تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

الأرض التي ليس فيها نبت ، (وَهُوَ سَقِيمٌ) ـ ١٤٥ ـ يعنى مستقام (١) وجيع (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) ـ ١٤٦ ـ يعنى من قرع يأكل منها ، ويستظل بها ، وكانت تختلف إليه ، وعلة فيشرب من لبنها ولا تفارقه (وَأَرْسَلْناهُ) قبل أن يلتقمه الحوت (إِلى مِائَةِ أَلْفٍ) من الناس (أَوْ) يعنى بل (يَزِيدُونَ) ـ ١٤٧ ـ عشرون ألفا على مائة ألف كقوله ـ عزوجل ـ : «... قاب قوسين , أدني» (٢) يعنى بل أدنى أرسله إلى نينوى (فَآمَنُوا) فصدقوا بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (فَمَتَّعْناهُمْ) فى الدنيا (إِلى حِينٍ) ـ ١٤٨ ـ منتهى آجالهم.

حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا الهذيل ، قال ، وقال مقاتل : كل شيء ينبسط مثل القرع والكرم والقثاء والكشوتا ... ونحوها فهو يسمى يقطينا. قال الفراء : قال ابن عباس : كل ورقة انشقت ، واستوت فهي يقطين.

وقال أبو عبيدة : كل شجرة لا تقوم على ساق فهي يقطين (فَاسْتَفْتِهِمْ) يقول للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأسال كفار مكة منهم النضر بن الحارث (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ) يعنى الملائكة (وَلَهُمُ الْبَنُونَ) ـ ١٤٩ ـ فسألهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى الطور والنجم وذلك أن جهينة وبنى سلمة عبدوا الملائكة وزعموا أن حيا من الملائكة يقال لهم الجن منهم إبليس أن الله ـ عزوجل ـ اتخذهم بنات لنفسه ، فقال لهم أبو بكر الصديق : فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً

__________________

(١) كذا فى أ ، ل.

(٢) سورة النجم : ٩.

٦٢١

وَهُمْ شاهِدُونَ) ـ ١٥٠ ـ لخلق الملائكة إنهم إناث نظيرها فى الزخرف (١) (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ) من كذبهم (لَيَقُولُونَ) ـ ١٥١ ـ (وَلَدَ اللهُ) [١١٤ ب] (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ـ ١٥٢ ـ فى قولهم يقول الله ـ عزوجل ـ (أَصْطَفَى) استفهام ، أختار (الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) ـ ١٥٣ ـ والبنون أفضل من البنات (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ـ ١٥٤ ـ يعنى كيف تقضون الجور حين تزعمون أن لله ـ عزوجل ـ البنات ولكم البنون (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ـ ١٥٥ ـ أنه لا يختار البنات على البنين (أَمْ لَكُمْ) بما تقولون (سُلْطانٌ مُبِينٌ) (٢) ـ ١٥٦ ـ كتاب من الله ـ عزوجل ـ أن الملائكة بنات الله (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ١٥٧ ـ ثم قال ـ جل وعز ـ : (وَجَعَلُوا) ووصفوا (بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) بين الرب ـ تعالى ـ والملائكة حين زعموا أنهم بنات الله ـ عزوجل ـ (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) ـ ١٥٨ ـ لقد علم ذلك الحي من الملائكة ومن قال إنهم بنات الله «إنهم لمحضرون» النار (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) ـ ١٥٩ ـ عما يقولون من الكذب (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) ـ ١٦٠ ـ الموحدين فإنهم لا يحضرون النار. (٣) (فَإِنَّكُمْ) يعنى كفار مكة (وَما تَعْبُدُونَ) ـ ١٦١ ـ من الآلهة (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) على ما تعبدون من الأصنام (بِفاتِنِينَ) ـ ١٦٢ ـ يقول بمضلين أحدا بآلهتكم (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) ـ ١٦٣ ـ إلا من قدر الله ـ عزوجل ـ أنه يصلى الجحيم ، وسبقت له

__________________

(١) يشير إلى الآية ١٩ من سورة الزخرف ، وهي : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ).

(٢) «سلطان مبين» : ساقطة من أ.

