تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

سورة العنكبوت

٣٦١
٣٦٢

(٢٩) سورة العنكبوت مكية

وآياتها تسع وستون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠)

٣٦٣

وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥) وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ

٣٦٤

وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ

٣٦٥

بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١)

٣٦٦

إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥) وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ

٣٦٧

آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥) يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣) وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ

٣٦٨

الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩))

٣٦٩
٣٧٠

سورة العنكبوت (*)

سورة العنكبوت مكية.

ويقال نزلت بين مكة والمدينة فى طريقه حين هاجر ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهي تسع وستون آية كوفية (١).

__________________

(*) المقصود الإجمالى للسورة :

معظم مقصود سورة العنكبوت ما يأتى :

توبيخ أهل الدعوى ، وترغيب أهل التقوى ، والوصية ببر الوالدين للأبرار ، والشكاية من المنافقين فى جرأتهم على حمل الأوزار ، والإشارة إلى بلوى نوح والخليل ، لتسلية الحبيب ، وهجرة إبراهيم من بين قومه إلى مكان غريب ، ووعظ لوط قومه ، وعدم اتعاظهم وإهلاك الله إياهم ، والإشارة إلى حديث شعيب وتعبير عباد الأصنام ، وتوبيخهم ، وتمثيل الصنم بيت العنكبوت ، وإقامة حجج التوحيد ، ونهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر ، وأدب الجدال مع المنكرين والمبتدعين ، وبيان الحكمة فى كون رسولنا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أميا ، والخير عن استعجال الكفار والعذاب وأن كل إنسان بالضرورة ميت ووعد المؤمنين بالثواب ، وضمان الحق رزق كل دابة ، وبيان أن الدنيا دار فناء وممات ، وأن العقبى دار بقاء وحياة وبيان حرمة الحرم وأمنه والإخبار بأن عناية الله وهدايته مع أهل الجهاد والإحسان فى قوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) سورة العنكبوت : ٦٩.

(١) فى أ : وهي تسعة وستون.

وفى المصحف : (٢٩) سورة العنكبوت مكية

إلا من آية ١ إلى آية ١١ فمدنية

وآياتها ٦٩ نزلت بعد الروم

* * *

وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي.

سميت سورة العنكبوت لتكرر ذكره فيها : (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) سورة العنكبوت : ٤١.

٣٧١

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الم) ـ ١ ـ (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) نزلت فى مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر وهو أول من يدعى إلى الجنة من [٧٠ ب] شهداء أمة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فجزع عليه أبواه.

وكان (١) الله ـ تبارك وتعالى ـ بين للمسلمين أنه لا بد لهم من البلاء والمشقة فى ذات الله ـ عزوجل ـ وقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يومئذ : سيد الشهداء مهجع. وكان رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ فى أبويه عبد الله وامرأته «الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا» (أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ـ ٢ ـ يقول أحسبوا أن يتركوا عن التصديق بتوحيد الله ـ عزوجل ـ ولا يبتلون فى إيمانهم (وَلَقَدْ فَتَنَّا) يقول ولقد ابتلينا (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعنى من قبل هذه الأمة من المؤمنين (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ) يقول فليرين الله الذين (صَدَقُوا) فى إيمانهم من هذه الأمة عند البلاء فيصبروا لقضاء الله ـ عزوجل ـ (وَلَيَعْلَمَنَ) يقول وليرين (الْكاذِبِينَ) ـ ٣ ـ فى إيمانهم فيشكوا عند البلاء ، ثم وعظ كفار العرب ، فقال ـ سبحانه ـ : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) يعنى الشرك (٢)

__________________

(١) فى أ : وكأن ، ز : وكان.

(٢) فى أ : يعنى ـ عزوجل ـ الشرك ، ز : يعنى الذين عملوا الشرك.

