مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

قسمة الكل كذلك [١] ، ولا بالفسخ مع عدم القسمة [٢] ، فلو حصل خسران أو تلف أو ربح كان كما سبق ، فيكون الربح مشتركاً والتلف والخسران عليهما ، ويتم رأس المال بالربح. نعم لو حصل الفسخ ولم يحصل الإنضاض ولو بالنسبة‌

______________________________________________________

الوقاية الإجماع والارتكاز العرفي ، وليس من الواضح شمولهما لما بعد القسمة وإن كان المعروف بينهم ذلك ، بل يظهر منهم التسالم عليه. وما في القواعد يخالفه ما فيها ، فقد جزم بعدم استقرار الملك مع إنضاض قدر الربح والقسمة وأنه إذا خسر المال بعد ذلك رجع على العامل ، كما سيأتي في المسألة التالية.

[١] تقدم ما في جامع المقاصد من أنه لا معنى للقسمة إلا قسمة الربح إذ ليس في رأس المال شراكة.

[٢] جعله في الجواهر ـ تبعا لجامع المقاصد ـ مبنياً على وجوب البيع على العامل بعد الفسخ. وإن قلنا بعدمه فوجهان. انتهى. لكن سيأتي من المصنف رحمه‌الله القول بعدم إجبار العامل على الإنضاض والبيع. وأما أحد الوجهين الذين ذكرهما أخيراً فهو الاستصحاب ، وعموم على اليد وصدق مال القراض ليشمله ما دل على أن مال القراض وضيعته من الربح ، وارتفاع صدق المقارض على العامل بالفسخ لا ينافي صدق مال المقارضة ، الذي هو موضوع الحكم المذكور.

بل قد يقال : بأن تسليم رأس المال إلى المالك من تتمة المضاربة ، فلا يجوز تسليمه ناقصاً مع وجود الربح الذي يمكن به التدارك. هذا ولكن الجميع لا يخلو من اشكال. إذ الاستصحاب تعليقي ، وهو غير حجة. وعموم « على اليد .. » لا مجال له في الأمانات ، والوقاية إنما كانت للدليل الخاص لا لليد ، ولذا يختص الخسران بالمالك. وصدق مال المقارضة غير ظاهر مع الفسخ وارتفاع القراض به. مع أن مال‌

٣٤١

إلى البعض وحصلت القسمة فهل تستقر الملكية أم لا [١]؟ إن قلنا بوجوب الإنضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار وإن قلنا بعدم وجوبه ففيه وجهان أقواهما الاستقرار. والحاصل : أن اللازم أولاً دفع مقدار رأس المال للمالك ، ثمَّ يقسم ما زاد عنه بينهما على حسب حصتهما ، فكل خسارة وتلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح ، وتماميتها بما ذكرنا من الفسخ والقسمة.

( مسألة ٣٦ ) : إذا ظهر الربح ونض تمامه أو بعض منه ، فطلب أحدهما قسمته ، فإن رضي الآخر فلا مانع منها وإن لم يرض المالك لم يجبر عليها [٢] ، لاحتمال الخسران‌

______________________________________________________

المقارضة لم يؤخذ موضوعاً لدليل لفظي ، كي يتمسك بإطلاقه وتسليم رأس المال الى المالك لا دليل على وجوبه ، كما سيأتي من المصنف. وعلى هذا يكون أقوى الوجهين هو الاستقرار. ( ودعوى ) : أنه لا يساعده الارتكاز العرفي ، الذي هو العمدة في الحكم ، فان مقتضاه بقاء الاحكام إلى أن تتحقق القسمة ، ولذا لو فرض زيادة السعر بعد الفسخ لم تختص الزيادة بالمالك بل تكون بينه وبين العامل ، وكذا حكم النقيصة ، فيدل على عدم استقرار الملكية بالفسخ ( ممنوعة جداً ) لمنع ذلك كله إذ الفسخ بعد أن كان رافعاً للمضاربة كان رافعاً لأحكامها ، ولكل شرط ذكر في ضمنها ، وثبوت أحكام عرفية للمضاربة بعد انفساخها يحتاج الى دليل مفقود.

[١] في الجواهر ـ تبعاً لجامع المقاصد ـ الجزم بالاستقرار. ولعله لعدم القول بوجوب الإنضاض على العامل ، وإن كان الظاهر أن الارتكاز العرفي يساعد على الاستقرار بالقسمة وإن قلنا بوجوب الإنضاض على العامل تعبداً.

[٢] كما في الشرائع والقواعد ، ويظهر من جامع المقاصد والمسالك‌

٣٤٢

بعد ذلك والحاجة إلى جبره به. قيل : وإن لم يرض العامل فكذلك أيضاً [١] ، لأنه لو حصل الخسران وجب عليه رد ما أخذه ، ولعله لا يقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده ، وهو ضرر عليه. وفيه : أن هذا لا يعد ضرراً [٢]. فالأقوى : أنه يجبر إذا طلب المالك. وكيف كان إذا اقتسماه ثمَّ حصل الخسران ، فان حصل بعده ربح يجبره فهو ، وإلا رد العامل‌

