تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

ببدر (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) ـ ٦٤ ـ إذا هم يضجون إلى الله ـ عزوجل ـ حين نزل بهم العذاب يقول الله ـ عزوجل ـ (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ) لا تضجوا اليوم (إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) ـ ٦٥ ـ يقول لا تمنعون منا حتى تعذبوا بعد (١) القتل ببدر (قَدْ كانَتْ آياتِي) يعنى القرآن (تُتْلى عَلَيْكُمْ) يعنى على كفار مكة (فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) ـ ٦٦ ـ يعنى تتأخرون (٢) [٣٢ أ] عن إيمان به ، تكذيبا بالقرآن ، ثم نعتهم فقال ـ سبحانه ـ : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) «يعنى آمنين بالحرم بأن لهم البيت الحرام» (٣) (سامِراً) بالليل ـ إضمار فى الباطل ـ وأنتم آمنون فيه ، ثم قال : (تَهْجُرُونَ) ـ ٦٧ ـ القرآن فلا تؤمنون به نزلت فى الملأ من قريش الذين مشوا إلى أبى طالب. (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) يعنى أفلم يستمعوا القرآن (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) ـ ٦٨ ـ يقول قد جاء أهل مكة النذر كما جاء آباءهم وأجدادهم الأولين (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) يعنى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بوجهه ونسبه (فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) ـ ٦٩ ـ فلا يعرفونه بل يعرفونه (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) قالوا : إن بمحمد جنونا ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (بَلْ جاءَهُمْ) محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (بِالْحَقِ) يعنى بالتوحيد (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِ) يعنى التوحيد (كارِهُونَ) ـ ٧٠ ـ ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) يعنى لو اتبع الله أهواء كفار مكة فجعل مع نفسه شريكا (لَفَسَدَتِ) يعنى لهلكت (السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) من الخلق (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) يعنى بشرفهم يعنى القرآن (فَهُمْ عَنْ

__________________

(١) فى أ : بعد ، ز : يعنى.

(٢) فى أ : تتأخرون ، ز : تستأخرون.

(٣) ما بين القوسين «...» : من ز ، وفى أ : يعنى بالحرم ويقال بالبيت.

١٦١

ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) ـ ٧١ ـ يعنى القرآن «معرضون عنه فلا يؤمنون به (١)» (أَمْ تَسْأَلُهُمْ) يا محمد (خَرْجاً) أجرا على الإيمان بالقرآن (فَخَراجُ رَبِّكَ) يعنى فأجر ربك (خَيْرٌ) يعنى أفضل من خراجهم (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ـ ٧٢ ـ (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٧٣ ـ يعنى الإسلام لا عوج فيه (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) يعنى لا يصدقون بالبعث (عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) ـ ٧٤ ـ يعنى عن الدين لعادلون (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ) يعنى الجوع الذي أصابهم بمكة سبع سنين ، لقولهم فى حم الدخان (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) (٢) فليس قولهم باستكانة ولا توبة ، ولكنه كذب منهم ، كما كذب فرعون وقومه حين قالوا لموسى : (... لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ...) (٣).

فأخبر الله ـ عزوجل ـ عن كفار مكة ، فقال سبحانه ـ «ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر» (لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ـ ٧٥ ـ يقول لتمادوا فى ضلالتهم يترددون فيها وما آمنوا.

ثم قال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) يعنى الجوع (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ) يقول فما استسلموا يعنى الخضوع «لربهم» (٤) (وَما يَتَضَرَّعُونَ) ـ ٧٦ ـ يعنى «وما كانوا يرغبون (٥) إلى الله ـ عزوجل ـ فى الدعاء. (حَتَّى إِذا

__________________

(١) ما بين القوسين «...» من أ ، وليس فى ز.

(٢) سورة الدخان : ١٢.

(٣) سورة الأعراف : ١٣٤.

(٤) «لربهم» : من ز ، وليست فى أ.

(٥) فى أ : وما يرغبون ، ز : وما كانوا يرغبون.

