تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

١
٢

٣
٤

سورة الأحقاف

٥
٦

(٤٦) سورة الأحقاف مكية

وآياتها خمس وثلاثون

٧

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)

٨

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦) وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ

٩

وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠) وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦)

١٠

وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨) وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥))

١١
١٢

[سورة الأحقاف (١)]

[١٥١ ب]

سورة الأحقاف مكية عددها خمس وثلاثون آية كوفى (٢).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

إلزام الحجة على عبادة الأصنام ، والأخبار عن تناقض كلام المتكبرين ، وبيان نبوة سيد المرسلين وتأكيد ذلك بحديث موسى ، والوصية بتعظيم الوالدين ، وتهديد المتنعمين والمترفين والإشارة إلى إهلاك عاد العادين والإشارة إلى الدعوة وإسلام الجن ، وإتيان يوم القيامة فجأة واستقلال لبث اللابثين فى قوله : (... لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ ...) سورة الأحقاف : ٣٥.

(٢) فى أ : خمسة.

وفى المصحف : (٤٦) سورة الأحقاف مكية إلا الآيات : ١٠ ، ١٥ ، ٣٥ فمدنية وآياتها ٣٥ نزلت بعد سورة الجاثية.

١٣
١٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم)

ـ ١ ـ (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) يقول قضاء نزول الكتاب يعنى القرآن (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ) فى ملكه (الْحَكِيمِ) ـ ٢ ـ فى أمره (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) يعنى الشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح (إِلَّا بِالْحَقِ) لم أخلقهما باطلا عبثا لغير شيء خلقتهما لأمر هو كائن ، ثم قال : (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) يقول خلقتهم (١) لأجل مسمى ينتهى إليه يعنى يوم القيامة فهو الأجل المسمى. ثم قال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (عَمَّا أُنْذِرُوا) فى القرآن من العذاب (مُعْرِضُونَ) ـ ٣ ـ فلا يتفكرون (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ) يعنى تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) من الآلهة يعنى الملائكة (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) يعنى الأرض كخلق الله إن كانوا آلهة ، ثم قال : (أَمْ لَهُمْ) يقول ألهم (شِرْكٌ) مع الله (فِي) ملك (السَّماواتِ) كقوله (... ما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ ...) (٢) ولا فى سلطانه (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) يقول أو رواية «تعلمونها» (٣) من الأنبياء قبل هذا القرآن بأن له شريكا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٤ ـ يعنى اللات والعزى ومناة بأنهن له شركاء (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا) يقول فلا أحد أضل من يعبد (مِنْ دُونِ اللهِ) من الآلهة

__________________

(١) كذا فى أ ، والأنسب «خلقتهما».

(٢) سورة سبأ : ٢٢.

(٣) فى أ : «تعلمونه» ، ف : «تعلمونه».

١٥

(مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) أبدا إذا دعاه يقول لا تجيبهم الآلهة يعنى الأصنام بشيء أبدا (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ثم قال : (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) ـ ٥ ـ يعنى الآلهة غافلون عن من يعبدها ، فأخبر الله عنها فى الدنيا ، ثم أخبر فى الآخرة فقال : (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ) فى الآخرة يقول إذا جمع الناس فى الآخرة (كانُوا لَهُمْ أَعْداءً) يقول كانت الآلهة أعداء لمن يعبدها (وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) ـ ٦ ـ يقول تبرأت الآلهة من عبادتهم إياها ، فذلك قوله : (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً ...) إلى قوله : (... لَغافِلِينَ) فى يونس (١) ، قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) يعنى القرآن (بَيِّناتٍ) يقول بيان الحلال والحرام (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (لِلْحَقِّ لَمَّا «جاءَهُمْ») (٢) (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) ـ ٧ ـ يقول القرآن حين جاءهم قالوا هذا سحر مبين (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ما هذا القرآن إلا شيء ابتدعته من تلقاء نفسك؟ أيعجز الله أن يبعث نبيا غيرك؟ ـ وأنت أحقرنا وأصغرنا وأضعفنا ركنا [١٥٢ أ] وأقلنا حلية ـ أو يرسل ملكا ، إن هذا الذي جثت به لأمر عظيم فقال الله ـ عزوجل ـ لنبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قُلْ) لهم : يا محمد ، (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) من تلقاء نفسي (فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) «يقول لا تقدرون أن تردونى» (٣) من عذابه (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) يقول الله أعلم بما تقولون فى القرآن (كَفى بِهِ شَهِيداً) يقول فلا شاهد أفضل من

