تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

أن يقول يا : (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ـ ٤٦ ـ (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) يعنى لمشركي مكة يوم القيامة (ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ) يعنى من شدة (الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ) يعنى وظهر لهم حين بعثوا (مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) ـ ٤٧ ـ فى الدنيا أنه نازل بهم فى الآخرة (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) يعنى وظهر لهم حين بعثوا فى الآخرة الشرك الذي كانوا عليه حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك لقولهم ذلك فى سورة الأنعام (... وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (١) (وَحاقَ بِهِمْ) يعنى وجب لهم العذاب بتكذيبهم واستهزائهم بالعذاب أنه غير كائن ، فذلك قوله : (ما كانُوا

__________________

بعض كتاب السيرة وبعض المفسرين المسلمين ولذلك لم يتردد ابن إسحاق حين سئل عنه فى أن قال : إنه من وضع الزنادقة.

وقد ساق الأستاذ هيكل عددا من الحجج على فساد قصة الغرانيق منها : أولا : أن سياق سورة النجم يأباها لأن الله ذم هذه الأصنام بعد ذلك وقال : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ...) سورة النجم : ٢٣.

فكيف يمدح الله اللات والعزى ويذمها فى آيات متعاقبة.

ثانيا : أن النبي لم يجرب عليه الكذب قط حتى سمى الصادق الأمين وكان صدقه أمرا مسلما به للناس جميعا ، وما كان النبي ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.

ثالثا : أن قصة الغرانيق تناقض أصل التوحيد ووحدانية الإله وهي المسألة التي نادى بها الإسلام فى مكة والمدينة ولم يقبل فيها النبي هوادة ، ولا أماله عنها ما عرضت قريش عليه من المال والملك. رابعا : أن قال الإمام محمد عبده من أن العرب لم تصف آلهتها بالغرانيق ولم يرد ذلك فى نظمهم ولا فى خطبهم ، ولا عرف عنهم فى أحاديثهم.

لا أصل إذا لمسألة الغرانيق على الإطلاق ، ولم يبق إلا أن تكون من وضع الزنادقة افتراء منهم على الإسلام ونبى الإسلام.

انظر «حياة محمد» لهيكل الفصل السادس «قصة الغرانيق» : ١٦٠ ـ ١٦٧.

(١) سورة الأنعام : ٢٣.

٦٨١

«بِهِ») (١) بالعذاب (يَسْتَهْزِؤُنَ) ـ ٤٨ ـ (فَإِذا) (٢) (مَسَ) يعنى أصاب (الْإِنْسانَ) يعنى أبا حذيفة بن المغيرة (ضُرٌّ) يعنى بلاء أو شدة (دَعانا) يعنى دعا ربه منيبا يعنى مخلصا بالتوحيد أن يكشف ما به من الضر (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا) يقول ثم إذا آتيناه ، يعنى أعطيناه الخير (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ) يعنى إنما أعطيت الخير (عَلى عِلْمٍ) عندي يقول على علم عندي يقول على علم علمه الله منى ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) يعنى بل تلك النعمة بلاء ابتلى به (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٤٩ ـ ذلك (قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يقول قد قالها قارون فى القصص قبل أبى حذيفة ـ (... إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ...) (٣) يقول على خير علمه الله عندي يقول الله ـ تبارك ـ وتعالى ـ (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) من العذاب يعنى الخسف (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ـ ٥٠ ـ من الكفر والتكذيب يقول فما أغنى عنهم الكفر من العذاب شيئا (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) يعنى عقوبة ما كسبوا من الشرك (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) (٤) (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) ـ ٥١ ـ يعنى وما هم بسابقى الله ـ عزوجل ـ بأعمالهم الخبيثة حتى يجزيهم بها ، ثم وعظوا ليعتبروا فى توحيده ، وذلك حين مطروا بعد سبع سنين فقال : (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ) [١٢٥ ب] يعنى يوسع (الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) يعنى ويقتر على من

__________________

(١) «به» : ساقطة من ا.

(٢) فى الأصل : «وإذا».

(٣) سورة القصص : ٧٨ ، وتمامها (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ).

(٤) ساقط من ا ما يأتى : (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا).

