مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

ولو بادر آخر إلى تملكها ملك [١] ،

______________________________________________________

المتساقط : التسالم على خلاف ذلك. قال في التذكرة : « لو نبتت نواة سقطت من إنسان في أرض مباحة أو مملوكة ، ثمَّ صارت نخلة ولم يستول عليها غيره ، فإن النخلة تكون ملك صاحب النواة قطعاً ». ولعل مرادهم جواز تملكه لغير المالك ، وإن كان باقيا على ملك مالكه ، كما قد يظهر من بعضهم. لكنه أيضاً غير ظاهر ، لقصور النصوص المذكورة عن إثبات ذلك ، إذ ليس ما يتوهم منه الدلالة على ذلك ، إلا صحيح ابن سنان ونحوه ، مما اشتمل على ترك المالك ، وقد عرفت أنه ظاهر في التملك بالاحياء ، لا بالاستيلاء. والسيرة المدعاة عليه غير ظاهرة. وأما تحليل نثار العرس وحطب المسافرين (١) ونحوهما فالظاهر اختصاصه بصورة حصول امارة على إباحة المالك. ولأجل ذلك يتعين تقييد عبارة المتن بهذه الصورة ، اقتصاراً على القدر المتيقن. ولعل مقصود المصنف (ره) ـ كغيره ـ صورة ما إذا ظهر من المالك الإباحة ، كما هو الغالب.

[١] وفي الجواهر ـ في بيان أصل المسألة ، بعد ما ذكر أن الزرع لصاحب البذر ـ قال : « لكن مع فرض كون الحب من الذي هو معرض عنه ، على وجه يجوز للملتقط التقاطه ، فهل هو كذلك ، لأنه لا يزول عن الملك ، بالاعراض ، بل به مع الاستيلاء ، والفرض عدمه الى أن صار زرعاً ، والفرض عدم الاعراض عنه في هذا الحال؟ ، أو أنه يكون لصاحب الأرض لأنه من توابعها ونمائها ، بل لعل كونه فيها نوع‌

__________________

(١) لعل المنظور في مستند التحليل في هذين الموردين هو السيرة وإلا فلم نعثر على خبر يدل على الحلية في الثاني ، نعم في بعض الاخبار تدل عليه بالفحوى فراجع الوسائل باب : ١٢ من اللقطة.

واما الأول فالأخبار الواردة فيه أدل على المنع إلا ان تأول. فراجع الوسائل باب : ٣٦ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

٢٠١

وإن لم يجز له الدخول في الأرض إلا بإذن مالكها [١].

( الخامسة ) : إذا استأجر القصاب لذبح الحيوان فذبحه على غير الوجه الشرعي بحيث صار حراماً ، ضمن قيمته [٢]. بل الظاهر ذلك إذا أمره بالذبح تبرعاً. وكذا في نظائر المسألة.

______________________________________________________

استيلاء من المالك عليه؟ وجهان ، إلا أنه جزم في التذكرة : بأنه بينهما على كل حال ، خلافا لبعض العامة ». ذكر ذلك في آخر كتاب المزارعة. ويشكل الأول : بأن الزرع عرفاً نماء الحب في الأرض ، ولذا لو غصبه غاصب فزرعه كان الزرع للمالك. والثاني : بأن الاستيلاء بغير قصد لا يستوجب الملك.

[١] هذا وإن كان مقتضى عموم : « فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه » (١) ، إلا أن السيرة جارية في الأرض غير المحصنة والمحجبة على الدخول إليها والعبور فيها ، ونحو ذلك من التصرفات غير المعتد بها ، وقد جرت سيرة النجفيين على اختلاف طبقاتهم في العلم والصلاح ، على الدخول في البساتين التي بين مسجد الكوفة والفرات ، إذا لم تكن مسورة ، فتراهم يعبرون فيها ويجلسون للاستراحة ، أو لأكل الطعام وشرب الشاي ونحو ذلك ، من دون توقف. وكذلك في غيرها من البساتين الواقعة على حافة نهر الفرات أو نهر الحسينية ، أو غيرهما من الجداول ، فيدل ذلك على الجواز. ومن ذلك يظهر جواز العبور في الشوارع المستحدثة في المدن. فلاحظ.

[٢] كما تقدم في المسألة الرابعة من فصل كون العين المستأجرة أمانة. وقد تقدم الاستدلال عليه بالنصوص المستفاد منها قاعدة : « من أتلف مال غيره فهو له ضامن ». فراجع :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال حديث : ٦.

٢٠٢

( السادسة ) : إذا آجر نفسه للصلاة عن زيد ، فاشتبه وأتى بها عن عمرو ، فان كان من قصده النيابة عمن وقع العقد عليه [١]. وتخيل أنه عمرو فالظاهر الصحة عن زيد ، واستحقاقه الأجرة. وإن كان ناوياً بالنيابة عن عمرو على وجه التقييد لم تفرغ ذمة زيد ، ولم يستحق الأجرة ، وتفرغ ذمة عمرو إن كانت مشغولة ، ولا يستحق الأجرة من تركته ، لأنه بمنزلة المتبرع [٢]. وكذا الحال في كل عمل مفتقر إلى النية.

