تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

(بَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) إلى المدينة «إضمار» (١) فإن كانت لم تهاجر إلى المدينة فلا يحل تزويجها «ثم قال ـ تعالى ـ» (٢) : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) يعنى أن يتزوجها بغير مهر وهي أم شريك بنت جابر بن ضباب (٣) بن حجر من بنى عامر بن لوى وكانت تحت أبى الفكر الأزدى وولدت له غلامين شريكا ومسلما ويذكرون أنه نزل عليها «دلو» (٤) من السماء فشربت منه ثم توفى عنها زوجها أبو الفكر فوهبت نفسها للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلم يقبلها ولو فعله لكان له خاصة دون المؤمنين.

فإن وهبت امرأة يهودية أو نصرانية أو أعرابية نفسها «فإنه لا يحل» (٥) للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يتزوجها.

ثم قال : (خالِصَةً لَكَ) الهبة يعنى خاصة لك ، يا محمد (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) لا تحل هبة المرأة نفسها بغير مهر لغيرك من المؤمنين وكانت أم شريك قبل أن تهب نفسها للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ امرأة أبى الفكر الأزدى ثم الدوسي

__________________

(١) «إضمار» : ساقطة من ا ، ف. وهي من ز.

(٢) فى ف ، ز ، ا : ثم قال ـ تعالى ـ : «وأحللنا لك امرأة مؤمنة».

ويفهم من ذلك أن جملة أحللنا لك من كلام الله. وقد أسقطتها كلية لأنها مفهومة ضمنا مما سبق.

(٣) فى ز : زيادة : «القرشي».

(٤) فى ف ، ز ، ا : «دلوا» وهو خطأ لأنه فاعل مرفوع.

(٥) فى النسخ : ف ، ز ، ا : «فإنها لا تحل» وقد غيرتها إلى «فإنه لا يحل» ليستقيم الكلام.

٥٠١

من رهط أبى هريرة ، ثم أخبر الله عن المؤمنين فقال : (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ) يعنى ما أوجبنا على المؤمنين (فِي أَزْواجِهِمْ) ألا يتزوجوا إلا أربع نسوة بمهر وبينة (وَ) أحللنا لهم (ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) يعنى جماع الولاية (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ) يا محمد (حَرَجٌ) فى الهبة بغير مهر فيها تقديم (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ـ ٥٠ ـ غفورا فى التزويج بغير مهر للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رحيما فى تحليل ذلك له (١).

ثم قال ـ تعالى ـ : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ) توقف من بنات العم والعمة والخال والخالة فلا تزوجها (وَتُؤْوِي) يعنى وتضم (إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) منهن فتتزوجها فخير الله ـ عزوجل ـ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى تزويج القرابة فذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ) منهن فتزوجتها (مِمَّنْ عَزَلْتَ) منهن (فَلا جُناحَ) يعنى فلا حرج (عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى) يقول ذلك أجدر

__________________

(١) قال ابن أبى حاتم : حدثنا على بن الحسين ، حدثنا محمد بن منصور الجعفي ، حدثنا يونس ابن بكير ، عن عنبسة بن الأزهر ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : «لم يكن عند رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ امرأة وهبت نفسها له» ورواه ابن جرير عن أبى كريب ، عن يونس ابن بكير ، أى أنه لم يقبل واحدة ممن وهبت نفسها له ، وإن ذلك مباح له ومخصوص به لأنه مردود إلى مشيئته ، كما قال الله ـ تعالى ـ (... إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها ...) أى إن اختار ذلك.

تفسير ابن كثير : ٣ / ٥٠٠.

لقد وهبت نساء كثيرات أنفسهن لرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. وروى الإمام أحمد والبخاري عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ كانت تغير من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله حتى قالت ألا تسنحى المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟

فأنزل الله ـ عزوجل ـ (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ...). قالت : إنى أرى ربك يسارع لك فى هواك.

