تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

وجل ـ : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) يعنى فى مجالسكم المنكر يعنى الحذف (١) بالحجارة (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) أى قوم لوط ـ عليه‌السلام ـ حين نهاهم عن الفاحشة والمنكر (إِلَّا أَنْ قالُوا) للوط ـ عليه‌السلام ـ : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ـ ٢٩ ـ يعنى بأن العذاب نازل بهم فى الدنيا فدعا لوط ربه ـ عزوجل ـ ف (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) ـ ٣٠ ـ يعنى العاصين يعنى بالفساد إتيان الرجال فى أدبارهم ، يقول رب انصرني بتحقيق قولي فى العذاب عليهم «بما كذبون» يعنى بتكذيبهم إياى [٧٣ أ] حين قالوا إن العذاب ليس بنازل بهم فى الدنيا ، فأهلكهم الله ـ عزوجل ـ بالخسف والحصب ، وكان لوط ـ عليه‌السلام ـ قد أنذرهم العذاب ، فذلك قوله (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا ...) (٢) يعنى عذابنا (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا) يعنى الملائكة (إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) بالولد (قالُوا) لإبراهيم : (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) يعنون قرية لوط (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) ـ ٣١ ـ (قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ) يعنى لوطا ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) ـ ٣٢ ـ يعنى الباقين فى العذاب (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا) الملائكة (لُوطاً) وحسب أنهم من الإنس (سِيءَ بِهِمْ) يعنى كرههم لوط لصنيع قومه بالرجال (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) يعنى بضيافة الملائكة ذرعا يعنى مخافة عليهم أن يفضحوهم (وَقالُوا) وقالت الرسل للوط ـ عليه‌السلام ـ : (لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ) لأن قومه وعدوه فقالوا معك رجال سحروا (٣) أبصارنا ، فستعلم ما تلقى

__________________

(١) فى أ : يعنى الحذف بالحجارة ، وفى : بالحذف ، وفى ل ، ز : يعنى الحذف بالحجارة.

(٢) سورة القمر : ٣٦.

(٣) سحروا : من ف ، وليست فى أ.

٣٨١

عذابهم ، فقالت الرسل : (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) ثم استثنى امرأته ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) ـ ٣٣ ـ يعنى من الباقين فى العذاب ، فهلك قوم لوط ، ثم أهلكت بعد ، بحجر أصابها فقتلها (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً) يعنى عذابا (مِنَ السَّماءِ) على قرى لوط يعنى الخسف والحصب (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) ـ ٣٤ ـ يعنى يعصون (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً) يعنى من قرية لوط آية (بَيِّنَةً) يعنى علامة واضحة ، يعنى هلاكهم (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ـ ٣٥ ـ بتوحيد الله ـ عزوجل ـ كانت قرية لوط بين المدينة والشام ، وولد للوط بعد هلاك قومه ابنتان وكان له ابنتان قبل هلاكهم (١). ثم مات لوط وكان أولاده مؤمنين من بعده.

(وَ) أرسلنا (إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) بن نويب بن مدين ابن إبراهيم خليل الرحمن ـ جل جلاله ـ لصلبه (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) يعنى وحدوا الله (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) يعنى واخشوا البعث الذي فيه جزاء الأعمال (وَلا تَعْثَوْا) يعنى ولا تسعوا (فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ـ ٣٦ ـ يعنى بالمعاصي فى نقصان الكيل والميزان وهو الفساد فى الأرض (فَكَذَّبُوهُ) بالعذاب حين أوعدهم أنه نازل بهم فى الدنيا (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) يعنى ـ عزوجل ـ فى محلتهم وعسكرهم (جاثِمِينَ) ـ ٣٧ ـ أمواتا خامدين مثل النار إذا أطفئت ، بينما هي تقد إذا هي طفئت ، فشبه أرواحهم فى أجسادهم وهم أحياء مثل النار إذا تقد «ثم شبه هلاكهم بالنار» (٢) إذا طفئت ، [٧٣ ب] بينما هم أحياء إذ صاح بهم جبريل

__________________

(١) من ز ، وفى أ : خطأ.

(٢) ما بين الأقواس «...» ، زيادة اقتضاها السياق.

