تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

فلما أخبر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كفار مكة استهزءوا منه تكذيبا بالعذاب يقول الله ـ عزوجل ـ : (فَحاقَ «بِالَّذِينَ») (١) يعنى فدا ربهم (سَخِرُوا مِنْهُمْ) (٢) (ما) يعنى الذي (كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ـ ٤١ ـ بأنه غير نازل بهم (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ) يقول من يحرسكم (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ) عذاب (الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) ـ ٤٢ ـ يعنى القرآن ، معرضون عنه ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ) نزلت فى الحارث بن قيس السهمي وفيه نزلت أيضا فى الفرقان (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ...) (٣) فقال ـ سبحانه ـ : «أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ» (تَمْنَعُهُمْ) من العذاب (مِنْ دُونِنا) يعنى من دون الله ـ عزوجل ـ فيها تقديم ثم أخبر عن الآلهة فقال ـ تعالى ـ : (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) يقول لا تستطيع الآلهة [١٤ ب] «أن» (٤) تمنع نفسها من سوء أريد بها ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَلا هُمْ) يعنى من يعبد الآلهة (مِنَّا يُصْحَبُونَ) ـ ٤٣ ـ يعنى ولا هم منا يجارون يقول الله ـ تعالى ـ لا يجيرهم منى «ولا يؤمنهم منى» (٥) أحد (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ) يعنى كفار مكة (وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ) يعنى أفهلا يرون (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) يعنى أرض مكة (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) «يعنى نغلبهم

__________________

(١) فى أ ، ل ، ز «بهم» لكنها فى القرآن «بالذين».

(٢) «سخروا منهم» : ساقطة من الأصل.

(٣) سورة الفرقان ٤٣ وتلاحظ أن أ ، ل ، ز ، أوردت الآية «أفرأيت ...» وصوابها «أفرأيت ...».

(٤) أن : من ز ، وساقطة من أ.

(٥) ما بين القوسين «...» من ز ، وليس فى أ.

٨١

على ما حول أرض مكة» (١) (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) ـ ٤٤ ـ يعنى كفار مكة أو النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والمؤمنون؟ بل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأصحابه ـ رضى الله عنهم هم الغالبون لهم ، «وربه محمود» (٢) (قُلْ) لكفار مكة : (إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) بما فى القرآن من الوعيد (وَلا يَسْمَعُ) يا محمد (الصُّمُّ الدُّعاءَ) هذا مثل ضربه الله ـ عزوجل ـ للكفار يقول إن الأصم إذا ناديته لم (٣) يسمع فكذلك الكافر لا يسمع الوعيد والهدى (إِذا ما يُنْذَرُونَ) ـ ٤٥ ـ (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ) يقول ولئن أصابتهم عقوبة (مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) ـ ٤٦ ـ (وَنَضَعُ) الأعمال فى (الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) يعنى العدل (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) فجبريل ـ عليه‌السلام ـ يلي موازين أعمال بنى آدم (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) يقول لا ينقصون شيئا من أعمالهم (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ) يعنى وزن حبة (مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها) يعنى جئنا بها «بالحبة» (٤) (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) ـ ٤٧ ـ يقول ـ سبحانه ـ وكفى بنا من سرعة الحساب (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) يعنى التوراة (وَضِياءً) يعنى ونورا من الضلالة يعنى التوراة (وَذِكْراً) يعنى وتفكرا (لِلْمُتَّقِينَ) ـ ٤٨ ـ الشرك ثم نعتهم فقال ـ سبحانه ـ : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) فأطاعوه ولم يروه (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) ـ ٤٩ ـ يعنى من القيامة خائفين (وَهذا)

__________________

(١) ما بين القوسين «...» من ز ، وفى أ : يعنى تغلب على مكة ثم على أخرى.

(٢) ما بين القوسين «...» من ز ، وفى أ : والله ـ عزوجل ـ محمود.

(٣) لم : من ز ، وهي مشطوبة فى أ.

(٤) «بالجنة» : فى الأصل.

٨٢

القول (ذِكْرٌ) يعنى بيان (مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ) يا أهل مكة (لَهُ مُنْكِرُونَ) ـ ٥٠ ـ يقول ـ سبحانه ـ «لا تعرفونه فتؤمنون به (١).

