مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

ربح‌ بل ينفق من أصل المال [١] وإن لم يحصل ربح أصلاً. نعم لو حصل الربح بعد هذا تحسب من الربح ، ويعطى المالك تمام رأس ماله ، ثمَّ يقسم بينهما.

( مسألة ٢١ ) : لو مرض في أثناء السفر. فان كان لم يمنعه من شغله فله أخذ النفقة [٢] ، وإن منعه ليس له [٣] ، وعلى الأول لا يكون منها ما يحتاج إليه للبرء من المرض [٤].

______________________________________________________

[١] قال في المسالك « ولا يعتبر في النفقة ثبوت الربح ، بل ينفق ولو من أصل المال إن لم يكن ربح وإن قصر المال. نعم لو كان ربح فهي منه مقدمة على حق العامل » ، ونحوه كلام غيره. لكن في الرياض : « مقتضى إطلاق النص والفتوى إنفاقها من الأصل ولو مع حصول الربح ، ولكن ذكر جماعة إنفاقها منه دون الأصل ، وعليه فليقدم على حصة العامل ». وما ذكره الجماعة هو الوجه ، إذ لا يصدق الربح الا بعد استثناء النفقة وغيرها من مئونة التجارة. والظاهر أن ذلك لا إشكال فيه بينهم ، ولذلك قال في الجواهر ـ بعد حكاية ما في الرياض ـ : « وهو من غرائب الكلام ».

[٢] بلا ريب ، كما في الجواهر. لإطلاق الأدلة.

[٣] كما في الجواهر. وكأنه لأن السفر في حال المرض المانع عن العمل ليس للتجارة. وهو غير ظاهر ، ولازمه عدم النفقة مع طروّ المانع عن العمل غير المرض إذا كان في مقام الزوال ، وهو كما ترى.

[٤] قال في المسالك : « إن مئونة المرض والموت في السفر سويتان على العامل خاصة ، لأنهما لم يتعلقا بالتجارة ». وهو في محله بالنسبة إلى الموت لانفساخ المضاربة ، لا لعدم تعلقه بالتجارة ، أما بالنسبة إلى المرض فيشكل بأن المرض وإن لم يكن للتجارة لكن السفر لها ، فاذا كانت مئونة المرض‌

٣٠١

______________________________________________________

من نفقات السفر كانت على المالك ، كغيرها من شؤون النفقة.

نعم يتم بناء على عدم كونها من النفقة الواجبة لواجب النفقة ، كما هو المصرح به في كلام غير واحد من الأكابر. وكأن وجهه عدم الدليل على وجوب نفقة المرض المزوجة ، فضلا عن غيرها. إذ دليل نفقتها إن كان قوله تعالى ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (١) فمن الواضح اختصاصه بالرزق والكسوة ، ولا يشمل الدواء المشروب ، لانصرافه عنه ، فضلاً عن العلاج بالضماد ونحوه ، وإن كان قوله تعالى : ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٢) فهو ناظر الى الجهات الأخلاقية لا غيرها وإن كان قوله تعالى ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ) (٣) فالظاهر منه الإنفاق على المطلقات ، بقرينة ما قبله من قوله تعالى في سورة الطلاق ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (٤). ولأجل ذلك لا يكون وارداً في مقام تشريع النفقة للزوجة ، بل في مقام وجود النفقة المشروعة للزوجة على المطلقة ، ولا مجال للتمسك بإطلاقه ، ولا لحمله على المتعارف كما في الجواهر. نعم يتعين ذلك لو كان في مقام تشريع النفقة ، لامتناع كون المراد الإنفاق في الجملة ، كامتناع كون المراد إنفاق كل شي‌ء ، فيتعين الحمل على المتعارف. لكن الظاهر من سياقه أنه ليس في مقام التشريع الأصلي ، وحينئذ لا دليل على وجوب نفقة المرض للزوجة. بل الأصل العدم في كل ما شك في وجوبه لها من أنواع النفقات ، مثل الآت التنظيف والغطاء والفراش وظروف الطعام والشراب وغير ذلك مما لا يدخل‌

__________________

(١) البقرة : ٢٣٣.

(٢) النساء : ١٩.

(٣) الطلاق : ٧.

(٤) الطلاق : ٦.

٣٠٢

______________________________________________________

في الطعام والشراب.

ومن ذلك يشكل ما في الجواهر فإنه بعد ما حكى كلمات بعض الأصحاب في تحديد النفقة ، وما فيها من الاختلاف والاضطراب والتشويش ، قال : « إن كان المدار في الإنفاق بذل جميع ما تحتاج اليه المرأة لم يكن لاستثناء الدواء والطبيب والكحل وأجرة الحمام والفصد وجه. وإن كان المدار على خصوص الكسوة والإطعام والمسكن لم يكن لعدّ الفراش والإخدام ـ وخصوصا ما كان منه للمرض وغير ذلك مما سمعته في الواجب ـ وجه وإن جعل المدار فيه المعاشرة بالمعروف وإطلاق الإنفاق كان المتجه وجوب الجميع ، بل وغير ما ذكروه من أمور أخر لا حصر لها فالمتجه إحالة جميع ذلك إلى العادة في إنفاق الأزواج على الزوجات من حيث الزوجية ، لا من حيث شدة حب ونحوه .. » وجه الاشكال : أن الأمر بالمعاشرة بالمعروف ليس مما نحن فيه ، والأمر بالإنفاق في الآية الشريفة ليس في مقام تشريع وجوب النفقة للزوجة ، بل في مقام إلحاق المطلقة بها. وإن كان الذي يظهر من بعض الصحاح أنه وارد في الزوجة ، كصحيح ربعي والفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (ع) « في قوله تعالى ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ ) (١) قال (ع) : إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة ، وإلا فرق بينهما » (٢) ونحوه صحيح أبي بصير (٣) لكن ظاهره اختصاص النفقة بالإطعام والكسوة ، كالآية الشريفة ، لا يعم غيرهما. اللهم الا أن يكون جواز التفريق مختصاً بذلك ، لا وجوب النفقة ، وحينئذ يتم ما ذكر في الجواهر من لزوم الرجوع إلى المتعارف في النفقة‌

__________________

(١) الطلاق : ٦٥.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب النفقات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب النفقات حديث : ١٢.

