تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

سورة الشورى (*)

سورة حم عسق مكية عددها خمسون وثلاث آيات كوفى (٢).

__________________

(*) معظم مقصود السورة :

بيان حجة التوحيد ، وتقرير نبوة الرسول : وتأكيد شريعة الإسلام ، والتهديد بظهور آثار القيامة ، وبيان ثواب العاملين دنيا وأخرى ، وذل الظالمين فى عرصات القيامة ، واستدعاء الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الأمة محبة أهل البيت ، العترة الطاهرة ، ووعد التائبين بالقبول ، وبيان الحكمة فى تقدير الأرزاق وقسمتها ، والإخبار عن شؤم الآثام والذنوب ، وذل الكفار فى مقام الحساب والمنة على الخلق بما منحوا من الأولاد ، وبيان كيفية نزول الوحى على الأنبياء ، والمنة على الرسول بعطية الإيمان ، والقرآن ، وبيان أن مرجع الأمور إلى الله الديان فى قوله : (... إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) سورة الشورى : ٥٣.

***

(١) فى المصحف (٤٢) سورة الشورى مكية إلا الآيات ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٢٧ فمدنية وآياتها ٥٣ ونزلت بعد سورة فصلت.

وتسمى سورة : «عسق» لابتدائها بها ، وسورة الشورى ، لقوله فيها (... وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ...) سورة الشورى : ٣٨.

٧٦١
٧٦٢

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

«(حم) ـ ١ ـ (عسق) (١)» ـ ٢ ـ فى أمر العذاب يا محمد فيها تقديم إليك وإلى الأنبياء من قبلك ، فمن ثم قال : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ) يا محمد (وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) من الأنبياء أنه نازل بقومهم إذا كذبوا الرسل ، ثم عظم نفسه فقال له يا محمد : «إنما» (٢) ذلك يوحى (اللهُ الْعَزِيزُ) فى ملكه (الْحَكِيمُ) ـ ٣ ـ فى أمره (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُ) يعنى الرفيع فوق خلقه (الْعَظِيمُ) ـ ٤ ـ فلا أكبر منه (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ) يعنى يتشققن من عظمة الرب الذي هو فوقهن ، ثم قال : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) يعنى يصلون بأمر ربهم (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) ثم بين فى «حم» المؤمن أى الملائكة هم فقال : «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ...» ثم بين لمن يستغفرون فقال : «... وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ...» (٣) يعنى

__________________

(١) فى ل ، ف : وفيها من المدني (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ ...) إلى آخر الآيات ، (... إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (وهو يشير إلى آيتي ٢٣ ، ٢٤).

وقوله : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) آيات ٣٩ ، ٤٠ ، ٤١.

(٢) «إنما» : ساقطة من أ ، ف ، وهي من ل.

(٣) سورة غافر : ٧ ، وتمامها : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ).

٧٦٣

المؤمنين فصارت هذه الآية منسوخة نسختها الآية التي فى «حم» المؤمن (١).

ثم قال : (أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ) لذنوبهم (الرَّحِيمُ) ـ ٥ ـ بهم ، قوله (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يعبدونها من دون الله (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) يعنى رقيب عليهم (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ) يا محمد (بِوَكِيلٍ) ـ ٦ ـ يعنى بمسيطر.

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا) ليفقهوا ما فيه و (لِتُنْذِرَ) يعنى ولكي تنذر بالقرآن يا محمد (أُمَّ الْقُرى) وهي مكة ، وإنما سميت أم القرى لأن الأرض كلها دحيت من تحت الكعبة قال : (وَ) لتنذر يا محمد بالقرآن (مَنْ حَوْلَها) يعنى حول مكة من القرى يعنى قرى الأرض كلها (وَ) لكي (تُنْذِرَ) بالقرآن (يَوْمَ الْجَمْعِ) يعنى جمع أهل السموات وجمع أهل الأرض (لا رَيْبَ فِيهِ) يعنى لا شك فيه فى البعث أنه كائن ، ثم بعد الجمع يتفرقون (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) ـ ٧ ـ يعنى الوقود ، ثم لا يجتمعون أبدا ، قال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ) يعنى كفار مكة (أُمَّةً واحِدَةً) يعنى على ملة الإسلام وحدها (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) يعنى فى دينه الإسلام (وَالظَّالِمُونَ) يعنى مشركي مكة (ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍ) يعنى من قريب ينفعهم فى الاخرة (وَلا نَصِيرٍ) ـ ٨ ـ يعنى ولا مانع يمنعهم من العذاب عذاب النار.

