تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

وَرَبِّكُمْ) يعنى فرعون وحده (أَنْ تَرْجُمُونِ) ـ ٢٠ ـ يعنى أن تقتلون (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) ـ ٢١ ـ يقول وإن لم تصدقوني ، يعنى فرعون وحده ، «فاعتزلون» فلا تقتلون ، فدعا موسى ربه فى يونس فقال : (وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (١) يعنى «نجنى» (٢) وبنى إسرائيل «وأرسل» (٣) العذاب على أهل مصر ، «قوله ـ تعالى ـ : (فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ) يعنى أهل مصر» (٤) (قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) ـ ٢٢ ـ فلا يؤمنون فاستجاب الله له فأوحى الله ـ تعالى ـ إليه : (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) ـ ٢٣ ـ يقول يتبعكم فرعون وقومه (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) وذلك أن بنى إسرائيل لما قطعوا البحر قالوا لموسى ـ صلى الله عليه ـ فرق لنا البحر كما كان فإنا نخشى أن يقطع فرعون وقومه آثارنا فأراد موسى ـ عليه‌السلام ـ أن يفعل ذلك كان الله ـ تعالى ـ أوحى إلى البحر أن يطيع موسى ـ عليه‌السلام ـ فقال الله لموسى : «واترك البحر رهوا» يعنى صفوفا ، ويقال ساكنا (إِنَّهُمْ) (٥) إن فرعون وقومه (جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) ـ ٢٤ ـ فأغرقهم الله فى نهر مصر وكان عرضه يومئذ فرسخين ، فقال الله ـ تعالى ـ : (كَمْ تَرَكُوا) من بعدهم يعنى فرعون وقومه (مِنْ جَنَّاتٍ) يعنى بساتين (وَعُيُونٍ) ـ ٢٥ ـ يعنى الأنهار الجارية (وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) ـ ٢٦ ـ يعنى ومساكن حسان (وَنَعْمَةٍ)

__________________

(١) سورة يونس : ٨٦.

(٢) فى أ : «هو».

(٣) فى أ : «وأن يرسل».

(٤) العبارة التي بين القوسين «...» مكررة مرتين فى الأصل.

(٥) فى أ : «فإن».

٨٢١

من العيش (كانُوا فِيها فاكِهِينَ) ـ ٢٧ ـ يعنى أرض مصر معجبين (كَذلِكَ) يقول هكذا فعلنا بهم فى الخروج من مصر ، ثم قال : (وَأَوْرَثْناها) يعنى أرض مصر (قَوْماً آخَرِينَ) ـ ٢٨ ـ يعنى بنى إسرائيل فردهم الله إليها بعد الخروج منها ، ثم قال : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) وذلك أن المؤمن إذا مات بكى عليه معالم سجوده من الأرض ، ومصعد عمله من السماء أربعين يوما وليلة ، ويبكيان على الأنبياء ثمانين يوما وليلة ، ولا يبكيان على الكافر [١٤٨ أ] ، فذلك قوله : «فما بكت عليهم السماء والأرض» لأنهم لم يصلوا لله فى الأرض ولا كانت لهم أعمال صالحة تصعد إلى السماء لكفرهم (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) ـ ٢٩ ـ لم يناظروا بعد الآيات التسع حتى عذبوا بالغرق (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) ـ ٣٠ ـ يعنى الهوان وذلك أن بنى إسرائيل آمنت بموسى وهارون ، فمن ثم قال فرعون : «... اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم ...» فلما هم بذلك قطع الله بهم البحر مع ذرياتهم وذراريهم ، وأغرق فرعون ومن معه من القبط ، (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) يعنى الهوان من فرعون من قتل الأبناء ، واستحياء النساء يعنى البنات ، قبل أن يبعث الله ـ عزوجل ـ موسى رسولا مخافة أن يكون هلاكهم فى سببه من فرعون ، للذي أخبره به الكهنة أنه يكون ، وأنه يغلبك على ملكك ، ثم قال : (مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً) عن التوحيد (مِنَ الْمُسْرِفِينَ) ـ ٣١ ـ يعنى من المشركين ، ثم رجع إلى بنى إسرائيل فقال : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ) علمه الله ـ عزوجل ـ منهم (عَلَى الْعالَمِينَ) ـ ٣٢ ـ يعنى عالم ذلك الزمان (وَآتَيْناهُمْ)