٣٧٢

نزلت فى بنى عبد شمس (أَنْ يَسْبِقُونا) يعنى أن يفوتونا بأعمالهم السيئة حتى يجزيهم بها فى الدنيا ، فقتلهم الله ـ عزوجل ـ ببدر منهم شيبة وعتبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة بن ربيعة ، وحنظلة بن أبى سفيان بن حرب ، وعبيدة بن سعد بن العاص بن أمية ، وعقبة بن أبى معيط ، والعاص بن وائل ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ـ ٤ ـ يعنى ما يقضون يعنى بنى عبد شمس بن عبد مناف ، ثم قال ـ تعالى ـ : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) يقول من خشي البعث فى الآخرة فليعمل لذلك اليوم (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) يعنى يوم القيامة (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ـ ٥ ـ لقول بنى عبد شمس بن عبد مناف حين قالوا : إنا نعطى فى الآخرة ما يعطى المؤمنون ، يعنى بالمؤمنين بنى هاشم وبنى عبد المطلب بن عبد مناف «العليم» به.

نزلت (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) فى بنى هاشم وبنى عبد المطلب ابني عبد مناف ، منهم على بن أبى طالب وحمزة وجعفر ـ عليهم‌السلام ـ وعبيدة بن الحارث ، والحصين (١) ، والطفيل ابنا (٢) الحارث بن المطلب ، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، وزيد بن حارثة ، وأبو هند (٣) ، وأبو (٤) ليلى مولى ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأيمن بن أم أيمن قتيل يوم حنين ـ رضى الله عنه ـ ثم قال ـ تعالى ـ : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) يقول من يعمل الخير فإنما يعمل لنفسه يقول إنما أعمالهم لأنفسهم (٥) (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) ـ ٦ ـ يعنى

__________________

(١) فى أ : الحسين ، وفى ز : الحصين.

(٢) فى أ : ابنا ، وفى ز : ابني.

(٣) فى أ : وأبو هند ، وفى ز : وأبى هند.

(٤) فى أ : وأبو ليلى ، وفى ز : وأبى ليل.

(٥) من ز ، وفى أ : إن أعمالهم لا تغنيه.

٣٧٣

عن أعمال القبيلتين بنى هاشم وبنى عبد المطلب ابني (١) عبد مناف ، ثم قال ـ عزوجل ـ أيضا يعنيهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٢) (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) [٧١ أ] (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٧ ـ فيجزيهم بإحسانهم ولا يجزيهم بمساوئهم يعنى بنى هاشم وبنى المطلب ، ثم قال الله ـ عزوجل ـ : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) نزلت فى سعد بن أبى وقاص الزهري ـ رضى الله عنه ـ وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) بأن معى شريكا (فَلا تُطِعْهُما) فى الشرك (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) فى الآخرة (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٨ ـ يعنى سعدا (٣) ـ رضى الله عنه ـ وذلك أنه (٤) حين أسلم حلفت أمه لا تأكل طعاما ، ولا تشرب شرابا ، ولا تدخل «كنا» (٥) حتى يرجع سعد عن الإسلام ، فجعل سعد يترضاها فأبت عليه ، وكان بها بارا فأتى سعد ـ رضى الله عنه ـ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فشكى إليه فنزلت فى سعد ـ رضى الله عنه ـ هذه الآية. فأمره النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يترضاها ويجهد (٦) بها على أن تأكل وتشرب فأبت حتى يئس منها ، وكان سعد أحب ولدها إليها ، («وَالَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) فى أ : ابنا ، ز : ابني.

(٢) فى أ ، ز (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) فكلاهما أدمجا الآية ٩ مع الآية ٧.

(٣) فى أ : يعنى سعد ، وفى ز : يعنى سعدا.

(٤) فى أ : أنه ، وفى ز : وذلك أنه.

(٥) وردت هكذا فى الأصل.

(٦) فى أ : ويجد بها على ، وفى ف ، ز : ويجهد بها أن تأكل.