قوله : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) من الملائكة (أَوْلِياءَ) يعنى آلهة وهم خزاعة وغيرهم يعبدونها (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) يعنى الرب (وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى) فى الآخرة (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من البعث وغيره (قَدِيرٌ) ـ ٩ ـ قوله :

__________________

(١) ليس هذا من النسخ ولكنه من تخصيص العام.

٧٦٤

(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن ، وآمن بعضهم فقال الله ـ تعالى ـ : إن الذي اختلفتم فيه فإنى أرد قضاءه إلى وأنا أحكم فيه ، ثم دل على نفسه بصنعه ، فقال : (ذلِكُمُ اللهُ) الذي يحيى الموتى ويميت الأحياء هو أحياكم وهو الله (رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) يعنى به أثق (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ـ ١٠ ـ يقول إليه أرجع ، قوله : (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعنى خالق السموات والأرض (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) يقول جعل بعضكم من بعض أزواجا يعنى الحلائل لتسكنوا إليهن (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) يعنى ذكورا وإناثا (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) يقول يعيشكم فيه فيما جعل من الذكور والإناث من الأنعام ، ثم عظم نفسه ، فقال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فى القدرة (وَهُوَ السَّمِيعُ) لقول كفار مكة (الْبَصِيرُ) ـ ١١ ـ بما خلق (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ) يعنى مفاتيح بلغة النبط (مَقالِيدُ السَّماواتِ) المطر (وَالْأَرْضِ) يعنى النبات (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) يقول يوسع الرزق على من يشاء من عباده ويقتر على من يشاء (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من البسط والقتر (عَلِيمٌ) ـ ١٢ ـ ، قوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) يقول بين لكم ، ويقال سن لكم آثار الإسلام والمن ها هنا صلة ك (ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) فيه تقديم (وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) يعنى التوحيد (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) يقول عظم على مشركي مكة (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) يا محمد لقولهم : «أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب» (١) يعنى التوحيد ، ثم اختص أولياءه فقال : (اللهُ

__________________

(١) سورة ص : ٥.

٧٦٥

يَجْتَبِي إِلَيْهِ) يقول يستخلص لدينه (مَنْ يَشاءُ وَ) هو (يَهْدِي إِلَيْهِ) إلى دينه (مَنْ يُنِيبُ) ـ ١٣ ـ يعنى من يراجع التوبة ، ثم قال : (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) يعنى البيان (بَغْياً بَيْنَهُمْ «وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ») (١) «ولو لا كلمة الفصل التي سبقت من ربك» (٢) فى الآخرة يا محمد ، فى تأخير العذاب عنهم (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) يعنى به القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بين من آمن وبين من كفر ولو لا ذلك لنزل بهم العذاب فى الدنيا حين كذبوا واختلفوا ، ثم قال : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) قوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى أورثوا الكتاب من بعدهم : اليهود والنصارى من بعد أنبيائهم (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) يعنى من الكتاب الذي عندهم [١٣٨ ب] (مُرِيبٍ) ـ ١٤ ، قوله : (فَلِذلِكَ فَادْعُ) يعنى إلى التوحيد يقول الله لنبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ادع أهل الكتاب إلى معرفة ربك ، إلى هذا التوحيد (٣) (وَاسْتَقِمْ) يقول وامض (كَما أُمِرْتَ) بالتوحيد ، كقوله فى الزمر ـ «... فاعبد الله ...» (٤) (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) فى ترك الدعاء ، وذلك حين

__________________

(١) فى أ : «ولو لا كلمة الفصل التي سبقت من ربك» وهذا النص محرف أيضا فى ف ، ل.