______________________________________________________

والجواهر عدم الخلاف فيه ، معلّلين ذلك بلزوم الضرر على المالك ، لاحتمال الخسران بعد ذلك ، كما ذكر المصنف. وهو بظاهره غير تام ، لأن احتمال الضرر باحتمال الخسران غير مطرد. مع أنه لا يمنع من وجوب القسمة وإنما يمنع من وجوب تمكين العامل من حصته ، لا من أصل القسمة. وإنما يمنع من وجوب تمكين العام من حصته ، لا من أصل القسمة. مضافاً إلى إمكان تدارك الضرر المحتمل بأخذ الكفيل ونحوه كما في غير المقام مع أن احتمال الضرر غير كافٍ في منع سلطنة العامل على قسمة حصته المشاعة. واحتمال الضرر المالي غير منفي ، ولا مأخوذ موضوعاً للاحكام. نعم احتمال الضرر النفسي منفي ، فيرفع اللزوم إجماعاً ، ولبعض النصوص الواردة في بعض الموارد الخاصة ، مثل : « الصائم إذا خاف على عينه من الرمد فليفطر » (١) ، وليس كذلك الضرر المالي.

[١] يظهر ذلك من القواعد ، حيث قال : « إن امتنع أحدهما عن القسمة لم يجبر عليها » ، ونحوه حكي عن التذكرة والتحرير ، وفي جامع المقاصد : « أما إذا كان المريد للقسمة المالك فلأن العامل لا يأمن أن يطرأ الخسران ، وقد أتلف ما وصل اليه ، فيحتاج إلى غرم ما وصل إليه بالقسمة وذلك ضرر. وأورد عليه في الجواهر بما في المتن.

[٢] ضرورة إمكان المحافظة عليه بعدم التصرف. بل لو أغرمه لم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب من يصح معه الصوم حديث : ١.

٣٤٣

أقل الأمرين من مقدار الخسران وما أخذ من الربح ، لأن الأقل إن كان هو الخسران فليس عليه إلا جبره ، والزائد له وإن كان هو الربح فليس عليه إلا مقدار ما أخذ. ويظهر من الشهيد أن قسمة الربح موجبة لاستقراره وعدم جبره للخسارة الحاصلة بعدها ، لكن قسمة مقداره ليست قسمة له من حيث أنه مشاع في جميع المال ، فأخذ مقدار منه ليس أخذاً له فقط حيث قال على ما نقل عنه [١] : « إن المردود أقل الأمرين مما أخذه العامل من رأس المال لا من الربح ، فلو كان رأس المال مائة والربح عشرين ، فاقتسما العشرين ، فالعشرون التي هي الربح مشاعة في الجميع ، نسبتها إلى رأس المال نسبة السدس فالمأخوذ سدس الجميع ، فيكون خمسة أسداسها من رأس المال وسدسها من الربح ، فاذا اقتسماها استقر ملك العامل على نصيبه من الربح ، وهو نصف سدس العشرين ، وذلك درهم وثلثان يبقى معه ثمانية وثلث من رأس المال ، فاذا خسر المال الباقي رد أقل الأمرين مما خسر ومن ثمانية وثلث ». وفيه [٢] : ـ مضافاً إلى أنه خلاف ما هو المعلوم من وجوب جبر الخسران الحاصل بعد ذلك بالربح السابق إن لم يلحقه ربح وأن عليه غرامة ما أخذه منه ـ أنظار أخر.

______________________________________________________

يكن عليه ضرر ، لأنه في مقابل ما تصرف فيه. كذا في الجواهر‌

[١] نقله في المسالك لكن لا بلفظه بل حاصله ، لأنه بعد أن نقل ذلك قال : « هذا خلاصة تقريره ». كما أنه لم يذكر الكتاب الذي ذكر ذلك فيه.

[٢] هذه الإشكالات ذكرها في المسالك.

٣٤٤

منها : أن المأخوذ إذا كان من رأس المال فوجوب رده لا يتوقف على حصول الخسران بعد ذلك. ومنها : أنه ليس مأذوناً في أخذ رأس المال ، فلا وجه للقسمة المفروضة. ومنها : أن المفروض أنهما اقتسما المقدار من الربح بعنوان أنه ربح لا بعنوان كونه منه ومن رأس المال [١]. ودعوى : أنه لا يتعين لكونه من الربح بمجرد قصدهما مع فرض إشاعته في تمام المال [٢] مدفوعة : بأن المال بعد حصول الربح يصير مشتركاً بين المالك والعامل. فمقدار رأس المال مع حصة من الربح للمالك ومقدار حصة الربح المشروط للعامل له ، فلا وجه لعدم التعين بعد تعيينهما مقدار مالهما في هذا المال [٣] فقسمة الربح في‌

______________________________________________________

[١] ومنها : أن اللازم البناء على الوقاية بالربح الباقي في المال ، لأن المفروض على كلامه عدم صحة القسمة ، فالربح باق مشاعاً في المال.

[٢] هذه الدعوى ادعاها في الجواهر ، وجعلها مقتضى أصالة بقاء الإشاعة.

