تفسير الثمرات اليانعة - ج ٣

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٣

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

تفسير

سورة التوبة

٣٨١
٣٨٢

سورة التوبة

قوله تعالى

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ)

هذه السورة لها أسماء متعددة ، منها التوبة ؛ لأن فيها التوبة على المؤمنين ، ومنها المشقشقة (١) ، أي المبرئة من النفاق ، ومنها المبعثرة لأنها تبعثر عن أمر المنافقين ، والفاضحة والمخزية ، والمثيرية ، والحافرة ، والمدمدمة ، وسورة العذاب ، وهو يؤخذ من تسمية العلماء لها لأسماء جواز أن يسمى الرجل وغيره بأسماء كثيرة ، وبأسماء وكنى ، لكن قد ورد للتسمية آداب في تحسينها ، وورد النهي عن الجمع بين التسمية باسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتكني بكنيته.

وقد اختلف أهل العلم لم حذفت البسملة وخالفت جميع السور؟ فقيل : لأنها والأنفال سورة واحدة ، وأنهما يعدان السابعة من الطول ، وهذا رواه في الكشاف عن بعض الصحابة ، وفي التهذيب عن سعيد بن المسيب.

قال الحاكم : وليس بشيء ؛ لأن النقل المستفيض أنهما سورتان.

__________________

(١) وفي نسخة المقشقشة.

٣٨٣

وقيل : إن ابن عباس سأل عثمان عن ذلك فقال عثمان : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا نزلت آية قال : «اجعلوها في موضع كذا وكذا في السورة» وتوفى رسول الله ولم يبين أين توضع وهي آخر سورة نزلت ، وكانت قصتها مشابهة لقصة الأنفال ، فلذلك قرنت بها فكانتا يدعيان القرينتين ، وهذا قريب من الأول.

قيل : وترك بينهما فرجة لقول من قال : إنهما سورة ، قال : وحذفت البسملة لقول من قال : إنهما سورة واحدة ذكر ذلك جار الله.

قال الحاكم : وهذا لا يصح ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخرج من الدنيا حتى تم الدين ، وبين مواضع القرآن.

وقيل : مواضع الآيات ، والوصل والفصل بينهما ، ومواضع السور ، كل ذلك طريقه الوحي ، والبسملة هنا لم تنزل ، وإنما لم تثبت لأن بسم الله الرحمن الرحيم للأمان والرحمة ، وبراءة نزلت لرفع الأمان ، وهذا مروي عن عليه‌السلام علي عليه‌السلام ، وسفيان بن عيينة ، وأبي العباس.

قال ابن عيينة : ولهذا قال في سورة النساء : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً)(١).

وأما كونه صلّى الله عليه يكتب إلى أهل نجران : (بسم الله الرحمن الرحيم) ، فإنما كان ذلك لأنه ابتداء الدعاء لا نبذ العهد.

والنبذ هو : البراءة واللعنة ، وأهل الحرب لا يسلم عليهم ، ولا يقال لأحدهم : لا بأس عليك ، لا تخف ، إلا وكان أمانا له.

وهذا يتضمن حكما شرعيا ، وهو أن التسمية في نبذ العهد لا تذكر في الكتاب بالنبذ ، وأن السّلام على أهل الحرب كالأمان لهم.

__________________

(١) في قصة محلم بن جثامة الليثي ، قد تقدمت مستوفاة هناك ، في تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ) الآية في النساء.

٣٨٤

واختلف أهل التفسير في سبب نزول هذه الآيات ، فقيل : عاهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أحياء من العرب وهم : خزاعة ، وبنو مدلج ، وبنو خزيمة سنتين ، فنزلت فيهم ، وجعل لهم أربعة أشهر أجلا ، ولم يعاهد أحدا بعد ذلك ، وهذا مروي عن مقاتل.

وقيل : في المشركين عموما ، وهذا مروي عن الحسن.

وقيل : نزلت في أهل مكة ؛ لأنهم عاهدوا عام الحديبية على وضع الحرب عشر سنين ، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله ، ودخل بنو بكر في عهد قريش ، فعدت بنو بكر على خزاعة ، وأعانهم قريش فظاهروهم ، فجاء عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة حتى وقف بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنشد أبياتا وهي :

لا هم أني ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ذمامك المؤكدا

هم بيتونا بالحطيم هجدا

وقتلونا ركعا وسجدا

وهم أذل وأقل عددا

فانصر هداك الله نصرا مددا

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا نصرت إن لم أنصرك» وهذا عن مجاهد ، وابن إسحاق.