(٢) كذا فى أ ، ل ، ف ، وفيها جميعا اختلط القرآن بغيره مع تحريفه ، فذكرت القرآن مستقلا وجعلت ما فى النسخ تفسيرا.

(٣) تفسير (فلذلك فادع) ، من ف وليس فى أ.

(٤) سورة الزمر : ٢ ، وتمامها : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) ، وبالنص محرف فى أففيها «... واعبد الله ...» وفى الزمر آيات فى هذا المعنى منها الآية ١١ (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) وفى الآية ١٤ : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) وفى الآية : ٦٦ (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ).

٧٦٦

دعاه أهل الكتاب إلى دينهم ، ثم قال : (وَقُلْ) لأهل الكتاب : (آمَنْتُ) يقول صدقت (بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) يعنى القرآن والتوراة والإنجيل والزبور (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) بين أهل الكتاب فى القول ، يقول أعدل بما آتاني الله فى كتابه والعدل أنه دعاهم الى دينه ، قوله : (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) يقول لنا ديننا الذي نحن عليه ولكم دينكم الذي أنتم عليه (لا حُجَّةَ) يقول لا خصومة (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) فى الدين يعنى أهل الكتاب ، نسختها آية القتال فى براءة (١).

(اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) فى الآخرة فيجازينا بأعمالنا ويجازيكم (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) ـ ١٥ ـ (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ) يعنى يخاصمون (فِي اللهِ) فهم اليهود قدموا على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بمكة ، فقالوا للمسلمين : ديننا أفضل من دينكم ، ونبينا أفضل من نبيكم ، يقول : (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) يعنى لله فى الإيمان (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) يقول خصومتهم باطلة حين زعموا أن دينهم أفضل من دين الإسلام (وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) من الله (وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) ـ ١٦ ـ (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) يقول لم ينزله باطلا لغير شيء (وَالْمِيزانَ) يعنى العدل (وَما يُدْرِيكَ) يا محمد (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) ـ ١٧ ـ وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ذكر الساعة وعنده أبو فاطمة ابن البختري ، وفرقد بن ثمامة ، وصفوان بن أمية ، فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : متى تكون الساعة؟ تكذيبها بها. فقال الله ـ تعالى ـ : «وَما يُدْرِيكَ

__________________

(١) يشير إلى الآية الخامسة من سورة التوبة وهي : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

٧٦٧

لعل الساعة» يعنى القيامة «قريب» (يَسْتَعْجِلُ بِهَا) بالساعة (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) يعنى لا يصدقون بها ، هؤلاء الثلاثة نفر ، أنها كائنة لأنهم لا يخافون ما فيها (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها) يعنى بلال وأصحابه صدقوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بها يعنى بالساعة لأنهم لا يدرون على ما يهجمون منها (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) الساعة أنها كائنة ، ثم ذكر الذين لا يؤمنون بالساعة فقال : (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ) يعنى هؤلاء الثلاثة يعنى يشكون فى القيامة (لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) ـ ١٨ ـ يعنى طويل (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) البر منهم والفاجر لا يهلكهم جوعا حين قال : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً ...) (١) (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُ) فى هلاكهم ببدر (الْعَزِيزُ) ـ ١٩ ـ فى نقمته منهم (مَنْ كانَ يُرِيدُ) بعمله الحسن (حَرْثَ الْآخِرَةِ) يقول من كان من الأبرار يريد بعمله الحسن الثواب [١٣٩ أ] الآخرة (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) يعنى بلالا وأصحابه حتى يضاعف له فى حرثه يقول فى عمله (وَمَنْ كانَ) من الفجار (يُرِيدُ) بعمله (حَرْثَ الدُّنْيا) يعنى ثواب الدنيا (نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ) يعنى الجنة لهولاء الثلاثة (مِنْ نَصِيبٍ) ـ ٢٠ ـ يعنى من حظ ، ثم نسختها (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ...) (٢) ، قوله : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا) يقول سنوا (لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) يعنى كفار مكة يقول ألهم آلهة بينوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ، ثم قال : (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ) التي سبقت من الله فى الآخرة أنه معذبهم يقول لو لا ذلك الأجل (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) قول لنزل

__________________

(١) سورة الدخان : ١٥.