[٣] إذ التعيين مقتضى ولايتهما معاً مع مطابقته للمرتكز العرفي الذي هو المرجع بمقتضى إطلاق المقام. ثمَّ إن شيخنا في الجواهر وجه كلام الشهيد رحمه‌الله بحمله على أن المالك قد فسخ المضاربة بالنسبة إلى المقدار المستخرج فيستقر الملك بالنسبة إلى ربحه. وفيه : أن ما ذكر يصلح توجيهاً لاستقرار ملك الربح ، لا توجيهاً لكلام الشهيد إذ يبقى إشكال عدم جواز تصرف العامل في رأس المال بغير إذن المالك بحاله. وكذا إشكال بأنه يجب رد رأس المال الى المالك وإن لم يطرأ الخسران. وكذا إشكال تسمية ذلك مقاسمة الربح.

٣٤٥

الحقيقة قسمة لجميع المال ، ولا مانع منها.

( مسألة ٣٧ ) : إذا باع العامل حصته من الربح بعد ظهوره صح مع تحقق الشرائط من معلومية المقدار وغيره ، وإذا حصل خسران بعد هذا لا يبطل البيع ، بل يكون بمنزلة التلف [١] ، فيجب عليه جبره بدفع أقل الأمرين من مقدار قيمة ما باعه [٢] ومقدار الخسران.

( مسألة ٣٨ ) : لا إشكال في أن الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ، سواء كان سابقاً عليها أو لاحقاً ، ما دامت المضاربة باقية ولم يتم عملها. نعم قد عرفت ما عن الشهيد [٣] من عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق إذا اقتسماه ، وأن مقدار الربح من المقسوم تستقر ملكيته. وأما التلف فاما أن يكون بعد الدوران في التجارة [٤] ، أو بعد الشروع فيها [٥] ، أو قبله ، ثمَّ إما أن يكون التالف البعض أو الكل ، وأيضاً إما أن يكون بآفة من الله سماوية أو أرضية ، أو بإتلاف المالك أو العامل أو الأجنبي على وجه‌

______________________________________________________

[١] لما دل على لزوم البيع ، المانع من إرجاع المبيع إلى البائع أو غيره. وسيأتي نظيره في المسألة الأربعين.

[٢] إذا كان قيمياً ، وأما إذا كان مثلياً فمثل ما باعه.

[٣] وعرفت في المسألة السابقة ما فيه.

[٤] بأن كان منه شراء وبيع فوقع التلف.

[٥] سيجي‌ء من المصنف مثاله.

٣٤٦

الضمان. فان كان بعد الدوران في التجارة فالظاهر جبره بالربح [١] ولو كان لاحقاً مطلقاً ، سواء كان التالف البعض أو الكل [٢] كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبي. ودعوى : [٣] أن مع الضمان كأنه لم يتلف ، لأنه في ذمة‌

______________________________________________________

[١] قال في الشرائع : « المسألة الثامنة : إذا تلف مال القراض أو بعضه بعد دورانه في التجارة احتسب التالف من الربح وكذا لو تلف قبل ذلك. وفي هذا تردد » ، ونحوه ما في القواعد والعدة وغيرهما. والظاهر أنه لا خلاف فيه ، وعن مجمع البرهان : أنه إجماع ، وكذا عن السيد العميدي وكأنه الموافق للارتكاز العرفي المنزل عليه الإطلاقات المقامية. لكن في جامع المقاصد : يحتمل ضعيفاً عدم الجبران إذا كان التلف بآفة سماوية ، أو غصب غاصب ، أو سرقة سارق ، لأنه نقصان لا تعلق له بتصرف العامل وتجارته ، ولأنه في الغصب والسرقة يحصل الضمان على الغاصب والسارق بلا حاجة إلى جبره بمال القراض. وضعفه ظاهر ، فإن كون الربح وقاية لرأس المال في القراض لم يدل دليل على اشتراطه بكون النقص بسبب السوق ، ولأنه لا يعقل وجود الربح مع كون رأس المال ناقصاً ، والكلام في الغصب والسرقة إنما هو مع عدم العوض من الغاصب والسارق ، وحينئذ فهو تلف. ومما قررنا يظهر أن دعوى الشارح السيد الإجماع على جبر التالف من الربح بعد دورانه في التجارة ليس بجيد. انتهى لكن أشكل عليه : بأن هذا الاحتمال من بعض الشافعية ، فلا ينافي الإجماع المدعى.

[٢] يعني : المساوي لرأس المال ، إذ لو تلف جميع المال لم يبق مجال للجبران.

[٣] حكاها في جامع المقاصد ـ كما سبق ـ واستضعفها ، وتبعه في ذلك في المسالك والجواهر وغيرهما ، وحكاها في التذكرة عن بعض الشافعية‌

٣٤٧

الضامن كما ترى. نعم لو أخذ العوض يكون من جملة المال [١] بل الأقوى ذلك إذا كان بعد الشروع في التجارة [٢] وإن كان التالف الكل ، كما إذا اشترى في الذمة وتلف المال قبل دفعه‌

______________________________________________________

على أنها أحد الوجهين عندهم ، ثمَّ قال : والأصح عندهم أنه مجبور بالربح.

[١] كما تقدم في جامع المقاصد.

