مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

______________________________________________________

وكأنه مبني على أن المعيار في تشخيص المدعي والمنكر مصب الدعوى فان دعوى المالك أن المجعول في العقد الحصة الدنيا دعوى إيجابية ، كما أن دعوى العامل أن المجعول في العقد الحصة العليا دعوى إيجابية ، فكل منهما مدع دعوى إيجابية ينكرها الأخر ، فيكونان لذلك متداعيين ، حكمهما التحالف ، وعلى هذا المبنى ذكر في جامع المقاصد في كتاب الإجارة أنه لا ريب في قوة التحالف إذا اختلف المؤجر والمستأجر في قدر الأجرة وفي قدر المستأجر ( بالفتح ) وعلله بما ذكرنا ، ونسبه بعض إلى جماعة أيضاً ، لكن عرفت ضعف المبنى ، وأن المعيار في تشخيص ذلك الغرض المقصود من الدعوى ، وأما مصب الدعوى بلا غرض فمما لا مجال لوجوب سماعه ، فإنه غير ملزم ، ولا يترتب عليه فائدة ثبت أم لم يثبت فلا يكون معياراً ، كما أشرنا الى ذلك في مباحث التنازع من كتاب الإجارة.

وأما ما أشكله في الجواهر على جامع المقاصد بقوله : « لا ريب في أن كلاً منهما مدع ومنكر ، إذا كان نزاعهما في تشخيص ما وقع عليه عقد المضاربة ، ضرورة اقتضاء الأصل عدم كل من الشخصين. نعم بعد تعارض الأصول في ذلك يرجع إلى أصل آخر ، ولا ريب في كونه مع المالك ، لأن الأصل عدم استحقاق العامل الزائد .. ». ففيه : أن الأصل المذكور لا يثبت إحدى الدعويين ولا ينفيهما ، وإنما يتعرض لأمر آخر ، فكيف يكون مرجعاً للحاكم في حسم النزاع بين المتداعيين؟!. فالعمدة : ما ذكرنا من ضعف مبنى التحالف في المقام ، وان التحقيق أن المعيار الغرض المقصود ، وهو في المقام متعلق بالزائد على الأقل ، وهو مورد النفي من أحد الخصمين والإثبات من الآخر ، لا مورد الإثبات من كل منهما ، كي يكون المقام من التداعي الذي يكون المرجع فيه التحالف ، فالمالك ينفى الزائد ، والعامل يثبته ، فالأول منكر ، والثاني مدع. وإذا لاحظنا‌

٤٠١

( مسألة ٥٤ ) : إذا ادعى المالك أني ضاربتك على كذا مقدار وأعطيتك ، فأنكر أصل المضاربة ، أو أنكر تسليم المال إليه ، فأقام المالك بينة على ذلك ، فادعى العامل تلفه لم يسمع منه [١] وأخذ بإقراره المستفاد من إنكاره الأصل.

______________________________________________________

أن المالك يثبت الأقل فالاخبار عنه ليس دعوى على العامل بل إقرار له بأمر معلوم ، فلا يسمع من حيث كونه دعوى.

ثمَّ لو بني على الأول وكان المقام من التداعي لم يفرق بين ما قبل العمل وبعده. وكون المالك قبل العمل متمكن من الفسخ لا أثر له في تبديل مصب الدعوى. كما أنه لا فرق بين كون أجرة المثل أكثر من الحصة وكونها أقل وكونها مساوية ، فان أجرة المثل خارجة عن محل الابتلاء على حال زادت أو نقصت أو ساوت ، ولا يتغير الحكم باختلاف الحالات المذكورة.

[١] مقتضى الجمود على ما تحت العبارة أنه لا يسمع منه دعوى التلف ويكلف بأداء العين ولو أدى ذلك إلى حبسه أو ضربه ، وبنحو ذلك عبر في القواعد ، فقال : « ولو أنكر القراض ثمَّ ادعى التلف لم يقبل قوله » وعلى هذا يكون المراد من قول المصنف (ره) : « وأخذ بإقراره المستفاد من إنكاره » أن إنكاره لأخذ المال يستفاد منه تكذيب دعوى التلف وإقرار منه بكذبها فلا تسمع. وعلى هذا لا يكون في هذا الكلام تعرض للضمان بحيث لو تحقق التلف كان المال مضموناً عليه ويجب دفع بدله.

وهذا البيان يخالف ما في الشرائع حيث قال : « إذا قال دفعت إليه مالاً قراضاً فأنكر العامل ، فأقام المدعي بينة ، فادعى العامل التلف قضي عليه بالضمان » ، وظاهره سماع دعوى التلف مع الحكم بالضمان. ووجه هذا الضمان : أن دعوى التلف إقرار منه بأن إنكاره لقبض المال خيانة منه‌

٤٠٢

______________________________________________________

وهي موجبة للضمان. لكن لا يظهر الوجه لسماع دعوى التلف ، لما عرفت من أن إنكاره لأخذ المال تكذيب منه لدعوى التلف وإقرار منه بكذبها ، فكيف تسمع منه؟! بل دعواه التلف إذا كانت موجبة لخيانته بإنكار أخذ المال فلا وجه لسماعها ، لأن الخائن لا يسمع قوله ، وإنما يسمع قول الأمين.

نعم هذا الوجه لا يمنع من سماع بينته على التلف لكن الوجه الأول يمنع من ذلك ، لأن إنكاره كما يقتضي تكذيب دعوى التلف يقتضي تكذيب بينة التلف ، فلا يصح له إقامتها. وبالجملة : مقتضى عبارة القواعد عدم سماع دعوى التلف من دون تعرض للضمان ، ومقتضى عبارة الشرائع الحكم بالضمان وسماع دعوى التلف والاشكال عليها ظاهر.

ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في المسالك : « من أن عبارة الشرائع أجود من قول العلامة : « لم يقبل دعواه » لاستلزام عدم القبول حبسه إلى أن يدفع العين ، وقد تكون تالفة. إلا أن يتكلف نحو ما تقدم من حبسه مدة يظهر منها اليأس من وجود العين ». وما ذكره من المحذور لا محذور فيه فإنه لا مانع من حبسه حتى يدفع العين أو يتبين التلف ، وحينئذ يكون العمل بالتبين لا بقوله ، فإطلاق عدم سماع قوله في محله.

وفي الجواهر دفع اشكال المسالك : بأن مراد القواعد من عدم سماع قوله عدم قبول دعوى التلف التي كانت تقبل منه سابقاً بيمينه في إسقاط الضمان عنه ، وأما التكليف بالعين نفسها فليس مقصوداً ، ضرورة عدم تصديق مجرد قوله في ذلك من دون استظهار بيمين أو بينة أو حبس أو نحو ذلك. وقريب منه ما في مفتاح الكرامة. ولكنه كما ترى ، فإنه لا دليل على سماع قوله باليمين وقد كذبه ، ولا بالبينة وقد كذبها. ولو سلم فهو عمل بالبينة ، ، لا بالقول. مع أن دعوى التلف لا تقتضي سقوط الضمان إلا‌

٤٠٣

نعم لو أجاب المالك بأني لست مشغول الذمة لك بشي‌ء ، ثمَّ‌

______________________________________________________

إذا كان قبل الخيانة ولم يكن بتعد أو تفريط.

هذا ولعل مراد الشرائع من الضمان الضمان حتى مع وجود العين ، لا خصوص الضمان حال التلف ، حتى يكون الكلام دالاً على السماع. لكن هذا المعنى من الضمان يحصل بمجرد قيام البينة على الأخذ لثبوت الخيانة حينئذ ، ولا يتوقف على دعوى التلف ، فضلاً عن تحقق التلف.

ثمَّ إن الضمان إذا كان من جهة الخيانة الموجبة لخروج اليد عن الأمانة فذلك يختص بالتلف بعد الخيانة ، فإذا تحقق أنه كان قبل الإنكار فلا ضمان وكذا إذا شك في ذلك ، لأصالة البراءة من الضمان حتى لو علم تاريخ الإنكار وشك في تاريخ التلف ، فإن أصالة عدم التلف الى حين الإنكار لا تثبت التلف بعده. ولا يجوز التمسك بعموم : « على اليد .. » في الشبهة المصداقية بعد تخصيصه بما دل على عدم ضمان الأمين. وأصالة عدم الامانة الأزلي لا مجال لها ، للعلم بتحقق الأمانة في الزمان السابق. والذي يتحصل مما ذكرنا أمور : عدم سماع قوله الذي كذبه ، وعدم سماع بينته التي كذبها ، وأنه خائن ، وأنه ضامن إذا تحقق أن التلف بعد الإنكار ، وأنه غير ضامن إذا كان التلف قبل الإنكار ، أو كان التلف مجهول التاريخ.

وفي بعض الحواشي تعليقاً على قول المصنف : « لم يسمع منه ». يعني : يقضي عليه بالضمان ، ولا يقبل قوله في التلف كما كان يقبل لو لا إنكاره. وفي قبول الغرامة منه بنفس هذه الدعوى ، أو مع إقامة البينة على ما ادعاه ، أو يحبس حتى يتبين صدقه ، وجوه وأقوال ، أقواها سماع بينته ». ولم نقف على هذه الأقوال غير التعبيرات المذكورة ، وقد عرفت ما هو المتحصل فلاحظ.

٤٠٤

بعد الإثبات [١] ادعى التلف ، قبل منه ، لعدم المنافاة بين الإنكار من الأول وبين دعوى التلف.

( مسألة ٥٥ ) : إذا اختلفا في صحة المضاربة الواقعة بينهما وبطلانها قدم قول مدعي الصحة [٢].

( مسألة ٥٦ ) : إذا ادعى أحدهما الفسخ في الأثناء وأنكر الآخر قدم قول المنكر. وكل من يقدم قوله في المسائل المذكورة لا بد له من اليمين [٣].

( مسألة ٥٧ ) : إذا ادعى العامل الرد وأنكره المالك قدم قول المالك [٤]

( مسألة ٥٨ ) : لو ادعى العامل في جنس اشتراه أنه اشتراه لنفسه ، وادعى المالك أنه اشتراه للمضاربة ، قدم قول العامل. وكذا لو ادعى أنه اشتراه للمضاربة ، وادعى المالك‌

______________________________________________________

[١] ظاهر العبارة إثبات الاشتغال بالبينة ، وحينئذ لا تجدي دعوى التلف في نفي الضمان. فالمراد إثبات الأخذ. لكن إثبات ذلك لا ينافي إنكار الاشتغال ، فلا تسمع البينة عليه ، فكأن مراد المصنف ـ كغيره من الفقهاء ـ ذكر فرض آخر في قبال الفرض السابق وإن لم يكن صحيحاً.

[٢] لأصالة الصحة المعول عليها عند العقلاء والمتشرعة والفقهاء.

[٣] ولا بد أيضاً أن يكون بعد امتناع المدعي من إثبات دعواه ببينة ونحوها.