ولهذه الجملة ثمرات : منها جواز نقض المعاهدة من المسلمين للمشركين ، ولكن اختلف العلماء في الحال التي يجوز فيها نقض العهد فقال الأكثر : وهو الظاهر من المذهب إن الوفاء بما عقد عليه من العهد واجب ، وإنما يجوز نقضه لأحد أمور ثلاثة :

الأول : أن يكون مشروطا بشرط أنه يبقى إلى أن يرفعه الله تعالى بوحي ، ويروى أنه عاهد على هذا الشرط.

٣٨٥

وروي أنه صالح قوما من الكفار فقال : «أقركم ما أقركم الله» ذكر هذا في الشفاء.

الأمر الثاني : أن تظهر منهم خيانة ونبذ ، وهذا ظاهر كما فعله بنو بكر وقريش ، وكذا إذا خاف الخيانة لقوله تعالى في سورة الأنفال : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ).

الثالث : أن يكون مؤجلا فتنقضي المدة ، وروى هذا في التهذيب عن أبي علي ، والقاضي.

قال الحاكم : وإذا كان النبذ منهم جاز أن يغير الإمام عليهم ، من غير إعلامهم لا إن كان من الإمام فلا يجوز إلا بعد الإعلام.

وروي عن أبي حنيفة وأصحابه : أنه يجوز النبذ عموما إذا رآه صلاحا (١).

قال : وإذا كان العهد على مال فلا بأس أن ينقضه إلا أنه يرد حصة ما بقي من المدة.

ومنهم من قال : يجوز النبذ مطلقا ، فهذا حكم من أحكام الجملة المذكورة.

ومنها حكم جواز الصلح مدة مؤقتة ، وإما على التأبيد فقد ادعى في الشرح الإجماع على أنه لا يجوز ، وقد ذكره أبو حنيفة ، والشافعي ؛ لأن ذلك يؤدي إلى إبطال المقصود من القتل أو الإسلام ، أو الجزية ، وقد قال المنصور بالله : إنه يكفر من استحل التأبيد.

قال في الانتصار ، ومهذب الشافعي : وأكثر المدة عشر سنين كما فعله صلّى الله عليه مع أهل مكة.

__________________

(١) وإن لم يجد خيانة.

٣٨٦

وقال في التهذيب : يجوز أن يوادع أكثر من عشر.

وفي الشفاء في صلح الحسن لمعاوية أنه في حكم المؤقت ؛ لأنه صالح مدة عمره وهي معلومة من عند الله ، وفي هذا نظر ، ولعله يوجه بغير هذا ، وأنه ليس بصلح ، ولكن ترك الأمر والقيام لمصلحة (١).

وأما دعاء النبي : «لا نصرت إن لم أنصرك» (٢) ....

وأما قوله تعالى : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) أي يسيرون آمنين أين ما شاءوا.

واختلف في الأربعة الأشهر.

فقيل : إنها الحرم ، وأنها نزلت في شوال.

وقيل : نزلت في العاشر من القعدة ، وقيل : العاشر من الحجة ، فالأول مروي عن ابن عباس ، وأبي مسلم ، والزهري.

واختلفوا هل الأربعة عامة لمن له عهد ولغيره ، أو لمن له عهد ، فأما من لا عهد له فأجله انسلاخ الأشهر الحرم ، وذلك خمسون يوما ، من عاشر الحجة.

قال الحاكم : قيل : وإنما أمر بتأجيلهم لينتشر النبذ ويظهر ؛ لئلا ينسب إلى المسلمين النكث.

قال في الكشاف : وهذه الصيانة عن القتال في الأشهر الحرم منسوخة عند الأكثر.

__________________

(١) وهو عدم وجود الناصر ، وخشية الاستئصال به وبأهل بيته وشيعته.

(٢) هكذا في الأصل.

٣٨٧

قوله تعالى

(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)

هذا لفظه الخبر ، والمراد به الأمر بالإعلام لئلا ينسب المسلمون إلى الخيانة والنكث ، فيعلم المشركون بالنبذ.