( السابعة ) : يجوز أن يؤجر داره مثلا ـ إلى سنة بأجرة معينة ، ويوكل المستأجر في تجديد الإجارة عند انقضاء المدة ، وله عزله بعد ذلك. وإن جدد قبل أن يبلغه خبر العزل‌

______________________________________________________

[١] لا إشكال في أن ذات زيد غير ذات عمرو ، فاذا قصد النائب ذات زيد : فتارة : يكون قصد عنوان عمرو على نحو يكون طريقاً إلى ذات زيد ومرآة لها. وتارة : يكون قيداً لها على نحو تعدد المطلوب. وثالثة : على نحو وحدة المطلوب. فان كان على أحد النحوين الأولين كانت صلاته وفاء للإجارة ، وأداء للعمل المستأجر عليه. وإذا كان على النحو الأخير ، لم تكن صلاته وفاء ولا أداء للعمل المستأجر عليه ، لأنه غير ما استؤجر عليه. وإذا قصد النائب ذات عمرو جاء فيه أيضا الصور الثلاث. وفي الجميع لا تكون صلاته أداء للعمل المستأجر عليه ، ولا وفاء بالإجارة. وأما فراغ ذمة عمرو من الصلاة التي عليه ، فيختص بفرض ما إذا قصد ذات عمرو بصورها ولا يكون بفرض ما إذا قصد ذات زيد بصورها.

[٢] كما تقدم في المسألة الثامنة عشرة من فصل إجارة الأرض بالحنطة والشعير. فراجع.

٢٠٣

لزم عقده. ويجوز أن يشترط في ضمن العقد أن يكون وكيلا عنه في التجديد بعد الانقضاء. وفي هذه الصورة ليس له عزله [١].

( الثامنة ) : لا يجوز للمشتري ببيع الخيار بشرط رد الثمن للبائع أن يؤجر المبيع أزيد من مدة الخيار للبائع [٢] ، ولا في مدة الخيار من دون اشتراط الخيار ، حتى إذا فسخ‌

______________________________________________________

[١] لأن مرجع الشرط الى شرط التوكيل حدوثاً وبقاءً ، وعزله مناف لشرط البقاء. اللهم إلا أن يقال : إن الوكالة من النتائج التي لا يصح شرطها كما عرفت ، فضلا عن شرطها حدوثاً وبقاء ، إذ البقاء يمتنع جعله وإنشاؤه ، لأن البقاء مستند إلى استعداد الذات ، فمن جعل له وكيلا بقيت وكالته. وكذلك الحكم في البيع والنكاح والطلاق ، وإنما يقصد بالإيجاب حدوثها ، لا حدوثها وبقاؤها. فإذا كان البقاء لا يقبل الإنشاء بالعقد ، فأولى لا يقبل الإنشاء بالشرط ، فلا بد أن يكون المقصود شرط أن لا يعزله عن الوكالة ، فإذا عزله لم يصح ، لأنه تصرف في حق الغير ، فيخرج عن سلطانه.

[٢] المنسوب إلى الأكثر والمشهور والمصرح به في كلام جماعة من الأساطين : أنه لا يجوز تصرف من عليه الخيار في العين تصرفاً يمنع من استردادها. وظاهر ما ذكر في وجهه : أن الخيار حق متعلق بالعين ، فالتصرف فيها تصرف في موضوع الحق ، ولأجل قاعدة السلطنة على الحقوق ـ التي هي كقاعدة السلطنة على الأموال ـ يمتنع التصرف ، لأنه خلاف القاعدة المذكورة. والوجه في تعلقه بالعين : أنه قائم بالعقد » والعقد قائم بالعين.

وفيه : أنه لا ريب عندهم في جواز الفسخ مع تلف العين في الجملة ، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في جواز الإقالة مع التلف ، وجواز الفسخ‌

٢٠٤

البائع يمكنه أن يفسخ الإجارة ، وذلك لأن اشتراط الخيار من البائع في قوة إبقاء المبيع على حاله حتى يمكنه الفسخ [١] ،

______________________________________________________

بالخيار معه. ودعوى : أنه قائم بالعين على نحو تعدد المطلوب. غير ثابتة ، وكيف ذلك؟! مع أنه لو كان الخيار قائماً بالعين لبطل بتصرف من له الخيار. ولا مجال للالتزام بذلك في مثل بيع الخيار ، ضرورة أن البائع يتصرف في الثمن ، بل إنما باع لأجل الثمن. ولذلك قال شيخنا الأعظم (ره) : « فالجواز لا يخلو من قوة في الخيارات الأصلية. وأما الخيارات المجعولة بالشرط ، فالظاهر من اشتراطه إرادة إبقاء الملك ، ليسترده عند الفسخ ». وما ذكره غير بعيد ، عملا بالقرينة العامة على إرادة ذي الخيار من شرط الخيار ذلك. ولكن على هذا لو اتفق وجود قرينة خاصة على غير ذلك. لم يكن مانع من التصرف.

ثمَّ إنه بناء على المنع في الخيار المجعول : هل تجوز الإجارة ونحوها مما لا يكون مانعا من رجوع العين إلى ملك البائع أو لا؟ فيه وجهان ، كما في كلام شيخنا الأعظم (ره) : « من كونه ملكا له. ومن إبطال التصرف لتسلط الفاسخ على أخذ العين ». أقول : ظاهر ما ذكره في وجه المنع : أن البائع ذا الخيار كما اشترط الخيار في الفسخ ، اشترط التمكن من الاسترداد ، والمراد من الاسترداد وإن كان الاسترداد الخارجي ، وهذا المعنى تنافيه الإجارة. لكن ذلك يختص بما إذا كان مقتضى الإجارة تسليط المستأجر على العين. أما إذا لم يكن كذلك ، كما في إجارة السفينة على المسافرين ، لا تكون الإجارة منافية لذلك. كما أن مقتضى الشرط المذكور : أن لا يتصرف المشتري بالعين بما يمنع من ردها خارجاً إلى البائع عند الفسخ ، بأن يضعها في مكان مغلق يحتاج فتحه إلى مضي مدة.

