تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

سورة القصص

٣٢١
٣٢٢

(٢٨) سوةر القصص مكةي

وآياتها ثمان وثمانون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦) وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩) وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ

٣٢٣

لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ

٣٢٤

أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨) * فَلَمَّا قَضى مُوسَى

٣٢٥

الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧)

٣٢٦

وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ

٣٢٧

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ

٣٢٨

بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ

٣٢٩

لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥) إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ

٣٣٠

فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (٨٢) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨))

٣٣١
٣٣٢

سورة القصص (*)

سورة القصص (٢) مكية (٣).

__________________

(*) المقصود الإجمالى لسورة القصص ما يأتى :

بيان ظلم فرعون بنى إسرائيل ، وولادة موسى ، ومحبة آسية له ، ورد موسى على أمه ، وحديث القبطي ، والإسرائيلى ، وهجرة موسى من مصر إلى مدين ، وسقيه لبنات شعيب ، واستئجار شعيب موسى ، وخروج موسى من مدين وظهور آثار النبوة اليد البيضاء ، وقلب العصا ، وإمداد الله ـ تعالى ـ له بأخيه هارون ، وحيلة هامان فى معارضة موسى ، وإخبار الله ـ تعالى ـ عما جرى فى الطور ، ومدح مؤمنى أهل الكتاب ، وقصة إهلاك القرون الماضية ومناظرة المشركين يوم القيامة ، واختيار الله ـ تعالى ـ ما شاء ، وإقامة البرهان على وجود الحق ، ووعد الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالرجوع إلى مكة وبيان أن كل ما دون الحق فهو فى عرضه الفناء والزوال ، وأن زمام الحكم بيده ـ تعالى ـ فى قوله (... كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) سورة القصص : ٨٨.

__________________

(١) فى نسخة ز ، بدأ سورة القصص :

حدثنا محمد بن هانى ، قال حدثنا أبو القاسم الحسين بن ميمون قال : حدثنا أبو صالح الهذيل بن حبيب فقال : حدثنا مقاتل بن سليمان قال : ـ سورة القصص مكية ، وفيها من المدني (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ...) إلى قوله : (... سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) وفيها آية ليست بمكية ولا مدنية (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) نزلت بالحجفة قبل الهجرة.

(٢) فى أزيادة : «إلا آيتان» ، وهو خطأ ، وصوابه «إلا آيتين».

٣٣٣

وفيها من المدني (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ...) إلى قوله (... سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) (١).

وفيها آية ليست بمكية ولا مدنية قوله : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ...) (٢) نزلت بالحجفة أثناء الهجرة (٣).

وعدد آياتها ثمان وثمانون آية كوفية (٤).

__________________

(١) يشير إلى أربع آيات هي الآيات : ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥. من سورة القصص ، والمثبت من ل.

وفى أ : سورة القصص مكية إلا آيتان فإنهما مدنيتان وهما قوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ...) إلى قوله (... الْجاهِلِينَ).

(٢) سورة القصص : ٨٥.

(٣) فى ل : نزلت بالحجفة قبل الهجرة.

وفى المصحف (٢٨) سورة القصص مكية.

إلا من آية ٥٢ إلى غاية ٥٥ فمدنية ، وآية ٨٥ فبالحجفة أثناء الهجرة وآياتها ٨٨ نزلت بعد النمل.

(٤) فى أ : وعدد آياتها ستة وثمانون آية كوفية باتفاق.

أقول : وهذا خطأ لفظا ومعنى.

٣٣٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(طسم) ـ ١ ـ (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) يعنى القرآن (الْمُبِينِ) ـ ٢ ـ يعنى بين ما فيه (نَتْلُوا عَلَيْكَ) يعنى نقرأ عليك يا محمد (مِنْ نَبَإِ) يعنى من حديث (مُوسى وَفِرْعَوْنَ) اسمه فيطوس (بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ـ ٣ ـ يعنى يصدقون بالقرآن ، ثم أخبر عن فرعون فقال ـ سبحانه ـ : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا) يعنى تعظم (فِي الْأَرْضِ) يعنى أرض مصر (وَجَعَلَ أَهْلَها) يعنى أهل مصر (شِيَعاً) يعنى أحزابا (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) يعنى من أهل مصر يستضعف بنى إسرائيل (يُذَبِّحُ) يعنى يقتل (أَبْناءَهُمْ) يعنى أبناء بنى إسرائيل (وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) يقول ويترك بناتهم فلا يقتلهن وكان جميع من قتل من بنى إسرائيل ثمانية (١) عشر طفلا (إِنَّهُ) يعنى فرعون (كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) ـ ٤ ـ يعنى كان يعمل فى الأرض بالمعاصي يقول الله ـ عزوجل ـ : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَ) يقول نريد أن ننعم (عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) يعنى بنى إسرائيل حين أنجاهم من آل فرعون (فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) يعنى قادة فى الخير يقتدى بهم فى الخير (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) ـ ٥ ـ لأرض مصر بعد هلاك فرعون (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) يعنى

__________________

(١) فى أ : ثمانية ، ز : ثمانية.

