تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

يُوعَدُونَ) ـ ٢٠٦ ـ (ما أَغْنى عَنْهُمْ) من العذاب (ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) ـ ٢٠٧ ـ فى الدنيا ، ثم خوفهم فقال ـ سبحانه ـ (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) فيما خلا بالعذاب فى الدنيا (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) ـ ٢٠٨ ـ يعنى رسلا تنذرهم العذاب بأنه نازل بهم فى الدنيا (ذِكْرى) يقول العذاب يذكر ويفكر (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) ـ ٢٠٩ ـ فنعذب على غير ذنب كان منهم ظلما ، قالت قريش إنه يجيء بالقرآن الري يعنون الشيطان ، فيلقيه على لسان محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فكذبوه بما جاء به ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) ـ ٢١٠ ـ (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) أن ينزلوا بالقرآن (وَما يَسْتَطِيعُونَ) ـ ٢١١ ـ لأنه حيل بينهم وبين السمع ، بالملائكة والشهب وذلك أنهم كانوا يستمعون إلى السماء قبل أن يبعث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلما بعث رمتهم الملائكة بالشهب ، فذلك قوله ـ سبحانه : (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) ـ ٢١٢ ـ بالملائكة والكواكب (فَلا تَدْعُ) يعنى (مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) وذلك حين دعى إلى دين آبائه فقال لا تدع يعنى فلا تعبد مع الله إلها آخر (فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) ـ ٢١٣ ـ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ـ ٢١٤ ـ لما نزلت هذه الآية قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إنى أرسلت إلى الناس عامة وأرسلت إليكم يا بنى هاشم وبنى المطلب خاصة وهم الأقربون وهما أخوان ابنا عبد مناف (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) يعنى لين لهم جناحك (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٢١٥ ـ (فَإِنْ عَصَوْكَ) يعنى بنى هاشم وبنى عبد المطلب فلم يجيبوك إلى الإيمان (فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) ـ ٢١٦ ـ من الشرك والكفر [٥٥ ب] (وَتَوَكَّلْ) يعنى وثق بالله ـ عزوجل ـ (عَلَى الْعَزِيزِ) فى نقمته (الرَّحِيمِ) ـ ٢١٧ ـ بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة ، وذلك حين

٢٨١

دعى إلى ملة آبائه ثم قال ـ سبحانه ـ : (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) ـ ٢١٨ ـ وحدك إلى الصلاة (وَتَقَلُّبَكَ) يعنى ويرى ركوعك وسجودك وقيامك فهذا التقلب (فِي السَّاجِدِينَ) ـ ٢١٩ ـ يعنى ويراك مع المصلين فى جماعة (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لما قالوا حين دعى إلى دين آبائه (الْعَلِيمُ) ـ ٢٢٠ ـ بما قال كفار مكة (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) ـ ٢٢١ ـ لقولهم إنما يجيء به الري فيلقيه على لسان محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ) يعنى كذاب (أَثِيمٍ) ـ ٢٢٢ ـ بربه منهم مسيلمة الكذاب وكعب بن الأشرف (يُلْقُونَ السَّمْعَ) يقول «تلقى» (١) الشياطين بآذانهم إلى السمع فى السماء لكلام الملائكة وذلك أن الله ـ عزوجل ـ إذا أراد أمرا فى أهل الأرض «أعلم» (٢) به أهل السموات من الملائكة فتكلموا به فتسمع الشياطين لكلام الملائكة وترميهم بالشهب فيخطفون الخطفة ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) ـ ٢٢٣ ـ يعنى الشياطين حين يخبرون الكهنة أنه يكون فى الأرض كذا وكذا ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) ـ ٢٢٤ ـ منهم عبد الله بن الزبعرى السهمي ، وأبو سفيان بن عبد المطلب ، وهميرة ابن أبى وهب المخزومي ، ومشافع بن عبد مناف عمير الجمحي ، وأبو عزة اسمه عمرو بن عبد الله ، كلهم من قريش ، وأمية بن أبى الصلت الثقفي ، تكلموا بالكذب والباطل وقالوا نحن نقول مثل قول محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قالوا الشعر واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون من أشعارهم ، ويروون عنهم حتى يهجون ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ)

__________________

(١) فى أ : يلقون.

