مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

ويكفي فيهما كل دال ، قولا ، أو فعلا [١]. والإيجاب القولي كأن يقول : ضاربتك على كذا ، وما يفيد هذا المعنى. فيقول : قبلت.

ويشترط فيها أيضاً ـ بعد البلوغ ، والعقل ، والاختيار [٢] وعدم الحجر لفلس أو جنون [٣] ـ أمور :

______________________________________________________

[١] لما دل على صحة المعاطاة وكونها عقداً فعلياً لا قولياً ، والعقدية لا تتوقف على الإنشاء باللفظ ، بل تكون بالإنشاء بالفعل أيضاً بلا فرق إلا في بعض الأحكام المذكورة في مبحث المعاطاة ، التي قد لا تطرد هنا. وفي الرياض : « ومن لوازم جوازها وقوع العقد بكل لفظ يدل عليه ، وفي اشتراط وقوع قبوله لفظياً ، أو جوازه بالفعل أيضاً ، قولان ، قوى ثانيهما في الروضة تبعاً للتذكرة ، ويظهر منهما عدم الخلاف بيننا فيه ، وفي الاكتفاء في طرف الإيجاب بكل لفظ ، فان تمَّ ، والا فالأولى خلافهما اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن » ، وظاهره المفروغية عن عدم جواز الإيجاب بالفعل. ولكنه غير ظاهر ، بل ممنوع. ومثله الأصل الذي ذكره ، فان العمومات كافية في رفع الأصل والمنع من جريانه ، يتضح ذلك بملاحظة مباحث المعاطاة.

[٢] هذه الأمور شروط في عموم تصرفات الإنسان في ماله ونفسه ، وبيان أدلة ذلك موكول الى كتاب الحجر ، وقد تعرض الفقهاء ـ قدس‌سرهم ـ لذلك في الجملة في كتاب البيع ، لأنه أول الكتب المتعلقة بالتصرفات الاعتبارية تحريراً ، وقل ما يتعرضون لذكر ذلك في غيره.

[٣] ذكر الجنون مستدرك للاكتفاء بذكر اشتراط العقل سابقاً. وكان اللازم ذكر السفه بدله ، لما دل على حجر السفيه عن تصرفه في ماله فلا تصح المضاربة إذا كان المالك سفيها ، كما لا تصح إذا كان العامل‌

٢٤١

الأول : أن يكون رأس المال عيناً [١] ، فلا تصح بالمنفعة ، ولا بالدين ، فلو كان له دين على أحد لم يجز أن يجعله مضاربة إلا بعد قبضه. ولو أذن للعامل في قبضه ، ما لم يجدد العقد بعد القبض. نعم لو وكله على القبض والإيجاب من طرف المالك والقبول منه ، بأن يكون موجباً قابلا ، صح.

______________________________________________________

سفيهاً ، لعدم الفرق في حجر السفيه بين أن يكون المال عيناً أو عملاً ، أما الفلس فليس عدمه شرطاً في العامل ، وإنما هو شرط في المالك ، وان كان ظاهر العبارة أنه شرط فيهما معاً ، كالبلوغ والعقل. لكن سيأتي في المسألة الثالثة من مسائل الختام أن كلامه هنا مختص بالمالك.

[١] وفي الجواهر : دعوى الإجماع بقسميه عليه ، وفي التذكرة : « الأول أن يكون من النقدين دراهم ودنانير ، مضروبة منقوشة ، عند علمائنا » ، وفيها : « لا يجوز القراض على الديون ، ولا نعلم فيه خلافاً. قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أنه لا يجوز أن يجعل الرجل ديناً له مضاربة .. » ، وفي المسالك : « اشتراط ذلك في المال موضع وفاق ، نقله في التذكرة. وهو العمدة » ، وفي الرياض استدل عليه بعد الإجماع : بأنه القدر المتيقن في الخروج عن أصالة عدم ترتب الأثر ، بل أصالة كون الربح للمالك. ولا مجال للتمسك بعموم الوفاء بالعقود في المقام لمنع الأصل المذكور ، لاختصاصه بالعقود اللازمة. كما لا مجال للتمسك بإطلاقات المضاربة ، لعدم ورودها في مقام البيان من هذه الجهة ، فينبغي الاقتصار على المتيقن من النص والفتوى ، وهو خصوص النقدين. وفي الجواهر الاشكال على ذلك : بأنه يكفي في الصحة قوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) ونحوه. وفيه : أن ذلك إنما يقتضي الصحة ، ولا يقتضي كونها مضاربة. ومن ذلك يظهر أنه لو سلم‌

٢٤٢

______________________________________________________

جواز التمسك بعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) فإنما يقتضي الصحة أيضاً ولا يقتضي كونها مضاربة ، وأما الإطلاقات المقامية فلا تجدي شيئاً ، إذ مقتضاها صحة المضاربة التي عند العرف ، ولم يثبت أن المعاملة على الدين والمنفعة مضاربة عند العرف ، والأصل عدم ترتب أحكام المضاربة عليها.