٣٣٥

فى أرض مصر (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) القبط (مِنْهُمْ) يعنى من بنى إسرائيل (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) ـ ٦ ـ من مولود بنى إسرائيل إن يكون هلاكهم فى سببه وهو موسى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذلك أن الكهنة أخبروا فرعون أنه يولد فى هذه السنة مولود فى بنى إسرائيل يكون هلاكك (١) فى سببه فجعل فرعون على نساء بنى إسرائيل قوابل من نساء أهل مصر «وأمرهنّ» (٢) أن يقتلن كل مولود ذكر يولد من بنى إسرائيل مخافة ما بلغه (٣) فلم يزل الله ـ عزوجل ـ بلطفه يصنع لموسى ـ عليه‌السلام ـ حتى نزل بآل فرعون من الهلاك [٦٣ ب] ما كانوا يحذرون ، وملك فرعون أربعمائة سنة وستة وأربعين سنة ، (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) واسمها يو كابد (٤) من ولد لاوى (٥) بن يعقوب (أَنْ أَرْضِعِيهِ) فأمرها جبريل ـ عليه‌السلام ـ بذلك (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) القتل وكانت أرضعته ثلاثة أشهر وكان خوفها أنه كان يبكى من قلة اللبن فيسمع الجيران بكاء الصبي ، فقال : «فإذا خفت عليه» (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) يعنى فى البحر وهو بحر النيل. فقالت : رب ، إنى قد علمت أنك قادر على ما تشاء ، ولكن كيف لي أن ينجو صبي صغير من عمق البحر وبطون الحيتان. فأوحى الله ـ عزوجل ـ إليها أن تجعله فى التابوت ،

__________________

(١) كذا فى أ ، ل ، ف.

(٢) «وأمرهن» : من ف ، وليست فى أ.

(٣) من ف ، والجملة مضطربة فى أ.

(٤) فى أ ، ز : يوخاند ، ف : يوكابد.

(٥) فى أ : لاوية ، ز : لاوى.

٣٣٦

ثم تقذفه فى اليم ، فإنى أو كل به ملك يحفظه فى اليم ، فصنع لها التابوت حزقيل القبطي ، ووضعت موسى فى التابوت ، ثم ألقته فى البحر يقول الله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَخافِي) عليه الضيعة (وَلا تَحْزَنِي) عليه القتل (١) (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ـ ٧ ـ إلى أهل مصر فصدقت ، بذلك ففعل الله ـ عزوجل ـ ذلك به ، وبارك الله ـ تعالى ـ على موسى ـ عليه‌السلام ـ وهو فى بطن أمه ثلاثمائة وستين بركة ، (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) من البحر من بين الماء والشجر وهو فى التابوت ، فمن ثم سمى موسى ، بلغة القبط الماء : مو ، والشجر : سى ، فسموه موسى ، ثم قال ـ تعالى ـ : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا) فى الهلاك (وَحَزَناً) يعنى وغيظا فى قتل الأبكار ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ (وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) (٢) لقتلهم أبكارنا ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) ـ ٨ ـ (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) واسمها آسية بنت مزاحم ـ عليها‌السلام : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ) فإنا أتينا به من أرض أخرى ، وليس من بنى إسرائيل (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) فنصيب منه خيرا (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) يقول الله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ٩ ـ أن هلاكهم فى سببه (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) وذلك أنها رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر ، فخشيت عليه الغرق ، فكادت تصيح شفقة عليه ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : «إن كادت لتبدي به» يقول إن همت لتشعر أهل مصر بموسى ـ عليه‌السلام ـ أنه ولدها (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) بالإيمان (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ١٠ ـ يعنى

__________________

(١) كذا فى أ ، ز ، والمراد ولا تحزني عليه من القتل.

(٢) سورة الشعراء : ٥٥.

٣٣٧

من المصدقين بتوحيد الله ـ عزوجل ـ حين قال لها : «إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» (وَقالَتْ) أم موسى : (لِأُخْتِهِ) يعنى أخت موسى لأبيه وأمه ، واسمها مريم (قُصِّيهِ) يعنى قصى أثره فى البحر (١) وهو فى التابوت يجرى فى الماء حتى تعلمي علمه من يأخذه (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) يعنى كأنها مجانبة له بعيدا من أن ترقبه كقوله ـ تعالى ـ : (... وَالْجارِ الْجُنُبِ ...) (٢) يعنى بعيدا منهم من قوم آخرين وعينها إلى التابوت معرضة بوجهها [٦٤ أ] عنه إلى غيره (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ١١ ـ أنها ترقبه (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ) أن يصير إلى أمه ، وذلك أنه لم يقبل ثدي امرأة (فَقالَتْ) أخته مريم (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) يعنى يضمنون لكم رضاعه (وَهُمْ لَهُ) للولد (ناصِحُونَ) ـ ١٢ ـ هم أشفق عليه وأنصح له من غيره فأرسل إليها (٣) فجاءت فلما وجد الصبى ريح أمه قبل ثديها ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) لقوله : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٤) ثم قال ـ تعالى ـ : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) يعنى أهل مصر (لا يَعْلَمُونَ) ـ ١٣ ـ بأن وعد الله ـ عزوجل ـ حق (وَلَمَّا بَلَغَ) موسى (أَشُدَّهُ) يعنى ثماني عشرة سنة (وَاسْتَوى) يعنى أربعين سنة (٥) (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) يقول أعطيناه علما وفهما (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ـ ١٤ ـ يقول هكذا نجزى من أحسن

__________________

(١) فى أ : الجد ، وفى ف ، الحد ، وفى ز : البحر.