٣٨٢

ـ عليه‌السلام ـ فصعقوا أمواتا أجمعين (وَ) أهلكنا (عاداً وَثَمُودَ) وهما ابنا عم (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ) يا أهل مكة (مِنْ مَساكِنِهِمْ) يعنى منازلهم آية فى هلاكهم (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) السيئة (فَصَدَّهُمْ) الشيطان (عَنِ السَّبِيلِ) أى طريق الهدى (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) ـ ٣٨ ـ فى دينهم يحسبون أنهم على هدى (وَ) أهلكنا (قارُونَ وَفِرْعَوْنَ) واسمه فيطوس (وَهامانَ) قهرمان فرعون ودستوره (١). (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) (٢) أخبرهم أن العذاب نازل بهم فى الدنيا فكذبوه وادعوا أنه غير نازل بهم فى الدنيا. (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ) ـ ٣٩ ـ يعنى فتكبروا بذنوبهم يعنى بتكذيبهم الرسل ، كقوله ـ تعالى ـ : «... اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ (٣) ...» يعنى بتكذيبهم الرسل وكفروا به «... فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ (٤) ...» يعنى بتكذيبهم صالحا. قال ـ عزوجل ـ : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) (٥) (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) يعنى من الحجارة وهم قوم لوط (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) يعنى صيحة جبريل ـ عليه‌السلام ـ وهم قوم صالح ، وقوم شعيب ، وقوم هود ، وقوم إبراهيم (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا

__________________

(١) فى أزيادة ليست فى ف ، ولا فى ز ، وهي : وهو بالفارسية الذي يستشيره.

(٢) يلاحظ أن أ ، ف ، ز ، فيهم خطأ فى هذه الآية ثم فسرت فى الجميع على هذا الخطأ ، وفى أ : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) يعنى قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب وقوم فرعون (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) يقول أخبرتهم رسلهم بالبينات ، (وهي مقطع من آية أخرى ليس محلها هنا).

ومع ذلك فقد ورد هذا الخطأ فى جميع النسخ واضطررت لتصويبه حسب ترتيب المصحف.

(٣) سورة التوبة : ١٠٢.

(٤) سورة الشمس : ١٤.

(٥) ما بين القوسين «...» ساقط من النسخ أ ، ز ، ل ، ف.

٣٨٣

بِهِ الْأَرْضَ) يعنى قارون وأصحابه (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) يعنى قوم نوح ، وقوم فرعون (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) فيعذبهم على غير ذنب (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ـ ٤٠ ـ يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ثم قال ـ عزوجل ـ (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) يعنى الآلهة وهي الأصنام اللات والعزى ومناة وهبل (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ) وذلك أن الله ـ عزوجل ـ ضرب مثل الصنم فى الضعف يعنى كشبه العنكبوت إذا (اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ) يعنى أضعف (الْبُيُوتِ) كلها (لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) فكذلك ضعف الصنم هو أضعف من بيت العنكبوت (لَوْ) يعنى إن (كانُوا يَعْلَمُونَ) ـ ٤١ ـ ولكن لا يعلمون ، ثم قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) يعنى الأصنام (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ـ ٤٢ ـ يعنى العزيز فى ملكه الحكيم فى أمره ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) يقول وتلك الأشباه نبينها لكفار مكة ، فيما ذكر من أمر الصنم (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) ـ ٤٣ ـ يقول الذين يعقلون عن الله ـ عزوجل ـ الأمثال (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) لم يخلقهما باطلا لغير شيء خلقهما لأمر هو كائن (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) ـ ٤٤ ـ يقول إن فى [٧٤ أ] خلقهما لعبرة للمصدقين بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) يعنى أقرأ على أهل الكتاب ما أنزل إليك من القرآن ، ثم قال ـ تعالى ـ : (وَأَقِمِ) يعنى وأتم (الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) يعنى عن المعاصي (وَ) عن (الْمُنْكَرِ) يعنى بالمنكر ما لا يعرف يقول إن الإنسان ما دام يصلى لله ـ عزوجل