٣٠٣

______________________________________________________

بعد تعذر الأخذ بصرف الطبيعة ، كتعذر الأخذ بالعموم. ويعضد ذلك صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) : « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً الأب والأم والولد والمملوك والمرأة ، وذلك أنهم عياله لازمون له » (١) وفي خبر ابن الصلت « لأنه يجبر على نفقتهم » (٢) والتعليل بأنهم لازمون له بعد أن لم يكن تعبدياً يراد به إما أنهم أغنياء ولا تجوز إعطاء الزكاة لذلك ، واما لأن اللزوم يمنع من تعلق لزوم آخر من جهة الزكاة ، لئلا يلزم التداخل ، فيكون هو المانع من إعطائهم الزكاة. ولو كانت النفقة مختصة بعض الحاجيات دون بعض كان البعض الآخر مورداً للزكاة فلا يحصل التداخل ، كما لا يحصل الغنى. فالتعليل المذكور يكون دليلا واضحاً على وجوب الإنفاق بالنسبة الى جميع الحاجات ، ومنها الدواء وأجرة الطبيب وأجرة الفصد والأواني والظروف اللازمة في الاستعمال وأواني التنظيف وغير ذلك مما يحتاج إليه. وكان الأولى التمسك بالصحيح المذكور على ما ذكر ، لا إهماله والتمسك بالإطلاق المحتاج في دليليته إلى تكلف. هذا كله بالنسبة إلى نفقة الزوجة. وأما نفقة العامل فيما نحن فيه ، فان قلنا بوحدة المراد كانت نفقة المرض مستثناة أيضاً ، وإن لم نقل بأن المقامين من باب واحد أمكن التمسك بإطلاق الدليل في المقام على ذلك ، فإن نفقة المرض من أهم ما يحتاج إليه في معاشه. ولذلك يضعف ما تقدم في المسالك وسبقه إليه في جامع المقاصد والتذكرة وغيرهما ، من دون تعرض منهم لوجهه. وكأنه دعوى انصراف الإطلاق في المقام عنه ، أو لبنائه على ذلك في نفقة الزوجة وكون المقامين من باب واحد. لكن دعوى الانصراف ممنوعة ، كدعوى ذلك في نفقة الزوجة على ما عرفت.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب المستحقين الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب المستحقين الزكاة حديث : ٤.

٣٠٤

( مسألة ٢٢ ) : لو حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء السفر فنفقة الرجوع على نفسه [١] ، بخلاف ما إذا بقيت ولم تنفسخ ، فإنها من مال المضاربة.

( مسألة ٢٣ ) : قد عرفت الفرق بين المضاربة والقرض والبضاعة ، وأن في الأول الربح مشترك ، وفي الثاني للعامل ، وفي الثالث للمالك ، فاذا قال : خذ هذا المال مضاربة والربح بتمامه لي ، كان مضاربة فاسدة [٢] ، إلا إذا علم أنه قصد‌

______________________________________________________

[١] كما صرح بذلك غير واحد ، وظاهر المسالك : أنه لا خلاف فيه بيننا. لارتفاع المضاربة ، فيرتفع حكمها. وعن بعض العامة لزوم النفقة من أصل المال ، لأنه استحقها بالسفر. ولا بأس به لو بني على كون الحكم على القاعدة ، كما يقتضي ذلك ما تقدم عن جامع المقاصد والتذكرة من تعليل الحكم. أما إذا كان المستند النص فالنص غير شامل له. اللهم إلا أن يقال : النص لا ينفيه ، والقاعدة تقتضيه ، فالعمل بها متعين في خصوص نفقة السفر ، لا نفقة العامل.

[٢] قال في الشرائع : « لو قال : خذه قراضا والربح لي ، فسد ، ويمكن أن يجعل بضاعة ، نظراً الى المعنى. وفيه تردد ». وفي القواعد : « لو قال : خذه قراضاً على أن الربح لك ، أولي ، بطل » ، ونحوه في التذكرة وغيرها ، وفي المسالك : أنه المشهور. بل قيل لا نعرف خلافاً صريحاً فيه ، وإنما وقع التردد من بعضهم كالشرائع.