(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) يقول ولقد أعطينا إبراهيم هداه فى السرب وهو صغير من قبل موسى وهارون (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) ـ ٥١ ـ يقول الله ـ عزوجل ـ وكنا بإبراهيم عالمين بطاعته لنا (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) آزر : (وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) ـ ٥٢ ـ تعبدونها (٢) (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) (٣) ـ ٥٣ ـ (قالَ) لهم إبراهيم : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ٥٤ ـ (قالُوا أَجِئْتَنا) يإبراهيم (بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) ـ ٥٥ ـ قالوا أجد هذا القول منك [١٥ أ] أم لعب يإبراهيم (قالَ) إبراهيم : (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) يعنى الذي خلقهن (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ) يعنى على ما أقول لكم (مِنَ الشَّاهِدِينَ) ـ ٥٦ ـ بأن ربكم الذي خلق السموات والأرض (وَتَاللهِ) يقول والله ، (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) بالسوء يعنى أنه يكسرها ، وهي اثنان وسبعون صنما من ذهب وفضة ونحاس «وحديد» (٤) وخشب (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) ـ ٥٧ ـ يعنى ذاهبين إلى عيدكم «وكان

__________________

(١) «لا تعرفونه فتؤمنون به» : من ز ، وفى أ : «لا يعرفونه فيؤمنون به».

(٢) «تعبدونها» من ز ، وفى أ : يقول التي أنتم لها عابدين ، وعليها علامة تمريض.

(٣) (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) : من ز ، وهي ساقطة من أ.

(٤) «وحديد» : من ز ، وليست فى أ.

٨٣

لهم» (١) عيد فى كل سنة يوما واحدا (٢) «وكانوا إذا خرجوا قربوا إليها الطعام ثم يسجدون» (٣) لها ثم يخرجون ، ثم إذا جاءوا من عيدهم بدءوا بها فسجدوا لها ثم تفرقوا إلى منازلهم (٤).

فسمع قول إبراهيم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رجل منهم ، حين قال : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) فلما خرجوا دخل إبراهيم على الأصنام والطعام بين أيديها (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) يعنى قطعا ، كقوله ـ سبحانه ـ (... عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (٥) يعنى غير مقطوع ، ثم استثنى (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) يعنى أكبر الأصنام فلم يقطعه وهو من ذهب ولؤلؤ وعيناه ياقوتتان حمراوان تتوقدان فى الظلمة لهما بريق كبريق النار وهو فى مقدم البيت ، فلما كسرهم وضع الفأس بين يدي الصنم الأكبر ، ثم قال : (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) ـ ٥٨ ـ يقول إلى الصنم الأكبر يرجعون من عيدهم ، فلما رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فإذا هي (٦) مجذوذة (قالُوا) يعنى نمروذ بن كنعان وحده ، هو الذي قال : (مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) ـ ٥٩ ـ لنا حين انتهك هذا منا قال الرجل الذي كان يسمع قول إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ حين قال : «وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ ...» (٧) (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) بسوء ، فذلك قوله

__________________

(١) «وكان لهم» من ز ، فى أ : وكل له.

(٢) يوما واحدا : من ز ، فى أ : يوم واحد.

(٣) يسجدون : من ز ، ل» فى أ : يسجدوا.

(٤) ما بين الأقواس «...» : من أ ، وليس فى ز.

(٥) سورة هود : ١٠٨.

(٦) فى أ : هن ، ز : هي.

(٧) سورة الأنبياء : ٥٧.

٨٤

يعنى الرجل وحده قال سمعت فتى يذكرهم بسوء إضمار (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) ـ ٦٠ ـ (قالُوا) قال نمروذ الجبار (١) : (فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) يعنى على رءوس الناس (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) ـ ٦١ ـ عليه بفعله ويشهدون عقوبته فلما جاءوا به (قالُوا) قال نمروذ : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ «هذا» (٢) بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ) ـ ٦٢ ـ يعنى أنت كسرتها : (قالَ) إبراهيم : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) يعنى أعظم الأصنام الذي فى يده الفأس غضب حين سويتم بينه وبين الأصنام الصغار فقطعها (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) ـ ٦٣ ـ يقول سلوا الأصنام المجذوذة من (٣) قطعها؟ إن قدروا على الكلام (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ) [١٥ ب] فلاموها (فَقالُوا) فقال بعضهم لبعض : (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) ـ ٦٤ ـ لإبراهيم حين (٤) تزعمون أنه قطعها والفأس فى يد الصنم الأكبر ، ثم قالوا بعد ذلك كيف يكسرها «وهو مثلها» (٥) ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) يقول رجعوا عن قولهم الأول فقالوا لإبراهيم (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) ـ ٦٥ ـ فتخبرنا من كسرها.