(٢) سورة الإسراء : ١٨.

٧٦٨

بهم العذاب فى الدنيا (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) يعنى المشركين (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٢١ ـ يعنى وجيع ، ثم أخبر بمستقر المؤمنين والكافرين فى الآخرة فقال : (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا) من الشرك (وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) يعنى العذاب فى التقديم ، ثم قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) يعنى بساتين الجنة (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ) الذي ذكر من الجنة (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ـ ٢٢ ـ ، ثم قال : (ذلِكَ الَّذِي) ذكر من الجنة (يُبَشِّرُ اللهُ) (١) (عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من الأعمال (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) يعنى على الإيمان جزاء (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) يقول إلا أن تصلوا قرابتي وتتبعوني وتكفوا عنى الأذى ثم نسختها (٢) «قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ (٣) ...» ، قوله (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) يقول ومن يكتسب حسنة واحدة (نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) يقول فضاعف له الحسنة الواحدة عشرا فصاعدا (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لذنوب هؤلاء (شَكُورٌ) ـ ٢٣ ـ لمحاسنهم القليلة حين يضاعف الواحدة عشرا فصاعدا. قوله : (أَمْ يَقُولُونَ) كفار مكة إن محمدا (افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) حين زعم أن القرآن من عند الله نشق على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تكذيبهم إياه ، يقول الله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) يقول يربط على قلبك فلا يدخل فى قلبك المشقة من قولهم بأن محمدا كذاب مفتر

__________________

(١) فى أ : «يبشر الله به».

(٢) لا تعارض بين الآيتين ولا نسخ فيهما عند الأصولين.

(٣) سورة نبأ : ٤٧ وتمامها : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).

٧٦٩

(وَيَمْحُ (١) اللهُ) إن شاء (الْباطِلَ) الذي يقولون بأنك كذاب مفتر ، من قلبك ، (وَيُحِقُ) الله (الْحَقَ) وهو الإسلام (بِكَلِماتِهِ) يعنى القرآن الذي أنزل عليه (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ـ ٢٤ ـ يعنى القلوب يعلم ما فى قلب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الحزن من قولهم بتكذيبهم إياه ، قوله : (وَهُوَ الَّذِي) [١٣٩ ب] (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) يقول ويتجاوز عن الشرك الذي تابوا (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) ـ ٢٥ ـ من خير أو شر (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ) من أهل مكة (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) ـ ٢٦ ـ لا يفتر عنهم ، قوله : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ) يعنى ولو وسع الله الرزق (لِعِبادِهِ) فى ساعة واحدة (لَبَغَوْا) يعنى لعصوا (فِي الْأَرْضِ) (٢) فيها تقديم (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) ـ ٢٧ ـ بهم (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) يعنى المطر الذي حبس عنهم بمكة سبع سنين (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) يعنى من بعد الإياسة (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) يعنى نعمته ببسط المطر (وَهُوَ الْوَلِيُّ) (٣) ولى المؤمنين (الْحَمِيدُ) ـ ٢٨ ـ عند خلقه فى نزول الغيث عليهم (وَمِنْ آياتِهِ) أن تعرفوا توحيد الرب وصنعه وإن لم تروه (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) يعنى الملائكة فى السموات والخلائق فى الأرض (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ) فى الآخرة (إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) ـ ٢٩ ـ ، قوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ) يعنى

__________________

(١) فى أ : ويمحو ، وفى رسم المصحف ، ويمح.

(٢) فى أ : كررت مرتين جملة (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الأرض)

(٣) فى أ : (وهو ولى) المؤمنين.

٧٧٠

المؤمنين من بلاء فى الدنيا وعقوبة من اختلاج عرق أو خدش عود أو نكبة حجر أو عثرة قدم فصاعدا إلا بذنب ، فذلك قوله : «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ» (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) من المعاصي (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ـ ٣٠ ـ يعنى ويتجاوز عن كثير من الذنوب فلا يعاقب بها فى الدنيا.