نعم إذا كان مراد الأصحاب من عدم الصحة في الدين والمنفعة عدم الصحة مطلقاً لا مضاربة ولا غيرها ، كان الاشكال عليهم في محله ، إذ الصحة مقتضى بعض العمومات. اللهم إلا أن يدعى اختصاص العمومات بالعقود المتعارفة ، فلا تقتضي صحة غيرها. لكنه محل منع ، إذ لا مقتضي لهذا التخصيص ، والأصل عدمه. اللهم إلا أن يقال : الأصل رجوع الربح إلى مالك الأصل ، فثبوته لغيره خلاف دليل صحة المعاملة على ماله ، فيكون الأصل بطلان العقد المذكور ما لم يقم عليه دليل بالخصوص. وفيه : أن المضاربة لما كانت من سنخ المعاوضة ، لأن الحصة من الربح في مقابل العمل ، فالمراد من دخول حصة الربح في ملك العامل أن ذلك بعد أن تدخل في ملك المالك ، عملاً بمقتضى المعاوضة ، ليكون ضمان عمل العامل بمال المالك في ظرف أنه مال المالك ، ولا بد أن يكون ذلك بعد الدخول في ملك المالك ، وهكذا ما كان من هذا القبيل. وأما الإجماع على اشتراط ذلك فالقدر المتيقن أنه شرط في المضاربة ، لا مطلقاً. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره في الجواهر في شرح قول ماتنه : « ولو دفع آلة الصيد كالشبكة بحصته ، فاصطاد ، كان الصيد للصائد ، وعليه أجرة الآلة » ، قال في الجواهر : « لم يكن مضاربة قطعاً ، لانتفاء الشرط ، ولا شركة ، لعدم الامتزاج ، ولا اجارة ، لعدم معلومية الأجرة ، فليس هي إلا معاملة باطلة ». وحاصل الاشكال : أنه لا دليل على انحصار المعاملة الصحيحة‌

__________________

(١) المائدة : ١.

٢٤٣

وكذا لو كان له على العامل دين لم يصح جعله قراضاً [١]. إلا أن يوكله في تعيينه ثمَّ إيقاع العقد عليه بالإيجاب والقبول بتولي الطرفين.

الثاني : أن يكون من الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة ، بأن يكون درهماً أو ديناراً ، فلا تصح بالفلوس ولا بالعروض ، بلا خلاف بينهم ، وإن لم يكن عليه دليل سوى دعوى الإجماع [٢]. نعم تأمل فيه بعضهم [٣]. وهو في محله ، لشمول العمومات ، إلا أن يتحقق الإجماع ، وليس‌

______________________________________________________

في أحد الأقسام ، وعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ونحوه يقتضي عدم الانحصار ، وحمله على المتعارف ـ لو سلم ـ لا يقتضي عدم شمول المورد ، لأنه من المتعارف ، وحمله على ما تعارف عند الفقهاء غريب.

[١] ففي رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « قال أمير المؤمنين (ع) في رجل له على رجل مال فيتقاضاه ولا ( فلا. خ ل ) يكون عنده ( ما يقتضيه. خ ل ) فيقول : هو عندك مضاربة. قال (ع) : لا يصلح حتى تقبضه منه » (٢).

[٢] في الجواهر : دعوى الإجماع بقسميه عليه ، وقد تقدم في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، وقد اشتهرت دعوى الإجماع على ذلك في كلام جماعة كثيرة.

[٣] قال في الحدائق : « إن من لا يلتفت إلى دعوى مثل هذه الإجماعات ، لعدم ثبوت كونها دليلاً شرعياً فإنه لا منع عنده من الحكم بالجواز في غير النقدين ، نظراً الى عموم الأدلة على جوازه ، وتخصيصها يحتاج الى دليل شرعي ، وليس فليس ». أقول : قد عرفت أن مراد الأصحاب إن كان عدم صحة المضاربة بغير الدينار والدرهم ، فهو في‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥ من كتاب المضاربة حديث : ١.

٢٤٤

ببعيد ، فلا يترك الاحتياط. ولا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل به [١] ، مثل الشاميات والقمري ونحوها. نعم لو كان مغشوشاً يجب كسره [٢]

______________________________________________________

محله ، للأصل بعد عدم ثبوت كون المعاملة حينئذ مضاربة عند العرف ، ولا حاجة الى دعوى الإجماع في ذلك وإن كان مرادهم عدم الصحة أصلا ولو لا بعنوان المضاربة ، فهو غير ظاهر ، ولم يثبت إجماعهم عليه ، كما عرفت ذلك في اشتراط السابق.

[١] بعد ما عرفت من أن الشرط أن يكون المال درهما أو ديناراً لا فرق بين كونهما مغشوشين أولا ، للإطلاق ، إذ الدرهم والدينار القطعة من الفضة أو الذهبة المسكوكة للمعاملة وإن كان فيها غش ، ولذا تجب فيهما الزكاة ، كما ذكر ذلك في الجواهر. نعم إذا كان الغش مانعاً من صدق الذهب والفضة لغلبة الخليط لم تصح المضاربة ، لعدم كونها درهماً أو ديناراً. ولذا يشكل الحكم في مثل القمريات والشاميات ، لعدم صدق الفضة عليهما ، لغلبة الخليط. ومن ذلك يشكل ما ذكره المصنف بقوله : « مثل الشاميات والقمري » فان التعامل نفسه لا يكفي في صحة المضاربة بهما ، لعدم صدق الذهب والفضة عليهما.

[٢] في خبر المفضل بن عمرو الجعفي قال « كنت عند أبي عبد الله (ع) فالقي بين يديه دراهم ، فألقى إلي درهماً منها. فقال : أيش هذا؟ فقلت : ستوق. فقال : وما الستوق؟ فقلت : طبقتين فضة وطبقة من نحاس وطبقة من فضة. فقال (ع) : اكسرها ، فإنه لا يحل بيع هذا ولا إنفاقه » (١) لكن قال في الجواهر : « الظاهر عدم وجوب الكسر وإن نص عليه في الخبر السابق ، إلا اني لم أجد من أفتى به بل الفتوى وباقي النصوص على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الصرف حديث : ٥.