(٣) فى أ ، وغيرها. فسرت الآيات : ١٥٨ ثم ١٦٠ ثم ١٥٩ على التوالي ، وقد أعدت ترتيبها حسب ورودها فى المصحف.

٦٢٢

الشقاوة (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (١) ـ ١٦٤ ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) ـ ١٦٥ ـ يعنى صفوف الملائكة فى السموات فى الصلاة (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) ـ ١٦٦ ـ يعنى المصلين ، يخبر جبريل النبي (٢) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعبارتهم لربهم ـ عزوجل ـ فكيف يعبدهم كفار مكة ، قوله ـ عزوجل ـ (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ) ـ ١٦٧ ـ كفار مكة (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) ـ ١٦٨ ـ خبر الأمم الخالية كيف أهلكوا وما كان من أمرهم (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) ـ ١٦٩ ـ بالتوحيد نزلت فى الملأ من قريش ، فقص الله ـ عزوجل ـ عليهم خبر الأولين ، وعلم الآخرين (فَكَفَرُوا بِهِ) بالقرآن (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ـ ١٧٠ ـ هذا وعيد يعنى القتل ببدر (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا) بالنصر (لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) ـ ١٧١ ـ يعنى الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ يعنى بالكلمة قوله ـ عزوجل : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ...) (٣) فهذه الكلمة التي سبقت للمرسلين ، (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) ـ ١٧٢ ـ على كفار قريش (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) ـ ١٧٣ ـ حزبنا يعنى المؤمنين «لهم الغالبون» الذين نجوا من عذاب الدنيا والآخرة. (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) ـ ١٧٤ ـ يقول الله ـ عزوجل ـ للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأعرض عن كفار مكة إلى العذاب ، إلى القتل ببدر (وَأَبْصِرْهُمْ) إذا نزل بهم العذاب ببدر (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ـ ١٧٥ ـ العذاب ، فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : متى هذا الوعد؟ تكذيبا به فأنزل الله ـ عزوجل ـ (أَفَبِعَذابِنا)

__________________

(١) الآية كلها ساقطة من ا.

(٢) فى ا : للنبي.

(٣) سورة المجادلة : ٢١.

٦٢٣

[١١٥ ا] (يَسْتَعْجِلُونَ) ـ ١٧٦ ـ (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) بحضرتهم (فَساءَ صَباحُ) فبئس صباح (الْمُنْذَرِينَ) ـ ١٧٧ ـ الذين أنذروا العذاب ، ثم عاد فقال ـ عزوجل ـ : (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) ـ ١٧٨ ـ أعرض عنهم إلى تلك المدة القتل ببدر (وَأَبْصِرْ) (١) وابصر العذاب (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ـ ١٧٩ ـ العذاب ، ثم نزه نفسه عن قولهم فقال ـ جل وعز ـ : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) يعنى عزة من يتعزز (٢) من ملوك الدنيا (عَمَّا يَصِفُونَ) ـ ١٨٠ ـ عما يقولون من الكذب إن الملائكة بنات الله ـ عزوجل ـ (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) ـ ١٨١ ـ الذين بلغوا عن الله التوحيد (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ١٨٢ ـ على هلاك الآخرين الذين لم يوحدوا ربهم.

__________________

(١) فى الأصل : «وأبصرهم».

(٢) فى ا : من يعزر ملوك الدنيا.

٦٢٤

سورة ص

٦٢٥
٦٢٦

(٣٨) سوة ص مكية

وآياتها ثمان وثمانون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ

٦٢٧

رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠) وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

٦٢٨

الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥) يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩) وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧)

٦٢٩

وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠) وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (٤٨) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (٥٠) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (٥١) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (٥٢) هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (٥٣) إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (٥٤) هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨)

٦٣٠

هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩) قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤) قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٦٦) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي

٦٣١

إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨))

٦٣٢

سورة ص (*)

سورة ص مكية عددها ثمانون وثمانون آية

كوفى (١)

__________________

(*) معظم مقصود السورة :

بيان تعجب الكفار من نبوة المصطفى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وصف المنكرين رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالاختلاق والافتراء ، واختصاص الحق ـ تعالى ـ بملك الأرض والسماء ، وظهور أحوال يوم القضاء ، وعجائب حديث داود وأوربا وقصة سليمان فى حديث الملك ، على سبيل المنة والعطاء ، وذكر أيوب فى الشفاء ، والابتلاء ، وتخصيص إبراهيم وأولاده من الأنبياء ، وحكاية أحوال ساكني جنة المأوى ، وعجز حال الأشقياء فى سقر ولظى : وواقعة إبليس مع آدم وحواء ، وتهديد الكفار على تكذيبهم للنبي المجتبى فى قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) سورة ص : ٨٧ ـ ٨٨.