حدثنا عبد الله قال : حدثني أبى ، قال : قال أبو صالح : بلغنا أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : ما عفا الله عنه فهو أكثر ، وقال : بلغني أنه قال يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ما عفا الله عنه فلم يعاقب به فى الآخرة ثم تلا هذه الآية «... مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (١) ...» قال هاتان الآيتان فى الدنيا للمؤمنين ، قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) يعنى بسابقى الله هربا (فِي الْأَرْضِ) بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يعنى قريب ينفعكم (وَلا نَصِيرٍ) ـ ٣١ ـ يقول ولا مانع يمنعكم من الله ـ جل وعز ـ (وَمِنْ آياتِهِ) أن تعرفوا توحيده بصنعه وإن لم تروه (الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) ـ ٣٢ ـ يعنى السفن تجرى فى البحر بالرياح كالأعلام شبه السفن فى البحر كالجبال فى البر ، (٢) وقال : (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ) قائمات على ظهر الماء فلا تجرى (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي ترون يعنى السفن ، إذا جرين وإذا ركدن (لَآياتٍ) يعنى لعبرة (لِكُلِّ صَبَّارٍ) يقول كل صبور على أمر الله (شَكُورٍ) ـ ٣٣ ـ لله ـ تعالى ـ فى هذه النعمة ، ثم قال : (أَوْ يُوبِقْهُنَ) يقول وإن يشأ يهلكهن يعنى السفن (بِما كَسَبُوا) يعنى بما عملوا من الشرك (وَيَعْفُ) يعنى يتجاوز (عَنْ كَثِيرٍ)

__________________

(١) سورة النساء : ١٢٣.

(٢) فى أ : البحر ، ف : البر.

٧٧١

ـ ٣٤ ـ من الذنوب فينجيهم من الغرق والهلكة ، قال : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) ـ ٣٥ ـ قال ويعنى من فرار (فَما) (١) (أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) تتمتعون بها قليلا (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ) مما أوتيتم فى الدنيا (وَأَبْقى) وأدوم (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ـ ٣٦ ـ يعنى وبربهم يثقون ، ثم نعتهم فقال : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) يقول كل ذنب يختم بنار (وَالْفَواحِشَ) ما يقام فيه الحد فى الدنيا (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) ـ ٣٧ ـ يعنى يتجاوزون عن ظلمهم فيكظمون الغيظ ويعفون ، نزلت فى عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن فرط بن رازح بن عدى بن لؤي حين شتم بمكة ، فذلك قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) يعنى يتجاوزوا عن الذين «لا يرجون أيام الله ...» (٢). وقال : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا) لربهم فى الإيمان (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) يقول وأتموا الصلوات الخمس نزلت فى الأنصار ، «داوموا» (٣) عليها ، (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) قال كانت قبل الإسلام وقبل قدوم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ المدينة إذا كان بينهم أمر ، أو أرادوا أمرا اجتمعوا فتشاوروا بينهم فأخذوا به ، فأثنى الله عليهم خيرا ، ثم قال : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الأموال (يُنْفِقُونَ) ـ ٣٨ ـ فى طاعة الله ، قال : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ) يعنى الظلم (هُمْ يَنْتَصِرُونَ) ـ ٣٩ ـ يعنى المجروح ينتصر من الظالم فيقتص منه (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) أن يقتص منه المجروح كما أساء

__________________

(١) فى أ : وما.

(٢) سورة الجاثية : ١٣ وتمامها : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).

(٣) فى الأصل : «داموا».