٢٤٥

ـ بأن كان قلباً ـ لم يصح [١] وإن كان له قيمة ، فهو مثل الفلوس. ولو قال العامل : بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضاً لم يصح [٢] ، إلا أن يوكله في تجديد العقد عليه بعد أن نض ثمنه.

الثالث : أن يكون معلوماً قدراً ووصفاً [٣] ،

______________________________________________________

خلافه ». ويشير بذلك إلى صحيح محمد بن مسلم : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ، ثمَّ يبيعها. قال (ع) : إذا بين ( الناس. خ ) ذلك فلا بأس » (١) وقريب منه غيره.

[١] لخروجه عن الدرهم والدينار وإن كان خالصاً ، فضلا عما إذا لم يكن ، لاختصاصهما بما كان مسكوكاً بسكة المعاملة ، فلا يشملان غيره.

[٢] لفقد الشرط الأول. وكان الأنسب ذكر هذا الشرط فيما سبق.

[٣] على المشهور ، بل ظاهر التذكرة : أنه لا خلاف فيه بيننا ، وحكي عن الشيخ في الخلاف. ولكن عن المبسوط : أنه حكى عن بعض بطلان المضاربة بالجزاف ، وحكى عن بعض : الصحة ، ثمَّ قال : « وهو الأقوى عندي » وعن المختلف : اختياره. لعموم أدلة الصحة ، من دون دليل واضح على المنع. وفي الشرائع : اشتراط أن يكون المال معلوم المقدار ، واستدل له في الجواهر بما دل على النهي عن الغرر (٢) ثمَّ أجاب عنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الصرف حديث : ٢.

(٢) روي ذلك بنحوين : أحدهما : ما دل على النهي عن الغرر بقول مطلق ، رواه في التذكرة في المسألة : ٢ من الركن الثالث من الفصل الثاني من كتاب الإجارة. ويمكن استفادته مما رواه في الوسائل باب : ١٠ من أبواب عقد البيع وشروطه حديث : ٢. وباب : ١٢ منها حديث : ١٣ والآخر : ما دل على النهي عن بيع الغرر ، وقد تقدمت الإشارة في صفحة : ٧ من هذا الجزء الى روايته في الوسائل وكنز العمال وصحيح الترمذي والموطأ. فراجع كما رواه في مستدرك الوسائل باب : ٣١ من أبواب آداب التجارة حديث : ١‌

٢٤٦

ولا تكفي المشاهدة [١] وإن زال به معظم الغرر.

______________________________________________________

بأن النهي عن الغرر مختص بالبيع ، ثمَّ قال : « اللهم إلا أن يقال : بأن في بعض النصوص النهي عن الغرر ، فيشمل المقام ، بل لو سلم تحقق إطلاق في المضاربة يشمل محل الفرض كان التعارض من وجه ، والترجيح للأول بفتوى المشهور بذلك ». والاشكال عليه ظاهر ، فان النص لم يثبت بنحو يعتمد عليه. ولو سلم فلا يمكن الأخذ بظاهره ، لكثرة التخصيص. ولو سلم فالفتوى لا تصلح للترجيح. نعم يكون ترجحه لأنه لو لم يؤخذ به في مقابل عموم الصحة لم يبق له مورد ، للمعارضة دائماً بينهما. وكأنه لذلك قال بعد ذلك : « والتحقيق إن لم يكن إجماع عدم قدح الجهالة التي تؤول إلى العلم ، نحو أن يقع العقد على ما في الكيس ، لإطلاق الأدلة أو عمومها. نعم بناء على عدم عموم أو إطلاق فلا ريب أن الأصل الفساد. أما الجهالة التي لا تؤول إلى العلم فالظاهر عدم جوازها ، لعدم إمكان تحقق الربح معها ، وهو روح هذه المعاملة. فتأمل جيداً ». لكن ما ذكر من أن الربح روح المعاملة المذكورة مسلم ، لكن يمكن الرجوع في تعيين مقداره إلى القرعة ، ولو بأن يجعل ذلك شرطاً فيها ، أو الى حكم الحاكم مع التنازع أو غير ذلك ، ولا يقتضي البطلان. ولو أنه استدل على بطلان المضاربة بقصور الإطلاق عن إثبات الصحة ، فالمرجع الأصل ، المقتضي للبطلان ، كان متيناً.

[١] حكى في جامع المقاصد عن الشيخ في المبسوط الاكتفاء بالمشاهدة في جواز المضاربة وصحتها ، لزوال معظم الغرر. لكن زوال المعظم لا يجدي مع بقاء الغرر بناء على النهي عنه ، ولا حاجة إليها بناء على عدم النهي عنه ، فالتفصيل غير ظاهر.

٢٤٧

الرابع : أن يكون معيناً [١] ، فلو أحضر مالين وقال : قارضتك بأحدهما ، أو بأيهما شئت ، لم ينعقد إلا أن يعين ثمَّ يوقعان العقد عليه. نعم لا فرق بين أن يكون مشاعاً أو مفروزاً [٢] بعد العلم بمقداره ووصفه [٣] ، فلو كان المال مشتركاً بين شخصين ، فقال أحدهما للعامل : قارضتك بحصتي في هذا المال ، صح مع العلم بحصته من ثلث أو ربع. وكذا لو كان للمالك مائة دينار مثلا ، فقال : قارضتك بنصف هذا المال ، صح.

الخامس : أن يكون الربح مشاعاً بينهما ، فلو جعل لأحدهما مقداراً معيناً والبقية للآخر ، أو البقية مشتركة بينهما لم يصح [٤].