٣٨٤

ـ فقد انتهى عن الفحشاء والمنكر لا يعمل بهما ما دام يصلى حتى ينصرف ، ثم قال ـ عزوجل ـ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) يعنى إذا صليت لله ـ تعالى ـ فذكرته فذكرك الله بخير ، وذكر الله إياك أفضل من ذكرك إياه فى الصلاة (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) ـ ٤٥ ـ فى صلاتكم (وَلا تُجادِلُوا) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحده (أَهْلَ الْكِتابِ) البتة يعنى مؤمنيهم عبد الله بن سلام وأصحابه (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فيها تقديم يقول جادلهم قل لهم بالقرآن وأخبرهم عن القرآن نسختها آية السيف فى براءة فقال ـ تعالى ـ : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ...) (١) (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) (٢) (وَقُولُوا) لهم يعنى ظلمة اليهود (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا) يعنى القرآن (وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) يعنى التوراة (وَ) قولوا لهم (إِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ) ربنا وربكم واحد (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ـ ٤٦ ـ يعنى مخلصين بالتوحيد (وَكَذلِكَ) يعنى وهكذا (أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) كما أنزلنا التوراة على أهل الكتاب ، ـ ليبين لهم ـ عزوجل ـ يعنى ليخبرهم ، ثم ذكر مؤمنى أهل التوراة عبد الله بن سلام وأصحابه فقال ـ سبحانه ـ : (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يعنى أعطيناهم التوراة يعنى بن سلام وأصحابه (يُؤْمِنُونَ بِهِ) يصدقون بقرآن محمد ـ صلى الله

__________________

(١) سورة التوبة : ٢٩.

ونرى أن حقيقة النسخ لا تنطبق على هذا الأمر. فآية العنكبوت تأمر بالجدال بالتي هي أحسن مع أهل الكتاب وآية التوبة تأمر بقتال صنف آخر لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.

وانظر النسخ عند مقاتل فى دراستي التي قدمت بها لهذا التفسير.

(٢) فى أ ، ز : يعنى مشركيهم.

وفى كليهما تحريف فى الآية فقد أورداها هكذا «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا الذين ظلموا منهم إلا بالتي هي أحسن» وترتيب الآية فى المصحف غير ذلك.

٣٨٥

عليه وسلم ـ أنه من الله ـ عزوجل ـ ، ثم ذكر مسلمي مكة فقال : (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) يعنى يصدق بقرآن محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه من الله جاء ، ثم قال : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) يعنى آيات القرآن بعد المعرفة لأنهم يعلمون أن محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نبى وأن القرآن حق (١) من الله ـ عزوجل ـ (إِلَّا الْكافِرُونَ) ـ ٤٧ ـ من اليهود (وَما كُنْتَ) يا محمد (تَتْلُوا) يعنى تقرأ (مِنْ قَبْلِهِ) يعنى من قبل القرآن (مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) فلو كنت يا محمد تتلوا القرآن أو تخطه ، لقالت اليهود إنما كتبه من تلقاء نفسه و (إِذاً لَارْتابَ) يقول وإذا لشك (الْمُبْطِلُونَ) ـ ٤٨ ـ يعنى الكاذبين يعنى كفار اليهود إذا لشكوا فيك يا محمد ، إذا لقالوا إن الذي نجد فى التوراة نعته (٢) ، هو أمى لا يقرأ الكتاب [٧٤ ب] ولا يخطه بيده ، ثم ذكر مؤمنى أهل التوراة فقال : (بَلْ هُوَ) (٣) يا محمد (آياتٌ بَيِّناتٌ) يعنى علامات واضحات بأنه أمى لا يقرأ الكتاب ولا يخطه بيده (فِي صُدُورِ) يعنى فى قلوب (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بالتوراة يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) يعنى ببعث محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى التوراة بأنه أمى لا يقرأ الكتاب ولا يخطه بيده ، وهو مكتوب فى التوراة فكتموا أمره وجحدوا ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : «وما يجحد بآياتنا» يعنى يبعث محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى التوراة (إِلَّا الظَّالِمُونَ) ـ ٤٩ ـ

__________________

(١) فى أ : والقرآن حق.

(٢) فى أ : بعثه ، وفى ز : نعته.

(٣) فى أ ، ز : «بل هو» يعنى يا محمد ، وفى ف : «بل هو» يا محمد.

