مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

فالمفروض أن المباشر للإتلاف هو المؤجر. وإن كان عمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة فللمستأجر أن يجيز ذلك [١] ويكون له الأجرة المسماة في تلك الإجارة أو الجعالة [٢] ، كما أن له الفسخ والرجوع إلى الأجرة المسماة ، وله الإبقاء ومطالبة عوض المقدار الذي فات [٣] ، فيتخير بين الأمور الثلاثة.

______________________________________________________

وهو المغرور الى الغار ، ولا يصحح رجوع المستأجر عليه ، لعدم كونه مغروراً. وكان الأولى استثناء صورة كون الأمر موجباً لنسبة الإتلاف إلى الآمر ، وإن كان التحقيق جواز الرجوع الى الآمر ، لتحقق الاستيفاء.

[١] لأنها معاملة وقعت على ماله من غير السلطان ، فتكون كسائر موارد الفضولي محتاجة إلى الإجازة من السلطان. وإذا كانت الإجارة على ما في الذمة فهي وإن لم تكن على مال الغير ، لكنها على ما ينافي حق الغير ، فلا بد من إجازته حينئذ. وكذا لو كان الواقع جعالة.

[٢] هذا إذا كانت الإجارة الثانية واقعة على ما وقعت عليه الإجارة الأولى. أما مع الاختلاف ـ كما لو وقعت الإجارة الثانية على ما في الذمة ـ ففي استحقاق المجيز المسمى المذكور إشكال ، لعدم كونه عوضاً عن ماله ، لكون المفروض كون الإجارة الأولى على المنفعة الخاصة ، والثانية على ما في الذمة بلا تعلق لها بالخارج. نعم في الجعالة لا يكون العمل في الذمة موضوعاً ، بل العمل الخارجي المتحد مع موضوع الإجارة السابقة ، فتكون الإجازة كافية في تملك الجعل. ولا فرق بين أن تكون الجعالة شخصية كما لو تعلقت بعمل شخص ذلك الأجير ، أو كلية كما إذا قال : من رد عبدي فله كذا ، فإن الثانية منحلة إلى جعالات متعددة بتعدد الأشخاص.

[٣] يعني : مطالبة الأجير لما عرفت وفي المسالك وعن القواعد :

١٠١

وان كانت الإجارة على الوجه الثاني ـ وهو كون منفعته الخاصة للمستأجر ـ فحاله كالوجه الأول ، الا إذا كان العمل الغير على وجه الإجارة أو الجعالة ، ولم يكن من نوع العمل المستأجر عليه ، كأن تكون الإجارة واقعة على منفعة الخياطي فأجر نفسه للغير للكتابة ، أو عمل الكتابة بعنوان الجعالة ، فإنه ليس للمستأجر إجازة ذلك ، لأن المفروض أنه مالك لمنفعة الخياطي ، فليس له إجازة العقد الواقع على الكتابة [١] ،

______________________________________________________

أنه يتخير بين مطالبة الأجير والمستأجر ، أما الأول : فلأنه المباشر للإتلاف ، وأما الثاني : فلأنه المستوفي. وهو في محله لأن كلاً منهما سبب في الضمان ، فيعمل بمقتضاه.

[١] إذا فرضنا أن الإجارة الثانية منافية للإجارة الأولى ، وجب البناء على توقف صحتها على إجازة المستأجر الأول. ولا تتوقف صحة الإجازة على كون موضوع العقد المجاز ملكاً للمجيز ، فإنه تصح اجازة المرتهن لبيع الرهن وإن لم يكن ملكاً له ، وتجوز إجازة ولي الزكاة لبيع العين الزكوية وإن قلنا بأن الزكاة حق في العين لا جزء مشاع فيها ، فصحة الإجازة من المجيز لا تتوقف على كونه مالكاً لموضوع الإجازة. نعم انتقال العوض اليه يتوقف على كونه مالكاً للمعوض. وعلى هذا : فإذا أجاز المستأجر الأول الإجارة الثانية وأطلق الإجازة صحت الإجارة ، ووجب على الأجير العمل بمقتضاها ، وليس للمستأجر الأول شي‌ء. وعليه الأجرة المسماة ، وليس له الفسخ. نعم لو لم يجز وعمل الأجير بمقتضى الإجارة الثانية ، كان المستأجر الأول مخيراً بين الفسخ والإمضاء ، كما ذكر في المتن.

١٠٢

فيكون مخيراً بين الأمرين من الفسخ واسترجاع الأجرة المسماة والإبقاء ومطالبة عوض الفائت [١].

وإن كانت على الوجه الثالث فكالثاني ، الا أنه لا فرق فيه في عدم صحة الإجازة بين ما إذا كانت الإجارة أو الجعالة واقعة على نوع العمل المستأجر عليه ، أو على غيره [٢] ، إذ ليست منفعة الخياطة ـ مثلاً ـ مملوكة للمستأجر حتى يمكنه إجازة العقد الواقع عليها [٣] ، بل يملك عمل الخياطة في ذمة المؤجر.

وإن كانت على الوجه الرابع ـ وهو كون اعتبار المباشرة أو المدة المعينة على وجه الشرطية لا القيدية ـ ففيه وجهان : يمكن أن يقال : بصحة العمل للغير بعنوان الإجارة‌

______________________________________________________

ثمَّ إنه بناء على ما عرفت من امتناع ملك المنفعتين المتضادتين ، إذا وقعت الإجارة الثانية على المنفعة المضادة لما وقعت عليه الإجارة الأولى ، يشكل القول بصحتها حتى مع إجازة المستأجر الأول ، لأنها ليست مملوكة للأجير ، فلا يمكن أن يملك عوضها.