[١] قد عرفت : أن الإجارة لا تنافي الفسخ وإن قلنا بأن العقد‌

٢٠٥

فلا يجوز تصرف ينافي ذلك.

( التاسعة ) : إذا استؤجر لخياطة ثوب معين لا بقيد المباشرة ، فخاطه شخص آخر تبرعاً عنه استحق الأجرة المسماة [١]. وإن خاطه تبرعاً عن المالك لم يستحق المستأجر شيئاً [٢] ، وبطلت الإجارة. وكذا إن لم يقصد التبرع عن أحدهما ، ولا يستحق على المالك أجرة ، لأنه لم يكن مأذونا من قبله [٣] ، وإن كان قاصدا لها ، أو معتقداً أن المالك أمره بذلك.

( العاشرة ) : إذا آجره ليوصل مكتوبة إلى بلد كذا إلى زيد مثلا ، في مدة معينة ، فحصل مانع في أثناء الطريق أو بعد الوصول الى البلد ، فان كان المستأجر عليه الإيصال ، وكان طي الطريق مقدمة ، لم يستحق شيئاً. وإن كان المستأجر عليه‌

______________________________________________________

متعلق بالعين ، وإنما تنافي الاسترداد والأخذ بمجرد الفسخ في بعض الصور ، فالمنع من الإجارة كلية يتوقف على فهم اشتراط كون العين على حالها غير مسلوبة المنفعة ، وهذا الشرط زائد على إمكان الأخذ الخارجي ، وزائد على بقاء العين على ملك المشتري ، بنحو يكون الفسخ موجباً لرجوعها إلى البائع. وعبارة المصنف (ره) في تعليل الحكم لا تفي بما ذكر.

[١] يعني : استحق الأجير الأجرة ، لحصول العمل المستأجر عليه منه بتبرع المتبرع ، فيستقر له العوض.

[٢] لعدم تحقق العمل من الأجير ، فتبطل الإجارة ، لتعذر العمل المستأجر عليه ، لعدم قابلية المحل لخياطة ثانية.

[٣] تقدم وجهه في المسألة الثامنة عشرة من فصل إجارة الأرض‌

٢٠٦

مجموع السير والإيصال ، استحق بالنسبة. وكذا الحال في كل ما هو من هذا القبيل. فالإجارة مثل الجعالة ، قد يكون على العمل المركب من أجزاء ، وقد تكون على نتيجة ذلك العمل ، فمع عدم حصول تمام العمل في الصورة الأولى : يستحق الأجرة بمقدار ما أتى به ، وفي الثانية : لا يستحق شيئاً [١]. ومثل الصورة ما إذا جعلت الأجرة في مقابلة مجموع العمل من حيث المجموع [٢] ، كما إذا استأجره للصلاة أو الصوم فحصل مانع في الأثناء عن إتمامها.

( الحادية عشرة ) : إذا كان للأجير على العمل خيار‌

______________________________________________________

للزرع ، ولا يكفي مجرد الاذن في الضمان ، بل إما أن تكون ظاهرة في التعهد بالعوض على وجه الإجارة أو الجعالة ، أو ظاهرة في الأمر بالعمل ، ليكون استيفاء موجباً للضمان ، كما سبق وجهه. وإذا لم تكن الاذن ظاهرة في أحد الأمرين لم يكن موجب للضمان.

[١] بناء على ما يأتي منه في المسألة الحادية عشرة من قاعدة احترام عمل المسلم : أنه يستحق اجرة المثل. فانتظر.

[٢] يظهر من هذا التعبير : أن التوزيع في المسألة السابقة كان من جهة أن الأجرة مبذولة في مقابل العمل المركب من الأجزاء ، الملحوظة على نحو الجميع لا المجموع. وليس كذلك ، فإن الأجزاء ملحوظة فيه على نحو المجموع أيضاً. ولو كانت ملحوظة على نحو الجميع ، للزمت الأجرة لكل واحد من الاجزاء ، فإنه الفارق بين العام الجمعي والمجموعي. وإذا استأجره للصلاة أو الصوم فحصل مانع في الأثناء عن الإتمام ، فالوجه في عدم تبعيض الاجزاء : أن أجزاء الصلاة في ظرف عدم‌

٢٠٧

الفسخ ، فان فسخ قبل الشروع فيه فلا إشكال ، وإن كان بعده استحق أجرة المثل [١] ، وإن كان في أثنائه استحق بمقدار ما أتى به من المسمى أو المثل على الوجهين المتقدمين إلا إذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع ، فلا يستحق شيئاً [٢]. وإن كان العمل مما يجب إتمامه بعد الشروع فيه ـ كما في الصلاة بناء على حرمة قطعها ، والحج بناء على‌

______________________________________________________

انضمام بعضها الى بعض لا تقبل المعاوضة ، لعدم ترتب أثر عليها حتى عند غير المتعاقدين ، فلا تكون لها مالية ، فتوزيع الأجرة عليها في حال الانفراد يوجب أكل المال بالباطل. وإن لم يكن فرق بينها وبين أجزاء السير في المثال ، فإنه إذا استأجره ليصوم من أول النهار إلى آخره فهو كما إذا استأجره ليسافر من البلد الفلاني إلى البلد الآخر في كيفية ملاحظة الاجزاء ، وأنها في الجميع ملحوظة على نحو المجموع لا الجميع ، وإنما الفرق بينهما : أن اجزاء الصوم ليست موضوعاً لغرض عقلائي في حال انفراد بعضها عن بعض ، بخلاف أجزاء السير ، فقد تكون موضوعاً للغرض ، وتصح الإجارة عليها في حال الانفراد عن الباقي.