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أبو القاسم ، قال : الهذيل سمعت عبد القدوس ـ ولم أسمع مقاتلا ـ يحدث عن الحسن (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) يعنى على الرؤساء والأشراف.

__________________

(١) الجبار : من ز ، وليس فى أ.

(٢) «بهذا» : فى الأصل.

(٣) فى الأصل : فى.

(٤) حين : من ز ، وليست فى أ.

(٥) من ز ، وفى أ : وإنما هو مثلها.

٨٥

(قالَ) لهم إبراهيم عند ذلك : (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الآلهة (ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً) إن عبدتموهم (وَلا يَضُرُّكُمْ) ـ ٦٦ ـ إن لم تعبدوهم ، ثم قال لهم إبراهيم : (أُفٍّ لَكُمْ) يعنى بقوله أف لكم ، الكلام الرديء (١) (وَلِما تَعْبُدُونَ) من الأصنام (مِنْ دُونِ اللهِ) ـ عزوجل ـ (أَفَلا) يعنى أفهلا (تَعْقِلُونَ) ـ ٦٧ ـ أنها ليست بآلهة (قالُوا حَرِّقُوهُ) بالنار (وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ) يقول انتقموا منه (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) ـ ٦٨ ـ ذلك به فألقوه فى النار ، يعنى إبراهيم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويقول الله ـ عزوجل ـ (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً) من الحر (وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) ـ ٦٩ ـ يقول وسلميه من البرد ولو لم يقل «وسلاما» لأهلكه بردها (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) يعنى بإبراهيم حين خرج من النار ، فلما نظر إليه الناس بادروا ليخبروا نمروذ فجعل بعضهم يكلم بعضا فلا يفقهون كلامهم فبلبل الله ألسنتهم على سبعين لغة ، فمن ثم سميت بابل ، وحجزهم الله عنه (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (٢) ـ ٧٠ ـ (وَنَجَّيْناهُ) يعنى إبراهيم (وَلُوطاً) من أرض كوثا ومعهما سارة من شر نمروذ بن كنعان الجبار (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) ـ ٧١ ـ يعنى الناس إلى الأرض المقدسة وبركتها الماء والشجر والنبت (وَوَهَبْنا لَهُ) يعنى لإبراهيم (إِسْحاقَ) ، ثم قال : (وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) يعنى فضلا على مسألته فى إسحاق (وَكُلًّا جَعَلْنا) يعنى إبراهيم وإسحاق ويعقوب جعلناهم (صالِحِينَ) ـ ٧٢ ـ (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) يقول جعلناهم قادة للخير يدعون الناس إلى أمر الله ـ عزوجل ـ (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) يعنى الأعمال الصالحة

__________________

(١) فى أ : الرديء ، ز : القبيح.

(٢) ما بين القوسين «...» ساقط من النسخ.

٨٦

(وَإِقامَ الصَّلاةِ) [١٦ أ] (وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) ـ ٧٣ ـ يعنى موحدين (وَلُوطاً آتَيْناهُ) يعنى أعطيناه (حُكْماً) يعنى الفهم والعقلي (وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ) يعنى سدوم (الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ) يعنى السيئ» (١) من العمل إتيان الرجال فى أدبارهم فأنجى الله لوطا وأهله ، وعذب القرية» (٢) بالخسف والحصب (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ) ـ ٧٤ ـ (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا) يعنى نعمتنا وهي النبوة كقوله ـ عزوجل ـ (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ ...) (٣) بالنبوة (إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) ـ ٧٥ ـ (وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ) إبراهيم ولوطا وإسحاق وكان نداؤه حين قال : (... أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (٤) (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) دعاءه (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) ـ ٧٦ ـ يعنى الهول الشديد يعنى الغرق (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) فى قراءة أبى بن كعب «ونصرناه على القوم» (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) يعنى كذبوا بنزول العذاب عليهم فى الدنيا وكان نصره هلاك قومه (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) ـ ٧٧ ـ لم ننج منهم أحدا (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) يعنى الكرم (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) يعنى النفش بالليل والسرح بالنهار» (٥) (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) ـ ٧٨ ـ يعنى داود وسليمان ـ صلى الله عليهما ـ وصاحب الغنم وصاحب

__________________

(١) فى أ : السيئات ، ز : السيء.

(٢) فى أ ، ل : وعذبناها.

(٣) سورة الزخرف : ٥٩.

(٤) سورة القمر : ١٠ ، وتمامها : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ).

