة وما قبلها ، كما صرح به في المسالك وغيرها. نعم لو كان الموجب لاستقرار الأجرة في الصورة الأولى تفويت المستأجر للمنفعة فهو غير حاصل في هذه الصورة ، لأن فوات الموسع إنما يكون بفواته في جميع الأزمنة ، ولا يكفي فيه فواته في بعضها. لكنه ليس ذلك هو الوجه ، بل الوجه حصول التسليم ، وهو حاصل في المقام كما عرفت.

[٣] كما صرح به في الجواهر ، حاكياً نفي الخلاف فيه عن كل من تعرض له. وفي المسالك : « وفي حكم التسليم ما لو بذل العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة ، أو مضت مدة يمكن فيها الاستيفاء ». ونحوه‌

٤٦

وكذا إذا استأجره ليخيط له ثوباً معيناً ـ مثلا ـ في وقت معين ، وامتنع من دفع الثوب اليه حتى مضى ذلك الوقت ، فإنه يجب عليه دفع الأجرة [١] ، سواء اشتغل في ذلك الوقت ـ مع امتناع المستأجر من دفع الثوب اليه ـ بشغل آخر لنفسه أو لغيره ، أو جلس فارغاً [٢].

( مسألة ٣ ) : إذا استأجره لقلع ضرسه ومضت المدة التي يمكن إيقاع ذلك فيها [٣] ، وكان المؤجر باذلا نفسه ، استقرت الأجرة [٤] ، سواء كان المؤجر حراً أو عبداً بإذن مولاه. واحتمال الفرق بينهما بالاستقرار في الثاني دون الأول لأن منافع الحر لا تضمن إلا بالاستيفاء ، لا وجه له ، لأن‌

______________________________________________________

في القواعد ، وعن غيرهما. ويقتضيه عموم اللزوم ، لعدم الدليل على اعتبار أكثر من ذلك في استقرار العقد ولزومه.

[١] لما سبق.

[٢] لاطراد المناط في استقرار الأجرة في جميع الصور ، وهو البذل الذي يتحقق به التسليم.

[٣] تفترق هذه المسألة عن المسألة السابقة : بأن المفروض في السابقة انقضاء تمام المدة ، وفي هذه المسألة انقضاء زمان يمكن فيه العمل ، وإن لم يمض تمام المدة. ولذلك لم يقع الخلاف في المسألة السابقة في لزوم الأجرة ، من جهة صدق التفويت فيها ، بخلاف هذه.

[٤] هذا الحكم ربما ينافي ما تقدم منه (ره) في آخر المسألة الأولى من عدم استقرار الأجرة مع عدم تعيين الوقت ، مع أن بذل العين أولى بصدق التسليم فيه.

٤٧

منافعه بعد العقد عليها صارت مالا للمستحق ، فاذا بذلها ولم يقبل كان تلفها منه [١] مع أنا لا نسلم أن منافعه لا تضمن.

______________________________________________________

[١] الفرق المذكور ذكره في جامع المقاصد وغيره ، من جهة أن الحر لا يكون تحت اليد ، فلا تكون منافعه تحت اليد بمجرد بذل نفسه ، فلا يتحقق تسليمها إلا باستيفائها. وفيه : ما عرفت من أن التسليم الذي يتحقق به استقرار الأجرة ، ويكون التلف من المستأجر ، يتحقق بمجرد التخلية ، بحت لا يكون مانع من استيفاء المنفعة إلا من قبل المستأجر. بهذا المعنى يتحقق بمجرد بذل الأجير نفسه للعمل ، كما يتحقق ببذل العين المستأجرة. بل الظاهر أنه لا فرق بين العبد والحر إلا بالحرية والرقية بالإضافة إلى نفسهما. وأما بالإضافة إلى منافعهما فهو : أن منافع العبد مملوكة لمالكه ، ومنافع الحر غير مملوكة. وأما من حيث إمكان إثبات اليد على العين ، أو على المنافع تبعاً للعين فيهما فهما سواء. وعدم ضمان الحر بمجرد اليد ، لعدم ملكية نفسه إجماعاً لا يقتضي ذلك. كما أن عدم ضمان منافعه باليد عليه ، لعدم كونها مملوكة له أيضاً ، لا يوجب الفرق بينهما في ما نحن فيه. مع أن استقرار الأجرة في إجارة العبد ، بمجرد بذل مولاه له ، لم يكن من جهة إثبات اليد عليه ، ليفرق بينه وبين الحر ، بأن الحر لا يمكن أن يكون تحت اليد ، بخلاف العبد ، بل إنما كان من جهة تحقق التسليم الحاصل بالبذل ، وإن لم يكن العبد تحت اليد. فلِمَ لا يلتزم بذلك بالنسبة إلى الحر؟!.