______________________________________________________

[١] وعليه الإجماع ، فإن المبهم المردد لا وجود له في الخارج ، فلا يكون موضوعاً للاحكام.

[٢] بلا خلاف ولا اشكال عندنا ، كما في الجواهر. ويقتضيه إطلاق أدلة الصحة مع صدق المضاربة عرفاً معه. نعم لو فرض الشك في الصدق لاحتمال اعتبار الإفراز في صدق المفهوم عرفاً فالإطلاق لا مجال للتمسك به ، بل المرجع أصالة عدم الأثر. هذا بالنسبة إلى أثر المضاربة ، أما بالنسبة إلى أثر العقد فلا مانع من البناء عليه ، عملا بالعموم الدال على صحة العقود فحينئذ يكون نفي الشرطية مستنداً إلى الإجماع لا غير.

[٣] بناء على ما تقدم من اشتراط العلم بالمقدار.

[٤] قال في الحدائق : « الظاهر أنه لا خلاف بينهم في أنه يشترط في الربح الشياع ، بمعنى أنه يشترط أن يكون كل جزء جزء منه مشتركاً ،

٢٤٨

السادس : تعيين حصة كل منهما [١] من نصف أو ثلث‌

______________________________________________________

لأنه مقتضى المضاربة ، كما تنادي به الاخبار المتقدمة في حكمها : بأن الربح بينهما. يعني : كل جزء جزء منه ، وما لم يكن مشتركاً فإنه خارج عن مقتضاها ، فهذا الشرط داخل في مفهوم المضاربة » ويظهر من كلمات غيره الإجماع على الحكم المذكور. وفي الشرائع : علله بعدم الوثوق بحصول الزيادة ، فلا تتحقق الشركة. انتهى. وإشكاله ظاهر بعدم اطراده في صورة الوثوق بحصول الزيادة. وأما ما في الحدائق فمبني على ظهور النصوص في كون الربح بينهما على وجه الاشتراك على الإشاعة ، لا بمجرد الاشتراك ، وإلا فهو حاصل في الصورة المذكورة أيضاً ، وعلى الأول فالشرط المذكور يكون منافياً لمفهوم العقد كما اختاره طاب ثراه ، لا منافياً لحكمة ، إذ من البعيد جداً أن يكون حكماً لها مع عموم مفهومها ، فيكون الحكم على خلاف المفهوم. فاذاً ما ذكره هو ظاهر النصوص ، لا ما يتخيل من أن ظاهر النصوص بيان حكمها لا مفهومها. فلاحظ.

[١] بلا خلاف ، كما في التذكرة ، بل ظاهر أنه لا خلاف فيه بين المسلمين ، وقد ذكره الأصحاب شرطاً للمضاربة على نحو ذكر المسلمات ، من دون تعرض منهم لنقل خلاف أو إشكال فكأنه لا خلاف فيه بيننا. والمراد به إن كان تعيين الحصة في مقابل ترديدها ، بأن تكون معينة لا مرددة فدليله واضح ، إذ المردد لا يقبل الملك ، كما لا يقبل غيره من الاحكام ، وان كان المراد تعيينها عندهما بمعنى كونها معلومة المقدار عندهما ، في مقابل المجهولة ـ كما هو ظاهر كلامهم ـ فلا تصح المضاربة إذا قال للعامل : ولك مثل ما شرط فلان ، فدليله غير ظاهر ، لما عرفت في الشرط الثاني من عدم الدليل على مانعية الغرر على نحو الكلية. اللهم إلا أن يحصل الشك حينئذ في صدق المضاربة عرفاً ، فلا يمكن الرجوع إلى إطلاق‌

٢٤٩

أو نحو ذلك ، إلا أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه [١] الإطلاق.

السابع : أن يكون للربح بين المالك والعامل ، فلو شرطا جزء منه لأجنبي عنهما ، لم يصح [٢]. إلا أن يشترط عليه عمل متعلق بالتجارة [٣]. نعم ذكروا أنه لو اشترط كون جزء من الربح لغلام أحدهما صح ، ولا بأس به خصوصاً على القول بأن العبد لا يملك ، لأنه يرجع إلى مولاه ، وعلى القول الآخر يشكل. إلا أنه لما كان مقتضى القاعدة صحة الشرط حتى للأجنبي [٤] ، والقدر المتيقن من عدم الجواز ما إذا لم يكن غلاماً لأحدهما ، فالأقوى الصحة مطلقاً. بل لا يبعد‌

______________________________________________________

أدلة أحكامها بل يرجع الى أصالة عدم ترتب الأثر. لكن لا مانع من صحة المعاملة مع الجهل لا بعنوان المضاربة.

[١] فيكون الانصراف موجباً للعلم بالمقدار.

[٢] لظهور النصوص في كون الربح بينهما لا غير ، فلا تكون مضاربة إذا كان بينهما وبين غيرهما. مضافاً إلى الأصل الذي عرفته بناء على الشك في صدق المضاربة عرفاً حينئذ.

[٣] فيكون الأجنبي عاملا آخر ، فتكون المضاربة بين المالك وعاملين أو يكون من قبيل الحمال ونحوه إذا لم يكن عمله التجارة ، فيكون أحد مصارف الربح فيكون من قبيل مئونة التجارة التي تستثنى من الربح المشترك.

[٤] كأن المراد من القاعدة عمومات صحة العقود والتجارة ونحوها. لكنها مخصصة بما دل على اعتبار اختصاص الربح بالمالك والعامل في المضاربة فلا مجال للعمل بها في المقام. نعم يتم ما ذكره لو كان الغرض‌

٢٥٠

القول به في الأجنبي أيضاً وإن لم يكن عاملا ، لعموم الأدلة.