[٤] لمطابقة قوله لأصالة عدم الرد ، فيكون منكراً. ( ودعوى ) : أن عموم ما دل على قبول قول الأمين يقتضي المنع من العمل بالأصل. ( مندفعة ) : بأنه لا عموم لما دل على قبول قول الأمين يشمل المقام مما‌

٤٠٥

أنه اشتراه لنفسه ، لأنه أعرف بنيته [١] ، لأنه أمين ، فيقبل قوله. والظاهر أن الأمر كذلك لو علم أنه أدى الثمن من مال المضاربة [٢] ، بأن ادعى. أنه اشتراه في الذمة لنفسه ثمَّ أدى‌

______________________________________________________

كان الفعل مشتركاً بينه وبين المالك ، ولذا كان المشهور عدم القبول. وعن الشيخ القبول والاستدلال له بالقياس على الودعي ، وبأنه إذا لم يقبل قوله كان ضرراً عليه. وفي ذلك نظر ظاهر. بل قيل ان ذلك ليس في كلام الشيخ ، وأنه ( قده ) أجل من أن يستدل بمثل ذلك ، إذ القياس ليس بحجة. وقبول قوله يوجب الضرر على المالك ، ولا وجه للترجيح.

نعم في جامع المقاصد والمسالك الاستدلال له : بأنه إذا لم يقبل قوله يلزم تخليده في السجن ، لأنه إذا كان صادقاً امتنع أخذ المال منه ، وإذا كان كاذباً فظاهر حاله أنه لا يكذب نفسه ، فيلزم تخليد حبسه. إلا أن يحمل كلامهم على أن الواجب حبسه إلى أن يظهر الحال. ولكن الاستدلال بذلك أيضاً كما ترى ، لما سبق من عدم محذور في ذلك. فإذاً لا معدل عن المشهور عملاً بالأصل. نعم إذا كان المالك قد أمره بالرد إلى موضع معين عند انتهاء المضاربة ، فادعى العامل ذلك لم يبعد القبول كغيره من الأعمال المتعلقة به بالنسبة إلى المال لاختصاص الفعل به حينئذ.

[١] يشير إلى قاعدة ذكرت في كلام جماعة من الفقهاء من قبول قول من لا يعرف المقول إلى من قبله. ولا يبعد بناء العقلاء على القاعدة المذكورة. وإلا لزم تعطيل تشريع الحكم ، وهو خلاف دليل جعله. فاذا اشترى الإنسان شيئاً كان ظاهر الفعل الشراء لنفسه ، فيحكم به لذلك. وصريح القول أولى من ظاهر الفعل في القبول. مضافاً إلى قاعدة : من ملك شيئاً ملك الإقرار به ،

[٢] لا يخلو من إشكال ، فإن قاعدة قبول قول من لا يعرف إلا‌

٤٠٦

الثمن من مال المضاربة ، ولو كان عاصياً في ذلك.

( مسألة ٥٩ ) : لو ادعى المالك أنه أعطاه المال مضاربة وادعى القابض أنه أعطاه قرضاً ، يتحالفان [١] ،

______________________________________________________

من قبله لا تخلو من إشكال في المقام ، لمخالفتها لظاهر الفعل. وكذلك قاعدة سماع قول الأمين ، فإنه يختص بما إذا لم يكن ظاهر حجة على خلافه ، كما في المقام.

[١] وهو أقرب ـ كما عن التحرير ـ وواضح ـ كما عن الإيضاح ـ ومحتمل ـ كما في القواعد ـ وعلله في جامع المقاصد : بأن كل واحد منهما مدع ومنكر ، فان العامل يدعي خروج المال عن ملك المالك ، والمالك ينكره ، والمالك يدعي استحقاق عمل العامل في مقابل الحصة بالقراض ، والعامل ينكره. لكن قال في القواعد : « ولو ادعى المالك القراض والعامل القرض فالقول قول المالك ، فيثبت له مع اليمين مدعاه من الحصة ، واختاره في التذكرة ، لأن المال ملكه ، والأصل تبعية الربح له ، فمدعي خلافه يحتاج إلى بينة.

أقول : إذا كان المعيار في تشخيص المدعي والمنكر مصب الدعوى فلا ريب في أن المقام من التداعي ، لأن كلا منهما يدعي خلاف الأصل. وإذا كان المعيار الغرض المقصود من الدعوى فيختلف باختلاف الموارد ، فان كان النزاع بعد انتهاء عمل المضاربة ووجود الربح فدعوى العامل القرض خلاف الأصل ، لأن الأصل يقتضي بقاء المال على ملك مالكه ، فدعوى خروجه عنه بالقرض مخالفة له ، ودعوى المالك المضاربة بقصد إثبات استحقاقه لحصة من الربح موافقة له ، لأن استحقاق حصة من الربح موافقة لأصالة تبعية النماء للأصل. وإن كان النزاع قبل انتهاء عمل المضاربة بأن قلنا بوجوب التصفية على العامل ، فدعوى المالك المضاربة وإن كانت‌

٤٠٧

فان حلفا أو نكلا للقابض أكثر الأمرين من أجرة المثل والحصة‌

______________________________________________________

موافقة لأصالة بقاء المال على ملك مالكه ، لكنها مخالفة لأصالة عدم استحقاق المالك التصفية على العامل ، فيكون المالك من هذه الجهة مدعياً والعامل النافي للمضاربة منكراً ، لموافقته للأصل المذكور. وكأنه إلى ذلك أشار في جامع المقاصد في عبارته المتقدمة. ولو كان النزاع قبل حصول الربح لم يبعد أن يكون الحكم كذلك لأن استحقاق العمل على العامل من آثار العقد وإن كان جائزاً.