[١] يعني : مطالبة الأجير على ما عرفت.

[٢] أما إذا وقعت على غيره فلأنه ليس مملوكاً ، بل هو مناف للمملوك له ، وأما إذا كانت واقعة على نوعه ، فلما ذكر في المتن.

[٣] قد عرفت أن صحة الإجازة لا تتوقف على كون موضوع العقد المجاز ملكا للمجيز ، بل يكفي كون مقتضى العقد منافياً لحقه. وعليه لا مانع من صحة الإجازة ، فيصح العقد معها ، وإذا عمل بمقتضاه لا يكون للمجيز الخيار ، ويلزمه دفع الأجرة التي استحقها عليه الأجير بالإجارة الأولى. ( وبالجملة ) : إذا وقعت الإجارة الثانية على ضد العمل المستأجر‌

١٠٣

أو الجعالة ، من غير حاجة إلى الإجازة ، وإن لم يكن جائزاً من حيث كونه مخالفة للشرط الواجب العمل ، غاية ما يكون أن للمستأجر خيار تخلف الشرط. ويمكن أن يقال : بالحاجة إلى الإجازة ، لأن الإجارة أو الجعالة منافية لحق الشرط [١] فتكون باطلة بدون الإجازة [٢].

______________________________________________________

عليه ، فهي غير واقعة على ملك المستأجر الأول ، لكنها منافية لحقه فلا تصح إلا بإذنه. وكذا إذا وقعت على مثله الخارجي ، فإنه مضاد لما في الذمة تضاد المثلين ، فلا تصح أيضاً إلا بإذنه. وكذا إذا وقعت على مثله الذمي. أما إذا وقعت على نفسه ، فقد وقعت على مال المستأجر نفسه ، فلا مجال للشبهة المذكورة.

ومن هنا يظهر : أن الصور المتصورة في الإجارة الثانية خمس هي : الإجارة على مثل العمل المستأجر عليه أولا مع كونه ذمياً ، وعلى مثله الخارجي ، وعلى ضده الذمي ، وعلى ضده الخارجي. والجميع مورد للإجازة ، بناء على ما ذكرنا من صحة الإجازة إذا كان العمل على العقد الثاني منافياً لحق المستأجر. الصورة الخامسة : أن تكون الإجارة الثانية واقعة على نفس العمل الذمي الذي يملكه المستأجر ، فلا مجال للإشكال الذي ذكره في المتن ، وتصح الإجازة فيه ، وإذا أجاز ملك الأجرة الثانية وعليه الأجرة الأولى للأجير ، بخلاف الصور الأربع ، فإن الإجازة فيها لا تستوجب رجوع الأجرة الثانية اليه ، وعليه الأجرة الأولى للأجير.

[١] قد عرفت سابقاً : أن حق الشرط موجب لقصور سلطنة الأجير عما ينافيه ، فلو وقع المنافي كان صادراً من غير السلطان ، فيتعين القول بالبطلان بدون الإجازة.

[٢] وعليه يرجع الأجير على المعمول له بأجرة المثل ، لقاعدة : « ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده ». وكذا في الوجه الثالث إذا كانت‌

١٠٤

( مسألة ٥ ) : إذا آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو مع تعيين المدة ، أو من غير تعيين المدة ولو مع اعتبار المباشرة ، جاز عمله للغير ولو على وجه الإجارة قبل الإتيان بالمستأجر عليه ، لعدم منافاته له من حيث إمكان تحصيله لا بالمباشرة أو بعد العمل للغير ، لأن المفروض عدم تعيين المباشرة أو عدم تعيين المدة. ودعوى : أن إطلاق العقد من حيث الزمان يقتضي وجوب التعجيل ، ممنوعة [١]. مع أن لنا أن نفرض الكلام فيما لو كانت قرينة على عدم إرادة التعجيل.

( مسألة ٦ ) : لو استأجر دابة لحمل متاع معين شخصي أو كلي على وجه التقييد ، فحملها غير ذلك المتاع ، أو استعملها في الركوب ، لزمه الأجرة المسماة وأجرة المثل لحمل المتاع الآخر أو للركوب. وكذا لو استأجر عبداً للخياطة فاستعمله في الكتابة.

بل وكذا لو استأجر حراً لعمل معين ، في زمان معين ، وحمله على غير ذلك العمل ، مع تعمده ، وغفلة ذلك الحر واعتقاده أنه العمل المستأجر عليه [٢]. ودعوى : أن ليس للدابة في زمان‌

______________________________________________________

الإجارة واقعة على غير نوع العمل الذي ملكه عليه المستأجر الأول ، كما صرح بذلك في الجواهر.

[١] قد تقدم منه في المسألة الخامسة من الفصل الأول : البناء على هذا الإطلاق ، والاجتزاء به عن تعيين المدة. مع أن المذكور في كلماتهم في مبحث القبض : أن الإطلاق يقتضي وجوب التعجيل في دفع الثمن والمثمن. ولا فرق بينه وبين المقام.