٥٠٢

(أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَ) يعنى نساء النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ التسع اللاتي اخترنه. وذلك أنهن قلن لو فتح الله مكة على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فسيطلقنا غير عائشة ويتزوج أنسب منا. فقال الله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَحْزَنَ) إذا علمن أنك لا تزوج عليهن إلا ما أحللنا لك من تزويج القرابة. ثم قال : (وَيَرْضَيْنَ) يعنى نساءه التسع (بِما آتَيْتَهُنَ) يعنى بما (كُلُّهُنَّ) (١) من النفقة وكان فى نفقتهن قلة (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً) ـ ٥١ ـ ذو تجاوز. ثم حرم على النبي تزويج النساء غير التسع اللاتي اخترنه فقال : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) أزواجك التسع اللاتي عندك يقول لا يحل لك أن تزداد عليهن (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَ) يعنى نساءه التسع (مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ) يعنى أسماء بنت عميس الخثعمية التي كانت امرأة جعفر ذى الجناحين ، ثم قال ـ تعالى ـ : (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) يعنى الولاية ، ثم حذر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يركب فى أمرهن ما لا ينبغي ، (٢) فقال : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من العمل (رَقِيباً) ـ ٥٢ ـ حفيظا.

__________________

(١) جاء فى تعليق على الأزهرية : «كلهن» بالرفع توكيد لنون النسوة فى «ويرضين» ولا يضير الفصل. وأما قوله : (... قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ...) بالرفع على قراءة أبى عمرو ف «كل» خبر أن وعلى قراءة. غيره بالنصب توكيد للأمر.

(٢) وكيف يرتكب ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى أمرهن ما لا ينبغي. وهو صاحب الخلق العظيم؟ لقد كان تحريم النساء عليه وقصره على زوجاته التسع مكافأة لهن حين اخترن الله ورسوله والدار الآخرة لما خيرهن رسول الله.

ثم إن الله ـ تعالى ـ رفع عنه الحرج فى ذلك ، ونسخ حكم هذه الآية وأباح له التزوج ، ولكن ذلك لم يقع منه بعد ذلك لتكون المنة لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عليهن.

وقد رويت الأحاديث بذلك المعنى فى مسند الإمام أحمد وفى سنن الترمذي والنسائي. انظر ابن كثير : ٣ / ٥٠٢ : عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت ما مات رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى أحل الله له النساء.

٥٠٣

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) يعنى نضجه وبلاغه (وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا) على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى بيته (فَإِذا طَعِمْتُمْ) الطعام (فَانْتَشِرُوا) يعنى فقوموا من عنده وتفرقوا (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) وذلك أنهم كانوا يجلسون عند النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قبل الطعام وبعد الطعام ، وكان ذلك فى بيت أم سلمة بنت أبى أمية أم المؤمنين ، فيتحدثون عنده طويلا فكان ذلك يؤذيه ويستحيى أن يقول لهم قوموا وربما أخرج النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهم فى بيته يتحدثون ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : «وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ» (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) ثم أمر الله ـ تبارك وتعالى ـ نبيه بالحجاب على نسائه ، فنزل الخيار والتيمم فى أمر عائشة (١).

ونزل الحجاب فى أمر زينب بنت جحش فأمر الله ـ تعالى ـ المؤمنين ألا يكلموا نساء النبي إلا من وراء حجاب ، فذلك قوله : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ) من الريبة (وَقُلُوبِهِنَ) وأطهر

__________________

(١) الخيار هو تخيير رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لنسائه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يجدن عنده المال والزينة وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال.

وقد روى البخاري أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ خير نساءه حين أمره الله أن يخبرهن. وبدأ بعائشة ، فقالت : أختار الله ورسوله. وقالت كل نسائه مثل ذلك. وانظر ما سبق فى تفسير الآيتين ٢٨ ، ٢٩ من هذه السورة.

وأما التيمم. فنزلت آيته عند ما كان الرسول (ص) قافلا من إحدى الغزوات ثم أذن للجيش بالاستراحة. فذهبت عائشة ـ وكانت مع رسول الله فى هذه الغزوة ـ لتقضى شأنها. فانقطع عقد لها من جزع أظفار وحبس الرسول والمسلمون وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فأنزل الله آية التيمم (أنظر سورة النساء : ٤٣ ، سورة المائدة : ٦)