ومن ذلك يظهر : أن أحكام تبعض الصفقة إنما تجري إذا كانت الأبعاض موضوعاً للغرض والمالية عند العقلاء في حال الانفراد عن الباقي. أما إذا لم تكن موضوعاً للغرض ، فلا تبعيض في العقد ولا في العوض.

[١] لأن العمل وقع على نحو الضمان ، فاذا بطل ضمانه بالمسمى تعين ضمانه بأجرة المثل. والظاهر أن ذلك مما لا إشكال فيه ولا خلاف ، فان الضمان هنا أولى من الضمان مع فساد العقد بقاعدة : ( ما يضمن. )

[٢] الكلام فيه كما سبق.

٢٠٨

وجوب إتمامه ـ فهل هو كما إذا فسخ بعد العمل أو لا؟ وجهان أوجههما : الأول [١]. هذا إذا كان الخيار فورياً كما في خيار الغبن إن ظهر كونه مغبوناً في أثناء العمل ، وقلنا إن الإتمام منافٍ للفورية ، وإلا فله أن لا يفسخ إلا بعد الإتمام. وكذا‌

______________________________________________________

[١] كأن وجهه : أن الممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً ، فالإجارة تكون على الحدوث لا على الحدوث والبقاء ، فيستحق الأجرة بمجرد الحدوث. لكن لازم ذلك ثبوت الأجرة وإن لم يتم العمل ، وهو كما ترى.

وبالجملة : إذا جوزنا وقوع الإجارة على الواجب ، واستحقاق الأجرة بفعله ، فلا مانع من أن تكون الإجارة في مثل الفرض على الحدوث والبقاء. فاذا فسخ في الأثناء كان الإتمام واجباً عليه تكليفاً ، غير مستحق عليه بالإجارة ، فإن أتم فقد أدى الواجب ، وإن قطع عصى ، وليس لأحد حق عليه. مع أن الامتناع العقلي إذا كان بالاختيار لم يكن منافياً للاختيار ، ولا مانعاً من وقوع الإجارة عليه. ومن ذلك يظهر لك الوجه الثاني.

وقد يتوهم : أن الوجوب كان بتسبيب المستأجر ، فيكون التدارك عليه. وفيه أن التسبيب غير مختص به ، بل كان من كل من المؤجر والمستأجر. مع أن مثل هذا التسبيب لا يقتضي الضمان ، لعدم الدليل عليه بعد أن لم يكن موجباً لنسبة الضرر اليه عرفا. بل الأولى نسبته إلى الأجير نفسه ، لأنه هو الفاسخ الذي فوت على نفسه الأجرة المسماة.

ومثله توهم : أنه كان بتغرير من المستأجر ، فيرجع إليه بقاعدة الغرور. إذ فيه : أنه لا تغرير من المستأجر بعد أن كان العقد مشتركاً بينهما. والوقوع في المحذور إنما كان من فسخ الأجير نفسه ، بل هذا التوهم موهون جداً.

٢٠٩

الحال إذا كان الخيار للمستأجر [١] ، إلا أنه إذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع ، وكان في أثناء العمل. يمكن أن يقال : إن الأجير يستحق بمقدار ما عمل من أجرة‌

______________________________________________________

[١] يعني : تجري الأحكام السابقة من عدم لزوم شي‌ء على أحدهما إذا كان الفسخ قبل العمل ، ولزوم المسمى أو أجرة المثل للأجير إذا كان الفسخ بعد العمل ، والتبعيض في المسمى أو اجرة المثل إذا كان الفسخ في أثناء العمل ، إلا فيما إذا كان العمل مما يجب إتمامه فيجب تمام المسمى.

هذا ، والحكم في هذه الصورة باستحقاق الأجير لتمام الأجرة مع الفسخ في الأثناء أهون منه في الصورة السابقة ، لأن الضرر يستند إلى فسخ المستأجر ، فيمكن توهم استناد الضرر اليه الموجب للرجوع عليه. وإن كان أيضاً يشكل : بأن الخيار إن كان مجعولاً فهو بقبول الأجير واختياره ، فإقدامه عليه إقدام منه على لوازمه ، وإن كان من قبل الشارع فالضرر يستند إليه ، لأن المستأجر إنما عمل بحقه المجعول له شرعاً ، وليس عليه أن لا يأخذ بحقه ، لئلا يقع الأجير بالضرر.

إلا أن يقال : إن الحق الخياري إذا جعله الشارع دفعاً للضرر الوارد عليه ، يمتنع أن يثبت في حال لزوم الضرر على الأجير. وبالجملة : بعد ما كان المستأجر مقدماً على بذل الأجرة في مقام العمل من دون خيار ، فلزوم الضرر المثبت لخياره معارض بلزوم الضرر الوارد على الأجير بالفسخ ، ومعه لا مجال لتقديم ضرره ، فلا خيار له في الفسخ. وهذا غير بعيد.

وعلى هذا فاللازم التفصيل في المقام بين صورة أن يكون الفاسخ المستأجر. ويكون الخيار شرعياً ، وبين غيرها من الصور ، فيستحق الأجير في الأول تمام الأجرة ، ولا يستحق في غيرها شيئاً. فتأمل.

٢١٠

المثل لاحترام عمل المسلم [١] ، خصوصاً إذا لم يكن الخيار من باب الشرط [٢].