[٢] هذا الاعتقاد لا يتوقف عليه الضمان ، فان استيفاء المنفعة يوجب‌

١٠٥

واحد منفعتان متضادتان ، وكذا ليس للعبد في زمان واحد إلا إحدى المنفعتين من الكتابة أو الخياطة ، فكيف يستحق أجرتين؟!. مدفوعة : بأن المستأجر بتفويته على نفسه ، واستعماله في غير ما يستحق كأنه حصل له منفعة أخرى [١].

______________________________________________________

ضمانها حتى مع علم العامل بعدم الاستحقاق ، كما يأتي في الفصل الآتي.

[١] قال العلامة في القواعد : « لو سلك بالدابة الأشق من الطريق ضمن ، وعليه المسمى والتفاوت بين الأجرتين ، ويحتمل أجرة المثل. وكذا لو شرط حمل قطن فحمل بوزنه حديداً ». وعلل احتمال أن المضمون أجرة المثل لا غير : بأن المسمى مجعول بالعقد في قبال المنفعة الخاصة ، وقد فاتت فيفوت بفواتها. وعن جامع المقاصد : أنه الأصح. وفيه : أن فوات المنفعة لا يقتضي بطلان العقد ، وقد تقدم أنه لو بذل الأجير نفسه في المدة المعينة فلم يستعمله المستأجر استحق الأجرة. وكذا إذا بذل المؤجر العين المستأجرة فلم ينتفع بها المستأجر في المدة ، فإن المؤجر أيضاً يستحق الأجرة ، ففوات المنفعة في المقام من قبل المستأجر لا يقتضي بطلان العقد ، كي يقتضي عدم استحقاق الأجرة المسماة.

وتفصيل الكلام في هذه المسألة : أن المنافع المتضادة لما لم تكن مقدورة قدرة عرضية ، لامتناع اجتماع الضدين ، لم تكن مملوكة ملكية عرضية ، لأن القدرة على المنفعة من شرائط ملكها عند العقلاء ، ولا يصح اعتبار الملكية لها عندهم إذا لم تكن مقدورة ، فإذا كانت المنافع المتضادة غير مقدور عليها أصلاً لم تكن مملوكة أصلا ، وإذا كانت مقدورة قدرة بدلية لا عرضية كانت مملوكة ملكية بدلية لا عرضية. ولذا لم يكن إشكال عندهم في أن الغاصب لا يضمن جميع المنافع المتضادة ، وإنما يضمن واحدة‌

١٠٦

______________________________________________________

منها. وهذه الملكية تحتمل وجوهاً :

الأول : أن يكون المملوك منها خصوص الموجود دون المعدوم. ولازمه عدم ضمان المنافع غير المستوفاة ، لأنها غير موجودة ، فلا تكون مملوكة ، فلا تكون مضمونة.

الثاني : أن يكون المملوك كل واحدة منها في ظرف عدم الأخرى. ولازمه ضمانهما معاً إذا لم تكن كل واحدة منها مستوفاة ، لأن كل واحدة منهما حينئذ في ظرف عدم الأخرى.

الثالث : أن يكون المملوك الجامع بنحو لا ينطبق عليهما في عرض واحد ، بل إذا انطبق على واحدة لم ينطبق على الأخرى ، نظير مفاد النكرة ، ونظير النصف الملحوظ فيما لو باع نصف الدار ، فان النصف في نفسه وإن كان ينطبق على كل من النصفين في عرض واحد ، فان كلاً من نصفي الدار نصف للدار ، لكن المأخوذ موضوعاً للبيع لوحظ بنحو لا ينطبق على كل من النصفين في عرض واحد ، بل بنحو ينطبق على أحدهما ولا ينطبق على الآخر ، ونظيره أيضاً الصاع الملحوظ في بيع صاع من صبرة. وعلى هذا يكون تطبيقه وتعيينه بيد المالك ، فما عينه المالك يكون هو المملوك دون ما لم يعينه ، وإن كان المستوفى غير ما عينه المالك ، ولازمه في المقام أن يكون المضمون هو المسمى ، لأنه في مقابل المنفعة التي عينها المالك ، وما استوفاه المستأجر لما لم يكن معيناً من المالك لا يكون مملوكاً ، فلا يكون مضمونا.

الرابع : أن يكون المملوك هو الذي يعينه المالك إذا لم يكن تعين خارجي ، وإلا كان المتعين هو المملوك لا غير وإن عينه المالك. ولازمه في المقام أن يكون المضمون أجرة المثل ، لأنها في مقابل المنفعة المستوفاة المتعينة المملوكة ، وعدم ضمان الأجرة المسماة لأنها في مقابل منفعة غير‌

١٠٧

______________________________________________________

مملوكة ، لأنها غير المتعينة ، وتعيين المالك لا أثر له مع التعين. وفي باب الغصب يضمن الغاصب ما استوفاه ، ولا أثر لتعيين المالك.