٣٧٤

وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) (١) ـ ٩ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) نزلت فى عياش بن أبى ربيعة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم القرشي ، وذلك أن عياشا أسلم فخاف أهل بيته فهرب إلى المدينة بدينه قبل أن يهاجر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إليها فحلفت أمه أسماء بنت مخرمة بن أبى جندل بن نهشل التميمي ألا تأكل ولا تشرب ولا تغسل رأسها ولا تدخل «كنا» (٢) حتى يرجع إليها فصبرت ثلاثة أيام ثم أكلت وشربت فركب أبو جهل عدو الله والحارث ابنا هشام وهما أخواه لأمه وهما بنو عم حتى أتيا المدينة فلقياه فقال أبو جهل لأخيه عياش : قد علمت أنك كنت أحب إلى أمك من جميع ولدها وآثر عندها ـ لأنه كان أصغرهم سنا ، وكان بها بارا ـ وقد حلفت أمك ألا تأكل (٣) ولا تشرب ولا تغسل رأسها ولا تدخل بيتا حتى ترجع إليها ، وأنت تزعم أن فى دينك بر الوالدين ، فارجع إليها فإن ربك الذي بالمدينة هو بمكة فاعبده بها. فأخذ عياش عليهم المواثيق ألا يحركاه (٤) ، فاتبعهما ، فأوثقاه ثم جلده كل واحد منهما مائة جلدة حتى يبرأ من دين محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأنزل الله ـ عزوجل ـ فى عياش (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) يعنى صدقنا بتوحيد الله ـ (فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) يعنى ضربهما إياه (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ) يقول جعل عذاب الناس فى الدنيا

__________________

(١) الآية ٩ من سورة العنكبوت ساقطة من أ ، ف ، ز ، ل ، لأنها أدمجت مع الآية ٧ ولم تذكر فى مكانها.

(٢) وردت هكذا فى الأصل.

(٣) فى أ : لا تأكل ، ز : ألا تأكل.

(٤) كذا فى أ ، ز ، ف ، ل. والمراد ألا يحركاه عن دينه ولا يزحزحاه عنه.

٣٧٥

كعذاب الله فى الآخرة ، كقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) (١) يعنى يعذبون ، ثم استأنف (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) [٧١ ب] على عدوك بمكة وغيرها ، إذا كان للمؤمنين دولة (لَيَقُولُنَ) المنافقون للمؤمنين (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) على عدوكم وإذا رأوا دولة للكافرين شكوا فى إيمانهم (أَوَلَيْسَ اللهُ) يعنى ـ عزوجل ـ أو ما الله («بِأَعْلَمَ» (٢) بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) ـ ١٠ ـ من الإيمان والنفاق (وَلَيَعْلَمَنَّ «اللهُ») (٣) يعنى وليرين الله (الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا عند البلاء والتمحيص (وَلَيَعْلَمَنَ) يعنى وليرين (الْمُنافِقِينَ) ـ ١١ ـ فى إيمانهم فيشكوا عند البلاء والتمحيص (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى أبا سفيان (لِلَّذِينَ آمَنُوا) نزلت فى عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وخباب بن الأرت ـ رضى الله عنهم ـ ختن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ على أخته أم جميل (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) وذلك أن أبا سفيان بن حرب بن أمية قال لهؤلاء النفر : اتبعوا ملة آبائنا ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله نصيبكم وأهل مكة علينا شهداء كفلاء ، فذلك قوله ـ تعالى ـ : «ولنحمل خطاياكم» ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ـ ١٢ ـ فيما يقولون (٤) (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) يعنى وليحملن أوزارهم التي عملوا ، وأوزارا مع أوزارهم لقولهم للمؤمنين (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) ، «مع» يعنى إلى أوزارهم التي عملوا لأنفسهم (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا

__________________

(١) سورة الذاريات : ١٣.

(٢) فى أ : أعلم.

(٣) «الله» : ساقط من الأصول.

(٤) بما يقولون.