(٥) من أو فى ز : يعنى تنفش بالليل وتسرح بالنهار.

٨٧

الكرم ، وذلك أن راعيا جمع غنمه بالليل إلى جانب كرم رجل فدخلت الغنم الكرم فأكلته وصاحبها لا يشعر بها فلما أصبحوا أتوا داود النبي ـ عليه‌السلام ـ فقصوا عليه أمرهم ، فنظر داود ثمن الحرث ، فإذا هو قريب من ثمن الغنم ، فقضى بالغنم لصاحب الحرث فمروا بسليمان فقال : كيف قضى لكم نبى الله؟ فأخبراه ، فقال سليمان : نعم ما قضى نبى الله وغيره أرفق للفريقين فدخل رب الغنم على داود» (١) فأخبره بقول سليمان فأرسل داود إلى سليمان فأتاه فعزم عليه بحقه بحق النبوة ، لما أخبرتنى فقال عدل الملك ، وغيره أرفق فقال داود : وما هو؟ قال سليمان : تدفع الغنم إلى صاحب الحرث ، فله أولادها وأصوافها وألبانها وسمنها ، وعلى رب الغنم أن يزرع لصاحب الحرث مثل حرثه ، فإذا بلغ وكان مثله يوم أفسده دفع إليه حرثه وقبض غنمه» (٢) ، قال : داود نعم ما قضيت» (٣) فأجاز قضاءه» (٤) ، وكان هذا ببيت المقدس ، يقول الله ـ عزوجل ـ (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) يعنى القضية ليس يعنى به الحكم ولو كان الحكم لقال ففهمناه (وَكُلًّا) يعنى داود وسليمان (آتَيْنا) يعنى أعطينا (حُكْماً وَعِلْماً) [١٦ ب] يعنى الفهم والعلم فصوب قضاء سليمان ولم يعنف داود (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ) يعنى يذكرن الله ـ عزوجل ـ كلما ذكر داود ربه ـ عزوجل ـ ذكرت الجبال ربها معه (وَ) سخرنا له (الطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) ـ ٧٩ ـ ذلك بداود (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) يعنى الدروع من حديد وكان داود أول من

__________________

(١) فى أ ، دود ، ز ، ل : داود.

(٢) فى ز : أفسده ، دفع إليه غنمه.

(٣) فى أ : نعما قضيت ، ل ، ز : نعم ما قضيت.

(٤) من ل ، ز ، وفى أ : وأدار قضاءه.

٨٨

اتخذها (لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) يعنى من حربكم من القتل والجراحات (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) ـ ٨٠ ـ لربكم فى نعمه فتوحدونه استفهام. قال الفراء : يعنى فهل أنتم شاكرون؟ معنى الأمر أى اشكروا ، ومثله (... فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (١) أى انتهوا (وَ) سخرنا (لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) يعنى شديدة (تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) يعنى الأرض المقدسة يعنى بالبركة الماء والشجر (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ) مما أعطيناهما (عالِمِينَ) ـ ٨١ ـ (وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) لسليمان فى البحر فيخرجون له اللؤلؤ ، وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر (وَيَعْمَلُونَ) له (عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) يعنى غير الغياصة من تماثيل ومحاريب وجفان كالجراب وقدور راسيات (وَكُنَّا لَهُمْ) يعنى الشياطين (حافِظِينَ) ـ ٨٢ ـ على سليمان لئلا يتفرقوا عنه.

(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ) يعنى دعا ربه ـ عزوجل ـ (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) يعنى أصابنى البلاء (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ـ ٨٣ ـ (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) دعاءه (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ) فأحياهم الله ـ عزوجل ـ (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) وكانت امرأة أيوب ولدت قبل البلاء سبع بنين وثلاث بنات فأحياهم الله ـ عزوجل ـ ومثلهم معهم (رَحْمَةً) يقول نعمة (مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) ـ ٨٤ ـ يقول وتفكرا للموحدين فأعطاه الله ـ عزوجل ـ مثل كل شيء ذهب له يعنى أيوب ، وكان أيوب من أعبد الناس فجهد إبليس ليزيله عن عبادة ربه ـ عزوجل ـ فلم يستطع.

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٩١ وتمامها : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).

٨٩

(وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) ـ ٨٥ ـ (وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا) يعنى فى نعمتنا وهي النبوة (إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) ـ ٨٦ ـ يعنى من المؤمنين.