وقيل : الإعلام من الله ورسوله للمسلمين ليستعدوا للجهاد.

وقوله تعالى

(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ).

قيل : نزل الاستثناء في حي من كنانة لم ينقضوا ، أو كان قد بقي من مدتهم تسعة أشهر فأمر بإتمامها ، وهذا يدل أنه يجب الوفاء بالعهد إلا لأحد الأمور الثلاثة.

وقوله تعالى : (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) اختلف في هذا اليوم فقيل : أراد به يوم عرفة ، وهذا مروي عن علي ، وابن عباس ، وعمر ، وعطاء ، ومجاهد ، وابن الزبير ، وابن الحنيفة ، وطاوس.

وروي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب يوم عرفة وقال : «هذا يوم الحج الأكبر».

وروي أن علي عليه‌السلام قرأ على الناس هذه البراءة يوم عرفة.

وقيل : إنه يوم النحر ، وذلك رواية ثابتة عن علي ، وابن عباس ، وهو مروي عن سعيد بن جبير ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وإبراهيم ، ومجاهد ، وعبد الله بن شداد ، وقيس بن عباد (١) ، والشعبي ، والسدي ، وابن زيد.

__________________

(١) قيس بن عباد بضم العين ، وتخفيف الباء الموحدة ، هو بصري روى عن علي ، وعمر ، وأبي بن كعب ، وروى عنه الحسن البصري. جامع الأصول.

٣٨٨

وروي أن عليا عليه‌السلام نادى يوم النحر : لا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يحجن بعد هذا العام مشرك.

وقيل : أيام الحج كلها ، عن مجاهد ، وسفيان ، كما قال يوم صفين ، ويوم الجمل ، ويوم بعاث ، ويراد به الحين والزمان.

قال ابن سيرين : أراد وقت الحج ، وهو العام الذي حج فيه رسول الله اتفق فيه حج الملل.

واختلفوا لم سمي الحج الأكبر؟ فقيل : لأن عرفة وقت للوقوف ، وهو الذي يفوت الحج بفواته ، ولهذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحج عرفة».

وقيل : يوم النحر ؛ لأنه يؤدى فيه أكثر أعمال الحج ، وتراق فيه الدماء ، ويقع فيه الإحلال.

وقد فسر الأكبر بالوقوف ، والأصغر بالنحر ، عن عطاء ، ومجاهد ، والزهري ، والشعبي ، والأصم.

وقيل : الأكبر القران ، والأصغر الإفراد عن مجاهد.

قوله تعالى

(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)

ثمرات هذه الجملة الكريمة أحكام ، بعضها دلالته دلالة مفهوم وفحوى.

وبعضها دلالته دلالة صريح ومنطوق.

٣٨٩

الحكم الأول

يتعلق بقوله : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) مفهوم ذلك أن قبل انسلاخها لا يجوز شيء مما ذكر وهو القتل ، والأخذ ، والحصر.

واختلف ما أريد بالأشهر فقيل : هي ثلاثة سرد ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، وواحد فرد وهو رجب ، وهذا قول جماعة من المفسرين ، واختاره أبو علي.

وقيل : أراد بالأشهر الحرم وهي شهور العهد ، وسميت حرما لأن الله تعالى حرم فيها القتال ، ودماء المشركين عن مجاهد ، وابن إسحاق ، وابن زيد.

واختلفوا في تعيينها ، فقيل : من عشر ذي الحجة إلى عشر من ربيع الآخر ، عن الحسن.

قال : وسميت حرم لابتدائها في أشهر الحرم.

وقيل : من عشر ذي القعدة إلى عشر من ربيع الأول ، وكانوا حجوا في تلك السنة في ذي القعدة ، للنسيء.

وقيل : أراد انسلاخ المحرم فإنه إذا انسلخ جاز قتل من لا عهد له عن الأصم ، فإن حمل هذا على من له عهد فلا إشكال في تحريم قتله في وقت العهد وذلك مجمع عليه معلوم ، وإن حمل على أن المراد الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال فتحريم القتل منسوخ ..

الحكم الثاني

مأخوذ من منطوق اللفظ وصريحه ، وهو جواز القتل والأسر والحصر بعد انسلاخ المدة المذكورة ، فقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) يعني : على أيّ حال ، سواء كان في الحل أو الحرم ، عن الأصم ، وسواء كان القتل سرا أو علانية ، ذكره الحاكم.