٣٨٦

يعنى كفار اليهود (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) قال كفار مكة هلا أنزل على محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ آيات من ربه إلينا كما كان تجيء إلى قومهم ، فأوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : (قُلْ) لهم (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) فإذا شاء أرسلها وليست بيدي (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ـ ٥٠ ـ فلما سألوه الآية قال الله ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) بالآية من القرآن (أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) فيه خبر ما قبلهم وما بعدهم (إِنَّ فِي ذلِكَ) يعنى ـ عزوجل ـ فى القرآن (لَرَحْمَةً) لمن آمن به وعمل به (وَذِكْرى) يعنى وتذكرة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ـ ٥١ ـ يعنى يصدقون بالقرآن أنه من الله ـ عزوجل ـ فكذبوا بالقرآن فنزل (قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) يعنى فلا شاهد أفضل من الله بيننا (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) يعنى صدقوا بعبادة الشيطان (وَكَفَرُوا بِاللهِ) بتوحيد الله (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ـ ٥٢ ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) استهزاء وتكذيبا به نزلت فى النضر بن الحارث حيث قال : (... فَأَمْطِرْ عَلَيْنا) فى الدنيا «حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» (١) يقول ذلك استهزاء وتكذيبا فنزلت فيه «وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ» (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) فى الآخرة (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) الذي استعجلوه فى الدنيا (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ) العذاب فى الآخرة (بَغْتَةً) يعنى فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ٥٣ ـ يعنى لا يعلمون به حتى ينزل بهم العذاب ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ)

__________________

(١) سورة الأنفال : ٣٢ وتمامها : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ).

٣٨٧

يعنى النضر بن الحارث (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) ـ ٥٤ ـ ثم أخبر بمنازلهم يوم القيامة ، فقال ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ) وهم فى النار (مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) يعنى بذلك (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ...) (١) [٧٥ أ] يعنى بين طبقتين من نار (وَيَقُولُ) لهم الخزنة : (ذُوقُوا) جزاء (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٥٥ ـ من الكفر والتكذيب (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) نزلت فى ضعفاء مسلمين أهل مكة إن كنتم فى ضيق بمكة من إظهار الإيمان ف (إِنَّ أَرْضِي) يعنى أرض الله بالمدينة (٢) (واسِعَةٌ) من الضيق (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) ـ ٥٦ ـ يعنى فوحدونى بالمدينة علانية ، ثم خوفهم الموت ليهاجروا فقال ـ تعالى ـ : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) ـ ٥٧ ـ فى الآخرة بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم ، ثم ذكر المهاجرين فقال ـ سبحانه ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) يعنى لننزلنهم (مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) لا يموتون فى الجنة (نِعْمَ أَجْرُ) يعنى جزاء (الْعامِلِينَ) ـ ٥٨ ـ لله ـ عزوجل ـ ، ثم نعتهم فقال ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ صَبَرُوا) على الهجرة (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ـ ٥٩ ـ يعنى وبالله يثقون فى هجرتهم ، وذلك أن أحدهم كان يقول بمكة أهاجر إلى المدينة وليس لي بها مال ، ولا معيشة ، فوعظهم الله ليعتبروا فقال : (وَكَأَيِّنْ) يعنى وكم (مِنْ دَابَّةٍ) فى الأرض أو طير (لا تَحْمِلُ) يعنى لا ترفع (رِزْقَهَا) معها (اللهُ يَرْزُقُها) حيث توجهت (وَإِيَّاكُمْ) يعنى

__________________

(١) سورة الزمر : ١٦.

(٢) فى أ : «فإن أرض الله» المدينة ، وفى ز : (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ).