__________________

(١) سورة يونس : ٢٩ وتمامها : (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ).

(٢) وردت فى الأصل : «جاء».

(٣) أ ، ف : «لا تقدرون تردوننى».

١٦

الله (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) بأن القرآن جاء من الله (وَهُوَ الْغَفُورُ) فى تأخير العذاب عنهم (الرَّحِيمُ) ـ ٨ ـ حين لا يعجل عليهم بالعقوبة ، وأنزل فى قول كفار مكة أما وجد الله رسولا غيرك ، «قوله ـ تعالى (١) ـ» (قُلْ) لهم يا محمد : (ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) فقال لهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ما أنا بأوّل رسول بعث ، قد بعث قبلي رسل كثير (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) أيرحمني وإياكم ، أو يعذبني وإياكم؟ (إِنْ أَتَّبِعُ) يقول : ما أتبع (إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) من القرآن يقول إذا أمرت بأمر فعلته ولا أبتدع ما لم أومر به (وَما) (٢) (أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ـ ٩ ـ يعنى نذير بين هي منسوخة نسختها (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ...) (٣) إلى آخر الآيات (٤) (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) وذلك أن خمسين رجلا من اليهود أتوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعنده عبد الله بن سلام ، من وراء الستر لا يرونه ، قد آمن بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لليهود : «ألستم» (٥) تعلمون أن عبد الله بن سلام سيد كم وأعلمكم؟ قالوا : بلى ومنه نقتبس ، وإنا لا نؤمن بك

__________________

(١) فى أ : «يقول الله ـ تعالى ـ».

(٢) فى أ : «إن».

(٣) لا تعارض بين الآيتين ، وحقيقة النسخ غير موجودة هنا ، وانظر ما كتبته فى «النسخ عند مقاتل».

(٤) فى أ ، ف : «إلى آخر الآية» ، والصواب ما ذكرته لأن (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) آية كاملة.

(٥) فى أ : «ألست».

١٧

حتى «يتبعك» (١) عبد الله بن سلام ، وعبد الله بن سلام يسمع فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أرأيتم إن اتبعنى عبد الله بن سلام وآمن بى أفتؤمنون بى؟ فقال بعضهم : نعم. قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : فمن أعلمكم بعد عبد الله ابن سلام؟ فقالوا : سلام بن صوريا الأعور. فأرسل إليه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأتاه ، فقال : أنت أعلم اليهود. فقال عبد الله : أعلم منى. قال : فمن أعلم اليهود بعد عبد الله؟ فسكت ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أنت أعلم اليهود بعد عبد الله. قال : كذلك يزعمون. قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : فإنى أدعوكم إلى الله وإلى عبادته ودينه. «قالوا» (٢) : لن نتبعك وندع دين موسى ، فخرج عبد الله بن سلام من الستر. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : هذا عبد الله قد آمن بى. فجادلهم عبد الله بن سلام مليا ، فجعل يخبرهم ببعث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وصفته فى التوراة ، فقال ابن صوريا : إن عبد الله بن سلام شيخ كبير قد ذهب عقله ما يتكلم إلا بما يجيء على لسانه ، فذلك قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) [١٥٢ ب] (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) يعنى عبد الله بن سلام (عَلى مِثْلِهِ) يعنى على مثل ما شهد عليه يامين بن يامين ، كان أسلم قبل عبد الله بن سلام وكان يا مين من بنى إسرائيل من أهل التوراة (فَآمَنَ) بالنبي (٣) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول فآمن (وَاسْتَكْبَرْتُمْ) يقول صدق ابن سلام بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

__________________

(١) فى أ : «يبيعك».

