تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

لهم الخزنة : (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ) ـ ٧٣ ـ يعنى تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) فهل يمنعونكم من النار يعنى الآلهة. و (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) ضلت عنا الآلهة (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) يعنى لم نكن نعبد من قبل فى الدنيا شيئا إن الذي كنا نعبد كان باطلا لم يكن شيئا (كَذلِكَ) يعنى هكذا (يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) ـ ٧٤ ـ (ذلِكُمْ) السلاسل والأغلال والسحب (بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ) يعنى تبطرون من الخيلاء والكبرياء (بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) ـ ٧٥ ـ يعنى تعصون فى الأرض (ادْخُلُوا) (١) (أَبْوابَ جَهَنَّمَ) السبع (خالِدِينَ فِيها) لا تموتون (فَبِئْسَ مَثْوَى) يعنى فبئس مأوى (الْمُتَكَبِّرِينَ) ـ ٧٦ ـ عن الإيمان (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أخبر كفار مكة أن العذاب نازل بهم فكذبوه فأنزل الله ـ عزوجل ـ يعزى نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب فقال : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) فى العذاب أنه نازل بهم ببدر (فَإِمَّا) (٢) (نُرِيَنَّكَ) فى حياتك (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من العذاب فى الدنيا القتل ببدر وسائر العذاب بعد الموت نازل بهم ، ثم قال : (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) يا محمد قبل عذابهم فى الدنيا (فَإِلَيْنا) فى الآخرة (يُرْجَعُونَ) ـ ٧٧ ـ يعنى يردون فنجزيهم بأعمالهم (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) ذكرهم (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) وذلك أن كفار مكة سألوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يأتيهم بآية يقول الله ـ تعالى ـ «وما كان

__________________

(١) فى أ : «فادخلوا».

(٢) فى أ : (فإما) يقول (فإما)

٧٢١

لرسول» يعنى «وما ينبغي» (١) لرسول «أن يأتى بآية» الى قومه (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) يعنى إلا بأمر الله [١٣٢ أ] (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) بالعذاب يعنى القتل ببدر فيها تقديم (قُضِيَ) العذاب (بِالْحَقِ) يعنى لم يظلموا حين عفوا (وَخَسِرَ هُنالِكَ) يعنى عند ذلك (الْمُبْطِلُونَ) ـ ٧٨ ـ يعنى المكذبين بالعذاب فى الدنيا بأنه غير كائن ، ثم ذكرهم صنعه ليعتبروا فيوحدوه ، فقال ـ سبحانه ـ : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ) يعنى الإبل والبقر (لِتَرْكَبُوا مِنْها) (٢) (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ـ ٧٩ ـ يعنى الغنم (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ) فى ظهورها ، وألبانها ، وأصوافها ، وأوبارها ، وأشعارها (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) يعنى فى قلوبكم (وَعَلَيْها) يعنى الإبل والبقر (وَعَلَى الْفُلْكِ) يعنى السفن (تُحْمَلُونَ) ـ ٨٠ ـ ثم قال : (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) فهذا الذي ذكر من الفلك والأنعام من آياته فاعرفوا توحيده بصنعه وإن لم تروه ، ثم قال : (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) ـ ٨١ ـ أنه ليس من الله ـ عزوجل ـ ، ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا ، فيوحدوه ، فقال ـ تعالى ـ : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعنى قبل أهل مكة من الأمم الخالية يعنى عادا وثمود وقوم لوط (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ) من أهل مكة عددا (وَأَشَدَّ قُوَّةً) يعنى بطشا (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) يعنى أعمالا وملكا فى الأرض فكان عاقبتهم العذاب (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ـ ٨٢ ـ فى الدنيا حين نزل بهم العذاب يقول ما دفع عنهم العذاب أعمالهم الخبيثة (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) يعنى بخبر العذاب أنه نازل بهم (فَرِحُوا)

__________________

(١) فى أ : «يعنى ينبغي» ، والأنسب : «وما ينبغي».