٨٢٢

يقول وأعطيناهم (مِنَ الْآياتِ) حين فلق لهم البحر وأهلك عدوهم فرعون ، وظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن السلوى ، والحجر والعمود والتوراة ، فيها بيان كل شيء ، فكل هذا الخير ابتلاهم الله به فلم يشكروا ربهم ، فذلك قوله : «وآتيناهم من الآيات» (ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) ـ ٣٣ ـ يعنى النعم «البينة» (١).

كقوله : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) (٢) يعنى النعم «البينة» (٣). قوله : (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ) ـ ٣٤ ـ يعنى «كفار مكة» (٤) (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال لهم إنكم تبعثون من بعد الموت فكذبوه ، فقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) ـ ٣٥ ـ يعنى بمبعوثين من بعد الموت ، ثم قال : (فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٣٦ ـ أنا نحيا من بعد الموت ، وذلك أن أبا جهل بن هشام قال فى الرعد يا محمد إن كنت نبيا فابعث لنا رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا منهم قصى بن كلاب فإنه كان صادقا ، وكان إمامهم (٥) فنسألهم فيخبرونا عن ما هو كائن بعد الموت أحق ما تقول أم باطل؟ إن كنت صادقا بأن البعث حق ، نظيرها فى الجاثية قوله : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ...) (٦) وما البعث بحق. فخوفهم الله ـ تعالى ـ بمثل عذاب الأمم الخالية

__________________

(١) فى أ : البين ، ف : البينة.

(٢) سورة الصافات : ١٠٦.

(٣) وردت فى أ ، ف : «البين».

(٤) فى الأصل : «كفار».

(٥) كذا فى أ ، ف ، والمراد وكان امام قومه ورئيسهم.

(٦) سورة الجاثية : ٢٤.

٨٢٣

فقال : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) لأن قوم تبع أقرب [١٤٨ ب] فى الهلاك إلى كفار مكة (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم الخالية (أَهْلَكْناهُمْ) بالعذاب (إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) ـ ٣٧ ـ يعنى مذنبين مقيمين على الشرك منهمكين عليه ، قوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) ـ ٣٨ ـ يعنى عابثين لغير شيء يقول لم أخلقهما باطلا ولكن خلقتهما لأمر هو كائن (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) (١) (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) يعنى كفار مكة (لا يَعْلَمُونَ) ـ ٣٩ ـ أنهما لم يخلقا باطلا ، ثم خوفهم فقال : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) يعنى يوم «القضاء» (٢) (مِيقاتُهُمْ) يعنى ميعادهم (أَجْمَعِينَ) ـ ٤٠ ـ (يَوْمَ) يعنى يوم القيامة يقول : يوافى يوم القيامة الأولون والآخرون «وهم يوم الجمعة» هذه الأمة وسواهم من الأمم الخالية ، ثم نعت الله ـ تعالى ـ ذلك اليوم فقال : «يوم» (لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) وهم الكفار يقول يوم لا يغنى ولى عن وليه يقول لا يقدر قريب لقرابته الكافر شيئا من المنفعة (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ـ ٤١ ـ يقول ولا هم يمنعون من العذاب ثم استثنى المؤمنين فقال : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) من المؤمنين فإنه يشفع لهم (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ) فى نقمته من أعدائه الذين لا شفاعة لهم (الرَّحِيمُ) ـ ٤٢ ـ بالمؤمنين الذين استثنى فى هذه الآية ، قوله : (إِنَّ «شَجَرَةَ») (٣) (الزَّقُّومِ) ـ ٤٣ ـ (طَعامُ الْأَثِيمِ) ـ ٤٤ ـ يعنى الآثم بربه فهو أبو جهل بن هشام وفى قراءة ابن مسعود «طعام الفاجر» (كَالْمُهْلِ) يعنى الزقوم أسود غليظ كدردي

__________________

(١) (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) : ساقطة من أ ، ف.

