تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

سورة المؤمنون

١٤١
١٤٢

(٢٣) سورة المومنون مكية

وآياتها نماني عشرة ومائة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ

١٤٣

لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦) وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى

١٤٤

الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣)

١٤٥

وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً

١٤٦

إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠)

١٤٧

وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧)

١٤٨

قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠) مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨) حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا

١٤٩

وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨))

١٥٠

سورة المؤمنون (١)

سورة المؤمنين مكية «كلها» (٢) ، «وهي مائة وثماني عشرة آية كوفية (٣)

__________________

(١) مقصود السورة إجمالا :

معظم ما اشتملت عليه السورة ما يأتى :

الفتوى بفلاح المؤمنين والدلالة على أخلاق أهل الإسلام وذكر العجائب فى خلق الأولاد فى الأرحام ، والإشارة إلى الموت والبعث ، ومنة الحق على الخلق بإنبات الأشجار وإظهار الأنهار ، وذكر المراكب ، والإشارة إلى هلاك قوم نوح ومذمة الكفار ، وأهل الإنكار ، وذكر عيسى ومريم ، وإيوائهما إلى ربوة ذات قرار ، وإمهال الكفار فى المعاصي ، والمخالفات ، وبيان حال المؤمنين فى العبادات ، والطاعات ، وبيان حجة التوحيد وبرهان النبوات ، وذل الكفار بعد الممات ، وعجزهم فى جهنم حال العقوبات ، ومكافأتهم فى العقبى على حسب أعمالهم فى الدنيا ، وتهديد أهل اللهو ، واللغو والغفلات ، وأمر الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بدعاء الأمة وسؤال المغفرة لهم والرحمات فى قوله : (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) : ١١٨.

(٢) «كلها» : من ز وحدها.

(٣) ما بين القوسين «...» : من أوحدها والموجود فى أ : وهي مائة وثمانية عشر آية فأصلحتها وفى المصحف :

(٢٣) سورة المؤمنون مكية وآياتها ١١٨ نزلت بعد سورة الأنبياء.

وسميت سورة المؤمنين لافتتاحها بفلاح المؤمنين.

١٥١

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ـ ١ ـ يعنى سعد المؤمنون يعنى المصدقين بتوحيد الله ـ عزوجل ـ ، ثم نعتهم فقال ـ سبحانه ـ : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) ـ ٢ ـ يقول متواضعون يعنى إذا صلى لم يعرف من عن يمينه ومن عن شماله (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) ـ ٣ ـ يعنى اللغو : الشتم والأذى إذا سمعوه من كفار مكة لإسلامهم ، وفيهم نزلت (... مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ...) (١) يعنى معرضين عنه (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) ـ ٤ ـ يعنى زكاة أموالهم (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) ـ ٥ ـ عن الفواحش ، ثم استثنى فقال ـ سبحانه ـ : (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) يعنى حلائلهم (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) من الولائد (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) ـ ٦ ـ يعنى لا يلامون على الحلال (٢) (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) ـ ٧ ـ يقول فمن ابتغى [٢٩ ب] الفواحش بعد الحلال فهو معتد (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) ـ ٨ ـ يقول يحافظون على أداء الأمانة ووفاء العهد (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) ـ ٩ ـ على المواقيت ، ثم أخبر بثوابهم فقال : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ) ـ ١٠ ـ ثم بين ما يرثون فقال : (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) يعنى البستان عليه الحيطان ، بالرومية (هُمْ

__________________

(١) سورة الفرقان : ٧٢.

(٢) فى ر : الحلال ، أ : الحلائل.

١٥٢

فِيها خالِدُونَ) ـ ١١ ـ يعنى فى الجنة لا يموتون ، قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) يعنى آدم ـ صلى الله عليه ـ (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) ـ ١٢ ـ والسلالة : إذا عصر الطين انسل الطين والماء من بين أصابعه (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً) يعنى ذرية آدم (فِي قَرارٍ مَكِينٍ) ـ ١٣ ـ يعنى الرحم : تمكن النطفة فى الرحم (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) يقول تحول الماء فصار دما (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) يعنى فتحول الدم فصار لحما (١) مثل المضغة (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ) يقول خلقناه ، (خَلْقاً آخَرَ) يعنى الروح ينفخ فيه بعد خلقه ، فقال عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ قبل أن يتم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الآية ـ (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) ـ فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هكذا أنزلت يا عمر.

(فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) ـ ١٤ ـ يقول هو أحسن المصورين يعنى من الذين خلقوا التماثيل وغيرها التي لا يتحرك منها شيء (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ) الخلق بعد ما ذكر من تمام خلق الإنسان (لَمَيِّتُونَ) ـ ١٥ ـ عند آجالكم (ثُمَّ إِنَّكُمْ) بعد الموت (يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) ـ ١٦ ـ يعنى تحيون بعد الموت (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) يعنى سموات غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) ـ ١٧ ـ يعنى عن خلق السماء وغيره (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) ما يكفيكم من المعيشة يعنى العيون (فَأَسْكَنَّاهُ) يعنى فجعلنا (فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) ـ ١٨ ـ فيغور (٢) فى الأرض يعنى فلا يقدر عليه (فَأَنْشَأْنا) يعنى فخلقنا (لَكُمْ بِهِ) بالماء (جَنَّاتٍ) يعنى البساتين

__________________

(١) فى أ : لحما ، ز : دما.

(٢) فى أ : فنعود به ، ز فيغور.

١٥٣

(مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ـ ١٩ ـ ثم قال : (وَ) خلقنا (شَجَرَةً) يعنى الزيتون وهو أول زيتونة خلقت (تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) يقول تنبت فى أصل الجبل الذي كلم الله ـ عزوجل ـ عليه موسى ـ عليه‌السلام ـ (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) يعنى تخرج بالذي فيه الدهن (١) [٣٠ أ] يقول هذه الشجرة تشرب الماء وتخرج الزيت فجعل الله ـ عزوجل ـ فى هذه الشجرة أدما ودهنا (وَ) هي (صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) ـ ٢٠ ـ وكل جيلى يجمل الثمار فهو سيناء يعنى الحسن (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ) يعنى الإبل والبقر والغنم (لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها) يعنى اللبن (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) يعنى فى ظهورها وألبانها وأوبارها وأصوافها وأشعارها (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ـ ٢١ ـ يعنى من النعم (٢) ، ثم قال : (وَعَلَيْها) يعنى الإبل (وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) ـ ٢٢ ـ على ظهورها فى أسفاركم ففي هذا الذي ذكر من هؤلاء الآيات عبرة فى توحيد الرب ـ عزوجل.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) يعنى وحدوا الله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) ليس لكم رب غيره (أَفَلا تَتَّقُونَ) ـ ٢٣ ـ يقول أفلا تعبدون الله ـ عزوجل ـ (فَقالَ الْمَلَأُ) يعنى الأشراف (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا) يعنون نوحا (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ليس له عليكم فضل فى شيء فتتبعونه (يُرِيدُ) نوح (أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ) يعنى لأرسل (مَلائِكَةً) إلينا فكانوا رسله (ما سَمِعْنا بِهذا) التوحيد (فِي آبائِنَا

__________________

(١) فى حاشية ا : وأما الذهن بكسر الذال المعجمة فهو الشحم وغيره.

(٢) فى ز : الغنم ، وفى أ : النعم ، وفى حاشية أ : فى الأصل الغنم.

١٥٤

الْأَوَّلِينَ) ـ ٢٤ ـ (إِنْ هُوَ) يعنون نوحا (إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) يعنى جنونا (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) ـ ٢٥ ـ يعنون الموت (قالَ) نوح : (رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) ـ ٢٦ ـ يقول انصرني بتحقيق قولي فى العذاب بأنه نازل بهم فى الدنيا (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) يقول اجعل السفينة (١) (بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) كما نأمرك (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) يقول ـ عزوجل ـ فإذا جاء قولنا فى نزول العذاب بهم فى الدنيا يعنى الغرق (وَفارَ) الماء من (التَّنُّورُ) وكان التنور فى أقصى مكان من دار نوح وهو التنور الذي يخبز فيه «وكان فى الشام بعين وردة» (٢) (فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ذكر وأنثى (وَأَهْلَكَ) فاحملهم معكم فى السفينة ، ثم استثنى من الأهل (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) يعنى من سبقت عليهم كلمة العذاب فكان ابنه وامرأته ممن سبق عليه القول من أهله ، ثم قال ـ تعالى ـ : (وَلا تُخاطِبْنِي) يقول ولا تراجعني (فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) يعنى أشركوا (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) ـ ٢٧ ـ يعنى بقوله ولا تخاطبني. قول نوح ـ عليه‌السلام ـ لربه ـ عزوجل ـ «... إن ابني من أهلي ...» (٣) يقول الله ولا تراجعني فى ابنك كنعان ، فإنه من الذين ظلموا [٣٠ ب] ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ) من المؤمنين (عَلَى الْفُلْكِ) يعنى السفينة (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ـ ٢٨ ـ يعنى المشركين (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي) من السفينة (مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) ـ ٢٩ ـ من غيرك يعنى بالبركة

__________________

(١) من ز ، وفى أ : أن اجعل الفلك.

(٢) «وكان فى الشام بعين وردة» : من أ ، وليست فى ز.

(٣) سورة هود : ٤٥.