(وَذَا النُّونِ) يعنى يونس بن متى ـ عليه‌السلام ـ (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) يعنى مراغما لقومه ، لحزقيل بن أجار» (١) ومن معه من بنى إسرائيل ففارقهم من غير أن يؤمنوا (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) فحسب يونس أن لن نعاقبه بما صنع (فَنادى) يقول فدعا ربه (فِي الظُّلُماتِ) يعنى ظلمات ثلاث ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، فنادى : (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) [١٧ أ] يوحد ربه ـ عزوجل ـ (سُبْحانَكَ) نزه ـ تعالى ـ أن يكون ظلمه» (٢) ، ثم أقر على نفسه بالظلم ، فقال : (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ـ ٨٧ ـ يقول يونس ـ عليه‌السلام ـ : إنى ظلمت نفسي (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) دعاءه (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) يعنى من بطن الحوت (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٨٨ ـ.

قال أبو محمد» (٣) : قال أبو العباس ثعلب : قال الفراء : (أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) ونقدر عليه ، لمعنى واحد ، وهو من قوله قدرت الشيء ، لا قدرت» (٤) ، معناه من التقدير لا من القدر ، ومثله فى سورة الفجر (... فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ...) (٥) من التقدير

__________________

(١) فى أ : لحزقيا بن أجان ، ز : لحزقيل بن أجار.

(٢) فى أ : يظلمه ، ز : ظلمه.

(٣) «قال أبو محمد ...» وما بعدها ليس فى ل ، ولا فى ز ، وهو من أوحدها.

(٤) كذا فى أ.

(٥) سورة الفجر : ١٦.

٩٠

والتقدير لا من القدرة ، بلغنا أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : مكث يونس ـ عليه‌السلام ـ فى بطن الحوت ثلاثة أيام. وعن كعب قال : أربعين يوما» (١).

(وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ) يعنى دعا ربه فى آل عمران» (٢) ، وفى مريم» (٣) قال :

(رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً) يعنى وحيدا وهب لي وليا يرثني (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) ـ ٨٩ ـ يعنى أنت خير من يرث العباد (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) دعاءه (وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) يعنى امرأته فحاضت وكانت لا تحيض من الكبر (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) يعنى أعمال الصالحات ، يعنى زكريا وامرأته (وَيَدْعُونَنا رَغَباً) فى ثواب الله ـ عزوجل ـ (وَرَهَباً) من عذاب الله ـ عزوجل (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) ـ ٩٠ ـ يعنى لله ـ سبحانه ـ متواضعين.

(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) من الفواحش ، لأنها قذفت وهي مريم «بنة» (٤) عمران أم عيسى ـ صلى الله عليهما ـ (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) نفخ جبريل ـ عليه‌السلام ـ فى جيبها فحملت من نفخة جبريل بعيسى ـ صلى الله عليهم ـ (وَجَعَلْناها وَابْنَها) عيسى ـ صلى الله عليه ـ (آيَةً لِلْعالَمِينَ) ـ ٩١ ـ يعنى عبرة لبنى إسرائيل ، فكانا آية إذ حملت مريم ـ عليها‌السلام ـ من غير بشر ، وولدت عيسى من غير أب ـ صلى الله عليه ـ.

__________________

(١) من ز ، وفى أ ، ل : ويقال أربعين يوما عن كعب. أ. ه.

وما يروى عن كعب من الإسرائيليات التي لا يجوز النظر إليها خصوصا إذا ورد عن المعصوم (ص) ما يخالفه.

(٢) سورة آل عمران : ٣٨ وتمامها (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ.)

(٣) سورة مريم : ٢ ـ ٦ ، وتمامها (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ، إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا ، قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا».)

(٤) «ابنت» : فى الأصل.

٩١

(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) يقول إن هذه ملتكم التي أنتم عليها ، يعنى شريعة الإسلام هي ملة واحدة كانت عليها الأنبياء والمؤمنون الذين نجوا من عذاب الله ـ عزوجل ـ (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) ـ ٩٢ ـ يعنى فوحدون (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) فرقوا دينهم الإسلام الذي أمروا به فيما» (١) بينهم فصاروا زبرا يعنى فرقا (كُلٌّ) (٢) : كل أهل تلك الأديان (إِلَيْنا راجِعُونَ) ـ ٩٣ ـ فى الآخرة (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) يقول وهو مصدق بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) يعنى لعمله يقول يشكر الله ـ عزوجل ـ عمله (وَإِنَّا لَهُ) [١٧ ب] (كاتِبُونَ) ـ ٩٤ ـ يكتب له سعيه الحفظة من الملائكة (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ) فيما خلا (أَهْلَكْناها) بالعذاب فى الدنيا (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) ـ ٩٥ ـ يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية فى الدنيا (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ) يعنى أرسلت (يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) وهما أخوان لأب وأم وهما من نسل يافث بن نوح (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) ـ ٩٦ ـ يقول من كل مكان يخرجون من كل جبل وأرض وبلد ، وخروجهم عند اقتراب الساعة ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) يعنى وعد البعث أنه حق كائن (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ) يعنى فاتحة (أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالبعث لا يطرفون مما يرون من العجائب ، يعنى التي كانوا يكفرون بها فى الدنيا قالوا : (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) اليوم ، ثم ذكر قول الرسل لهم فى الدنيا أن البعث كائن ،

