المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧
المار يعقوبية : إن الله هو المسيح بن مريم ، وقالت الملكانية : إن الله ثالث ثلاثة (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) يعنى النصارى الذين قالوا فى عيسى ما قالوا (مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) ـ ٦٥ ـ يعنى يوم القيامة وإنما سماه أليما لشدته ، ثم رجع إلى كفار قريش فقال : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) يعنى يوم القيامة (أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ٦٦ ـ بجيئتها ، ثم قال : (الْأَخِلَّاءُ) فى الدنيا (يَوْمَئِذٍ) فى الآخرة (بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) ـ ٦٧ ـ يعنى الموحدين نزلت فى أمية بن خلف الجمحي ، وعقبة ابن أبى معيط قتلا جميعا وذلك أن عقبة كان يجالس النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويستمع إلى حديثه ، فقالت قريش : قد صبأ عقبة وفارقنا. فقال له أمية بن خلف : وجهى من وجهك حرام إن لقيت محمدا «فلم تنقل» (١) فى وجهه ، حتى يعلم قومك أنك غير مفارقهم ، ففعل عقبة ذلك فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : أما أنا لله على لئن أخذتك خارجا من الحرم لأهريقن دمك. فقال له : يا بن أبى كبشة ، [١٤٥ أ] ومن أين تقدر علىّ خارجا من الحرم ، فتكون لك منى «السوء» (٢). فلما كان يوم بدر أسر ، فلما عاينه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ذكر نذره فأمر على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ فضرب عنقه فقال عقبة : يا معشر قريش ، ما بالي أقتل من بينكم؟ فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بتكذيبك الله ورسوله. فقال : من لأولادى. فقال النبي
__________________
(١) فى أ ، ف : «إن لم تنقل». وما أثبته قريب مما ورد فى كتب السيرة وأنسب إلى سياق الكلام.
(٢) فى ف : «السوء» وفى أ : «السواء».
ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لهم النار. «ولما» (١) كان يوم القيامة وقع الخوف ، فقال : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ) يقول رفع الله الخوف عن المؤمنين (الْيَوْمَ) يعنى يوم القيامة (وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) ـ ٦٨ ـ فإذا سمعوا النداء رفعوا رءوسهم ، فلما قال : (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ) ـ ٦٩ ـ يقول الذين صدقوا بالقرآن وكانوا مخلصين بالتوحيد ، نكس أهل الأوثان والكفر رءوسهم ، ثم نادى الذين آمنوا وكانوا يتقون المعاصي فلم يبق صاحب كبيرة إلا نكس رأسه ، ثم قال : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) يا أهل التوحيد (أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) يعنى وحلائلكم (تُحْبَرُونَ) ـ ٧٠ ـ يعنى تكرمون وتنعمون (يُطافُ عَلَيْهِمْ) بأيدى الغلمان (بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ) من فضة يعنى الأكواب التي ليس لها عرى مدورة الرأس فى صفاء القوارير ، ثم قال : (وَفِيها «ما تَشْتَهِيهِ») (٢) (الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ٧١ ـ لا تموتون (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٧٢ ـ (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ) ـ ٧٣ ـ ثم قال : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) يعنى المشركين المسرفين (فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ) ـ ٧٤ ـ يعنى لا يموتون (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) العذاب طرفة عين (وَهُمْ فِيهِ) يعنى فى العذاب (مُبْلِسُونَ) ـ ٧٥ ـ يعنى آيسون من كل خير مستيقنين بكل عذاب مبشرين بكل سوء زرق الأعين سود الوجوه ، ثم قال : (وَما ظَلَمْناهُمْ) فنعذب على غير ذنب (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) ـ ٧٦ ـ (وَنادَوْا) فى النار (يا مالِكُ)
__________________
(١) فى أ ، ف : فلما ، والأنسب «ولما».
(٢) فى أ : «ما تشتهي» ، وفى الآية : «ما تشتهيه».