٥٠٤

لقلوبهن من الريبة ، فقال طلحة بن عبيد الله القرشي من بنى تيم بن مرة : ينهانا محمد أن ندخل على بنات عمنا يعنى عائشة ـ رضى الله عنها ـ وهما من بنى تيم ابن مرة ، ثم قال فى نفسه : والله ، لئن مات محمد وأنا حي لأتزوجن عائشة فأنزل الله ـ تعالى ـ فى قول طلحة بن عبيد الله (١) (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) ـ ٥٣ ـ لأن الله جعل نساء النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على المؤمنين فى الحرمة كأمهاتهم ، فمن ثم عظم الله تزويجهن على المؤمنين ثم أعلمهم الله أنه يعلم سرهم وعلانيتهم فقال : (إِنْ تُبْدُوا) إن تظهروا (شَيْئاً) من أمركم يعنى طلحة لقوله يمنعنا محمد من الدخول على بنات عمنا ، فأعلن هذا القول ، ثم قال : (أَوْ تُخْفُوهُ) يعنى أو تسروه فى قلوبكم يعنى قوله لأتزوجن عائشة بعد موت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ) من السر والعلانية (عَلِيماً) ـ ٥٤ ـ ثم رخص فى الدخول على نساء النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من غير حجاب لأهل القرابة ، فقال : (لا جُناحَ) يعنى لا حرج (عَلَيْهِنَ) فى الدخول على نساء النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَ) يعنى كل حرة مسلمة (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) يعنى عبيد نساء النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يدخلوا عليهن من غير حجاب فلا جناح عليهن فى ذلك وحذرهن وحذر من يدخل عليهن من غير حجاب أن يكون منهن أو منهم من لا يصلح ، فقال لهن : (وَاتَّقِينَ اللهَ) «فى دخولهم عليكن» (٢) (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أعمالكم (شَهِيداً) ـ ٥٥ ـ

__________________

(١) فى ف زيادة : «واسم أمه صعبة بنت الحضرمي».

(٢) فى أ : «فى دخولهن عليكم» ، وفى ز : «فى دخولهم عليهن».

٥٠٥

لم يغب عن الله ـ عزوجل ـ من يدخل عليهن إن كان منهن أو منهم ما لا يصلح.

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أما صلاة الرب ـ عزوجل ـ فالمغفرة للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وأما صلاة الملائكة فالاستغفار للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ثم قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) يعنى استغفروا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ـ ٥٦ ـ فلما نزلت هذه الآية قال المسلمون : هذه لك ، يا رسول الله ، فما لنا؟ فنزلت (... هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (١) (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يعنى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نزلت فى اليهود من أهل المدينة ، وكان أذاهم لله ـ عزوجل ـ أن زعموا أن لله ولدا ، وأنهم يخلقون كما يخلق الله ـ عزوجل ـ يعنى التماثيل والتصاوير.

وأما أذاهم للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فإنهم زعموا أن محمدا ساحر مجنون شاعر كذاب (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) يعنى باللعنة فى الدنيا العذاب والقتل والجلاء ، وأما فى الآخرة فإن الله يعذبهم بالنار ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ (وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) ـ ٥٧ ـ يعنى عذاب الهوان.

(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً) والبهتان ما لم يكن (وَإِثْماً مُبِيناً) ـ ٥٨ ـ يعنى بينا يقال : نزلت فى على ابن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ وذلك أن نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٤٣.

٥٠٦

ويكذبون عليه. وأن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ قال فى خلافته لأبى ابن كعب الأنصارى إنى قرأت هذه الآية : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ...) إلى آخر الآية : فوقعت منى كل موقع ، والله ، إنى لأضربهم وأعاقبهم. فقال له أبى بن كعب ـ رحمه‌الله ـ : إنك لست منهم إنك مؤدب معلم (١).

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) يعنى القناع الذي يكون فوق الخمار وذلك أن المهاجرين قدموا المدينة ومعهم نساؤهم فنزلوا مع الأنصار فى ديارهم فضاقت الدور عنهم. وكان النساء يخرجن بالليل إلى النخل فيقضين حوائجهن يعنى البراز فكان المريب يرصد النساء بالليل فيأتيها فيعرض عليها ويغمزها فإن هويت الجماع أعطاها أجرها وقضى حاجته وإن كانت عفيفة صاحت فتركها. وإنما كانوا يطلبون الولائد فلم تعرف الأمة من الحرة بالليل فذكر نساء المؤمنين ذلك لأزواجهن وما يلقين بالليل من الزناة ، فذكروا ذلك للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأنزل الله ـ عزوجل ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ).