(٢) فى ف زيادة : «يعنى القيامة».

(٣) فى أ : «سجرت» ، وفى رسم المصحف : «شحرت».

٨٢٤

الزيت (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) ـ ٤٥ ـ (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) ـ ٤٦ ـ يعنى الماء الحار بلسان بربر وأفريقية الزقوم يعنون التمر والزبد ، زعم ذلك عبد الله بن الزبعرى السهمي ، وذلك أن أبا جهل قال لهم : إن محمدا يزعم أن النار تنهت الشجر وإنما النار تأكل الشجر ، فما الزقوم عندكم؟ فقال عبد الله بن الزبعرى : التمر والزبد. فقال أبو جهل بن هشام : يا جارية ، ابغنا تمرا وزيدا. فقال : تزقموا. «يقول» (١) الله ـ عزوجل ـ للخزنة : (خُذُوهُ) يعنى أبا جهل (فَاعْتِلُوهُ) يقول فادفعوه على وجهه (إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) ـ ٤٧ ـ يعنى وسط الجحيم وهو الباب السادس من النار ، ثم قال : (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ) أبى جهل وذلك أن الملك من خزان جهنم يضربه على رأسه بمقمعة من حديد فينقب عن دماغه فيجري دماغه على جسده ثم يصب الملك فى النقب ماء حميما قد انتهى حره فيقع فى بطنه ، ثم يقول له الملك : (ذُقْ) العذاب أيها المتعزز المتكرم ، يونجه ويصغره ، بذلك فيقول : (إِنَّكَ) زعمت فى الدنيا (أَنْتَ الْعَزِيزُ) يعنى المنيع (الْكَرِيمُ) ـ ٤٩ ـ يعنى المتكرم ، قال : فكان أبو جهل يقول فى الدنيا أنا أعز قريش وأكرمها ، فلما [١٤٩ أ] ذاق شدة العذاب فى الآخرة قال له الملك : (إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) ـ ٥٠ ـ يعنى تشكون فى الدنيا أنه غير كائن فهذا مستقر الكفار ، ثم ذكر مستقر المؤمنين فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) ـ ٥١ ـ فى مساكن آمنين من الخوف والموت (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) ـ ٥٢ ـ يعنى بساتين وأنهار جارية (يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) يعنى الديباج (مُتَقابِلِينَ) ـ ٥٣ ـ فى الزيارة (كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ)

__________________

(١) فى أ ، ف : «فقال».

٨٢٥

يعنى بيض الوجوه (عِينٍ) ـ ٥٤ ـ يعنى حسان العيون ، ثم أخبر عنهم فقال : (يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ) من ألوان الفاكهة (آمِنِينَ) ـ ٥٥ ـ من الموت (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ) أبدا (إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) التي كانت فى الدنيا (وَوَقاهُمْ) يعنى الرب ـ تعالى ـ (عَذابَ الْجَحِيمِ) ـ ٥٦ ـ ذلك الذي ذكر فى الجنة كان : (فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ـ ٥٧ ـ يعنى الكبير يعنى النجاة «العظيمة» (١) ، قوله : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) يعنى القرآن يقول هوناه على لسانك (لَعَلَّهُمْ) يقول لكي (يَتَذَكَّرُونَ) ـ ٥٨ ـ فيؤمنوا بالقرآن فلم يؤمنوا به يقول الله ـ تعالى ـ (فَارْتَقِبْ) يقول انتظر بهم العذاب (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) ـ ٥٩ ـ يعنى «منتظرون» (٢) بهم العذاب.

__________________

(١) فى أ : «العظيم».

(٢) من ف : وفى أ : «إنا منتظرون».

٨٢٦

سورة الجاثية

٨٢٧
٨٢٨

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ

٨٢٩

مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١) اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥) وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ

٨٣٠

فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

٨٣١

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧))

٨٣٢

سورة الجاثية (*)

سورة الجاثية مكية عددها سبع وثلاثون آية كوفى (١).