هذا وقد يحكى عن شيخنا الأعظم المحقق الأنصاري (ره) : الفرق بين كون الإجارة على عمل جزئي معين وعلى عمل كلي ، فتستقر في الأول بالبذل دون الثاني ، لأن تسليم الأول يكون بتسليم العامل نفسه ، وتسليم الثاني إنما يكون بتسليم فرده ، وهو لا يكون إلا بإيجاده في الخارج.

٤٨

إلا بالاستيفاء ، بل تضمن بالتفويت أيضاً إذا صدق ذلك [١] ، كما إذا حبسه وكان كسوباً ، فإنه يصدق في العرف : أنه فوت عليه كذا مقدار. هذا ولو استأجره لقلع ضرسه فزال الألم بعد العقد لم تثبت الأجرة ، لانفساخ الإجارة حينئذ [٢].

( مسألة ٤ ) : إذا تلفت العين المستأجرة قبل قبض

______________________________________________________

لكن عرفت فيما سبق الاشكال فيه ، وأن تسليم الجزئي إذا كان يكفي في حصوله تسليم العامل فلِمَ لا يكون تسليم الفرد الذي به يتحقق تسليم الكلي كذلك؟!.

وبالجملة : الفرق بين تسليم الجزئي الذي وقعت عليه الإجارة ، وبين تسليم الجزئي الذي هو مصداق لما وقعت عليه بأنه يكفي في الأول تسليم العامل ، ولا يكفي في الثاني ، غير ظاهر.

[١] هذا قد يدعى عدم معقوليته ، لأن الضمان إن كان تداركا للخسارة فالحبس إنما يقتضي فوات فائدة لا الوقوع في خسارة. وإن كان اشتغال الذمة بالبدل ، فمنافع الحر ـ كنفس الحر ـ ليس لها أثر في نظر الشارع كي يمكن تعقل البدلية عنها ، لعدم كونها مملوكة للحر ، ولا هي معنونة بعنوان مثل كونها صدقة أو نحوها ، كي يمكن اعتبار البدلية للمضمون به ، كما في إتلاف الوقف أو العين الزكوية ، فإن العين في المقامين غير مملوكة لمالك على التحقيق ، لكن معنونة بعنوان كونها وقفاً أو زكاة ، فيمكن قيام البدل مقامها في حفظ العنوان المذكور ، وفي المقام منافع الحر كنفس الحر ليست كذلك ، فلا معنى لاعتبار البدلية لشي‌ء عنها. مضافاً الى أن مقتضى الجمود على قاعدة الإتلاف ـ التي هي دليل الضمان ـ الاختصاص بما كان مالاً للغير. فتأمل.

[٢] لصيرورة المنفعة محرمة ، فيمتنع أكل المال بإزائها ، لأنه أكل بالباطل.