وهو خازن جهنم ، فقال : ما ذا تريدون؟ قالوا : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) فيسكت عنهم مالك «فلا» (١) يجيبهم مقدار أربعين سنة ، ثم «يوحى» (٢) الله ـ تعالى ـ إلى مالك بعد أربعين «أن يجيبهم» (٣) ، فرد عليهم مالك : (قالَ) (٤) (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) ـ ٧٧ ـ فى العذاب يقول مقيمون فيها فقال مالك : (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِ) فى الدنيا يعنى التوحيد (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) ـ ٧٨ ـ ، قوله : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) ـ ٧٩ ـ يقول أم أجمعوا أمرا.
وذلك أن نفرا من قريش منهم أبو جهل بن هشام ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وهشام بن عمرو [١٤٥ ب] ، وأبو البختري بن هشام ، وأمية بن أبى معيط ، وعيينة بن حصن الفزاري ، والوليد بن المغيرة ، والنضر بن الحارث ، وأبى بن خلف ، ـ بعد موت أبى طالب ـ اجتمعوا فى دار الندوة بمكة ليمكروا بالنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ سرا عند انقضاء المدة فأتاهم إبليس فى صورة شيخ كبير فجلس إليهم ، فقالوا له : ما أدخلك فى جماعتنا بغير إذننا؟ قال عدو الله : أنا رجل من أهل نجد ، وقدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم ، طيبة ريحكم ، فأردت أن أسمع حديثكم ، وأشير عليكم ، فإن كرهتم مجلسي خرجت من بينكم. فقال بعضهم لبعض : هذا رجل من أهل نجد ليس من أهل مكة فلا بأس عليكم منه. فتكلموا بالمكر بالنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
__________________
(١) فى أ : «فلم».
(٢) فى أ : «أوحى».
(٣) فى أ : «أن أجبهم».
(٤) «قال» ساقط من أ.
فقال أبو البختري بن هشام ـ من بنى أسد بن عبد العزى ـ : أما أنا فأرى أن تأخذوا محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فتجعلوه فى بيت وتسدوا عليه بابه ، «وتجعلوا» (١) له كوة لطعامه وشرابه حتى يموت.
فقال إبليس : بئس الرأى رأيتم تعمدون إلى رجل له فيكم صغو ، قد سمع به من حولكم ، تحبسونه فى بيت ، وتطعمونه وتسقونه ، فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم عنه ويفسد جماعتكم ويسفك دماءكم. قالوا : صدق والله الشيخ.
فقال هشام بن عمرو ـ من بنى عامر بن لوى ـ : أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير ، فتخرجوه من أرضكم ، فيذهب حيث شاء ويليه غيركم.
فقال إبليس : بئس الرأى ، رأيتم تعمدون إلى رجل قد أفسد عليكم جماعتكم ، وتبعه طائفة منكم فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم كما أفسدكم ، فيوشك بالله أن يميل بهم عليكم. فقال أبو جهل : صدق والله الشيخ.
فقال أبو جهل بن هشام : أما أنا فأرى أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش فتأخذون من كل بطن منهم رجلا ، فتعطون كل رجل منهم سيفا فيضربونه جميعا فلا يدرى قومه من يأخذون به ، وتؤدى قريش ديته ، فقال إبليس : صدق والله الشاب. إن الأمر لكما.
قال : فتفرقوا عن قول أبى جهل فنزل جبريل ـ عليهالسلام ـ فأخبر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «بما ائتمروا به» (٢) وأمره بالخروج فخرج النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من ليلته إلى الغار. وأنزل الله ـ تعالى ـ فى شرهم
__________________
(١) فى أ : «وتجعلون».
(٢) فى أ : «بما ائتمروا به القوم».