وقد عرفت الإشكال في الوجهين الأولين. وأما الوجه الأخير : فتأباه كلمات الأصحاب في باب الغصب ، وأن الغاصب إذا استوفى منفعة وكان غيرها أعلى قيمة كان للمالك اختيار ضمان الغاصب الأعلى قيمة ، فعن موضع من القواعد : « ولو تعددت المنافع ـ كالعبد الخياط الحائك ـ لزمه أجرة أعلاها ، ولا تجب أجرة الكل ». وعن موضع آخر أنه قال : « ولو انتفع بالأزيد ، ضمن الأزيد ، وإن انتفع بالأنقص ضمن أجرة المطلق ». وعن الروضة : « لو تعددت المنافع فإن أمكن فعلها جملة أو فعل أكثر من واحدة وجب أجرة ما أمكن ، وإلا ـ كالحياكة والخياطة والكتابة ـ فأعلاها أجرة. ولو كانت الواحدة أعلى منفردة عن منافع متعددة يمكن جمعها ضمن الأعلى ». لكن الظاهر أن مورد كلامه صورة عدم الانتفاع بمنفعة معينة. نعم عن المسالك : « إن استعملها في الأعلى ضمنها ، وإن استعملها في الوسطى أو الدنيا أو لم يستعملها ، ففي ضمان أجرة متوسطة أو الأعلى ، وجهان » : فهذه الكلمات ونحوها ـ كما ترى ـ صريحة في عدم ضمان المنفعة المستوفاة ، وضمان غير المستوفاة ، وهو في بادئ النظر غريب ، فإنه لا اشكال ولا خلاف في ضمان المنافع المستوفاة ، فكيف ساغ البناء على عدم ضمانها وضمان غير المستوفاة؟!

والتحقيق أن يقال في المقام : إن المنافع المتضادة وإن كانت متباينة ، لكنها مشتركة في جهة الانتفاع ، فاذا اختلفت مرتبة الانتفاع بالشدة والضعف والزيادة والنقيصة ، فالإجارة على إحداها بعينها قد لوحظ فيها القيد بنحو تعدد المطلوب ، فاذا استوفى المستأجر المساوي المباين لها كان للمالك المؤجر الخيار. فإذا استأجر الدابة ليحمل عليها كيساً فيه مقدار‌

١٠٨

______________________________________________________

معين من الحنطة ، فحملها كيساً آخر مثله لم يستحق أجرة أخرى ، وإنما له الخيار بفوات القيد. وإذا حملها كيساً آخر فيه حنطة ضعف المقدار المعين في الإجارة ، فنصفه مستحق الإجارة ، وعليه أجرة النصف الآخر وإذا حملها كيساً آخر فيه من الحنطة نصف المقدار المعين في الإجارة ، لم يكن عليه غير المسمى ، كأنه استوفى نصف حقه. نعم ربما يكون للمؤجر الخيار لفوات القيد أيضاً.

وبالجملة : الذي يساعده الارتكاز العرفي أن المتباينات ملحوظة في المقام وفي باب الضمان مع تفاوت القيمة من قبيل الأقل والأكثر. والقيود والخصوصيات الموجبة للتباين ملحوظة عندهم بنحو تعدد المطلوب ، فيكون الأقوى في المقام ما ذكره في القواعد من لزوم المسمى والتفاوت. ولم أقف عاجلاً على من وافق المصنف في وجوب الأمرين : المسمى وأجرة المثل وإن كان له في نفسه وجه ، لكنه خلاف المرتكز العرفي ومذاق الفقهاء في باب الضمانات. فلاحظ. وكذا الحكم في ضمان الغاصب.

ومما ذكرنا يظهر أن المحتملات في حكم المسألة أربعة : الأول : لزوم المسمى فقط ، ويقتضيه الوجه الثالث من وجوه كيفية ملك المنافع المتضادة الثاني : لزوم أجرة المثل فقط. ومبناه بطلان العقد ، إما لفوات المنفعة كما ذكر في التعليل ، أو لعدم ملكية المنفعة غير الموجودة كما يقتضيه الوجه الرابع من الوجوه السابقة ، أو لصحيح أبي ولاد الآتي.

الثالث : لزوم المسمى وأجرة المثل معاً ، كما هو مختار المصنف (ره) ، ويقتضيه البناء على ملكية المنافع المتضادة في عرض واحد. الرابع : أعلى القيمتين إن كانت إحدى المنفعتين أعلى قيمة ، والمسمى فقط إن لم يكن كذلك. ويقتضيه ما ذكرناه من أن المرتكز العرفي جعل القيود الموجبة للتباين ملحوظة بنحو تعدد المطلوب ، وتكون الزيادة في المنفعة المستوفاة من قبيل‌

١٠٩

______________________________________________________

الزيادة في المنفعة المسماة ، ويكون المقام نظير ما لو استأجر الدابة واشترط عليه المالك أن يكون الحمل مقداراً معيناً لا أزيد ، فحملها أكثر منه وأزيد ، فإنه يستحق المسمى وأجرة الزائد لا غير ، ويكون له الخيار في الفسخ والرجوع إلى أجرة المثل.