٤٩

المستأجر ، بطلت الإجارة [١]. وكذا إذا تلفت عقيب قبضها بلا فصل. وأما إذا تلفت بعد استيفاء منفعتها في بعض المدة ، فتبطل بالنسبة إلى بقية المدة ، فيرجع من الأجرة بما قابل المتخلف من المدة ، إن نصفاً فنصف ، وإن ثلثاً فثلث ، مع تساوي الاجزاء بحسب الأوقات ، ومع التفاوت تلاحظ النسبة.

( مسألة ٥ ) : إذا حصل الفسخ في أثناء المدة بأحد‌

______________________________________________________

[١] بلا خلاف نعلمه ، كما في محكي التذكرة. ونحوه في الجواهر. قد يستدل على ذلك : بأن مبنى عقود المعاوضة على المعاوضة الاعتبارية والخارجية التي هي تبديل سلطنة بسلطنة ، فتعذره يقتضي انتفاءها. وأشكل عليه في الجواهر : بأن ذلك خلاف ما ذكروه في مسألة تلف المبيع قبل القبض من أنه خلاف الأصل ، ثبت بدليل خاص بالبيع ، ولا وجه للتعدي إلى غيره. اللهم إلا أن يكون التعدي إلى المقام دليل على فهم ذلك من الدليل.

هذا والتحقيق أن الوجه في البطلان : ما سيأتي من أن اعتبار المنفعة إنما يصح في ظرف وجود العين فعلا ، فمع التلف قبل القبض لا منفعة حتى يصح اعتبار الإجارة ، وعليه فبطلان الإجارة من أصلها ـ كما نسب إلى العلامة (ره) ـ لا من حين التلف كما هو ظاهر المشهور هنا ، بل المتسالم عليه في تلف المبيع قبل القبض ، لأن طرف المعاوضة في البيع العين ، وهي حاصلة وقت البيع ، بخلاف الإجارة ، فإن وجود العين في زمان غير كاف في اعتبار المنفعة في الأزمنة اللاحقة ، فإذا تلفت العين في زمان كشف ذلك عن عدم المنفعة ، فلا تنعقد الإجارة من أصلها ، وإن كان ظاهر المشهور كون البطلان من حين التلف ، كالبطلان في البيع. وسيأتي ذلك في المسألة السابعة.

٥٠

أسبابه ، تثبت الأجرة المسماة بالنسبة إلى ما مضى ، ويرجع منها بالنسبة إلى ما بقي ـ كما ذكرنا في البطلان ـ على المشهور [١] ويحتمل قريباً أن يرجع تمام المسمى ، ويكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى ، لأن المفروض أنه يفسخ العقد الواقع أولا ، ومقتضى الفسخ عود كل عوض إلى مالكه. بل يحتمل‌

______________________________________________________

[١] فإنه ذكر في الشرائع : أنه لو تجدد فسخ ، صح فيما مضى وبطل في الباقي. ولم يتعرض في الجواهر والمسالك وغيرهما ـ في شرح العبارة المذكورة ـ لشبهة أو إشكال. وكذا ذكر في الإرشاد ، فيما لو انهدم المسكن ففسخ : أنه يرجع بنسبة المتخلف ولم يتعرض في مجمع البرهان للإشكال فيه. وكذا ذكره في الحدائق من دون نقل خلاف أو إشكال. لم أقف على من تعرض لخلاف فيه. بل يظهر من كلماتهم أنه من المسلمات. وقد ادعى بعض الأعيان : ظهور اتفاقهم عليه.

وعن بعض توجيهه : بعدم تعقل الفسخ فيما مضى ، لانعدامه ، فلا معنى لانتقاله بالفسخ إلى المؤجر. وفيه : أن الانتقال من الاعتبارات الصالحة للتعلق بالمعدوم ، كالموجود. مع أنه منقوض بإجارة العين فضولا ، فإن المنفعة قبل الإجارة ملك لمالك العين ، وبعد الإجارة ملك للمستأجر.