وكيف كان نقول : إن كون الربح مشتركاً بين المالك والعامل داخل في قوام المضاربة فكون الربح كله للمالك مناف له ، ولأجل أن الجمع بين المتنافيين محال فالقصد إليهما معاً محال ، فلا بد في المقام من أحد أمور‌

٣٠٥

الإبضاع ، فيصير بضاعة ، ولا يستحق العامل أجرة [١] ،

______________________________________________________

عدم قصد الأمرين ، أو قصد الأول دون الثاني ، أو العكس ، فعلى الأول لا يكون معنى إنشائي أصلاً لا صحيح ولا فاسد. وعلى الثاني تكون مضاربة صحيحة ، وعلى الثالث تكون بضاعة أنشئت بلفظ المضاربة ، فتكون صحيحة. وإذا علم أن المتكلم شاعر في مقام الإنشاء فقد انتفى الاحتمال الأول ، وتعين أحد الأخيرين ، وثانيها أولى ، لأن التصرف في لفظ المضاربة بحمله على البضاعة أولى من التصرف في قوله : ولي الربح ، بحمله على ما لا ينافي المضاربة ، فيكون هو المتعين ، ويحمل الكلام على البضاعة وعلى هذا لا مجال للمضاربة ، فيكون هو المتعين ، ويحمل الكلام على البضاعة وعلى هذا لا مجال للمضاربة الفاسدة في مقام الثبوت ، فضلاً عن مقام الإثبات.

هذا كله مع الالتفات. أما مع الغفلة فيمكن القصد الى المتنافيين معاً ، بأن يكون أحدهما مقصوداً إجمالا ، والآخر تفصيلا ، وفي المقام يكون المنشئ قصد قصد المضاربة بمالهما من المعنى إجمالا ، وقصد أن يكون تمام الربح له تفصيلا. فيكون شرطاً منافياً لمقتضى العقد ، فيكون فاسداً فان قلنا بأن الشرط الفاسد مفسد فقد فسد العقد ، وإلا فلا ، ولا وجه للبناء على فساد العقد ممن لا يرى فساده بالشرط العقد ، وإلا فلا ، ولا وجه للبناء على فساد العقد ممن لا يرى فساده بالشرط الفاسد. اللهم إلا أن يقال القصد الإجمالي إنما يكتفى به في مقام الإنشاء إذ لم يكن قصد تفصيلي على خلافه ، والا فلا يعتد به في حصول الإنشاء ، ويكون العمل على القصد التفصيلي ، فلا مضاربة في المقام لا صحيحة ولا فاسدة ، بل هو بضاعة.

والمتحصل : أنه مع الالتفات التفصيلي ففي مقام الثبوت لا مضاربة لا صحيحة ولا فاسدة ، وفي مقام الإثبات بضاعة ، ومع عدم الالتفات التفصيلي فالواقع إما مضاربة صحيحة أو بضاعة صحيحة ، لا مضاربة فاسدة.

[١] الذي يظهر من كلمات الأصحاب أنه يعتبر في البضاعة كون‌

٣٠٦

إلا مع الشرط أو القرائن الدالة على عدم التبرع ، ومع الشك فيه وفي إرادة الأجرة يستحق الأجرة أيضاً ، لقاعدة احترام عمل المسلم. وإذا قال خذه قراضاً وتمام الربح لك ، فكذلك مضاربة فاسدة [١]. إلا إذا علم أنه أراد القرض. ولو لم يذكر لفظ المضاربة ، بأن قال : خذه واتجر به والربح بتمامه لي ، كان بضاعة [٢] ،

______________________________________________________

الربح للمالك من دون أجرة عليه للعامل. قال في الوسيلة : « وإن دفع اليه ليتجر به له من دون أجرة كان بضاعة » ، ونحوه في غيرها ، وفي الجواهر : « قد عرفت أنها ( يعني : البضاعة ) المال المدفوع ليعمل به على أن الربح لمالكه بلا أجره للعامل ، فهي حينئذ توكيل في التجارة تبرعاً » ولأجل عدم الدليل على هذا المعنى في المقام قيده المصنف بما إذا كانت القرينة على التبرع ، أما إذا كانت على عدم التبرع أو لم تقم على أحد الأمرين ، فاللازم البناء على الأجرة ، لقاعدة الاحترام ، كما ذكر المصنف ، أو لقاعدة الاستيفاء كما هو التحقيق. وحكى في الرياض عن التنقيح : نحو ذلك ، واختاره ، ثمَّ قال : « وينبغي تنزيل كلمات الأصحاب عليه ». ثمَّ إن عبارة المتن لا تخلو من اشكال ، وكان الاولى التعبير بقوله : ويستحق العامل الأجرة ، إلا أن تكون قرينة على التبرع بدل ما ذكر من العبارة.

[١] كما في القواعد ، وكذا في غيرها ، وفي التذكرة : « ولو قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لك ، فسد القراض أيضاً عندنا » وظاهره الإجماع على الفساد ، لكن يشكل ما ذكره بما عرفت في الفرض السابق ، إذ الكلام في المقامين من باب واحد.

[٢] قال في الشرائع : « أما لو قال خذه فاتجر به والربح لي ،

٣٠٧

إلا مع العلم بإرادة المضاربة ، فتكون فاسدة [١]. ولو قال : خذه واتجر به والربح لك بتمامه ، فهو قرض [٢] ، إلا مع العلم بإرادة‌

______________________________________________________

كان بضاعة. ولو قال : والربح لك كان قرضاً » ، ونحوه ما في القواعد ، وحكي عن كثير من كتب الأصحاب ويظهر منهم عدم الخلاف فيه. ولكنه يشكل إذا أريد عدم استحقاق العامل الأجرة ـ كما هو معنى البضاعة على ما عرفت ـ وذلك لعدم القرينة على المجانية ، ومقتضى استيفاء عمل المسلم ضمانه.