__________________

(*) معظم مقصود السورة :

بيان حجة التوحيد ، والشكاية من الكفار والمتكبرين وبيان النفع والضر ، والإساءة والإحسان وبيان شريعة الإسلام والإيمان ، وتهديد العصاة والخائنين من أهل الإيمان ، وذم متابعي الهوى ، وذل الناس فى المحشر ، ونسخ كتب الأعمال من اللوح المحفوظ وتأييد الكفار فى النار ، وتحميد الرب المتعالي بأوجز لفظ وأفصح ـ مقال : فى قوله : (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ ...) سورة الجاثية : ٣٦ ـ ٣٧ إلى آخر السورة.

***

(١) فى المصحف : (٤٥) سورة الجاثية مكية ، إلا آية ١٤ فمدنية وآياتها ٣٧ نزلت بعد سورة الدخان.

ولها اسمان سورة الجاثية لقوله : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) : ٢٨ وسورة الشريعة لقوله : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ ...) ١٨.

٨٣٣
٨٣٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم) ـ ١ ـ (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ) فى ملكه (الْحَكِيمِ) ـ ٢ ـ فى أمره (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهما خلقان عظيمان (لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) ـ ٣ ـ يعنى المصدقين بتوحيد الله ـ عزوجل ـ («وَفِي خَلْقِكُمْ) يعنى وفى خلق أنفسكم إذ كنتم نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظما لحما ، ثم الروح (١) (وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ) يقول وما يخلق من دابة (آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ـ ٤ ـ «بتوحيد الله» (٢) (وَ) فى (اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وهما آيتان (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) يعنى المطر (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) فأنبتت (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) فى الرحمة والعذاب ففي هذا كله (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ـ ٥ ـ بتوحيد الله ـ عزوجل ـ ثم رجع إلى أول السورة فى التقديم فقال : (تِلْكَ آياتُ اللهِ) يعنى تلك آيات القرآن (نَتْلُوها عَلَيْكَ) يا محمد (بِالْحَقِ) فإن لم يؤمنوا بهذا القرآن (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ) يعنى بعد توحيد الله (وَ) بعد (آياتِهِ) يعنى بعد آيات القرآن (يُؤْمِنُونَ) ـ ٦ ـ يعنى يصدقون. (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ) يعنى كذاب (أَثِيمٍ) ـ ٧ ـ يقول آثم بربه ، وكذبه أنه قال إن القرآن أساطير الأولين يعنى حديث رستم واسفندباز يعنى

__________________

(١) كذا فى ف ، والمراد : «ثم نفخ الروح».

(٢) الآية : ساقطة من أ ، وهي من ف.

٨٣٥

النضر بن الحارث القرشي [١٤٩ ب] من بنى عبد الدار (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ) يعنى القرآن (تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً) يعنى يصر يقيم على الكفر بآيات القرآن فيعرض عنها متكبرا يعنى عن الإيمان بآيات القرآن (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) يعنى آيات القرآن وما فيه (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ـ ٨ ـ يعنى وجيع ، فقتل ببدر ، ثم أخبر عن النضر بن الحارث فقال : (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) يقول إذا سمع من آيات القرآن شيئا (اتَّخَذَها هُزُواً) يعنى استهزاء بها ، وذلك أنه زعم أن حديث القرآن مثل حديث رستم واسفندباز (أُولئِكَ لَهُمْ) يعنى النضر بن الحارث وأصحابه وهم قريش (عَذابٌ مُهِينٌ) ـ ٩ ـ يعنى القرآن فى الدنيا يوم بدر ، ثم قال : (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) يعنى النضر بن الحارث يقول لهم فى الدنيا القتل ببدر ومن بعده أيضا لهم جهنم فى الآخرة (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) يقول لا تغنى عنهم أموالهم التي جمعوها من جهنم شيئا (وَلا) يغنى عنهم من جهنم (مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) يقول ما عبدوا من دون الله من الآلهة (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ـ ١٠ ـ يعنى كبير لشدته (هذا هُدىً) يقول هذا القرآن بيان يهدى من الضلالة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (بِآياتِ رَبِّهِمْ) يعنى القرآن (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) ـ ١١ ـ يقول لهم عذاب من العذاب الوجيع فى جهنم ، ثم ذكرهم النعم فقال : (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ) يقول لكي تجرى السفن فى البحر (بِأَمْرِهِ) يعنى بإذنه (وَلِتَبْتَغُوا) (١) ما فى البحر (مِنْ فَضْلِهِ) يعنى الرزق (وَلَعَلَّكُمْ) يعنى ولكي (تَشْكُرُونَ) ـ ١٢ ـ الله فى

__________________

(١) فى أ : «ولكي تبتغوا» : ولكي تبتغوا.