نعم قد يشكل ذلك من جهة أن الفسخ إنما يكون من حينه ، لا من حين حدوث العقد. وفيه : أنه مسلم ، لكن بالإضافة إلى تمام مضمون العقد ، فلا يجوز الفسخ بالنسبة إلى بعضه دون بعض ، وفي الإجارة المنافع التدريجية بحسب تدرج الزمان ، أبعاض موضوع واحد لا يجوز التفكيك بينها فيه ، فاذا وقع الفسخ وقع بالنسبة إلى الجميع. ولا مجال للمقايسة بالتلف في أثناء المدة ، فإن البطلان في ذلك من أول الأمر ، نظير تبعض الصفقة. ويشهد لما ذكرنا ما هو المعروف المدعى عليه الإجماع : أنه لا يجوز‌

٥١

أن يكون الأمر كذلك في صورة البطلان أيضاً ، لكنه بعيد [١].

( مسألة ٦ ) : إذا تلف بعض العين المستأجرة ، تبطل بنسبته ، ويجي‌ء خيار تبعض الصفقة.

( مسألة ٧ ) : ظاهر كلمات العلماء : أن الأجرة من حين العقد مملوكة للمؤجر بتمامها ، وبالتلف ـ قبل القبض أو بعده أو في أثناء المدة ـ ترجع إلى المستأجر كلا أو بعضاً من حين البطلان ، كما هو الحال عندهم في تلف المبيع قبل القبض لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيتها من الأول. وهو مشكل لأن مع التلف ينكشف عدم كون المؤجر مالكا للمنفعة إلى‌

______________________________________________________

التبعيض في الرد إذا ظهر عيب في بعض المبيع ، كما لو باعه ثوباً وخاتماً فتبين عيب في الثوب. ويشير اليه ما ذكروه من وجوب مطابقة القبول مع الإيجاب ، فلو قبل في بعض المبيع لم يصح العقد. لكن الظاهر بناؤهم على جواز التبعيض في ما لو كان بعض المبيع حيواناً ، فإنه يثبت فيه خيار الحيوان ، ويجوز رد الحيوان دون البعض الآخر. بل المشهور جواز الإقالة في بعض المبيع دون بعض ، ولم ينقل الخلاف في ذلك إلا من ابن المتوج ، على ما حكاه عنه الشهيد.

الإنصاف : أن المرتكزات العرفية لا تساعد على التبعيض في المقامين وإطلاقات مشروعية الإقالة والفسخ في مورده لا يصلح لإثبات قابلية المحل ومع الشك في القابلية يرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر. وهذا بخلاف مسألتنا ، فإن الارتكاز العرفي يساعد على التبعيض ، ولعله هو الوجه في التسالم والاتفاق ظاهرا عليه. فلاحظ.

[١] سيأتي وجهه في المسألة التاسعة.

٥٢

تمام المدة ، فلم ينتقل ما يقابل المتخلف من الأول اليه. وفرق واضح بين تلف المبيع قبل القبض ، وتلف العين هنا ، لأن المبيع حين بيعه كان مالا موجوداً قوبل بالعوض ، وأما المنفعة في المقام فلم تكن موجودة حين العقد ، ولا في علم الله ، إلا بمقدار بقاء العين. وعلى هذا فاذا تصرف في الأجرة ، يكون تصرفه بالنسبة إلى ما يقابل المتخلف فضولياً. ومن هذا يظهر : أن وجه البطلان في صورة التلف كلا أو بعضاً انكشاف عدم الملكية للمعوض.

( مسألة ٨ ) : إذا آجر دابة كلية ودفع فرداً منها فتلف ، لا تنفسخ الإجارة ، بل ينفسخ الوفاء [١] ، فعليه أن يدفع فرداً آخر.

( مسألة ٩ ) : إذا آجره داراً فانهدمت ، فان خرجت عن الانتفاع بالمرة بطلت ، فان كان قبل القبض أو بعده قبل أن يسكن فيها أصلا رجعت الأجرة بتمامها ، وإلا فبالنسبة ، ويحتمل تمامها في هذه الصورة أيضاً ، ويضمن أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى. لكنه بعيد [٢]. وإن أمكن الانتفاع بها‌

______________________________________________________

[١] لكون المدفوع ليس فرداً لموضوع الإجارة.