نعم قد ينافي ذلك في باب الغصب ظاهر ما ورد من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة ، المتضمنة لضمان الغاصب أجرة ما استوفاه مطلقا ، وإن كان للعين المغصوبة منفعة أعلى ، ومنها صحيح أبي ولاد (١) المشهور الذي قد اكترى بغلاً من الكوفة إلى قصر ابن هبيرة ذاهباً وجائياً لطلب غريم له ، فلما صار قرب قنطرة الكوفة أخبر أن غريمه توجه إلى النيل ، فتوجه نحو النيل ، فلما أتى النيل خبر أنّ صاحبه توجه إلى بغداد فتوجه الى بغداد ، ثمَّ رجع إلى الكوفة. بل هو وارد فيما نحن فيه من استيفاء المستأجر منفعة مضادة للمنفعة المقصودة له بالإجارة ، والامام (ع) ضمنه كرى البغل من الكوفة إلى النيل ، ومن النيل إلى بغداد ، ومن بغداد إلى الكوفة ، ولم يضمنه الأجرة المسماة ، ولم يجعل للمالك الاختيار لأيّ منفعة شاء. لكن الظاهر أن الوجه فيه ما ذكرناه من أن الملحوظ للمكاري قطع المسافة فتكون نسبة المنفعة المستوفاة إلى المسماة نسبة الأكثر إلى الأقل ، لا لأجل بطلان العقد الواقع ، ولا لأن التعين الخارجي دخيل في الملكية. وكذلك حال النصوص الأخرى فإنها أيضاً منزلة على ما ذكرنا ، ويكون المراد من النصوص هو المراد من تعبير الفقهاء : أنه يضمن الأعلى. يعنون به : أنه يضمن المستوفى مع التفاوت. كما أنه لا يبعد أن يكون عدم تعرض النصوص ـ كالصحيح وغيره ـ لضمان المنافع غير المستوفاة التي هي أعلى قيمة لأنها منفعة غير محتسبة ولا منتظرة من العين ، وحينئذ لا يدل الصحيح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ١.

١١٠

______________________________________________________

على عدم ضمانها مطلقاً. وإن كان هذا المعنى لا يرتبط بما نحن فيه.

والمتحصل مما ذكرناه : أن ما ذكره في القواعد من الاحتمال الأول هو الذي يقتضيه المذاق العرفي. لكن البناء عليه ورفع اليد عن الاحتمال الثالث ، الموافق لأصل البراءة. لا يخلو من شبهة وإشكال ، وإن كان هو الأظهر. وقد جزم به في موضع آخر من القواعد. قال : « وان زرع الأضرّ من المعين فللمالك المسمى وأرش النقصان ». وعن التحرير أنه قال : له المسمى وأجرة الزيادة. وهو المراد مما في القواعد كما في مفتاح الكرامة ، وحكى فيه عن المبسوط : التخيير بين ذلك وبين أجرة المثل. وقال : « إنه أشبه بالصواب ، ثمَّ قال : وهو خيرة التذكرة ، وكذا الشرائع والتحرير والإرشاد في باب المزارعة ، قالوا : لو زرع ما هو الأضر كان للمالك أجرة المثل أو المسمى مع الأرش ، والذي يقتضيه التدبر في ملاحظة الكتب الثلاثة : أن ذلك فيما لو استأجرها للزراعة أو زارع عليها ، وليست مسوقة للمزارعة خاصة .. إلى أن قال : وإن هذه العبارة خاصة بالإجارة ». ويؤيد ذلك ما ذكره في القواعد قال : « لو عين اقتصر عليه وعلى ما يساويه ، أو يقصر عنه في الضرر على إشكال ». وعن التذكرة : أن القول بأن له أن يزرع ما عينه ، وما ضرره كضرره أو أدون ولا يتعين ما عينه قول عامة أهل العلم ، إلا داود وباقي الظاهرية ، فإنهم قالوا : لا يجوز له زرع غير ما عينه. حتى لو وصف الحنطة بأنها حمراء لم يجز أن يزرع البيضاء. ونسبه في محكي الخلاف أيضاً إلى أبي حنيفة والشافعي وعامة الفقهاء ، وعن المبسوط : أنه نسبه إلى جميع المخالفين ، وعن جامع المقاصد : أن جواز العدول هو المشهور بين عامة الفقهاء ، وقال أيضاً : إنه المشهور. وفي مفتاح الكرامة وجه القول بجواز العدول : بأن الغالب المعروف المألوف أن الغرض المقصود في الإجارة للمالك تحصيل‌

١١١

( مسألة ٧ ) : لو آجر نفسه للخياطة ـ مثلاً ـ في زمان معين ، فاشتغل بالكتابة للمستأجر مع علمه بأنه غير العمل المستأجر عليه ، لم يستحق شيئاً. أما الأجرة المسماة : فلتفويتها على نفسه بترك الخياطة ، وأما أجرة المثل للكتابة ـ مثلاً ـ : فلعدم كونها مستأجراً عليها ، فيكون كالمتبرع بها. بل يمكن أن يقال بعدم استحقاقه لها ولو كان مشتبها غير متعمد [١] ، خصوصا مع جهل المستأجر بالحال.

( مسألة ٨ ) : لو أجر دابته لحمل متاع زيد من مكان إلى آخر فاشتبه وحملها متاع عمرو ، لم يستحق الأجرة على زيد ولا على عمرو.

( مسألة ٩ ) : لو آجر دابته من زيد ـ مثلا ـ فشردت‌

______________________________________________________

الأجرة خاصة ، وهي حاصلة على التقادير الثلاثة ، فكلام أهل العلم مبني على الغالب المعروف.

وما ذكره الجماعة وإن كان محلا للمنع ، بل لا ينبغي الارتياب في خلافه ، وعدم جواز التعدي عن تعيين المالك. لكن قد يفهم منه حكم المقام بطريق الأولوية. وبالجملة : إذا لاحظت كلماتهم تعرف أن الارتكاز العرفي المذكور مما لا معدل عنه عندهم (١).

[١] يفترق الحكم هنا عما كان في المسألة السابقة : بأن العمل في المقام مع العلم والجهل لا يتحقق معه عنوان الاستيفاء ، لأنه لم يكن بأمر من الغير ، بخلاف العمل في المسألة السابقة ، فإنه بأمر يتحقق معه عنوان الاستيفاء. واعتقاد الأمر هنا مع الجهل لا يكفي في صدق الاستيفاء.