لكن في جامع المقاصد : « لو كان الاختلاف قبل حصول الربح لكان القول قول المالك مع يمينه قطعاً ، لأن الأصل بقاء المال له ، ولا معارض له هنا ». وإشكاله ظاهر ، لما عرفت من أن استحقاق العمل على العامل من آثار عقد المضاربة ، يترتب بمجرد حصوله ، فمع الشك فيه يكون الأصل عدم الأثر المذكور.

هذا والظاهر أن مورد كلامهم هنا الصورة الأولى ، بقرينة عدم التعرض لوجوب العمل على العامل وعدمه ، والتعرض للربح فقط ، وعليه فلا وجه للتحالف. اللهم إلا أن يكون لبنائهم على أن مرجع دعوى المالك المضاربة إلى استحقاق ما سبق من عمل العامل الذي ترتب عليه الربح بالحصة ، والأصل عدمه ، وفيه : أن دعوى ذلك إنما يقصد منها نفي استحقاق تمام الربح للعامل الموافق للأصل ، لا إثبات شي‌ء للمالك على العامل ، حتى يكون بذلك مدعياً. وهذا نظير ما إذا ادعى المالك أنه آجره الحمار وادعى المستأجر أنه آجره البغل ، كما سبق في كتاب الإجارة فالبناء على ذلك رجوع إلى تشخيص المدعي والمنكر بمصب الدعوى ، لا الغرض المقصود ، وقد عرفت ضعفه.

٤٠٨

من الربح [١] إلا إذا كانت الأجرة زائدة عن تمام الربح فليس له أخذها ، لاعترافه بعدم استحقاق أزيد من الربح.

______________________________________________________

[١] كذا في القواعد على تقدير البناء على التحالف ، وهو خيرة التحرير والإيضاح وجامع المقاصد. وفي التذكرة : اختار أن القول قول المالك ، وحكى عن بعض العامة القول بالتحالف ، وعلله : بأنه إن كان الأكثر نصيبه من الربح فرب المال يعترف له به وهو يدعي كله ، وإن كانت أجرة المثل أكثر فالقول قوله بيمينه في عمله ، كما أن القول قول رب المال في ماله ، فإذا حلف قبل قوله في أنه ما عمل بهذا الشرط ، وإنما عمل بعوض لم يسلم له ، فيكون له أجرة المثل. انتهى. وفيه : أن أجرة المثل إنما تكون لمن عمل لغيره ، لا لمن عمل لنفسه معترفاً بأنه لم يكن بأمر غيره ولا بقصد غيره.

وبالجملة : هما معاً يعترفان باستحقاق العامل الحصة ، ويختلفان في استحقاقه للزائد ، فالعامل يدعي ذلك بدعوى كون المال له ، والمالك ينكر ذلك ، وحيث أن الأصل عدم خروج المال عن ملك المالك فقول العامل مخالف للأصل ، فيكون مدعياً ، وقول المالك موافق له ، فيكون منكراً ، فاذا حلف المالك ثبت قوله ، وبطلت دعوى العامل. وأما أجرة المثل فمباينة لكل من دعوى المالك والعامل ، فلا وجه لاستحقاق العامل لها وهو لم يقصدها ، بل ولم يقصد العمل لغيره ، كما عرفت.

ومن ذلك تعرف الاشكال فيما في بعض الحواشي : من أن المقام من قبيل المدعي والمنكر ، ويختلف الحكم بكون المالك مدعياً أو منكراً باختلاف الصور ، فعلى تقدير كون أجرة المثل مساوية لتمام الربح يكون المالك مدعياً على العامل بأنه تنازل عن قيمة عمله إلى الحصة ، والعامل ينكر ذلك ، فاذا حلف العامل قبل قوله فيكون تمام الربح له : وإذا‌

٤٠٩

( مسألة ٦٠ ) : إذا حصل تلف أو خسران ، فادعى المالك أنه أقرضه وادعى العامل أنه ضاربه ، قدم قول المالك مع اليمين [١].

______________________________________________________

كانت مساوية للحصة يكون العامل مدعياً ، لأنه يدعي استحقاق أكثر من قيمة عمله ، وهو تمام الربح والمالك ينكر ذلك ، فاذا حلف قبل قوله ، ويكون للعامل الحصة لا غير. وإذا كانت أزيد من الحصة ودون تمام الربح يكون العامل منكراً بالنسبة إلى دعوى المالك الحصة ، ويكون مدعياً بالنسبة إلى دعواه تمام الربح ، ويكون المالك مدعياً في الاولى ومنكراً في الثانية ، فيقبل قول المنكر من كل منهما في نفي دعوى خصمه.

وتوضيح الاشكال عليه : أن أجرة المثل مباينة لكل من الدعويين حتى لو كانت مساوية للربح أو الحصة ، فإنها غيرهما ، وأنه لا وجه لاستحقاقها مع عدم قصد العامل العمل لغيره ولا بأمر غيره ، فكيف تكون معياراً للمدعي والمنكر.

[١] كذا في القواعد والتذكرة وعن التحرير ، واختاره في جامع المقاصد ، وعلله : بأن الأصل في وضع اليد على مال الغير ترتب وجوب الرد عليه ، لعموم قوله (ع) : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١) ولأن العامل يدعي على المالك كون ماله في يده على وجه لو تلف لم يجب بدله ، والمالك ينكر. فان قيل : المالك أيضاً يدعي على العامل شغل ذمته بماله ، والأصل البراءة. قلنا : زال هذا الأصل بتحقق إثبات يده على مال المالك ، المقتضي لكونه في العهدة ، والأمر الزائد المقتضي لانتفاء العهدة لم يتحقق ، والأصل عدمه.

وفيه : أن قوله (ص) : « على اليد .. » يختص بما إذا كان‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب كتاب الوديعة حديث : ١٢.