[٢] بلا خلاف في ذلك ولا إشكال ، كما في الجواهر. وكأنه لانحلال العقد إلى عقود متعددة ، بتعدد مراتب المنفعة في الأزمنة التدريجية ولا تلازم بينها في الصحة والبطلان ، وإن كانت متلازمة في الفسخ ، نظير موارد تبعض الصفقة ، بل المقام منه. ويستفاد ذلك ـ هنا ـ من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة ، الوارد بعضها فيمن استأجر دابة إلى‌

٥٣

مع ذلك ، كان للمستأجر الخيار بين الإبقاء والفسخ [١]. وإذا فسخ كان حكم الأجرة ما ذكرنا. ويقوى هنا رجوع تمام المسمى مطلقاً ، ودفع أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى ، لان هذا مقتضى فسخ العقد كما مر سابقاً. وإن انهدم بعض بيوتها بقيت الإجارة بالنسبة إلى البقية [٢] ، وكان للمستأجر خيار تبعض الصفقة. ولو بادر المؤجر إلى تعميرها ، بحيث لم يفت الانتفاع أصلا ، ليس للمستأجر الفسخ حينئذ على الأقوى ، خلافاً للثانيين [٣].

______________________________________________________

مسافة فأعيت (١) ، وبعضها فيمن استأجر أجيراً ليحفر له بئراً فأعيى (٢) وفيمن استأجر أجيراً ليحج فمات (٣). وبالجملة : المقام من البطلان في البعض من أول الأمر ، كما هو باب تبعض الصفقة ، لا من باب البطلان الطارئ بالفسخ ، فليسا هما من باب واحد. ثمَّ إنه تقدم من المصنف (ره) في المسألة الرابعة : الجزم بالبطلان في البعض دون البعض.

[١] هذا الخيار من قبيل خيار الرؤية ، لتخلف الوصف.

[٢] يعني : وبطلت بالنسبة إلى ما انهدم.

[٣] يعني : المحقق والشهيد الثانيين ، فقد اختار الأول في الجامع ، والثاني في المسالك : أن للمستأجر الفسخ وإن لم يفت الانتفاع أصلا ، لثبوت الخيار بالانهدام ، فيستصحب ، إذ لم يدل دليل على سقوطه بالإعادة. في الجواهر : « قد يناقش فيه بمنع ما يدل على ثبوته بالانهدام ، من حيث كونه انهداماً ، وإن لم يفت به شي‌ء من المنفعة على وجه تنقطع به‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١ ، ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب نيابة الحج.

٥٤

( مسألة ١٠ ) : إذا امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه ، وإن لم يمكن إجباره كان للمستأجر فسخ الإجارة والرجوع بالأجرة [١] ، وله الإبقاء ومطالبة عوض المنفعة الفائتة. وكذا إن أخذها منه بعد التسليم ، بلا فصل أو في أثناء المدة [٢]. ومع الفسخ في الأثناء يرجع بما يقابل‌

______________________________________________________

أصالة اللزوم ، اللهم إلا أن يستبعد الفرض ، وهو خروج عن محل الفرض ».