١٦٢

فَتَحْنا) يعنى أرسلنا (عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ) يعنى الجوع (إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) ـ ٧٧ ـ يعنى آيسين من الخير والرزق نظيرها فى سورة الروم (١)

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ) يعنى خلق لكم (السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) يعنى القلوب فهذا من النعم (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) ـ ٧٨ ـ يعنى بالقليل أنهم لا يشكرون رب هذه النعم فيوحدونه ، (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ) يعنى خلقكم (فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ـ ٧٩ ـ فى الآخرة ، (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي) الموتى (وَيُمِيتُ) الأحياء (وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) ـ ٨٠ ـ توحيد ربكم فيما ترون من صنعه فتعتبرون ، (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ) ـ ٨١ ـ يعنى كفار مكة قالوا مثل قول الأمم الخالية (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) ـ ٨٢ ـ قالوا ذلك تعجبا وجحدا وليس باستفهام ، نزلت فى آل طلحة بن عبد العزى منهم شيبة وطلحة وعثمان وأبو سعيد ومشافع وأرطأة وابن شرحبيل والنضر بن الحارث وأبو الحارث بن علقمة (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ) يعنى البعث (إِنْ هذا) الذي يقول محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ـ ٨٣ ـ يعنى أحاديث الأولين وكذبهم (قُلْ) لكفار مكة : (لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها) من الخلق حين كفروا بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ ٨٤ ـ خلقهما (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ـ ٨٥ ـ فى توحيد الله ـ عزوجل ـ فتوحدونه (قُلْ) لهم : (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ـ ٨٦ ـ (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) ـ ٨٧ ـ يعنى أفلا تعبدون الله ـ عزوجل ـ (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ) يعنى خلق (كُلِّ شَيْءٍ

__________________

(١) يشير إلى الآية ٤٩ من سورة الروم وهي (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ.)

١٦٣

وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) يقول يؤمن ولا يؤمن عليه أحد (١) (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ ٨٨ ـ (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) ـ ٨٩ ـ قل فمن أين سحرتم فأنكرتم أن (٢) الله ـ تعالى ـ واحد لا شريك له وأنتم مقرون بأنه خلق الأشياء كلها ، فأكذبهم الله ـ عزوجل ـ حين أشركوا به فقال ـ سبحانه ـ : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِ) يقول بل جئناهم بالتوحيد (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ـ ٩٠ ـ فى قولهم إن الملائكة بنات الله ـ عزوجل ـ يقول الله ـ تعالى ـ : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) يعنى الملائكة (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) يعنى من شريك فلو كان معه إله (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) كفعل ملوك الدنيا يلتمس بعضهم قهر بعض ، ثم نزه الرب نفسه ـ جل جلاله ـ عن مقالتهم فقال ـ تعالى ـ (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) ـ ٩١ ـ يعنى عما يقولون بأن الملائكة بنات الرحمن (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) يعنى غيب ما كان وما يكون. والشهادة (٣) (فَتَعالى) يعنى فارتفع (عَمَّا يُشْرِكُونَ) ـ ٩٢ ـ لقولهم الملائكة بنات الله. (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي) [٢٣ أ] (ما يُوعَدُونَ) ـ ٩٣ ـ من العذاب يعنى القتل ببدر وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أراد أن يدعو على كفار مكة ،

__________________

(١) من ز ، ومثلها ف. وفى ل : يؤمن ولا يؤمن أحد ، وفى أ : يؤمر ولا يؤمر عليه أحدا. وفى النسفي ٣ : ٩٧ (وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) أجرت فلان على فلان إذا أغثته منه ومنعته. يعنى وهو يغيث من يشاء ممن يشاء ، ولا يغيث أحد منه أحدا.

وفى الجلالين : ٢٩٠ (يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) يحمى ولا يحمى عليه.

(٢) فى أ ، ز : بأن.

(٣) فى الجلالين (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ما عاب وما شوهد بالجر صفة وبالرفع خبر ب محذوف.

وكذا فى البيضاوي.