[٢] قد تقدم التردد في ذلك في الشرائع والقواعد ، ورده في جامع المقاصد والمسالك والجواهر : بأن المقتضي لكونه من مال القراض العقد ، لا دورانه في التجارة ثمَّ إن هذا الجبر مبني على بقاء المضاربة في الفرض المذكور ، كما هو المشهور ، قال في القواعد : « فان اشترى للمضاربة فتلف الثمن قبل نقده فالشراء للمضاربة ، وعقدها باقٍ ، وعلى المالك الثمن » وفي مفتاح الكرامة : أنه الأقوى ، كما في المبسوط ، والتحرير ، والمسالك ، وبه جزم في المهذب والسرائر والتذكرة والإرشاد وجامع المقاصد والروض ومجمع البرهان وكذا الإيضاح. انتهى. والمصرح به في كلام جماعة اختصاص الحكم بصورة ما إذا أذن المالك في الشراء بالذمة وأطلق بعضهم. ولكن لا ينبغي التأمل في البطلان مع عدم الإذن ، لأن العامل قصد المالك في الشراء فلا يصح له بدون إذنه. ولا يبعد ذلك أيضاً في صورة الإذن ، لأنه وإن أذن في الشراء بالذمة ، لكنه قيده بأن يكون الوفاء من مال المضاربة ، وقد تلف فانتفت الاذن ، فلا يصح الشراء للمالك إلا بإذن جديد ، وحينئذ لا يكون الشراء للمضاربة ، بل يكون للمالك خالياً عن حق العامل. ولو فرض أنه أذن له في الشراء بالذمة من دون قيد الوفاء بمال المضاربة فتلف المال ، لزم المالك دفع الثمن ، ولا يكون مضاربة مستقلة لعدم المال حين الشراء ، ولا متممة للمضاربة الأولى ، بحيث يكون مجموع المالين مال المضاربة ، لاعتبار التعين الخارجي‌

٣٤٨

إلى البائع فأداه المالك ، أو باع العامل المبيع [١] وربح فأدى. كما أن الأقوى في تلف البعض الجبر [٢] وان كان قبل الشروع أيضاً كما إذا سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة أو في البلد أيضاً قبل أن يسافر. وأما تلف الكل قبل الشروع في التجارة فالظاهر أنه موجب لانفساخ العقد [٣] ، إذ لا يبقى معه مال التجارة حتى يجبر أو لا يجبر. نعم إذا أتلفه أجنبي وأدى عوضه تكون المضاربة باقية. وكذا إذا أتلفه العامل.

( مسألة ٣٩ ) : العامل أمين [٤]

______________________________________________________

في مال المضاربة ، وذلك منتفٍ بالنسبة إلى الثمن الجديد فلا يمكن أن ينضم الى المال التالف. وبالجملة : قوام المضاربة المال الخارجي ، فإذا انتفى بالتلف انتفت ، وفرض مضاربة جديدة متممة أو مستقلة ممتنع ، لعدم تعين مال آخر خارجاً. هذا إذا انحصر وفاء الثمن ببذل من المالك.

[١] معطوف على قوله (ره) : « فأداه المالك » وهذه الصورة خارجة عن محل الكلام السابق ، فيحتمل فيها صحة المضاربة ، لأن الوفاء كان بمال المضاربة وهو الربح. لكنه ضعيف لانتفاء مال المضاربة الذي كان قوام المضاربة ، الموجب لانتفائها ، وحينئذ يكون الربح للمالك ، وللعامل أجرة المثل.

[٢] لما سبق.

[٣] لما عرفت ، وكأنه واضح عندهم ، بل الظاهر أنه مسلم ، وان كان مقتضى ما ذكروه في المسألة السابقة من أن قوام المضاربة العقد الصحة ، إذ لا فرق في ذلك بين أن يكون التلف بعد الشراء وقبله.

[٤] كما هو المصرح به في كلام جماعة كثيرة ، بل الظاهر أنه‌

٣٤٩

فلا يضمن إلا بالخيانة [١] ـ كما لو أكل بعض مال المضاربة أو اشترى شيئاً لنفسه فأدى الثمن من ذلك ، أو وطء الجارية المشتراة أو نحو ذلك ـ أو التفريط بترك الحفظ ، أو التعدي ، بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه ، كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم اذنه في السفر ، أو اشترى ما نهى عن شرائه ، أو ترك شراء ما أمره به ، فإنه يصير بذلك ضامناً للمال لو تلف‌

______________________________________________________

لا خلاف فيه ولا اشكال ، وفي الجواهر : أنه إجماعي. ويقتضيه جملة من النصوص العامة الدالة على عدم ضمان المستأمن (١) والخاصة كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق ، على صاحبه ضمان؟ قال (ع) : ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً (٢).

[١] قد تقدم في المسألة الخامسة ما يدل على الضمان في الموارد المذكورة هنا. فراجع تلك النصوص.

ثمَّ إن ظاهر المصنف أن الخيانة مفهوماً تقابل التعدي والتفريط ، فالخيانة والتعدي والتفريط مفاهيم ثلاثة متباينة ، والمصرح به في المسالك : أن الخيانة هي التعدي مفهوماً ، فمفهومهما واحد يقابل التفريط. ولعلّه ظاهر الشرائع ، حيث عبّر بالتفريط والخيانة مقتصراً عليهما في وجه الضمان. والذي يظهر من الاستعمالات العرفية أن التعدي والتفريط كل منهما خيانة ، وهما متقابلان فالتعدي فعل ما لا ينبغي أن يفعل ، والتفريط ترك ما ينبغي أن يفعل ، فأكل مال المضاربة تعد ، ومخالفة أمر المالك تعدٍ ، وترك وضعها في الحرز تفريط ، والجميع خيانة.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٤ من كتاب الوديعة.