٣٩٠

وما ذكر في الحديث وهو قوله عليه‌السلام ـ : «الإيمان قيد الفتك» وفسر الفتك بأنه القتل غيلة ، حتى قيل : إن المسلم بعد هذا كان إذا وجد الكافر نائما أيقظه ليقتله ، فلعل الجواب [أن هذا مقيد بمن له عهد ، وأما من لا عهد له فيجوز قتله](١).

وقوله تعالى : (وَخُذُوهُمْ) أراد به الأسر.

وقوله تعالى : (وَاحْصُرُوهُمْ) قال جار الله : قيدوهم وامنعوهم من التصرف في البلاد.

وعن ابن عباس : حصرهم أن يحال بينهم وبين المسجد الحرام.

وقوله تعالى : (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) أي : كل طريق للقتل والأسر.

وقد اختلف العلماء هل هي ناسخة أو منسوخة ، أو لا ناسخة ولا منسوخة؟

فمقتضى كلام الحاكم أنها لا ناسخة ولا منسوخة ؛ لأن الجمع من غير منافاة ممكن ، فحيث ورد في القرآن ذكر الإعراض المراد به إعراض إنكار لا تقرير.

وأما الأسر والفداء فالمراد أنه خير بين ذلك ، لا أن القتل حتم ، إذ لو كان حتما لم يكن للأخذ معنى بعد القتل.

وقيل : إنها ناسخة لما ورد من ذكر الإعراض والعفو والصيانة عن القتل في الأشهر الحرم ، ومثلها قوله تعالى في سورة الأنفال : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) الآية.

وقد ذكر القاضي عبد الله بن محمد بن أبي النجم في كتابه (التبيان) :

__________________

(١) ما بين القوسين موجود في حاشية في الأم المنقول عليها.

٣٩١

أنها ناسخة لما ورد من الإعراض والصفح بإجماع علماء العترة ، وقد قيل : إنها ناسخة من القرآن مائة وأربعا وعشرين آية.

والقول الثالث مروي عن الضحاك ، أنها منسوخة بقوله تعالى في سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً).

قال الحاكم في رد هذا : ولا شبهة أن براءة نزلت بعد سورة محمد. وقد تقدم ذكر الخلاف في جواز المن والفداء ، وأن أبا حنيفة منع من ذلك ، والصحيح من المذهب والشافعي جواز ذلك ، وأن الإمام يفعل الأصلح.

قال الأصم : ما ذكر تعالى من القتل والأسر والحصر تغليظ على من نقض العهد.

تنبيه

إن قيل : الآية واردة فيمن نقض العهد أو في المشركين عموما؟ فيدخل في ذلك كفار العرب ، وأنه يجوز أسرهم عموما ، وقد قلتم : إنما يجوز سبي الذراري والنساء دون البالغ من الذكور الذين لا كتاب لهم ، ففي ذلك دلالة على قول مالك ، وظاهر قول الهادي إن الجزية تؤخذ من كل كافر ، وقد قال المؤيد بالله من جاز أن يؤمن بالجزية جاز سبيه ، خلاف تحصيل الأخوين ، وأبي العباس ، وأبي حنيفة : إن الجزية لا تؤخذ من عربي لا كتاب له ، ولا يجوز أن يسبى (١).

الحكم الثالث

يتعلق بقوله تعالى : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) وتحقيق هذا الحكم أن من تاب من المشركين وأقام الصلاة وآتى الزكاة خلي سبيله.

__________________

(١) صدّر السؤال ولم يذكر له جوابا. فلينظر.

٣٩٢

قال ابن عباس : معناه دعوهم وإتيان المسجد الحرام.

وقيل : دعوهم يتصرفون في دار الإسلام لهم ما للمسلمين.

وقيل : والمراد فكفوا عنهم ولا يتعرض لهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : يغفر لهم ما تقدم من الكفر والغدر.