أقول : أبعاض العين المستأجرة : منه ما يكون انهدامه موجباً لفوات المنفعة حين الانهدام ، ومنه ما لا يكون كذلك ، لاختصاص الانتفاع به بغير زمان الانهدام ، كما إذا انهدم درج السطح أو السرداب في أيام الشتاء فإنه لا يوجب نقصاً في المنفعة. أما القسم الثاني : فلا ينبغي التأمل في عدم اقتضائه البطلان. وأما القسم الأول : فإن كان فوات المنفعة بنحو يعتد به ، فلا ينبغي التأمل في البطلان فيه ، لانتفاء المعاوضة بالنسبة إليه ، لانتفاء موضوعها. وإن كان بنحو لا يعتد به ، فالظاهر عدم اقتضائه البطلان ولا الخيار. ومما ذكرنا يظهر جريان ما ذكر في انهدام الكل ، وتجي‌ء فيه الأحكام. فاذا انهدم الدكان في أثناء الليل فإعادة قبل الصبح لم يقتض شيئاً. ولعله أشار بعض الأعاظم في حاشيته إلى ما ذكرنا. فراجع.

[١] كما حكي عن جماعة ، واختاره في الشرائع ، لأن مبنى المعاوضات على التسليم ، فمع تعذره يثبت الخيار. وعن الشيخ والعلامة في التذكرة : انفساخ الإجارة ، تنزيلا لذلك منزلة التلف قبل القبض. وهو كما ترى ، إذ التلف يكشف عن انتفاء المنفعة ، ولا موجب لهذا التنزيل.

[٢] لأن المنفعة لما كانت تدريجية فأخذ العين بعد القبض يوجب عدم تحقق القبض بالنسبة إلى المنفعة اللاحقة ، ولذا نسب الخيار المذكور إلى جماعة : لكن في جامع المقاصد وعن المسالك : لزوم العقد لتحقق‌

٥٥

التخلف من الأجرة. ويحتمل قوياً رجوع تمام الأجرة ودفع أجرة المثل لما مضى [١] ـ كما مر نظيره سابقاً ـ لأن مقتضى فسخ العقد عود تمام كل من العوضين إلى مالكهما الأول. لكن هذا الاحتمال خلاف فتوى المشهور.

( مسألة ١١ ) : إذا منعه ظالم عن الانتفاع بالعين قبل القبض تخير بين الفسخ [٢] والرجوع بالأجرة [٣] ، وبين الرجوع على الظالم بعوض ما فات. ويحتمل قوياً تعين الثاني [٤] وإن كان منع الظالم أو غصبه بعد القبض يتعين الوجه الثاني [٥]

______________________________________________________

التسليم المعتبر في اللزوم بالتسليم قبل الأخذ. وهو غير بعيد ، لأن القبض المعتبر ارتكازاً عند العرف يراد به قبض العين ، وإن كان لا يخلو من خفاء.

[١] كما تقدم منه (ره) ، وتقدم تقريبه.

[٢] لما سبق في منع المؤجر.

[٣] على المالك المؤجر. وفي جامع المقاصد وعن غيره : احتمال جواز الرجوع إلى المؤجر بأجرة المثل ، لأنها مضمونة عليه. لكن دفعه في المسالك : بأن ضمان المؤجر ضمان المعاوضة ، بمعنى : الرجوع إلى المسمى بعد الفسخ أو الانفساخ لا ضمان يد ، كما هو ظاهر.

[٤] لكن الأقوى خلافه ، لما عرفت من أن تعذر التسليم الذي عليه تبتني المعاوضة موجب للخيار ، من دون فرق بين أن يكون لمنع المؤجر ، أو لمنع الظالم ، أو لغير ذلك.

[٥] بلا خلاف كما قبل. وما تقدم في أخذ المؤجر بعد التسليم غير آت هنا كما قيل. لكن الفرق لا يخلو من خفاء ، فان منع الظالم قبل القبض إذا كان قادحاً في حصول التسليم الذي تبتني عليه المعاوضة ، كان‌

٥٦

فليس له الفسخ حينئذ ، سواء كان بعد القبض في ابتداء المدة أم في أثنائها. ثمَّ لو أعاد الظالم العين المستأجرة في أثناء المدة إلى المستأجر فالخيار باق [١] ، لكن ليس له الفسخ إلا في الجميع. وربما يحتمل جواز الفسخ بالنسبة إلى ما مضى من المدة في يد الغاصب [٢] ، والرجوع بقسطه من المسمى واستيفاء باقي المنفعة. وهو ضعيف ، للزوم التبعيض في العقد ، وإن كان يشكل الفرق بينه وبين ما ذكر من مذهب المشهور من إبقاء العقد فيما مضى وفسخه فيما بقي ، إذ إشكال تبعيض العقد مشترك بينهما.