__________________

(١) قد ذكرنا في مبحث المزارعة ماله نفع في المقام فراجع. ( منه قدس‌سره )

١١٢

قبل التسليم اليه أو بعده في أثناء المدة ، بطلت الإجارة [١]. وكذا لو آجر عبده فأبق. ولو غصبهما غاصب ، فان كان قبل التسليم فكذلك. وإن كان بعده يرجع المستأجر على الغاصب بعوض المقدار الفائت من المنفعة [٢]. ويحتمل التخيير [٣] بين الرجوع على الغاصب وبين الفسخ في الصورة الأولى [٤] وهو ما إذا كان الغصب قبل التسليم.

( مسألة ١٠ ) : إذا آجر سفينته لحمل الخل مثلا من بلد إلى بلد ، فحملها المستأجر خمراً ، لم يستحق المؤجر إلا الأجرة المسماة ، ولا يستحق أجرة المثل لحمل الخمر ، لأن أخذ الأجرة عليه حرام ، فليست هذه المسألة مثل مسألة إجارة العبد للخياطة ، فاستعمله المستأجر في الكتابة [٥].

لا يقال : فعلى هذا إذا غصب السفينة وحملها خمراً ، كان اللازم عدم استحقاق المالك أجرة المثل ، لأن أجرة حمل الخمر حرام. لأنا نقول : إنما يستحق المالك أجرة المثل للمنافع‌

______________________________________________________

[١] يعني : في باقي المدة ، لفوات المنفعة وتعذرها ، فتكون الإجارة واقعة على مالا منفعة له.

[٢] هذا مبني على تنزيل الغصب منزلة التلف ، كما تقدم القول به في امتناع المؤجر من التسليم ، كما تقدم ضعفه ، فراجع المسألة العاشرة والحادية عشرة من الفصل الثالث.

[٣] هذا هو المتعين كما عرفت.

[٤] قد عرفت هناك احتماله في الصورة الثانية.

[٥] تقدم فيها ماله نفع هنا ، فراجعه.

١١٣

الحللة الفائتة في هذه المدة. وفي المسألة المفروضة لم يفوت على المؤجر منفعة ، لأنه أعطاه الأجرة المسماة لحمل الخل بالفرض.

( مسألة ١١ ) : لو استأجر دابة معينة من زيد للركوب إلى مكان ، فاشتبه وركب دابة أخرى له ، لزمه الأجرة المسماة للأولى ، وأجرة المثل للثانية ، كما إذا اشتبه فركب دابة عمرو فإنه يلزمه أجرة المثل لدابة عمرو والمسماة لدابة زيد ، حيث فوت منفعتها على نفسه.

( مسألة ١٢ ) : لو آجر نفسه لصوم يوم معين عن زيد مثلاً ، ثمَّ آجر نفسه لصوم ذلك اليوم عن عمرو ، لم تصح الإجارة الثانية [١]. ولو فسخ الأولى بخيار أو إقالة قبل ذلك اليوم لم ينفع في صحتها ، بل ولو أجازها ثانياً ، بل لا بد له من تجديد العقد ، لأن الإجازة كاشفة [٢] ، ولا يمكن‌

______________________________________________________

[١] لما سبق من أن المنفعة الثانية لما لم تكن مملوكة للأجير ـ لمباينتها للأولى ـ لم تمكن الإجارة عليها ، لعدم السلطنة له عليها ، بل لا تصح وإن أجاز المستأجر الأول ، لأن المانع لا ينحصر بتعلق حق الغير كما سبق كي تصح الإجارة بإجازته ، بل المانع عدم الملك لا للأجير ولا لغيره. نعم إذا كانت الإجارة الأولى واقعة على منفعته الخاصة وكذلك الثانية ، وكانت الخصوصية ـ أعني : كون الصوم عن زيد ـ ملحوظة على نحو تعدد المطلوب ، أمكن أن تكون إجازة المستأجر الأول راجعة إلى رفع اليد عن الخصوصية ، وحينئذ تصح الثانية بالإجازة ، وترجع الأجرة المذكورة فيها إلى المستأجر الأول.

[٢] هذا لا يجدي في المنع ، إلا بناء على الكشف الحقيقي. والعمدة :

١١٤

الكشف هنا لوجود المانع حين الإجارة ، فيكون نظير من باع شيئا ثمَّ ملك [١] ، بل أشكل.

فصل

لا يجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة أو الشعير ، بما يحصل منها من الحنطة أو الشعير ، لا لما قيل : من عدم كون مال الإجارة موجوداً حينئذ ، لا في الخارج ولا في الذمة ، ومن هنا يظهر عدم جواز إجارتها بما يحصل منها ولو من‌

______________________________________________________

أن إضافة العوض إلى مالك بعينه من قوام المعاوضة ، فإذا تبدل فقد فاتت المعاوضة الواقعة وتعذرت صحتها.