١٦٤

ثم قال : (رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١) ـ ٩٤ ـ (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ) من العذاب (لَقادِرُونَ) ـ ٩٥ ـ ، ثم قال الله ـ عزوجل ـ يعزى نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر على الأذى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) نزلت فى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأبى جهل ـ لعنه الله ـ حين جهل على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) ـ ٩٦ ـ من الكذب ثم أمره أن يتعوذ من الشيطان ، فقال ـ تعالى ـ (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) ـ ٩٧ ـ يعنى الشياطين فى أمر أبى جهل ، (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) ـ ٩٨ ـ (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) يعنى الكفار (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) ـ ٩٩ ـ إلى الدنيا حين (٢) يعاين ملك الموت يؤخذ بلسانه فينظر (٣) إلى سيئاته قبل الموت ، «فلما» (٤) هجم على الخزي سأل الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحا فيما ترك ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : «رب ارجعون» إلى الدنيا (لَعَلِّي) يعنى لكي (أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) من العمل الصالح يعنى الإيمان ، يقول ـ عزوجل ـ (٥) ـ (كَلَّا) لا يرد إلى الدنيا ، ثم استأنف فقال : (إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) يعنى بالكلمة قوله (٦) : «رب ارجعون» ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ) يعنى ومن بعد الموت أجل (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ـ ١٠٠ ـ يعنى

__________________

(١) ما بين القوسين «...» ساقط من الأصل.

(٢) فى ز ، ل : حين ، ا : حتى.

(٣) فى أ : وينظر ، ل : فينظر.

(٤) «فلما» : زيادة ليست فى أ ، ل ، ز ، ف : وقد اقتضاها السياق.

(٥) عزوجل : من ز ، وفى أ : يقول : «كلا».

(٦) فى أ : قوله ـ سبحانه ، ز : قوله

١٦٥

يحشرون (١) بعد الموت (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) يعنى النفخة الثانية (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) يعنى لا نسبة بينهم عم وابن عم وأخ وابن أخ وغيره (يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) ـ ١٠١ ـ يقول ولا يسأل حميم حميما (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) بالعمل الصالح يعنى المؤمنين (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ـ ١٠٢ ـ يعنى الفائزين (٢) (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) يعنى الكفار (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا) يعنى غبنوا (أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) ـ ١٠٣ ـ لا يموتون (تَلْفَحُ) يعنى تنفخ (وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) ـ ١٠٤ ـ عابسين شفته العليا قالصة لا تغطى أنيابه ، وشفته السفلى تضرب بطنه وثناياه خارجة من فيه [٣٣ ب] بين شفتيه أربعون ذراعا بذراع الرجل الطويل من الخلق الأول كل ناب له مثل أحد ويقال (٣) لكفار مكة : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) يقول ألم يكن القرآن يقرأ عليكم فى أمر هذا اليوم وما هو كائن فيكم (فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) ـ ١٠٥ ـ نظيرها فى الزمر (٤) (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) التي كتبت علينا (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) ـ ١٠٦ ـ عن الهدى ، ثم قالوا (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) يعنى من النار (فَإِنْ عُدْنا) إلى الكفر والتكذيب (فَإِنَّا ظالِمُونَ) ـ ١٠٧ ـ ثم رد مقدار

__________________

(١) فى أ : زيادة ليست فى ل ، ف ، ز ، وهي : «حدثنا محمد ، قال : حدثني أبى قال : قال الكسائي فى قوله ـ تعالى ـ : «رب ارجعون» العرب تخاطب الواحد بمخاطبة الجمع من ذلك قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ...) مخاطبة له والحكم لغيره. ومنه قوله ـ عزوجل ـ : (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ...») والمدركون فرعون وغيره ، والخوف منه ومن غيره.

والآية الأولى من سورة الطلاق : ١ ، والآية الثانية من سورة يونس : ٨٣.

(٢) فى أ : الفائزون ، ز : الفائزين.

(٣) فى أ : فقال ، ز : قل ، ل : يقال.

(٤) يشير إلى ٧١ من سورة الزمر وهي :

(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ...) الآية.