الذي أجمعوا عليه (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) يقول أم أجمعوا أمرهم على محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بالشر فإنا مجمعون أمرنا على ما يكرهون فعندها قتل هؤلاء النفر ببدر ، يقول : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) الذي بينهم (وَنَجْواهُمْ) الذي اجمعوا عليه «ليثبتوك» (١) فى بيت ، أو يخرجوك من مكة ، أو يقتلوك ، (بَلى) نسمع ذلك منهم (وَرُسُلُنا) الملائكة الحفظة (لَدَيْهِمْ) يعنى «عندهم» (٢) (يَكْتُبُونَ) ـ ٨٠ ـ (قُلْ) يا محمد [١٤٦ أ] : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) يعنى ما كان للرحمن ولد (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) ـ ٨١ ـ وذلك أن النضر بن الحارث ـ من بنى عبد الدار بن قصى ـ قال : إن الملائكة بنات الله. فأنزل الله ـ عزوجل ـ «قل» يا محمد «إن كان للرحمن» يقول ما كان للرحمن «ولد فأنا أول العابدين» يعنى الموحدين من أهل مكة بأن لا ولد ، ونزه الرب نفسه عما كذبوا بالعذاب : (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) ـ ٨٢ ـ يعنى عما يقولون من الكفر بربهم ، يعنى كفار مكة حين كذبوا بالعذاب فى الآخرة ، وذلك أن الله ـ تعالى ـ وعدهم فى الدنيا على ألسنة الرسل أن العذاب كائن نازل بهم (فَذَرْهُمْ) يقول خل عنهم (يَخُوضُوا) فى باطلهم (وَيَلْعَبُوا) يعنى يلهوا فى دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ) فى الآخرة (الَّذِي يُوعَدُونَ) (٣) ـ ٨٣ ـ العذاب فيه. ثم قال : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ)
__________________
(١) ليثبتوك : ليحبسوك.
(٢) فى أ : «عند ربهم» ، وفى ف : «عندهم».
(٣) فى أ : كتب تفسير الآية ٨٣ قبل تفسير الآية ٨٢. وقد أعدت ترتيب الآيات وتفسيرها كما وردت فى المصحف.
فعظم نفسه عما قالوا ، فقال : وهو الذي يوحد فى السماء ، ويوحد فى الأرض (وَهُوَ الْحَكِيمُ) فى ملكه الخبير بخلقه (الْعَلِيمُ) ـ ٨٤ ـ بهم ، ثم عظم نفسه عن شركهم فقال : (وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) يعنى القيامة (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ـ ٨٥ ـ يعنى تردون فى الآخرة فيجازيكم بأعمالكم (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ) يقول لا تقدر الملائكة الذين يعبدونهم من دون الله الشفاعة ، وذلك أن النضر ابن الحارث ونفرا معه قالوا : إن كان ما يقول محمد حقا ؛ فنحن نتولى الملائكة وهم أحق بالشفاعة من محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأنزل الله «ولا يملك» يقول ولا يقدر «الذين يدعون من دونه» وهم الملائكة الشفاعة ، يقول لا تقدر الملائكة الذين تعبدونهم من دون الله على الشفاعة لأحد ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) يعنى بالتوحيد من بنى آدم ، فذلك قوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ـ ٨٦ ـ أن الله واحد لا شريك له فشفاعتهم لهؤلاء قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ) يعنى أهل مكة : كفارهم (لَيَقُولُنَّ اللهُ) وذلك أنه لما «نزلت» (١) فى أول هذه السورة «خلق» (٢) السموات والأرض (٣) نزلت فى آخرها (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) فقال لهم النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : من خلقكم ورزقكم وخلق السموات والأرض؟ فقالوا : الله خالق الأشياء كلها ، وهو خلقنا. قال الله ـ تعالى ـ لنبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قل لهم : (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) ـ ٨٧ ـ يقول من أين يكذبون بأنه
__________________
(١) كذا فى أ ، ف ، والأنسب «نزل».
(٢) فى أ : «من خلق» ، وفى ف : «خلق».
(٣) ورد ذلك فى الآية ٤ والآية ١١.
واحد لا شريك له ، وأنتم مقرون أن الله خالق الأشياء وخلقكم ، ولم يشاركه أحد فى ملكه فيما خلق؟ فكيف تعبدون غيره؟ فلما قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يا رب [١٤٦ ب] (وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ) يعنى كفار مكة (قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) ـ ٨٨ ـ يعنى لا يصدقون ، وذلك أنه لما قال أيضا فى الفرقان : (... إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) (١) قال الله ـ تعالى ـ يسمع قوله (٢) ، فيها تقديم «يا رب إن هؤلاء» يعنى كفار مكة «قوم لا يؤمنون» يعنى لا يصدقون بالقرآن أنه من الله ـ عزوجل ـ يقول الله ـ تعالى ـ لنهيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) يعنى فأعرض عنهم فيها تقديم (وَقُلْ سَلامٌ) أردد عليهم معروفا (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ـ ٨٩ ـ هذا وعيد حين ينزل بهم العذاب فنسخ آية السيف الإعراض والسلام ، وذكر وعيدهم وفى «حم» المؤمن فقال : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ ، فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) (٣).