[١] لأن الصوم عن عمرو لما كان ضد الصوم عن زيد ، فاذا ملك المستأجر الأول الثاني ، خرج الأول عن كونه مملوكاً للمؤجر ، لما عرفت من أن القدرة على المتضادين لما كانت بدلية كانت الملكية لها كذلك ، فاذا ملك المستأجر الأول أحدهما تعييناً خرج الآخر عن الملكية تعييناً وتخييراً ، فاذا فسحت الإجارة الأولى صار الضدان مملوكين على البدل ، كحالهما قبل الإجارة ، فاذن تكون الإجارة الثانية قبل الفسخ واقعة على منفعة غير مملوكة. وكأن الوجه في كونه أشكل : أن عدم القدرة على الضد الثاني يوجب خروجه عن صلاحية الملك ، فالمانع فيه ذاتي ، بخلاف مسألة من باع ثمَّ ملك فان المانع فيه عرضي ، وهو تبدل المالك من دون قصور في ذات المملوك.

١١٥

غير الحنطة والشعير ، بل عدم جوازها بما يحصل من أرض أخرى أيضاً. لمنع ذلك [١] ، فإنهما في نظر العرف واعتباره بمنزلة الموجود كنفس المنفعة ، وهذا المقدار كاف في الصحة نظير بيع الثمار سنتين ، أو مع ضم الضميمة ، فإنها لا يجعل غير الموجود موجوداً ، مع أن البيع وقع على المجموع. بل للأخبار الخاصة [٢]. وأما إذا آجرها بالحنطة أو الشعير في الذمة‌

______________________________________________________

[١] هذا المنع يتم إذا كان المقصود من الدليل المنع العقلي. أما إذا كان المقصود المنع الشرعي من جهة الغرر ، الحاصل من الشك في الوجود أو الشك في مقدار الموجود ، فالمنع المذكور لا يرفع الغرر الحاصل.

[٢] المشتمل بعضها على النهي عن إجارة الأرض بالطعام ، وعلل في بعضها بأنه غير مضمون ، ففي موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « لا تؤجر الأرض بالحنطة ولا بالشعير ولا بالتمر ولا بالأربعاء ولا بالنطاف ، ولكن بالذهب والفضة ، لأن الذهب والفضة مضمون وهذا ليس بمضمون » (١). وفي آخر : بأنه يلزم إجارة الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير (٢). وفي ثالث : « إن كان من طعامها فلا خير فيه » (٣). وظاهر الجميع الاختصاص بما كان منها أو من غيرها المعين ولم يعرف المخالف في المنع إلا ما يظهر من التبصرة والمختلف ، تبعاً لما يظهر من النافع كما قيل. لكنه مخالف لظاهر النهي المذكور المعول عليه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المزارعة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المزارعة حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المزارعة حديث : ٥.

١١٦

لكن بشرط الأداء منها ، ففي جوازه إشكال والأحوط العدم [١] لما يظهر من بعض الاخبار ، وإن كان يمكن حمله على الصورة الأولى. ولو آجرها بالحنطة أو الشعير من غير اشتراط كونهما منها فالأقوى جوازه [٢] ، نعم لا يبعد كراهته. وأما إجارتها‌

______________________________________________________

عند المشهور. والتعبير بقوله (ع) : « لا خير فيه » لا يصلح لصرف النهي عن ظاهره ، بل لعله ظاهر في نفسه في المنع.

[١] احتمل في الجواهر العدم ، لما يظهر من بعض النصوص في خصوص هذا الشرط كما ذكر في المتن. لكنه استظهر الجواز ، للعمومات. وهو غير بعيد.

[٢] عملاً بالتعليل بأنه غير مضمون ، المقتضي للجواز في المضمون. لكن عن بعض : المنع إذا كان من جنس ما يزرع فيها ، لصحيح الحلبي : « لا تستأجر الأرض بالحنطة ثمَّ تزرعها حنطة » (١). ويساعده بعض التعليلات المتقدمة. لكن المشهور على خلافه. ولأجله يشكل العمل بالصحيح ، مع أن دلالته لا تخلو من خفاء. وأما دعوى : المعارضة للتعليل بعدم الضمان ، فغير ظاهرة ، لإمكان تعدد وجوه المنع.

والعمدة : أن الخبر المشتمل على التعليل ضعيف بالإرسال وغيره ، فلا مجال للاعتماد عليه. مضافاً إلى معارضته بخبر الهاشمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « سألته عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج ، بدراهم مسماة أو بطعام مسمى ، ثمَّ آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر ، وله في العوض بعد ذلك فضل ، أيصلح له لذلك؟ قال (ع) : نعم إذا حفر لهم نهراً .. » (٢) فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المزارعة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أحكام الإجارة حديث : ٣.

١١٧

بغير الحنطة والشعير من الحبوب ، فلا إشكال فيه [١] ، خصوصا إذا كان في الذمة ، مع اشتراط كونه منها أولا.

( مسألة ١ ) : لا بأس بإجارة حصة من أرض معينة مشاعة ، كما لا بأس بإجارة حصة منها على وجه الكلي في المعين مع مشاهدتها على وجه يرتفع به الغرر. وأما إجارتها على وجه الكلي في الذمة فمحل إشكال ، بل قد يقال : بعدم جوازها لعدم ارتفاع الغرر بالوصف ، ولذا لا يصح السلم فيها. وفيه : أنه يمكن وصفها على وجه يرتفع ، فلا مانع منها إذا كان كذلك.