٨٣٦

هذه النعم فتوحدوه (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) يعنى من الله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ـ ١٣ ـ فى صنع الله فيوحدونه (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) يعنى يتجاوزوا نزلت فى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ وذلك أن رجلا من كفار مكة شئتم عمر بمكة ، فهم عمر أن يبطش به فأمره الله بالعفو والتجاوز فقال : «قل للذين آمنوا» يعنى عمر «يغفروا» يعنى يتجاوزوا (لِلَّذِينَ) (١) (لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) يعنى لا يخشون عقوبات الله مثل عذاب الأمم الخالية فمن عفا وأصلح فأجره على الله ، يقول جزاؤه على الله ، ثم نسخ العفو والتجاوز آية السيف فى براءة «... فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (٢) ...» ، قوله : (٣) (لِيَجْزِيَ) بالمغفرة (قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) ـ ١٤ ـ يعنى يعملون فى الخير (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ) العمل (فَعَلَيْها) يقول إساءته على نفسه (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ) [١٥٠ أ] (تُرْجَعُونَ) ـ ١٥ ـ فى الآخرة فيجزيكم بأعمالكم ، قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا) يعنى أعطينا (بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) يعنى التوراة (وَالْحُكْمَ) يعنى الفهم الذي فى التوراة والعلم (وَالنُّبُوَّةَ) وذلك أنه كان فيهم ألف نبى أولهم موسى ، وآخرهم عيسى ـ عليهم‌السلام ـ (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) يعنى الحلال من الرزق : المن والسلوى (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ـ ١٦ ـ يعنى عالمي ذلك الزمان بما أعطاهم الله من التوراة فيها تفصيل كل شيء ، والمن والسلوى ،

__________________

(١) فى أ : «عن الذين» ، وفى حاشية أ : التلاوة ، «للذين».

(٢) فى أ : «اقتلوا المشركين» فصوبتها وهي فى سورة التوبة : ٥.

(٣) فى أ : «فذلك قوله».

٨٣٧

والحجر ، والغمام ، وعمودا كان يضيء لهم إذا ساروا بالليل ، وأنبت معهم ثيابهم لا تبلى ، ولا تخرق ، وظللنا عليهم الغمام وفضلناهم على العالمين فى ذلك الزمان ، ثم قال : (وَآتَيْناهُمْ) آيات (بَيِّناتٍ) واضحات (مِنَ الْأَمْرِ) يعنى أبين لهم فى التوراة من الحلال والحرام والسنة وبيان ما كان قبلهم ، ثم اختلفوا فى الدين بعد يوشع بن نون فأمن بعضهم وكفر بعضهم (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا) (١) (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) يعنى البيان (بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ـ ١٧ ـ يعنى فى الدين يختلفون ، «قوله : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ) يعنى بينات من الأمر وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ارجع إلى ملة أبيك عبد الله ، وجدك عبد المطلب ، وسادة قومك ، فأنزل الله «ثم جعلناك على شريعة من الأمر» يعنى بينة من الأمر يعنى الإسلام (فَاتَّبِعْها) يقول الله ـ تعالى ـ لنبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ اتبع هذه الشريعة (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ـ ١٨ ـ توحيد الله يعنى كفار قريش فيستزلونك عن أمر الله» (٢) قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) يوم القيامة يعنى مشركي مكة (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) ـ ١٩ ـ الشرك (هذا) القرآن (بَصائِرُ لِلنَّاسِ) يقول هذا القرآن بصيرة للناس من الضلالة (وَ) هو (هُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةٌ) من العذاب لمن آمن به (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ـ ٢٠ ـ بالقرآن أنه من الله ـ تعالى ـ

__________________

(١) «فما اختلفوا إلا» : من ساقطة من أ.