(٢) الوسائل باب : ٣ من كتاب المضاربة حديث : ٣.

٣٥٠

ولو بآفة سماوية ، وإن بقيت المضاربة ، كما مرّ. والظاهر ضمانه للخسارة الحاصلة بعد ذلك أيضاً [١]. وإذا رجع عن تعديه أو خيانته فهل يبقى الضمان أو لا؟ وجهان. مقتضى الاستصحاب بقاؤه ، كما ذكروا في باب الوديعة أنه لو أخرجها الودعي عن الحرز بقي الضمان وإن ردها بعد ذلك إليه. ولكن لا يخلو عن إشكال ، لأن المفروض بقاء الاذن [٢] ، وارتفاع‌

______________________________________________________

[١] وفي الجواهر : أنه ظاهر الأدلة ، وتقدم الجزم بذلك من المصنف قدس‌سره ، لبعض النصوص الصريحة في ذلك. بل قال في الجواهر : « بل قد يقال أو يقوى ضمانه للوضيعة المتجددة بعد التعدي ، وبالسفر مثلاً وان تساوى السعر في البلدين ، على وجه لو بقي في البلد الذي سافر عنها كان سعرها ذلك أيضاً. لإطلاق كونها على العامل مع مخالفته ». وقد يظهر منه نوع من التوقف ، لاحتمال انصراف الوضيعة إلى الوضيعة التي جاءت بسبب مخالفته ، فلا تشمل صورة ما إذا كانت الوضيعة عامة. لكن مقتضى كون الوضيعة مذكورة في سياق الربح وهو عام فهي أيضاً عامة » بقرينة السياق.

ثمَّ إن المذكور في النصوص أمرين : ضمان المال ، وضمان الوضيعة والأول يكون بمطلق الخيانة والتعدي والتفريط. أما ضمان الوضيعة فيختص بالمخالفة للمالك ، فاذا كانت الوضيعة حاصلة بعد التعدي أو التفريط لم يضمنها ، وإن كان يضمن العين. وإذا كانت الوضيعة بعد مخالفة المالك ضمنها كما ضمن العين. فلاحظ.

[٢] يعني فإذا بقيت الاذن فقد بقي الاستيمان ، وإذا ثبت الاستيمان فقد شمله عموم : لا ضمان على الأمين ، وهو مقدم على الاستصحاب. ومثله الكلام في الوديعة.

٣٥١

سبب الضمان. ولو اقتضت المصلحة بيع الجنس في زمان ولم يبع ضمن الوضيعة إن حصلت بعد ذلك [١]. وهل يضمن بنية الخيانة مع عدم فعلها؟ وجهان ، من عدم كون مجرد النية خيانة ، ومن صيرورة يده حال النية بمنزلة يد الغاصب [٢] ويمكن الفرق بين العزم عليها فعلاً وبين العزم على أن يخون بعد ذلك [٣].

( مسألة ٤٠ ) : لا يجوز للمالك أن يشتري من العامل شيئاً من مال المضاربة [٤] ، لأنه ماله. نعم إذا ظهر الربح يجوز له أن يشتري حصة العامل منه مع معلومية قدرها. ولا يبطل بيعه بحصول الخسارة بعد ذلك ، فإنه بمنزلة التلف [٥] ويجب على العامل رد قيمتها لجبر الخسارة ، كما لو باعها من غير المالك. وأما العامل فيجوز أن يشتري من المالك قبل‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت أن ضمان الوضيعة يختص بصورة مخالفة المالك ، فان لم تكن مخالفة للمالك فلا ضمان لها وإن كان مفرطاً في عمله ، كما هو المفروض في المقام. بل في اقتضائه ضمان العين إشكال ، فإنه أيضاً يختص بالتعدي والتفريط في حفظ العين لا في العمل. اللهم إلا أن يكون مبنى العقد على البيع مع المصلحة ، فتركه مخالفة للعقد ، فيكون مخالفاً للمالك.

[٢] هذا أول الكلام ، ولا دليل عليه.

[٣] لكنه ليس بفارق.

[٤] كما نص في الشرائع والقواعد وغيرهما ، وفي الجواهر : أنه بلا خلاف ولا إشكال ، معللا له بما في المتن.

[٥] كذا في الجواهر أيضاً. وقد تقدم ذلك من المصنف في المسألة‌

٣٥٢

ظهور الربح ، بل وبعده ، لكن يبطل الشراء بمقدار حصته من المبيع [١] ، لأنه ماله. نعم لو اشترى منه قبل ظهور الربح بأزيد من قيمته بحيث يكون الربح حاصلا بهذا الشراء يمكن الاشكال فيه ، حيث أن بعض الثمن حينئذ يرجع إليه من جهة كونه ربحاً ، فيلزم من نقله إلى البائع عدم نقله من حيث عوده إلى نفسه. ويمكن دفعه : بأن كونه ربحاً متأخر عن صيرورته للبائع ، فيصير أولا للبائع الذي هو المالك من جهة كونه ثمناً ، وبعد أن تمت المعاملة وصار ملكاً للبائع وصدق كونه ربحاً يرجع إلى المشتري الذي هو العامل على حسب قرار المضاربة ، فملكية البائع متقدمة طبعاً [٢]. وهذا مثل ما إذا باع العامل مال المضاربة الذي هو مال المالك من أجنبي بأزيد من قيمته ، فان المبيع ينتقل من المالك والثمن يكون مشتركاً بينه وبين العامل ، ولا بأس به فإنه من الأول يصير ملكاً للمالك ثمَّ يصير بمقدار حصة العامل منه له بمقتضى قرار المضاربة. لكن هذا على ما هو المشهور من أن مقتضى المعاوضة دخول المعوض في ملك من خرج عنه العوض وأنه لا يعقل غيره. وأما على ما هو الأقوى من عدم المانع من كون‌