٦٨٢

يشاء (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) يعنى لعلامات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ـ ٥٢ ـ يعنى يصدقون بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) نزلت فى مشركي مكة وذلك أن الله ـ عزوجل ـ أنزل فى الفرقان (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ...) (١) الآية فقال وحشي مولى المطعم بن عدى بن نوفل : إنى قد فعلت هذه الخصال فكيف لي بالتوبة فنزلت فيه (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٢) فأسلم وحشي فقال مشركو (٣) مكة قد قبل من وحشي توبته ، وقد نزل فيه ولم ينزل فينا فنزلت فى مشركي مكة (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) يعنى بالإسراف : الشرك والقتل والزنا فلا ذنب أعظم إسرافا من الشرك (لا تَقْنَطُوا) يقول لا تيأسوا (مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) لأنهم ظنوا ألا توبة لهم (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) يعنى الشرك والقتل والزنا الذي ذكر فى سورة الفرقان (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ـ ٥٣ ـ لمن تاب منها ثم دعاهم إلى التوبة ـ فقال سبحانه ـ : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) يقول وارجعوا من الذنوب إلى الله (وَأَسْلِمُوا لَهُ) يعنى وأخلصوا له بالتوحيد ، ثم خوفهم فقال : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) ـ ٥٤ ـ يعنى لا تمنعون من العذاب (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من القرآن (مِنْ رَبِّكُمْ) يعنى ما ذكر من الطاعة من الحلال والحرام (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً) يعنى فجأة (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) ـ ٥٥ ـ حين يفجؤكم من قبل (أَنْ تَقُولَ

__________________

(١) سورة الفرقان : ٦٨ وتمامها : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً).

(٢) سورة الفرقان : ٧٠.

(٣) فى ا : مشركو ، بالألف بعد الواو.

٦٨٣

نَفْسٌ يا حَسْرَتى) يعنى يا ندامتا (عَلى ما فَرَّطْتُ) يعنى ما ضيعت (فِي جَنْبِ اللهِ) يعنى فى ذات الله يعنى من ذكر الله (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) ـ ٥٦ ـ يعنى لمن المستهزئين بالقرآن فى الدنيا. («أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ـ ٥٧ ـ (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ») (١) (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) يعنى رجعة إلى الدنيا (فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ـ ٥٨ ـ يقول فأكون من الموحدين لله ـ عزوجل ـ يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ ردا عليه (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) يعنى آيات القرآن (فَكَذَّبْتَ بِها) أنها ليست من الله (وَاسْتَكْبَرْتَ) يعنى وتكبرت عن ايمان بها (وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) ـ ٥٩ ـ ثم أخبر بما لهم فى الآخرة فقال ـ سبحانه ـ : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) بأن معه شريكا (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ) لهذا المكذب بتوحيد الله (فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) يعنى مأوى (لِلْمُتَكَبِّرِينَ) ـ ٦٠ ـ عن التوحيد (وَيُنَجِّي اللهُ) من جهنم (الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ) يعنى بنجاتهم [١٢٦ أ] بأعمالهم الحسنة (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) يقول لا يصيبهم العذاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ ٦١ ـ (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) ـ ٦٢ ـ يقول رب كل شيء من الخلق (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (بِآياتِ اللهِ) يعنى بآيات القرآن (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ـ ٦٣ ـ فى العقوبة (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) ـ ٦٤ ـ وذلك أن كفار قريش دعوا النبي

__________________

(١) ما بين الأقواس «...» ساقط من ا ، وهو الآية ٥٧ وجزء من الآية ٥٨ ، كلاهما ساقط من ا مع تفسيرهما.

٦٨٤

ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى دين آبائه فحذر الله ـ عزوجل ـ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يتبع دينهم فقال : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) من الأنبياء (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) بعد التوحيد (لَيَحْبَطَنَ) يعنى ليبطلن (عَمَلُكَ) الحسن إضمار الذي كان (وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ـ ٦٥ ـ فى العقوبة ، ثم أخبر بتوحيده فقال ـ تعالى ـ : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) يقول فوحد (وَكُنْ) له (مِنَ الشَّاكِرِينَ) ـ ٦٦ ـ فى نعمه فى النبوة والرسالة.

قوله ـ تعالى ـ (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) نزلت فى المشركين يقول وما عظموا الله حق عظمته (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ «يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ») (١) مطويات يوم القيامة بيمينه فيها تقديم فهما كلاهما فى يمينه يعنى فى قبضته اليمنى (٢) قال ابن عباس : يقبض على الأرض والسموات جميعا فما يرى طرفهما من قبضته ويده الأخرى يمين (سُبْحانَهُ) نزه نفسه عن شركهم (وَتَعالى) وارتفع (عَمَّا يُشْرِكُونَ) ـ ٦٧ ـ به (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) وهو القرن وذلك أن إسرافيل وهو واضع فاه على القرن يشبه البوق ودائرة رأس القرن كعرض السماء

__________________

(١) (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) : ساقط من ا.

(٢) الله ـ تعالى ـ منزه عن الكم والكيف ومنزه عن أن يحويه مكان ومنزه عن مشابهة الحوادث ومنزه عن أن تكون له قبضة كقبضتنا أو يد كأيدينا.