وهاهنا بحث وهو أن يقال : الأمر بتخلية السبيل متعلق على شروط ثلاثة وهي : التوبة ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فحيث لم يحصل جاز ما تقدم من القتل والأخذ والحصر ، فهل تقولون بذلك أو لا تقولون به ، فما الوجه في مخالفة ما اقتضاه الظاهر؟

قلنا : هذه المسألة مبنية على أصل وهو إثبات منزلة بين منزلتين ، فمن ارتكب كبيرة لم يحكم عليه بالكفر ، ولا تثبت له أحكام الكفار ، ولذلك أجمع الصحابة على إقامة الحدود على من شرب أو زنى أو سرق ، ولم يجعلوا ذلك يوجب انفساخ نكاحه ، وكذلك أثبتوا اللعان ولم يجعلوا زنا الزوجة ، ولا قذف الزوج إن كان كاذبا موجبا للفسخ ، وهذا مذهب المعتزلة ، وهو الظاهر من مذهب الأئمة.

وقالت الخوارج : إن الفاسق كافر.

وقال الحسن : إنه منافق.

وقال المرجئة : إنه مؤمن.

والفقيه عبد الله بن زيد روى عن كثير من الأئمة أنه كافر ، ونفي المنزلة بين المنزلتين واستيفاء الحجج في الكتب الكلامية ، فإذا ثبت أن قاطع الصلاة وتارك الزكاة لا يقتل لكفره ففي الآية وجوه :

الأول : عن الأصم إن ما ذكر في الآية تغليظ في حق الناكث.

الثاني : أن المراد بالإقامة الإقرار بهما ، وأما القتل فتارك الصلاة لا يقتل ، وهذا قول المؤيد بالله وأبي حنيفة ، وقيل : إنما ذكر ذلك مع

٣٩٣

التوبة ، لمقابلة التخلية بالغفران ، فبيّن الشرائع مع التوبة ، ونبّه بالصلاة والزكاة على ما سواهما.

وقيل : لا بد من إظهار التوبة ، وظهورها بفعل الصلاة وسائر أركان الإسلام ، لا أنه يقبل من قد ظهر إسلامه ، وإن أخل بالصلاة.

وقيل : من أخل بالصلاة والزكاة معا يقاتله الإمام ؛ لأن له حقا ، ولهذا قال أبو بكر في بني حنيفة : لو منعوني عقالا ، وروي عناقا لقاتلتهم عليه ، واحتج بهذه الآية.

وروي أن عليا عليه‌السلام احتج بها في قتال أهل البغي.

قال الحاكم ما معناه : إن أبا بكر إنما قاتل مانعي الزكاة لإنكارهم لها ، فكان ذلك رده ، إذ لو لم يكن إلا مجرد المنع مع الإقرار ، فإنه وإن قوتل لم يسب ولم يستبح ماله.

أما لو فرض قطع الصلاة ممن قد ظهر إسلامه ، فعن أحمد وإسحاق ، وعبد الله بن المبارك ، وأبي أيوب السجستاني (١) أنه يكفر ، وهو الذي يأتي على أصل الفقيه عبد الله بن زيد ، وظاهر الآية احتجوا به.

والمذهب والجلة من العلماء أنه لا يكفر ، لكن عند الهادي ، والقاسم ، والشافعي حده القتل ، وعند المؤيد بالله ، وأبي حنيفة لا يقتل ، لقوله : «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنى بعد إحصان ، وكفر بعد إيمان ، وقتل نفس بغير حق».

وقوله عليه‌السلام : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله تعالى».

__________________

(١) وفي نسخة (أبي أيوب السختياني) وهو هكذا في جامع الأصول بفتح السين ، وكسر التاء ، قال أبو عمرو بن عبد البر ، كان أيوب السختياني يبيع الجلود بالبصرة ، ولهذا قيل السختياني.

٣٩٤

الحكم الرابع

يتعلق بقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) وتحقيق هذا الحكم أن الكافر إذا جاء يسمع كلام الله ويتدبره ولا عهد له ، أو انقضى عهده فإنه يجب أمانه حتى يسمع ، فإن أسلم ثبت له ما للمسلمين ، وإن أبى فإنه يرد إلى مأمنه ، ثم يقاتل بعد ذلك ، وهذا الحكم ثابت في كل وقت عن الحسن إلى يوم القيامة.

وعن سعيد بن جبير : جاء رجل من المشركين إلى علي عليه‌السلام فقال : إذا أراد الرجل منا أن يأتي محمدا بعد انقضاء هذا الأجل يسمع كلام الله أو يأتيه لحاجة قتل؟ فقال : لا ، لأن الله تعالى يقول : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) الآية.