( الثانية عشرة ) : كما يجوز اشتراط كون نفقة الدابة المستأجرة والعبد والأجير المستأجرين للخدمة أو غيرها على المستأجر ، إذا كانت معينة بحسب العادة ، أو عيناها على وجه يرتفع الغرر ، كذلك يجوز اشتراط كون نفقة المستأجر على‌

______________________________________________________

[١] لا مجال لتطبيق هذه القاعدة في المقام بناء على ما عرفت من أن المراد من كون المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع : أن كل واحد من الأجزاء على الانفراد مما لا قيمة له ، لأنه يكون أخذ أجرة المثل لما يقابل بعض العمل أكلا للمال بالباطل. وإن شئت قلت : قاعدة الاحترام لا مجال لها ، إذا كان العمل لا قيمة له ولا مالية ، فان الاحترام يختص بماله قيمة ومالية. وكذا بناء على الاحتمال الثاني أعني : كون الاجزاء ملحوظة على نحو وحدة المطلوب وإن كان لكل واحد منها مالية ، إذ كما أن عمل المسلم محترم كذلك مال المستأجر ، فإنه مسلم وماله محترم لا يجوز أخذه بلا عوض عائد إليه ، لأن المفروض أن البعض على الانفراد لم يقصد المستأجر المعاوضة عليه ، كي يؤخذ منه عوضه. فأخذ العوض منه مع ذلك كان خلاف احترام ماله ، كما إذا استأجره ليخيط ثوبه فصبغه اشتباهاً منه ، فإنه لا يستحق عليه أجرة كما سبق. نعم إذا أتم الأجير العمل تبرعاً منه بعد الفسخ في الأثناء ، كان تبعيض الأجرة في محله ، لكون البعض حينئذ له مالية في ضمن الكل ، كما أنه بعض المطلوب ومقابل ببعض الأجرة. وعلى هذا كان اللازم تقييد العبارة بذلك ، وإلا توجه عليها الإشكال.

[٢] لأنه إذا كان من باب الشرط يكون العامل قد أقدم على ضياع‌

٢١١

الأجير أو المؤجر ، بشرط التعيين أو التعين الرافعين للغرر. فما هو المتعارف من إجارة الدابة للحج واشتراط كون تمام النفقة ومصارف الطريق ونحوهما على المؤجر. لا مانع منه ، إذا عينوها على وجه رافع للغرر [١].

( الثالثة عشرة ) : إذا آجر داره أو دابته من زيد إجارة صحيحة بلا خيار له ، ثمَّ آجرها من عمرو كانت الثانية فضولية موقوفة على إجازة زيد ، فإن أجاز صحت له ويملك هو الأجرة فيطلبها من عمرو [٢] ، ولا يصح له إجازتها على‌

______________________________________________________

عمله على تقدير الفسخ في الأثناء ، ولا يتأتى ذلك لو كان الخيار شرعياً ، لأنه لم يكن بجعله وقبوله ، فلا مجال لتوهم الاقدام حتى لو كان عالما ، لأن العلم به لا يستلزم العلم بالأعمال والفسخ ، فيمكن أن يكون إقدامه على العقد برجاء عدم الاعمال. ولا يتأتى ذلك في صورة جعل الخيار ، لأن القبول الصادر من الأجير يعد عرفاً إقداماً على الفسخ في الأثناء وعلى لوازمه.

[١] لكن الإشكال في إمكان ذلك فيما يتعارف ، لاختلاف الأحوال والأطوار السفرية ، الموجب لاختلاف النفقات كماً وكيفاً ومدة.

[٢] يعني : صحت الإجارة الثانية لزيد ، لأن المنفعة له فيملك عوضها وهو الأجرة. هذا إذا كانت الإجارة الثانية واقعة على المنفعة المقصودة بالإجارة الاولى. أما إذا كانت واقعة على غيرها ، فالإجارة الثانية لا تصح بإجازة زيد ، لأن المنفعة غير مملوكة له ، ولا تصح بإيقاع المؤجر المالك للعين ، لأنها أيضاً غير مملوكة له ، على ما عرفت من عدم ملك المنافع المتضادة. ولا يجدي فسخ الإجارة الأولى بعد ذلك في الصحة ،

٢١٢

أن تكون الأجرة للمؤجر ، وإن فسخ الإجارة الأولى بعدها لأنه لم يكن مالكا للمنفعة حين العقد الثاني [١].

______________________________________________________

لما ذكر في المتن من أنه من قبيل من باع شيئاً ثمَّ ملكه. نعم بناء على أن المنافع المتضادة مملوكة لمالك العين ، وأن بطلان الإجارة الثانية من جهة أنها منافية لحق المستأجر الأول فإذا أجاز صحت ، وتكون الأجرة الثانية للمالك ، لأنها عوض منفعته ، كما أن الأجرة الأولى له أيضاً.

والمتحصل : ان الإجارة الثانية : تارة : تكون بلحاظ منفعة الإجارة الأولى ، وأخرى : تكون بلحاظ غيرها. فعلى الأول : تصح الإجارة الثانية بإجازة المستأجر الأول ، وتكون الأجرة له ، وإذا لم يجز بطلت. وعلى الثاني : تبطل الإجارة الثانية مطلقاً ، لأنها بلحاظ منفعة غير مملوكة ، إذا قلنا بأن المنافع المتضادة غير مملوكة ، وتصح بإجازة المستأجر إن قلنا إنها مملوكة ، وتكون الأجرة في الاجارتين معاً ملك المؤجر المالك للعين ، لكون المنفعتين المعوضتين ملكاً له. وإذا ردها المستأجر بطلت ، لمنافاتها لحقه :