قال الأستاذ سيد قطب فى تفسير الآية : «وكل ما ورد فى القرآن وفى الحديث من هذه الصور والمشاهد إنما هو تقريب للحقائق التي لا يملك البشر إدراكها بغير أن توضع لهم فى تعبير يدركونه ، وفى صورة يتصورونها ومنه هذا التصوير لجانب من حقيقة القدرة المطلقة ، التي لا تتقيد بشكل ، ولا تتحيز فى حيز ولا تتحدد بحدود» فى ظلال القرآن : ٥٢٣ ، وقد نصح القارئ أن يراجع بتوسع فصل : التصوير الفنى ، وفصل : التخييل الحمى والتجسيم فى كتاب التصوير الفنى فى القرآن.

***

٦٨٥

والأرض وهو شاخص ببصره نحو العرش ، يؤمر فينفخ فى القرن فإذا نفخ فيه :

__________________

وقد عرض الطبري معنى الآية وهو قريب مما ذهب إليه مقاتل ثم عرض رأيا آخر لبعض أهل العربية من أهل البصرة. يقول :

(وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) أى فى قدرته نحو قوله : (... وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ...) أى وما كانت لكم عليه قدرة وليس الملك لليمين دون سائر الجسد قال : وقوله : «... فى قبضته ...» نحو قولك للرجل هذا فى يدك وفى قبضتك. تفسير الطبري : ٢٣ / ١٩.

وقد ذهب النسفي والنيسابوري مذهب الزمخشري فى تأويل هذه الآية. قال النيسابوري (... وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ ...) قال جار الله : الغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته تصوير عظمته ، والتوفيق على كنه جلاله من غير ذهاب بالقبضة واليمين إلى جهة حقيقة أو إلى جهة مجاز ، وكذلك حكم ما يروى عن عبد الله بن مسعود أن رجلا من أهل الكتاب جاء إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : يا أبا القاسم ، إن الله يمسك السموات يوم القيامة على إصبع ، والأرض على إصبع ، والشجر على إصبع ، والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن ، فيقول أنا الملك ، فضحك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تعجبا مما قال وأنزل الله الآية تصديقا له.

وقال جار الله وإنما ضحك أفصح العرب وتعجب لأنه لم يفهم منه إلا ما يفهمه علماء البيان ، من غير تصور إمساك ولا إصبع ولا هز ولا شيء من ذلك ولكن فهمه وقع أول شيء وآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة وأن الأفعال العظام التي لا تكتنها الأوهام هينة عليه. وقال النيسابوري ... والقبضة بالفتح المرة من القبض يعنى والأرضون جميعا مع عظمهن لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته فهن ذوات قبضته وعندي أن المراد منه تصرفه يوم القيامة فيها بتبديلها كقوله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ...) سورة إبراهيم : ٩٨.

(... وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ...) كقوله : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ...) سورة الأنبياء : ١٠٤ وقيل معنى مطويات كونها مستولى عليها استيلاءك على الشيء المطوى عندك بيدك.

وقيل معنى مطويات كونها مستولى عليها بيمينه أى يقسمه لأنه ـ تعالى ـ حلف أن يطويها ويفنيها فى الآخرة.

وفى الآية إشارة إلى كمال استغنائه وأنه إذا أراد تبديل الأرض غير الأرض ، والسموات وذلك فى يوم القيامة ، سهل عليه كل السهولة ، ولذلك نزه نفسه عن الشركاء بقوله (... سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).

٦٨٦

(فَصَعِقَ) يعنى فمات (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من شدة الصوت والفزع من فيها من الحيوان ، ثم استثنى (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) يعنى جبريل وميكائيل ، ثم روح جبريل ، ثم روح إسرافيل ثم يأمر ملك الموت فيموت ثم يدعهم فيما بلغنا أمواتا أربعين سنة ثم يحيى الله ـ عزوجل ـ إسرافيل فيأمره أن ينفخ الثانية ، فذلك قوله : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ) على أرجلهم (يَنْظُرُونَ) ـ ٦٨ ـ إلى البعث الذي كذبوا به ، فذلك قوله ـ تعالى ـ (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١) مقدار ثلاثمائة عام (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) يعنى بنور ساقه (٢) ، فذلك قوله ـ تعالى ـ : «يوم

__________________

(١) سورة المطففين : ٦.

(٢) لا سند لمقاتل فى هذا التخصيص ، بأن النور نور ساقه قال فى ظلال القرآن.

(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ) : أرض الساحة التي يتم فيها الاستعراض «بنور ربها» الذي لا نور غيره فى هذا المقام.

وقال الطبري : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ...) يقول ـ تعالى ذكره ـ فأضاءت الأرض بنور ربها ، يقال أشرقت الشمس إذا صفت وأضاءت ، وسرقت إذا طلعت ، وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلقه وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهل التأويل.