٣٨٨

يرزقكم إن هاجرتم إلى المدينة (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ـ ٦٠ ـ لقولهم إنا لا نجد ما ننفق فى المدينة ، ثم قال ـ عزوجل ـ للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) يعنى ولئن سألت كفار مكة (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) وحده خلقهم (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) ـ ٦١ ـ يعنى ـ عزوجل ـ من أين تكذبون يعنى بتوحيدي ، ثم رجع إلى الذين رغبهم فى الهجرة ، والذين قالوا لا نجد ما ننفق ، فقال ـ عزوجل ـ : (اللهُ يَبْسُطُ) يعنى يوسع (الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) يعنى ويقتر على من يشاء (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ـ ٦٢ ـ من البسط على من يشاء ، والتقتير عليه (١) (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) يعنى كفار مكة (مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يعنى المطر (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ) يفعل ذلك (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) بإقرارهم بذلك (بَلْ) (٢) (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ـ ٦٣ ـ بتوحيد ربهم وهم مقرون بأن الله ـ عزوجل ـ خلق الأشياء كلها وحده ، ثم قال ـ تعالى ـ : (وَما هذِهِ الْحَياةُ) (٣) (الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) يعنى وباطلا (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ) يعنى الجنة (لَهِيَ الْحَيَوانُ) يقول [٧٥ ب] لهى دار الحياة لا موت فيها (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ـ ٦٤ ـ ولكنهم لا يعلمون (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) يعنى السفن يعنى كفار مكة يعظهم ليعتبروا (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) يعنى موحدين له التوحيد (٤) (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) ـ ٦٥ ـ

__________________

(١) فى أ : عليهم ، ز : عليم.

(٢) فى أ : ولكن «بل» ، وفى ز : ولكن يعنى بل.

(٣) فى أ : «وما الحياة».

(٤) من ز ، وفى أ : يعنى التوحيد له : الإسلام.

٣٨٩

فلا يوحدون كما يوحدونه ـ عزوجل ـ فى البحر (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) يعنى لئلا يكفروا بما أعطيناهم فى البحر من العافية حين سلمهم الله ـ عزوجل ـ من البلاء وأنجاهم من اليم (وَلِيَتَمَتَّعُوا) (١) إلى منتهى آجالهم (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ـ ٦٦ ـ هذا وعيد (أَوَلَمْ يَرَوْا) يعنى كفار مكة يعظهم ليعتبروا (أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) فيقتلون ويسبون فادفع عنهم وهم يأكلون رزقي ويعبدون غيرى فلست أسلط عليهم عدوهم إذا أسلموا نزلت فى الحارث بن نوفل القرشي ، نظيرها فى «طسم» القصص (٢) ، ثم بين لهم ما يعبدون فقال ـ سبحانه ـ : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ)؟ يعنى أفبالشيطان يصدقون أن لله ـ تعالى ـ شريكا (وَبِنِعْمَةِ اللهِ) الذي أطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف (يَكْفُرُونَ) ـ ٦٧ ـ فلا يؤمنون برب هذه النعمة فيوحدونه ـ عزوجل ـ ، ثم قال ـ تعالى ذكره ـ : (وَمَنْ أَظْلَمُ) يقول فلا أحد أظلم (مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ) يعنى بالتوحيد (لَمَّا جاءَهُ) يعنى حين جاءه ، ثم قال ـ تعالى ـ : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ) يقول أما لهذا المكذب بالتوحيد فى جهنم (مَثْوىً) يعنى مأوى (لِلْكافِرِينَ) ـ ٦٨ ـ بالتوحيد (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) يعنى عملوا بالخير لله ـ عزوجل ـ ، مثلها فى

__________________

(١) فى أ ، ز : «ولكي يتمتعوا».

(٢) يشير إلى الآية ٥٧ من سورة القصص وهي (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ»).

٣٩٠

آخر الحج (١) (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) يعنى ديننا (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ـ ٦٩ ـ لهم فى العون (٢) لهم.

__________________

(١) يشير إلى الآية ٧٨ من سورة الحج وبدايتها «وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ».

(٢) من ز ، وفيما تمت وربنا محمود ، وله الفواضل والجود وصلى الله على خيار خلقه محمد النبي المصطفى وآله ، ـ فى الورقة ١٢٠.

وفى أعلى الورقة ١١٩ ، وقف على ذرية محمود عبد الخالق الأشمونى الحنفي ـ غفر الله له ولوالديه آمين.

٣٩١
٣٩٢

سورة الرّوم

٣٩٣
٣٩٤

(٣٠) سورة الروم مكية

وآياتها ستون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧)

٣٩٥

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦) فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ

٣٩٦

مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ

٣٩٧

مِنْ ناصِرِينَ (٢٩) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ

٣٩٨

سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠) ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ

٣٩٩

الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠) وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (٦٠))

٤٠٠