__________________

(١) فى أ : فيها ، وفى حاشية أ : فيما ، وفى ز : فيما.

(٢) فى أ ، ز ، ل «كل».

٩٢

فقالوا : (بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) ـ ٩٧ ـ أخبرنا بهذا اليوم فكذبنا به (إِنَّكُمْ) يعنى كفار مكة (وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) يعنى رميا فى جهنم ترمون فيها (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) ـ ٩٨ ـ يعنى داخلون (لَوْ كانَ هؤُلاءِ) الأوثان (آلِهَةً ما وَرَدُوها) يعنى ما دخلوها يعنى جهنم لامتنعت من دخولها (وَكُلٌ) يعنى الأوثان ومن يعبدها (فِيها) يعنى فى جهنم (خالِدُونَ) ـ ٩٩ ـ نزلت فى بنى سهم منهم العاص بن وائل والحارث وعدى ابني قيس وعبد الله بن الزبعرى بن قيس ، وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ دخل المسجد الحرام ونفر من بنى سهم جلوس فى الحطيم ، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، فأشار بيده إليهم فقال : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعنى الأصنام (حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ...) إلى آيتين» (١) ثم خرج فدخل ابن الزبعرى ، وهم يخوضون فيما ذكر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لهم ولآلهتهم ، فقال : ما هذا الذي تخوضون؟ فذكروا له قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. فقال ابن الزبعرى : والله ، لئن قالها بين يدي لأخصمنه. فدخل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من ساعته ، فقال ابن الزبعرى : أهي لنا ولآلهتنا خاصة أم لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم ولآلهتهم؟ فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم ولآلهتهم. قال : خصمتك» (٢) ورب الكعبة ، الست تزعم أن عيسى نبى وتثنى عليه وعلى أمه خيرا ، وقد علمت أن النصارى يعبدونها ، وعزير يعبد والملائكة تعبد ، فإن كان هؤلاء معنا قد رضينا أنهم

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٩٨ ـ ٩٩.

(٢) فى ل : خصمتك ، أأخصمتك.

٩٣

معنا ، فسكت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (١) ـ ثم قال ـ سبحانه» (٢) ـ : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) يعنى آخر نهيق الحمار (وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) ـ ١٠٠ ـ الصوت ، وذلك حين يقال لأهل النار اخسئوا فيها ولا تكلمون ، فصاروا بكما وعميا وصما. ثم استثنى ممن كان يعبد أنهم» (٣) لا يدخلون جهنم [١٨ أ] فقال ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) الجنة (أُولئِكَ عَنْها) يعنى جهنم (مُبْعَدُونَ) ـ ١٠١ ـ يعنى عيسى وعزيرا ومريم والملائكة ـ عليهم‌السلام ـ (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) يقول لا يسمع أهل الجنة صوت جهنم حين يقال لهم اخسئوا فيها ، ولا تكلموا فتغلق عليهم أبوابها فلا تفتح عنهم أبدا ولا يسمع أحد صوتها (وَهُمْ) يعنى هؤلاء (فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) ـ ١٠٢ ـ يعنى لا يموتون فلما سمع بنو سهم بما استثنى الله ـ عزوجل ـ ممن يعبد من الآلهة ، عزير وعيسى ومريم والملائكة ، قالوا للنبي» (٤) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هلا استثنيت هؤلاء حين سألناك ، فلما خلوت تفكرت» (٥).

__________________

(١) فى ز : رواية مختصرة فى الهامش نصها : «فقال عبد الله بن الزبعرى يا رسول الله النصارى قد عبدوا عيسى ، واليهود قد عبدوا العزير. فقال له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ما أجهلك بلغة قومك. أراد أن ما ، لما لا يعقل ، ومن لمن يعقل ، ثم أسلم وكان من الشعراء الرسول».