الثامن : ذكر بعضهم أنه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل [١] ، فلو اشترط المالك أن يكون بيده لم يصح. لكن لا دليل عليه [٢] ، فلا مانع أن يتصدى العامل للمعاملة‌

______________________________________________________

صحة المعاملة في نفسها ، لا بعنوان المضاربة. لكنه خارج عن محل الكلام مع أنك قد عرفت الإشكال في ذلك في الشرط الأول. ومن ذلك يظهر الإشكال في قوله (ره) : « فالأقوى الصحة » وقوله : « بل لا يبعد القول .. ». وبالجملة : إن كان الكلام في منع ذلك من المضاربة فالمنع مقتضى النصوص القائلة الربح بينهما ، ولا مجال للعمل بما دل على صحة المضاربة بعد تخصيصه بهذه النصوص. ولا فرق بين هذا الشرط وغيره مما سبق. وكان على المصنف التعرض فيما سبق أيضاً لذلك ، وان الدليل الدال على الشرطية إنما يقتضي بطلان المضاربة بفقد الشرط ، لا بطلان المعاملة بلا عنوان المضاربة. وإن كان الكلام في منع ذلك من صحة المعاملة لا بعنوان المضاربة ، فالمنع خلاف عموم الأدلة. فلاحظ.

[١] قال العلامة في القواعد : « الرابع ( يعنى : من شروط رأس المال ) : أن يكون مسلماً في يد العامل ، فلو شرط المالك أن تكون يده عليه لم يصح ، أما لو شرط أن يكون مشاركاً في اليد أو يراجعه في التصرف أو يراجع مشرفه فالأقرب الجواز ».

[٢] علله في جامع المقاصد : بأن ذلك خلاف وضع المضاربة ، ثمَّ قال : إنه موضع تأمل ، لأنه إن أريد بوضع المضاربة مقتضى العقد فلا نسلم أن العقد يقتضي ذلك .. إلى أن قال : وإن أريد بالوضع أن الغالب في العادات ذلك لم يقدح ذلك في جواز المخالفة .. إلخ. وفيه : أن الشك في اعتباره عرفاً في مفهوم المضاربة كاف في اعتباره ،

٢٥١

مع كون المال بيد المالك ، كما عن التذكرة [١].

التاسع : أن يكون الاسترباح بالتجارة ، وأما إذا كان بغيرها ـ كأن يدفع إليه ليصرفه في الزراعة ، مثلا ويكون الربح بينهما ـ يشكل صحته [٢]. إذ القدر المعلوم من الأدلة‌

______________________________________________________

لما عرفت من أصالة عدم ترتب الأثر ، ولا عموم يقتضي صحته مضاربة والإطلاقات المقامية لا مجال لها مع الشك في الموضوع العرفي ، كما سبق في نظيره.

[١] قال فيها : « الأقرب عندي أنه لا يشترط في القراض أن يكون رأس المال مسلماً إلى العامل بحيث يستقل يده عليه ، وينفرد بالتصرف رأس المال مسلماً إلى العامل بحيث يستقل يده عليه ، وينفرد بالتصرف فيه عن المالك وغيره ، فلو شرط المالك أن يكون الكيس في يده يوفي الثمن منه إذا اشترى العامل شيئاً ، أو شرط أن يراجعه العامل في التصرف أو يراجع مشرفاً نصبه ، جاز ذلك ، ولم يجز للعامل التجاوز ، وكان القراض صحيحاً ، لأنه شرط سائغ لا يخالف الكتاب والسنة .. ». ثمَّ حكى عن الشافعية : أنه يشترط في القراض أن يكون رأس المال مسلما إلى العامل ، ويستقل باليد عليه والتصرف فيه ، ثمَّ قال : « وقد وافقنا بعض الشافعية على ما قلناه ». والتحقيق ما عرفت من انتفاء المضاربة مع عدم استقلال العامل بالمال ، لعدم ثبوتها عرفاً حينئذ ، وصحة معاملة أخرى بمقتضى العمومات.

[٢] في التذكرة : « شرطه ( يعني : العمل في المضاربة ) أن يكون تجارة ، فلا يصح على الاعمال ، كالطبخ ، والخبز ، وغيرهما من الصنائع لأن هذه أعمال مضبوطة يمكن الاستيجار عليها ، فاستغني بها عن القراض فيها ، وإنما يسوغ القراض فيما لا يجوز الاستيجار عليه وهو التجارة ، التي لا يمكن ضبطها ولا معرفة قدر العمل فيها ، ولا قدر العوض ، والحاجة‌

٢٥٢

هو التجارة. ولو فرض صحة غيرها العمومات ـ كما لا يبعد [١] لا يكون داخلا في عنوان المضاربة.

العاشر : أن لا يكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به ، مع اشتراط المباشرة من دون الاستعانة بالغير أو كان عاجزاً حتى مع الاستعانة بالغير ، وإلا فلا يصح [٣] ، لاشتراط كون العامل قادراً على العمل. كما أن الأمر كذلك في الإجارة للعمل ، فإنه إذا كان عاجزاً تكون باطلة [٣]

______________________________________________________

داعية إليها ، ولا يمكن الاستيجار عليها ، فللضرورة مع جهالة العوضين شرع عقد المضاربة » والعمدة ما أشرنا إليه فيما مضى من الشك في تحقق المضاربة عرفاً في مثل ذلك الموجب للرجوع إلى أصالة عدم ترتب الأثر.

