تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

كقوله ـ عزوجل ـ (وَحاقَ بِهِمْ ...) ودرا بهم الآية (١) ، ثم خوفهم ، فقال : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) ما ينظرون (إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) مثل عقوبة الأمم الخالية ينزل بهم العذاب ببدر كما نزل بأوائلهم (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ) فى العذاب (تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) ـ ٤٣ ـ لا يقدر أحد أن يحول العذاب عنهم ، ثم قال ـ جل وعز ـ يعظهم : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ) [١٠٥ أ] (مِنْ قَبْلِهِمْ) عاد ، وثمود ، وقوم لوط ، (وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) بطشا ، فأهلكناهم (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ) ليفوته (مِنْ شَيْءٍ) من أحد ، كقوله ـ عزوجل ـ : «وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ (٢) ...» وقوله ـ جل وعز ـ فى يس : (... ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ ...) (٣) يعنى من أحد ، يقول لا يسبقه من أحد كان (فِي السَّماواتِ «وَلا فِي الْأَرْضِ») (٤) فيفوته أحد كان فى السموات أو فى الأرض حتى يجزيه بعمله (إِنَّهُ كانَ عَلِيماً) بهم (قَدِيراً) (٥) ـ ٤٤ ـ فى نزول

__________________

(١) يشير إلى الآية ٨ من سورة هود ، وفيها (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) كما ورد النص : (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فى سورة النحل : ٣٤ ، (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) سورة الزمر : ٤٨ ، (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) سورة غافر : ٨٣ ، (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) سورة الجاثية : ٣٣ ، (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ). سورة الأحقاف : ٢٦.

(٢) سورة الممتحنة : ١١.

(٣) سورة يس : ١٥.

(٤) «ولا فى الأرض» : ساقط من أ ، ف.

(٥) «قديرا» : ساقطة من أ ، ف ، ل.

٥٦١

العذاب بهم إذا شاء (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ) كفار مكة (بِما كَسَبُوا) من الذنوب وهو الشرك لعجل لهم العقوبة ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) فوق الأرض من دابة لهلكت الدواب من قحط المطر (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى الوقت الذي فى اللوح المحفوظ (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) «وقت نزول العذاب بهم فى الدنيا» (١) (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ) (٢) (بَصِيراً) ـ ٤٥ ـ لم يزل الله ـ عزوجل ـ بعباده بصيرا.

__________________

(١) فى أ : «الوقت نزل بهم العذاب فى الدنيا» ، والمثبت من ل.

(٢) (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ) : ساقط من أ ، ومثبت فى ل.

٥٦٢

سورة يس

٥٦٣
٥٦٤

(٣٦) سورة يس مكّيّة

وآياتها ثلاث وثمانون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ

٥٦٥

إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣)

٥٦٦

وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً

٥٦٧

تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى

٥٦٨

مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣))

٥٦٩
٥٧٠

سورة يس (*)

سورة يس مكية.

عدد آياتها ثلاث وثمانون آية كوفية (٢).

__________________

(*) معظم مقصود السورة :

تأكيد أمر القرآن ، والرسالة وإلزام الحجة على أهل الضلالة ، وضرب المثل بأهل أنطاكية فى قوله (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) سورة يس : ١٣ وذكر حبيب النجار الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، وبيان البراهين المختلفة فى إحياء الأرض الميتة وإبداء الليل ، والنهار ، وسير الكواكب ، ودور الأفلاك ، وجرى الجواري المنشئات فى البحار ، وذلة الكفار عند الموت ، وحيرتهم ساعة البعث وسعد المؤمنين المطيعين ، وشغلهم فى الجنة ، وميز المؤمن من الكافر فى القيامة ، وشهادة الجوارح على أهل المعاصي بمعاصيهم ، والمنة على الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بصيانته من الشعر ونظمه ، وإقامة البرهان على البعث ، ونفاذ أمر الحق فى كن فيكون ، وكمال ملك ذى الجلال على كل حال فى قوله : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) سورة يس : ٨٣.