١٥٥

أنهم توالدوا وكثروا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) يقول إن فى هلاك قوم نوح «بالغرق» (١) لعبرة لمن بعدهم ، ثم قال : (وَإِنْ) يعنى وقد (كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) ـ ٣٠ ـ بالغرق ، (ثُمَّ أَنْشَأْنا) يعنى خلقنا (مِنْ بَعْدِهِمْ) يعنى من بعد قوم نوح (قَرْناً آخَرِينَ) ـ ٣١ ـ وهم قوم هود ـ عليه‌السلام ـ (فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) يعنى من أنفسهم (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) يعنى أن وحدوا الله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) يقول ليس لكم رب غيره (أَفَلا تَتَّقُونَ) ـ ٣٢ ـ يعنى أفهلا تعبدون الله ـ عزوجل ـ (وَقالَ الْمَلَأُ) يعنى الأشراف (مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ) يعنى بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال (وَأَتْرَفْناهُمْ) يعنى وأغنيناهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا) يعنون هودا ـ عليه‌السلام ـ (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ليس له عليكم فضل (يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) ـ ٣٣ ـ (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) ـ ٣٤ ـ يعنى لعجزة مثلها فى يوسف (٢) ـ عليه‌السلام ـ.

(أَيَعِدُكُمْ) هود (أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) ـ ٣٥ ـ من الأرض أحياء بعد الموت (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) ـ ٣٦ ـ يقول هذا حديث قد درس فلا يذكر (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) يعنى نموت نحن ويحيا آخرون من أصلابنا فنحن كذلك أبدا (وَما نَحْنُ

__________________

(١) «بالغرق» : من ز ، وفى أ : «فى الغرق».

(٢) يشير إلى الآية ١٤ من سورة يوسف وهي (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ).

١٥٦

بِمَبْعُوثِينَ) ـ ٣٧ ـ بعد الموت مثلها فى الجاثية» (١). (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) (٢) ـ ٣٨ ـ (قالَ) (٣) هو : «رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ» ـ ٣٩ ـ وذلك أن هودا ـ عليه‌السلام ـ أخبرهم أن العذاب نازل بهم فى الدنيا فكذبوه ، فقال : رب انصرني بما كذبون فى أمر العذاب. (قالَ عَمَّا قَلِيلٍ) قال عن قليل (لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) ـ ٤٠ ـ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِ) يعنى صيحة جبريل ـ عليه‌السلام ـ فصاح صيحة واحدة فماتوا أجمعين فلم يبق منهم أحد (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) يعنى كالشيء البالي من نبت الأرض يحمله السيل ، فشبه أجسادهم بالشيء البالي (فَبُعْداً) فى الهلاك (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ـ ٤١ ـ يعنى المشركين (ثُمَّ أَنْشَأْنا) يعنى خلقنا (مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ) ـ ٤٢ ـ يعنى قوما آخرين فأهلكناهم [٣١ أ] بالعذاب فى الدنيا (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) ـ ٤٣ ـ عنه (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) يعنى الأنبياء تترا : بعضهم على أثر بعض (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) فلم يصدقوه (فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً) فى العقوبات (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) لمن بعدهم من الناس يتحدثون بأمرهم وشأنهم (فَبُعْداً) فى الهلاك (لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) ـ ٤٤ ـ يعنى لا يصدقون بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) ـ ٤٥ ـ (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) يعنى الأشراف واسم فرعون قيطوس بآياتنا : اليد

__________________

(١) يشير إلى الآية ٢٤ من سورة الجاثية وهي : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ).

(٢) الآية ٣٨ ساقطة من ا ، ل ، ز.

(٣) فى ا ، ل : فقال ، ز : قال.

١٥٧

والعصا وسلطان مبين يعنى حجة بينة (١) (فَاسْتَكْبَرُوا) يعنى فتكبروا عن الإيمان بالله ـ عزوجل ـ (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) ـ ٤٦ ـ يعنى متكبرين عن توحيد الله (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) يعنى أنصدق إنسانين مثلنا ليس لهما علينا فضل (وَقَوْمُهُما) يعنى بنى إسرائيل (لَنا عابِدُونَ) ـ ٤٧ ـ (فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) ـ ٤٨ ـ بالغرق (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعنى التوراة (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) ـ ٤٩ ـ من الضلالة يعنى بنى إسرائيل لأن التوراة نزلت بعد هلاك فرعون وقومه ، قوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ) يعنى عيسى وأمه مريم ـ عليهما‌السلام ـ (آيَةً) يعنى عبرة لبنى إسرائيل لأن (٢) مريم حملت من غير بشر وخلق ابنها من غير أب (وَآوَيْناهُما) من الأرض المقدسة (إِلى رَبْوَةٍ) يعنى الغوطة من أرض الشام بدمشق يعني بالربوة المكان المرتفع من الأرض (ذاتِ قَرارٍ) يعنى استواء (وَمَعِينٍ) ـ ٥٠ ـ يعنى الماء الجاري (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ) يعنى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) الحلال من الرزق (وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ـ ٥١ ـ (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) يقول هذه ملتكم التي أنتم عليها يعنى ملة الإسلام ملة واحدة عليها كانت الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ والمؤمنون الذين نجوا من العذاب ، «الذين ذكرهم الله ـ عزوجل ـ فى هذه السورة (٣)» ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) ـ ٥٢ ـ

__________________

(١) (بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) : جزء من آية أخرى لا من هذه الآية ، وقد فسر هذا الجزء فى أ ، ل ، ز.