٧٧٢

إليه ولا يزيد شيئا (فَمَنْ عَفا) يعنى فمن ترك الجارح ولم يقتص (وَأَصْلَحَ) العمل كان العفو من الأعمال الصالحة (فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) قال جزاؤه على الله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ـ ٤٠ ـ يعنى من بدأ بالظلم والجراءة ثم قال : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) يقول إذا انتصر المجروح ، فاقتص من الجارح (فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ) يعنى على الجارح (مِنْ سَبِيلٍ) ـ ٤١ ـ يعنى العدوان حين انتصر من الجارح (إِنَّمَا السَّبِيلُ) يعنى العدوان (عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) يقول يعملون فيها بالمعاصي (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٤٢ ـ يعنى وجيع ، ثم بين [١٤٠ ب] أن الصبر والتجاوز أحب إلى الله وأنفع لهم من غيره ، ثم رجع الى المجروح فقال : (وَلَمَنْ صَبَرَ) ولم يقتص (وَغَفَرَ) وتجاوز ف (إِنَّ ذلِكَ) الصبر والتجاوز (لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ـ ٤٣ ـ يقول من حق الأمور التي أمر الله ـ عزوجل ـ بها ، قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن الهدى (فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍ) يقول ومن يضلل الله عن الهدى فما له من قريب يهديه إلى دينه (مِنْ بَعْدِهِ) مثلها فى الجائية قال : (وَتَرَى الظَّالِمِينَ) يعنى المشركين (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) فى الآخرة (يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) ـ ٤٤ ـ يقول هل إلى الرجعة إلى الدنيا من سبيل (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) يعنى على النار واقفين عليها (خاشِعِينَ) يعنى خاضعين (مِنَ الذُّلِ) الذي نزل بهم (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) يعنى يستخفون بالنظر إليها يسارقون النظر (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحده وقالها فى الزمر (١) (إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)

__________________

(١) فى أ : قالها فى الزمر ، وفى ف : يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هو قالها فى الزمر ، وقد كررت الجملة مرتين فيها ، وفى ل : وقالها فى الزمر.

٧٧٣

يعنى غبنوا أنفسهم فصاروا إلى النار (وَ) خسروا (أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يقول وغبنوا أهليهم فى الجنة فصاروا لغيرهم ، ولو دخلوا الجنة أصابوا الأهل ، فلما دخلوا النار حرموا فصار ما فى الجنة والأهلين لغيرهم (١) (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ) يعنى المشركين (فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) ـ ٤٥ ـ يعنى دائم لا يزول عنهم مثلها فى الروم (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) يقول وما كان لهم من أقرباء يمنعونهم من الله (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن الهدى (فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) ـ ٤٦ ـ إلى الهدى ، قوله (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) بالإيمان يعنى التوحيد (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) يعنى لا رجعة لهم إذا جاء يوم القيامة لا يقدر أحد على دفعه (مِنَ اللهِ) ، ثم أخبر عنهم يومئذ فقال : (ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ) يعنى حرزا يحرزكم من العذاب (وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) ـ ٤٧ ـ من العذاب (فَإِنْ أَعْرَضُوا) عن الهدى (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) يعنى رقيبا (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) يا محمد (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ) يقول إذا مسسنا وفى قراءة ابن مسعود «وإنا إذا أذقنا الناس منا رحمة فرحوا بها» يعنى المطر («مِنَّا (٢) رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) يعنى كفار مكة يعنى قحط فى المطر (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من الكفر (فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) ـ ٤٨ ـ فيها تقديم لنعم ربه فى كشف الضر عنه يعنى الجوع وقحط المطر نظيرها فى الروم ، (٣) ثم عظم نفسه فقال : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

__________________

(١) فى أنقص ، وفى جميع النسخ نقص ، فقد سقطت كلمة «يوم القيامة» وهي جزء من الآية ، سقطت من جميع النسخ ، وقد ذكرت تفسير الآية من كل النسخ على طريقة النص المختار.

(٢) «منا رحمة» : ساقطة من أ.

(٣) يشير إلى الآية ٣٦ من سورة الروم وهي (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ).

٧٧٤

يَخْلُقُ ما يَشاءُ) فى الرحم [١٤١ أ] (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) يعنى البنات (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) ـ ٤٩ ـ يعنى البنين ليس فيهم أنثى (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ) يقول وإن يشأ نصفهم (ذُكْراناً وَإِناثاً) يعنى يولد له مرة بنين وبنات ذكورا وإناثا فنجعلهم له (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) لا يولد له (إِنَّهُ عَلِيمٌ) بخلقه (قَدِيرٌ) ـ ٥٠ ـ فى أمر الولد والعقم وغيره ، قوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) وذلك أن اليهود قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ألا تكلم الله ، وتنظر إليه إن كنت صادقا ، كما كلمة موسى ونظر إليه ، فإنا لن نؤمن لك حتى يعمل الله ذلك بك. فقال الله لهم : لم أفعل ذلك بموسى ، وأنزل الله ـ تعالى ـ (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ) يقول ليس لنبي من الأنبياء أن يكلمه الله «إلا وحيا» فيسمع الصوت فيفقه (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) كما كان بينه وبين موسى (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ) يقول أو يأتيه منى بوحي : يقول أو يأمره فيوحى (ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌ) يعنى رفيع فوق خلقه (حَكِيمٌ) ـ ٥١ ـ فى أمره.