(٢) فى أ : علم.

٢٨٢

ـ ٢٢٥ ـ يعنى فى كل طريق يعنى فى كل فن من الكلام يأخذون (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) ـ ٢٢٦ ـ : فعلنا وفعلنا وهم كذبة فاستأذن شعراء المسلمين أن يقتصوا من المشركين منهم عبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت وكعب بن مالك من بنى سلمة بن خثم كلهم من الأنصار ، فأذن لهم النبي ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فهجوا المشركين ومدحوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأنزل الله ـ تعالى ـ «والشعراء يتبعهم الغاوون ...» إلى آيتين ثم استثنى ـ عزوجل ـ شعراء المسلمين فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا) على المشركين [٥٦ أ] (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) يقول انتصر (١) شعراء المسلمين من شعراء المشركين ، فقال : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) يعنى أشركوا (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ـ ٢٢٧ ـ يقول ينقلبون فى الآخرة إلى الخسران.

حدثنا عبيد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبى عن الهذيل ، عن رجل ، عن الفضل ابن عيسى الرقاشي ، قال : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) قال : فضله على الألسن.

قال الهذيل سمعت المسيب بحديث عن أبى روق قال : كانت ناقة صالح ـ عليه‌السلام ـ بوضع لها الإناء فتدر فيه اللبن.

حدثنا عبد الله قال حدثني أبى عن الهذيل ، عن على بن عاصم ، عن الفضل ابن عيسى الرقاشي ، عن محمد بن المنكور عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : لما كلم الله ـ عزوجل ـ موسى ـ عليه‌السلام ـ

__________________

(١) فى أ : انتصروا.

٢٨٣

فوق الطور فسمع كلاما فوق الكلام الأول فقال يا رب هذا كلامك الذي كلمتنى به. قال : لا يا موسى : إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان (١) ولى قوة الألسن كلها ، وأنا أقوى من ذلك ، فلما رجع موسى ـ عليه‌السلام ـ إلى قومه قالوا : يا موسى ، صف لنا كلام الرحمن ، قال : سبحان الله ، لا أستطيع. قالوا : فشبهه ، قال : ألم تروا إلى أصوات الصواعق التي تقتل بأحلى حلاوة إن سمعتموه فإنه قريب منه وليس به (٢).

__________________

(١) من أ ، وفى ف : إنما كلمتك بما تطيق وتستطيع بذلك احتماله ولو كلمتك بأشد من هذا لمت.

(٢) انتهى تفسير سورة الشعراء فى ف ، وفى ا زيادات فى هذه القصة ، ويكفى أن تعلم أنها مروية عن كعب لتعرف أنها من إسرائيليات اليهود التي رأينا بالإعراض عنها.

وما أغنى كتاب الله عن هذا التشبيه والتجسيم ، وقد شان مقاتل تفسيره بهذا التجسيم والتشبيه ، وهو معروف ومشهور عند اليهود.

ثبتنا الله بالقول الثابت ، وحفظنا من الزيغ وختم لنا بالإيمان.

٢٨٤

سورة النّمل

٢٨٥
٢٨٦

(٢٧) النمل مكية

وآياتها ثلاث وتسعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦)

٢٨٧

إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا

٢٨٨

مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)

٢٨٩

قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها

٢٩٠

وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٣) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً

٢٩١

مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ

٢٩٢

إِلاَّ اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١) * وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ

٢٩٣

أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) * وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣))

٢٩٤

سورة النمل (*)

سورة النمل مكية.

وهي ثلاث وتسعون آية كوفية (١).