٤١٠

______________________________________________________

المال المأخوذ مال الغير ، وهو خلاف دعوى المالك ، إذ في القرض لا يكون المال مال الغير ، بل يكون مال نفسه ، ولذا يكون ضمان المال بالقرض لا باليد ، وكذا ضمان المبيع يكون بالبيع لا باليد ، ويسمى ضمان المعاوضة. فتقديم قول المالك يتوقف على أصالة احترام مال المسلم على نحو يقتضي ضمانه مطلقاً وهي غير ثابتة.

وإن كان قد يشهد بها مصحح إسحاق بن عمار قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت ، فقال الرجل كانت عندي وديعة ، وقال الآخر : إنما كانت لي عليك قرضاً ، فقال (ع) : المال لازم له إلا أن يقيم البينة انها كانت وديعة » (١).

لكن استفادة الكلية من المصحح غير ظاهرة ، وإن كان ظاهر المشهور ذلك. فقد ذكر الأكثر أنه إذا اختلف المالك والراكب في أنه عارية أو إجارة ، فالقول قول مدعي الإجارة ، وعلله في الجواهر بأصالة احترام مال المسلم كدمه وعرضه ، بمعنى الحكم بضمانه على من هو عنده. وفيه : أن احترام مال المسلم إنما هو بمعنى عدم جواز التصرف فيه ـ كما هو معنى احترام دمه وعرضه ـ لا بمعنى ضمانه على من هو عنده ، فإنه لا دليل عليه غير عموم : « على اليد .. » الذي قد عرفت اختصاصه بمال الغير الذي لا يشمل المقام بعد ادعاء المالك أنه قرض. لكن في الجواهر : « الظاهر أنه مفروغ منه في غير المقام ، كما لا يخفى على من أحاط خبراً بأفراد المسألة في الأبواب المتفرقة ». ولكنه مشكل.

وكأنه لذلك كان ما عن الشيخ وابن زهرة وأول الشهيدين والأردبيلي والخراساني القول بقبول قول الراكب بيمينه في المسألة المذكورة ، عملاً بأصالة البراءة ، الموافق لقول الراكب. وإن كان يشكل ذلك : بأن أصالة‌

__________________

(١) الوسائل باب ٧ من كتاب الوديعة حديث : ١.

٤١١

______________________________________________________

البراءة أصل مسببي ، وهو محكوم للأصل السببي ، وهو أصالة عدم الإعارة الموجب لكونه قد استوفى منافع العين بلا إذن من المالك ، فيرجع إلى أصالة ضمان المنافع بالاستيفاء ، الذي عرفت الإشارة إلى أنه من المرتكزات العقلائية التي استقر عليها بناء المتشرعة وعملهم ، وحينئذ لا مجال لأصالة البراءة معه. إلا أن يقال : على تقدير صحة قول المالك فضمان المنافع يكون بالإجارة لا بالاستيفاء ، نحو ما ذكرناه في المقام ، من أنه على تقدير قول العامل يكون الضمان بالقرض لا باليد. وحينئذ يشكل البناء على ضمان العامل في المقام لأجل دعوى استيفائه منافع غيره ، كالإشكال في البناء على ضمان الراكب ، على ما عرفت.

اللهم إلا أن يدعى الارتكاز العقلائي في أمثال المقام على ضمان العين والمنفعة بالبدل ، وإن كان المالك يدعي الضمان الخاص ، فيضمن الراكب قيمة المنفعة دون الأجرة التي يدعيها المالك ، ويضمن المتهب قيمة العين لا الثمن الذي يدعيه المالك فيما إذا اختلفا في أنه هبة أو بيع وأمثال ذلك فيكون من قبيل الحكم الواقعي جعله الشارع للحاكم لحسم النزاع وفصل الخصومة مع ثبوت الحكم الواقعي الأولي بحاله ، ولا تنافي بين الحكمين فإن الأول يدعو الى العمل به ورفع النزاع ، والثاني يدعو الى العمل به على فرض النزاع ، فيحرم أخذ المالك للبدل على تقدير العارية ، ويحرم امتناع الراكب من دفع الأجرة على تقدير الإجارة واقعاً ، فالحكم الواقعي بحاله وإن ثبت في حق الحاكم معه حكم يخالفه في حال النزاع ويحتمل بعيداً أن يكون من قبيل الصلح القهري. وكيف كان فهذا الارتكاز غير بعيد ، فالعمل به لازم.

لكن الظاهر اختصاصه بصورة دعوى الاستحلال ، مثل دعوى الهبة في مقابل دعوى البيع ، أو دعوى العارية في مقابل دعوى الإجارة ، أما‌

٤١٢

( مسألة ٦١ ) : لو ادعى المالك الإبضاع والعامل المضاربة يتحالفان [١] ومع الحلف أو النكول منهما يستحق العامل أقل‌

______________________________________________________

إذا لم يكن استحلال ـ مثل المقام ـ فلا دليل على الضمان المذكور ، بل الارتكاز لا يساعد عليه. وكذلك مورد مصحح إسحاق المتقدم ، فان الحكم فيه على خلاف الارتكاز ، فيقتصر على مورده لا غير.

[١] كما في التذكرة : أنه أقرب ، وعن الإيضاح : أنه الأصح. وفي القواعد : أن القول قول العامل ، لأن عمله له ، فيكون قوله مقدماً فيه. انتهى. لكن التعليل المذكور معارض بمثله بالنسبة إلى المالك ، فان المال للمالك ، فيكون قوله مقدماً فيه أيضاً. مع أنه لا يرجع إلى محصل لأن من يكون القول قوله يجب أن يكون قوله موافقاً للحجة ، ومجرد كون العمل للعامل لا يقتضي أن يكون قوله موافقاً للحجة ، كما أن كون المال للمالك لا يقتضي أن يكون قوله موافقاً للحجة.