وقسورة اسمان : سورة يس ، لافتتاحها بها ، وسورة حبيب النجار لاشتمالها على قصته.

***

(١) فى المصحف (٣٦) سورة يس مكية.

إلا آية ٤٥ فمدنية.

وآياتها ٨٣ نزلت بعد الجن.

٥٧١
٥٧٢

قال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ما أرسل الله إلينا رسولا ، وما أنت برسول وتابعه كفار مكة على ذلك فأقسم الله ـ عزوجل ـ بالقرآن الحكيم يعنى المحكم من الباطل : (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) ـ ٢ ـ (إِنَّكَ) يا محمد (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ـ ٣ ـ (عَلى صِراطٍ) على طريق (مُسْتَقِيمٍ) ـ ٤ ـ دين الإسلام لأن غير دين الإسلام ليس بمستقيم ، ثم قال : هذا القرآن هو (تَنْزِيلَ) من (الْعَزِيزِ) فى ملكه (الرَّحِيمِ) ـ ٥ ـ بخلقة (لِتُنْذِرَ قَوْماً) بما فى القرآن من الوعيد (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) الأولون (فَهُمْ غافِلُونَ) ـ ٦ ـ (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) لقوله لإبليس : (... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ...) (١) لقد حق القول لقد وجب العذاب على أكثر أهل مكة (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ـ ٧ ـ لا يصدقون بالقرآن (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) ـ ٨ ـ وذلك أن أبا جهل بن هشام حلف لئن رأى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليدمغنه ، فأتاه أبو جهل وهو يصلى ومعه الحجر فرفع الحجر ليدمغ النبي [١٠٥ ب] ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيبست يده «والتصق» (٢) الحجر بيده فلما رجع إلى أصحابه خلصوا يده فسألوه فأخبرهم بأمر الحجر ، فقال رجل آخر من بنى المغيرة المخزومي ، أنا أقتله. فأخذ الحجر ، فلما دنا من من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ طمس الله ـ عزوجل ـ على بصره فلم ير النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وسمع قراءته (٣) فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) حين لم يروا

__________________

(١) سورة ص : ٨٥.

(٢) فى الأصل : «التزق».

(٣) فى أ : قرآنه.

٥٧٣

النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ـ ٩ ـ حين لم ير أصحابه فسألوه ما صنعت ، فقال : لقد «سمعت» (١) قراءته وما رأيته فأنزل الله ـ عزوجل ـ فى أبى جهل ـ (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) يعنى بالأذقان الحنك فوق «الغلصمة» (٢) ، يقول رددنا أيديهم فى أعناقهم (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) يعنى أن يجمع يديه إلى عنقه ، وأنزل الله ـ عزوجل ـ فى الرجل الآخر (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) يعنى ظلمة فلم ير النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) فلم ير أصحابه ، الآية (٣) ، وكان معهم الوليد بن المغيرة (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) يا محمد (لا يُؤْمِنُونَ) ـ ١٠ ـ بالقرآن بأنه من الله ـ عزوجل ـ فلم يؤمن أحد من أولئك الرهط من بنى مخزوم ، ثم نزل فى أبى جهل (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ، عَبْداً إِذا صَلَّى) (٤) ثم قال ـ جل وعز ـ : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) القرآن (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ) وخشي عذاب الرحمن (بِالْغَيْبِ) ولم يره (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) لذنوبهم (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) ـ ١١ ـ وجزاء حسنا فى الجنة (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) فى الآخرة (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) فى الدنيا فى حياتهم من خير أو شر عملوه (وَآثارَهُمْ) ما استنوه من سنة ، خير أو شر فاقتدى به من بعد موتهم ، «وإن كان خيرا فله» (٥) مثل أجر من عمل به ، ولا ينقص من أجورهم

__________________

(١) فى الأصل : «سمعة».

(٢) المراد به فوق الحلقوم.

(٣) سورة يس : ٩ ، وتمامها : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ).

(٤) سورة العلق : ٩ ـ ١٠.

(٥) فى أ : «وإن كان خيرا له».