[١] هذا إشارة الى أن قوام المعاوضة التي يتضمنها عقد الإجارة وغيره من عقود المعاوضات دخول العوض في ملك من خرج عن ملكه المعوض ، وأن اعتبار العوضية إنما يصح بلحاظ ذلك. ولو كان العوض يدخل في ملك غير من خرج عن ملكه المعوض لم يكن عوضا عنه ، ولم يكن المعوض عنه معوضاً. والظاهر أن هذا مما لا إشكال فيه. وإنما الإشكال في لزوم ذلك من الطرفين. يعني : يجب أن يدخل المعوض عنه في ملك من خرج من ملكه العوض ، كما لزم أن يدخل العوض في ملك من خرج عن ملكه المعوض عنه ، أو لا يجب ذلك؟ فاذا قال زيد لعمرو : خذ هذا الدرهم واشتر لك به ثوبا ، لم يصح حتى يتملك عمرو الدرهم ، فاذا لم يتملكه وبقي على ملك زيد ، فاشترى به ثوباً لنفسه لم يصح الشراء‌

٢١٣

______________________________________________________

لنفسه ، لأن الدرهم وإن صار عوضاً عن الثوب ، لكن الثوب لم يصر عوضاً عن الدرهم ، لأن الدرهم خرج عن ملك زيد ودخل الثوب في ملك عمرو ، فلم يقم الثوب مقامه ، ولم يصر في مكانه.

والمنسوب الى المشهور : لزوم ذلك ، بل في مكاسب شيخنا (ره) : أنه ادعى بعضهم في مسألة قبض المبيع عدم الخلاف في بطلان قول مالك الثمن : اشتر لنفسك به طعاماً. ( انتهى ). كما أنه (ره) حكى عن العلامة التصريح في غير موضع من كتبه ، تارة : بأنه لا يتصور ، وأخرى : بأنه لا يعقل أن يشتري الإنسان لنفسه بمال غيره شيئاً. ( انتهى ). وقد ذكروا الاستدلال عليه : بأن المعاوضة متقومة بذلك ، إذ مفهوم المعاوضة راجع إلى جعل كل من العوضين عوضاً عن الآخر. ويشكل : بأن صيغة المعاوضة لا تقتضي الاشتراك على النحو المذكور ، كما يظهر ذلك من ملاحظة موارد استعمال صيغة المفاعلة في مواردها المتفرقة ، مثل : شايعت زيداً ، وسافرت ، وطالعت الكتاب ، وأمثال ذلك من الموارد الكثيرة ، كما أشرنا إلى ذلك أيضاً في بعض مباحث الطهارة من هذا الشرح ، فان ملاحظة موارد الاستعمال للصيغة ، تشرف على القطع ببطلان اعتبار المشاركة من الطرفين. ويشهد بذلك : أنك إذا قلت : بعت الكتاب بدينار ، اعتبر الكتاب معوضا عنه والدينار عوضاً ، بقرينة دخول باء العوض عليه ، ولا يصح اعتبار العكس ـ أعني : اعتبار أن يكون الكتاب عوضاً والدينار معوضاً عنه ـ وإنما يصح ذلك لو قيل : بعت الدينار بالكتاب ، وفي مثله لا يصح اعتبار الكتاب معوضاً عنه والدينار عوضاً.

وبالجملة : المفهوم من قول القائل : بعت الكتاب بالدينار ، غير المفهوم من قوله : بعت الدينار بالكتاب ، فان مفهوم الأول أن الدينار عوض عن الكتاب ، ومفهوم الثاني أن الكتاب عوض عن الدينار. فالعوض‌

٢١٤

______________________________________________________

يجب أن يقوم مقام المعوض ، لكن المعوض عنه لا يجب أن يقوم مقام العوض.

ولأجل ذلك ذكر بعضهم : أنه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكاً للعاقد في انتقال بدله اليه ، بل يكفي أن يكون مأذوناً في بيعه لنفسه أو الشراء به. ( انتهى ) : والمصنف (ره) في حاشيته على مكاسب شيخنا الأعظم ( قده ) جعله ممكناً ، وأن اعتبار البدلية قد يكون بملاحظة تبديل ملكية هذا بملكية ذلك ، وقد يكون بملاحظة إخراجه عن ملكه من دون تبديل الملكية ، وقد يكون بملاحظة إتلافه. ( انتهى ). وفيه : أن المعاوضة وإن كانت تختلف بالملاحظات المذكورة ، لكن المعاوضة بين الأعيان التي هي قوام البيع إنما هي بلحاظ البدلية في المملوك ، لا في الملكية ولا في غيرها مما ذكر. فالملكية القائمة بين المالك والمملوك المتقومة بهما ، إن كان فيها تبديل المملوك كانت بيعا ، وإن كان فيها تبديل المالك كانت ميراثاً ، وان كان فيها تبديل الملكية كانت هبة معوضة ، فلا بد في البيع من تحقق تبديل المملوك ، فيكون الثمن عوضاً عن المثمن في قيامه مقام المثمن في تقويم الإضافة الخاصة القائمة بالطرفين ، ولذا لا تأمل في كون الثمن عند المتبايعين عوضاً عن المبيع. فالمعاوضة في البيع بين العينين ، لا بين الملكيتين ، ولا بين غيرهما مما ذكره ( قده ).

وإنما التأمل : في أن المبيع أيضاً عندهم عوض عن الثمن في البيع ، والمنفعة عوض عن الأجرة في الإجارة ، فتكون العوضية من الطرفين ، أولا ، بل العوضية من طرف واحد ، وقد عرفت : أن مفاد البيع والإجارة عوضية الثمن والأجرة عن المبيع والمنفعة ، وأما عوضية المبيع والمنفعة عن الثمن والأجرة فغير ظاهرة. وإنكار المصنف (ره) الأمرين معاً تبعاً لبعض ـ كما عرفت ـ غريب.