(٢) سورة النساء : ٣٦.

(٣) كذا فى أ ، ز ، ف ، والضمير عائد على الأم وإن لم يسبق ذكرها لفظا ، والأنسب فأرسل إلى أمه.

(٤) سورة القصص : ٧.

(٥) من أ ، ل ، وفى ز : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) لثمان عشرة سنة إلى أربعين سنة «واستوى» ابن ثلاثين سنة.

٣٣٨

يعنى من آمن بالله ـ عزوجل ـ وكان بقرية تدعى خانين (١) على رأس فرسخين فأتى المدينة فدخلها نصف النهار ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ) يعنى القرية (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) يعنى نصف النهار وقت القائلة (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ) كافرين (يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ) يعنى هذا من جنس موسى من بنى إسرائيل (وَهذا) الآخر (مِنْ عَدُوِّهِ) من القبط «فاستغثه الّذى من شيعته على الّذى من عدوّه» (٢) (فَوَكَزَهُ مُوسى) بكفه مرة واحدة (فَقَضى عَلَيْهِ) الموت ، وكان موسى ـ عليه‌السلام ـ شديد البطش (٣) ثم ندم موسى ـ عليه‌السلام ـ فقال : إنى لم أومر بالقتل (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) يعنى من تزيين الشيطان (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) ـ ١٥ ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) يعنى أضررت نفسي بقتل النفس (فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ـ ١٦ ـ بخلقه (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) يقول إذ أنعمت على بالمغفرة فلم تعاقبني بالقتل (فَلَنْ) أعود أن (أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) ـ ١٧ ـ يعنى معينا للكافرين فيما بعد اليوم لأن الذي نصره (٤) موسى كان كافرا (فَأَصْبَحَ) موسى من الغد (فِي الْمَدِينَةِ) (٥) (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) يعنى ينتظر الطلب (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) يعنى يستغيثه ثانية على رجل آخر كافر من القبط (قالَ لَهُ مُوسى) للذي نصره بالأمس : الإسرائيلى :

__________________

(١) فى أ ، ز : خانين.

(٢) ما بين القوسين «...» : ساقط من أن ، ل ، ز.

(٣) فى أ ، زيادة : ابن ثلاثين سنة ، وليست فى ز.

(٤) فى أ : نصر ، ز ، ف ، نصره.

(٥) «فى المدينة» : ساقطة من أ ، ل ، ز.

٣٣٩

(إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) ـ ١٨ ـ يقول إنك لمضل مبين قتلت أمس فى سببك رجلا (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ) الثانية بالقبطي (بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) يعنى عدوا لموسى وعدوا للإسرائيلي ، ظن الإسرائيلى أن موسى يريد أن يبطش به لقول موسى له : «إنك لغوى مبين» (قالَ) الإسرائيلى : (يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ) يعنى ما تريد (إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً) يعنى قتالا (فِي الْأَرْضِ) : مثل سيرة الجبابرة (١) القتل فى غير حق [٦٤ ب] (وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) ـ ١٩ ـ يعنى من المطيعين لله ـ عزوجل ـ فى الأرض ولم يكن أهل مصر علموا بالقاتل حتى أفشى الإسرائيلى على موسى فلما سمع القبطي بذلك انطلق فأخبرهم أن موسى هو القاتل فائتمروا بينهم بقتل موسى (وَجاءَ رَجُلٌ) فجاء حزقيل بن صابوث القبطي ـ وهو المؤمن ـ (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) يعنى أقصى القرية (يَسْعى) على رجليه ف (قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ) من أهل مصر (يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) بقتلك القبطي (فَاخْرُجْ) من القرية (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) ـ ٢٠ ـ (فَخَرَجَ) موسى ـ عليه‌السلام ـ (مِنْها) من القرية (خائِفاً) أن يقتل (يَتَرَقَّبُ) يعنى ينتظر الطلب وهو هارب منهم (قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ـ ٢١ ـ يعنى المشركين أهل مصر فاستجاب الله ـ عزوجل ـ له فأتاه جبريل ـ عليه‌السلام ـ فأمره أن يسير تلقاء مدين وأعطاه العصا فسار من مصر إلى مدين فى عشرة أيام بغير دليل ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) بغير دليل خشي أن يضل الطريق (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي

__________________

(١) فى أ : الجبابرين ، وفى ز : الجبابرة.

٣٤٠