__________________

(١) هكذا فى ز : وفى ف ، وفى أ : زيادة : ويقال : ان قوما كانوا يؤذون على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ ويكذبون عليه فأنزل الله ـ عزوجل ـ فيهم هذه الآية.

فإذا كان يوم القيامة سلط الله عليهم الجرب فيحتك أحدهم حتى يبدو العظم فيقال يا فلان أيؤذيك هذا فيقول نعم فيقال هذا بأذاك المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا.

وفى هذا المعنى حديث أورده أبو حامد الغزالي فى كتاب إحياء علوم الدين : فى باب حقوق المسلم على أخيه المسلم وهو حديث عام فى آذى أى مؤمن وليس خاصا بمن آذى سيدنا على ـ رضى الله عنه ـ. ولعل الزيادة التي فى ز ، أ ، سببها أن أحد النساخ كان شيعيا. والدليل على أنها من صنع النساخ أن معناها سبق أن ذكره مقاتل فى تفسير الآية. ولا يعقل أن يكرره فى موضعين منفصلين.

٥٠٧

يعنى القناع فوق الخمار (ذلِكَ أَدْنى) يعنى أجدر (أَنْ يُعْرَفْنَ) فى زيهن أنهن لسن «بمربيات» (١) وأنهن عفايف فلا يطمع فيهن أحد (فَلا يُؤْذَيْنَ) بالليل (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) فى تأخير العذاب عنهم (رَحِيماً) ـ ٥٩ ـ حين لا يعجل عليهم بالعقوبة ، ثم أوعدهم فقال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) عن نفاقهم (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) الفجور وهم الزناة ، ثم نعتهم بأعمالهم الخبيثة فقال : (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) يعنى المنافقين كانوا يخبرون المؤمنين بالمدينة بما يكرهون من عدوهم يقول لئن لم ينتهوا عن الفجور والإرجاف والنفاق (لَنُغْرِيَنَّكَ) يا محمد (بِهِمْ) يقول لنحملنك على قتلهم (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) ـ ٦٠ ـ ونجعلهم (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا) فأوجب لهم اللعنة على كل حال أينما وجدوا وأدركوا (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) ـ ٦١ ـ يقول خذوهم واقتلوهم قتالا ، فانتهوا عن ذلك مخافة القتل. (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) هكذا كانت سنة الله فى أهل بدر «القتل» (٢) وهكذا سنة الله فى هؤلاء الزناة وفى المرجفين القتل ، إن لم ينتهوا (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) ـ ٦٢ ـ يعنى تحويلا لأن قوله ـ عزوجل ـ حق فى أمر القتل (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ) يعنى القيامة ، وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يخطب ، فسأله رجل عن الساعة فأوحى الله ـ عزوجل ـ إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ) يعنى القيامة (تَكُونُ قَرِيباً) ـ ٦٣ ـ (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ) يعنى كفار مكة (وَأَعَدَّ لَهُمْ

__________________

(١) فى أ : بمزينات.

(٢) هكذا فى ف ، والقتل : ساقطة من ز ، ومن أ. والمراد بأهل بدر كفار غزوة بدر.

٥٠٨

سَعِيراً) ـ ٦٤ ـ يعنى وقودا (خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) يعنى قريبا يمنعهم (وَلا نَصِيراً) ـ ٦٥ ـ يعنى ولا مانعا يمنهم من العذاب (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) ـ ٦٦ ـ يعنى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) فهذا قول الأتباع من مشركي العرب من أهل مكة قالوا : ربنا إنا أطعنا سادتنا ، نزلت فى اثنى عشر رجلا وهم المطعمون يوم بدر فيهم أبو جهل بن هشام ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وكبراءنا ، يعنى ذوى الأسنان منا فى الكفر (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) ـ ٦٧ ـ يعنى المطعمين فى غزوة بدر والمستهزئين من قريش «فأضلونا عن سبيل الهدى يعنى عن التوحيد» (١). ثم قال الأتباع : (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) يعنون القادة والرءوس من كفار قريش (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) ـ ٦٨ ـ يعنى عظيما يعنى اللعن على أثر اللعن. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) وذلك أن الله ـ عزوجل ـ وعظ المؤمنين ألا يؤذوا محمدا فيقولون زيد بن محمد فإن ذلك للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أذى كما آذت بنو إسرائيل موسى فزعموا أنه آدر. وذلك أن موسى ـ عليه‌السلام ـ كان فيه حياء شديد وكان لا يغتسل فى نهر ولا غيره إلا وعليه إزار. «وكان» (٢) بنو إسرائيل يغتسلون عراة. فقالوا : ما يمنع موسى أن يتجرد كما نتجرد إلا أنه آدر فانطلق موسى ـ عليه‌السلام ـ ذات يوم يغتسل فى عين بأرض الشام واستتر بصخرة ووضع ثيابه عليها ففرت الصخرة