[١] قد عرفت إشكاله ، وأنه على تقدير إرادة المضاربة يكون شرط خلافها مخالفاً لمقتضى العقد ، فيكون فاسداً ، لكنه غير مفسد ، على ما هو التحقيق ، بل على تقدير قصد المضاربة تفصيلا يمتنع القصد إلى معنى قوله والربح لي ، فلا شرط حينئذ ، كي يكون منافياً لمقتضى العقد ، وفاسداً.

[٢] كما سبق في الشرائع والقواعد وغيرهما ، وظاهرهم التسالم عليه. ويشكل ـ كما عن مجمع البرهان ـ بأن القرض تمليك بعوض ، وهو غير مفروض في كلام المالك ، ولا مقصود له. وقد ينزل كلامهم ـ كما في الرياض ـ على إرادة أن اشتراط تمام الربح للعامل من أحكام القرض ، لا أنه قرض فعلا. ولكنه بعيد جداً. كما أنه استدل على تحقق القرض بذلك بما ورد في المعتبرة المستفيضة التي فيها الصحيح والموثق : « من ضمن تاجراً فليس له إلا رأس ماله وليس له من الربح شي‌ء » (١) ، لظهورها في أنه بمجرد تضمين المالك للمضارب يصير المال قرضاً. وفيه : أنه لا تضمين في المقام ، ولو فرض فلا دلالة في النصوص المذكورة على حصول القرض ، بل ظاهرها أنها من قبيل ما روي مرسلا من قول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من كتاب المضاربة.

٣٠٨

المضاربة ، ففاسد. ومع الفساد في الصور المذكورة يكون تمام الربح للمالك [١] ، وللعامل أجرة عمله [٢] ، إلا مع علمه بالفساد [٣]

( مسألة ٢٤ ) : لو اختلف العامل والمالك في أنها مضاربة فاسدة أو قرض ، أو مضاربة فاسدة أو بضاعة ، ولم يكن هناك ظهور لفظي [٤] ولا قرينة معينة ،

______________________________________________________

النبي (ص) : « الخراج بالضمان » (١) الذي لم يكن بناء الأصحاب على العمل به. ولذا أفتوا بضمان المنافع المستوفاة للمقبوض بالعقد الفاسد ، كما دلت عليه بعض الصحاح.

[١] لأن الربح تابع للمال. لكن هذا مع إجازة المالك وإلا فله عين ماله مع وجوده ، أو بدله مع فقده. ولا ربح حينئذ ، ففرض وجود الربح مبني على ثبوت الإجازة أو استفادة الاذن ، وسيأتي التعرض لذلك في المسألة الثامنة والأربعين.

[٢] للاستيفاء.

[٣] لإقدامه على العمل بدون استحقاق ، فيكون بمنزلة التبرع. وفيه : أن العلم بعدم الاستحقاق شرعاً لا يقتضي التبرع ، ضرورة أن فعله كان بقصد الربح ولو بغير استحقاق ، وهذا المقدار كاف في الاستحقاق.

[٤] تبع في ذلك الجواهر حيث حكى عن المسالك : أنه إذا اختلفا في القصد المبطل احتمل تقدم قول المالك لأنه أعرف بنيته ، والعامل نظراً إلى ظاهر اللفظ وترجيحاً للصحة ، ثمَّ قال : « لا يخفى عليك عدم إتيان الوجهين بعد تسليم كون ظاهر اللفظ في ذلك ، ضرورة عدم وجه لمن يدعي خلاف الظاهر بلا قرينة وإلا لزم من ذلك فساد كثير » وفيه : أن دعوى خلاف ظاهر اللفظ كدعوى خلاف ظاهر اليد وغيرها من‌

__________________

(١) تقدم التعرض لسند الحديث ومتنه في المسألة الرابعة.

٣٠٩

فمقتضى القاعدة التحالف [١].

______________________________________________________

الحجج في أن صاحبها مدع وخصمه منكر ، ولا فرق بين الحجج في ذلك ، وكذلك من يدعي خلاف مقتضى القرينة تسمع دعواه ، وعليه الإثبات. ولعل مراد المصنف أن ذلك شرط في التحالف. ومع الظهور اللفظي أو القرينة يكون المورد من موارد المدعي ، والمنكر. لا أنه لا تسمع دعوى الخلاف.

[١] لأن كلا منهما يدعي أمراً خلاف الأصل. هذا بناءً على أن المعيار في المدعي والمنكر مصب الدعوى ، أما إذا كان المعيار الغرض المقصود من الدعوى ـ كما هو التحقيق ، وأشرنا إليه في كتاب الإجارة ـ فيختلف ذلك باختلاف المقامات ، فاذا ادعى العامل القرض وادعى المالك المضاربة الفاسدة ، وكانت دعوى العامل القرض راجعة إلى دعوى استحقاق الربح وحده ، ودعوى المالك المضاربة الفاسدة راجعة إلى دعوى نفي القرض وبقاء المال على ملكه ليكون ربحه له ، كانت دعوى المالك على وفق الأصل ودعوى العامل على خلاف الأصل. وإذا لم يكن ربح للمال فادعى العامل المضاربة الفاسدة ليكون له على المالك أجرة العمل ، وادعى المالك القرض ليتخلص من الأجرة كانت دعوى المالك موافقة لأصالة براءة ذمته من الأجرة ، ودعوى العامل المضاربة الفاسدة خلاف الأصل ، فيكون منكراً. وأصالة عدم القرض لما لم تثبت الأجرة لم تكن جارية في المقام لعدم ترتب الأثر على مجراها ، ففي الفرض الأول يكون مدعي القرض مدعياً ، وفي هذا الفرض يكون منكراً. وإذا ادعى المالك البضاعة وادعى العامل المضاربة الفاسدة فقد اتفقا على كون الربح للمالك ، ويكون الخصام بينهما في أن العامل يستحق على المالك الأجرة أولا ، فالمالك يدعي أنها بضاعة تبتني على المجانية ـ كما عرفت ـ والعامل يدعي المضاربة الفاسدة الموجبة لاستحقاق الأجرة ، فاستيفاء عمل العامل الموجب للضمان حاصل على‌