«فقالوا للنبي من أول المرسلين» (١) فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أول المرسلين آدم ـ عليه‌السلام ـ (٢). فقالوا : كم المرسلين؟ قال : ثلاثمائة وخمسة عشر

__________________

(١) ما بين الأقواس «...» زيادة اقتضاها السياق ، ففي أ : ل ، ف ، ح بدأ الكلام : بالجواب وهو «فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أول المرسلين آدم» وهذا الجواب لا بد له من سؤال ، وقد سقط السؤال من جميع النسخ فأضفته.

(٢) فى أزيادة : نسل ، وفى ح : نسل ، وفى ف : فسئل وفى ل : مسيل.

٧٧٥

جماء الغفير (١) ومن الأنبياء من يسمع الصوت فيفقه ، ومن الأنبياء من يوحى إليه فى المنام ، وإن جبريل ليأتى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كما يأتى الرجل صاحبه فى ثياب البياض مكفوفة بالدر والياقوت ورجلاه مغموستان (٢) فى الخضرة (٣) ، قوله ـ تعالى ـ (وَكَذلِكَ) يعنى وهكذا (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) يعنى الوحى بأمرنا كما أوحينا إلى الأنبياء من قبلك حين ذكر الأنبياء من قبله فقال (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) إلى آخر الآية (٤).

قوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ) يا محمد قبل الوحى ما الكتاب (وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ) يعنى القرآن (نُوراً) يعنى ضياء من العمى (نَهْدِي بِهِ) يعنى بالقرآن من الضلالة إلى الهدى (مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٥٢ ـ يعنى إنك لتدعو إلى دين مستقيم يعنى الإسلام (صِراطِ اللهِ) يقول دين الله (الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقه وعبيده وفى قبضته (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) ـ ٥٣ ـ يعنى

__________________

(١) فى أ ، ف : «جم الغفير» وفى ح : «جم الفقير».

أقول : الثابت فى علم التوحيد أن على المؤمن أن يعتقد أن الله أرسل رسلا وأنبياء كثيرين لهداية البشر وعليه أن يفوض معرفة عددهم إلى الله ـ تعالى ـ ، لأن الله يقول : (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) سورة غافر : ٧٨.

وتحديد الرسل بهذا العدد الصغير مرفوض عقلا وشرعا وجميع النسج مضطربة فى هذا الموضع.

(٢) فى أ ، ل : «ورجلاء مغموستان» وفى ف : «ورجلاه مطموستان»

(٣) فى أ ، ف ، ح : «الخضرة» ، وفى ل : «الحضرة».

(٤) الآية ٥١ من سورة الشورى وتمامها (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ).

٧٧٦

أمور الخلائق فى الآخرة تصير إليه فيجزيهم بأعمالهم والله غفور لذنوب العباد رحيم بهم. [١٤١ ب]

قال مقاتل : سيد الملائكة إسرافيل وهو صاحب الصور ، وسيد الأنبياء محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وسيد الشهداء هابيل بن آدم ، وسيد المؤذنين بلال بن رباح ، وسيد الشهور شهر رمضان ، وسيد الأيام يوم الجمعة ، وسيد السباع الأسد ، وسيد الطير النسر ، وسيد الأنعام الثور ، وسيد الوحش الأيل ، وسيد البلاد مكة ، وسيد البقاع بكة ، وسيد البيوت الكعبة ، وسيد البحور بحر موسى ، وسيد الجبال طور سيناء ، وسيد المجالس ما استقبل به القبلة ، وسيد الصلاة صلاة المغرب.

٧٧٧
٧٧٨

سورة الزخرف

٧٧٩
٧٨٠