وعن السدي والضحاك : هي منسوخة بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ).

قال الحاكم : وإنما يجار ويؤمن إذا لم يعلم أنه يطلب الخداع والمكر ؛ لأنه تعالى علل لزوم الإجارة حتى يسمع كلام الله بأنهم قوم لا يعلمون.

قال الحاكم : وتدل على أنه يجوز للكافر دخول المسجد لسماع كلام الله.

وظاهر مذهب الهادي والشافعي لا يجوز محتجين بقوله تعالى في هذه السورة : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) وما ثبت فيه ثبت في سائر المساجد.

قوله تعالى

(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)

٣٩٥

هذا استفهام بمعنى الإنكار والاستبعاد ، وفي ذلك دلالة على ما تقدم في جواز نقض العهد في الحال المذكور ، وهي الخيانة من المعاهدين.

وقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أراد بني كنانة وبني ضمرة ؛ لأنهم لم ينقضوا.

وقوله تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) يدل على لزوم الوفاء مع الاستقامة ، وجواز النبذ مع عدم الاستقامة.

قال الحاكم : وأراد بالمسجد مسجد مكة ، فيكون هذا قولا رابعا في بيان قوله : «صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة في غيره».

قوله تعالى

(اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)

الاشتراء الاستبدال.

وقوله : (بِآياتِ اللهِ) قيل : بحججه ، وقيل : القرآن ، وقيل : التوراة ، وسبب نزولها أن أبا سفيان كان يجمع الأعراب على الضيافة ليصد الناس بذلك ، عن مجاهد ، وقيل : في قوم من اليهود نقضوا العهد عن أبي علي.

وثمرتها تحريم العوض على ترك الدين.

قال الحاكم : وهو من الكبائر ، وقد ذكر الإمام يحيى بن حمزة في الرشوة للحاكم أنها توجب الفسق.

وقوله تعالى : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ) دلالة على قبول التوبة في كل معصية من قتل أو غيره ؛ لأنها إذا قبلت في الكفر ففي دونه أولى ، إذ لا ذنب أعظم من الكفر ، ويدل على أن مجرد الندم لا يكفي في التوبة ، بل لا بد أن يضم أداء الشرائع ، هكذا في التهذيب.

٣٩٦

وقوله تعالى

(وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ)

دلت بتصريحها على جواز قتالهم بعد النكث ، وبالمفهوم أنه لا يجوز قتله.

وأما جواز نبذ العهد بعد النكث فجائز ، وأما قبل النكث فعن أبي علي والقاضي لا يجوز.

وعن أبي حنيفة يجوز إذا عرفت المصلحة فيه.

ويدل على أن الطعن في دين المسلمين يبيح قتالهم ؛ لأن ذلك نقض للعهد.

قال في التهذيب والكشاف : ولهذا قالوا من صرح بالرد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو شتمه أو عاب دينه كان ناقضا للذمة.

وقوله : (إِلًّا) قيل : حلفا وقيل : قرابة ، وقيل : إلها.

قوله تعالى

(أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ)

ثمرات الآية تأكيد قتال الناكثين ؛ لأنه أمر لكنه أكده ب (أَلا) وأنه يجوز القتال للكفار لإذلالهم ، ولشفاء صدور المؤمنين ، وذهاب غيظ قلوبهم.

٣٩٧

قال الحاكم : فيجوز إظهار السرور بموت الظلمة ، وما يصيبهم من البلاء ، وقد قيل : إنه نزل قوله تعالى : (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) في خزاعة.

وعن قتادة : لما غدر بنو بكر من كنانة حلفاء لقريش بخزاعة ، وهم حلفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأعانتهم قريش ، فلما كان يوم الفتح قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كفوا السلاح إلا خزاعة من بني بكر فقاتلوهم حتى العصر ثم قال : كفوا السلاح».

وعن ابن عباس : هم قوم من أهل اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا ، فلقوا من أهلها أذى شديدا ، فبعثوا إلى رسول الله يشكون إليه فقال : «ابشروا فإن الفرج قريب ، ويذهب غيظ قلوبكم بما لقيتم منهم».