(٢) (لِتَرْكَبُوا مِنْها) : ساقطة من أ.

٧٢٢

فى الدنيا يعنى رضوا (بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) فقالوا لن نعذب (وَحاقَ بِهِمْ) يعنى وجب العذاب لهم ب (ما كانُوا بِهِ) بالعذاب (يَسْتَهْزِؤُنَ) ـ ٨٣ ـ أنه غير كائن يقول ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) يعنى عذابنا فى الدنيا (قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) لا شريك له (وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) ـ ٨٤ ـ يقول الله ـ عزوجل ـ : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) يعنى عذابنا فى الدنيا يقول لم يك ينفعهم تصديقهم بالتوحيد حين رأوا عذابنا (سُنَّتَ اللهِ «الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ») (١) : بالعذاب فى الذين خلوا من قبل يعنى فى الأمم الخالية إذا عاينوا العذاب لم ينفعهم إيمانهم إلا قوم يونس فإنه رفع عنهم العذاب (وَخَسِرَ هُنالِكَ) يقول غبن عند ذلك (الْكافِرُونَ) ـ ٨٥ ـ بتوحيد الله ـ عزوجل ـ فاحذروا يا أهل مكة سنة الأمم الخالية فلا تكذبوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

[١٣٢ ب] قال مقاتل : فرعون أول من طبخ الآجر وبنى به. وقال : قتل جعفر ذو الجناحين وابن رواحة وزيد بن حارثة بموته قتلهم غسان ، وقتل خالد بن الوليد يوم فتح مكة من بنى جذيمة سبعين رجلا.

قال مقاتل : عاد وثمود ابنا عم ، وموسى وقارون ابنا عم ، وإلياس واليسع ابنا عم ، ويحيى وعيسى ابنا خالة.

__________________

(١) (الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) : ساقطة من أ.

٧٢٣

قال مقاتل : أم عبد المطلب سلمى بنت زيد بن عدى «من بنى عدى ابن النجار» (١) وأم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ آمنة بنت وهب «من بنى عبد مناف ابن زهرة» (٢).

__________________

(١) فى أ : «من بنى عدى بن النجار» ، ف : «من بنى النجار».

(٢) فى ف : «من بنى عبد مناف بن زهرة» ، وفى أ : «ابن النجار من بنى عدى بن زهرة». وقد انتهى تفسير السورة هنا فى (ف ، ل) أما فى (أ) فقد تفردت بزيادة فى حفر بئر زمزم.

٧٢٤

سورة فصّلت

٧٢٥
٧٢٦

(٤١) سورة فصلت مكية

وآياتها اربع وخمسون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤) وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ

٧٢٧

وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

٧٢٨

وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) * وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧)

٧٢٩

ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ

٧٣٠

تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ

٧٣١

ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤))

٧٣٢

سورة فصلت (*)

سورة السجدة مكية عددها أربع خمسون آية كوفية (١).

__________________

(*) معظم مقصود السورة :

بيان شرف القرآن ، وإعراض الكفار عن قبوله وكيفية خلق الأرض والسماء ، والإشارة إلى إهلاك عاد وثمود ، وشهادة الجوارح على العاصين فى القيامة وعجز الكفار فى سجن جهنم ، وبشارة المؤمنين بالخلود فى الجنان ، وبيان شرف القرآن والنفع والضرر ، والإساءة والإحسان ، وجزع الكفار عند بالابتلاء والامتحان ، وإظهار الآيات الدالة على الذات والصفات وإحاطة علم الله بكل شيء من الأسرار والإعلان بقوله : (... أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) سورة فصلت : ٥٤.

وتسمى سورة «حم» السجدة ، لاشتمالها على السجدة ، كما تسمى سورة فصلت لقوله ـ تعالى ـ فيها : (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) سورة فصلت : ٢.

وتسمى كذلك سورة المصابيح لقوله : (... وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ...) سورة فصلت : ١٢.

***

(!) فى أ : «عددها خمسة وأربعون». وفيه خطأ لغوى صوابه خمس وأربعون.