٣١٠

وقد يقال : بتقديم قول من يدعي الصحة [١]. وهو مشكل ، إذ مورد الحمل على الصحة [٢] ما إذا علم أنهما أوقعا معاملة معينة واختلفا في صحتها وفسادها ، لا مثل المقام ، الذي يكون الأمر دائراً بين معاملتين على إحداهما صحيح وعلى الأخرى باطل ، نظير ما إذا اختلفا في أنهما أوقعا البيع الصحيح أو الإجارة الفاسدة مثلا. وفي مثل هذا مقتضى القاعدة التحالف [٣] وأصالة الصحة لا تثبت كونه بيعاً مثلا لا إجارة ، أو بضاعة صحيحة مثلا لا مضاربة فاسدة.

( مسألة ٢٥ ) : إذا قال المالك للعامل : خذ هذا المال قراضاً والربح بيننا صح [٤]. ولكل منهما النصف ، وإذا قال : ونصف الربح لك ، فكذلك [٥] ، بل وكذا لو قال : ونصف الربح لي ، فإن الظاهر أن النصف الآخر للعامل. ولكن فرّق بعضهم [٦] بين العبارتين ، وحكم بالصحة في الأولى ، لأنه‌

______________________________________________________

كل حال ، ويدعي المالك التبرع وينكر العامل ذلك.

[١] كما في المسالك.

[٢] كما قرره في الجواهر :

[٣] قد عرفت إشكاله ، وأن مدعي الإجارة الفاسدة إنما يقصد إنكار البيع الصحيح ، والإجارة الفاسدة ليست موضع غرض له.

[٤] كما في الشرائع وغيره ، وظاهر المسالك : الاتفاق عليه عندنا وعند غيرنا إلا بعض الشافعية. والوجه فيه ظهور الكلام في التنصيف ، وما عن بعض الشافعية من منع ذلك ممنوع عليه.

[٥] بلا خلاف.

[٦] كالمحقق في الشرائع. ووجه الفرق ما في المتن ، كما قرره في المسالك.

٣١١

صرح فيها بكون النصف للعامل والنصف الآخر يبقى له ، على قاعدة التبعية ، بخلاف العبارة الثانية ، فإن كون النصف للمالك لا ينافي كون الآخر له أيضاً ، على قاعدة التبعية ، فلا دلالة فيها على كون النصف الآخر للعامل. وأنت خبير بأن المفهوم من العبارة عرفا كون النصف الآخر للعامل [١].

( مسألة ٢٦ ) : لا فرق [٢] بين أن يقول : خذ هذا المال قراضا ولك نصف ربحه ، أو قال : خذه قراضا ولك ربح نصفه ، في الصحة والاشتراك في الربح بالمناصفة. وربما يقال : بالبطلان في الثاني [٣] ، بدعوى : أن مقتضاه كون ربح النصف الآخر بتمامه للمالك ، وقد يربح النصف فيختص به أحدهما ، أو يربح أكثر من النصف ، فلا يكون الحصة معلومة وأيضا قد لا يعامل إلا في النصف. وفيه : أن المراد ربح نصف ما عومل به وربح ، فلا إشكال.

______________________________________________________

[١] كما في الجواهر ، بل قال : « هو واضح ». وهو كما قال. لكن منعه في المسالك ، لعدم استقرار العرف على ذلك ، ثمَّ قال : « والأجود البطلان » وفي القواعد : « بطل على إشكال ».

[٢] كما في الشرائع والقواعد ، وفي المسالك : « المشهور صحة القراض في الصورتين ، وأنه لا فرق بينهما من حيث المعنى ».

[٣] نسبه في المسالك الى الشيخ في أحد قوليه ، وعلله بما ذكر ، ومحصله إشكالان ( الأول ) : أن شرط القراض الاشتراك في كل جزء من الربح وفي الفرض لا اشتراك ، لأن ربح أحد النصفين للعامل ، وربح النصف الآخر للمالك وأيضاً قد لا يعامل إلا بالنصف ، فيكون ربحه‌