وفي هذا تنبيه ، وهو أن يقال : قد ذكر أن الذي يقيم الحد لا يقصد التشفي ، وأن عليا عليه‌السلام كف عن رجل من الكفار لما أذاه خشية أن يتشفى بقتله (١).

قوله تعالى

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً)

المعنى : أم ظننتم أن يترككم الله هملا فلا يأمركم بالجهاد ، وقيل : تدعون أنكم مؤمنون باللسان ولا يمتحنكم بوجوب الجهاد ، والمعنى ولم يعلم ، والمراد بنفي العلم نفي المعلوم ، كقول القائل : ما علم الله مني ما قيل.

__________________

(١) لعله يقال : كف عن قتله لأن القتل للتشفي يبطل الثواب وإن كان جائزا وعلي عليه‌السلام تجنب أن لا يقتل إلا امتثالا لأمر الله وابتغاء لثوابه لا لغرض دنيوي. والله أعلم.

٣٩٨

والوليجة : البطانة ، وقيل : الخديعة ، وقيل : خيانة.

وثمرتها وجوب الجهاد ، وتحريم النفاق ، وتحريم موالاة الكفار والفساق.

قوله تعالى

(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ إنما خالِدُونَ يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ)

النزول

روي عن ابن عباس أنها نزلت في العباس.

وقيل : في العباس ، وطلحة بن شيبة ، وذلك لأنهما أسرا يوم بدر ، وعيرا بالشرك وقطيعة الرحم ، فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوئنا وتتركون محاسننا ، ونحن نعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني.

قراءة ابن كثير وأبي عمرو (مسجد الله) على الوحدة ، والمراد : المسجد الحرام.

وقراءة الباقين مساجد على الجمع ، وإنما جمع لأنه قبلة المساجد كلها ، وإمامها فعامره عامرها ، عن الحسن.

وقال عكرمة : إن الصفاء والمروة من مساجد الله ، أو أراد الجنس ؛ لأنهم إذا لم يصلح أن يعمروا جنسها دخل تحت ذلك أن لا يعمروا المسجد الحرام الذي هو أصلها.

قال جار الله : وهذا آكد ؛ لأنه من طريق الكناية ، كما لو قلت : فلان لا يقرأ كتب الله ، كنت أنفى لقراءته القرآن من تصريحك بذلك.

٣٩٩

وثمرة الآية أن عمارة المساجد التي هي إحياؤها بالذكر والصلاة وسائر العبادات لا تصح من الكافر ، وتحرم عليه ، هكذا ذكره الحاكم.

وأما عمارته التي هي رمّه فهي تصح من المسلم والكافر ، إلا أن يحمل على أنه لا يقبل منه ، وفي هذا دليل أن قرب الكافر لا تصح ، فلا يصح وقفه ولا نذره ، ولا أن يسبل مسجدا ، وقد ذكر أبو طالب ، والمنصور بالله في مساجد المشبهة أنها لا تكون مساجد ، ولا يصح الوقف عليها ، ويجوز هدمها ، والمنصور بالله هدم بعض مساجد المطرفية ، وسبّل بعضها ، ويدل على ذلك تخريب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمسجد الضرار.

قال في (الروضة والغدير) : وقد ظهر عن المنصور بالله ، والمتوكل على الله أن مساجد المطرفية من جملة ديارهم.

قال : ولما استولى السيد مجد الدين في وقت المنصور بالله على المهجم تملك الجامع ثم سبله معتقدا أنه من جملة ديار الجبرية ، وأقره المنصور بالله ، وأبوه محمد بن أحمد ، وعمه يحيى بن أحمد ، وسائر علماء وقته.

وأما دخول الكافر المسجد فقال الحاكم : هذه الآية لا تمنع منه ؛ لأنه ليس من العبادة.

وقوله تعالى : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وقرئ في الشاذ مسجد الله بالتوحيد ، وقد فسر ذلك بالكعبة ، والظاهر العموم ، والمعنى لا يكون معتدا بها إلا من هؤلاء لا من الكفار.

قال جار الله : والعمارة تناول رمّ ما استرم منها ، وقمّها (١) ، وتنظيفها ، وتنويرها بالمصابيح ، وتعظيمها ، واعتيادها بالعبادة والذكر ،

__________________

(١) القم : إزالة القمامة ، بالكنس والتنظيف.

٤٠٠