نعم لما كان المال للمالك فالأصل في نمائه وربحه أن يكون للمالك أيضاً لأنه تابع له ، فدعوى العامل الاستحقاق لحصة من الربح خلاف الأصل المذكور ، فيكون قوله مخالفاً للحجة فيكون مدّعياً ، ويكون المالك من هذه الجهة منكراً. كما أن دعوى المالك الإبضاع مجاناً خلاف الأصل ، المقتضي لضمان عمل العامل بالاستيفاء ، فيكون المالك من هذه الجهة مدعياً والعامل منكراً ، فيكون المقام من التداعي والتناكر من الجانبين ، فاذا حلفا بطلت دعوى العامل الاستحقاق للحصة ، فيكون الربح كله للمالك ، كما بطلت دعوى المالك كون البضاعة مجانية ، فيتعين الرجوع إلى قاعدة : ضمان عمل العامل على من استوفاه.

وهذا البيان بعينه جار فيما لو اختلف الراكب والمالك في كون الدابة عارية أو مستأجرة ، فإنه أيضاً يرجع إلى أصالة ضمان المنفعة المستوفاة‌

٤١٣

الأمرين من الأجرة والحصة من الربح [١] ، ولو لم يحصل ربح‌

______________________________________________________

بأجرة المثل ، لا بالأجرة التي يدعيها المالك. وقد عرفت أنه لا يشكل ذلك في المقام وفي المثال المذكور وأمثالهما بأن أجرة المثل غير مدعاة لأحد الخصمين بل ينكرها كلاهما. لما عرفت من أن الحكم بضمان أجرة المثل نظير الصلح القهري في حسم الخصومة ليس مبنياً على إثبات الحق المدعى.

هذا بناء على أن المراد من البضاعة التي يدعيها المالك كون العمل بلا أجرة ـ كما نسب إلى ظاهر الأصحاب ، وتقدم ذلك في أول الكتاب ـ أما إذا كان المراد من البضاعة العمل بأجرة المثل ـ كما هو ظاهر المصنف بقرينة ما سيأتي في ذيل المسألة ـ فادعاء المالك البضاعة يقتضي اعترافه باستحقاق العامل الأجرة ، فإذا ادعى العامل الحصة وأنكر الأجرة وبطلت دعواه بيمين المالك يكون إنكاره منافياً لاعتراف المالك ، فيسقط ، كما هو الحكم فيما لو أقر بشي‌ء فأنكر المقر له ذلك ، للتنافي الموجب للسقوط ، نظير الحجتين المتعارضتين. لكن يتعين بعد ذلك الرجوع إلى قاعدة : ضمان عمل العامل على من استوفاه ـ كما في الفرض السابق ـ ويكون للعامل أجرة المثل لذلك. وعلى هذا لا يكون المالك مدعياً لأنه معترف للعامل باستحقاق الأجرة ، لا أنه يدعي عليه شيئاً ، بل ذكر هذا الاعتراف للتخلص من دعوى العامل استحقاق الحصة ، فيكون منكراً لا غير.

[١] كما صرح بذلك في القواعد وغيرها على تقدير القول بالتحالف ووجهه أن الأجرة إن كانت أقل من الحصة فلأن الحصة قد انتفت بيمين المالك ، فلا تجب عليه ، وإن كانت الحصة أقل فلإقرار العامل بعدم استحقاق غيرها فيجوز للمالك أن يقتصر على دفعها بدلاً عن الأجرة إلزاماً للعامل بإقراره فالحكم الاولي الذي اقتضاه عموم : ضمان العمل بالأجرة ، هو الأجرة ، لكن يجوز للمالك أن يعطي العامل الحصة التي‌

٤١٤

______________________________________________________

يدعيها إلزاماً له بإقراره ، فلا يجب عليه إعطاؤه أجرة المثل.

وفي بعض الحواشي في تعليل الحكم فيما لو كانت الحصة أقل من الأجرة. بأن الحصة هو المتفق عليه بينهما ، وبالنسبة إلى الزائد عليها يقر المالك للعامل (١) بما ينفي استحقاقه له ، ويندرج المقام فيما لو تعارض إقرار المقر وإنكار المقر له. وفيه : أن الأجرة مباينة للحصة ، وليسا من قبيل الأقل والأكثر ، وليس هناك منهما شي‌ء متفق عليه بين العامل والمالك. وأما وجه اندراج المسألة فيما لو تعارض الإقرار بإنكار المقر له فهو أن المالك لما نفى الحصة التي يدعيها العامل ، فكان حكمه ضمان العمل بالأجرة كان قد أقر بثبوت الأجرة ، والعامل لما ادعى الحصة فقد أنكر الأجرة ، فالأجرة مورد إقرار المالك وإنكار العامل ، فالمراد من قوله : « بما ينفي استحقاقه له » بما ينفي العامل استحقاقه له.