(٢) فى أ ، ل : ثم قال ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ...) أى أن فيهما تفسير الآية ١٠١ بعد ٩٩ ، وقد عدلت التفسير حسب ترتيب الآيات.

(٣) فى أ : أنهم ، ل : أنه ، وهذا الكلام فى أ ، ل ، بعد تفسير ٩٩ فترك ١٠٠ ثم فسرها بعد ١٠١.

(٤) فى ل : عزيرا وعيسى ومريم ، بالنصب.

وفى أ : عزيز ومريم وعيسى.

وفى ز : فلما سمعت بنو سهم من استثنى الله ممن يعبد قالوا للنبي.

(٥) فى ز : فلما خصمت خلوت فذكرت. أه.

٩٤

قوله ـ سبحانه ـ : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ)

حدثنا أبو محمد ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن نعمان» (١) ، عن سليم ، عن ابن عباس ، أنه قال على منبر البصرة : ما تقولون فى تفسير هذه الآية (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ)؟ ثلاث مرات فلم يجبه أحد. فقال : تفسير هذه الآية أن الله ـ عزوجل ـ إذا أدخل أهل الجنة ، ورأوا ما فيها من النعيم ذكروا الموت فيخافون أن يكون آخر ذلك الموت فيحزنهم ذلك ، وأهل النار إذا دخلوا النار ورأوا ما فيها من العذاب يرجون أن يكون آخر ذلك الموت ، فأراد الله ـ عزوجل ـ أن يقطع حزن أهل الجنة ويقطع رجاء أهل النار ، فيبعث الله ـ عزوجل ـ ملكا وهو جبريل ـ عليه‌السلام ـ ومعه الموت فى صورة كبش أملح فيشرف به على أهل الجنة ، فينادى : يا أهل الجنة. فيسمع أعلاها درجة وأسفلها درجة ، والجنة درجات ، فيجيبه أهل الجنة ، فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون : نعم ، هذا الموت. قال ، ثم ينصرف به إلى النار فيشرف به عليهم فينادى أهل النار ، فيسمع أعلاها دركا وأسفلها دركا ، والنار دركات ، فيجيبونه ، فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ثم يرده إلى مكان مرتفع بين الجنة والنار حيث ينظر إليه أهل الجنة وأهل النار فيقول : الملك إنا ذابحوه. فيقول أهل الجنة بأجمعهم : نعم لكي يأمنوا الموت ، ويقول [١٨ ب] أهل النار بأجمعهم لا ، لكي يذوقوا الموت ، قال فيعمد الملك إلى الكبش الأملح وهو الموت فيذبحه وأهل الجنة وأهل النار ينظرون إليه ، فينادى الملك : يا أهل الجنة خلود لا موت فيه» (٢) فيأمنون الموت. فذلك قوله ـ تعالى ـ (لا يَحْزُنُهُمُ

__________________

(١) فى أ : النغمن ، ل نعمان.

(٢) فى ل : فيه ، أ : فيها.

٩٥

الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) ثم ينادى الملك : يا أهل النار خلود لا موت فيه. قال ابن عباس : فلو لا ما قضى الله ـ عزوجل ـ على أهل الجنة من الخلود فى الجنة ، لماتوا من فرحتهم تلك ، ولو لا ما قضى الله ـ عزوجل ـ على أهل النار من تعمير» (١) الأرواح فى الأبدان لماتوا حزنا. فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ...) (٢) يعنى إذ وجب لهم العذاب يعنى ذبح الموت فاستيقنوا الخلود فى النار والحسرة والندامة ، فذلك قول الله ـ عزوجل ـ للمؤمنين (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) يعنى الموت بعد ما دخلوا الجنة (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) يعنى الحفظة الذين كتبوا أعمال بنى آدم ، حين خرجوا من قبورهم قالوا للمؤمنين : (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ـ ١٠٣ ـ فيه الجنة ، ثم قال : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) يعنى كطي الصحيفة فيها الكتاب ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) وذلك أن كفار مكة أقسموا بالله جهد أيمانهم فى سورة النحل (... لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ ...) (٣) فأكذبهم الله ـ عزوجل ـ فقال ـ سبحانه ـ (بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا :)(كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) يقول هكذا نعيد خلقهم فى الآخرة كما خلقناهم فى الدنيا (وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) ـ ١٠٤ ـ (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) يعنى التوراة والإنجيل والزبور (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) يعنى اللوح المحفوظ (أَنَّ الْأَرْضَ) لله (يَرِثُها) (٤) (عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) ـ ١٠٥ ـ يعنى المؤمنون (إِنَّ فِي هذا)

__________________

(١) كذا فى أ ، ل : أى تظل معمرة وخالدة فى أجسادهم.