٣٧٦

يَفْتَرُونَ) ـ ١٣ ـ من الكذب لقولهم نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله ـ عزوجل ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) يدعوهم إلى الإيمان بالله ـ عزوجل ـ فكذبوه (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ) ـ ١٤ ـ يعنى الماء طغى على كل شيء فأغرقوا (فَأَنْجَيْناهُ) يعنى نوحا ـ عليه‌السلام ـ (وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) من الغرق (وَجَعَلْناها) يعنى السفينة (آيَةً لِلْعالَمِينَ) ـ ١٥ ـ يعنى لمن بعدهم من الناس (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ) يعنى وحدوا الله (وَاتَّقُوهُ) يعنى واخشوه (١) (ذلِكُمْ) يعنى عبادة الله (خَيْرٌ لَكُمْ) من عبادة الأوثان (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ ١٦ ـ ولكنكم لا تعلمون (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) يعنى أصناما (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) يعنى تعلمونها بأيديكم ثم تزعمون أنها آلهة كذبا وأنتم تنحتونها ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٢) بأيديكم من الأصنام ، فقال ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الآلهة (لا يَمْلِكُونَ) يقول لا يقدرون (لَكُمْ رِزْقاً) على رزق (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ) يعنى وحدوه (وَاشْكُرُوا لَهُ) واشكروا الله فى النعم فإن مصيركم إليه [٧٢ أ] فذلك قوله ـ تعالى ـ : (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ـ ١٧ ـ أحياء بعد الموت (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) يعنى كفار مكة يكذبوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالعذاب وبالبعث (فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) «يعنى من قبل كفار مكة كذبوا رسلهم بالعذاب (٣).

__________________

(١) فى ف : واخشوه : أ : اجتنبوه.

(٢) سورة الصافات : ٩٦.

(٣) من ز ، وفى أ : «يعنى من قبل مبعث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كفار مكة كذبوا بالعذاب رسلهم».

٣٧٧

(وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ـ ١٨ ـ يقول وما على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلا أن يبين لكم أمر العذاب (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) كما خلقهم يقول أو لم يعلم كفار مكة كيف بدأ الله ـ عزوجل ـ خلق الإنسان من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم عظاما ، ثم لحما ، ولم يكونوا شيئا ثم هلكوا ، ثم يعيدهم فى الآخرة (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) ـ ١٩ ـ يقول إعادتهم فى الآخرة على الله ـ عزوجل ـ هين ، (١) ثم (٢) قال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قُلْ) لهم : (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ليعتبروا فى أمر البعث (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) يعنى خلق السموات والأرض وما فيها من الخلق لأنهم يعلمون أن الله ـ عزوجل ـ خلق الأشياء كلها (ثُمَ) إن (اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) يعنى يعيد الخلق الأول يقول هكذا يخلق الخلق الآخر يعنى البعث بعد الموت كما بدأ الخلق الأول ، إنما ذكر النشأة الآخرة لأنها بعد الخلق الأول (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من البعث وغيره (قَدِيرٌ) ـ ٢٠ ـ (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) ـ ٢١ ـ يعنى وإليه ترجعون بعد الموت يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) يعنى كفار مكة بمعجزين يعنى بسابقين الله ـ عزوجل ـ فتفوتوه (فِي الْأَرْضِ) كنتم (وَلا فِي السَّماءِ) كنتم أينما كنتم حتى يجزيكم بأعمالكم السيئة (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يعنى من قريب لينفعكم (وَلا نَصِيرٍ) ـ ٢٢ ـ يعنى ولا مانع يمنعكم من الله ـ عزوجل ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) يعنى بالقرآن (٣) (وَلِقائِهِ)

__________________

(١) كذا فى أ ، ل ، ز ، ف ، والأنسب تقدير مضاف إلى اعادتهم» ليكون كالاتى «أمر» بإعادتهم فى الآخرة على الله ـ عزوجل ـ هين.

(٢) «ثم» : ساقطة من أ ، وهي من ز ، وفى أ : قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(٣) فى أ : القرآن ، ز : بالقرآن.

