تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

ثم قال : (وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) يعنى امرأة واحدة (فَقالَ أَكْفِلْنِيها) يعنى أعطينها (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) ـ ٢٣ ـ يعنى غلبني فى المخاطبة ، إن دعا كان أكثر منى ناصرا ، وإن بطش كان أشد منى بطشا ، وإن تكلم كان أبين منى فى المخاطبة (قالَ) داود : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) يعنى بأخذه التي لك من الواحدة ، إلى التسع والتسعين التي له (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) يعنى الشركاء (لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ليظلم بعضهم بعضا (إِلَّا) استثناء ، فقال : «إلا» (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) لا يظلمون أحدا (١) (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) يقول هم قليل فلما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك فلم يفطن لهما فأحبا يعرفاه فصعدا تجاه وجهه ، «وعلم» (٢) أن الله ـ تبارك وتعالى ـ ابتلاه بذلك [١١٧ أ] (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) يقول وعلم داود أنا ابتليناه (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً) يقول وقع ساجدا أربعين يوما وليلة (وَأَنابَ) ـ ٢٤ ـ يعنى ثم رجع من ذنبه تائبا إلى الله ـ عزوجل ـ «وخر

__________________

ـ قال النسفي فى تفسيره : ٤ / ٢٩ ـ ٣٠ : (وما يحكى من أن داود بعث مرة بعد مرة أدريا إلى غزوة البلقاء وأحب أن يقتل ليتزوج امرأته فلا يليق من المتسمين بالصلاح من أفناء الناس فضلا عن بعض أعلام الأنبياء ، وقال على ـ رضى الله عنه ـ : من حدثكم بحديث داود ـ عليه‌السلام ـ على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة ، وهو حد الفرية على الأنبياء ...».

لقد اتهمت الإسرائيليات أنبياء الله بالسكر والزنا وشرب الخمر ، وجعلتهم دعاة للرذيلة والشر وهذا يخالف حقائق التاريخ ونصوص القرآن قال ـ تعالى ـ : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ...).

إنا بلينا فى بلادنا بدولة إسرائيل ، وبلينا فى تفسيرنا بأباطيل بنى إسرائيل؟ فمتى نطهر بلادنا من اليهود؟ ومتى ننقى تفسيرنا من إسرائيليات اليهود؟

عسى ان يكون قريبا.

(١) فى ا زيادة : إضمار.

(٢) كذا فى ا ، والأنسب : «فعلم».

٦٤١

راكعا» مثل قوله : (... ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً ...) (١) يعنى ركوعا (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) يعنى ذنبه ، ثم أخبر بما له فى الآخرة ، فقال : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) يعنى لقربة (وَحُسْنَ مَآبٍ) ـ ٢٥ ـ يعنى وحسن مرجع (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) يعنى بالعدل (٢) (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) «فتحكم بغير حق» (٣) (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يقول يستزلك الهوى عن طاعة الله ـ تعالى ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعنى عن دين الإسلام (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا) يعنى بما تركوا الإيمان (يَوْمَ الْحِسابِ) ـ ٢٦ ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) يعنى لغير شيء ولكن خلقتهما لأمر هو كائن (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة «أنى» (٤) خلقتهما لغير شيء (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) ـ ٢٧ ـ لما أنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ «فى» (٥) «ن والقلم» (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٦) قال كفار قريش للمؤمنين : إنا نعطى من الخير فى الآخرة ما تعطون ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ (أَمْ

__________________

(١) وفى البقرة : ٥٨ ، (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ).

سورة النساء : ١٥٤ ، وهي (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً).

ومثلها فى الأعراف : ١٦١ ، وهي : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ).

(٢) فى ف زيادة : «بما بينت لك فى الزبور».

(٣) فى ا : «فتحكم بغيره» ، وفى ف : «فنحكم بغير حق».

(٤) فى ا : «أنها».

(٥) «فى» : ليست فى الأصل.