ولها اسمان : سورة ص ، لافتتاحها بها ، وسورة داود لاشتمالها على قصته فى قوله : (... وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) سورة ص : ١٧.

***

(١) فى المصحف (٣٨) سورة ص مكية

وآياتها ٨٨ نزلت بعد القمر.

***

٦٣٣
٦٣٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) ـ ١ ـ يعنى ذا البيان (بَلِ) (١) (الَّذِينَ كَفَرُوا) بالتوحيد من أهل مكة (فِي عِزَّةٍ) يعنى فى حمية ، كقوله فى البقرة : «... أخذته العزة بالإثم ...» (٢) الحمية (وَشِقاقٍ) ـ ٢ ـ اختلاف ، ثم خوفهم فقال ـ جل وعز ـ : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ) من قبل كفار مكة (مِنْ قَرْنٍ) من أمة بالعذاب فى الدنيا ، الأمم الخالية ، (فَنادَوْا) عند نزول العذاب فى الدنيا (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) ـ ٣ ـ يعنى ليس هذا بحين قرار فخوفهم لكيلا يكذبوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ثم قال ـ جل وعز ـ : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ) محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) رسول منهم (وَقالَ الْكافِرُونَ) من أهل مكة (هذا ساحِرٌ) يفرق بين الاثنين (كَذَّابٌ) ـ ٤ ـ يعنون النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين يزعم أنه رسول (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً «إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ») (٣) ـ ٥ ـ وذلك حين أسلم عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فشق على قريش إسلام عمر ، وفرح به المؤمنون (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) وهم سبعة وعشرون رجلا ، والملأ فى كلام العرب الأشراف منهم الوليد بن المغيرة ،

__________________

(١) «بل» : ساقطة من ا.

(٢) سورة البقرة : ٢٠٦ ، وتمامها : (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ).

(٣) (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) : ساقط من ا.

٦٣٥

وأبو جهل بن هشام ، وأمية وأبى ابنا خلف ، ... وغيرهم ، فقال الوليد بن المغيرة : (أَنِ امْشُوا) إلى أبى طالب (وَاصْبِرُوا) واثبتوا (عَلى) عبادة (آلِهَتِكُمْ) نظيرها فى الفرقان «... لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها (١) ...» يعنى ثبتنا ، فقال الله ـ عزوجل ـ فى الجواب : «فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (٢) ...» فمشوا إلى أبى طالب فقالوا : أنت شيخنا وكبيرنا وسيدنا فى أنفسنا وقد رأيت ما فعلت [١١٥ ب] السفهاء وإنا أتيناك لتقضى بيننا وبين «ابن» (٣) أخيك. فأرسل أبو طالب إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأتاه ، فقال أبو طالب : هؤلاء قومك ، يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : وماذا يسألونى؟ قالوا : ارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «لهم» (٤) : أعطونى أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب ، وتدن لكم بها العجم. فقال أبو جهل : لله أبوك لنعطينكها وعشرا معها. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : قولوا لا إله إلا الله. فنفروا من ذلك ، فقاموا ، فقالوا : «أجعل» يعنى وصف محمد «الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا الذي يقول لَشَيْءٌ عُجابٌ» يعنى لأمر عجب ، بلغة أزد شنوءة ، أن تكون الآلهة واحدا (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ) الأمر (يُرادُ) ـ ٦ ـ (ما سَمِعْنا بِهذا) الأمر الذي يقول محمد (فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) يعنى ملة النصرانية ، وهي آخر الملل لأن النصارى يزعمون أن مع الله

__________________

(١) سورة الفرقان : ٤٢ ، وتمامها (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً).

(٢) سورة فصلت : ٢٤. وتمامها : (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ).

(٣) «ابن» : زيادة اقتضاها السياق.