__________________

(*) المقصود الإجمالى لسورة النمل تضمنت سورة النمل المعاني الآتية :

بيان شرف القرآن ، ومدح المؤمنين ، وذم المشركين والإشارة إلى ذكر الوادي المقدس ، وموسى ابن عمران وذكر خبر داود وسليمان ، وفضل الله ـ تعالى ـ عليهما بتعليمهما منطق الطير وسائر الحيوان ، وقصة النمل ، وذكر الهدهد وخير بلقيس ، ورسالة الهدهد إليها من سليمان ، ومشاورتها أركان الدولة ، وبيان أثر الملوك إذا نزلوا فى مكان ، وإهداء بلقيس إلى سليمان وتهديده لها ، ودعوة آصف لإحضار تخت بلقيس فى أسرع وقت ، وتغيير حال العرش لتجربتها ، وإسلامها على يدي سليمان ، وحديث صالح ، ومكر قومه فى حقه ، وطرف من حديث قوم لوط أولى الطغيان ، والبرهان فى الحدائق ، والأشجار ، والبحار ، والأنهار ، وإجابة الحق دعاء أهل التضرع ، والابتهال إلى الرحمن ، وهداية الله الخلق فى ظلمات البر ، والبحر ، واطلاع الحق ـ تعالى ـ على أسرار الغيب ، وتسلية الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى إعراض المنكرين من قبول القرآن ، وقبول الإيمان وخروج الدابة ، وظهور علامة القيامة ، والإخبار عن حال الجبال فى ذلك اليوم ، وبيان جزاء المجرمين وإعراض الرسول عن المشركين ، وإقباله على القرآن الكريم ، وأمر الله له بالحمد على إظهار الحجة أعنى القرآن فى قوله (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ ...) : ٣.

وسميت سورة النمل لاشتمالها على حديث النملة عن سليمان فى قوله : (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ .... ) : ١٨.

__________________

(١) فى أ : وهي ثلاث وسبعون آية كوفية : وهو تصحيف ، فكتب علوم القرآن تذكر أنها ثلاث وتسعون فى عد الكوفة : وخمس وتسعون فى عدا الحجاز ، وأربع وتسعون فى عد الشام.

انظر بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي : ٣٤٨.

وفى المصحف (٢٧) سورة النمل مكية ، وآياتها ٩٣ نزلت بعد سورة الشعراء.

٢٩٥

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) ـ ١ ـ يعنى بين ما فيه من أمره ونهيه (هُدىً) يعنى بيان من الضلالة لمن عمل به (وَبُشْرى) لما فيه من الثواب (لِلْمُؤْمِنِينَ) ـ ٢ ـ يعنى للمصدقين بالقرآن بأنه من الله ـ عزوجل ، ثم نعتهم فقال ـ سبحانه ـ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يعنى يتمون الصلاة المكتوبة (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) يعنى ويعطون الزكاة المفروضة (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) يعنى بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال (هُمْ يُوقِنُونَ) ـ ٣ ـ (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) يعنى لا يصدقون بالبعث (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) يعنى ضلالتهم (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) ـ ٤ ـ يعنى يترددون فيها (أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ) يعنى شدة (الْعَذابِ) فى الآخرة (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) ـ ٥ ـ (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى) يعنى لتؤتى (الْقُرْآنَ) كقوله ـ سبحانه ـ : (وَما يُلَقَّاها ...) (١) يعنى وما يؤتاها ، ثم قال : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ) فى أمره (عَلِيمٍ) ـ ٦ ـ بأعمال الحلق (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ) يعنى امرأته حين رأى النار (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) يقول إنى رأيت نارا وهو نور رب العزة ـ جل ثناؤه ـ رآه ليلة الجمعة عن يمين (٢) الجبل «بالأرض المقدسة» (٣) (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أين الطريق وقد [٥٧ أ]

__________________

(١) سورة فصلت : ٣٥ وتمامها (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).

(٢) فى أ : من سن ، ل ، ز : عن يمين.

(٣) وردت «بأرض المقدسة» فى : ا ، ل ، ز ، والأنسب بالأرض المقدسة.