(٦) سورة القلم : ٣٤.

٦٤٢

نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعنى بنى هاشم و «بنى المطلب» (١) أخوى بنى عبد مناف (٢) ، فيهم على بن أبى طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبى طالب ـ عليهم‌السلام ـ وعبيدة بن الحارث بن المطلب ، وطفيل بن الحارث بن المطلب ، وزيد بن حارثة الكلبي ، وأيمن بن أم أيمن ، ومن كان «يتبعه» (٣) من بنى هاشم يقول : أنجعل هؤلاء (كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ) بالمعاصي ، نزلت فى بنى عبد شمس بن عبد مناف : فى عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة بن ربيعة ، وحنظلة بن أبى سفيان ، وعبيدة بن سعيد ابن العاص ، والعاص بن أبى أمية بن عبد شمس ، ثم قال : (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ) يعنى بنى هاشم وبنى المطلب فى الآخرة (كَالْفُجَّارِ) ـ ٢٨ ـ (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) يا محمد (مُبارَكٌ) يعنى هو بركة لمن عمل بما فيه (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) يعنى ليسمعوا آيات القرآن (وَلِيَتَذَكَّرَ) بما فيه من المواعظ (أُولُوا الْأَلْبابِ) ـ ٢٩ ـ يعنى أهل اللب والعقل (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ) ثم أثنى على سليمان ، فقال ـ سبحانه ـ : (نِعْمَ الْعَبْدُ) وهذا ثناء على عبده سليمان نعم العبد ، (إِنَّهُ أَوَّابٌ) ـ ٣٠ ـ يعنى مطيع (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ) يعنى بالصفن إذا رفعت الدابة إحدى يديها فتقوم على ثلاث قوائم ، ثم قال : (الْجِيادُ) ـ ٣١ ـ يعنى السراع ، مثل قوله «... فاذكروا اسم الله عليها

__________________

(١) فى ا : «وبنى عبد المطلب» ، وفى ف : «وبنى المطلب» ، وتفسير الآية ٢٨ من ف ، إذ أنه مقتضب جدا فى ا.

(٢) أى فى بنى هاشم وبنى المطلب والذين آمنوا وعملوا الصالحات.

(٣) المرجح لدى أن الضمير يعود على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أى ومن كان يتبع النبي محمدا من بنى هاشم.

٦٤٣

صواف ...» (١) (... فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ...) (١) معلقة قائمة على ثلاث ، وذلك أن سليمان ـ عليه‌السلام ـ صلى الأولى ، ثم جلس على كرسيه لتعرض عليه الخيل وعلى ألف فرس كان ورثها من أبيه داود ـ عليهما‌السلام ـ وكان أصابها [١١٧ ب] من العمالقة فعرض عليه منها تسعمائة فغابت الشمس ولم يصل العصر ، فذلك قوله : (فَقالَ) (٢) (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) يعنى المال وهو الخيل الذي عرض عليه (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) يعنى صلاة العصر ، كقوله : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ...) (٣) يعنى الصلوات الخمس (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) ـ ٣٢ ـ والحجاب جبل دون ق بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه ، ثم قال : (رُدُّوها عَلَيَ) يعنى كروها على (فَطَفِقَ «مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ») (٤) ـ ٣٣ ـ يقول فجعل يمسح بالسيف سوقها وأعناقها فقطعها ، وبقي منها مائة فرس فما كان فى أيدى الناس اليوم فهي من نسل تلك المائة قوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ) يعنى بعد ما ملك عشرين سنة ، ثم ملك أيضا بعد الفتنة عشرين سنة ، فذلك أربعين يقول لقد ابتلينا سليمان أربعين يوما (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ) يعنى سريره (جَسَداً) يعنى رجلا من الجن يقال له «صخر بن عفير» (٥) بن عمرو بن شرحبيل ، ويقال إن إبليس جده ، ويقال أيضا اسمه أسيد (ثُمَّ أَنابَ) ـ ٣٤ ـ يقول ثم رجع بعد أربعين يوما إلى ملكه وسلطانه وذلك أن سليمان غزا العمالقة فسبى

__________________

(١) سورة الحج : ٣٦.