[١] كما عرفت في نظيره من الشروط فيما سبق. وكان المناسب للمصنف أن يتعرض لذلك في الموارد السابقة أيضاً.

[٢] هذا الشرط لم يذكره في الشرائع وغيرها على النحو المذكور هنا ، فقد قال في الشرائع : « وإذا أخذ من مال القراض ما يعجز عنه ضمن » ونحو ذلك ذكر في القواعد ، وفي المسالك : « وحيث يثبت الضمان لا يبطل العقد به ، إذ لا منافاة بين الضمان وصحة العقد » ، وفي الحدائق بعد ما حكى عنهم أنه لا منافاة بين الضمان وصحة العقد قال : « ويدل عليه ما تقدم في تلك الأخبار ، وعليه اتفاق الأصحاب ، من أنه مع المخالفة لما شرطه المالك فإنه يضمن والربح بينهما » لكن في الجواهر : « لعل المتجه الفساد لمعلومية اعتبار قدرة العامل على العمل في الصحة ، نحو ما ذكروه في الإجارة ، ضرورة لغوية التعاقد مع العاجز » وتبعه عليه المصنف وغيره ، وهو في محله.

[٣] إذا كان الموجب للبطلان العجز ، فالعجز كان عن المجموع ،

٢٥٣

وحينئذ فيكون تمام الربح للمالك [١] والعامل أجرة عمله مع جهله بالبطلان [٢] ،

______________________________________________________

فيوجب بطلان المجموع ، لا بطلان كل جزء جزء ، لعدم العجز عن ذلك ، وحينئذ تصح في المقدور وتبطل في الزائد ، ويكون من قبيل تبعض الصفقة.

[١] هذا متفرع على بطلان المضاربة كلية ، أما إذا كانت صحيحة في المقدور باطلة في غيره ، فالمقدار المتجر به الذي حصل به الربح مقدور فيكون الربح بين المالك والعامل ، ولا يستحق العامل عليه أجرة المثل من المالك. وبالجملة : المقدار الذي اتجر به مقدور ، فتصح فيه المضاربة وبكون الربح بينهما على حسب ما شرط في إيقاعها ، والمقدار الذي عجز عن العمل به لا عمل فيه ، ولا ربح فلا يستحق العامل فيه شيئاً ، لانتفاء السبب.

[٢] أما مع علمه بالبطلان فلا يستحق الأجرة ، لأنه أقدم على بذل عمله مجاناً ، فيكون متبرعاً ، ولا يستحق الأجرة ، وقد وافق في ذلك جماعة من الأعاظم ، ومنهم المحقق الثاني في جامع المقاصد والشهيد الثاني في المسالك ، حيث ذكروا أن ضمان المال المقبوض بالعقد الفاسد يختص بصورة جهل الدافع وضمان المنافع المستوفاة بالعقد الفاسد يختص أيضاً بصورة جهل العامل ، أما إذا كان الدافع للمال والعامل عالمين بالحال فقد أقدم الدافع للمال على هتك حرمة ماله ، وكذلك العامل يكون متبرعاً بعمله ، فلا يستحقان عوضاً. وقد أطال المصنف (ره) في بيان ذلك في كتاب الإجارة. وفيه : أنه غير ظاهر ، كما أشرنا إلى ذلك هناك ، وأنه لما كان التشريع في السبب فدفع المال والعمل يكون بقصد العوض لا بقصد التبرع. فراجع مباحث الإجارة.

٢٥٤

ويكون ضامناً لتلف المال [١] ، إلا مع علم المالك بالحال. وهل يضمن حينئذ جميعه [٢] ، لعدم التميز مع عدم الاذن في أخذه على هذا الوجه ، أو القدر الزائد ، لأن العجز إنما يكون بسببه ، فيختص به ، أو الأول إذا أخذ الجميع دفعة‌

______________________________________________________

[١] كما في الشرائع ، وكذلك في جامع المقاصد والمسالك شرط جهل المالك لا مع علمه ، لما سبق. والوجه في الضمان ـ على ما ذكره الجماعة ـ أن وضع العامل يده على المال لم يكن بإذن من مالكه ، لأن الاذن كان بعنوان المضاربة وهو مفقود ، فأخذ العامل للمال ووضع يده عليه كان بلا إذن من مالكه ، فيكون موجباً للضمان. قال في جامع المقاصد : « لأن تسليم المال إليه إنما هو ليعمل فيه ، فاذا كان عاجزاً عن العمل كان وضع يده على خلاف الوجه المأذون فيه ، فكان ضامناً » ، ونحوه عبارة المسالك. هذا ولكن الضمان في المقام مخالف لقاعدة : ( ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ) ، فان مال المضاربة غير مضمون على العامل في المضاربة الصحيحة فلا يكون مضموناً عليه في الباطلة. ويدل على القاعدة المذكورة ما دل على عدم ضمان المؤتمن ، مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ، وقال (ع) : ليس على مستعير عارية ضمان. وصاحب العارية والوديعة مؤتمن » (١) ونحوه غيره. فراجع وقد اختار المصنف في كتاب الإجارة أن الأقوى عدم ضمان العين المستأجرة في الإجارة الفاسدة. والفرق بينه وبين المقام غير ظاهر. فراجع ما ذكرناه في شرح ذلك الباب ، وما ذكرناه في دليل القاعدة من كتابنا ( نهج الفقاهة ) ، وتأمل. والله سبحانه ولي السداد.

[٢] قال في المسالك : « وهل يكون ضامناً للجميع ، أو القدر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من كتاب العارية حديث : ٦.