( مسألة ٢ ) : يجوز استئجار الأرض لتعمل مسجداً ،

______________________________________________________

[١] في خبر أبي بصير المتقدم ذكر التمر مع الحنطة والشعير ، ومقتضاه المنع فيه ، بل مقتضى التعليل بعدم الضمان : اطراد المنع في كل ما يخرج منها. وإن كان ظاهر بعض : الاختصاص بالحنطة والشعير. ووجهه غير ظاهر ، لعموم التعليل في النص ، وعموم ما ذكروه في وجه المنع الذي أشار إليه المصنف (ره) في صدر المسألة ، ولذا كانت عباراتهم مطلقة. قال في القواعد في كتاب المزارعة : « تجوز إجارة الأرض بكل ما يصلح أن يكون عوضاً في الإجارة وإن كان طعاماً إذا لم يشترط أنه مما يخرج من الأرض ». وقال في مفتاح الكرامة : « لأنه لا يجوز اشتراط كونه مما يخرج منه ، كما في الخلاف والمبسوط والسرائر ، والمختلف والتنقيح ، وجامع المقاصد. ولا يصح كما في إيضاح النافع ، والكتاب. ويكون حراما ، كما في التذكرة .. » إلى آخر ما حكاه من عباراتهم. وحينئذ فنفي الإشكال في المتن غير ظاهر ، لا من حيث النص ولا من حيث الفتوى.

١١٨

لأنه منفعة محللة [١]. وهل يثبت لها آثار المسجد من حرمة التلويث ودخول الجنب والحائض ونحو ذلك.؟ قولان. أقواهما : العدم [٢]. نعم إذا كان قصده عنوان المسجدية لا مجرد للصلاة فيه [٣] ، وكانت المدة طويلة كمائة سنة أو أزيد لا يبعد ذلك ، لصدق المسجد عليه حينئذ.

______________________________________________________

[١] خلافاً لأبي حنيفة ، لأن فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد الإجارة ، فلا تجوز الإجارة لذلك. وفيه أنه لا ملازمة بين بطلان الإجارة على الصلاة ، وبطلان إجارة المكان للصلاة ، لأن الإجارة على الصلاة تقتضي لزوم الصلاة ، وإجارة المكان للصلاة لا تقتضي لزوم الصلاة. مضافاً إلى أن استحقاق الصلاة ولزومها بالإجارة لا يقتضي بطلانها ، كما في صلاة الأجير.

[٢] كما عن جامع المقاصد ، لأن المسجد اسم للموقوف مؤبداً لذلك. وعن الأردبيلي : دعوى كوى المسجد أعم من الموقوف مؤبداً وغيره كالمقام ، خصوصا في المدة الطويلة كمائة سنة. لكنه كما ترى مخالف لظاهر الاتفاق على اعتبار التأبيد ، كما يظهر من كلماتهم في الصلاة. مع أن الشك في ذلك كاف في عدم ترتب الأحكام ، للأصل. وإطلاق أدلتها يسقط عن الحجية ، إذ ليس المراد منه المعنى اللغوي ضرورة ، بل المراد منه مفهوم شرعي ، فمع الشك في حصوله يرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر.

[٣] لا إشكال في أن عنوان المسجد من العناوين القائمة بنفسها ، لا ترتبط بفعل المكلف ، ولذا لو خرب المسجد لم تبطل مسجديته وإن تعذرت الصلاة فيه. بخلاف ما لو خرب المكان الذي وقف على أن يكون مصلى ، فإنه إذا تعذرت الصلاة فيه فقد تعذرت المنفعة المقصودة من الوقف ، فتبطل وقفيته. ثمَّ إنه إذا اعتبر الدوام في المسجدية فلا مجال‌

١١٩

( مسألة ٣ ) : يجوز استئجار الدراهم والدنانير للزينة [١] أو لحفظ الاعتبار ، أو غير ذلك من الفوائد التي لا تنافي بقاء العين.

( مسألة ٤ ) : يجوز استئجار الشجر لفائدة الاستظلال ونحوه [٢] كربط الدابة به ، أو نشر الثياب عليه.

( مسألة ٥ ) : يجوز استئجار البستان لفائدة التنزه ، لأنه منفعة محللة عقلائية.

( مسألة ٦ ) : يجوز الاستئجار لحيازة المباحات [٣]

______________________________________________________

للإجارة المذكورة ، وإن لم يعتبر لا حاجة إلى اعتبار أن تكون المدة طويلة.

[١] كما صرح به في الشرائع وغيرها. وعن مجمع البرهان : « لا شك فيه لو حصل نفع مقصود محلل ، لإطلاق أدلة الإجارة ». وهو في محله. أما إذا لم يكن لها نفع كذلك فلا ينبغي التأمل في البطلان ، لأن أكل الأجرة حينئذ يكون أكلاً للمال بالباطل. وفي الجواهر : « واحتمال عدم الجواز حتى مع تحقق المنفعة ، للشك في تناول مثل ذلك ، في غير محله ، كاحتمال عدم جواز إجارتهما لعدم صحة وقفهما ، وعدم ضمان منفعتهما لو غصبا. وفيه : أولاً .. » إلى آخر ما ذكر في الاشكال من منع الملازمة ومنع عدم جواز الوقف ، ومنع عدم الضمان.

[٢] كما صرح به في الجواهر ، لما ذكر فيما قبله.

[٣] هذه المسألة مذكورة في الشرائع في أواخر كتاب الشركة ، وقد اختار فيها الجواز. وفي القواعد قال : « في جواز الاستئجار على الاحتطاب أو الاحتشاش أو الالتقاط نظر ، ينشأ من وقوع ذلك للمؤجر أو المستأجر ».

١٢٠