( مسألة ١٢ ) : لو حدث للمستأجر عذر في الاستيفاء كما لو استأجر دابة لتحمله إلى بلد ، فمرض المستأجر ولم يقدر ـ فالظاهر البطلان.

______________________________________________________

مانعاً كذلك بعد القبض بالإضافة إلى المنفعة اللاحقة.

[١] قطعاً ، كما في جامع المقاصد ، لفوات المعقود عليه وهو مجموع المنفعة ، ولأنه قد ثبت له الخيار بالغصب والأصل بقاؤه ، لكن الأصل لا يعارض عموم لزوم العقود. فالعمدة الوجه الأول.

[٢] قال في القواعد : « فيه نظر ». وفي جامع المقاصد : « ينشأ من أن فوات المنفعة ـ وهي المعوض ـ يقتضي الرجوع إلى العوض ، وهو الأجرة المسماة ، والفوات في هذه الصورة مختص بالمنفعة الماضية ، فاستحق الفسخ فيها. ومن أن ذلك مقتض لتبعض الصفقة ، وهو خلاف مقتضى العقد ، فاما أن يفسخ في الجميع أو يمضي في الجميع .. إلى أن قال : وهو الأصح ».

٥٧

إن اشترط المباشرة [١] على وجه القيدية [٢]. وكذا لو حصل له عذر آخر. ويحتمل عدم البطلان [٣]. نعم لو كان هناك عذر عام بطلت قطعاً [٤] ، لعدم قابلية العين للاستيفاء حينئذ [٥].

( مسألة ١٣ ) : التلف السماوي للعين المستأجرة أو لمحل العمل موجب للبطلان ، ومنه إتلاف الحيوانات. وإتلاف‌

______________________________________________________

[١] لتعذر المنفعة المشروطة ، ومع عدم المنفعة لا مجال لصحة الإجارة. لا يكفي في الصحة مجرد قابلية العين للمنفعة في نفسها ، كما لا يخفى بعد التأمل.

[٢] بأن تؤخذ المباشرة قيداً على نحو وحدة المطلوب. أما إذا كان أخذها على نحو تعدد المطلوب ، كان لصاحب الشرط الخيار ، نظير ما لو باعه شيئاً موصوفاً فتعذر الوصف ، فالمستأجر يكون له الخيار بين الفسخ والرضا بذات المقيد.

[٣] قال في القواعد : « ولو حدث خوف منع المستأجر من الاستيفاء ـ كما لو استأجر جملا للحج فتنقطع السابلة ـ فالأقرب تخير كل من المؤجر والمستأجر في الفسخ والإمضاء ». وفيه : ما عرفت. مع أن الوجه في تخير المؤجر لا يخلو من خفاء : إذ لا خلل في مقصده.

[٤] لكن في القواعد : « لو استأجر داراً للسكنى ، فحدث خوف عام يمنع من السكنى في ذلك البلد ففي تخير المستأجر نظر ». وفي جامع المقاصد : « في ثبوت التخيير قوة ». وفيه : ما عرفت من عدم المنفعة التي هي شرط صحة الإجارة ، وقد تقدم : أن في حاق الإجارة المعاوضة على المنفعة ، ولا مجال لتحقق المعاوضة مع عدم المنفعة خارجاً.

[٥] عبارة التعليل لا تخلو من مسامحة.