٣١٢

( مسألة ٢٧ ) : يجوز اتحاد المالك وتعدد العامل [١] ،

______________________________________________________

لأحدهما بعينه بلا اشتراك بينهما ( الثاني ) : جهالة النسبة إذ ربما يكون ربح النصف الآخر أقل ، وربما يكون أكثر ، فالنسبة بين الحصتين مجهولة. وأيضاً إذا كان ربح أحد النصفين للعامل وربح الباقي للمالك ، فربما يكون ربح الباقي ربح بعض النصف ، وربما يكون ربح تمامه ، فيكون مقداره مجهولاً أيضاً. وحمله في الجواهر على صورة تعين النصف المضاف اليه ربح العامل فإنه الذي يصح معه الدليل ، وهو غير ما نحن فيه. ولذا ذكر في المسالك : أنه أجيب عنه بأن الإشارة ليست إلى نصف معين ، بل الى مبهم ، فاذا ربح أحد النصفين فذلك الذي ربح هو المال. والذي لم يربح لا اعتداد به انتهى. ولأجل أن أخذ النصف مبهماً لا يكفي في رفع الإشكال ، لأن العمل إذا كان بالنصف وقد ربح ، فذلك النصف إما أن ينطبق عليه نصف المال ، وإما أن لا ينطبق ، فان انطبق كان ربحه للعامل أو للمالك بلا معين وان لم ينطبق لم يكن لأحدهما ، وكل ذلك كما ترى ، ألحقه بقوله : « فاذا ربح أحد .. » يريد أن النصف المبهم لا ينطبق على تمام النصف المذكور ، بل ينطبق على نصفه ، كما ينطبق النصف الثّاني على نصفه الثاني ، لأن ذلك النصف المعمول به هو المال ذو النصفين ، ولا اعتداد بالنصف الذي لم يعمل به. ولكنه كما ترى فان المراد من المال تمامه ، فالنصف المعمول به نصفه لا كله. فالمتعين في دفع الاشكال أن يقال : إن ربح النصف ربح لتمام المال ، ولذا يقسم بين العامل والمالك في العبارة الأخرى وهي ما إذا قال : خذ هذا المال ولك نصف ربحه ، فاذا صدق أنه ربح لتمام المال فقد صدق أن نصفه ربح لنصف المال ، فيكون للعامل ، والنصف الآخر للمالك.

[١] قال في القواعد : « يجوز تعددهما ، واتحادهما ، وتعدد أحدهما‌

٣١٣

مع اتحاد المال ، أو تميز مال كل من العاملين ، فلو قال : ضاربتكما ولكما نصف الربح ، صح ، وكانا فيه سواء. ولو فضل أحدهما على الآخر صح أيضاً [١] وإن كانا في العمل سواء ، فان غايته اشتراط حصته قليلة لصاحب العمل الكثير وهذا لا بأس به [٢] ويكون العقد الواحد بمنزلة عقدين مع اثنين ، ويكون كما لو قارض أحدهما في نصف المال بنصف وقارض الآخر في النصف الآخر بربع الربح ، ولا مانع منه [٣] وكذا يجوز تعدد المالك واتحاد العامل : بأن كان المال مشتركاً بين اثنين ، فقارضا واحداً بعقد واحد بالنصف مثلا متساوياً بينهما ، أو بالاختلاف : بأن يكون في حصة أحدهما بالنصف وفي حصة الآخر بالثلث أو الربع مثلا. وكذا يجوز مع عدم اشتراك المال : بأن يكون مال كل منهما ممتازاً ، وقارضاً واحداً مع الإذن في الخلط ، مع التساوي في حصة العامل بينهما ، أو الاختلاف : بأن يكون في مال أحدهما بالنصف وفي مال الآخر بالثلث أو الربع.

( مسألة ٢٨ ) : إذا كان مال مشتركاً بين اثنين ، فقارضا واحداً ، واشترطا له نصف الربح ، وتفاضلا في‌

______________________________________________________

خاصة ». والظاهر أنه لا اشكال ولا خلاف في جميع ذلك ، فقد ذكر في كثير من الكتب ، من دون تعرض لخلاف أو تردد. ويقتضيه إطلاق الأدلة.

[١] وفي المسالك : أنه صحيح عندنا.

[٢] عملاً بالعمومات.

[٣] وفي المسالك : أن ذلك جائز اتفاقاً.

٣١٤

النصف الآخر : بأن جعل لأحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في ذلك المال ، أو تساويا فيه مع تفاوتهما فيه ، فان كان من قصدهما كون ذلك للنقص على العامل بالنسبة إلى صاحب الزيادة : بأن يكون كأنه اشترط على العامل في العمل بماله أقل مما شرطه الآخر له ، كأن اشترط هو للعامل ثلث ربح حصته ، وشرط له صاحب النقيصة ثلثي ربح حصته مثلا مع تساويهما في المال ، فهو صحيح لجواز اختلاف الشريكين في مقدار الربح المشترط للعامل [١]. وإن لم يكن النقص راجعاً الى العامل ، بل على الشريك الآخر : بأن يكون المجعول للعامل بالنسبة إليهما سواء ، لكن اختلفا في حصتهما ، بأن لا يكون على حسب شركتهما ، فقد يقال فيه بالبطلان [٢] ، لاستلزامه زيادة لأحدهما على الآخر مع تساوي المالين أو تساويهما مع التفاوت في المالين ، بلا عمل من صاحب الزيادة ، لأن المفروض كون العامل غيرهما ، ولا يجوز ذلك في الشركة والأقوى الصحة [٣]

______________________________________________________

[١] هذا التعليل أشبه بالمصادرة ، واللازم التعليل بإطلاق الأدلة ، وعموم المرتكزات العرفية ، ولا يحتاج الى تعدد عقد المضاربة مع كل من الشريكين ، لانحلال العقد الواحد الصادر من الشريكين الى عقدين ، لامتناع قيام العقد الواحد بالاثنين ، كيف وكل من الشريكين له ولاية على حصته دون حصة شريكه ، وكل من العقدين المنضمين بمنزلة العقد المستقل ، فكأن أحد الشريكين قال للعامل : اتجر بحصتي ولك النصف ، وقال الآخر له : اتجر بحصتي ولك الثلث.

[٢] حكي البطلان عن المبسوط وجامع الشرائع ، وتوقف فيه في التحرير.