٢٥٥

والثاني إذا أخذ أولاً بقدر مقدوره ثمَّ أخذ الزائد ولم يمزجه مع ما أخذه أولاً [١]؟ أقواها الأخير. ( ودعوى ) [٢] : أنه بعد أخذ الزائد يكون يده على الجميع ، وهو عاجز عن المجموع من حيث المجموع ، ولا ترجيح الآن لأحد أجزائه إذ لو ترك الأول وأخذ الزيادة لا يكون عاجزاً ( كما ترى ) إذ الأول وقع صحيحاً ، والبطلان مستند إلى الثاني وبسببه [٣] ،

______________________________________________________

الزائد على مقدوره؟ قولان. من عدم التمييز ، والنهي عن أخذه على هذا الوجه. ومن أن التقصير بسبب الزائد ، فيختص به. والأول أقوى ». أقول : كل جزء من المال إذا لوحظ منفرداً فهو مقدور العمل به ، وإذا لوحظ منضماً فهو غير مقدور العمل به ، ولما كان وضع اليد عليه في حال الانضمام ، لا في حال الانفراد فهو غير مقدور العمل به ، فلا يكون مأذوناً في قبضه ، فيكون مضموناً بناء على ما عرفت من اقتضاء اليد الضمان. ومن ذلك تعرف ضعف الوجه الثاني فإن الزائد لو كان مقبوضاً منفرداً كان مقدوراً ، لكن المفروض كونه مقبوضاً منضماً ، فلا يكون مقدوراً.

[١] قال في المسالك : « وربما قيل انه إن أخذ الجميع دفعة فالحكم كالأول ، وإن أخذ مقدوره ثمَّ أخذ الزائد ولم يمزجه به ضمن الزائد خاصة ».

[٢] هذه الدعوى ذكرها في المسالك بعنوان الاشكال على هذا التفصيل.

[٣] هذا يتم لو كان أخذ الأول بعقد يختص به ، والثاني بعقد آخر يختص به ، أما إذا كان الأخذ الثاني بعقد موضوعه مجموع الأول والثاني ، فيكون موضوع العقد غير مقدور ، فيكون العقد باطلا ، فالمأخوذ به أولا‌

٢٥٦

والمفروض عدم المزج. هذا ولكن ذكر بعضهم [١] أن مع العجز المعاملة صحيحة ، فالربح مشترك ، ومع ذلك يكون العامل ضامناً مع جهل المالك. ولا وجه له ، لما ذكرنا مع أنه إذا كانت المعاملة صحيحة لم يكن وجه للضمان [٢]. ثمَّ إذا تجدد العجز في الأثناء وجب عليه رد الزائد [٣] ،

______________________________________________________

كالمأخوذ به ثانياً ، كلاهما مأخوذ بعقد باطل ، فيكون كل منهما مضموناً. ولا فرق بينهما.

[١] تقدم ذلك عن المسالك. وفي الحدائق : « قالوا وحيث يثبت الضمان لا يبطل العقد ، إذ لا منافاة بين الضمان وصحة العقد. أقول : ويدل عليه ما تقدم في تلك الأخبار ـ وعليه اتفاق الأصحاب ـ من أنه مع المخالفة لما شرطه المالك فإنه يضمن ، والربح بينهما » ‌

[٢] لأن العامل أمين عندهم ، والأمين لا يضمن. وأما ما ذكره في الحدائق فضعيف ، لخروج المورد عن عموم النصوص الدالة على أن العامل إذا خالف ما شرط عليه فهو ضامن والربح بينهما ، الآتية في المسألة الخامسة. فلاحظ.

[٣] قال في المسالك « ولو كان قادراً فتجدد العجز وجب عليه ردّ الزائد عن مقدوره ، لوجوب حفظه ، وهو عاجز عنه ، وإمكان التخلص منه بالفسخ ، فلو لم يفسخ ضمن وبقي العقد كما هو » ولا يخلو مراده من غموض ، فإنه لم يكن عاجزاً عن الحفظ ، وإنما كان عاجزاً عن العمل الموجب للانفساخ ، بلا حاجة إلى الفسخ. ولذلك يجب أن يقال : انه إذا تجدد العجز جرى عليه حكم ما لو كان العجز من أول الأمر ، فإذا بنينا على البطلان في الجميع كان هنا كذلك. ولا فرق بين أن يكون قد عمل في بعض المال وأن لا يكون قد عمل ، لأن العمل ببعض المال لا يوجب‌

٢٥٧

وإلا ضمن [١].

( مسألة ١ ) : لو كان له مال موجود في يد غيره ، أمانة أو غيرها ، فضاربه عليها صح [٢] ، وإن كان في يده غصباً [٣] ، أو غيره مما يكون اليد فيه يد ضمان فالأقوى أنه يرتفع الضمان بذلك [٤] ، لانقلاب اليد حينئذ فينقلب الحكم.

______________________________________________________

اختصاص العجز بغيره لإمكان رفع اليد عما عمل به ، والاشتغال بالعمل في غيره ، وحينئذ لا معيّن فيكون الحكم كما لو لم يعمل بالمال أصلا.

[١] إذا بنينا على الضمان في المضاربة فقد ثبت هنا بمجرد الفسخ. ولا يتوقف على عدم الرد ، نعم الإثم في ترك الرد يتوقف على عدم الردّ حيث يمكن الرد ولم يحصل. اللهم إلا أن يقال : لا شمول لعموم على اليد لمثل المقام مما كان الأخذ حدوثاً بإذن المالك.