(٢) «فقال» : ساقطة من ا.

(٣) سورة النور : ٣٧.

(٤) (مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) : ، ساقط من ا.

(٥) فى ا : «ضمر بن عميرة» ، وفى ف : «صخر بن عفير».

٦٤٤

من نسائهم ، وكانت فيهم ابنة ملكهم فاتخذها لنفسه فاشتاقت إلى أبيها ، وكان بها من الحسن والجمال حالا يوصف فحزنت وهزلت وتغيرت فأنكرها سليمان أن يتخذ لها شبه أبيها فاتخذ لها صنما على شبه أبيها فكانت تنظر إليه فى كل ساعة فذهب عنها ما كانت تجد فكانت تكنس ذلك البيت وترشه حتى زين لها الشيطان فعبدت ذلك الصنم بغير علم سليمان لذلك ، وكانت لسليمان جارية من أوثق أهله عنده قد كان وكلها بخاتمه وكان سليمان لا يدخل الخلاء حتى يدفع خاتمه إلى تلك الجارية وإذا أتى بعض نسائه فعل ذلك وأن سليمان أراد ذات يوم أن يدخل الخلاء فجاء صخر وقد «نزع» (١) سليمان خاتمه ليناوله الجارية ، ولم يلتفت ، فأخذه صخر فألقاه فى البحر وجلس صخر فى ملك سليمان (٢) ، وذهب عن سليمان البهاء والنور فحرج يدور فى قرى بنى إسرائيل فكلما أتى سليمان قوما رجموه وطردوه تعظيما لسليمان ـ عليه‌السلام ـ وكان سليمان إذا لبس خاتمه سجد له كل شيء يراه من الجن والشياطين وتظله الطير ، وكان خرج من ملكه فى ذى القعدة

__________________

(١) ونزع.

(٢) فى ا : وجلس فى ملكه ، وهذه القصة كلها ليست فى ف (نسخة فيض الله) إلى جوار أنها مختلفة لمخالفتها ما ورد فى الحديث الصحيح الذي رواه البخاري فى باب الجهاد : ٤ / ٢٢ عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، قال سليمان بن داود ـ عليهما‌السلام ـ لأطوفن الليلة على مائة امرأة ، أو تسع وتسعين كلهن تأتى بفارس يجاهد فى سبيل الله. فقال له صاحبه : إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله ، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل والذي نفس محمد بيده او قال : إن شاء الله ، لجاهدوا فى سبيل الله فرسانا أجمعون. أه.

***

فإذا ورد فى السنة الصحيحة تفسيرا للآية فلا يجوز أن نفسرها بقصة صخر المارد التي ذكرها مقاتل ، وأوردها ابن جرير الطبري : ٢٣ / ١٠١. ويجب أن ينقى تفسير القرآن من هذه الخرافات التي دخلت علينا من إسرائيليات اليهود وأباطيلهم.