__________________
(١) سورة الفرقان : ٣٠.
(٢) كذا فى أ ، ف. والجملة ركيكة.
(٣) سورة غافر : ٧١ ، ٧٢. وفى أ ، ف خطأ قومه.
سورة الدّخان
سورة الدخان
(٤٤) سورة الدّخان مكّيّة
وآياتها تسع وخمسون
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي
وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩))
سورة الدخان (*)
سورة الدخان مكية عددها تسع وخمسون آية كوفى (١).
__________________
(*) معظم مقصود السورة :
نزول القرآن فى ليلة القدر ، وآيات التوحيد والشكاية من الكفار ، وحديث موسى وبنى إسرائيل وفرعون ، والرد على منكري البعث وذل الكفار فى العقوبة وعز المؤمنين فى الجنة ، والمنة على الرسول نتيسر القرآن على لسانه فى قوله : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ ...) سورة الدخان : ٥٨.
***
(١) فى المصحف : (٤٤) سورة الدخان مكية وآياتها ٥٩ نزلت بعد سورة الزخرف وسميت سورة الدخان لقوله فيها : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) سورة الدخان : ١٠.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(حم) ـ ١ ـ (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) ـ ٢ ـ يعنى البين ما فيه (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) يعنى القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ، إلى السفرة من الملائكة وهم الكتبة ، وكان ينزل من اللوح المحفوظ كل ليلة قدر فينزل الله ـ عزوجل ـ من القرآن إلى السماء الدنيا ، على قدر ما ينزل به جبريل ـ عليهالسلام ـ فى السنة إلى مثلها من العام المقبل حتى نزل القرآن كله فى ليلة القدر (١) ، (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) (٢) : وهي ليلة مباركة ، قال ، وقال مقاتل : نزل القرآن كله من اللوح المحفوظ إلى السفرة فى ليلة واحدة ليلة القدر فقبضه جبريل ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من السفرة فى عشرين شهرا ، وأداه إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى عشرين سنة وسميت ليلة القدر «ليلة مباركة» (٣) لما فيها من البركة والخير ، ثم قال : (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) ـ ٣ ـ يعنى بالقرآن (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ـ ٤ ـ يقول يقضى الله فى ليلة القدر كل أمر محكم من الباطل ما يكون فى السنة كلها إلى مثلها من العام المقبل من الخير والشر والشدة والرخاء والمصائب ، يقول الله ـ تعالى ـ : كان (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) يقول
__________________
(١) المعنى فى ليالي القدر.
(٢) (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) ساقطة من أ ، ف ، ل ، ح ، م.
(٣) «ليلة مباركة» زيادة اقتضاها السياق ليست فى الأصل.
كان أمرا منا (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) ـ ٥ ـ يعنى منزلين هذا القرآن أنزلناه (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) لمن آمن به (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لقولهم (الْعَلِيمُ) ـ ٦ ـ به (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) ـ ٧ ـ بتوحيد الرب ـ تعالى ـ ، : وحد نفسه فقال : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ) يقول يحيى الموتى ويميت الأحياء ، هو (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) ـ ٨ ـ (بَلْ هُمْ) لكن هم (فِي شَكٍ) من هذا القرآن (يَلْعَبُونَ) ـ ٩ ـ يعنى لاهون عنه ، قوله : (فَارْتَقِبْ) وذلك أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ دعا الله ـ عزوجل ـ على كفار قريش فقال : اللهم أعنى عليهم بسبع سنين كسى (١) يوسف ، فأصابتهم شدة حتى أكلوا العظام والكلاب والجيف من شدة الجوع ، فكان الرجل يرى بينه وبين السماء الدخان من الجوع ، فذلك قوله : «فارتقب» يقول فانتظر يا محمد (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) ـ ١٠ ـ (يَغْشَى النَّاسَ) يعنى أهل مكة (هذا) الجوع (عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ١١ ـ يعنى وجيع. ثم إن أبا سفيان بن حرب ، وعتبة ابن ربيعة ، والعاص بن وائل ، والمطعم بن عدى ، وسهيل بن عمرو ، وشيبة ابن ربيعة ، كلهم من قريش ، أتوا النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقالوا : يا محمد ، استسق لنا ، فقالوا : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ) يعنى الجوع (إِنَّا مُؤْمِنُونَ) ـ ١٢ ـ يعنى إنا مصدقون بتوحيد الرب وبالقرآن (أَنَّى لَهُمُ (٢)
__________________
(١) فى أ : كسنين.