(٤) فى ا : «أم» ، وفى كتب السيرة : «لهم».

٦٣٦

عيسى بن مريم ، ثم قال الوليد : (إِنْ هذا) القرآن (إِلَّا اخْتِلاقٌ) ـ ٧ ـ من محمد تقوله من تلقاء نفسه ، ثم قال الوليد : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (مِنْ بَيْنِنا) ونحن أكبر سنا وأعظم شرفا ، يقول الله ـ عزوجل ـ لقول الوليد : (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) يقول الله ـ تعالى ـ : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) يعنى القرآن (بَلْ لَمَّا) يعنى لم (يَذُوقُوا عَذابِ) ـ ٨ ـ ، مثل قوله «... وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ (١) ...» يعنى لم يدخل الإيمان فى قلوبكم (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) يعنى نعمة ربك وهي النبوة ، نظيرها فى الزخرف «أهم يقسمون رحمة ربك ...» (٢) يعنى النبوة يقول أبأيديهم مفاتيح النبوة والرسالة فيضعونها حيث شاءوا ، فإنها ليست بأيديهم ولكنها بيد (الْعَزِيزِ) فى ملكه (الْوَهَّابِ) ـ ٩ ـ الرسالة ، والنبوة لمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ثم قال : (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) يعنى كفار قريش يقول ألهم ملكهما وأمرهما ، بل الله يوحى الرسالة إلى من يشاء ، ثم قال : (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) ـ ١٠ ـ يعنى الأبواب إن كانوا صادقين بأن محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تخلقه من تلقاء نفسه ، يقول الوليد : «إن هذا إلا اختلاق الأسباب» يعنى الأبواب التي فى السماء ، فليستمعوا إلى الوحى حين يوحى الله ـ عزوجل ـ إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ثم أخبر عنهم فقال : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) ـ ١١ ـ فأخبر الله ـ تعالى ـ بهزيمتهم ببدر مثل قوله : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ...) (٣) ببدر والأحزاب [١١٦ ا] بنى المغيرة

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٤.

(٢) سورة الزخرف : ٣٢.

(٣) سورة القمر : ٤٥.

٦٣٧

وبنى أمية ، «وآل (١)» أبى طلحة (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) ـ ١٢ ـ «كان يأخذ الرجل فيمده بين أربعة أوتاد ، ووجهه الى السماء ، وكان «يوثق» (٢) كل رجل إلى سارية مستلقيا بين السماء والأرض فيتركه حتى يموت» (٣) (وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) يعنى غيضة الشجر وهو المقل وهي قرية شعيب يعزى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر على «تكذيب» (٤) كفار مكة ، كما كذبت الرسل قبله فصبروا ، ثم قال : (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) ـ ١٣ ـ يعنى الأمم الخالية (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ) ـ ١٤ ـ يقول فوجب عقابي عليهم فاحذروا يا أهل مكة مثله فلا تكذبوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فكذبوه بالعذاب فى الدنيا والآخرة فقالوا متى هذا العذاب؟ فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ) يعنى كفار مكة يقول ما ينظرون بالعذاب (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) يعنى نفخة الأولى ليس لها مثنوية ، نظيرها فى يس «... صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٥) ...» (ما لَها مِنْ فَواقٍ) ـ ١٥ ـ يقول ما لها من مرد ولا رجعة (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) وذلك أن الله ـ عزوجل ـ ذكر فى الحاقة أن الناس يعطون كتبهم بأيمانهم وشمائلهم فقال أبو جهل : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) يعنى كتابنا الذي تزعم أنا نعطى فى الآخرة فعجله لنا (قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) ـ ١٦ ـ يقول ذلك تكذيبا به فأنزل الله ـ

__________________

(١) فى ا : إلى ، وفى ل : وآل.

(٢) الكلمة غير واضحة فى ل ، ف.

(٣) من ل ، وفى ف ، ا : «الأوتاد» يعنى العقابين.

(٤) فى ا : تكذيبهم ، وفى ف : تكذيب.

(٥) سورة يس : ٤٩. وتمامها : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ).