٦٤٥

وعشر ذى الحجة ورجع إلى ملكه يوم النحر ، وذلك قوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ ...) : أربعين يوما (... ثُمَّ أَنابَ) يعنى رجع إلى ملكه ، وذلك أنه أتى ساحل البحر فوجد صيادا يصيد [١١٩ ا] السمك فتصدق منه (١) ، فتصدق عليه بسمكة (٢) فشق بطنها فوجد الخاتم فلبسه فرجع إليه البهاء والنور وسجد له كل من رآه وهرب صخر فدخل البحر ، فبعث فى طلبه الشياطين فلم يقدروا عليه حتى أشارت الشياطين على سليمان أن يتخذ على ساحل البحر ، كهيئة العين من الخمر ، وجعلت الشياطين «تشرب» (٣) من ذلك الخمر ويلهون ، فسمع صخر جلبتهم فخرج إليهم فقال لهم : ما هذا اللهو والطرب قالوا مات سليمان بن داود وقد استرحنا منه ، فنحن نشرب ونلهو فقال لهم وأنا أيضا أشرب وألهو معكم ، فلما شرب الخمر فسكر ، أخذوه وأوثقوه وأتى به سليمان فحفر له حجرا فأدخل فيه وأطبق عليه بحجر آخر ، وأذاب الرصاص فصب بين الحجرين وقذف به فى البحر فهو فيه إلى اليوم فلما رجع «سليمان» (٤) إلى ملكه وسلطانه : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ـ ٣٥ ـ فوهب الله ـ عزوجل ـ له من الملك ما لم يكن له ولا لأبيه داود ـ عليهما‌السلام ـ فزاده الرياح والشياطين بعد ذلك فذلك قوله ـ تعالى ـ :

__________________

(١) أى طلب منه الصدقة ، ومن ذلك تعلم أنها مهانة لأنبياء الله ، والأنبياء أكرم على الله من أن يهينهم أو يحكم فيهم صخر المارد خصوصا وقد ورد فى الحديث الصحيح ، أن فتنة سليمان هي أنه نسى أن يقول : إن شاء الله.

(٢) كيف يصدق هذا؟ مع قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نحن معاشر الأنبياء لا تحل لنا صدقة ، إن القصة كلها مختلفة.

(٣) فى ا : «تشربون» والأنسب : «تشرب».

(٤) «سليمان» : زيادة اقتضاها السياق.

٦٤٦

(فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) ـ ٣٦ ـ يقول مطيعة لسليمان حيث أراد أن «تتوجه» (١) توجهت له (وَ) سخرنا له (الشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) ـ ٣٧ ـ كانوا يبنون له ما يشاء من البنيان وهو محاريب وتماثيل ويغوصون له فى البحر فيستخرجون له اللؤلؤ ، وكان سليمان أول من استخرج اللؤلؤ من البحر ، قال : (وَآخَرِينَ) من مردة الشياطين ، إضمار (مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) ـ ٣٨ ـ يعنى موثقين فى الحديد (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ) على من شئت من الشياطين فخل عنه (أَوْ أَمْسِكْ) يعنى ، وأحبس فى العمل والوثاق من شئت منهم (بِغَيْرِ حِسابٍ) ـ ٣٩ ـ يعنى بلا تبعة عليك فى الآخرة فيمن تمن عليه فترسله ، وفيمن تحبسه فى العمل ، ثم أخبر بمنزلة سليمان فى الآخرة فقال تعالى ـ : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) يعنى لقربة (وَحُسْنَ مَآبٍ) ـ ٤٠ ـ يعنى وحسن مرجع ، وكان لسليمان ثلاثمائة امرأة حرة وسبعمائة سرية وكان لداود ـ عليه‌السلام ـ مائة امرأة حرة وتسعمائة سرية ، «وكانت» (٢) الأنبياء كلهم فى الشدة غير داود وسليمان ـ عليهما‌السلام ـ (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ) يعنى إذ قال لربه : (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ) يقول أصابنى الشيطان (بِنُصْبٍ) يعنى مشقة فى جسده (وَعَذابٍ) ـ ٤١ ـ فى ماله (ارْكُضْ) يعنى ادفع [١١٩ ب] الأرض (بِرِجْلِكَ) بأرض الشام فنبعت عين من تحت قدمه فاغتسل فيها فخرج منها صحيحا ثم مشى أربعين خطوة فدفع برجله الأخرى فنعبت عين ماء أخرى ،

__________________

(١) فى ا : «توجه».

(٢) فى ا : «كانت».