وفيه خطأ نقل فالمذكور فى كتب التفسير أن عددها عند الكوفيين أربعا وخمسين آية ، لا خمسا وأربعين.

وأما نسخة ل ، ف فلم يذكروا عدد الآيات فى صدر السورة وهذا شأنهما فى كل السور فى الأهم الأغلب.

***

وفى المصحف : (٤١) سورة فصلت مكية وآياتها ٥٤ نزلت بعد سورة غافر.

٧٣٣
٧٣٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم) (١) ـ ١ ـ (تَنْزِيلٌ) حم يعنى ما حم فى اللوح المحفوظ يعنى ما قضى من الأمر (مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ـ ٢ ـ اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر «الرحمن» يعنى المسترحم على خلقه «والرحيم» أرق من الرحمن «الرحيم» اللطيف بهم ، قوله : (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) ليفقهوه ولو كان غير عربي ما علموه ، فذلك قوله : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ـ ٣ ـ ما فيه ، ثم قال : القرآن : (بَشِيراً) بالجنة (وَنَذِيراً) من النار (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) يعنى أكثر أهل مكة عن القرآن (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ـ ٤ ـ الإيمان به (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ «مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ») (٢) وذلك أن أبا جهل [١٣٣ ب] ابن هشام ، وأبا سفيان بن حرب ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، دخلوا على على بن أبى طالب ورسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عنده فقال لهم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : قولوا : لا إله إلا الله. فشق ذلك عليهم (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) يقولون عليها الغطاء فلا تفقه ما «تقول» (٣) (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) يعنى ثقل فلا تسمع ما تقول ، ثم إن أبا جهل بن هشام

__________________

(١) لجأت إلى طريقة النص المختار من النسخ أ ، ل ، ف فى صدر هذه السورة ، ففي جميعها اضطراب.

(٢) (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) : ساقطة من أ ، ف ، ل.

(٣) فى الأصل : «تقوم».

٧٣٥

جعل ثوبه بينه وبين النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم قال : يا محمد أنت من ذلك الجانب ونحن من هذا الجانب (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) يعنى ستر وهو الثوب الذي رفعه أبو جهل (فَاعْمَلْ) يا محمد لإلهك الذي أرسلك (إِنَّنا عامِلُونَ) ـ ٥ ـ لآلهتنا التي (١) نعبدها ، ثم قال ـ تعالى ـ : (قُلْ) يا محمد لكفار مكة : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لقولهم لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ اعمل أنت لإلهك ، ونحن لآلهتنا ، ثم قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) بالتوحيد (وَاسْتَغْفِرُوهُ) من الشرك ، ثم أوعدهم إن لم يتوبوا من الشرك فقال : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) ـ ٦ ـ يعنى كفار قريش (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) يعنى لا يعطون الصدقة ولا يطعمون الطعام (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) يعنى بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال (هُمْ كافِرُونَ) ـ ٧ ـ بها بأنها غير «كائنة» (٢) ، ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا بالتوحيد (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من الأعمال (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) ـ ٨ ـ يعنى غير منقوص فى الآخرة (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ) بالتوحيد (وَبِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ، ثم قال : (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) يعنى شركا (ذلِكَ) الذي خلق الأرض فى يومين هو (رَبُّ الْعالَمِينَ) ـ ٩ ـ يعنى الناس أجمعين ، ثم قال : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها) يعنى جعل الجبل من فوق الأرض أوتادا للأرض لئلا تزول بمن عليها (وَبارَكَ فِيها) يعنى فى الأرض والبركة : الزرع والثمار

__________________

(١) فى أ : «الذي».

(٢) فى أ : «كائن».