٦٣٨

عزوجل ـ (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) يعنى أبا جهل يعزى نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر على تكذيبهم (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) «بن أشى ويقال ميشا» (١) بن «عويد» (٢) بن فارض بن يهوذا بن يعقوب ـ عليه‌السلام ـ (ذَا الْأَيْدِ) يعنى القوة فى العبادة (إِنَّهُ أَوَّابٌ) ـ ١٧ ـ يعنى مطيع (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) ـ ١٨ ـ وكان داود ـ عليه‌السلام ـ إذا ذكر الله ذكرت الجبال معه ففقه تسبيح الجبال (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) يعنى مجموعة ، وسخرنا الطير محشورة (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) ـ ١٩ ـ يقول كل الطير لداود مطيع (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) قال كان يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفا من بنى إسرائيل ، ثم قال : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) يعنى «وأعطيناه (٣) الفهم والعلم» (وَفَصْلَ الْخِطابِ) ـ ٢٠ ـ يقول وأعطيناه فصل القضاء : البينة على المدعى واليمين على من أنكر (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ) يعنى حديث (الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) ـ ٢١ ـ وذلك أن داود قال : رب اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما ، فوددت أنك أعطيتنى من الذكر مثل ما أعطيتهما ، فقال له : إنى ابتليتهما بما لم أبتلك به ، فإن شئت [١١٦ ب] ابتليتك بمثل الذي ابتليتهما ، وأعطيتك مثل ما أعطيتهما من الذكر ، قال : نعم ، قال : أعمل عملك. فمكث داود ـ عليه‌السلام ـ ما شاء الله ـ عزوجل ـ ، يصوم نصف الدهر ، ويقوم نصف الليل ، إذا صلى فى المحراب فجاء طير حسن ملون فوقع إليه فتناوله فصار إلى الكوة ، فقام ليأخذه فوقع الطير فى بستان فأشرف داود فرأى امرأة تغتسل فتعجب من حسنها ، وأبصرت المرأة ظله فنفضت شعرها

__________________

(١) من ل ، وفى ا : «بن أشى بن لمس».

(٢) من ل ، وليست فى ا.

(٣) فى ا : «وأعطيناه».

٦٣٩

فغطت جسمها ، فزاده ذلك بها عجبا ودخلت المرأة منزلها ، وبعث داود غلاما فى أثرها إذا هي بتسامح امرأة أدريا بن حنان ، وزوجها فى الغزو فى بعث البلقاء الذي بالشام ، مع «نواب» (١) بن صور يا ابن أخت داود ـ عليه‌السلام ـ فكتب داود إلى ابن أخته بعزيمة أن يقدم أدريا فيقاتل أهل البلقاء ، ولا يرجع حتى يفتحها أو يقتل فقدمه فقتل ـ رحمة الله عليه ـ فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود ، فولدت له سليمان بن داود ، فبعث الله ـ عزوجل ـ إلى داود ـ عليه‌السلام ـ ملكين ، ليستنقذه بالتوبة ، فأتوه يوم رأس المائة فى المحراب وكان يوم عبادته الحرس حوله ، (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ) (٢) فلما رآهما داود قد تسوروا المحراب فزع داود ، وقال فى نفسه : لقد ضاع ملكي حين يدخل على بغير أذن. (قالُوا) (٣) فقال أحدهما لداود : (لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ) يعنى بالعدل (وَلا تُشْطِطْ) يعنى ولا تجر فى القضاء (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) ـ ٢٢ ـ يقول أرشدنا «الى قصد الطريق» (٤) ثم قال : (إِنَّ هذا أَخِي) يعنى الملك الذي معه (لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) يعنى تسع وتسعون امرأة وهكذا كن لداود (٥).

__________________

(١) فى ا : «ثواب».

(٢) ما بين القوسين «...» : ساقط من ا.

(٣) «قالوا» : ساقطة من ا.

(٤) فى ا : «إلى قصد وهو عدل الطريق» ، ف : «إلى قصد الطريق».

(٥) اتبع مقاتل هنا الإسرائيليات التي تنقص من قدر الأنبياء وتنسب إليهم المعاصي.

مع أن الله حفظ ظواهرهم وبواطنهم من التلبس بأمر منهى عنه ، إن الأنبياء هداة البشرية والأسوة الحسنة التي قال الله فيها (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ...) سورة الأنعام : ٩٠. ـ

٦٤٠