بل الإنصاف يقتضي البناء على الأمرين معاً ، وإن كانت دلالة الكلام‌

٢١٥

وملكيته لها حال الفسخ لا تنفع إلا إذا جدد الصيغة. وإلا فهو من قبيل من باع شيئاً ثمَّ ملك [١] ولو زادت مدة الثانية‌

______________________________________________________

على الأول بالمطابقة وعلى الثاني بالالتزام. فالمفهوم من قول القائل : بعت الكتاب بدينار ، هو المفهوم من قوله : بعت الدينار بالكتاب ، وإنما يختلفان في المدلول المطابقي ، فإن الإيجاب الأول يدل بالمطابقة على عوضية الدينار عن الكتاب ، وبالالتزام على عوضية الكتاب عن الدينار. والإيجاب الثاني يدل بعكس ذلك ، فيدل على عوضية الكتاب عن الدينار بالمطابقة ، وعلى عوضية الدينار عن الكتاب بالالتزام. فالمدلول لأحدهما مدلول للآخر من دون زيادة ولا نقصان ، وإنما الاختلاف بينهما في أن المدلول المطابقي لأحدهما مدلول التزامي للآخر. ولذلك اختلفا عرفاً ، فلا اختلاف بينهما في ذات المدلول ولا في كمية المدلول ، وإنما الاختلاف بينهما في كيفية الدلالة عليه. فان كان المطلوب الذي يسعى نحو تحصيله هو الكتاب ، قيل : بعتك الكتاب بدينار مثلاً. وإن كان المطلوب هو الدينار ، قيل : بعتك الدينار بالكتاب ، وإلا فقد لوحظ كل منهما عوضاً عن الآخر ومعوضاً عنه. ومفهوم المعاوضة وإن لم يدل على تكرر النسبة ، لكن المقصود منه ذلك عرفاً. ومرتكزات العرف في مضامين العقود المعاوضية شاهد بذلك. وما في بعض الكلمات من خلاف ذلك تمحل ، قضت ارتكابه ضرورة في دفع إشكال أو توجيه إشكال. والله سبحانه ولي التوفيق والسداد.

[١] فان المشهور عدم صحة العقد الواقع بإجازة المالك حين الإجازة ، لأمور مذكورة في محلها. ذكرها شيخنا الأعظم في مكاسبه ، وذكرناها جرياً على منهاجه في : « نهج الفقاهة ». والعمدة فيه أمران : النصوص الناهية عن بيع ما ليس عنده. وأن خصوصية الإضافة إلى المالك من الخصوصيات المقومة للمعاوضة ، فالإجازة من المشتري إن كانت قد لوحظ‌

٢١٦

عن الأولى لا يبعد لزومها على المؤجر في تلك الزيادة ، وأن يكون لزيد إمضاؤها بالنسبة إلى مقدار مدة الأولى.

( الرابعة عشرة ) : إذا استأجر عيناً ثمَّ تملكها قبل انقضاء مدة الإجارة ، بقيت الإجارة على حالها ، فلو باعها والحال هذه لم يملكها المشتري إلا مسلوبة المنفعة في تلك المدة [١] ، فالمنفعة تكون له ولا تتبع العين. نعم للمشتري خيار الفسخ إذا لم يكن عالما بالحال. وكذا الحال إذا تملك المنفعة بغير الإجارة في مدة ثمَّ تملك العين ، كما إذا تملكها بالوصية أو بالصلح أو نحو ذلك ، فهي تابعة للعين إذا لم تكن‌

______________________________________________________

فيها خصوصية الإضافة إلى المالك حين العقد ، فذلك خلاف قاعدة السلطنة في حق المالك المذكور ، مع أنه ليس من محل الكلام ، وإن لوحظ فيها خصوصية الإضافة إلى نفسه ، فتلك ليست إجازة للعقد. فراجع « نهج الفقاهة » في مبحث الفضولي. لكن النصوص مختصة بالبيع ، فلا تشمل الإجارة وغيرها من عقود المعاوضة. فالعمدة فيها هو الأمر الثاني ، فإنه مطرد في الجميع على نحو واحد. بل العمدة في البيع أيضاً هو الأمر الثاني ، لأن النصوص لا تخلو من إشكال ، من جهة المعارضة ، أو من جهة العموم والخصوص. فراجع.

[١] لأن المنفعة في تلك المدة لم تكن مملوكة للبائع بالتبعية ، وإنما كانت مملوكة له بسبب آخر ، إذ البيع لا يبطل الإجارة ، ومقتضاها أن تكون المنفعة مملوكة للمستأجر بالإجارة في مقابل الأجرة ، والمشتري إنما يقوم مقام البائع فيحتاج ملكيته لها الى سبب آخر أيضا. وبالجملة : لا دليل على التبعية في المقام.

٢١٧

______________________________________________________

اللهم إلا أن يقال : التبعية انما كانت سبباً للملك ، عملا بالارتكاز العرفي ولا فرق في ذلك بين المقام وغيره. توضيح ذلك : أنه لا إشكال في أن التبعية تقتضي ملكية التابع ، فيملكه مالك المتبوع ، سواء كان التابع من الأعيان الخارجية ، كالثمرة للشجرة والبيضة للدجاجة ، والحمل للدابة ، أم من الأفعال ، كالمنافع المستوفاة من العين ذات المنفعة ، أم من الصفات الخارجية ، كالقصارة الحاصلة بعمل القصار ، والنساجة الحاصلة بعمل النساج ، وهيئة السرير الحاصلة من عمل النجار ، أم من الاعتبارات المحضة ، مثل المنافع غير المستوفاة للعين ذات المنفعة ، فإنها حينئذ تكون من الاعتبارات المملوكة لمالك العين. ولذلك يصح القول بكونها مضمونة ، إذ لو لا أنها مملوكة لم يكن معنى لضمانها ، فان الضمان لا يصح اعتباره إلا مع وجود مضمون له يكون مالكا للمضمون. نعم المنافع المستوفاة من قبيل الموجودات الخارجية كما عرفت. فالتابع في جميع الموارد المذكورة مملوك لمالك المتبوع ، والموجب للملكية المذكورة هو التبعية ، حسبما يقتضيه بناء العرف والمتشرعة عليه. ويشترط في تأثير التبعية المذكورة في الملك أن لا يكون مقتض على خلافها ، فلو آجر داره على زيد فملك زيد منفعتها ، ثمَّ باع الدار على عمرو ، لم يملك المنافع عمرو بالتبعية ، لأن ذلك خلاف مقتضى عقد الإجارة.