٦٤٧

ماء عذب بارد شرب منها ، فذلك قوله : (هذا مُغْتَسَلٌ) الذي اغتسل فيها ، ثم قال : (بارِدٌ وَشَرابٌ) ـ ٤٢ ـ الذي أشرب منه «وكان الدود» (١) يأكله «سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات متتابعات» (٢). (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) فأضعف الله ـ عزوجل ـ له ، وكان له سبع «بنين» (٣) وثلاث بنات قبل البلاء وولدت له امرأته بعد البلاء سبع بنين وثلاث بنات فأضعف الله له (رَحْمَةً) يعنى نعمة (مِنَّا) ، ثم قال : (وَذِكْرى) يعنى تفكر (لِأُولِي الْأَلْبابِ) ـ ٤٣ ـ يعنى اهل اللب والعقل (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً) يعنى بالضغث القبضة الواحدة فأخذ عيدانا رطبة وهي الأسل مائة عود عدد ما حلف عليه وكان حلف ليجلدن امرأته مائة جلدة (فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) يعنى ولا تأثم فى يمينك التي حلفت عليها ، فعمد إليها فضربها بمائة عود ضربة واحدة فأوجعها فبرئت يمينه ، وكان اسمها دنيا ثم أثنى الله ـ عزوجل ـ على أيوب فقال : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) على البلاء إضمار (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ـ ٤٤ ـ يعنى مطيعا لله ـ تعالى ـ ، لما برأ أيوب فاغتسل كساء جبريل ـ عليه‌السلام ـ حلة (وَاذْكُرْ) يا محمد صبر (عِبادَنا إِبْراهِيمَ) حين القى فى النار (وَ) صبر (إِسْحاقَ) (٤) للذبح (وَ) صبر (يَعْقُوبَ) فى

__________________

(١) فى ا : «وكانت الدواب» ، وفى ف : «وكانت الدود».

(٢) من ف ، وفى ا : سبع سنين ، وسبع أشهر وسبع أيام وسبع ساعات ، وقال أيوب ـ عليه‌السلام ـ لم يكن فيما ابتليت به شيء أشد على من شماتة الأعداء. والزيادة الأخيرة من ا ، وليست فى ف.

(٣) فى ا : «بنون» ، وفى ف : «بنين».

(٤) «إسحاق» : مكرر فى ا مرتين.

٦٤٨

ذهاب بصره (١) ولم يذكر إسماعيل بن إبراهيم لأنه لم يبتل» (٢) ، «واسم أم يعقوب» (٣) رفقا.

ثم قال : (أُولِي الْأَيْدِي) يعنى أولى القوة فى العبادة ، ثم قال : (وَالْأَبْصارِ) ـ ٤٥ ـ يعنى البصيرة فى أمر الله ودينه ، ثم ذكر الله ـ تعالى ـ هؤلاء الثلاثة إبراهيم وابنيه إسحاق ويعقوب بن إسحاق ، فقال : (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ) للنبوة والرسالة (بِخالِصَةٍ «ذِكْرَى» (٤) الدَّارِ) ـ ٤٦ ـ.

حدثنا أبو جعفر قال : حدثنا داود بن رشيد ، قال : حدثنا الوليد عن ابن جابر «أنه» (٥) سمع عطاء الخراساني فى قوله : (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) قال القوة فى العبادة والبصر بالدين (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) يقول وجعلناهم أذكر الناس لدار الآخرة يعنى الجنة (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) ـ ٤٧ ـ [١٢٠] اختارهم الله على علم «للرسالة» (٦) (وَاذْكُرْ) صبر (إِسْماعِيلَ) هو أشويل بن هلقانا» (٧) (وَ) صبر (الْيَسَعَ وَ) صبر (ذَا الْكِفْلِ) (٨) (وَكُلٌّ) (٩) (مِنَ الْأَخْيارِ) ـ ٤٨ ـ اختارهم الله ـ عزوجل ـ للنبوة فاصبر يا محمد

__________________

(١) فى حاشية ا : العمى لا يجوز على الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ على ما حرره السبكى وإن كان المعتزلة يرون جوازه.

(٢) فى ا : «لم يبتل» ، وفى ف : «لم يبتلى».