[٣] في بعض الحواشي أن الصحة تتوقف على إيقاع عقد الشركة‌

٣١٥

______________________________________________________

بين الشريكين على الشرط المذكور من التساوي أو التفاضل. ووجهه : أن المالكين هما موضوعا هذا الاشتراط ، أحدهما مشروط له ، والآخر مشروط عليه ، ولا يرتبط ذلك بالعامل كي يكون الشرط المذكور في عقد المضاربة الذي أحد أركانه العامل. نعم بناء على ما تقدم ، من جواز شرط حصته من الربح للأجنبي ، يصح الاشتراط في عقد المضاربة إذ مرجعه إلى أن العامل يشترط على أحد المالكين أن يكون مقدار من حصته للمالك الآخر بل لو قلنا بعدم صحة الشرط للأجنبي ، لأنه على خلاف قوله (ع) « الربح بينهما » (١) أمكن القول بالصحة هنا ، لعدم منافاته لذلك ، لأن الحصة المشروطة ليست للأجنبي ، بل لأحد المالكين. وبالجملة : يكفي في صحة الشرط من العامل أن يكون محطّ غرضه في الجملة وإن كانت فائدة الشرط راجعة لغيره ، فاذا عرف العامل أن أحد المالكين لا يحضر لإجراء المضاربة إلا إذا كانت حصته أكثر من حصة شريكه صح للعامل أن يشترط في عقد المضاربة ذلك على الشريك الآخر ، بل له أن يشترط على أحد الشريكين شروطاً تعود فائدتها إلى الشريك الثاني لا غير إذا كان لا يقبل المضاربة إلا بذلك ، فاذا قال : لا أضارب بمالي إلا إذا زوجني الشريك جاريته فحينئذ يصح للعامل الذي يريد المضاربة أن يشترط على أحد الشريكين أن يزوج جاريته شريكه الآخر ، كي يتمكن من المضاربة بالمال ، ولا يجوز أن نقول إن هذا الشرط قائم بين الشريكين ولا دخل للعامل فيه. وبالجملة : لا يعتبر في صحة الشرط أن تكون فائدة الشرط راجعة إلى المشترط ، بل يكفي أن يكون له غرض في الشرط وإن كانت فائدته ترجع الى غيره. بل يصح للعامل أن يشترط على المالك في عقد المضاربة أن يزوج ابنته من أخ العامل أو ولده بما لا يتعلق بالربح أصلاً ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب المضاربة حديث : ٥. وقد تقدم في صفحة : ٢٧٦.

٣١٦

لمنع عدم جواز الزيادة لأحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل منه [١] ، فإن الأقوى جواز ذلك بالشرط ، ونمنع كونه خلاف مقتضى الشركة ، بل هو خلاف مقتضى إطلاقها.

______________________________________________________

كما يقتضيه عموم الأدلة.

[١] يشير بذلك الى وجه المنع منه ، يعني : أنه قد يتوهم أن اشتراط التفاضل خلاف مقتضى الشركة ، فيكون الشرط مخالفاً للكتاب ، وحاصل الجواب : أن ذلك ليس مخالفاً لمقتضى الشركة ، وانما هو مخالف لمقتضى إطلاقها ، وهو حاصل في كل شرط يذكر في العقد ، إذ لولاه يكون الحكم على خلاف مقتضى الشرط. ولا يقدح في صحته ، والا لم يصح الشرط دائماً. وتوضيح ذلك : أن الشرط المخالف للكتاب يراد به ما يكون مخالفاً للحكم الاقتضائي الشرعي على ما هو التحقيق وكون المقام منه ممنوع كما يدل عليه ما تضمن مشروعية المضاربة إذ لا يخطر (١) في البال أن جعل حصة من الربح للعامل مخالف للكتاب ، فإنه خلاف مقتضى الارتكازات الشرعية ، فيدل على أن تبعية الربح للمال من باب وجود المرجح للتبعية مع عدم المقتضي للخلاف ، وحينئذ لا مانع من اشتراط التفاضل ، لا في عقد الشركة ، ولا في غيره من العقود ، فيصح أن يشترط في البيع التفاضل في النماء للمال المشترك ، كما يصح أن يشترط ذلك في المضاربة ، ولا مانع منه ، مع أن الشك في كون الشرط مخالفاً للكتاب أو لا موجب للرجوع إلى أصالة عدم المخالفة ، على ما هو التحقيق من جريان الأصل في العدم الأزلي ، كما أشرنا إلى ذلك في حاشية المكاسب.

__________________

(١) سيأتي في كتاب الشركة بيان وجه الفرق بين جعل حصة من الربح العامل وجعل التفاضل وأن التحقيق عدم جواز اشتراط التفاضل في عقد الشركة ولا في المقام. ( منه قدس‌سره ).

٣١٧

مع أنه يمكن أن يدعى الفرق بين الشركة والمضاربة [١] وإن كانت متضمنة الشركة.

( مسألة ٢٩ ) : تبطل المضاربة بموت كل من العامل والمالك [٢] ، أما الأول : فلاختصاص الإذن به [٣] ، وأما‌

______________________________________________________

[١] يعني : لو سلم أنه خلاف مقتضى الشركة أمكن البناء عليه ، عملاً بدليل صحة المضاربة المتضمنة ثبوت حصة للعامل ، فان ذلك خلاف مقتضى الشركة الذي هو تبعية الربح للمال ، لكن قام الدليل عليه ، فوجب البناء عليه ، كما أشرنا إلى ذلك.