٧٣٦

والنبات وغيره (١) ، ثم قال : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) يقول وقسم فى الأرض أرزاق العباد والبهائم (سَواءً لِلسَّائِلِينَ) ـ ١٠ ـ يعنى عدلا لمن يسأل الرزق من السائلين (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) قبل ذلك (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً) عبادتي ومعرفتي يعنى أعطيا الطاعة طيعا (أَوْ كَرْهاً) وذلك أن الله ـ تعالى ـ حين خلقهما عرض عليهما الطاعة بالشهوات واللذات على الثواب والعقاب فأبين أن يحملها من المخافة ، فقال لهما الرب ائتيا المعرفية لربكما والذكر له على غير ثواب ولا عقاب طوعا أو كرها (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ـ ١١ ـ يعنى [١٣٤ أ] أعطيناه طائعين (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) يقول فخلق السموات السبع (فِي يَوْمَيْنِ) الأحد والاثنين (وَأَوْحى) يقول وأمر (فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) الذي أراده قال (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) يقول لأنها أدنى السموات من الأرض (بِمَصابِيحَ) يعنى الكواكب (وَحِفْظاً) بالكواكب يعنى ما يرمى الشياطين بالشهاب لئلا «يستمعوا» (٢) إلى السماء ، يقول : (ذلِكَ) الذي ذكر من صنعه فى هذه الآية (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) فى ملكه (الْعَلِيمِ) ـ ١٢ ـ بخلقه (فَإِنْ أَعْرَضُوا) عن الإيمان يعنى التوحيد (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) فى الدنيا (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) ـ ١٣ ـ يقول مثل عذاب عاد وثمود وإنما خص عادا وثمود من بين الأمم لأن كفار مكة قد عاينوا هلاكهم باليمن والحجر.

قال مقاتل : كل من يموت من عذاب أو سقم أو قتل فهو مصعوق.

__________________

(١) كذا فى أ ، ف.

(٢) فى أ : «يستمعوا» ، ف : «يستمعون».

٧٣٧

ثم قال : (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) يعنى من قبلهم ومن بعدهم ، فقالوا لقومهم : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) يقول وحدوا الله (قالُوا) للرسل (لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) فكانوا إلينا رسلا (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) يعنى بالتوحيد (كافِرُونَ) ـ ١٤ ـ لا نؤمن به (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا) يعنى فتكبروا عن الإيمان وعملوا (فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) فخوفهم هود العذاب (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) يعنى بطشا قال كان الرجل منهم ينزع الصخرة من الجبل لشدته وكان طوله اثنا عشر ذراعا ويقال «ثمانية عشر ذراعا» (١) وكانوا باليمن فى حضر موت (٢).

(أَوَلَمْ يَرَوْا) يقول أو لم يعلموا (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) يعنى بطشا (وَكانُوا بِآياتِنا) يعنى بالعذاب (يَجْحَدُونَ) ـ ١٥ ـ أنه لا ينزل بهم فأرسل الله عليهم الريح فأهلكتهم ، فذلك قوله ـ تعالى ـ : (فَأَرْسَلْنا) فأرسل الله (عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) يعنى باردة (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) يعنى شدادا وكانت ريح الدبور فأهلكتهم ، فذلك قوله : (لِنُذِيقَهُمْ) يعنى لكي نعذبهم (عَذابَ الْخِزْيِ) يعنى الهوان (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فهو الريح (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) يعنى أشد وأكثر إهانة من الريح التي أهلكتهم فى الدنيا (وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) ـ ١٦ ـ يعنى لا يسمعون من العذاب.

قال عبد الله : سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول : الصرصر الريح الباردة التي لها صوت.

__________________

(١) فى الأصل : «ثماني عشر ذراعا» ، ويجب تأنيث العدد لأن المعدود مذكر فصوبته.

(٢) فى أ : «فى حضرموت (فأرسلنا عليهم) ..» ففسر جزءا من الآية ١٦ ثم عاد فأكمل تفسير الآية ١٥ ثم أكمل الآية ١٦ ، وقد صوبت الأخطاء وعدلت مكان التفسير ، حسب ترتيب الآيات فى المصحف الشريف.