٣٧٨

وكفروا بالبعث (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) يعنى من جنتي (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٢٣ ـ يعنى وجيعا. ثم ذكر إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ فى التقديم (١) قال : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) يعنى قوم إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ حين دعاهم إلى الله ـ عزوجل ـ ونهاهم عن عبادة الأصنام (إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ) بالنار فقذفوه فى النار (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) يعنى ـ عزوجل ـ إن فى النار التي لم تحرق إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ لعبرة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ـ ٢٤ ـ يعنى يصدقون بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَقالَ) لهم إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ : (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ) الأوثان آلهة (مِنْ دُونِ اللهِ) ـ عزوجل ـ [٧٢ ب] (أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٢) يعنى بين الأتباع والقادة مودة على عبادة الأصنام (ثُمَ) إذا كان (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) يقول تتبرأ القادة من الأتباع (وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) يقول ويلعن الأتباع القادة من الأمم الخالية وهذه الأمة ، ثم قال لهم إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ : (وَمَأْواكُمُ النَّارُ) يعنى مصيركم إلى النار (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ـ ٢٥ ـ يعنى مانعين من العذاب يمنعونكم منه (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) يعنى فصدق بإبراهيم لوط ـ عليهما‌السلام ـ وهو أول من صدق بإبراهيم حين رأى إبراهيم لم تضره النار (٣) (وَقالَ) إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) يعنى هجر قومه المشركين من أرض كوثا هو ولوط وسارة أخت لوط ـ عليهم‌السلام ـ إلى الأرض المقدسة «إلى ربى» يعنى إلى رضا

__________________

(١) فى التقديم : أى الذي تقدم ذكره.

(٢) فى أ ، ز : «مودة فى الحياة الدنيا بينكم» ، وفى حاشية أالآية (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)

(٣) كذا فى أ ، ز. والأنسب حين رأى النار لم تضر إبراهيم.

٣٧٩

ربى. وقال فى الصافات : (... إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) يعنى إلى رضا ربى ، «سيهدين» (١) فهاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ـ ٢٦ ـ (وَوَهَبْنا لَهُ) يعنى لإبراهيم (إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) ابن إسحاق بالأرض (٢) المقدسة (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ) يعنى ذرية إبراهيم (النُّبُوَّةَ) يعنى إسماعيل وإسحاق ويعقوب ـ عليهم‌السلام ـ (وَالْكِتابَ) يعنى صحف إبراهيم (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ) يعنى أعطيناه جزاءه (فِي الدُّنْيا) يعنى الثناء الحسن والمقالة الحسنة من أهل الأديان كلها ، لمضيه على رضوان الله حين ألقى فى النار ، «وكسر» (٣) الأصنام ، ومضيه على ذبح ابنه ، فجميع أهل الأديان يقولون إبراهيم منا لا يتبرأ منه «أحد» (٤) (وَإِنَّهُ) يعنى إبراهيم (فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ـ ٢٧ ـ نظيرها فى النحل (٥). (وَلُوطاً) (٦) (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) يعنى المعصية يعنى إتيان الرجال فى أدبارهم ليلا (٧) (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) ـ ٢٨ ـ فيما مضى قبلكم وكانوا لا يأتون إلا الغرباء ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) يعنى المسافر ، وذلك أنهم إذا جلسوا فى ناديهم يعنى فى مجالسهم رموا ابن السبيل بالحجارة والخذف فيقطعون سبيل المسافر ، فذلك قوله ـ عز

__________________

(١) سورة الصافات : ٩٩.

(٢) فى الأصل : بأرض.

(٣) فى أ : الكسر ، وفى ز : وكسر.

(٤) «أحد» : ساقطة من أ ، وهي من ز.

(٥) يشير إلى الآية ١٢٢ من سورة النحل وهي :

(وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).

(٦) فى أ ، ز : وأرسلنا لوطا. وفى حاشية أ : الآية ولوطا إذ قال لقومه.

(٧) كذا فى أ ، ز.

٣٨٠