والمتحصل مما ذكر أمور : ( الأول ) : الإشكال بأن تفاضل المالكين الشريكين في الربح قائم بهما ، لا بالعامل ، فلا يصح ذكره شرطاً في المضاربة. ( الثاني ) : اندفاعه بأنه يمكن أن يكون محط غرض العامل ، فيكون متعلقاً به ، فيصح اشتراطه. ( الثالث ) : أن تفاضل الشريكين في الربح لا ينافي مقتضى العقد ، وإنما ينافي إطلاقه ، فيصح اشتراطه في الشركة وفي غيرها من العقود. ( الرابع ) : أنه لو سلم أنه مناف لمقتضى العقد جاز البناء عليه للدليل على صحة المضاربة. اللهم إلا أن يقال : لا إطلاق لدليل صحة المضاربة يشمل ذلك ، لخروجه عن مفهومها ، وإنما هو داخل في عموم صحة الشروط. فاذا خصص ذلك العموم بالشرط المخالف لمقتضى العقد ، تعين في المقام الرجوع إلى المخصص ، لا إلى العموم.

[٢] قال في الشرائع : « وبموت كل واحد منهما تبطل المضاربة ، لأنها في المعنى وكالة » ، ونحوه في كثير من الكتب ، ويظهر منهم أن ذلك من المسلمات ، فان ذلك حكم العقود الجائزة ، ومنها المضاربة.

[٣] فيكون الوارث كسائر الناس ، لا يجوز أن يتصرف بغير إذن المالك ، وليس ذلك من الحقوق ، حتى يكون موروثاً للوارث.

٣١٨

الثاني : فلانتقال المال بموته إلى وارثه ، فابقاؤها يحتاج إلى عقد جديد [١] بشرائطه ، فإن كان المال نقداً صح [٢] ، وإن كان عروضاً فلا ، لما عرفت من عدم جواز المضاربة على غير النقدين. وهل يجوز لوارث المالك إجازة العقد بعد موته ، قد يقال بعدم الجواز [٣] ، لعدم علقة له بالمال حال العقد بوجه من الوجوه [٤] ، ليكون واقعاً على ماله أو متعلق حقه. وهذا بخلاف إجارة البطن السابق في الوقف أزيد من مدة حياته ، فان البطن اللاحق يجوز له الإجازة ، لأن له حقاً بحسب جعل الواقف. وأما في المقام فليس للوارث حق حال حياة المورث أصلاً ، وإنما ينتقل إليه المال حال موته. وبخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصية ، وفي المنجز حال‌

______________________________________________________

[١] يعني : بين العامل والمالك الجديد.

[٢] يعني : بعقد جديد.

[٣] قال في الشرائع : « ولو مات رب المال والمال متاع ، فأقره الوارث ، لم يصح ، لأن الأول بطل ، ولا يصح ابتداء القراض بالعروض » وظاهر التعليل أن المراد من إقراره بعد الموت إبقاؤه ، وهذا بعد الموت متعذر للبطلان ، وكذلك تجديده ، لأن في المال عروض. والمصنف رحمه‌الله حرر المسألة بعنوان الإجازة ، وذكر في الجواهر : أن المقام ليس من الفضولي ، إذ لا علقة للوارث بالمال حال العقد بوجه من الوجوه .. إلى آخر ما ذكر في المتن في تقريب عدم الجواز.

[٤] الإجازة لا تصح الا بشرطين ( الأول ) : أن يكون العقد المجاز صادراً من غير الولي عليه ، فلا يصح منه إلا بالإجازة. ( الثاني ) :

٣١٩

المرض ـ على القول بالثلث فيه ـ فان له حقاً فيما زاد ، فلذا يصح إجازته ، ونظير المقام اجارة الشخص ماله مدة مات في أثنائها ، على القول بالبطلان بموته ، فإنه لا يجوز للوارث إجازتها. لكن يمكن أن يقال : يكفي في صحة الإجازة كون المال في معرض الانتقال اليه وإن لم يكن له علقة به حال العقد ، فكونه سيصير له كاف ومرجع إجازته حينئذ إلى إبقاء ما فعله المورث ، لا قبوله ، ولا تنفيذه ، فإن الإجازة أقسام ، قد تكون قبولا لما فعله الغير ، كما في إجازة بيع ماله فضولا ، وقد تكون راجعاً إلى إسقاط حق ، كما في اجازة المرتهن لبيع الراهن ، واجازة الوارث لما زاد عن الثلث. وقد تكون إبقاء لما فعله المالك [١] ، كما في المقام.

______________________________________________________

أن يكون للمجيز ولاية على العقد ، فاذا انتفى ذلك لم تصح الإجازة. وهذان الشرطان موجودان في الأمثلة المذكورة في الجواهر وفي المتن ، أما فيما نحن فيه فمفقودان معاً ، إذ العقد الواقع من المالك صادر من الولي عليه فيصح ، ولا معنى لإجازته والإجازة الصادرة من الوارث ـ سواء كانت صادرة منه حال حياة الموروث ، أم بعد وفاته ـ صادرة ممن لا ولاية له على العقد. نعم إذا كانت صادرة منه بعد وفاة الموروث فهي ممن له ولاية على تجديد العقد لا على العقد نفسه ، فلا معنى لتعلقها بالعقد.

[١] قد عرفت أن العقد الواقع لا قصور فيه ، فهو نافذ بلا إجازة والإجازة الصادرة من الوارث ليست ممن له ولاية على العقد ، ولا أدنى تعلق له به ، والإبقاء ـ مع أنه ليس مجعولاً ، لأن بقاء العقد بنفسه ، لا بجعل جاعل ـ متعذر ، لأن المفروض بطلانه ، فكيف يمكن إبقاؤه؟! مع أنه‌

٣٢٠