______________________________________________________

السابعة والثلاثين. لكن في جامع المقاصد : « لو تجدد الخسران أمكن القول بالبطلان ، ولم أجد تصريحاً بذلك ، فينبغي التوقف ». وضعفه ممّا تقدم ظاهر ، وفي الجواهر : أنه في غير محله.

[١] كما في القواعد وغيرها ،

[٢] تقدم الموضوع على حكمه.

٣٥٣

المعوض لشخص والعوض داخل في ملك غيره ، وأنه لا ينافي حقيقة المعاوضة [١] ، فيمكن أن يقال : من الأول يدخل الربح‌

______________________________________________________

[١] المعاوضة مصدر « عاوض » ، و « فاعل » لا يدل على المشاركة كما يظهر من ملاحظة موارد الاستعمال كما أشرنا إلى ذلك في أول كتاب المضاربة ، وإنما الذي يدل على المشاركة « تعاوض » والمصدر له التعاوض فمعنى عاوض أنه أعطى العوض وجعله في مكان المعوض ، أما المعوض فلا يجب أن يكون في مكان العوض ، وعليه فالثمن الذي هو العوض يجب أن يكون في مكان المثمن المعوض ، ولا يجب العكس. نعم يكون العكس إذا لم يكن مقتضٍ للخلاف. هذا هو الموافق للمرتكزات العقلائية. وأما احتمال أنه لا يجب أن يكون العوض داخلا في ملك مالك المعوض فيجوز أن يكون المعوض لشخص ، فيخرج من ملكه الى ملك غيره ، ولا يدخل في ملكه شي‌ء ، بل يدخل العوض في ملك غيره ، وهو الذي جعله المصنف (ره) أقوى ، فضعيف جداً ، لأن الظاهر من الباء كون مدخولها عوضاً ، والظاهر من العوض كونه في مكان المعوض ، ولذلك كان من المسلمات امتناع الجمع بين العوض والمعوض. والذي يتحصل : أن المحتمل في مفهوم المعاوضة أمور ثلاثة ( الأول ) : دخول كل من العوض والمعوض في ملك من خرج عنه الآخر. ( الثاني ) : دخول العوض في ملك مالك المعوض دون العكس. ( الثالث ) : عدم لزوم دخول أحدهما في ملك مالك الآخر فيجوز أن يدخل كل منهما في غير ملك من خرج عنه الآخر. والاحتمال الأول هو المشهور ، والثاني هو الأقوى ، والثالث ضعيف. وعلى الأولين يتوجه الإشكال الذي ذكره المصنف ثمَّ الجواب عنه بما ذكر ، ولا يختص الاشكال والجواب بالمشهور فقط. وعلى الثالث لا يتوجه الاشكال من أصله ، إذ لا موجب لأن ينتقل المال إلى البائع لعدم دخله في مفهوم المعاوضة‌

٣٥٤

في ملك العامل بمقتضى قرار المضاربة ، فلا يكون هذه الصورة مثالا للمقام ونظيراً له [١].

( مسألة ٤١ ) : يجوز للعامل الأخذ بالشفعة من المالك في مال المضاربة [٢] ولا يجوز العكس [٣]. مثلا إذا كانت دار مشتركة بين العامل والأجنبي ، فاشترى العامل حصة الأجنبي بمال المضاربة ، يجوز له إذا كان قبل ظهور الربح أن يأخذها بالشفعة ، لأن الشراء قبل حصول الربح يكون للمالك ، فللعامل أن يأخذ تلك الحصة بالشفعة منه. وأما إذا كانت الدار مشتركة بين المالك والأجنبي ، فاشترى العامل حصة الأجنبي ، ليس للمالك الأخذ بالشفعة ، لأن الشراء له فليس له أن يأخذ بالشفعة ما هو له.

______________________________________________________

على ما هو المفروض ، كي يشكل : بأنه يلزم من نقله إلى البائع عدم نقله وعوده الى نفسه.

[١] لأن الذي يلزم في هذه الصورة أن العوض ينتقل الى غير مالك المعوض ، وهو غير الاشكال السابق الذي هو أنه يلزم من نقل العوض عدم نقله. لكن قد عرفت أيضاً أنه لا يتوجه الاشكال من أصله في المقام لجواز كون الشي‌ء عوضاً من دون انتقال من مالكه ، لأن الموجب لانتقاله من ماله أن يكون في ملك مالك المعوض ، فاذا لم يلزم ذلك في المعاوضة لم يلزم الانتقال أيضاً.