٥٧٤

شيء ، وإن كان شرا فعليه مثل وزر من عمل به ولا ينقص من أوزارهم شيء ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (١) ، ثم قال ـ جل وعز ـ : (وَكُلَّ شَيْءٍ) من الأعمال (أَحْصَيْناهُ) بيانه (فِي إِمامٍ مُبِينٍ) ـ ١٢ ـ كل شيء عملوه فى اللوح المحفوظ (٢) (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) وصف لهم ـ يا محمد ـ شبها لأهل مكة فى الهلاك (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) أنطاكية (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) ـ ١٣ ـ (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ «اثْنَيْنِ») (٣) تومان ويونس (فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) فقوينا يعنى فشددنا الرسولين بثالث حين صدقهما بتوحيد الله وحين أحيا الجارية وكان اسمه شمعون وكان من الحواريين وكان وصى عيسى بن مريم (فَقالُوا) [١٠٦ أ] (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) ـ ١٤ ـ فكذبوهما ولو فعلت ذلك بكم يا أهل مكة لكذبتم ، فقال شمعون للملك : أشهد أنهما رسولان أرسلهما ربك الذي فى السماء ، فقال الملك لشمعون : أخبرنى بعلامة ذلك فقال شمعون : إن ربى أمرنى أن أبعث لك ابنتك ، فذهبوا إلى قبرها ، فضرب القبر برجله. فقال : قومي بإذن إلهنا الذي فى السماء ، الذي أرسلنا إلى هذه القرية واشهدي لنا على والدك فخرجت الجارية من قبرها ، فعرفوها فقالت يا أهل القرية آمنوا بهؤلاء الرسل ، وإنى أشهد أنهم أرسلوا إليكم ، فإن سلمتم يغفر لكم ربكم ، وإن أبيتم ينتقم الله منكم. ثم قالت لشمعون : ردني إلى مكاني فإن القوم لن يؤمنوا لكم ، فأخذ شمعون قبضة من تراب قبرها فوضعها على

__________________

(١) سورة القيامة : ١٣.

(٢) فى أ : زيادة : وذلك قوله ـ عزوجل ـ (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) من الأعمال أحصيناه. وليست فى ل.

(٣) «اثنين» : ساقطة من أ.

٥٧٥

رأسها ، ثم قال عودي مكانك ، فعادت ، فلم يؤمن منهم غير حبيب النجار ، كان من بنى إسرائيل ، وذلك أنه حين سمع بالرسل جاء مسرعا فآمن وترك عمله ، وكان قبل إيمانه مشركا (قالُوا) فقال القوم للرسل : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) ـ ١٥ ـ وكان «فعل» (١) شمعون من الحواريين فقال شمعون : (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) أرسلنا إليكم ربكم الذي فى السماء (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) ما نرى لكم علينا من فضل فى شيء (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) وما أرسل الرحمن من أحد يعنى لم يرسل رسولا الآية ، (قالُوا) (٢) فقالت الرسل (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) ـ ١٦ ـ فإن كذبتمونا (وَما) (٣) (عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ـ ١٧ ـ ما علينا إلا أن نبلغ ، ونعلمكم ونبين لكم أن الله واحد لا شريك فقال القوم للرسل : (قالُوا) (٤) (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) يقول تشاء منا بكم وذلك أن المطر حبس عنهم ، فقالوا أصابنا هذا الشر يعنون قحط المطر من قبلكم (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ) لئن لم تسكتوا عنا لنقتلنكم (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ) يعنى وليصيبنكم (مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ١٨ ـ يعنى وجيعا (قالُوا) (٥) فقالت الرسل : (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) الذي أصابكم كان مكتوبا فى أعناقكم (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) أئن وعظتم بالله ـ عزوجل ـ تطيرتم بنا (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) ـ ١٩ ـ قوم مشركون والشرك أسرف الذنوب (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) على رجليه اسمه حبيب

__________________

(١) من ل وحدها ، وفى أ : فعل.

(٢) «قالوا» : ساقطة من الأصل.

(٣) فى أ : «فما».

(٤) «قالوا» : ساقطة من أ.

(٥) «قالوا» : ساقطة من أ.