٥٨

المستأجر بمنزلة القبض [١]. وإتلاف المؤجر موجب للتخيير بين ضمانه والفسخ [٢]. وإتلاف الأجنبي موجب لضمانه [٣]. والعذر العام بمنزلة التلف. وأما العذر الخاص بالمستأجر ـ كما إذا استأجر دابة لركوبه بنفسه فمرض ولم يقدر على المسافرة أو رجلا لقلع سنه فزال ألمه ، أو نحو ذلك ـ ففيه إشكال. لا يبعد أن يقال : إنه يوجب البطلان إذا كان بحيث لو كان قبل العقد لم يصح معه العقد [٤].

( مسألة ١٤ ) : إذا آجرت الزوجة نفسها بدون إذن الزوج فيما ينافي حق الاستمتاع وقفت على إجازة الزوج ، بخلاف ما إذا لم يكن منافياً ، فإنها صحيحة. وإذا اتفق إرادة الزوج للاستمتاع كشف عن فسادها.

______________________________________________________

[١] لا يخلو من إشكال ، لأن اعتبار المنفعة عند العقلاء تابع لوجود العين خارجاً ، ولا يكفي فيه الوجود الفرضي ولو كان ذمياً. ومنه يظهر الاشكال فيما بعده ، وإن كان يظهر من الجواهر وغيرها التسالم عليه.

[٢] أما الضمان : فلأن إتلاف العين إتلاف للمنفعة ، وهو موجب لضمانها. وأما الفسخ : فلتخلف المقصود ، وهو الانتفاع الخاص بالعين. يظهر من كلام غير واحد : المفروغية عن ثبوت الخيار لذلك.

[٣] الموجب للفسخ في إتلاف المؤجر موجود هنا أيضاً ، فالفرق بينهما في ذلك غير ظاهر.

[٤] بأن يكون موضوع المعاوضة خصوص انتفاع شخص المستأجر ، أما إذا كان التقييد على نحو تعدد المطلوب يكون المقام من باب تخلف الوصف ، كما عرفت.

٥٩

( مسألة ١٥ ) : قد ذكر سابقاً : ان كلاً من المؤجر والمستأجر يملك ما انتقل إليه بالإجارة بنفس العقد ، ولكن لا يجب تسليم أحدهما إلا بتسليم الآخر. وتسليم المنفعة بتسليم العين. وتسليم الأجرة باقباضها إلا إذا كانت منفعة أيضاً ، فبتسليم العين التي تستوفى منها. ولا يجب على واحد منهما الابتداء بالتسليم. ولو تعاسرا أجبرهما الحاكم. ولو كان أحدهما باذلا دون الآخر ولم يمكن جبره كان للأول الحبس. إلى أن يسلم الآخر. هذا كله إذا لم يشترط في العقد تأجيل التسليم في أحدهما ، وإلا كان هو المتبع.

هذا وأما تسليم العمل : فان كان مثل الصلاة والصوم والحج والزيارة ونحوها فبإتمامه ، فقبله لا يستحق المؤجر المطالبة وبعده لا يجوز للمستأجر المماطلة ، إلا أن يكون هناك شرط أو عادة في تقديم الأجرة ، فيتبع ، وإلا فلا يستحق حتى لو لم يمكن له العمل إلا بعد أخذ الأجرة ، كما في الحج الاستئجاري إذا كان المؤجر معسراً. وكذا في مثل بناء جدار داره أو حفر بئر في داره أو نحو ذلك [١] ، فإن إتمام العمل تسليم ، ولا يحتاج إلى شي‌ء آخر. وأما في مثل الثوب الذي أعطاه‌

______________________________________________________

[١] لا يظهر الفرق بين بناء الجدار وحفر البئر وخياطة الثوب ، في أن كل واحد منها له أثر خارجي ، لا يكون تسليم الأثر إلا بتسليم المحل ولعل المراد : صورة ما إذا كانت الدار التي فيها الجدار والبئر في يد المالك ، فحينئذ لا ريب في حصول التسليم بمجرد تمام العمل. ولعله ظاهر العبارة الآتية.

٦٠