هذا وما ذكره وإن كان صحيحاً ، لكن لا يدخل فيما لو تعارض الإقرار بالإنكار ، لاختصاص ذلك بما إذا لم يكن تداعٍ بل كان إقرار وإنكار ، كما إذا أقر زيد بأن عليه درهماً لعمرو ، فأنكر عمرو ذلك ، فان التحقيق تعارض الإقرار بالإنكار ، فيبطل الإقرار ولا يؤخذ به. أما المقام فلما كان بين المقر والمنكر تداع وخصام ولا بد من حسم الخصومة تعين الرجوع الى قاعدة : ضمان عمل المسلم بالأجرة ، ويجب البناء على الأجرة لذلك ، فلا يسقط إقرار المالك بالأجرة بإنكار العامل لها ، وإلا لزم سقوط الأجرة والحصة معاً ـ سقوط الأجرة بإنكار العامل ، وسقوط الحصة بيمين المالك ـ فلا شي‌ء للعامل حينئذ ، وهو خلاف مبنى الكلام من ثبوت شي‌ء على العامل للمالك ، والخيار يكون للمالك بين أن يدفع الأجرة‌

__________________

(١) كذا في الحاشية المذكورة ، وهي حاشية المرحوم النائيني ( قده ). والظاهر أن حق العبارة ( يقر العامل للمالك .. ). ولعله من خطإ النسخة المطبوعة ( الناشر ).

٤١٥

فادعى المالك المضاربة لدفع الأجرة [١] ، وادعى العامل الإبضاع استحق العامل بعد التحالف [٢] أجرة المثل لعمله.

( مسألة ٦٢ ) : إذا علم مقدار رأس المال ومقدار حصة العامل ، واختلفا في مقدار الربح الحاصل ، فالقول قول العامل [٣]. كما أنهما لو اختلفا في حصوله وعدمه كان القول قوله [٤]. ولو علم مقدار المال الموجود فعلا بيد العامل ، واختلفا في مقدار نصيب العامل منه ، فان كان من جهة‌

______________________________________________________

وبين أن يدفع الحصة المباينة لها ، سواء كانت قيمتها أكثر أم أقل ، عملاً بإقرار العامل باستحقاقها ، فلا يختص جواز دفع الأجرة بما إذا كانت أقل قيمة.

ولعل هذا هو المراد من قول المصنف : « يستحق العامل .. » وليس على ظاهره ، فان العامل انما يستحق بحكم الحاكم الأجرة لا غير ، ولكن يجوز للمالك أن يدفع له الحصة التي يدعيها عملاً بإقراره ، سواء كانت قيمتها أقل أم أكثر.

[١] يعني : للتخلص من الأجرة اللازمة له على تقدير الإبضاع.

[٢] لا يخفى أن دعوى المالك المضاربة إذا كان يقصد بها دفع الأجرة عن نفسه ، فيكون العمل بلا عوض ، كان حينئذ مدعياً ، لمخالفة قوله لأصالة ضمان عمل العامل ، وكان العامل المدعي للأجرة منكراً ، لموافقة قوله للأصل المذكور ، فاذا لم يقم المالك البينة على المضاربة حلف العامل وثبتت له الأجرة ، فالمقام من باب المدعي والمنكر عكس المسألة السابقة ، التي كان العامل فيها مدعياً والمالك منكراً.

[٣] لأنه أمين. ولأصالة عدم الربح الزائد على ما يدعيه العامل.

[٤] لما ذكر‌.

٤١٦

الاختلاف في الحصة أنها نصف أو ثلث فالقول قول المالك [١] قطعاً ، وإن كان من جهة الاختلاف في مقدار رأس المال فالقول قوله أيضاً ، لأن المفروض أن تمام هذا الموجود من مال المضاربة أصلا وربحاً ، ومقتضى الأصل كونه بتمامه للمالك [٢] إلا ما علم جعله للعامل. وأصالة عدم دفع أزيد من مقدار كذا إلى العامل لا تثبت كون البقية ربحاً [٣]. مع أنها معارضة بأصالة عدم حصول الربح أزيد من مقدار كذا [٤] ، فيبقى كون الربح تابعاً للأصل إلا ما خرج.

( مسائل : الأولى : ) إذا كان عنده مال المضاربة فمات فان علم بعينه فلا إشكال [٥] ، وإلا فإن علم بوجوده في التركة الموجودة من غير تعيين فكذلك ، ويكون المالك شريكاً مع الورثة بالنسبة [٦] ، ويقدم على الغرماء إن كان الميت مديوناً ،

______________________________________________________

[١] كما سبق ، لما سبق.

[٢] لأصالة تبعية الربح للأصل.

[٣] لأنه من اللوازم العقلية التي لا تثبت إلا بناء على حجية الأصل المثبت.

[٤] هذا الأصل أيضاً لا يثبت كون الربح الموجود للمالك إلا بناء على الأصل المثبت ، وحينئذ لا يكون حجة حتى يعارض ويعارض به. ولو بني على حجيته للاكتفاء بالسببية العقلية صحت المعارضة ، وبقي أصل تبعية الربح للمال ـ الذي هو أصل مسببي ـ بحاله.

[٥] وفي الجواهر : « بلا خلاف ولا إشكال ». ويقتضيه أصالة بقاء المال على ملك مالكه.

[٦] قال في الشرائع : « فإن علم مال أحدهم بعينه كان أحق به ،

٤١٧

______________________________________________________

وإن جهل كانوا فيه سواء » ، وفي الجواهر في شرحه : « بمعنى أنه يقسم بينهم على نسبة أموالهم كما في انقسام غيرهم من الشركاء » ، وفي الحدائق : نسب هذا المعنى إلى الأصحاب ، وفي جامع المقاصد : « إن علم بقاء المال في جملة الشركة ولم تعلم عينه بخصوصه فصاحبه كالشريك » ، ونحوه عبارة غيره. ويظهر من الجميع أن الاشتباه في المقام يقتضي الاشتراك حتى مع عدم الامتزاج ، وهو غير ظاهر ، بل يشكل حتى مع العلم بالامتزاج في المثليات ، مثل وضع ثوب في أثواب ، فإنه لا يوجب الاشتراك إذا عرف بعينه ، وكذا إذا اشتبه بغيره ، فإنه لا دليل على هذا الاشتراك.