__________________

(١) هكذا فى ز ، وفى ف ، أ : «فأضلونا عن السبيل يعنى سبيل الهدى عن التوحيد» ، ولكن عبارة الأزهرية أسهل فهما.

(٢) فى ف ، أ ، ز : «وكانت». ولكن «كان» أنسب هنا من «كانت».

٥٠٩

بثيابه وأتبعها موسى ـ عليه‌السلام ـ متجردا فلحقها فضربها بعصاه «وكان موسى ـ عليه‌السلام ـ لا يضع العصا من يده حيث ما كان» (١) وقال لها : ارجعي إلى مكانك فقالت : إنما أنا عبد مأمور لم تضربني فردها إلى مكانها. فنظرت إليه بنو إسرائيل فإذا هو من أحسن الناس خلقا وأعدلهم صورة وكان «سليما» (٢) ليس الذي قالوا (٣) ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) إنه آدر (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) ـ ٦٩ ـ يعنى مكينا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) ـ ٧٠ ـ يعنى قولا عدلا وهو التوحيد (يُصْلِحْ لَكُمْ) يعنى يزكى لكم (أَعْمالَكُمْ) بالتوحيد (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) ـ ٧١ ـ يقول قد نجا بالخير وأصاب منه نصيبا وافرا (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) وهي الطاعة (عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) على الثواب والعقاب إن أحسنت جوزيت وإن عصت عوقبت (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) يعنى الطاعة على الثواب والعقاب فلم يطقنها (وَأَشْفَقْنَ مِنْها) وأشفقن من العذاب مخافة ترك الطاعة فقيل لآدم ـ عليه‌السلام ـ أتحملها بما فيها ، قال آدم : وما فيها يا رب؟ قال : إن أطعت جوزيت وإن عصيت عوقبت. قال آدم : قد حملتها بما فيها. قال الله ـ عزوجل ـ فلم يلبث فى الجنة إلا قليلا يعنى ساعتين من يومه حتى عصى ربه ـ عزوجل ـ وخان الأمانة ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) يعنى

__________________

(١) هذه الجملة التي بين القوسين «...» : فى ف ، وساقطة من ز.

(٢) فى ف ، أ : «جسيما».

(٣) فى الأزهرية زيادة وأما قوله (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى ...) فهو مثل (لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ).

٥١٠

آدم ـ عليه‌السلام ـ (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً) لنفسه بخطيئته (جَهُولاً) ـ ٧٢ ـ بعاقبة ما تحمل من الطاعة على الثواب والعقاب.

(لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ) يقول عرضنا الأمانة على الإنسان لكي يعذب الله المنافقين (وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) بما خانوا الأمانة وكذبوا الرسل ، ونقضوا الميثاق الذي أقروا به على أنفسهم ، يوم أخرجهم من ظهر آدم ـ عليه‌السلام ـ حين قال ـ عزوجل ـ (... أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ...) (١) فنقضوا هذه المعرفة وتركوا للطاعة يعنى التوحيد (وَيَتُوبَ اللهُ) يقول ولكي يتوب الله (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) بما وفوا بالأمانة ولم ينقضوا الميثاق (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لذنوبهم (رَحِيماً) ـ ٧٣ ـ بهم.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٧٢.

٥١١
٥١٢

سورة سبأ

٥١٣
٥١٤

سورة سبا مكية

وآياتها أربع وخمسون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ

٥١٥

وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩) * وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ

٥١٦

كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤) لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ

٥١٧

وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ

٥١٨

اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢) وَإِذا تُتْلى

٥١٩

عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤))

٥٢٠