[٢] يعني : أن يأخذ ما اشتراه للمضاربة لنفسه بالشفعة.

[٣] يعني أن يأخذ المالك بالشفعة ما اشتراه العامل له ، لأنه إذا اشتراه صار للمالك ، فلا معنى لتملكه بالشفعة. وهذا الحكم مذكور في‌

٣٥٥

( مسألة ٤٢ ) : لا إشكال في عدم جواز وطء العامل للجارية التي اشتراها بمال المضاربة بدون إذن المالك ، سواء كان قبل ظهور الربح أو بعده ، لأنها مال الغير أو مشتركة بينه وبين الغير الذي هو المالك. فان فعل كان زانياً ، يحد مع عدم الشبهة كاملا إن كان قبل حصول الربح ، وبقدر نصيب المالك إن كان بعده. كما لا إشكال في جواز وطئها إذا أذن له المالك بعد الشراء [١] ، وكان قبل حصول الربح ، بل يجوز بعده على الأقوى [٢] من جواز تحليل أحد الشريكين صاحبه وطء الجارية المشتركة بينهما. وهل يجوز له وطؤها بالإذن السابق في حال إيقاع عقد المضاربة ، أو بعده قبل الشراء ، أم لا؟ المشهور على عدم الجواز ، لأن التحليل إما تمليك أو عقد [٣] وكلاهما لا يصلحان قبل الشراء [٤]. والأقوى ـ كما عن‌

______________________________________________________

الشرائع والقواعد وغيرهما ، ولا إشكال فيه.

[١] فإنه من التحليل الذي لا إشكال في صحته في الجملة.

[٢] كما ذهب إليه جماعة من الأساطين. ويدل عليه صحيح محمد ابن قيس (١) وسيأتي تحرير ذلك في المسألة الواحدة والعشرين من فصل نكاح العبيد والإماء.

[٣] كذا في المسالك.

[٤] فلا يتناوله الحصر في قوله تعالى ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (٢). كذا في المسالك.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) المؤمنون : ٦.

٣٥٦

الشيخ في النهاية ـ الجواز ، لمنع كونه أحد الأمرين ، بل هو إباحة [١] ، ولا مانع من إنشائها قبل الشراء إذا لم يرجع عن إذنه بعد ذلك ، كما إذا قال : اشتر بمالي طعاماً ثمَّ كل منه [٢] هذا مضافاً إلى‌ خبر الكاهلي [٣] عن أبي الحسن (ع) « قلت : رجل سألني أن أسألك أن رجلاً أعطاه مالاً مضاربة يشتري‌

______________________________________________________

[١] لكن يشكل للحصر المذكور في الآية الشريفة. إلا أن يقال : إن الدليل القطعي الدال على جواز الوطء بتحليل المالك موجب للخروج عن عموم الحصر. أو يكون المراد بما ملكت أيمانهم ما يعم التحليل ، والموجب لذلك أن ما دل على مشروعية التحليل لا يقبل الحمل على أحد الأمرين من العقد والتمليك ، فيتعين المصير الى ما ذكر. لكن في جواز التحليل بهذا المعنى قبل الشراء إشكال ، إذ لا إطلاق يقتضي جوازه حينئذ ، والأصل عدم ترتب ، الأثر‌

[٢] لا ينبغي التأمل في صحة ذلك. لكن المقايسة مع المقام غير ظاهرة لأن التصرفات الخارجية لا تتوقف على الاذن الإنشائي ، ويكفي فيها الرضا النفساني التقديري المستفاد من الفحوى ، فمن أذن لغيره في دخول داره جاز للمأذون شرب الماء والوضوء ونحوهما من التصرفات الخارجية التي لو سئل عنها المالك لإذن فيها ، ولا ريب في عدم كفاية ذلك هنا. نعم المناسب المقايسة بالتصرفات الاعتبارية ، كما إذا أذن له في شراء دار ووقفها أو إجارتها ونحوها من التصرفات الاعتبارية ، فإن الإذن فيها لا تتوقف على وجود الموضوع ـ كما مثل له في الجواهر ـ وإن كان المقام يختلف عن المثال بأنه تصرف خارجي والمثال تصرف اعتباري ، لكنه لما كان لا بد فيه من الرضا الإنشائي كان نظيراً.

[٣] رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن محمد

٣٥٧

ما يرى من شي‌ء ، وقال له : اشتر جارية تكون معك ، والجارية إنما هي لصاحب المال ، إن كان فيها وضيعة فعليه ، وإن كان ربح فله ، فللمضارب أن يطأها؟ قال (ع) : نعم ». ولا يضر‌

______________________________________________________

ابن زياد عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي الحسن (ع) ، قال : « قلت .. » (١). واسناد الشيخ الى الحسن موثق ، والحسن ثقة ، ومحمد ابن زياد صحيح الحديث ، لأن الظاهر أنه محمد ابن أبي عمير ، واحتمال غيره لا يعول عليه عند الإطلاق ، وكذلك عبد الله بن يحيى الكاهلي ، فإنه من الأجلاء ـ كما قيل ـ وقد عد حديثه صحيحاً في كثير من الموارد فالخبر من الموثق.