(٢) تفسير الآية (١٨) من ف ، وهو مبتور فى أ.

٨٣٨

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) وذلك أن الله أنزل أن للمتقين عند ربهم فى الآخرة جنات النعيم ، فقال كفار مكة بنو عبد شمس بن عبد مناف بمكة لبنى هاشم ولبنى عبد المطلب بن عبد مناف للمؤمنين منهم : إنا نعطى فى الآخرة من الخير مثل ما تعطون ، فقال الله ـ تعالى ـ : «أم حسب الذين اجترحوا السيئات» يعنى الذين عملوا الشرك يعنى كفار بنى عبد شمس (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من بنى هاشم ، وبنى المطلب ، منهم حمزة ، وعلى بن أبى طالب ، وعبيدة بن الحارث ، وعمر بن الخطاب (سَواءً مَحْياهُمْ) فى نعيم الدنيا (وَ) سواء (مَماتُهُمْ) فى نعيم الآخرة (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ـ ٢١ ـ يقول بئس ما يقضون من الجور «حين يرون» (١) أن لهم فى الآخرة ما للمؤمنين ، فى الآخرة الدرجات فى الجنة ونعيمها «للمؤمنين» (٢) ، والكافرون فى النار يعذبون (٣) [١٥٠ ب].

قوله : (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) يقول لم أخلقهما عبثا لغير شيء ، ولكن خلقتهما لأمر هو كائن (وَلِتُجْزى) يقول ولكي تجزى (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) يعنى بما عملت فى الدنيا من خير أو شر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ـ ٢٢ ـ فى أعمالهم يعنى لا ينقصون من حسناتهم ، ولا يزاد فى سيئاتهم.

قوله (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) يعنى الحارث بن قيس السهمي اتخذ إلهه هوى ، وكان من المستهزئين وذلك أنه هوى الأوثان فعبدها (وَأَضَلَّهُ

__________________

(١) «حين يرون» : من ف ، وليس فى أ.

(٢) «للمؤمنين» : زيادة اقتضاها السياق.

(٣) العبارة ركيكة فى أ ، ف وجميع النسخ.

٨٣٩

اللهُ عَلى عِلْمٍ) علمه فيه (وَخَتَمَ) يقول وطبع (عَلى سَمْعِهِ) فلا يسمع الهدى (وَ) على (قَلْبِهِ) فلا يعقل الهدى (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) يعنى الغطاء (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) إذ أضله الله (أَفَلا) يعنى أفهلا (تَذَكَّرُونَ) ـ ٢٣ ـ فتعتبروا فى صنع الله فتوحدونه (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) يعنى نموت نحن ، ويحيا آخرون ، فيخرجون من أصلابنا ، فنحن كذلك فما نبعث أبدا (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) يقول وما يميتنا إلا طول العمر ، وطول اختلاف الليل والنهار ، ولا نبعث يقول الله ـ تعالى ـ : (وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) بأنهم لا يبعثون (إِنْ هُمْ) يقول ما هم (إِلَّا يَظُنُّونَ) ـ ٢٤ ـ ما يستيقنون وبالظن تكلموا على غيرهم أنهم لا يبعثون (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) يعنى القرآن (بَيِّناتٍ) يعنى واضحات «من الحلال والحرام» (١) (ما كانَ حُجَّتَهُمْ) حين خاصموا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى الرعد حين قالوا سير لنا الجبال ، وسخر لنا الرياح ، وابعث لنا رجلين أو ثلاثة من قريش من آبائنا ، منهم قصى بن كلاب فإنه كان صدوقا وكان إمامهم ، فنسألهم عما تخبرنا به أنه كائن بعد الموت ، فذلك قوله ـ تعالى ـ : «ما كان حجتهم» (إِلَّا أَنْ قالُوا) للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٢٥ ـ هذا قول أبى جهل للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : ابعث لنا رجلين أو ثلاثة إن كنت من الصادقين بأن البعث حق ، قال الله ـ تعالى ـ (قُلِ) لهم يا محمد (اللهُ يُحْيِيكُمْ) حين كانوا نطفة

__________________

(١) فى أ : «من الحلال والحرام».

٨٤٠