وفي الحدائق والرياض وغيرهما : الاستدلال على ذلك بالخبر ، وهو رواية السكوني عن جعفر (ع) عن آبائه (ع) عن علي (ع) : « أنه كان يقول : من يموت وعنده مال مضاربة ، قال (ع) : إن سماه بعينه قبل موته ، فقال : هذا لفلان ، فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو أسوة الغرماء » (١). وظاهره تعلق حق المالك بالتركة تعلق حق الغريم بها ، ومن المعلوم أن الغريم إذا أعطى ماله بطل حقه ولم يجز له المطالبة بجزء من عين التركة ، فضلا عن كونه شريكاً فيها ، فالخبر لا دلالة فيه على مشاركة المالك للورثة في التركة ، فضلا عن مشاركة المالكين بعضهم مع بعض في مجموع أموالهم مع اشتباه بعضها ببعض ، كما ذكر الجماعة ، وقد عرفت أنه لا دليل على حصول الشركة بالاشتباه. بل الخبر الوارد في الدراهم المودعة (٢) يقتضي خلاف ذلك ، إذ لو كان الامتزاج يقتضي الاشتراك في المثليات حتى مع الاشتباه كان اللازم أن يكون لصاحب الدرهم ثلث الدرهمين الباقيين ، لاربعهما ، كما ذكر في النص ، فدل ذلك على نفي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من كتاب المضاربة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من كتاب الصلح حديث : ١.

٤١٨

لوجود عين ماله في التركة [١]. وإن علم بعدم وجوده في تركته ولا في يده ، ولم يعلم أنه تلف بتفريط أو بغيره أو رده‌

______________________________________________________

الاشتراك. ولعله يأتي في مباحث الشركة ماله نفع في المقام.

ويحتمل حمل الخبر على صورة عدم العلم بوجود مال المضاربة في ضمن التركة ، فيكون مفاد الخبر ضمان العامل للمال إذا علم أنه في يده في حال الموت. ولعل الوجه في هذا الضمان تقصيره في عدم الوصية به ، ولا يشمل صورة ما إذا علم بأنه في ضمن التركة ، بل في هذه الصورة يرجع إلى القرعة.

وبالجملة هنا صور : ( الاولى ) : أن يموت وعنده أموال متعددة مختلطة لمالكين. وظاهر الأصحاب الحكم بالاشتراك بينهم فيها على نسبة أموالهم. ( الثانية ) : أن يموت وعنده مال لمالك واحد مختلط بالتركة وظاهرهم مشاركة المالك للورثة بالمجموع على النسبة ، كما صرح بذلك المصنف ( قده ). وهذان الحكمان لا يقتضيهما الأصل ، ولا الخبر ( الثالثة ) : أن يموت وعنده مال المضاربة ولم يعلم أنه في ضمن التركة. بل يحتمل ذلك ويحتمل خلافه ، ولا يبعد أن تكون هذه الصورة هي مورد الخبر ، وإن كان إطلاقه يقتضي عموم الحكم لجميع الصور. وحينئذ يكون بناء الجماعة على الاشتراك في الصورتين الأوليين غير ظاهر ، وأشكل منه دعوى جماعة أنه مفاد الخبر. نعم في القواعد : « لو مات العامل ولم يعلم بقاء مال المضاربة بعينه صار ثابتاً في ذمته ، وصار صاحبه أسوة الغرماء ، على إشكال » وهو تعبير بمتن الخبر ، لكن في مطلق عدم العلم ببقاء مال المضاربة بعينه ، والحديث يختص بصورة العلم ببقاء مال المضاربة في يده وعدم معرفته بعينه ، فلو اقتصر عليها كان ذلك عملا بالخبر.

[١] ولم يخرج عن ملكه ، فلا يكون وفاء عن ذمة الميت.

٤١٩

على المالك ، فالظاهر عدم ضمانه [١] وكون جميع تركته للورثة ، وإن كان لا يخلو عن إشكال بمقتضى بعض الوجوه الآتية [٢]. وأما إذا علم ببقائه في يده إلى ما بعد الموت ولم يعلم أنه موجود في تركته الموجودة أولا ـ بأن كان مدفوناً في مكان غير معلوم أو عند شخص آخر أمانة أو نحو ذلك ـ أو علم بعدم وجوده في تركته مع العلم ببقائه في يده [٣] ـ بحيث لو كان حياً أمكنه الإيصال إلى المالك ـ أو شك في بقائه في يده وعدمه أيضاً ، ففي ضمانه في هذه الصور الثلاث وعدمه خلاف وإشكال على اختلاف مراتبه ، وكلمات العلماء في المقام وأمثاله ـ كالرهن والوديعة ونحوهما ـ مختلفة [٤]. والأقوى الضمان في الصورتين الأوليين. لعموم‌ قوله (ع) : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١) حيث أن الأظهر شموله للأمانات أيضاً. ودعوى : خروجها لأن المفروض عدم الضمان فيها.

______________________________________________________

[١] لأصالة البراءة من الضمان.

[٢] يعني عموم : « على اليد .. » إذ لا يعتبر فيه أن يكون حال الموت ، ضرورة صدقه مع كون اليد في بعض آنات الحياة. وعلى هذا كان اللازم على المصنف القول بالضمان فيه ، كما في الصور الآتية.

[٣] هذا مشترك بين هذه الصورة وما قبلها. والاختلاف بينهما في العلم بعدم الوجود في التركة في الصورة الثانية وعدم العلم بذلك في الصورة الأولى.

[٤] قال في الشرائع : « إذا اعترف بالوديعة ثمَّ مات وجهلت‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١ من كتاب الغصب حديث : ٤.

٤٢٠