(٣) فى ا : «واسم يعقوب» ، وفى ف : «واسم أم يعقوب».

(٤) فى ا : «ذكر».

(٥) «أنه» : زيادة اقتضاها السياق ، والرواية كلها ، سندها ومنها من ا وليست فى ف.

(٦) فى ا : الرسالة ، وفى ف : للرسالة.

(٧) فى ا : «إسماعيل» بن هاقانا ، وفى ف : («إسماعيل» هو أشويل بن هلقانا) ولم يفسر إسماعيل فى الجلالين ، والبيضاوي ، والدر المنثور ، وتفسير المقياس للفيروزآبادي المنسوب لابن عباس.

(٨) فى القرآن «ذا الكفل» وفى الكلام العادي يقال «وصبر ذى الكفل».

(٩) فى ا : «كل».

٦٤٩

على الأذى كما صبر هؤلاء الستة على البلاء ، ثم قال : (هذا ذِكْرٌ) يعنى هذا بيان الذي ذكر الله من أمر الأنبياء فى هذه السورة (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) من هذه الأمة فى الآخرة (لَحُسْنَ مَآبٍ) ـ ٤٩ ـ يعنى مرجع (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) ـ ٥٠ ـ.

حدثنا أبو جعفر قال : حدثنا داود بن رشيد ، قال : حدثنا جليد عن الحسن فى قوله : «مفتحة لهم الأبواب» قال : أبواب يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ، يقال لها : انفتحي ، انقفلى ، تكلم فتفهم «وتتكلم» (١).

حدثنا داود بن رشيد قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سألت زهير بن محمد عن قوله ـ تعالى ـ : (... وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (٢) قال ليس فى الجنة ليل ، هم فى نور أبدا ولهم مقدار الليل بإرخاء الحجب ومقدار النهار.

(مُتَّكِئِينَ فِيها) فى الجنة على السرر (يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ) ـ ٥١ ـ (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) النظر عن الرجال لا ينظرن إلى غير أزواجهن لأنهن عاشقات لأزواجهن ، ثم قال : (أَتْرابٌ) ـ ٥٢ ـ يعنى مستويات على ميلاد واحد بنات ثلاثة وثلاثين سنة ، ثم قال : (هذا) الذي ذكر فى هذه الآية ، «ذكر» (٣) يعنى بيان من الخير فى الجنة (ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ) ـ ٥٣ ـ يعنى ليوم الجزاء (إِنَّ هذا) الخير فى الجنة (لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) ـ ٥٤ ـ يقول هذا الرزق للمتقين ، ثم ذكر الكفار ، فقال ـ سبحانه ـ : (هذا) (٤) (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ)

__________________

(١) فى ا : وتكلم.

(٢) سورة مريم : ٦٢.

(٣) «ذكر» : وردت على أنها من الآية فى الأصل.

(٤) «هذا» : ساقطة من الأصل.

٦٥٠

ـ ٥٥ ـ يعنى بئس المرجع ، ثم أخبر بالمرجع ، فقال : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ) ما مهدوا لأنفسهم من العذاب (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ) يعنى الحار الذي انتهى حره وطبخه (وَغَسَّاقٌ) ـ ٥٧ ـ البارد الذي قد انتهى برده نظيرها فى «عم يتساءلون» (... حَمِيماً وَغَسَّاقاً) (١) فينطلق من الحار إلى البارد فتقطع جلودهم وتتصدع عظامهم وتحرق كما يحرق حر النار ، ثم قال : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) ـ ٥٨ ـ يقول وآخر من شكله يعنى من نحو الحميم والغساق أصناف يعنى ألوان من العذاب فى الحميم يشبه بعضه بعضا فى شبه العذاب (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) وذلك أن [١٢٠ ب] القادة فى الكفر المطعمين فى غزاة بدر والمستهزئين من رؤساء قريش دخلوا النار قبل الأتباع ، فقالت الخزنة للقادة وهم فى النار «هذا فوج» يعنى زمرة «مقتحم معكم» النار إضمار يعنون الأتباع. قالت القادة : (لا مَرْحَباً بِهِمْ) قال الخزنة : (إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) ـ ٥٩ ـ معكم فردت الأتباع من كفار مكة على القادة (قالُوا) (٢) (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ) زينتموه (لَنا) هذا الكفر إذ تأمروننا فى سورة سبأ (٣) أن نكفر بالله ونجعل له أندادا (فَبِئْسَ الْقَرارُ) ـ ٦٠ ـ يعنى فبئس المستقر ، قالت الأتباع ، (قالُوا) (٤) (رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا)