... قال قتادة فى قوله : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ...) قال أضاءت فما يتضارون فى نوره إلا كما يتضارون فى الشمس فى اليوم الصحو الذي لا دخن فيه.

وقال النيسابوري : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) الظاهر أن هذا نور تجليه سبحانه وقد مر شرح هذا النور فى تفسير قوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) سورة النور : ٣٥.

وقال علماء البيان افتتح الآية بذكر العدل كما اختتم الآية بنفي الظلم ويقال للملك للعادل أشرقت الآفاق بنور عدلك وأضاءت الدنيا بقسطك وفى ضده أظلمت الدنيا بجوره ، وأهل الظاهر من المفسرين لم يستبعدوا أن يخلق الله فى ذلك اليوم للأرض نورا مخصوصا وقيل أراد أرض الجنة.

٦٨٧

يكشف عن ساق ...» (١) (وَوُضِعَ الْكِتابُ) الذي عملوا فى أيديهم ليقرؤه (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ) فشهدوا عليهم بالبلاغ (وَالشُّهَداءِ) يعنى الحفظة من الملائكة فشهدوا عليهم بأعمالهم [١٢٦ ب] التي عملوها (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ) يعنى بالعدل (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ـ ٦٩ ـ فى أعمالهم (٢) (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ) بر وفاجر (ما عَمِلَتْ) فى الدنيا من خير أو شر (وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) ـ ٧٠ ـ يقول الرب ـ تبارك وتعالى ـ أعلم بأعمالهم من النبيين والحفظة ، (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله (إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) يعنى أفواجا من كفار كل أمة على حدة (حَتَّى إِذا جاؤُها) يعنى جهنم (فُتِحَتْ أَبْوابُها) يومئذ وكانت مغلقة ونشرت الصحف وكانت مطوية (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) يعنى خزنة جهنم (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) يعنى من أنفسكم (يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ) يعنى يقرءون عليكم (آياتِ «رَبِّكُمْ») (٣) القرآن (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) يعنى البعث (قالُوا بَلى) قد فعلوا (وَلكِنْ حَقَّتْ) يعنى وجبت (كَلِمَةُ الْعَذابِ) يعنى بالكلمة يوم قال لإبليس : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (٤) (عَلَى الْكافِرِينَ) ـ ٧١ ـ (قِيلَ) قالت لهم الخزنة : (ادْخُلُوا) (٥) (أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) لا يموتون

__________________

(١) سورة القلم : ٤٢.

(٢) الآيتان ٦٩ ، ٧٠ ، ذكرنا فى ا مع تقديم وتأخير ونقل جزء آية إلى آية أخرى ، وقد صويت الأخطاء.

(٣) «ربكم» ليست فى ا.

(٤) سورة ص : ٨٥.

(٥) فى ا : فادخلوا.

٦٨٨

(فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) ـ ٧٢ ـ عن التوحيد (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) يعنى أفواجا (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) وأبواب الجنة ثمانية مفتحة أبدا (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) ـ ٧٣ ـ لا يموتون فيها فلما دخلوها (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) يعنى أرض الجنة بأعمالنا (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) يعنى نتنزل منها حيث نشاء رضاهم بمنازلهم منها ، يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) ـ ٧٤ ـ وقال فى هذه السورة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ...) يعنى أرض الجنة ـ وقال فى سورة الأنبياء : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ) يعنى أرض الجنة (يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (١) (وَتَرَى) يا محمد (الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) يعنى تحت العرش (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) يعنى يذكرونه بأمر ربهم (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ٧٥ ـ.

وذلك أن الله ـ تبارك وتعالى ـ افتتح الخلق بالحمد ، وختم بالحمد ، فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) (٢) وختم بالحمد حين قال : (... وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ...) يعنى بالعدل (... وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣).

حدثنا أبو جعفر ، قال : حدثنا أبو القاسم ، قال : قال الهذيل حدثني جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب ، عن ابن جبير ، فى قوله ـ تعالى ـ

__________________

(١) سورة الأنبياء : ١٠٥.

(٢) سورة الأنعام : ١.

(٣) سورة الزمر : ٧٥.

٦٨٩

(اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ...) قال : تقبض أنفس الأموات وترسل [١٢٧ ا] أنفس الأحياء إلى أجل مسمى فلا تقبضها (... إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١).

__________________

(١) سورة الزمر الآية ٤٢ وتمامها (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

٦٩٠

سورة غافر

٦٩١
٦٩٢

(٤) سورة غافر مكية

وآياتها خمس وثمانون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣)

٦٩٣

ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ

٦٩٤

مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٧) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا

٦٩٥

قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ

٦٩٦

قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠) وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤)

٦٩٧

فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦) وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٥٠) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ

٦٩٨

مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩) وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى

٦٩٩

مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ (٧٤) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠)

٧٠٠