(٢) فى أ : أن ، ز : لأنها.

(٣) ما بين القوسين «...» : من أ ، وليس فى ز.

١٥٨

يعنى فاعبدون بالإخلاص (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) يقول فارقوا دينهم الذي أمروا به فيما بينهم ، ودخلوا فى غيره (زُبُراً) يعنى قطعا (١) كقوله (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ...) (٢) يعنى قطع الحديد يعنى فرقا فصاروا أحزابا (٣) يهودا ، ونصارى وصابئين ومجوسا وأصنافا شتى كثيرة ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ـ ٥٣ ـ يقول كل أهل بما عندهم من الدين راضون به (٤) ، ثم ذكر كفار مكة فقال ـ تعالى ـ [٣١ ب] للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) ـ ٥٤ ـ يقول خل عنهم فى غفلتهم إلى أن أقتلهم ببدر ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ) يعنى نعطيهم (مِنْ مالٍ وَبَنِينَ) ـ ٥٥ ـ (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) يعنى المال والولد لكرامتهم على الله ـ عزوجل ـ يقول : (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ٥٦ ـ أن الذي أعطاهم من المال والبنين هو شر لهم : «... إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ...» (٥) ثم ذكر المؤمنين فقال ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) ـ ٥٧ ـ يعنى من عذابه (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) ـ ٥٨ ـ يعنى هم يصدقون بالقرآن أنه من الله ـ عزوجل (٦) ـ ، ثم قال ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) ـ ٥٩ ـ معه غيره

__________________

(١) فى ز : كقوله فى الكهف.

(٢) سورة الكهف : ٩٦.

(٣) فى أ : أديانا ، ز : أحزابا.

(٤) فى أ : بياض ، ز : به.

(٥) سورة آل عمران : ١٧٨.

(٦) من ز ، وفى أ : يقول الذين بالقرآن يصدقون بأنه من الله ـ عزوجل ـ.

١٥٩

«ولكنهم يوحدون ربهم» (١) (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا) يعنى يعطون ما أعطوا من الصدقات والخيرات (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) (٢) يعنى خائفة لله من عذابه يعلمون (أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) ـ ٦٠ ـ فى الآخرة فيعملون على علم فيجزيهم بأعمالهم ، فكذلك المؤمن ينفق ويتصدق وجلا من خشية الله ـ عزوجل ـ ، ثم نعتهم فقال : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) يعنى يسارعون فى الأعمال الصالحة التي ذكرها لهم فى هذه الآية (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) ـ ٦١ ـ الخيرات التي يسارعون إليها (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) يقول لا نكلف نفسا» (٣) من العمل إلا ما أطاقت «(وَلَدَيْنا) يعنى وعندنا (كِتابٌ) يعنى أعمالهم التي يعملون فى اللوح المحفوظ» (٤) (يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ـ ٦٢ ـ فى أعمالهم (بَلْ قُلُوبُهُمْ) يعنى الكفار (فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا) يقول فى غفلة من إيمان بهذا القرآن (وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ) يقول لهم أعمال خبيثة دون الأعمال الصالحة يعنى غير الأعمال الصالحة التي ذكرت عن المؤمنين فى هذه الآية وفى الآية الأولى (هُمْ لَها عامِلُونَ) (٥) ـ ٦٣ ـ يقول هم لتلك الأعمال الخبيثة (٦) عاملون التي هي فى اللوح المحفوظ أنهم سيعلمونها لا بد لهم من أن يعملوها. (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) يعنى أغنياءهم وجبابرتهم (بِالْعَذابِ) يعنى القتل

__________________

(١) ما بين القوسين «...» من أ ، وليس فى ز.

(٢) تفسيرها من ز ، وهو مضطرب فى أ.

(٣) فى أ : نفس ، ز : لا نكلفها من العمل إلا ما أطاقت.

(٤) ما بين القوسين «...» : من أ ، وفى ز : «ولدينا» يقول وعندنا «كتاب» نسخة أعمالهم التي يعملون مكتوب فى اللوح المحفوظ.

(٥) فى أ ، (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) ، وفى ز : «صواب».

(٦) فى أ : الحسنة ، ز : الخبيثة.

١٦٠