(٢) فى أ : فسرت الآيات ١٢ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٣ ، ١٤ على التوالي. وقد أعدت ترتيبا حسب ورودا فى المصحف.
الذِّكْرى) يقول من أين لهم التذكرة يعنى الجوع الذي أصابهم بمكة (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ) يعنى محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (مُبِينٌ) ـ ١٣ ـ يعنى هو بين أمره ، جاءهم بالهدى (ثُمَّ تَوَلَّوْا «عَنْهُ») (١) يقول ثم أعرضوا عن محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى الضلالة (وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) ـ ١٤ ـ قال ذلك عقبة بن أبى معيط إن محمدا مجنون ، وقالوا إنما يعلمه جبر غلام عامر ابن الحضرمي ، وقالوا : لئن لم ينته جبر غلام عامر بن الحضرمي «فأوعدوه» (٢) لنشترينه من سيده ، ثم لنصلينه حتى ينظر هل ينفعه محمد أو يغنى عنه شيئا ، (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) (٣) يقول بل هم من القرآن فى شك لاهون ، فدعا النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : اللهم اسقنا غيثا مغيثا عاما طبقا مطبقا غدقا ممرعا مريا عاجلا غير ريث نافعا غير ضار ، فكشف الله ـ تعالى ـ عنهم العذاب ، فذلك قوله : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) يعنى الجوع (قَلِيلاً) إلى يوم بدر (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) ـ ١٥ ـ إلى الكفر فعادوا فانتقم الله منهم ببدر فقتلهم ، فذلك قوله : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) يعنى العظمى فكانت البطش فى المدينة يوم بدر أكثر مما أصابهم من الجوع بمكة ، فذلك قوله : (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) ـ ١٦ ـ بالقتل وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجل الله أرواحهم الى النار.
__________________
(١) «عنه» : ساقطة من النسخ.
(٢) «فأعدوه» : زيادة للتوضيح.
(٣) فى أ : كرر تفسير الآية ٩ مرتين.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) بموسى ـ صلى الله عليه ـ حتى ازدروه كما ازدرى أهل مكة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأنه ولد فيهم فازدروه فكان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فتنة لهم ، كما كان موسى ـ صلى الله عليه ـ فتنة لفرعون وقومه ، فقالت قريش : أنت أضعفنا وأقلنا حيلة فهذا حين ازدروه كما ازدروا موسى ـ عليهالسلام ـ حين قالوا : (... أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا) [١٤٧ ب] «وليدا ...» (١) فكانت فتنة لهم من أجل ذلك ذكر فرعون دون الأمم ، نظيرها فى المزمل : (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً ...) (٢) ، قوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) كما فتنا قريشا بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، لأنهما ولدا فى قومهما (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) ـ ١٧ ـ يعنى الخلق كان يتجاوز ويصفح يعنى موسى حين سأل ربه أن يكشف عن أهل مصر الجراد والقمل ، فقال موسى لفرعون : (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) يعنى أرسلوا معى بنى إسرائيل يقول : وخل سبيلهم فإنهم أحرار ولا تستعبدهم (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من الله (أَمِينٌ) ـ ١٨ ـ فيما بيني وبين ربكم (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ) يعنى لا تعظموا على الله أن توحدوه (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ـ ١٩ ـ يعنى حجة بينة كقوله : «ألا تعلوا على (الله)» يقول ألا تعظموا على الله «إنى آتيكم بسلطان مبين» يعنى حجة بينة وهي اليد والعصا فكذبوه ، فقال فرعون فى «حم» المؤمن : (... ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى ...) (٣) فاستعاذ موسى فقال : (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي
__________________
(١) سورة الشعراء : ١٨.
(٢) سورة المزمل : ١٥.
(٣) سورة غافر : ٢٦.