وفي المسالك : « والقول بالجواز للشيخ في النهاية ، استناداً إلى رواية ضعيفة ، مضطربة المفهوم ، قاصرة الدلالة ». والاشكال على الأول ظاهر. وفي جامع المقاصد في بيان وجه ما في القواعد من أن الأقرب المنع : « ووجه القرب الحصر المستفاد من قوله تعالى ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ). ولأن أمر الفروج مبني على الاحتياط التام ، فلا يعول فيه على مثل هذه الرواية. لكن الحصر لا بد من التصرف فيه لما دل على مشروعية التحليل ، ولا مجال للاحتياط مع الدليل. نعم ذكر في النافع أن الرواية متروكة ، وهذا الترك يوجب سقوطها عن الحجية كغيرها من المهجورات. وهذا الترك يوجب سقوطها عن الحجية كغيرها من المهجورات. لكن ذلك يختص بما إذا كان يمنع من الوثوق بصدورها ، وفي المقام غير ظاهر ، لاحتمال كونه صادراً لأجل هذه الطعون غير المقبولة وإن كان ظاهر المحقق أن القادح في الرواية أنها متروكة لا قاصرة عن الحجية ، فالطعون المذكورة في كلام من تأخر عنه من باب التعليل بعد الورود ، فاذاً لا مجال للعمل بالرواية. فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب كتاب المضاربة.

٣٥٨

ظهورها في كون الشراء من غير مال المضاربة [١] من حيث جعل ربحها للمالك ، لأن الظاهر عدم الفرق بين المضاربة وغيرها في تأثير الإذن السابق وعدمه. وأما وطء المالك لتلك الجارية فلا بأس به [٢] قبل حصول الربح ، بل مع الشك فيه ، لأصالة عدمه. وأما بعده فيتوقف على إذن العامل ، فيجوز معه على الأقوى [٣] من جواز إذن أحد الشريكين صاحبه.

( مسألة ٤٣ ) : لو كان المالك في المضاربة امرأة فاشترى العامل زوجها ، فإن كان بإذنها فلا إشكال في صحته ، وبطلان‌

______________________________________________________

[١] لأن قول السائل : « هي لصاحب المال » يراد منه أنها ليست من مال المضاربة ، والا فإن مال المضاربة أيضاً لصاحب المال. ثمَّ إن الظاهر أن هذا الظهور هو الذي دعا المسالك إلى دعوى كونها قاصرة الدلالة. وأما دعواه اضطراب المفهوم فالظاهر أن الوجه فيه أن قول المالك : « تكون معك » غير ظاهر في الاذن في الوطء ، ولعل المراد أنها تكون معك أمانة ووديعة إلى أن ترجع في مقابل أن يرسلها الى المالك ، لكن لما كان من البعيد الاذن للعامل في الوطء للوديعة تعين أن يكون الإذن قرينة على أن المراد من كونها مع العامل أن يتخذها فراشاً له. وفيه : أن الظاهر من قوله : « تكون معك » الذي هو جملة وصفية للجارية د الجارية أنه يريد كونها مصاحبة له والمنصرف منه أن تكون فر ، لا أمانة.

[٢] لكونها ملكه بلا شريك.

[٣] لما يأتي في المسألة الواحدة والعشرين من فصل نكاح العبيد والإماء كما سبق.

٣٥٩

نكاحها [١] ، ولا ضمان عليه [٢] ، وإن استلزم ذلك الضرر عليها بسقوط مهرها ونفقتها. وإلا ففي المسألة أقوال [٣] : البطلان مطلقاً ، للاستلزام المذكور ، فيكون خلاف مصلحتها. والصحة كذلك ، لأنه من أعمال المضاربة المأذون فيها في ضمن العقد ، كما إذا اشترى غير ز. والصحة إذا أجازت بعد ذلك. وهذا هو الأقوى ، إذ لا فرق بين الاذن السابق والإجازة اللاحقة ، فلا وجه للقول الأول [٤]. مع أن قائله غير معلوم [٥]. ولعله من يقول بعدم صحة الفضولي إلا فيما ورد دليل خاص. مع أن الاستلزام المذكور ممنوع ، لأنها لا يستحق النفقة إلا تدريجاً ، فليست هي مالاً لها فوته عليها وإلا لزم غرامتها على من قتل الزوج. وأما المهر فإن كان‌

______________________________________________________

[١] إجماعاً ، نصاً وفتوى ، كما يأتي في شرح المسألة السابعة من فصل نكاح العبيد والإماء.

[٢] لعدم الموجب له بعد أن كان الشراء بإذنها. كما هو المفروض.

[٣] قال في القواعد : « قيل : يبطل الشراء ، لتضررها به ، وقيل يصح موقوفاً .. ( الى أن قال ) وقيل : مطلقاً ، فيضمن المهر مع العلم » ، ونحوه حكي في جملة من الكتب ، وفي الشرائع : اقتصر على ذكر قولين ، فقال : « قيل : يصح الشراء ، وقيل : يبطل ، لأن عليها في ذلك ضرراً. وهو أشبه » ، ونحوه حكي عن المبسوط.

[٤] فالاستلزام الذي ذكر وجهاً له لا يقتضي البطلان مع الإجازة‌

[٥] كما الجواهر ، لكن قال : « وإن حكي عن ظاهر الشيخ في المبسوط » ، وفي التذكرة حكاه قولاً للشافعي.

٣٦٠