__________________

(١) سورة النبأ : ٢٥.

(٢) «قالوا» ، ساقطة من ا.

(٣) سورة سبأ : ٣٣ وتمامها : (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ).

(٤) «قالوا» : ساقطة من ا.

٦٥١

يعنى من زين لنا هذا يعنى من سبب لنا هذا الكفر (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) ـ ٦١ ـ (وَقالُوا) (١) (ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) ـ ٦٢ ـ يعنون فقراء المؤمنين عمار ، وخباب ، وصهيب ، وبلال ، وسالم ، ونحوهم.

(أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) فى الدنيا ، نظيرها فى «قد أفلح» (٢) (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ...) (٣) (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) ـ ٦٣ ـ يقول أم حارت أبصارهم عناقهم معنا فى النار ولا نراهم ، (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) ـ ٦٤ ـ يعنى خصومة القادة والأتباع فى هذه الآية ، ما قال بعضهم لبعض فى الخصومة ، نظيرها فى الأعراف ، وفى «حم» المؤمن حين قالت ، (... أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا ...) (٤) عن الهدى ، ثم ردت أولاهم دخول النار على أخراهم دخول النار وهم الأتباع وقوله : (إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ ...) إلى آخر الآية. (٥) (قُلْ) لكفار مكة : (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) يعنى رسول (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ) لا شريك له (الْقَهَّارُ) ـ ٦٥ ـ لخلقه ، ثم عظم نفسه عن شركهم فقال ـ سبحانه ـ : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) «فإن» (٦) من يعبد فيهما ، فأنا ربهما ورب من فيهما (الْعَزِيزُ) فى ملكه (الْغَفَّارُ) ـ ٦٦ ـ لمن تاب (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) ـ ٦٧ ـ يعنى القرآن حديث عظيم لأنه كلام الله ـ عزوجل ـ (أَنْتُمْ) يا كفار مكة (عَنْهُ

__________________

(١) «قالوا» ساقطة من ا ، ونلاحظ أن الآيات فى ا مرتبة هكذا آية ٦١ ثم ٦٤ ثم ٦٢ ثم ٦٣ ثم ٦٥. وقد أعدت ترتيبها كما وردت فى القرآن ، فأخرت آية ٦٤ الى مكانها.

(٢) سورة المؤمنون : ١.

(٣) سورة المؤمنون : ١١٠ وتمامها (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) ومعنى نظيرها فى «قد أفلح» ، أى فى «قد أفلح المؤمنون».

(٤) سورة الأعراف : ٣٨.

(٥) سورة غافر : ٤٧ ، وتمامها : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ).

(٦) فى ا : «بأن» ، ف : «فإن» ، وعليهما علامة تمريض. والكلمة غير واضحة فى جميع النسخ.