١٦٦

الدنيا منذ خلقت إلى أن تفنى سبع مرات (قالَ اخْسَؤُا فِيها) يقول اصغروا فى النار (وَلا تُكَلِّمُونِ) ـ ١٠٨ ـ فلا يتكلم أهل النار بعدها أبدا غير أن لهم زفيرا أول نهيق الحمار ، وشهيقا (١) آخر نهيق الحمار ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي) المؤمنين (يَقُولُونَ ، رَبَّنا آمَنَّا) يعنى صدقنا بالتوحيد (فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) ـ ١٠٩ ـ (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) وذلك أن رءوس كفار قريش المستهزئين : أبا جهل وعتبة والوليد وأمية ونحوهم اتخذوا فقراء أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سخريا يستهزءون بهم ويضحكون من خباب وعمار وبلال وسالم مولى أبى حذيفة ونحوهم من فقراء العرب فازدروهم ، ثم قال : (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) حتى ترككم الاستهزاء بهم عن الإيمان بالقرآن (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ) يا معشر كفار قريش من الفقراء (تَضْحَكُونَ) ـ ١١٠ ـ استهزاء بهم نظيرها فى ص (٢) ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ) فى الآخرة (بِما صَبَرُوا) على الأذى والاستهزاء يعنى الفقراء من العرب والموالي (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) ـ ١١١ ـ يعنى هم الناجون (قالَ) ـ عزوجل ـ للكفار : (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ) فى الدنيا يعنى فى القبور (عَدَدَ سِنِينَ) ـ ١١٢ ـ (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) استقلوا ذلك يرون أنهم لم يلبثوا فى قبورهم إلا يوما أو بعض يوم ، ثم قال الكفار لله ـ تعالى ـ أو لغيره (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) ـ ١١٣ ـ يقول فسل الحساب يعنى ملك الموت وأعوانه (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ) فى القبور (إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ ١١٤ ـ

__________________

(١) فى ز ، ل : وشهيق.

وفى أ : غير أن لهم فيها زفيرا آخر نهيق الحمار ، وشهيق أول نهيق الحمار ، والمثبت فى الصدر عن ز ، ل.

(٢) يشير إلى الآية ٦٣ مق سورة ص وهي : «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ».

١٦٧

إذا لعلمتم أنكم لم تلبثوا إلا قليلا ولكنكم كنتم لا تعلمون كم لبثتم فى القبور يقول الله ـ عزوجل ـ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) يعنى لعبا وباطلا لغير شيء : أن (١) لا نعذبوا إذا كفرتم (وَ) حسبتم (أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) ـ ١١٥ ـ فى الآخرة (فَتَعالَى اللهُ) يعنى ارتفع [٣٤ أ] الله ـ عزوجل ـ (الْمَلِكُ الْحَقُ) أن يكون خلق شيئا عبسا ما خلق شيئا إلا لشيء يكون ، لقولهم أن معه إلها ، ثم وحد الرب نفسه ـ تبارك وتعالى ـ فقال : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) ـ ١١٦ ـ (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ) يعنى ومن يصف مع الله (إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) يعنى لا حجة له بالكفر ولا عذر يوم القيامة ، نزلت فى الحارث بن قيس السهمي أحد المستهزئين (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) ـ ١١٧ ـ يقول جزاء الكافرين ، أنه لا يفلح يعنى لا يسعد فى الآخرة عند ربه ـ عزوجل (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ) الذنوب (وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) ـ ١١٨ ـ من غيرك يقول من كان يرحم أحدا (٢) فإن الله ـ عزوجل ـ بعباده أرحم وهو خير يعنى أفضل رحمة من أولئك الذين لا يرحمون (٣).

__________________

(١) فى أ : ألا ، ز : أن لا.

(٢) فى ز : أحدا ، أو شيئا ، أ : أحدا

(٣) فى أ : لا يرحمون ، ل ، ز ، ف : يرحمون.

١٦٨

سورة النور

١٦٩
١٧٠

(٢٤) سورة النور مدنية

وآياتها اربع وسبعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١)

١٧١

الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١) لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ

١٧٢

ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (١٥) وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠) * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ

١٧٣

وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ

١٧٤

بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١) وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤) * اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ

١٧٥

يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٤٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ

١٧٦

ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤) وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥) لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢) * وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ

١٧٧

أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ

١٧٨

الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ

١٧٩

بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٤))

١٨٠