وقد ذكر المصنف (ره) هنا شرطاً آخر ، وهو : أن يكون من انتقل عنه التابع مملوكاً له بالتبعية ، فلو لم يكن كذلك لم يستوجب التبعية في الملك ، ولذلك التزم : بأن المشتري الثاني في فرض المسألة لم يملك المنافع بالتبعية ، لأن البائع لم يملكها بالتبعية. ولا بد أن يلتزم بذلك في مثل ما إذا اشترى ثمر الشجر ، ثمَّ اشترى الشجر ، فاذا باعه على آخر لم يملك الآخر الثمر المتولد بعد البيع بالتبعية ، بل يبقى على ملك البائع. هذا‌

٢١٨

مفروزة. ومجرد كونها لمالك العين لا ينفع في الانتقال إلى المشتري ، نعم لا يبعد تبعيتها للعين إذا كان قاصداً لذلك حين البيع [١].

( الخامسة عشرة ) : إذا استأجر أرضاً للزراعة مثلا ، فحصلت آفة سماوية أو أرضية توجب نقص الحاصل لم تبطل [٢] ولا يوجب ذلك نقصا في مال الإجارة [٣] ، ولا خياراً للمستأجر [٤]. نعم لو شرط على المؤجر إبراءه من ذلك بمقدار ما نقص ، بحسب تعيين أهل الخبرة ، ثلثاً أو ربعاً أو‌

______________________________________________________

ولأجل أن المرجع في اقتضاء التبعية للملك بناء العرف والمتشرعة عليه ، وأن الظاهر بناؤهم على عدم اعتبار الشرط المذكور ، فالبناء على عدم اعتباره متعين.

[١] إذا كان المراد من القصد المذكور : أنه قاصد للتمليك إنشاء ، فيكون قاصداً لتمليك المنفعة والعين معاً ، فهو في محله ، كما لو قصد تمليك شي‌ء مع المبيع ، وإذا كان المراد : أنه قاصد للتبعية ، فهو غير ظاهر ، لأن قصد التبعية لا يوجب الملك بالتبعية ، إذا لم تكن مقتضية لذلك.

[٢] لعدم المقتضي لذلك ، بعد أن كانت العين ذات منفعة يصح بذل المال بإزائها.

[٣] إذ لا تبعيض في المنفعة.

[٤] إذ لا نقص في صفة العين يوجب نقصاً في صفة المنفعة ، إذ المفروض كون النقص الحاصل لأمر خارج عن العين ، وليس عدمه مبنياً عليه العقد ليوجب الخيار ، فهو نظير ما لو استأجر داراً ليسكنها ، فسكنها ، فحدث حادث موجب للقلق أو الارق ، فتنغص عيشه فيها.

٢١٩

نحو ذلك ، أو أن يهبه ذلك المقدار إذا كان مال الإجارة عيناً شخصية ، فالظاهر الصحة [١]. بل الظاهر صحة اشتراط البراءة على التقدير المذكور بنحو شرط النتيجة [٢]. ولا‌

______________________________________________________

[١] لاغتفار الجهالة في الشرط إذا كان تابعاً.

[٢] هذا من قبيل شرط النتيجة ، الذي قد عرفت الإشكال في صحته في أول فصل : ( أن العين المستأجرة أمانة ) ، فراجع. وقد ذكرنا هناك : أن البناء على أن الشرط ملك للمشروط له ـ كما هو كذلك في شرط الفعل ـ يمنع من صحة النتيجة ، لأن النتائج التي هي مضامين العقود والإيقاع لا تصلح أن تكون موضوعاً لإضافة الملكية إذا لم تكن في عهدة المشروط عليه ، كما هو مقتضى كونها شرط نتيجة في مقابل شرط الفعل. فالملكية مثلاً : تارة : تشترط في ضمن العقد على أن تكون في عهدة المشروط عليه ، فيجب عليه تحصيلها فتكون حينئذ من قبيل شرط الفعل. وتارة : تشترط لا على أن تكون في عهدة متعهد بها ، وهي بهذه الملاحظة مما لا تقبل أن تكون موضوعاً لإضافة المملوكية : مضافاً إلى أن جعلها مملوكة للمشروط له وجعل ملكيتها له ، لا يوجب حصولها ، فلا يترتب على الشرط المذكور أثر حصولها. ولأجل ذلك يلزم البناء على بطلان شرط النتيجة على نسق شرط الفعل ، بحيث يكون من تمليك النتيجة للمشروط له.

نعم لا مانع من أن يكون المقصود إنشاءها على حد إنشاء مضمون العقد منضما اليه ، فيكون المنشأ أمرين : مضمون العقد ، ونفس النتيجة. فتترتب النتيجة بمجرد الشرط ، إذا لم يعتبر في إنشائها سبب خاص. وعلى ذلك يحمل ما ورد في كلماتهم من صحة شرط سقوط الخيار في ضمن العقد ، وكذلك شرط الضمان في العارية ، ونحو ذلك. ومنه المقام ،

٢٢٠