٢٩٦

كان تحير وترك الطريق. ثم قال : «فإن لم أجد من يخبرني الطريق» (١) : («أَوْ آتِيكُمْ» (٢) بِشِهابٍ قَبَسٍ) يقول آتيكم «بنار قبسة» (٣) مضيئة (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) ـ ٧ ـ من البرد (فَلَمَّا جاءَها) (٤) يعنى النار (٥) وهو (٦) نور رب العزة ـ تبارك وتعالى ـ (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) يعنى الملائكة (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ٨ ـ فى التقديم ، ثم قال : (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ) يقول إن النور الذي رأيت أنا (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ـ ٩ ـ (وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) يعنى تحرك (كَأَنَّها جَانٌ) يعنى كأنها كانت حية (وَلَّى مُدْبِراً) من الخوف من الحية (وَلَمْ يُعَقِّبْ) يعنى ولم يرجع يقول الله ـ عزوجل ـ : (يا مُوسى لا تَخَفْ) من الحية (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَ) يعنى عندي (الْمُرْسَلُونَ) ـ ١٠ ـ (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) نفسه من الرسل فإنه يخاف فكان منهم آدم ويونس وسليمان وإخوة يوسف وموسى بقتله النفس ، ـ عليهم‌السلام ـ (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) يعنى فمن بدل إحسانا بعد إساءته (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ١١ ـ (وَأَدْخِلْ يَدَكَ) اليمنى (فِي جَيْبِكَ) يعنى جيب المدرعة من قبل صدره وهي مضربة (٧) (تَخْرُجْ) اليد من المدرعة (بَيْضاءَ) لها شعاع كشعاع الشمس (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) يعنى من غير برص ثم انقطع الكلام ، يقول

__________________

(١) فى أ : فإن لم أجد الطريق.

(٢) فى ا ، ز : «آتيكم» وفى حاشية أ : «أو آتيكم».

(٣) من أ : وفى ز : بنار أقتبسه لكم.

(٤) من ا ، وفى ز : «فلما جاءها».

(٥) من ز ، وفى أ : إلى النار ، وفى حاشية أ : يحتمل أنها أى النار.

(٦) فى ا ، ز : وهو ، بالضمير المذكر أى الضوء.

(٧) فى ز : وهي مضربة. وفى أ : وهي مضربة ، فلعل معناها أنه يدخل يده فى جيب مدرعته حال كونها مضروبة عليها أو ملبوسة.

٢٩٧

الله ـ تبارك وتعالى ـ لمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (فِي تِسْعِ آياتٍ) يعنى «أعطى» (١) تسع آيات. اليد ، والعصا ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والسنين ، والطمس ، فآيتان منهما أعطى موسى ـ عليه‌السلام ـ «بالأرض المقدسة» (٢) اليد والعصى ، حين أرسل إلى فرعون ، وأعطى سبع آيات بأرض مصر حين كذبوه فكان أولها اليد وآخرها الطمس ، يقول : (إِلى فِرْعَوْنَ) واسمه فيطوس (وَقَوْمِهِ) أهل مصر (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) ـ ١٢ ـ يعنى عاصين (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا) (٣) (مُبْصِرَةً) يعنى مبينة معاينة يرونها (قالُوا) : يا موسى (هذا) الذي جئت به (سِحْرٌ مُبِينٌ) ـ ١٣ ـ يعنى بين. يقول الله ـ عزوجل ـ : (وَجَحَدُوا بِها) يعنى بالآيات يعنى بعد المعرفة ، فيها تقديم (وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) أنها من الله ـ عزوجل ـ وأنها ليست بسحر (ظُلْماً) شركا (وَعُلُوًّا) تكبرا (٤) (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) ـ ١٤ ـ فى الأرض بالمعاصي ، كان عاقبتهم الغرق ، وإنما استيقنوا بالآيات أنها من الله لدعاء موسى ربه أن يكشف عنهم الرجز فكشفه عنهم. [٥٧ ب] وقد علموا ذلك (وَلَقَدْ آتَيْنا) يعنى أعطينا (داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) بالقضاء وبكلام الطير وبكلام الدواب (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)

__________________

(١) «أعطى» : زيادة اقتضاها السياق.

(٢) فى الأصل : بأرض المقدسة.

(٣) فى ا ، ز : «فلما جاءهم» موسى «بآياتنا».

(٤) فى ا فسر هذه الآية هكذا :

«جحدوا بها ، ظلما وعلوا ، واستيقنتها أنفسهم ، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين». وقد أعدت ترتيب الآية كما وردت فى المصحف الشريف ، وترتيب ز مثل ا ، قالت «وجحدوا بها» ـ ظلما وعلوا.