[٢] نص في التذكرة على صحة المضاربة في مال الوديعة والعارية ويظهر منه إجماع المسلمين عليه. ويقتضيه الإطلاق المقامي بعد عدم الفرق عرفاً بين كون المال المضارب عليه في يد المالك وفي يد غيره ، أميناً كان ، أو مستعيراً ، أو غيرهما. وكان على التذكرة التعرض لغير الوديعة والعارية أيضاً.

[٣] قال في الشرائع : « ولو كان له في يد غاصب مال فقارضه عليه صح ، ولم يبطل الضمان ». كما نص على صحة المضاربة في الفرض في التذكرة ، ونسبه إلينا وإلى أحد وجهي الشافعية ، ويظهر منه اتفاقنا عليه. وفي الحدائق : والظاهر أن الحكم اتفاقي عند الأصحاب ، إذ لم أقف على نقل خلاف في المسألة.

[٤] كما استوجهه في التذكرة ، وحكاه عن أبي حنيفة ومالك ، لأنه ماسك له بإذن صاحبه. وكأنه إليه أشار المصنف (ره) بقوله :

٢٥٨

ودعوى : أن الضمان مغيى بالتأدية ، ولم تحصل [١] كما ترى [٢]

______________________________________________________

« لانقلاب اليد » يعني : كانت اليد غاصبة فصارت غير غاصبة. لكنه لا يجدي في نفي الضمان إلا أن يثبت أمران : الاذن في القبض ، وأن المأذون لا يضمن.

[١] قال في المسالك : « وان وجه بقاء الضمان أنه كان حاصلاً قبل ولم يحصل ما يزيله ، لأن عقد القراض لا يلزمه عدم الضمان ، فإنه قد يجامعه بأن يتعدى فلا ينافيه. ولقوله (ص) : ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) (١) وحتى لانتهاء الغاية ، فيبقى الضمان إلى الأداء ، إما على المالك أو على من أذن له ، والدفع إلى البائع مأذون فيه ، فيكون من جملة الغاية ،. ومحصله الرجوع إلى استصحاب الضمان تارة ، وإلى عموم « على اليد .. » أخرى من دون مخصص.

[٢] كأنه يريد أن الغاية تحصل بالإذن في البقاء كما تحصل بالاذن بالدفع إلى الغير. لكنه غير ظاهر ، لأن الإذن بالدفع إلى غيره. يجعل غيره كوكيل عنه في القبض ، فيكون الدفع إلى الغير دفعاً إلى نفسه ، أما الاذن في الإبقاء فليس فيه شي‌ء من الغاية ، فكيف يكون غاية للضمان؟! هذا مع أن في المسالك منع من حصول الاذن في الإبقاء من مجرد العقد ، قال : « وأما اقتضاء العقد الاذن في القبض فضعفه ظاهر ، لأن مجرد العقد لا يقتضي ذلك ، وإنما يحصل الإذن بأمر آخر ، ولو حصل سلمنا زوال الضمان. كيف والعلامة قد صرح في التذكرة : بأن كون المال في يد العامل ليس بشرط في صحة القراض ». ومن ذلك تعرف أن الكلام في المقام يكون في أمور ( الأول ) : أنه هل يحصل‌

__________________

(١) كنز العمال الجزء : ٥ صفحة : ٢٥٧ ، مستدرك الوسائل باب : ١ من كتاب الوديعة حديث : ١٢ وباب : ١ من كتاب النصب حديث : ٤.

٢٥٩

ولكن ذكر جماعة بقاء الضمان [١] إلا إذا اشترى به شيئاً ودفعه إلى البائع ، فإنه يرتفع الضمان [٢] به ، لأنه قد قضى دينه بإذنه [٣] ، وذكروا نحو ذلك في الرهن أيضاً ، وأن‌

______________________________________________________

الاذن في القبض من مجرد العقد أولا؟ وقد منع في المسالك من ذلك ، لأن عقد المضاربة أعم. وكان على المصنف موافقته ، لما سبق في الشرط الثامن ، وكذلك كان على العلامة في التذكرة. ( الثاني ) : أنه على تقدير حصول الاذن في القبض هل يرتفع الضمان ويحصل الأداء الذي جعل غاية للضمان في حديث : « على اليد .. » أو لا؟ الذي اختاره في المسالك الأول وحكى منعه عن بعض ، قال : « وربما قيل بعدم زوال الضمان وإن أذن له في قبضه بعد ذلك ، لما تقدم من الأدلة. ويضعف : بأنه حينئذ وكيل محض ». وقد عرفت أن الاذن في بقاء المال عند آخذه لا يكون موجباً لحصول غاية الضمان ، ولا يكون المأذون كالوكيل في القبض ، إذ لا دفع هنا ولا أداء بخلاف الوكيل. نعم يرتفع الضمان بمقتضى الأدلة الخاصة الدالة على أن المأذون في القبض أمين ولا يضمن الأمين ، فبطلان الضمان للأدلة الخاصة ، لا لحصول الغاية. وهذا هو الأمر الثالث الذي ينبغي التنبيه عليه. وهذه الأدلة مانعة من الاستصحاب ومخصصة لعموم : « على اليد .. ». ومن ذلك يظهر أن ارتفاع الضمان بالاذن بدفعه ثمناً بملاك حصول الغاية وارتفاعه بالاذن بالبقاء بملاك آخر.

[١] كما تقدم في الشرائع ، وفي الحدائق : أنه المشهور.

[٢] إجماعاً في المسالك.

[٣] كأنه يشير إلى أن الأداء المجعول غاية للضمان يراد منه أن يكون المال تحت سلطانه الخارجي أو الاعتباري ، كما إذا أذن في دفعه ثمناً أو‌

٢٦٠