٦٥٢

مُعْرِضُونَ) ـ ٦٨ ـ يعنى عن إيمان بالقرآن معرضون (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى) من الملائكة (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ـ ٦٩ ـ يعنى الخصومة حين قال لهم الرب ـ تعالى ـ : (... إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) قالت الملائكة : (... أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) «قال» الله لهم : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (١) [١٢١ أ] «فهذه (٢) خصومتهم» (إِنْ) يعنى إذ (يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ـ ٧٠ ـ يعنى رسول بين (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) ـ ٧١ ـ يعنى آدم ، وكان آدم ـ عليه‌السلام ـ أول ما خلق منه عجب الذنب وآخر ما خلق منه أظفاره ثم ركب فيه سائر خلقه يعنى عجب الذنب ، وفيه يركب يوم القيامة كما ركب فى الدنيا (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) ـ ٧٢ ـ (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ) الذين كانوا فى الأرض إضمار (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) ـ ٧٣ ـ ثم استثنى من الملائكة إبليس وكان اسمه فى الملائكة الحارث (٣) وسمى إبليس حين عصى إبليس من الخير ، (إِلَّا إِبْلِيسَ) (٤) (اسْتَكْبَرَ) حين تكبر عن السجود لآدم ـ عليه‌السلام ـ (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) ـ ٧٤ ـ فى علم الله ـ عزوجل ـ (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) (٥) ما لك ألا تسجد (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ) يعنى تكبرت (أَمْ

__________________

(١) سورة البقرة : ٣٠.

(٢) فى ا ، ف : «فهذا خصومتهم» ، والأنسب : «فهذه خصومتهم».

(٣) فى ا ، ف : الحرث ، ونلاحظ أن كلمة الحارث تكتب الحرث فى النسختين فى كل المواضع.

(٤) «إلا إبليس» : ساقط من ا ، ف.

(٥) من ف ، فى ا : خطأ فى الآية.

٦٥٣

كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) ـ ٧٥ ـ يعنى من المتعظمين (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ـ ٧٦ ـ والنار تغلب الطين (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) يعنى من الجنة (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) ـ ٧٧ ـ يعنى ملعون (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) ـ ٧٨ ـ (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ـ ٧٩ ـ يعنى النفخة الثانية (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) ـ ٨٠ ـ (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) ـ ٨١ ـ يعنى إلى أجل موقوت «وهو» (١) النفخة الأولى (قالَ) إبليس لربه ـ تبارك وتعالى ـ : (فَبِعِزَّتِكَ) يقول فبعظمتك (لَأُغْوِيَنَّهُمْ) يقول لأضلنهم (أَجْمَعِينَ) ـ ٨٢ ـ عن الهدى ، ثم استثنى إبليس فقال : (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ـ ٨٣ ـ بالتوحيد فإنى لا أستطيع أن أغويهم (قالَ) الله ـ عزوجل ـ : (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ) ـ ٨٤ ـ يقول قوله الحق. فيها تقديم ، و «أقول الحق» يعنى قول الله ـ عزوجل ـ (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ) يإبليس ومن ذريتك الشياطين (وَمِمَّنْ تَبِعَكَ) على دينك من كفار بنى آدم (مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) ـ ٨٥ ـ يعنى من الفريقين جميعا (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) يعنى من جعل (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) ـ ٨٦ ـ هذا القرآن من تلقاء نفسي (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) يقول ما القرآن الا بيان (لِلْعالَمِينَ) ـ ٨٧ ـ (وَلَتَعْلَمُنَ) يعنى كفار مكة (نَبَأَهُ) يعنى نبأ القرآن (بَعْدَ حِينٍ) ـ ٨٨ ـ هذا وعيد لهم القتل ببدر ، مثل قوله فى «والصافات» (٢) : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) (٣)

__________________

(١) فى ا : وهي.

(٢) سورة الصافات : ١.

(٣) سورة الصافات : ١٧٤.

٦٥٤

يعنى القتل ببدر (١).

__________________

(١) انتهى تفسير سورة ص فى ف.

وفى ا صفحة [١٢١ ب] زيادات معظمها أشبه بالإسرائيليات فلم أنقلها واعتمدت فى ذلك على نسخة ف «فيض الله» وهي أقدم من ا.

٦٥٥
٦٥٦

سورة الزّمر

٦٥٧
٦٥٨

(٣٩) سورة الزمر مكية

وآياتها حسن وسبعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ

٦٥٩

كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) * وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩) قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢)

٦٦٠