٢٩٨

ـ ١٥ ـ يعنى بالقضاء والنبوة والكتاب وكلام البهائم والملك الذي أعطاهما الله ـ عزوجل ـ وكان سليمان أعظم ملكا من داود وأفطن منه وكان داود أكثر تعبدا من سليمان (١) (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) يعنى ورث سليمان علم داود وملكه (وَقالَ) سليمان لبنى إسرائيل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يعنى أعطنا الملك والنبوة والكتاب والرياح وسخرت لنا الشياطين ، ومنطق الدواب ومحاريب وتماثيل وجفان كالجوابى (٢) وقدور راسيات وعين الفطر يعنى عين الصفر (إِنَّ هذا) الذي أعطينا (لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) ـ ١٦ ـ يعنى البين (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ) يعنى وجمع لسليمان (جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِ) طائفة (وَ) من (الْإِنْسِ وَ) من (الطَّيْرِ) طائفة (فَهُمْ يُوزَعُونَ) ـ ١٧ ـ يعنى يساقون ، وكان سليمان استعمل عليهم جندا يرد الأول على الآخر حتى ينام الناس وقال ـ عزوجل ـ (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) من أرض الشام (قالَتْ نَمْلَةٌ) واسمها الجرمي (٣) (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا) وهن خارجات فقالت ادخلوا (مَساكِنَكُمْ) يعنى بيوتكم (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ) يعنى لا يهلكنكم سليمان (وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ١٨ ـ بهلاككم فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال فانتهى إليها سليمان حين قالت «وهم لا يشعرون» (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) ضحك من ثناءها على سليمان بعدله فى ملكه ، أنه لو يشعر بكم لم يحطمكم ، يعنى

__________________

(١) من أ ، وفى ز : وكان داود أفضلهما وكل فاضل.

(٢) فى أ : الجوابي ، وفى المصحف (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) سورة سبأ : ١٣.

(٣) إن الله أبهم النملة ولم يحدد اسمها إذ لا تتوقف على ذكره فائدة ثم هو مما لا يوقف عليه إلا بنقل ، ولم يصح نقل ، فى اسم هذه النملة ، فوضح أن تحديد اسمها لا يكون إلا من الإسرائيليات أو من الموضوعات.

٢٩٩

بالضحك ، الكشر ، وقال سليمان : لقد علمت النمل أنه. لك لا بغى فيه ولا فخر ، ولئن علم بنا قبل أن يغشانا لم نوطا (١). ثم وقف سليمان بمن معه من الجنود ليدخل النمل مساكنهم ، ثم حمد ربه ـ عزوجل ـ حين علمه منطق كل شيء فسمع كلام النملة (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) يعنى ألهمنى (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) من قبلي يعنى أبويه داود وأمه بتشايع بنت اليائن (٢) (وَ) الهمنى (أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ) يعنى بنعمتك (فِي) يعنى مع (عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) ـ ١٩ ـ الجنة (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) يعنى الهدهد حين سار من بيت المقدس قبل اليمن فلما مر بالمدينة وقف فقال إن الله ـ عزوجل ـ سيبعث من هاهنا نبينا طوبى لمن تبعه (٣) ، [٥٨ أ] فلما أراد أن ينزل (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ) والميم ها هنا صلة ، كقوله ـ تعالى ـ : (أَمْ عِنْدَهُمُ) يعنى أعندهم (الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) (٤) أم (كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) ـ ٢٠ ـ (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) يعنى لأنتفن ريشه فلا يطير مع الطير حولا (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) يعنى لأقتلنه (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ـ ٢١ ـ يعنى حجة بينة أعذره بها (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) يقول لم يلبث إلا قليلا حتى جاء الهدهد فوقع بين يدي سليمان ـ عليه‌السلام ـ فجعل ينكث بمنقاره ويومى (٥)

__________________

(١) كذا فى ا ، ز ، كأن هذه الجملة من المفهوم المقابل لكلام النملة.

(٢) فى أ : وأمه بنشايع ابنت الباتن ، وفى ز : وبتشايع بنت اليائن.

(٣) فى أ : زيادة : لم يكن بها يومئذ أحد ثم سار فمر بمكة فقال : إن الله ـ عزوجل ـ سيبعث منك رسولا طوبى لمن تبعه ، وليست هذه الزيادة فى ز.

(٤) سورة الطور : ٤١ ، وسورة القلم : ٤٧.

(٥) فى الأصل : يومى.

٣٠٠