٧٣٨

ثم ذكر ثمود ، فقال : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) يعنى بينا لهم (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) يقول اختاروا الكفر على الإيمان (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ) يعنى صيحة جبريل ـ عليه‌السلام ـ (الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) ـ ١٧ ـ [١٣٤ ب] يعنى يعملون من الشرك ، ثم قال : (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا بالتوحيد من العذاب الذي نزل بكفارهم (وَكانُوا يَتَّقُونَ) ـ ١٨ ـ الشرك ، قوله : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) ـ ١٩ ـ نزلت فى صفوان بن أمية الجمحي ، وفى ربيعة ، وعبد بالليل ابني عمرو الثقفيين «.........» إلى خمس آيات ، ويقال «إن الثلاثة نفر» (١) صفوان بن أمية ، وفرقد بن ثمامة ، وأبو فاطمة «فهم يوزعون» يعنى يساقون إلى النار تسوقهم خزنة جهنم (حَتَّى إِذا ما جاؤُها) يعنى النار وعاينوها قيل لهم أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون فى الدنيا؟ قالوا عند ذلك (... وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٢) فختم الله على أفواهم وأوحى إلى الجوارح فنطقت بما كتمت الألسن من الشرك ، فذلك قوله : (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) وأيديهم وأرجلهم (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٢٠ ـ من الشرك فلما شهدت عليهم الجوارح ، (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ) (٣) : قالت الألسن للجوارح (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) يعنى الجوارح قالوا أبعدكم الله إنما كنا نجاحش عنكم فلم شهدتم علينا بالشرك ولم تكونوا تتكلمون فى الدنيا (قالُوا) قالت الجوارح للألسن : (أَنْطَقَنَا اللهُ) اليوم (الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)

__________________

(١) من ف ، وفى أ : ويقال إن الثلاثة يعنى.

(٢) سورة الأنعام : ٢٣.

(٣) (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ) : ساقط من أ.

٧٣٩

من الدواب وغيرها (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يعنى هو أنطقكم أول مرة من قبلها فى الدنيا ، قبل أن ننطق نحن اليوم (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ـ ٢١ ـ يقول إلى الله تردون فى الآخرة فيجزيكم بأعمالكم فى التقديم (١) وذلك أن هؤلاء النفر الثلاثة كانوا فى ظل الكعبة يتكلمون ، فقال أحدهم : هل يعلم الله ما نقول؟ فقال الثاني : إن خفضنا لم يعلم ، وإن رفعنا علمه. فقال الثالث : إن كان الله يسمع إذا رفعنا فإنه يسمع إذا خفضنا. فسمع قولهم عبد الله بن مسعود ، فأخبر بقولهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأنزل الله فى قولهم : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) يعنى تستيقنون ، وقالوا تستكتمون (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ) يعنى حسبتم (أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) ـ ٢٢ ـ يعنى هؤلاء الثلاثة قول بعضهم لبعض هل يعلم الله ما نقول ، لقول الأول والثاني والثالث ، يقول حسبتم «أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون» (٢). (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ) يقول يقينكم الذي أيقنتم بربكم وعلمكم بالله بأن الجوارح لا تشهد عليكم ، ولا تنطق وأن الله [١٣٥ أ] لا يخزيكم بأعمالكم الخبيثة (أَرْداكُمْ) يعنى أهلككم سوء الظن (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) ـ ٢٣ ـ بظنكم السيئ كقوله لموسى : (... فَتَرْدى) (٣) يقول فتهلك (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) يعنى من أهل النار (فَإِنْ يَصْبِرُوا) على النار (فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) يعنى فالنار مأواهم (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) فى الآخرة (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) ـ ٢٤ ـ يقول وإن يستقيلوا ربهم فى الآخرة ، فما هم من المقالين لا يقبل ذلك منهم ، ثم قال : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ) فى الدنيا (قُرَناءَ) من الشياطين يقول

__________________

(١) من أ ، وليس فى ف ، وفى أأيضا زيادة : «فاستقيموا إليه واستغفروه وإليه ترجعون».

(٢) من ف ، وفى أأخطاء.

(٣) سورة طه : ١٦.

٧٤٠