(٢) سورة مريم : ٣٩.

(٣) سورة النحل : ٣٨.

(٤) فى حاشية أ : فى الأصل «يورثها».

٩٦

القرآن (لَبَلاغاً) إلى الجنة (لِقَوْمٍ عابِدِينَ) ـ ١٠٦ ـ يعنى موحدين (وَما أَرْسَلْناكَ) يا محمد (إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) ـ ١٠٧ ـ يعنى الجن والإنس فمن تبع محمدا ... صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على دينه فهو له رحمة كقوله ـ سبحانه ـ : لعيسى بن مريم ـ صلى الله عليه ـ (... وَرَحْمَةً مِنَّا) (١) ...» لمن تبعه على دينه» (٢) ومن لم يتبعه على دينه صرف عنهم البلاء ما كان بين أظهرهم. فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ...) (٣) كقوله لعيسى بن مريم ـ صلى الله عليه ـ (وَرَحْمَةً مِنَّا) لمن تبعه على دينه.

قال أبو جهل ـ لعنه الله ـ للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : اعمل أنت لإلهك يا محمد ونحن لآلهتنا. (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) يقول إنما ربكم رب واحد (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ـ ١٠٨ ـ يعنى مخلصون (فَإِنْ تَوَلَّوْا) يقول فإن أعرضوا عن الإيمان (فَقُلْ) لكفار مكة : (آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) يقول ناديناكم على أمرين (وَ) قل لهم : (إِنْ أَدْرِي) يعنى ما أدرى (أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) ـ ١٠٩ ـ بنزول العذاب بكم فى الدنيا ، وقل لهم : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ) يعنى العلانية (مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ) ـ ١١٠ ـ يعنى ما تسرون من تكذيبهم بالعذاب ، فأما الجهر فإن كفار مكة حين أخبرهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعذاب كانوا يقولون :

__________________

(١) سورة مريم : ٢١.

(٢) فى أزيادة : ومن لم يتبعه على دينه صرف عنهم البلاء ما كان بين أظهرهم ، فذلك قول الله ـ سبحانه ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) كقوله لعيسى بن مريم صلى الله عليه (... وَرَحْمَةً مِنَّا ...) لمن تبعه على دينه. وليست هذه الزيادة فى ل. والمرجح لدى أنها سقطت سهوا منه بسبب سبق النظر.

(٣) الأنفال : ٣٣.

٩٧

(مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١) ...» ـ والكتمان أنهم قالوا إن العذاب ليس بكائن (وَ) قل لهم : يا محمد ، (إِنْ أَدْرِي) يقول ما أدرى (لَعَلَّهُ) يعنى فلعل تأخير العذاب عنكم فى الدنيا يعنى القتل ببدر (فِتْنَةٌ لَكُمْ) نظيرها فى سورة الجن» (٢) فيقولون لو كان حقا لنزل بنا العذاب (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) ـ ١١١ ـ يعنى وبلاغا إلى آجالكم ، ثم ينزل بكم العذاب ببدر (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) يعنى اقض بالعدل بيننا وبين كفار مكة فقضى الله لهم القتل ببدر (وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) ـ ١١٢ ـ فأمر الله ـ عزوجل ـ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يستعين به ـ عزوجل ـ على ما يقولون من تكذيبهم بالبعث والعذاب.

قال الهذيل : قال الشماخ فى الجاهلية :

النبع منبته بالصخر ضاحية

والنخل ينبت بين الماء والعجل

يعنى الطين» (٣).

قال : وحدثنا عبيد الله ، قال : حدثنا أبى ، قال : حدثنا أبو رزق فى قوله ـ عزوجل ـ (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) قال التطوع ولم أسمع الهذيل» (٤).

__________________

(١) سورة سبا : ٢٩ ، سورة يس : ٤٨.

(٢) سورة الجن : ١٠.

(٣) فى أ : يعنى العجل الطين ، وفى ل ، ز : يعنى الطين.

(٤) من ل ، وفى أ : ولم أسمع مقاتلا. وفى ز : ولم أسمع مقاتلا ثم شطب فوقها وكتب هذيلا.

٩٨

سورة الحج

٩٩
١٠٠