٥٧٦

ابن «ابريا (١) أعور نجار» من بنى إسرائيل كان فى غار يعبد الله ـ عزوجل ـ فلما سمع بالرسل أتاهم وترك عمله : (قالَ) (٢) (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) ـ ٢٠ ـ الثلاثة تومان ويونس وشمعون [١٠٦] (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ـ ٢١ ـ فأخذوه فرفعوه إلى الملك ، فقال له برئت منا واتبعت عدونا فقال : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) خلقني (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ـ ٢٢ ـ (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) لا تقدر الآلهة أن تشفع لي فتكشف الضر عنى شفاعتها (وَلا يُنْقِذُونِ) ـ ٢٣ ـ من الضر (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ٢٤ ـ لفي خسران بين أن اتخذت من دون الله ـ جل وعز ـ آلهة فوطئ حتى خرجت معاه من دبره فلما أمر بقتله قال : يا قوم ، (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) ـ ٢٥ ـ فقتل ، ثم ألقى فى البئر وهي الرس ، وهم أصحاب «الرس» (٣) وقتل الرسل الثلاثة (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) فلما ذهبت روح حبيب إلى الجنة ودخلها وعاين ما فيها من النعيم تمنى فى (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) ـ ٢٦ ـ بنى إسرائيل (بِما) بأى شيء (غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) ـ ٢٧ ـ باتباعى المرسلين فلو علموا لآمنوا بالرسل فنصح لهم فى حياته ، وبعد موته ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) «يعنى من بعد قتل حبيب النجار» (٤) (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) ـ ٢٨ ـ الملائكة (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) من جبريل ـ عليه‌السلام ـ ليس لها مثنوية (فَإِذا

__________________

(١) «أبريا أعور نجار» : كذا فى أ ، ل.

(٢) فى أ : «فقال».

(٣) فى أ : «الرسل» ، ل : «الرس».

(٤) من ، وفى أ : «يعنى من حبيب».

٥٧٧

هُمْ خامِدُونَ) ـ ٢٩ ـ موتى مثل النار إذا طفئت لا يسمع لها صوت ، وقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إن صاحب يس اليوم فى الجنة ومؤمن آل فرعون ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون» (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) يا ندامة للعباد فى الآخرة باستهزائهم بالرسل فى الدنيا ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ـ ٣٠ ـ ، ثم خوف كفار مكة فقال : («أَلَمْ» (١) يَرَوْا) ألم يعلموا (كَمْ أَهْلَكْنا) بالعذاب (قَبْلَهُمْ) قبل كفار مكة (مِنَ الْقُرُونِ) الأمم : عاد وثمود وقوم لوط ، فيرى أهل مكة من هلاكهم (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) إلى الحياة الدنيا (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) ـ ٣٢ ـ عندنا فى الآخرة ، ثم وعظ كفار مكة فقال ـ عزوجل ـ : (وَآيَةٌ لَهُمُ) وعلامة لهم (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) بالمطر فتنهت (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) البر والشعير الحبوب كلها (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) ـ ٣٣ ـ (وَجَعَلْنا «فِيها») (٢) فى الأرض (جَنَّاتٍ) بساتين (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ) ـ ٣٤ ـ الجارية (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) يقول [١٠٧ أ] لم يكن ذلك من صنع أيديهم ولكنه من فعلنا (أَفَلا يَشْكُرُونَ) ـ ٣٥ ـ رب هذه النعم فيوحدوه (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) الأصناف كلها (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) مما تخرج الأرض من ألوان النبات والشجر (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) الذكر والأنثى (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) ـ ٣٦ ـ من الخلق ، ثم قال ـ جل وعز ـ : (وَآيَةٌ لَهُمُ) يقول من علامة الرب لأهل مكة إذ لم يروه (اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ) «ننزع» (٣)

__________________

(١) فى أ : «أو لم».

(٢) فى أ : «فى».

(٣) فى أ : «ننزح» ، ل : «ننزع».