(٢) فى أ : «قال» ، ف : «قالوا».

(٣) فى أ : (فآمن) «يقول. بالنبي» .. وقد حذفت كلمة «يقول».

١٨

واستكبرتم أنتم عن الهدى «وعن» (١) الإيمان يعنى اليهود (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ـ ١٠ ـ يعنى اليهود إلى الحجة مثلها فى براءة (٢) ، ثم رجع إلى كفار مكة فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (لِلَّذِينَ آمَنُوا) لخزاعة : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) وذلك أنهم قالوا لو كان الذي جاء به محمد حقا : أن القرآن من الله ما سبقونا يقول ما سبقنا إلى الإيمان به أصحاب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا) هم (بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا) القرآن (إِفْكٌ) يعنى كذب (قَدِيمٌ) ـ ١١ ـ من محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول الله ـ تعالى ـ : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) ومن قبل هذا القرآن كذبوا بالتوراة لقولهم (... إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ) (٣) فى القصص ، ثم قال : (إِماماً) لمن اهتدى به (وَرَحْمَةً) من العذاب لمن اهتدى به (وَهذا) القرآن (كِتابٌ مُصَدِّقٌ) للكتب التي كانت قبله (لِساناً عَرَبِيًّا) (٤) يقول أنزلناه قرآنا «عربيا» (٥) ليفقهوا ما فيه (لِيُنْذِرَ) (٦) بوعيد القرآن (الَّذِينَ ظَلَمُوا) من كفار مشركي مكة (وَ) هذا القرآن (بُشْرى) لما فيه من الثواب لمن آمن به (لِلْمُحْسِنِينَ) (٧) ـ ١٢ ـ يعنى الموحدين (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) فعرفوا (ثُمَّ اسْتَقامُوا) على المعرفة بالله ولم

__________________

(١) فى الأصل : «عن».

(٢) سورة التوبة ١٩ : (... وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، ١٠٩ (... وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

(٣) سورة القصص : ٤٨.

(٤) فى أ : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ) وفى حاشية أ : التلاوة (لِساناً عَرَبِيًّا).

(٥) «عربيا» : من ف ، وليست فى أ.

(٦) فى أ : «لتنذر».

(٧) فى أ ، ف : (وهم «المحسنون»)

١٩

يرتدوا عنها (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من العذاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ ١٣ ـ من الموت ، ثم أخبر بثوابهم فقال : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) لا يموتون (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ١٤ ـ.

قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) يعنى برا بهم نزلت فى أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ ابن أبى قحافة ، وأم أبى بكر بن أبى قحافة واسمها أم الخير بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) يعنى حملته فى مشقة ووضعته فى مشقة (وَحَمْلُهُ) فى البطن تسعة أشهر (وَفِصالُهُ) من اللبن «واحدا وعشرين (١) شهرا» فهذا (ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) ثماني عشرة سنة (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) فهو فى القوة والشدة من ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة فلما بلغ أبو بكر أربعين سنة ، صدق بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) يقول ألهمنى (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) بالإسلام (وَعَلى والِدَيَ) يعنى أبا قحافة ابن عمرو بن كعب بن سعد [١٥٣ ا] ابن تيم بن مرة وأمه : أم الخير بنت صخر بن عمرو ، ثم قال : (وَ) ألهمنى (أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) يقول واجعل أولادى مؤمنين فأسلموا أجمعين نظيرها فى المؤمن (٢) قوله : (... وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ ...) (٣) يقول : من آمن ، ثمّ قال أبو بكر : (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) من الشرك (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ـ ١٥ ـ يعنى من المخلصين بالتوحيد ،

__________________

(١) فى أ : «أحد وعشرون» ، وفى ف : «أحد وعشرين».

(٢) تسمى سورة المؤمن وسورة غافر.

(٣) سورة غافر : ٨.

٢٠