٥٧٨

منه (النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) ـ ٣٧ ـ بالليل ، مثل قوله ـ عزوجل ـ : «... الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ (١) مِنْها ...» (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) لوقت لها إلى يوم القيامة ، قال أبو ذر الغفاري : غربت الشمس يوما ، فسألت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أين تغرب الشمس؟ فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تغرب فى عين حمئة وطينة سوداء ، ثم تخر ساجدة تحت العرش فتستأذن فيأذن لها فكأن قد قيل لها ارجعي إلى حيث تغربين (٢).

(ذلِكَ) الذي ذكر من الليل والنهار ، والشمس والقمر يجرى فى ملكه بما قدر من أمرهما وخلقهما (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ـ ٣٨ ـ ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) فى السماء يزيد ، ثم يستوي ، ثم ينقص فى آخر الشهر (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ) حتى عاد مثل الخيط كما يكون أول ما استهل فيه «كالعرجون» يعنى العذق اليابس المنحنى (الْقَدِيمِ) ـ ٣٩ ـ الذي أتى عليه الحول. ثم قال ـ جل وعز ـ : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) فتضيء مع ضوء القمر ، «لأن» (٣) الشمس سلطان النهار ، والقمر سلطان الليل ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) يقول «ولا يدرك» (٤) سواد الليل

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٧٥.

(٢) الحديث فى البخاري بلفظ آخر هو : «عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : «خرجت مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والشمس على سعف النخيل. فقال لي : يا أبا هريرة ، ما بقي من الدنيا إلا كما بقي من يومكم هذا ، أتدري أين تغيب هذه الشمس؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال إنها تذهب تحت ساق العرش فتستأذن فى السجود فيؤذن لها ثم تستأذن فى الشروق فيؤذن لها ، وإنها توشك أن تستأذن فلا يؤذن لها فذاك قيام الساعة».

أو كما قال :

(٣) «لأن» : ساقطة من أ ، وهي من ل.

(٤) فى أ : «ولا يدرى» ، ل : «ولا يدرك» ، وفى حاشية أ : «ولا يدرك». محمد.

٥٧٩

ضوء النهار فيغلبه على ضوئه (وَكُلٌ) الليل والنهار (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ـ ٤٠ ـ فى دوران يجرون يعنى الشمس والقمر يدخلان تحت الأرض من قبل المغرب فيخرجان من تحت الأرض ، حتى يخرجا من قبل المشرق ، ثم يجريان فى السماء حتى يغربا قبل المغرب ، فهذا دورانهما فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يقول وكلاهما فى دوران يجريان إلى يوم القيامة (وَآيَةٌ لَهُمْ) وعلامة لهم يعنى كفار مكة (أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) ذرية أهل مكة فى أصلاب آبائهم (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) ـ ٤١ ـ يعنى الموقر من الناس والدواب (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ) وجعلنا لهم من شبه سفينة نوح (ما يَرْكَبُونَ) ـ ٤٢ ـ فيها (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) فى الماء (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) لا مغيث لهم [١٠٧ ب] (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) ـ ٤٣ ـ من الغرق (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) إلا نعمة منا حين لا نغرقهم (وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) ـ ٤٤ ـ وبلاغا إلى آجالهم (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) يقول لا يصيبكم منا عذاب الأمم الخالية «قبلكم» (١) (وَما خَلْفَكُمْ) واتقوا ما بعدكم من عذاب الأمم فلا تكذبوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ـ ٤٥ ـ لكي ترحموا (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ «إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ») (٢) ـ ٤٦ ـ فلا يتفكروا (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا) وذلك أن المؤمنين قالوا بمكة لكفار قريش ، لأبى سفيان وغيره أنفقوا على المساكين «من» (٣) الذي زعمتم أنه لله وذلك أنهم كانوا يجعلون نصيبا لله من الحرث والأنعام بمكة ، للمساكين ، فيقولون هذا لله بزعمهم ،

__________________

(١) فى أ : «قبلهم» ، ل : «قبلكم».

(٢) (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) : ليست فى أ ، وهي فى ل.

(٣) «من» : زيادة اقتضاها السياق ، ليست فى أ ، ولا فى ل.

٥٨٠